صراط علي
08-02-2010, 12:17 AM
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
قال دفاعا عن علم الصحابة : " والصحابة (رض) هم أعلم الناس بعد رسول الله (ص)، وكانوا يروون حديث رسول الله (ص) ، وإذا كان أصحاب رسول الله (ص) ينقلون حديث رسول الله (ص) بغير فهم أو علم فيغيرون المعنى وقد يؤدي إلى عكس المقصود فمن إذا يفهم ؟ ... أليسوا أصحاب رسول لله (ص) هم الذين كان رسول الله (ص) يرسلهم ليعلموا الناس دينهم " .
أقول : إن أكبر خلل فكري يعيشه السنة يتعلق بالصحابة ومحاور الخلل متعددة فتارة هو يتعلق :
1- بتعريف الصحابي ، وأن كل من لاقى الرسول (ص) ولو مرة واحدة هو صحابي .
2- وأخرى بعدالة الصحابة ، وإن كلهم عدول من أسلم قبل الفتح أو بعده من تلبس بالفتنة وغيره .
3- وثالثة بعلم الصحابة وتحديد العالم من غيره ، وهوكلام القائل هنا إنهم كلهم علماء .
4- ورابعة بطريقة التعامل مع أخطاء الصحابة بل انحرافاتهم الواضحة ، فيصل الأمر عندهم إلى أن يصرح العظيم آبادي في ( عون المعبود ) : " إن الصحابة خصوا في ترك الحدود بما لم يخص به غيرهم فلأجل ذلك لا يفسقون بما يفسق به غيرهم خصوصية لهم … وقد ترك عمر إقامة حد الخمر على فلان لأنه من أهل بدر وقد ورد فيهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " (1) .
فبالنسبة لمحور العلم الذي نتحدث عنه الآن فالعجب من مقولة كل الصحابة علماء ؟! فنحن لا نجد مجتمعا من المجتمعات كلهم كانوا متخصصين في معرفة الدين ، وهكذا بالنسبة إلى الطبقات التالية للصحابة ، لم يقل أحد إن كل التابعين كانوا علماء ، فلماذا يراد من الأمة أن تعتقد أن الصحابة كلهم علماء ؟!
نعم إن قصد بذلك مجموعة خاصة من الصحابة ممن لاقى النبي (ص) وتعلم منه فالحق مع القائل ، وإن كنا سنختلف في تحديد من تعلم ممن لم يتعلم ، ومن هو عالم حقا ومن تلبس بلباس العلماء منهم .
وإما إن قصد بذلك كل من لاقى النبي (ص) كما هو ظاهر تعريفهم للصحابي فهي الطامة الكبرى ، كيف والبخاري ينقل في صحيحه عن أبي هريرة قوله : " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ثم يتلو إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات إلى قوله الرحيم ، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله (ص) بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون " (2) .
وقد ذكر البخاري الخبر في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة تحت باب الحجة على من قال إن أحكام النبي (ص) كانت ظاهرة وماكان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي (ص) وأمور الإسلام .
وقال ابن حجر شارحا عنوان الباب و الخبر : " ... وهذه الترجمة معقودة لبيان أن كثيرا من الأكابر من الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي (ص) أو يفعله من الأعمال التكليفية ، فيستمر على ما كان أطلع عليه هو إما على المنسوخ لعدم اطلاعه على ناسخه واما على البراءة الأصلية ... ، قلت : وقد عقد البيهقي في المدخل باب الدليل على أنه قد يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الذي يعلمه غيره ، ثم ذكر حديث أبي بكر في الجدة ، وهو في الموطأ ، وحديث عمر في الاستئذان ، وهو المذكور في هذا الباب ، وحديث ابن مسعود في الرجل الذي عقد على امرأة ثم طلقها فأراد أن يتزوج أمها ، فقال : لا بأس ، واجازته بيع الفضة المكسرة بالصحيحة متفاضلا ، ثم رجوعه عن الأمرين معا لما سمع من غيره من الصحابة النهي عنهما ، وأشياء غير ذلك ، وذكر فيه حديث البراء : ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي (ص) كانت لنا صنعة وأشغال ولكن كان الناس لا يكذبون ، فيحدث الشاهد الغائب وسنده ضعيف ، وكذا حديث أنس ما كل ما نحدثكم عن رسول الله (ص) سمعناه ، ولكن لم يكذب بعضنا بعضا " (3) .
هذا وقد روى البخاري اعتراف عمر إنه من الملتهين بالصفق بالأسواق ، قال : عن عبيد الله بن عمير : " أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب (رض)، فلم يؤذن له وكأنه كان مشغولا ، فرجع أبو موسى ففرغ عمر ، فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له ، قيل : قد رجع ، فدعاه ، فقال :كنا نؤمر بذلك ، فقال : تأتيني على ذلك بالبينة ، فانطلق إلى مجلس الأنصار ، فسألهم ، فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري ، فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر : أخفي هذا علي من أمر رسول الله (ص) ، ألهاني الصفق بالأسواق يعني الخروج إلى التجارة " (4) .
وموارد جهل بعض كبار الصحابة بالمسلمات من الأحكام متعددة
ذكر البيهقي في ( المدخل إلى السنن ) عن هشام بن يحيى المخزومي أن رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب (رض) فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر ، ألها أن تنفر قبل أن تطهر ؟ فقال عمر (رض): لا ، فقال له الثقفي : إن رسول الله (ص) أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت ، قال : فقام إليه عمر (رض) يضربه بالدرة ، ويقول : لم تستفتوني في شيء قد أفتى فيه رسول الله (ص) " (5) ؟
وكذلك نقل البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب قول الله تعالى " وكلوا واشربوا " عن عدي بن حاتم قال : لما نزلت ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل ، فلا يستبين لي ، فغدوت على رسول الله (ص) فذكرت له ذلك ، فقال : إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" (6).
فهذا شاهد على أن الصحابة لم يكونوا يفهمون المعنى الشرعي للآيات كما ينبغي ، ولو لم يراجع عدي بن حاتم رسول الله (ص) في ذلك الأمر لبقي على اعتقاده في الآية ، ثم صار فعله حجة بعد وفاة رسول الله (ص) كفعل باقي الصحابة ، وقس في تاريخ الصحابة من أمثلة هذه الحادثة الكثير .
ويقول ابن حزم في كتابه ( الإحكام ) :
" فمن المحال أن يأمر رسول الله (ص) باتباع كل قائل من الصحابة (رض) ، وفيهم من يحلل الشيء وغيره منهم يحرمه ، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب ، ولكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة وحراما اقتداء بغيره منهم ، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبا اقتداء بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب ، وحراما اقتداء بعائشة وابن عمر ، ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيها حلالا اقتداء بعمر حراما اقتداء بغيره منهم ، وكل هذا مروي عندنا بالأسانيد الصحيحة تركناها خوف التطويل بها ، وقد بينا آنفا إخباره عليه السلام أبا بكر بأنه أخطأ .
وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم في عصره (ص) فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطىء المخطىء ، فذلك بعد موته (ص) أفشى وأكثر ، فمن ذلك فتيا أبي السنابل لسبيعة الأسلمية بأن عليها في العدة آخر الأجلين فأنكر (ص) ذلك وأخبر أن فتياه باطل .
وقد أفتى بعض الصحابة وهو (ص) حي بأن على الزاني غير المحصن الرجم حتى افتداه والده بمائة شاة ووليدة فأبطل (ص) ذلك الصلح وفسخه ، وذكر (ص) السبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، فقال بعض الصحابة هم قوم ولدوا على الإسلام فخطأ النبي (ص) قائل ذلك .
وقالوا إذا نام النبي (ص) عن صلاة الصبح ما كفارة ما صنعنا ؟ فأنكر النبي (ص) قولهم ذلك ، وأراد طلحة بحضرة عمر بيع الذهب بالفضة نسيئة ، فأنكر ذلك عمر ، وأخبر أن النبي (ص) حرم ذلك .
وباع بلال صاعين من تمر بصاع من تمر ، فأنكر النبي (ص) ذلك ، وأمره بفسخ تلك البيعة ، وأخبره أن هذا عين الربا ، وباع بعض الصحابة بريرة ، واشترط الولاء ، فأنكر النبي (ص) ذلك ، ولام عليه ، وقال عمر لأهل هجرة الحبشة : نحن أحق برسول الله (ص) منكم ، فكذبه النبي (ص) في ذلك … " ، ثم ساق ابن حزم أمثلة أخرى (7) .
وقال في الختام :
" وأما قولهم إن الصحابة (رض) شهدوا الوحي فهم أعلم به فإنه يلزمهم على هذا أن التابعين شهدوا الصحابة فهم أعلم بهم فيجب تقليد التابعين ، وهكذا قرنا فقرنا حتى يبلغ الأمر إلينا فيجب تقليدنا ، وهذه صفة دين النصارى في اتباعهم أساقفتهم وليست صفة ديننا " (8) .
==================
(1) عون المعبود في شرح سنن بي داود ج12 ص 120 .
(2) البخاري ج1 ص 40 ، وروى مسلم مثله في صحيحه ج4 ص1939 .
(3) فتح الباري ج13 ص 321 .
(4) صحيح البخاري ج3 ص72 ، ورواه مسلم في صحيحه ج3 ص 1695 .
(5) المدخل إلى السنن الكبرى ج 1 ص 104 .
(6) صحيح البخاري ج 3 ص36 .
قال دفاعا عن علم الصحابة : " والصحابة (رض) هم أعلم الناس بعد رسول الله (ص)، وكانوا يروون حديث رسول الله (ص) ، وإذا كان أصحاب رسول الله (ص) ينقلون حديث رسول الله (ص) بغير فهم أو علم فيغيرون المعنى وقد يؤدي إلى عكس المقصود فمن إذا يفهم ؟ ... أليسوا أصحاب رسول لله (ص) هم الذين كان رسول الله (ص) يرسلهم ليعلموا الناس دينهم " .
أقول : إن أكبر خلل فكري يعيشه السنة يتعلق بالصحابة ومحاور الخلل متعددة فتارة هو يتعلق :
1- بتعريف الصحابي ، وأن كل من لاقى الرسول (ص) ولو مرة واحدة هو صحابي .
2- وأخرى بعدالة الصحابة ، وإن كلهم عدول من أسلم قبل الفتح أو بعده من تلبس بالفتنة وغيره .
3- وثالثة بعلم الصحابة وتحديد العالم من غيره ، وهوكلام القائل هنا إنهم كلهم علماء .
4- ورابعة بطريقة التعامل مع أخطاء الصحابة بل انحرافاتهم الواضحة ، فيصل الأمر عندهم إلى أن يصرح العظيم آبادي في ( عون المعبود ) : " إن الصحابة خصوا في ترك الحدود بما لم يخص به غيرهم فلأجل ذلك لا يفسقون بما يفسق به غيرهم خصوصية لهم … وقد ترك عمر إقامة حد الخمر على فلان لأنه من أهل بدر وقد ورد فيهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " (1) .
فبالنسبة لمحور العلم الذي نتحدث عنه الآن فالعجب من مقولة كل الصحابة علماء ؟! فنحن لا نجد مجتمعا من المجتمعات كلهم كانوا متخصصين في معرفة الدين ، وهكذا بالنسبة إلى الطبقات التالية للصحابة ، لم يقل أحد إن كل التابعين كانوا علماء ، فلماذا يراد من الأمة أن تعتقد أن الصحابة كلهم علماء ؟!
نعم إن قصد بذلك مجموعة خاصة من الصحابة ممن لاقى النبي (ص) وتعلم منه فالحق مع القائل ، وإن كنا سنختلف في تحديد من تعلم ممن لم يتعلم ، ومن هو عالم حقا ومن تلبس بلباس العلماء منهم .
وإما إن قصد بذلك كل من لاقى النبي (ص) كما هو ظاهر تعريفهم للصحابي فهي الطامة الكبرى ، كيف والبخاري ينقل في صحيحه عن أبي هريرة قوله : " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ثم يتلو إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات إلى قوله الرحيم ، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله (ص) بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون " (2) .
وقد ذكر البخاري الخبر في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة تحت باب الحجة على من قال إن أحكام النبي (ص) كانت ظاهرة وماكان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي (ص) وأمور الإسلام .
وقال ابن حجر شارحا عنوان الباب و الخبر : " ... وهذه الترجمة معقودة لبيان أن كثيرا من الأكابر من الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي (ص) أو يفعله من الأعمال التكليفية ، فيستمر على ما كان أطلع عليه هو إما على المنسوخ لعدم اطلاعه على ناسخه واما على البراءة الأصلية ... ، قلت : وقد عقد البيهقي في المدخل باب الدليل على أنه قد يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الذي يعلمه غيره ، ثم ذكر حديث أبي بكر في الجدة ، وهو في الموطأ ، وحديث عمر في الاستئذان ، وهو المذكور في هذا الباب ، وحديث ابن مسعود في الرجل الذي عقد على امرأة ثم طلقها فأراد أن يتزوج أمها ، فقال : لا بأس ، واجازته بيع الفضة المكسرة بالصحيحة متفاضلا ، ثم رجوعه عن الأمرين معا لما سمع من غيره من الصحابة النهي عنهما ، وأشياء غير ذلك ، وذكر فيه حديث البراء : ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي (ص) كانت لنا صنعة وأشغال ولكن كان الناس لا يكذبون ، فيحدث الشاهد الغائب وسنده ضعيف ، وكذا حديث أنس ما كل ما نحدثكم عن رسول الله (ص) سمعناه ، ولكن لم يكذب بعضنا بعضا " (3) .
هذا وقد روى البخاري اعتراف عمر إنه من الملتهين بالصفق بالأسواق ، قال : عن عبيد الله بن عمير : " أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب (رض)، فلم يؤذن له وكأنه كان مشغولا ، فرجع أبو موسى ففرغ عمر ، فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له ، قيل : قد رجع ، فدعاه ، فقال :كنا نؤمر بذلك ، فقال : تأتيني على ذلك بالبينة ، فانطلق إلى مجلس الأنصار ، فسألهم ، فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري ، فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر : أخفي هذا علي من أمر رسول الله (ص) ، ألهاني الصفق بالأسواق يعني الخروج إلى التجارة " (4) .
وموارد جهل بعض كبار الصحابة بالمسلمات من الأحكام متعددة
ذكر البيهقي في ( المدخل إلى السنن ) عن هشام بن يحيى المخزومي أن رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب (رض) فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر ، ألها أن تنفر قبل أن تطهر ؟ فقال عمر (رض): لا ، فقال له الثقفي : إن رسول الله (ص) أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت ، قال : فقام إليه عمر (رض) يضربه بالدرة ، ويقول : لم تستفتوني في شيء قد أفتى فيه رسول الله (ص) " (5) ؟
وكذلك نقل البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب قول الله تعالى " وكلوا واشربوا " عن عدي بن حاتم قال : لما نزلت ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل ، فلا يستبين لي ، فغدوت على رسول الله (ص) فذكرت له ذلك ، فقال : إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" (6).
فهذا شاهد على أن الصحابة لم يكونوا يفهمون المعنى الشرعي للآيات كما ينبغي ، ولو لم يراجع عدي بن حاتم رسول الله (ص) في ذلك الأمر لبقي على اعتقاده في الآية ، ثم صار فعله حجة بعد وفاة رسول الله (ص) كفعل باقي الصحابة ، وقس في تاريخ الصحابة من أمثلة هذه الحادثة الكثير .
ويقول ابن حزم في كتابه ( الإحكام ) :
" فمن المحال أن يأمر رسول الله (ص) باتباع كل قائل من الصحابة (رض) ، وفيهم من يحلل الشيء وغيره منهم يحرمه ، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب ، ولكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة وحراما اقتداء بغيره منهم ، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبا اقتداء بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب ، وحراما اقتداء بعائشة وابن عمر ، ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيها حلالا اقتداء بعمر حراما اقتداء بغيره منهم ، وكل هذا مروي عندنا بالأسانيد الصحيحة تركناها خوف التطويل بها ، وقد بينا آنفا إخباره عليه السلام أبا بكر بأنه أخطأ .
وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم في عصره (ص) فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطىء المخطىء ، فذلك بعد موته (ص) أفشى وأكثر ، فمن ذلك فتيا أبي السنابل لسبيعة الأسلمية بأن عليها في العدة آخر الأجلين فأنكر (ص) ذلك وأخبر أن فتياه باطل .
وقد أفتى بعض الصحابة وهو (ص) حي بأن على الزاني غير المحصن الرجم حتى افتداه والده بمائة شاة ووليدة فأبطل (ص) ذلك الصلح وفسخه ، وذكر (ص) السبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، فقال بعض الصحابة هم قوم ولدوا على الإسلام فخطأ النبي (ص) قائل ذلك .
وقالوا إذا نام النبي (ص) عن صلاة الصبح ما كفارة ما صنعنا ؟ فأنكر النبي (ص) قولهم ذلك ، وأراد طلحة بحضرة عمر بيع الذهب بالفضة نسيئة ، فأنكر ذلك عمر ، وأخبر أن النبي (ص) حرم ذلك .
وباع بلال صاعين من تمر بصاع من تمر ، فأنكر النبي (ص) ذلك ، وأمره بفسخ تلك البيعة ، وأخبره أن هذا عين الربا ، وباع بعض الصحابة بريرة ، واشترط الولاء ، فأنكر النبي (ص) ذلك ، ولام عليه ، وقال عمر لأهل هجرة الحبشة : نحن أحق برسول الله (ص) منكم ، فكذبه النبي (ص) في ذلك … " ، ثم ساق ابن حزم أمثلة أخرى (7) .
وقال في الختام :
" وأما قولهم إن الصحابة (رض) شهدوا الوحي فهم أعلم به فإنه يلزمهم على هذا أن التابعين شهدوا الصحابة فهم أعلم بهم فيجب تقليد التابعين ، وهكذا قرنا فقرنا حتى يبلغ الأمر إلينا فيجب تقليدنا ، وهذه صفة دين النصارى في اتباعهم أساقفتهم وليست صفة ديننا " (8) .
==================
(1) عون المعبود في شرح سنن بي داود ج12 ص 120 .
(2) البخاري ج1 ص 40 ، وروى مسلم مثله في صحيحه ج4 ص1939 .
(3) فتح الباري ج13 ص 321 .
(4) صحيح البخاري ج3 ص72 ، ورواه مسلم في صحيحه ج3 ص 1695 .
(5) المدخل إلى السنن الكبرى ج 1 ص 104 .
(6) صحيح البخاري ج 3 ص36 .