المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيرة اية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ محمد طاهر الخاقاني


احمدالعراقي النجفي
11-28-2010, 01:46 PM
سيرة اية الله العظمى الامام الشيخ محمد طاهر الخاقاني

حياته:
هو الشيخ محمد طاهر بن آية الله الشيخ عبد الحميد بن المرجع الديني الكبير الشيخ عيسى بن الشيخ حسن بن الشيخ ذياب بن الشيخ شبير (الذي كان زعيما دينيا في خوزستان وله إجازات في مجهول المالك وقد عثر عليها في بعض الصكوك القديمة عند الحاج إبراهيم الحمزة من أهالي كوت الشيخ).
درس الشيخ محمد طاهر على يد جده الشيخ عيسى وكانت له آنذاك الزعامة الدينية وكان الأمير خزعل يرجع إليه في التقليد، وقد درس عليه بداية الألفية تيمنا وتبركاً ثم أرسله والده إلى النجف الأشرف فعكف هناك على دراسة العلوم العربية والدينية فحضر درس القوانين على يد العلامة الشيخ محمد الصغير وكان مدرّسا قديرا وتدرّج في الدراسة التقليدية على أساتذة آخرين حتى دخل (بحث الخارج) وصار يحضر الدراسات العليا للمرجع الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وبحث الميرزا النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الإصفهاني، وأُجيز بالاجتهاد منهم جميعا، كما درس علم الأخلاق وكتابي الأسفار والإشارات على يد العالم العرفاني السيد علي القاضي.
وقد أحبّ البقاء في حوزة النجف الأشرف إلا أن الأقدار حالت بينه وبين مواصلة السير إلى المرجعية الكبرى حيث توفي والده في خراسان ودفن جوار الإمام علي بن موسى الرضا (ع) فسافر إلى هناك، وأخذ مكان والده الراحل في تحمل المسؤولية الدينية والاجتماعية ورجع إليه جمع كثير من خوزستان وأطراف العراق والبحرين والكويت والقطيف.
وقد تتلمذ على يده في النجف الأشرف وقم عدد كبير من العلماء نذكر منهم:
آية الله السيد عبد الكريم الكشميري ـ آية الله السيد مير محمد القزويني ـ القاضي الشيخ حسن الشميساوي ـ الشاعر الكبير الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ـ العلامة الحجة الشيخ سلمان الخاقاني ـ العلامة الحجة الشيخ علي الصغير ـ آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين ـ العلامة الحجة الميرزا عباس جمال الدين ـ العلامة الشيخ هادي معرفة صاحب كتاب التمهيد ـ العلامة الشيخ محمود محسني مقرر بحثه في الطلاق ـ العلامة الشيخ محمد نجل الإمام الخاقاني مقرر بحثه في الأصول ـ العلامة السيد حسين الهمداني مقرر بحثه في القضاء.
ومن (أقرانه في الدراسة) كل من آيات الله:
السيد محمد تقي بحر العلوم ـ الشيخ إبراهيم الكرباسي صاحب كتاب منهاج الأصول ـ السيد باقر الشخص ـ السيد أبو القاسم الخوئي ـ السيد محمود الشاهرودي ـ الشيخ محمد تقي الآملي ـ الشيخ ميرزا هاشم الآملي ـ الشيخ محمد طاهر آل راضي ـ السيد ميرزا حسن البوجنوردي صاحب القواعد الفقهية ـ الشيخ حسين الحلي صاحب دليل العروة ـ الشيخ عباس الرميثي ـ السيد جعفر الجزائري ـ الشيخ صدر البادكوبي.
اسرته:
ينتسب الى اسرة علمية عريقة تمتد الى اكثر من قرنين والجد الاكبر لهذه العائلة هو آية الله العظمى الشيخ شبير، وله ذرية كبيرة من العلماء الاعلام منهم المرجع الكبير آية الله العظمي الشيخ عيسى الخاقاني والد الامام الخاقاني، وآية الله الشيخ عبدالمحسن الخاقاني وآية الله الشيخ عبدالجبار الخاقاني وحجة الاسلام الشيخ حسين الصغير الخاقاني والمرجع الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد علي الخاقاني الذي توفي في الديار المقدسة جد العلامة الشيخ عبدالحميدالخاقاني.والعلامة الشيخ ماجدالخاقاني.من اساتذة الحوزة في النجف الاشرف.

ابنائه:
01اية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ محمدمحمدطاهر ال شبير الخاقاني(دام ظله) من اساتذة البحث الخارج في النجف الاشرف ومن مراجعها الكبار حاليا بعد عودته الشريفة إلى مدينة الآباء والأجداد مدينة النجف الأشــــــرف بعد سنين من الغربة والإشتياق إلى أمير المؤمنين هل بهلاله في ربيــع الأول 1428هـ ليعيد لهذه المدينة أمجادها وتراثها وتألق العلم والمعرفة فيهـــا بعد غيبة إبعاد وتهجير قسري من قبل النظام البعثي المجرم قبل حوالـــي ثلاثيــن سنة .
وهاهو الآن يجعل وجوده في خدمة أئمة الهدى وشيعتهم وهــــو يستقبــــل الطلبة وسائر طبقات الناس بنفسه الشريفة . وله اربعة اولاد منهم حجة الاسلام الشيخ محمدطاهر محمدمحمدطاهر ال شبير الخاقاني.http://www.alkhakani.org/book/sera/
02الاستاذحجة الاسلام الشيخ محمدكاظم الخاقاني (دام بقائه)من اساتذة حوزة قم المقدسة والسيدة زينب(ع)http://alkhaghani.com/catsmktba-1198.html
مؤلفاته المطبوعة:
1ـ أنوار الوسائل (1 ـ 3) 2ـ الكلم الطيب. 3ـ أنوار الوسائل كتاب البيع. 4ـ المحاكمات بين الكفاية والأعلام الثلاث ثلاثة أجزاء في الأصول (تقرير). 5ـ المحاكمة في القضاء (تقرير). 6ـ المثل الأعلى (جزآن في الفلسفة). 7ـ تفسير العقل البشري (جزآن). 8ـ الطلاق (تقرير). 9ـ رسالة الهدى (رسالة عملية). 10ـ موجز الرسالة. 11ـ مناسك الحج. 12ـ راهنماي أحكام (رسالة عملية باللغة الفارسية). 13ـ مواريث الحدائق.
وهناك كتب أخرى مخطوطة تامة وأخرى لم تكتمل في دور التأليف، وله شعر قليل قاله أيام شبابه أكثره في الحكمة ومن ذلك قوله:

لا أجازي مذنبا في ذنبه *** وجزاء المذنب الصفح الجميل


وكريم النفس لا يبدي سوى *** شرف العنصر عن مجدٍ أثيل


(1) بعض آرائه الأصولية

أ ـ في الوضع: يرى أن الوضع بنحو الإراءة، وأن اللفظ يكون كاشفا للمعنى أما كون اللفظ علامة على المعنى فهو خلاف الظاهر من الواضع فإنه قد أشرب في حقيقة الوضع آراء. اللفظ للمعنى وكاشفية عنه والعلامة لا تستدعي ذلك.
ب ـ ويرى أن الحروف بأسرها مما كانت في مقام التحقق من الوجود الرابط وفي مقام المعالي من المفاهيم الآلية إذ بها الربط لا إن لها للربط، وجميع المقولات الإضافية تحتاج إلى ربط لأن لها الربط بغيرها، ولولا المعاني الحرفية لما حصل للربط بين الأشياء ولما صحّ الحمل في جميع القضايا كما صرح به (المحاكمات بين الكفاية والأعلام الثلاثة ج1 ـ 2).
ج ـ رأيه في الصحيح والأعم: يعتقد أن أسامي العبادات موضوعة بالوضع الأعم من الصحيح والفاسد وليست مخصوصة للصحيح، فقال في ضمن استدلاله: إذا لاحظت استدلال الصحيح والأعم من التبادر وعدم صحة السلب أو الروايات الواردة في المقام لا تجدها وافية للمطلوب حيث أنها تشبه المصادرة كما عرفت، وغاية الروايات استعمالها تارة على وجه الصحيح وأخرى على وجه الأعم من الصحيح والفاسد وذلك لا يثبت المطلوب وإن كان الأقرب استعادة الأعم من كثير من الروايات.
د ـ رأيه في المشتق: إن موضوع البحث في حقيقة المشتق عبارة عن الذات التي تلبست بالمبدأ وذهب المبدأ عنها وتعينت الذات. وهذا محتاج إلى بيان وهو أن كل عنوان إفرادي تارة يكون بنظر التحليل العقلي إن هناك ذاتا ومبدأ وانتساب المبدأ إلى الذات وأخرى بكون الشيء عبارة عن نفس الذات كالحواس فإنها عند التحليل لم نجدها منحلة إلى ذات ومبدأ وانتساب وإنما تعطى مفاد نفس وجود الذات، وثالثه يكون ذلك العنوان مشيرا إلى أمر انتزاعي لذلك الشيء كوجود العلة الكاشفة عن وجود المعلول عن ذات العلة.
ه‍ ـ رأيه في الاختيار: يقول نحن في حاجة إلى وجود حالة للاختيار حيث إن وجود الاختيار أمر انتزاعي عند اجتماع الصفات الثلاث وهي العلم والقدرة والإرادة وليس مجعولا في عرضها ولا تبعا لها وأن كل موجود ولو كان حجرا أو شجرا إن اتصف بالعلم والقدرة والإرادة انتزع منه صفة الاختيار ولذا إن قاطبة الفلاسفة عندما يستعرضون صفات الواجب ويقولون إن له العلم والقدرة والإرادة لا يتعرضون بعد ذلك إلى صفة الاختيار وراء هذه الصفات الثلاث وإنما يرون الاختيار صفة منتزعة عن هذه الصفات الثلاث (المحاكمات 3 ـ 62) ويرى أن الإرادة التشريعية ليست من صفات الحق وأفعاله بالمعنى الأخص لأن الآراء التشريعية كما تفسر عند إنشاء الحكم تكليفا أو وضعا سواء كان الإنشاء من النبي (ص) أو من الولي (ع) المتمم لما جاء به النبي (ص) فالإنشاءات بصورة عامة يقوم بها النبي أو الولي ولا يمكن أن تكون من صفات الحق سبحانه (المحاكمات 3/ 69).
و ـ رأيه في الجبر والتفويض: إن حقيقة الجبر بأن الإرادة الأزلية من الله سبحانه وتعالى تلجئ العبد وتجبره على إيجاد العمل من غير اختيار للعبد في العمل وهذا الذي بُنِيَ عليه المجبرة واتخذوه شعارا وإلا فلو نظروا إلى أن الله متصف بالحكمة وحُسن التدبير وقبح الظلم منه تعالى، وإن قدرته بريئة من وقوعها من غير حكمة.
وأما التفويض فيقابل هذا المذهب تقابل التضاد وهو أن العبد خلق بوجوده وإرادته وصفاته، وقد فوض له كل شيء من غير تحديد ولا تقييد وإن إيجاد الأعمال منه هو بإرادته وفعله من دون أن يكون بإفاضية من الله تعالى منه وقد خلقه مطلقا من جميع الجهات نظير من وكّل شخصا على أمور وقد فوّضه بكل ما أراد وأطلقه في إرادته حيثما أراد.
وهذا المسلك في غاية البطلان ولا يؤمن به المذهب الإمامي ونسبة التفويض من بعض أبناء العامة إلى المذهب الشيعي في حق الرسول وأهل بيته في غاية البطلان والتزوير ولا داعي إلى البحث عنه (المحاكمات 3 ـ 94 ـ 95).
وفرّق بين مسألة القضاء والقدر والجبر فقال إنه سبحانه في مقام إيجاد المخلوقات لا بد وإن يوجدها على حسب مراتبها من الوجود وعلى حسب مراتبها من القوة والضعف وكل مرتبة من مراتب الإشراق لا يمكن أن يكون عين المرتبة الأخرى وعين حقيقتها وإلا لكانت الموجودات موجودا واحدا وإن حيثية الإيجاد منه تعالى على مقدار هياكل الماهيات واستعدادات الموجودات مما لا يمن أن يحيط به إلا هو، ولذا قال سيد الموحدين الإمام (ع) عندما سئل عن القضاء والقدر أجاب بأنّه سرّ الله فلا تكشفوه وسُئل عن الجبر والتفويض قال (ع): أفهل إن الذي دهاك رماك.
وإجمالا إن هنا مقدمتين الأولى: إن الفيض من قبل الله سبحانه لا يمكن قطعه إذ منع الفيض من قبل الله على الماهيات قبيح.
الثانية: إن الوجود الحاصل من قبل الواجب كل على مرتبته وهذا خارج عن محط الجعل لأنه أمر واقعي حيث إن الوجود القوي لا يكون للمرتبة الضعيفة والمرتبة الضعيفة لا يمكن أن تكون في المرتبة القوية، وإن مرحلة الحد والاستعداد غير قابلة للجعل التكويني من قبل الحق وإنما يكون الجعل التكويني على طبق المرتبة والحد (المحاكمات 3/ 131 ـ 132).
ز ـ مراتب الحكم: يتكفل بحثه في تقسم الحكم في أنه ينقسم إلى إنشائي وفعلي، وأنه ذو مرحلتين، واختار صاحب الكفاية أنه ذو مراحل أربعة مرحلة الملاك والإنشاء والفعلية والتخيير، ولم يرتض من تأخر عنه هذه النظرية لأن المصلحة هي الداعي إلى جعل الحكم ومقتضى إلى جعل الحكم الإنشائي فهي خارجة عن الحكم ولا تكون من مراتبه ـ وكل هذه الجهات الثلاث من العليّة التامة أو الاقتضاء أو الاستعداد لا يوجب كونها من مراحل الحكم، وإنما هي سبب وداع لجعل الحكم، وأمّا بالنسبة إلى العلم بالحكم المعبّر عنه بمرحلة التنجيز فلا إشكال بأنّ مرتبة التنجيز أجنبية عن مقام الحكم فالحكم لا يناط بعلم المكلف سواء علم به أم جهله ـ وعندئذ لا بد من الالتزام بمرحلتين الأولى: عالم الإنشاء، والثانية: عالم الفعلية، كماهو مختار الأعلام الثلاثة ولكن يختلفون في جهة واحدة إن الإنشاء عند صدوره على موضوع مقدر فإن قول المشرع يجب الصوم عند شهر رمضان أو يجب الصوم على من كان قادرا فإن إنشاء الحكم ليس إلا عبارة عن الحكم على فرض وجود الموضوع وهو حكم على تقدير وليس بحكم فعلي (المحاكمات 3 ـ 171 ـ 172).
ح ـ رأيه في التعبدي والتوصلي:
التعبدي ما توقف امتثاله على قصد القربة، والتوصلي ما كان مجرد إتيانه كافٍ في سقوط الفرض منه وهناك تعاريف كثيرة قابلة للنقد إلا أن بحثنا هنا من حيث ماهية التعبدي والتوصلي. وحيث علم أن العمل العبادي ما كان مقومه قصد التقرب إلى الله تعالى وعليه يخرج عبادة الكافر حيث لا تقع مقربة إلى الله لأن الكفر من الموانع في التقرب إليه تعالى، ولا بد للقارئ هنا أن يقف على معرفة الملاكات من المصالح والمفاسد وأنّها علل تامة لإيجاد المأمور به والمنهي عنه أو أنّها من باب المقتضيات والأسباب لجواز تخلّف بعض الشروط أو توجه بعض الموانع عليها فلا يأمر المولى بها ولا يلزم عبيده المكلفين بإتيان متعلقاتها أو أن المصالح والمفاسد من باب المعدّات لإتيان المأمورية (المحاكمات 3/ 331) وقد انتقد رأي أستاذه النائيني بأن المصالح والمفاسد معدات لفعل المكلف فهو بخلاف ظاهر الأدلة إذ الاستعداد لا يوجب الإلزام في إيجاد العمل ولا ترك المحرمات.
ويتضح مما ذكرناه أن الأمر العبادي ما لم يسقط امتثاله إلا بالقربة وكانت القربة من مقوماته بخلاف التوصلي فإن الغرض منه يحصل بمجرد وجوده وعليه فالعبادية في الشيء من العناوين الثانوية وبها يقع العمل صحيحا ولأجل ذلك لا بد فيه من قصد العنوان (المحاكمات 3/ 234).
وقد أنكر قصد القربة والوجه والتمييز أو نية الوصف والغاية في موضوع الخطاب والحكم لأنها من العناوين الثانوية حيث لازمه إما تقدم الشيء على نفسه وهو الدور أو الخلف وإن كان كل منها محذور آخر، وإذا التزمنا بمراتب الحكم كما عليه مسلك صاحب الكفاية لازمه الخلف (المحاكمات3/ 244 ـ 245).
وخلاصة الأمر أن العبادة تتقوم بأمرين أحدهما: كون العمل خضوعيا وثانيهما أنه منسوب إلى المولى الحقيقي مما لم يكن العمل خضوعيا ومنسوبا إلى المولى الحقيقي لا يكون العمل عباديا. ومن هنا يتضح لك أن العبادة لغير الله لا ينطبق عليها عبادة لا بالحمل الأولي ولا بالحمل الشائع الصناعي فإن من ليس له الأهلية للخضوع كالملوك والحكّام لا ينطبق الخضوع لهم حقيقة، وإذا قصد بالأمر التوصلي بالعبادة فتكون عبادة العنوان الثانوي لأن في التوصيلات لم تكن العبادة في ذاتها خضوعية (المحاكمات 3/ 273).
ط ـ رأيه في العلم الإجمالي:
إن حقيقة العلم حضور المعلوم عند العالم، والعلم وجود عيني أو نور ظلي فإن كانت صورة الشيء حاضرة في النفس عبر عنه (حصوليا) وإن كان نفس الشيء ووجوده العيني حاضرا عند العالم كحضور الأشياء بوجوداتها العينية عند الواجب سبحانه عبر عنه علما (حضوريا) وفي العلم الحصولي المعلوم للنفس صور الموجودات وهي العلم والمعلوم بالذات وللنفس الوجودات الخارجية معلومة بالعرض والحضور عند العالم لا تختلف حقيقته وإن اختلفت مراتبه، فالعلم الإجمالي من سنخ العلم التفصيلي بلا تفاوت في هوية العلم وحقيقته ولا تمايز بينهما من أي جهة من الجهات، وإنما يقع الشك والترديد في مطابق العلم من المعلوم بالعرض ومن هنا أطلق عليه العلم الإجمالي تجوزا أو مسامحة فالقصور من ناحية تطبيق المعلوم بالذات على المعلوم بالعرض لا من ناحية حقيقة العلم، وإلا فلو طرأ الشك على حقيقة المعلوم بالذات في أفق النفس لم يكن علما ولزم إما انقلاب حقيقة العلم إلى الشك والترديد وهو خلف، وإما المناقضة بتحقق وجود واحد علما ويقيناً تارة، وترددا وشكا تارة أخرى.
ولا ريب أن العلم يقتضي التنجيز بوجدان العقل والضمير ويرى العقل أنه يمدح الشخص عن إتيان أوامر المولى والذم عند ارتكاب نواهيه (أنوار الرسائل1/ 226 ـ 227).
وأما عنوان عدم الاعتناء بتكاليف المولى في موارد العلم الإجمالي وهو ظلم وهتك كما أفاد الأستاذ محمد حسين الإصفهاني فلا يخلو عن تأمّل فإن عنوان عدم الاعتناء بما هو لا يقتضي ظلم المولى وقد لا يقصد المكلف المعصية حين ارتكابه لأحد الإنائين ولا ينطبق عنوان الظلم على عدم الاعتناء إلا إذا انطبق عنوان المخالفة للتكليف الفعلي وذلك مشكوك عند ارتكاب أحد الأطراف على أن انتزاع عنوان الإعتناء وعدم الاعتناء من مورد الطاعة والعصيان نوع خفاء بل لعل انتزاعها من مراتب كمال الإطاعة وعدمها أقرب إلى الواقع وإن الاعتناء وعدمه من الإطاعة العرفانية لا من الإطاعة والعصيان العقليين هذا على المختار وأمّا على ما اختاره كثير من الأعلام من العلم من أن العلم الإجمالي يقتضي التنجيز في الطرفين أو في طرق الموافقة والعلة التامة في المخالفة وبراء من العلية والاقتضاء هنا ليس المعنى المصطلح ـ فإنه لا ينسب لأجلاَّء العلماء إذا اقتضى العلم وعليته من باب الحكم لموضوعه واقتضاء الغاية لديها دون السببية والعلية لأنه ليس من قبيل العلة المركبة التي تحتاج إلى العلل الأربع (أنوار المسائل 1/ 228).
الجهة الثانية: لا بد في تعلق العلم التفصيلي أو الإجمالي من تمامية فعلية الحكم بعثا وزجرا، والحكم حسب ما بيّناه في محله ليس إلا فعلية الحكم من قبل الحاكم وهو الإنشاء بداعي جعل الداعي للمكلف والتحريك له خارجا فالمولى يحرك العبد تشريعا والعبد يتحرك تكويناً.
وإجمال القول أن إيجاد العمل من المكلف إيجادا اختياريا يقتضي عهدتين إحداهما على عاتق المولى، والثانية: على عاتق العبد فإيجاد العمل يتم بأمر تشريعي من قبل المولى، وبأمر تكويني من قبل المكلف، وإن كان الإنشاء بجعل الداعي للمكلف خارجا لا يتم إلا بقيام الحجة وإتمام البيان الواصل للمكلف ولكنه خارج عن حدود التكليف فالحكم بالحمل الشائع هو الحكم من قبل المولى والحاكم والجهات الآخر ليس إلا تطبيق الحكم على مورده ومصداقه (أنوار السبيل1/ 230 ـ 232).
الجهة الثالثة: إن فعلية الحكم ووصوله للمكلف اشتغال الذمة وإنه بعين ما اشتغلت به الذمة لا بد من الفراغ عقلا ولكن يجوز في مقام الفراغ أن يكون أوسع دائرة من مقام الاشتغال فيكتفي ببعض مراتب العمل كما في قاعدة الفراغ والتجاوز أو يجعل البدل عن التكليف بما يسد مسده في المصلحة تماما أو ببعض المراتب اللازمة من التحصيل (أنوار3/ 232).
ولا جريان للأصول في أطراف العلم الإجمالي أما بناء على العلية التامة فعدم الجريان واضح كانت الأصول محرزة وتنزيلية أو مجرد حكم ظاهري ـ كحديث الرفع ـ حيث أن الترخيص إن كان من قبل الشارع لزم اجتماع المتنافيين (أنوار1/ 233).
وأن كان التأمل يقتضي بالتفصيل لأنه إن كان الحكم من مقومات فعلية وجود الموضوع والمتعلق خارجا كما يراه بعض الأساتذة (الشيخ ضياء العراقي) فثبوت التخيير لا يستدعي اجتماع المتنافيين بل يستدعي احتماله وإن كان الحكم يدور مداره وجوده من قبل الحاكم بنحو فناء العنوان في المعنون كما اخترناه فيستدعي ثبوت المتنافيين (أنوار1/ 233).
وأما إن كان الترخيص عقليا فهو إذن في المعصية والتعدّي على المولى بمخالفة التكليف الواصل إذ المعذورية في كل منهما على البدل لا تجتمع مع تنجز الواقع.
فالعلم الإجمالي إذا تنجز لا تجري الأصول ولو ببعض أطرافه سيما على القول بالعلية التامة إلا إذا قام العلم على أحد الطرفين أو التعبد بالإمارة أو بالأصل وإن كان مثبتا وغير محرز ولا تنزيلي فإنه في الجميع ينحلّ العلم الإجمالي ولا تنجيز له ولا تأثير ولا يجري الأصل النافي لأحد أطرافه دون الإمارة النافية لأنه لا يثبت اللازم من إثبات التكليف في الطرف الآخر وليس من شأن الأصل إثبات اللوازم (أنوار1/ 234).
الجهة الرابعة: لا بد في العلم الإجمالي من فعلية التكليف على كل تقدير بأن لا يكون الحكم مشروطا لعدم فعلية الموضوع أو التكليف ولو معلقا فإن المعلق من أنحاء الواجب المشروط، وإن شرائط العلم الإجمالي كلها ما عدا شرائط التنجيز محققات لهذا الشرط وللكبرى من فعلية التكليف على كل تقدير وإذا تحقق العلم بكبرى التكليف وانطبقت على الصغرى وجدانا فلا فرق في تعلّقه بأمرين متباينين في الماهية والذات نوعا أو فصلا أو مختلفين من حيث الحد كالقصر والتمام أو تعلّق العلم الإجمالي بعنوان واحد (أنوار1/ 235).
الجهة الخامسة: في الحصر وعدمه، يظهر من الكلمات أن البحث يختص بعنوان الحصر وعدمه ومن ناحية الاضطرار أو عدم الابتلاء أو العسر والحرج وإن التكليف لا يلازم أحد الأمور إلا في الواجبات حيث يراد من المحرم الترك ولا يشمل عنوان البحث عن شبهة الكثير في الكثير فإنها من مصاديق المحصور بلا حاجة لعدها عنوانا مستقلا (أنوار1/ 236).
الجهة السادسة: من الشرائط في الشبهة الحكمية والموضوعية أن تكون الأطراف محل ابتلاء للمكلف ويراد من الابتلاء توجه التكليف بحيث لا بد من العمل بالشرط ولو تدريجيا، وإذا لم يبتلي به فلا تكليف ولا تنجيز ـ ويفرق بين القدرة في الواجبات والمحرمات (أنوار1/ 239).
الجهة السابعة: في الاضطرار إلى أحد الإنائين في الشرب وله موارد أحدهما أن يضطر أولاً ثم يحدث التكليف والعلم به وكان اضطراره إلى معين فينحل العلم الإجمالي ويرجع إلى شبهة بدوية وشك في توجه التكليف، ثانيهما: أن يحدث التكليف والعلم به ثم شك أنه مضطر إلى الفرد المعين وعنده لا يحكم على الفرد المشكوك بالاضطرار للشك في تحقق الاضطرار، ثالثهما، أن يضطر بعد التكليف وقبل العلم به فإن كان مجرد التكليف يقتضي تحققه لأن ما يصح أن يكون باعثا للمكلف هو المحقق للتكليف بالحمل الشائع فيتعين امتثاله وإن كان العلم مقوما للتنجيز والفعلية فلازمه سقوطه، وأمّا إذا كان الجهل معذرا كما إذا كان قاصرا فلا ريب في سقوط التكليف وعدم سقوطه إذا كان المكلف مقصرا.
رابعها: أن يضطر إلى غير معين قبل التكليف أو بعده وفي هذه الصورة لا تنجز للعلم الإجمالي لأن الشارع رفع فعلية التكليف بجواز الارتكاب والحكم بجواز الارتكاب ـ وإن لم يرتكب خارجا ـ ينافي فعلية التكليف بلا فرق في رفع التكليف بين اليقين والتنجيز ـ فإنّه في الغرض ـ اضطرار إلى كل واحد تخييرا ولو كان هناك فرق في رفع فعلية التكليف بالحرام إذا لم يزاحم بجهة من الجهات لا بد أن يصير مطلقا من حيث الانطباق على كل واحد من الأطراف وإذا كان مطلقا فلا وجه للترخيص في بعض الأطراف لما فاته للواقع المعلوم إجمالاً. ولا يصح الترخيص إلا من جهة تقيد الواقع بصورة عدم انطباقه على ما يختاره المكلف لرفع اضطراره حلالا كان ظاهرا أو واقعاً وإن كان النجس واقعا فهو اضطرار إلى الحرام في الجملة ولو بنحو التخيير وهو تضييق الواقع وتقييد الحرام الحقيقي (أنوار1/ 241).
الجهة الثانية: في الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي، أعلم أن البحث المطابق لعنوانه يختص في الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي ولا يشمل ما لو لاقى إناءاً آخر للطرف الآخر من العلم الإجمالي فإنه لا ريب في تنجزه لأطرافه الأصلية والفرعية ولا يشمل ما كان الملاقي من الآثار الشرعية أيضا لنجاسة الملاقي (بالفتح) كنجاسة اليد الملاقية للنجس والمتنجس التي قامت البينة عليه. ومنه كل مورد يحكم بإلحاق الفرع بأصله (أنوار1/ 243).
ي ـ رأيه في الاستصحاب:
إن الكبرى الواردة عن آل بيت العصمة والنبوة (ع) اليقين لا ينقض بالشك وثانياً ـ لا ينقض اليقين إلا اليقين، وثالثاً ـ لأنك كنت على يقين، ورابعاً ـ فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً الواردة في الطهارة الحديثة والخبيثة وركعات الصلاة، وفي الصوم وبعض أبواب الحج إلى غير ذلك مما طويت الكبرى فيها تارة وصرح بالصغرى أو صرح بالصغرى وانطواء الكبرى إيكالاً منهم (ع) على ما ارتكز في ذهن السامعين، وقد ساقها الشارع مساق القضايا الارتكازية العقلائية وأرسلها إرسال المسلمات وإن كانت في الحقيقة كبرى تعبدية طبقها أهل البيت (ع) على الاستصحاب بالسنة مختلفة مع اتجاه الأحاديث إلى معنى واحد في جميع الروايات (أنوار2/ 22).
وأما عدم تطبيقها في بعض المصاديق بنظر الفقيه أو إيكال التطبيق إلى مقام آخر تقية أو توهم تخصيصها في الموارد من الوضوء ونحوه بتخيل أن مواردها من قبيل الموضوع للقضية دون المورد أو إن كثيرا من أخبار الاستصحاب لا يستفاد منه السالبة الكلية وعموم السلب من عدم نقض اليقين بالشك دائماً ـ بل المستفاد السلب الجزئي وسلب العموم فلا يصغى إليه لأنها قضية كلية ارتكازية بنظر العقلاء (أنوار 2/ 3).
وبعد تناوله لروايات الاستصحاب قال:
إذا عرفت ذلك فاعلم أن إطلاقات أدلة الاستصحاب، تشمل المقتضى كما تشمل المانع لأن المراد من عدم نقض اليقين بالشك ليس النقض الحقيقي تكوينا وخارجا حيث أن اليقين بالحدوث محقق، وإنما يتحقق النقض لليقين السابق في قاعدة اليقين، ويكون طلب بقاء اليقيم بمفاد النهي من طلب الحاصل، وأما طلب اليقين في ظرف الشك فمن الالتزام بإعادة المعدوم حقيقة وإن كان الغرض من الطلب هو طلب بعض الموضوعات الشرعية التي تحت اختيار المكلف كإبقاء الطهارة والحدث فمع أنه لا يشمل الأحكام وبعض الموضوعات الأخرى فهي حيث كانت مشكوكة إما زائلة أو باقية فالنقض الحقيقي بفروضه غير مقبول ولا يصدق النقض بالشك حتى في الرافع، فيراد من عدم النقض ترتيب آثار المتيقن والجري العملي على حسب ومعاملة المشكوك فيه معاملة المتيقن باعتبار اليقين ولحاظه ويصير متعلق اليقين والشك في الاستصحاب ما كان بالنظر العرفي الذي به يقع التسامح وإلغاء خصوصية الزمان ولكن بتعبد من الشارع في تطبيق القاعدة الارتكازية بإلحاق المشكوك بالمتيقن عملا وعليه فيصدق بالحالين من موارد الشك في الرافع والمقتضى من قوله (ع) في الكبرى: لا تنقض اليقين بالشك (أنوار2/ 39 ـ 40).
وأما التمسك بالاستصحاب العدم الأزلي فيناقش فيه تارة من ناحية اختلاف نسخ العدم السابق مع عدم ذات الشيء أنهما سنخان في المفهوم إذ عدم كل شيء بديله وليس هو عين حقيقة العدم السابق وترتيب الأثر على أحدهما لا يستدعي ترتيب الأثر على الآخر عرفا وكأنهما يختلفان ذاتا فهما مختلفان عرفا ولا وجه لإرجاعهما إلى مفهوم واحد مع اختلافهما في المفهوم العرفي (أنوار1/ 82).
هذا مع أن مفهوم العدم بما هو لا يترتب عليه أي أثر من الآثار والعدم الذي هو بديل للشيء لا يتصف بعنوان العدم الأزلي فأي شيء يراه العرف واحدا ليترتب الأُر من أحدهما على الآخر إلا إذا قلنا أن استصحاب العدم الأزلي يتحد فيه سنخ العدم عرفا وإن لم يكن حقيقة وإن الاختلاف فيه من قبيل تعدد منشأ الشك وليس من تعدد الموضوع في المستصحب وعليه فلا يوجب اختلافه ذاتا في نظر العرف ويكون من قبيل اختلاف الدواعي وهي لا توجب اختلاف الشيء ـ ولكن عرفت أن العدم السابق قبل وجود زيد مثلا ليس عين العدم البديل لزيد وإن السلب بانتفاء المحمول إذ قد يتحقق السلب بانتفاء الموضوع تارة وبانتفاء المحمول أخرى والعدم المعبر عنه بالاصطلاح بالعدم الأزلي سابق ذاتاً على وجود الموضوع فكيف يتحد بعين عدمه البديل له (أنوار1/ 85).

(2) بعض آرائه الفلسفية

إن التعاريف على اختلافها إن كان المقصود منها تعريف ماهية الوجود والفلسفة وشرح أجزاء الماهية التي تقع في الاصطلاح في الجواب عن السؤال بما الشارحة المعبر عنها بشرح الأسم والماهية دون الشرح اللغوي وإن جاء في بعض التعابير كما عند الشيخ الرئيس في إشاراته والفيلسوف السبزواري إطلاق الشرح على الشرح اللغوي لا على الشرح الإسمي وشرح الماهية الذي هو في اصطلاح الفيلسوف ما قابل شرح الحقيقة والوجود (المثل الأعلى1/ 22).
أما امتناع تعريف الوجود والفلسفة من حيث الماهية فلأن مفهوم الوجود إذا ارتسم في الذهن كان ارتساماً أولياً وحضوره في الذهن ابتداء من غير أن يسبق بمفهوم آخر نظير المفاهيم التي تنساق إلى الذهن ابتداء من غير تقديم مفهوم عليها نظير ما قالوه في مفهوم الشيء والإمكان والضرورة وكمفهوم العدم والعلم والقدرة وإن مفهوم الوجود يساوق مفهوم الفلسفة ومفهوم الوجود أسبق مرة كل مفهوم بديهي (المثل1/ 22 ـ 23).
إن الفلسفة هي عين التقرر والعلم بحقيقة الوجود وإن العلم بحقيقة الوجود لا يمكن إلا بالإحاطة ولا يقع ذلك إلا بالمشاهد لحقيقته فإن حضور شيء عند شيء آخر لا بد أن يقع من سنخ حضور المعلول عند العلة التامة وليس هناك علة تامة في دائرة الوجود إلا الحق سبحانه (المثل1/ 35).
فمفهوم الوجود أولي لكل مفهوم وهو أبده البديهيات وأجل الضروريات وإن كل مفهوم تصوري وبمعنى أفراده مآله إلى مفهوم الوجود وبداهته نظير بعض القضايا البديهية التي تؤول إليها القضايا المركبة النظرية وحيث إن مفهوم الوجود والعدم هو المفهوم العام الأولي للمفاهيم المفردة والتصورية فلا يقع لهذا المفهوم تعريف (المثل1/ 55).
وقد أنكر أن يقام البرهان على الوجود وقال: إنما تُقام البراهين على أظلال ذلك الوجود وهي الوجودات الإمكانية فحقيقة الوجود لما كانت هي عين طرد العدم وما كان ذاته عين طرد العدم لا يمكن أن يعرض له سبب وبرهان لمي وإنما يكون ذلك بالقياس للوجودات الإمكانية أو الموجودات الإمكانية بعضها مع بعض فإنها هي القابلة للتعليل (المثل/ 60).
ويعتقد الإمام الخاقاني بمسلك المشّائين القائلين بأصالة الوجود دون مسلك الإشراقيين القائلين بأصالة الماهية واستدل بأدلة ـ أحدها أن نظرنا إليه وجدناه بذاته ومطابقه سالبا لنفسية العدم وطارا لظلمة وآب عن العدم ـ ثانيها ـ نفس العدم والظلمة التي تذهب نورانية الشيء ونفس المعنى الاسبي من شائبة الإيجاب ومفهوم الإباء عن العدم يناقض مفهوم العدم.
ثالثها ـ إذا نظرنا إلى مطابق المعنى لا نجد حسب طبعه وذاته أن يقتصر الإيجاب أو السلب ففي حد ذاته لا اقتضاء له لا بطرف الوجود والثبوت ولا بطرف العدم فيجوز أن يكون محققا ويجوز أن لا يكون ثابتاً (المثل1/ 75).
البرهان الثاني: إن مبدأ الماهية لا يحمل على المتيقن الخارجي أصلا بخلاف مبدأ الوجود فإنه عين التقرّر والثبوت خارجا وهو حقيقة الوجود وعين الخارج (المثل1/ 77).
البرهان الثالث: وهو برهان الخلف والمناقضة أو انقلاب الحقيقة، إن من المسلمات عند الفلاسفة قديما وحديثا، ومن القضايا التي قياساتها معها: إن الماهية من حيث هي هي ليست إلا هي وليست الماهية إلا نفس الماهية وأجزائها من الذاتيات فهي بذاتها ليست نقيضا للعدم والماهية إن بقيت على فطرتها وجبلتها من اللااقتضاء واللاثبوت (المثل1/ 78).
البرهان الرابع: إن الماهية لا يتعلق بها الجعل سواء كان الجعل بسيطا كجعل زيد موجوداً أو كان الجعل مركبا كقولك ـ زيد قائم ـ فتقصد بقولك زيد قائم بثبوت القيام لزيد، ومن الواضح أن ما يتعلق به الجعل البسيط أو الجعل المركب لا تكون له إلا العينية (المثل1/ 80).
البرهان الخامس: لزوم ترتب الآثار على الماهية في الذهن قد استدل صدر المتألهين بأن الماهية غير أصيلة، وأن الأصالة للوجود لأن الماهية في الخارج ذات الآثار والمنافع والخيرات وهي بنفسها وحقيقتها موجودة في التصور وفي عالم النفس فلو كانت لها الأصالة لكانت جميع المنافع والخيرات كما تتبعها في مقام الوجود الخارجي تتبعها أيضا في الوجود الذهني وعلى حسب الواقع أن الماهية في عالم الذهن لا تترتب عليها الآثار أصلا (المثل 1/ 82).
البرهان السادس: عدم صحة الحمل على القول بأصالة الماهية حيث لا بد من الحمل من ثبوت المحمول واتخاذه مع المحمول عليه وهذا يتم في الحمل الشائع الصناعي وليس المقصود من كلماتهم من صحة الحمل وعدمه هو الحمل الأولي بل المراد هو الحمل بالمعنى الصناعي لأن الأولي ليس مناط تحقق الوجود ولذا تحمل المفاهيم المتعددة من قولك زيد عالم وكريم وعطوف ومتقي، كما تقول: إن الله هو العالم القادر المريد السميع البصير، فالمفاهيم وإن اختلفت ولكن المطابق واحد وإن القول بأصالة الماهية من لوازمه عدم صحة الحمل لاختلاف كل ماهية عن الأخرى في ذاتها (المثل 1/ 85).
ويرى الإمام الخاقاني: إن حقيقة الوجود ليس مفهوم الوجود لأن مفهوم الوجود العام الانتزاعي البديهي للذهن هو اعتبار من الاعتبارات العقلية والبحث هنا يختص بحقيقة الوجود إن الوجود نفس الأعيان في الخارج وعين التقرر وما كان ذاته العينية والتقرر يمتنع أن يقع في الأذهان وإلا لانقلبت حقيقته العينية إلى الوجود الذهني، وإنما يرتسم في النفس هو صورة ووجه لوجود الحقيقة العينية وعنوان لها ومفهوم انتزاعي منها وإلا لعرضه التشكيك وليس في المفهوم تشكيك (المثل/ 128).
ولا بد أن يقتصر في النظر إلى الوجود بنفسه وحقيقته بدون أي حكم من الأحكام ولا عارض من العوارض ولا أي تقسيم من التقسيمات ولا مقيدا بشيء أو مضافا إلى شيء والوجود بهذا اللحاظ ليس إلا نفسه وذاته من غير حكم عليه من الأحكام ولا عارض من العوارض لأنه ليس إلا نفسه وحيثه ذاته ونفس الشيء لا تثنى ولا تتكرر ولا يحكم عليها بشيء ولا يعرضها في تلك الحالة عارض (المثل1/ 131).
ويرى أن التشكيك بين الواجب والممكن على نحو خاص من التشكيك فإن وجود الواجب صرف التمام والفناء، ووجود الممكنات صرف النقض والفقر والممكنات طراً بالقياس إلى واجب الوجود عز اسمه، هي تعلقات نفس ذواتها بذاته المقدسة وهي محتاجة بالذات إليه ولا استقلال لكل موجود عنه (المثل 1/ 135).
أما نظره حول وحدة الوجود والموجود وتعددهما فذهب بعض الفلاسفة إلى تعدد الوجود والموجود في الممكنات وفي الواجب تعالى فالموجودات الإمكانية مختلفة بحقائقها كما أن الواجب سبحانه وتعالى مختلف بحقيقته عن وجود الممكنات وهذا الرأي نظير ما قاله بعضهم من اصالة الماهية وتعددها في الممكنات وفي الواجب والممكن فالوجود على هذا المسلك متعدد في الحقيقة والعينية كما أن الماهيات متعددة ومتباينة في حد ذاتها وذاتياتها (المثل1/ 142).
أما رأى من قال بوحدة الوجود والموجود وبعين الوحدة كثيرة، فقد اختاره صدر المتألهين، وجماعة من المحققين من أن الوجود والموجود واحد ولكن بعين للوحدة كثرة فالوجود من حيث حقيقته وعينيته واحد ومن حيث حدوده وعروض الماهيات له خارجاً متعدد فهو واحد بالنظر الفعلي ومتكثر بلحاظ الحدود والماهيات ـ وهذا التقريب وإن حكى نوعا من الاتحاد بين وجود الواجب والممكن ولكن يخالف للواجب الممكن من ألف جهة وجهة ولا ينبغي للفلسفي أن يذهب إلى هذا الرأي (المثل1/ 144 ـ 145).
الرأي الثاني: تعدد الموجود ووحدة الوجود ونسبة ذلك إلى ذوق التأله لأن من نظر إلى الموجودات وجدها تشترك في حقيقة واحدة وهي حقيقة الوجود ومن نظر إليها بعين أخرى وجدها متباينة ومتفاوتة ومتخالفة فهي من حيث الوجود شيء واحد ومن حيث الحدود والماهيات متباينة، وهذا القول ينبغي أن يتأمل فيه وفي أطرافه فيقال لهم إذا كانت الحدود والقيود توجب تباين الموجودات فيكون كل وجود مع الوجود الآخر مباينا له ذاتا وحقيقة (المثل1/ 148).
الرأي الثالث: إن وجود الواجب له السعة والإطلاق نظير ما في كلمات الأكابر في علم النفس من أن النفس ليس لها أخلاقية والإيجاد بل لها السعة والشمول، ولهذا العموم والإطلاق ـ إذا عرفت هذا النظير فنقول في الوجود ذلك فإنه في مقام سعته وإطلاقه وعمومه وشموله له خلق ومخلوق وخالق.. وإن نظرت بعين الدقة فلا تجد خلقا أو مخلوقا وإنما تجد بنفس طرد العدم وذهاب الظلمة ولعل هذا مراد المحققين من الصوفية من الاتحاد والغيبة وهو المراد من التعينات والتشكلات (المثل1/ 150).
الرأي الرابع: تعدد الوجود والموجود وعليه كثير من الفلاسفة القدامى من المشائين فلا جهة مشتركة بين الموجودات الممكنة والحادثة وبين وجود الواجب وقد دفعه ملا صدرا في أسفاره.
نظر الإمام الخاقاني حول وحدة الوجود وتعدده إن المقتضى للسنخية بين العلل والمعلولات إنما تقع في العلل الممكنة والطبيعية لا في العلة الواجبة وعندها فيقال إنه لو لم تكن السنخية بين العلل والمعلولات قائمة إثر كل شيء في كل شيء. أما في العلة الحقيقية وهي وجود الواجب والنور غير المتناهي فلكمالها وتمام وفور وجودها تقتضي التأثير حتى في حال عدم السنخية لأن التأثير في حالة عدم السنخية ليس نقصا في العلية بل هو من غاية كمالها والسنخية لم تتشبث إلا بما أشرنا إليه في العلل الإمكانية الناقصة والطبيعية، وثانيا ـ إن الفلاسفة ذكروا أن ليس في دائرة الإمكان علة واقعية وتأثيرا حقيقياً. وثالثا ـ إن التعبير من الفلاسفة بالتشبيه بالمعاني الحرفية بالقياس إليه تعالى وإنه سبحانه هو المعنى الأسمي بكل معنى الكلمة فمن أجل النكتة بأن وجود الممكنات في ذاتها مباينة لوجود الواجب كمباينة المعاني الحرفية لذات المعاني الإسمية لكونها تعلقية الذات ونفس الربط بالواجب وعليه فوجود الواجب مع وجود الممكن سنخان ـ وقد يستأنس لهذا الرأي ما ورد من طرق أهل بيت العصمة إن ليس كمثله شيء بأن يكون المنفي نفي المشاركة في الوجود وليس فقط نفي الشركة في المرئية كما اختاره كثير من الفلاسفة من وحدة الوجود والموجود وإنه لو بعين الوحدة كثرة (المثل1/ 154 ـ 155).
رأي الإمام الخاقاني في الوجود الذهني:
النقطة الأولى: إن النفس في عالم تصورها عين العلم والعلم حقيقة حضور المعلوم لدى العالم، والصورة لما كانت حاضرة عند النفس كان العلم حضوريا وإنما يطلق العلم الحصولي على الصورة باعتبار إرائتها للخارج وإلا فكل علم ولو كان صورة ذهنية هو عين الحضور للعالم والعلم نحو من الوجود لا يدخل تحت مقولة من المقولات (المثل1/ 198).
النقطة الثانية: إن النفس في عالمها لها عجائب وغرائب تخلق الصور وهي الوجود النوري من غير حلول ولا ظرفية ـ وليس للنفس فقط موهبة خلق الصور حيث أن بعض النفوس كنفوس الأولياء لهم القدرة على إيجاد الصورة خارجا من أصل وجود الصورة فبقاء الطير المشوي أو تسبيح الحصى من النبي (ص) أشد كثيرا من أصل إيجاد صورة الطير خارجا (المثل1/ 203).
وبالجملة إن المقصود من الوجود الذهني أنه وجود نوري ليس مقصودنا أنه لا تشمله أصالة الوجود بل هو من أنحاء الوجود وأطواره ومن مراتبه وإن كان يظهر من بعض الكلمات خروجه عن محط دائرة أصالة الوجود (المثل1/ 209).
النقطة الثالثة: إن ما يعبر عنه الفلاسفة من النفس والروح والعقل يريدون بذلك هو وجود ذو مراتب ثلاثة فذلك الوجود من حيث تعلقه بالبدن يسمى نفسا ومن حيث تجرّده روحا ومن حيث المرحلة الأخيرة يسمى عقلا فتختلف هذه الأمور من حيث الدرجة والمرتبة لا من حيث الحقيقة والوجود ـ وقسم النفس إلى شاعرة مستيقظة وشاعرة غير مستيقظة وهي الشعور واللاشعور ثم بين أنواع الغرائز من الهرب والمحافظة على النفس والانتقام والمهاجمة والنفور والتباعد والجنس والاستطلاع (المثل1/ 210 ـ 213).
النقطة الرابعة: استدل الذاهبون إلى الوجود الذهني بما يلي:
أولاً: على وجه القضية كبحر من زئبق، ثانيا: تصور الشيء على نحو المعنى الإفرادي كتصور المعدوم وشريك الباري، ثالثا: أن نتصور الأمور الخارجية من وجود الإنسان والفرس وسائر الحيوانات مثلا على نحو الكلية وهذا يدل على استقرارها في عالم الذهن دون الخارج (المثل1/ 214).
ويعتقد الشيخ الخاقاني بساطة الوجود دون تركيبه لا من حيث التحليل ولا من حيث المادة والهيولى، كما يعتقد بتغاير الوجود مع الماهية ولم يكن هناك أي اتحاد بينهما مفهوما وخارجا، وعلى تقدير الاتحاد فالملحوظ به هو وجود الممكن وماهيته والمغايرة المحققة بين الوجود والماهية بإعمال العقل فإن الذي يحلل بينهما وإن كان بعين التخلية تحلية فإنها في حال تصور العقل بمكابرتها للوجود أكسب ثوب الوجود وتحلت به وإلا لأصبحت في ذلك الحال أمرا معدوما (المثل1/ 237).
ويرى أن الجعل من مباحث الوجود لأنه الإبداع الذي يصدر من الموجد والمبدع وهو بسيط إن كان السؤال عن أصل تحقق الشيء، ومركب وهو ما أفاد بثبوت شيء لشيء من النعت للمنعوت والصفة للموصوف ككون الإنسان كاتبا وضاحكا، ويرى المشاؤون أن ما يتعلق به الجعل والإبداع هو الوجود والماهية من اللوازم المتحدة معه بأشد أنحاء الاتحاد ويرى الإشراقيون أن الجعل والإبداع من المبدأ الأعلى هو الماهية والوجود أمرا اعتباري كما تقدم بيانه (المثل1/ 257).
وأما نظر الشيخ الخاقاني حول إعادة المعدوم إذ المفروض إعادة الشيء بنفسه من غير تغيير ولا تبديل فلم يكن هناك سير من الأكمل إلى الأضعف ولا من أوج الكمال إلى النقصان لأنه بعد فرض كونه هو هو من جميع الحيثيات والجهات فلم يكن هناك شيء آخر يقال بتنزل الوجود الأكمل إلى الأضعف ـ ويلفت نظر الباحث أن مسألة إعادة المعدوم لا تختص بأصالة الوجود بل يجري الامتناع أيضا على القول بأصالة الماهية وفي الوجود الذهني لأن تعدد الصور الذهنية وتكدرها لا يمكن إعادة الصورة المتقدمة (المثل1/ 271 ـ 272).
أما نظره في الوحدة والكثرة وهما من المباحث اللاحقة لنفس الوجود كأصالة الوجود أو كون الوجود واجبا أو جوهرا أو نعتا أو رابطا والوحدة لا تعريف لها لانكشاف مفهومها فالوحدة لا تصلح للانقسام بخلاف الكثرة كما أشكل بأن الانقسام هي كثرة فلازم التعريف أن يكون دوريا أو تعريف الشيء بنفسه، فالوحدة والوجود يختلفان في عالم الحمل الأولي ويتحدان في الحمل الشائع في مرحلة القوة والضعف والفعلية (المثل 2/ 5 ـ 8).
وإذا أردت تعريف الكثرة بالوحدة فهو تعريف عقلي فتأخذ الوحدة أولية في التصور بذاتها وإن عرفت الوحدة بالكثرة فهو تعريف إشارة وتنبيه ففي الأمر الأول تعريف لأمر خيالي والثاني تنبيه على معنى عقلي فهو وإن لم يستلزم الدور ولا تعريف لأمر خيالي والثاني تنبيه على معنى عقلي فهو وإن لم يستلزم الدور ولا تعريف الشيء بنفسه ـ إلا أنه تعريف لشرح اللفظ دون الاسم والماهية فلا محذور (المثل2/ 12).
فالوحدة تعتبر وحدة حقة وهي ذات الحق ووحدة غير حقة وهي الوحدة بالمعنى الأعم التي هي الوحدة الظلية وتنقسم إلى الواحد بالخصوص والواحد بالعموم ويسمّى الاول واحد بالعدد وهو الذي ينشأ منه تكرر العدد، وأما الثاني فيكون نظير النوع الواحد والجنس الواحد (المثل2/ 16).
وتعرض الشيخ الخاقاني إلى معرفة الحمل وجهة الفرق بينه وبين هو هو وإن الحمل أعم من الهو إلا هو وليسا متساوقين وقسمه إلى الحمل الأولي الذاتي والشائع الصناعي والاشتقاقي كما عليه الخلط التقليدي للمنطقيين، وتعرض أيضا إلى تقسيمه الثاني إلى البنى وهو ما كان الحمل على موضوع محقق أما فعلا أو تقدير على وجه القضية الحقيقة وغير بنى وهو ما كان المحمول على موضوع لا أفراده له، وكانت الأفراد ممتنعة التحقق نظير شريك الباري (المثل2/ 31 ـ 33). وهناك يقسم الحمل ثالث باعتبار البساطة والتركيب فالبسيط بمفاده البسيط ولا يُراد بها في الحمل إلا كون المحمول عين الموضوع وجودا وخارجا كقولك الإنسان موجود والتركيب بمعنى هل المركبة وكان المحمول عارضا على موضوعه كقولك الإنسان كاتب أو ضاحك (المثل2/ 34) كما يطلق هناك على الحمل بالدقة ويعبر عنه بحمل الحقيقة وهو حمل وجود على وجود.
وتطرق الشيخ الخاقاني إلى الواسطة وقسمها إلى ثلاثة أقسام: الواسطة العروضية ما كانت نسبة المحمول للموضوع نسبة مجاذبة بخلاف الثبوتية، وأما الواسطة في الإثبات والعلم فهي أعم من الواسطة في العروض، وأن الوسائط الثبوتية قد لا تحمل على الشيء لأنها جهة إيصال العلة للمعلول (المثل 2/ 43).
ويرى أن التقابل مقول بالتشكيك وأقوى مراحله السلب والإيجاب لأن المنافي للشيء رفعه أو يستلزم رفعه وأما غيره السلب والإيجاب فالمنافاة تبعية (المثل2/ 63).
وتحدث عن العلة بأنها ما تطلق على جزء الشي من المادة والصورة وعلى الأمر الخارج من العلة الفاعلية والغائية من المشترك المعنوي وليس إطلاق العلة على العلل الأربع من الاشتراك اللفظي وإنما هو من الاشتراك المعنوي وأن العلة الصورية وإن كانت علة للمادة لكن ليست علة صورية لها بل علة فاعلية لها، وإن المادة والصورة في الموجودات الطبيعية يعبّر عنها بالعليتين القريبتين للمعلول وإن العلة الفاعلية والغائية من المشترك المعنوي وليس إطلاق العلة على العلل الأربع من الاشتراك اللفظي وإنما هو من الاشتراك المعنوي وأن العلة الصورية وإن كانت علة للمادة لكن ليست علة صورية لها بل علة فاعلية لها وإن المادة والصورة في الموجودات الطبيعية يعبّر عنهما بالعلتين القريبتين للمعلوم وإن العلة الفاعلية والغائية كل منهما علة للأخرى وخارجتان عن العلل القوامية (المثل2/ 72).
فالعلة التامة ما اشتملت على المقتضي وللشرط المصحح لفاعلية أو سيما لقابلية القابل فمن وجودها يستلزم وجود المعلول ومن عددها يستلزم عدم المعلول كما أن العلة الناقصة وهي التي لا يتم فيها عنوان العلية بكاملها ويلزمها أن تكون من عدمها عدم المعلول ولا يلزم من وجودها وجود المعلول وإن كان هذا التعبير بأن عدم العلة الناقصة يستلزم عدم المعلول لا يخلو من مسامحة (المثل2/ 74).
وتعرّض الشيخ الخاقاني إلى الشبهة الجبرية من خلال القاعدة الفلسفية في جهة الترابط بين العلة والمعلول فقال: قد يخطر إلى الذهن أن عدم انفكاك الواجب تعالى عن مخلوقاته مما يوجب عدم الاختيار له تعالى فهو والعياذ بالله مضطر إلى الإيجاد.
والجواب: لا منافاة بين العلة وملازمتها للمعلول من غير فاصلة مع ثبوت الاختيار له تعالى بتمام معنى الاختيار (المثل2/ 78) ولما كانت العلة الفاعلية تأتي إما غير اختيارية كالعلة الطبيعية، وإما علة قسرية كحركة ما طبيعته الهبوط بأن يدفع إلى العلو، وإما جبرية وهذا هو رأي الأشاعرة في فعل المكلفين، وأما اختيارية فتارة تتحقق بالقصد وتصور الشي والتصديق بفائدته والميل إليه والتصميم على العمل وحملة النفس. وثانيا ـ أن يكون الفاعل بالعناية كما يراه المشاؤون في حقل الواجب تعالى من أن صدور المعلولات على طبق الصور المرتسمة في ذاته.
وثالثا: الفاعل بالتجلي والرضا وهو الذي يذهب إليه الإشراقيون في فاعليته تعالى طبقا لما في ذاته من انطواء الأشياء على نحو الإجمال (المثل2/ 81).
وهذه الأمور الثلاثة لا تنطبق عليه تعالى إذ ليس له قصد ناشئ عن شوق وميل وتصديق بفائدة الشيء فإنه أجل شأناً من ذلك (المثل2/ 84) والعلة الغائية هي حركة الانتهاء المسبوقة بحركة الابتداء فهي دائما تكون الحركة الثانية دون الأولى ولولا الغاية ما وقعت الحركة (المثل2/ 91) فالفاعلية علتها الغاية كما أن المعلول علته العلة (المثل2/ 94) وإن الفواعل العلمية على نحوين، الأوّل: أن تكون الغاية عين فعل الفاعل ووجودها خارجا تابع لفعل الفاعل. الثاني: أن تقع الغايات مترتبة الوجود على الفعل ومن الواضح استحالة كون الوجود المتأخر علة لفاعلية الفاعل المتقدم وحضور الغاية لدى الفاعل على حضور في الصورة العلمية لا بلحاظ الخارج (المثل2/ 96). وأجاب الشيخ الخاقاني عن إنكار الطبيعيين للعلل ما عدا العلة المادية وكان جوابه أن العلة المادية هي القوة الصرفة وهي فاقدة لكل شيء من التحصيل ما عدا نفس القوة والإمكان وضرورة العقل تحكم بأنه كيف يحصل المعلول ويتحقق خارجا من قوة مجردة لا فعلية لها ومن اللا اقتضاء الصرف.
وثانيا: إن حكم العقل وبداهة الفكر قاض إن الشيء ما لم يجب لم يوجد وإن عنوان القوة وذاتها لا يقتضي إيجاد الشيء وتحققه خارجا إذ من الواضح أن حقيقة القوة المجردة هي حقيقة الإمكان وحيث أن حقيقة الإمكان لا اقتضاء فيها وهذا لا يقتصر وجود الشكل فلا بد أن يكون وجود الشيء وحقيقته خارجاً مستندا إلى العلة الفاعلية ومتأثرا بها ومن الواضح أنه لو لا العلة الفاعلية الحقة لا وجود للمعلول.
وثالثا: إن مؤدى المادية وتوجهها ليس إلا لجهة واحدة ولا تعدد في وجودها وإذا كان هذا حال المادة فلا يتحقق منها إلا الإيجاد والتكوين والمفروض أن الموجودات مختلفة في أنواعها وصورها من حيث الإبداع والتكوين وليست متحدة ومن لوازم رجوع العلية إلى المادة لا غيرها أن تقع جميع الأشياء وجودا واحدا لا تعدد فيه (المثل2/ 107 ـ 108).
والعلة الصورية بالقياس إلى المادة فهي ليست علة صورية لها مكون المادة مركبة منها ومن غيرها وهي مفتقرة إليها في ذاتها ومحتاجة إليها في تحصلها الخارج من ذاتها وأن الصورة على هذا هي المحصلة للمادة (المثل2/ 109).
وتعرض الشيخ الخاقاني للماهية ولواحقها فقال إنها من عوارض الوجود بناء على أصالة الوجود ولا حكم للماهية من حيث هي هي وإنما تعرفها الأحكام وتترتب عليها الآثار من حيث عروضها للوجود خارجا فالأحكام ثبت لها من حيث الوجود لأنه أصل وهي فرع تحقق الوجود ولا تظهر آثارها إلا تبعا للوجود (المثل 2/ 219).
فالماهية في حد ذاتها حيث أن الأسئلة تأتي على وجوه ـ أحدها ـ السؤال عن ماهية الشيء ويقع في السؤال بما الشارحة الأسمية ـ ثانيها ـ السؤال عن نفس وجود الشيء ويقع بهل البسيطة وإن ركبته السؤال بما الشارحة أسبق مرة السؤال بهل البسيطة حيث أن الماهية في مقام التصور، ومقام التصور أسبق من تحقق الوجود خارجا ـ ثالثها ـ السؤال عن ثبوت شيء لشيء ويقع السؤال عن ذلك بهل المركبة لأنها السؤال عن وجود شيء لشيء ـ رابعها ـ السؤال بلم الغائية وهو السؤال عن العلم بالشيء وعن إثباته لا ثبوته وإن كان السؤال بلم الفاعلية فسؤال عن علة والشيء في عالم الثبوت دون الإثبات وهذه الأسئلة كلها عن نفس الحقيقة وأطوارها.
وهناك أسئلة أخرى عن العوارض الخارجية عن مقام الذات وأطوارها وتأتي بالسؤال بكم عن الكميات وبكيف عن الكيفيات وبمتى وأين وغير ذلك إلى آخر العوارض ـ مما يسئل عن معاني الأغراض على حسب اختلاف العوارض وترجع كلها في مقام الوجود إلى هل المركبة.
وأما التعاريف فهي على نحوين أحدها حقيقة وهو الجواب عن السؤال عن حقيقة الشيء ويسمى السؤال بما الحقيقية ـ ثانياً ـ السؤال عن ماهية الشيء أما عن ماهيته تماما أو عن ماهيته في الجملة ويسمّى الأول حدا تاما والثاني حدا ناقصاً ويسمى السؤال بما عن ماهية الشيء بما الشارحة الأسمية وليست الشروح الأسمية في اصطلاح الفلاسفة من التعاريف اللفظية اللغوية كما تخيله بعض الفلاسفة (المثل2/ 231 ـ 232).
فالماهية تطلق على وجوه أولاً ما اتحدث مع الوجود ـ ثانيا ـ ما تطلق على نفسها وعلى الوجود، ثالثا تطلق حتى على الأمور الاعتبارية والحدود في العقول والماهية في لحاظ نفسها خالية عن كل شيء وإن كانت باعتبار آخر توصف بالكلية والجزئية وهذا الاعتبار ليس عين اعتبار ذاتها نظير قولك الماهية موجودة وغير موجودة فإنه أيضاً ليس باعتبار نفسها ولذا قيل أن الماهية من حيث هي الموجودة ولا معدومة ولا كلية ولا جزئية (المثل2/ 241) وإطلاق الماهية على الأمور الاعتبارية ليس مصطلحا فلسفياً.
وللماهية وجود آخر وهو أن توجد في الذهن ولا تترتب عليها تلك الآثار المطلوبة فيكون الوجود الذهني بالقياس إلى النفس الإنسانية وقيامها بالنفس قياما على جهة الصدور وليس قيامها بالذهن نحو قيام الظرف بالمظروف ولا الحال في المحل (المثل2/ 243).
ولك ما له آنية فله ماهية لأن الشيء إذا لم يكن ثابتا عينيا أو ذهنيا فلا يعقل أن تكون له ماهية لما عرفت من أن الماهيات والحدود منتزعة من مراتب الوجود (المثل2/ 243 ـ 244).
وأما الذات والماهية من العناوين الثانوية وليست من المعقولات الأولية لان كل شيء إذا لم يكن بإزائه في الخارج تحقق وخارجية بل يأتي في الذهن فقط يعبّر عنه بالمعقول الثانوي وكل ما يأتي بلا واسطة في الذهن يعبر عنه بالمعقول الأولي وهو ما كان بإزائه في الخارج كالسواد والبياض حيث يكونا في التعقل أولاً وهما أمران خارجيان وهذا بخلاف الذات والماهية (المثل2/ 245).
والكلي الطبيعي ما انطبق على الحصص المنطبقة على الخارج من أفراده وجزئياته فهو الماهية الملحوظة بنائها وإن جاز أن يكون المعتقد أن الطبيعي هو الماهية مع قطع النظر عن فيه بشرط، وعند ذلك تكون الماهية منطبقة على اللا بشرط ويكون مؤدى المسلكين معنى واحدا فالكلي هو الماهية المنطبقة على أفرادها وتكون الأفراد متحققة بالشخص وليس الكلي كما عرفت إلا اللابشرط المقسمي أو اللا بشرط القسمي واعتباره اللا بشرط القسمي بعيدة (المثل2/ 248). فالكلي الطبيعي يتوزع حصصا وتعدد تلك الحصص بتعدد المصاديق والأفراد والكلي الطبيعي يكون من قبيل وحدة الهيولى وإيهامها بالقياس إلى تعدد الصورة والفعلية (المثل2/ 254) وإن سعة الماهية وشمولها على عكس سعة الوجود وشموله فإن سعة الماهية على جهة الإبهام والإجمال وأما سعة الوجود فهو سعة إحاطة وشمول وتحقق وثبوت وإن فيه الكلي الطبيعي إلى مصاديقه وأفراده ليست كنسبة الأب الواحدة إلى أولاده لأنه لا يمكن توزعه وتقسيمه على أفراد وإنما هو كما أوضحناه كنسبة الآباء المتعددين بالنسبة إلى أولادهم المتكثرة (المثل2/ 251).
أما نظره إلى أجزاء الماهية (أولاً) أن الماهية ثابتة في نفسها من غير حاجة إلى ثبوت وسط (ثانيا) تستغني عن السلب، ولذا قالوا أن الذاتي لا يعلل (ثالثا) أن أجزاء الماهية كقولك الإنسان حيوان ناطق لها سبق على ماهية الإنسان بالجوهر وليس السبق في الوجود أو الطبع أو الزمان ونحوه كالسبق في الشوط (المثل 2/ 251).
ويعتقد الشيخ الخاقاني أن الماهية غير قابلة للجعل والفاعل وإنما هي تابعة للوجود ومتحدة به وأن المراد لتقررها وأصالتها هو ظهور آثارها عند اتحادها بالوجود خارجا أو ذهنا ولعل مقصود القائلين بأصالة الماهية هذا (المثل 2/ 253).
وإن حقيقة الشيء بفصلها!!! فالوجود يدور مدار الفصل الأخير، قال الشيخ الرئيس صورة الشيء ماهيته التي هو بها هو ولا يكون الشيء ذا هوية فعلية إلا بفصله الأخير، وأما سائر الأجناس والفصول البعيدة ما عدا الفصل الأخير فهي مراتب استعداد الشيء وقوة محضة من غير فعلية وتحصل (المثل2/ 258).

(3) رأيه في علم الرجال

إن الميزان في أحاديث أهل البيت عليهم السلام هو قبول خبر الثقة وجبر الخبر الضعيف بالعمل ويؤخذ بروايات الكتب المعتبرة كما لم يعلم الطرح وهو اختيار مشهور القدماء.
إن إسناد الروايات عن الرسول الأعظم وآله المعصومين ينقسم إلى متواتر وآحاد والتواتر جماعة يمتنع تواطيهم على الكذب وهو نحوان: تواتر لا يمكن التشكيك فيه عقلاً، وتواتر يجوز فيه التشكيك، ولكنه غير مرضي للأذهان المستقيمة، وينقسم التواتر أيضا إلى لفظي ومعنوي فاللفظي ما تواتر نقل اللفظ فيه وهو نادر الوقوع والمعنوي ما تواتر مضمونه كشجاعة سيد الأولياء أمير المؤمنين (ع) وزهد زين العابدين والتواتر المعنوي يعم ما لو اشتمل على وجود جامع بينها أو لازم أو كان بعض الروايات بالمنطوق وبعضها بالموسوم بحيث افاد المجموع المتواتر نظير ما ورد في الماء القليل عند ملاقاة النجاسة أو كان بعضها مطابقة وبعضها تضمناً نظير ما ورد في حرمان الزوجة في الجملة.
وأما الخبر الواحد وهو ما ليس بمتواتر وإن كثرت روايته عن المعصوم وينقسم إلى قسمين: (الأول) ما يفيد العلم القطعي لاقترانه بالقرائن المفيدة للعلم الحقيقي. (الثاني) ما يفيد العلم طبق العرف والعادة وإن كان من الظن حقيقة ويحتاج إلى التعبد به من دليل وقد يسمّى خبر الواحد بالمستفيض عندما يكون رواة الحديث أكثر من ثلاثة ولا يعتبر فيه اتحاد اللفظ في الروايات المنقولة كما قاله بعض علماء الرجال.
وقد أخذ أعلام الفقه من الطبقة الوسطى ـ كالعلامة وفخر المحققين والسيد ابن طاووس والشهيد الثاني ـ بتقسيمه إلى أربعة أقسام ـ صحيح وحسن وموثق وضعيف.
وفسروا الصحيح بوجوه أحسنها ما اتصل طريقه بالرسول (ص) بنقل العادل في جميع سلسلة الإسناد. وأما الحسن فهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بإمامي ممدوح غير معارض بذم ولكنه فاتحة للنص والعدالة من المادحين والموثق ما اتصل سنده بالمعصوم ونص الأصحاب على وثاقته ولكنه فاسد العقيدة لمخالفته الفرقة المحقة، والضعيفة ما لم تشتمل فيه شرائط أحد الأقسام الثلاثة سواء أكان مجروحا بالفسق أم بالجهال أم الإهمال.
وللضعف مراتب قد يشتد الضعف بالراوي فيكون فاسقا وكذابا ووضاعا وقد قسم بعضهم الصحيح والحسن والموثق إلى مراحل ثلاث أعلى وأوسط وأدنى ثم وضعوا عنوانا آخر مستقلاً وسمّوه بالقوي وهو الذي جمع بعض الصفات من أحدها الصحيح والحسن والموثق، وهذه التقاسيم على ما يظهر ممن أسس هذه المباحث أنها في مقام تقديم بعض الروايات على بعض في مورد المعارضة فيها وتكافؤ المرجحات من العرض على الكتاب والسنة ومخالفة العامة أو في مقام اعتبار الحسنة والموثق عنه فقد الصحيح ـ كما يظهر من شيخ الطائفة (الطوسي) وإن كان الذي يظهر منه في فتاويه وكتبه هو ما عليه القدماء والمتأخرون من كفاية الوثاقة في الصدور.
نعم يُثمر هذا التقسيم عند القائلين بانسداد باب العلم والعلمي أيضا لأن الميزان عند الانسداد بين إقوائية الظن غالبا إما بجعل الشارع أو لحكومة العقل وإلا فعلى المعروف من مسلك الإمامية قديما وحديثا من الانفتاح يكفي الوثوق إلا إذا علم طرح الخبر من القدماء.
فإذا أخذنا بقواعد الرجال والدراية وبما رتّبوه من التفريعات أشكل تطبيقها على مسائل الفقه وأوجب وقوف حركة الاستنباط حيث لا يسلم من أحاديث أهل بيت العصمة (ع) إلا القليل وعند ذاك يضطر الفقيه إلى التمسك بأطراف الإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية سيما في أبواب الفقه التي ندر فيها الرواية الصحيحة بل حتى فيما كثرت الرواية فيها كالطهارة والصلاة وليس المقود مما حررناه عدم الحاجة إلى فن الرجال أو الدراية أصلا كيف ويعرف بالدراية متن الحديث وطريقه من الصحيح والسقيم وكيفية تحمل الحديث وبعلم الرجال تعيين الصغرى من كبرى الدراية مما يحتاج إليه في الجملة، وإنما المقصود عدم الحاجة إليه بتلك الأهمية التي فرّعوها (أنوار الوسائل2 / 9 ـ 12).

(4) رأيه في التفسير القرآني

الفلسفة الحقة هو ما جاء بها القرآن الكريم {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} وإن الحكمة والفلسفة الحقيقية هي ما قامت على القضايا الأولية من معرفة الوجود وآثاره وخواصه، ومن معرفة الماهية والسبق واللحوق والعلة والحلول والجوهر والعرض إلى غير ذلك مما هو من البديهيات الأولية والبراهين القاطعة لا خيالات التفكير من العقول العشرة وترتبها والمثل الإفلاطونية ونحوها فإنها بعيدة عن الواقع والبراهين، فنحن نعتبر من الفلسفة ما كان برهانيا وأولياً كمعرفة الجواهر والأعراض والعلل والمعلولات والتقابل والوحدة والكثرة والموجود والعدم، وإذا خرجت الفلسفة عن تلك الحدود كانت أوهاماً وخيالات ولو كانت حقائقاً لأكّدها الأنبياء والأولياء فالفلسفة التي بين أيدينا بين واقع واضح وحق مستقيم وهي ما جاء بها القرآن والأنبياء والرسل وأكّدها الأولياء، وبين خيالات يونانية لا تغني عن الحق شيئا، فالفلسفة المقصودة لنا في القرآن ما قامت على القضايا الأولية، والبراهين الثابتة وما جاءت به الرسل (العقل البشري1/ 43 ـ 44).
أطلق العلماء التفسير على الظواهر وحجيتها إلا أن دلالة الظواهر وفهم المعنى من الألفاظ الموضوعة لها والمتعارفة بين أبناء العرف ليس من التفسير في شيء، وإنما التفسير هو إظهار المعنى الخفي ولذا منع أئمة الهدى عن تفسير القران، إلا أن يؤخذ من الكتاب الكريم نفسه أو من سنة الرسول (ص) وآله المعصومين (ع) وإلا فلا يصح من طريق آخر ويكون من التفسير بالرأي والأخذ بالظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
وعند معرفة ما ذكرنا يقع البحث بأن التفسير لا يصح إلا بالأحاديث المتواترة، ولا يصح بالأخبار الضعاف باتفاق المسلمين، وإنما البحث في الآحاد فهل يقع بها التفسير أم لا؟ ذهب الأكثرون إلى صحة ذلك.
ولكن التحقيق أن اعتبار خبر الواحد مما هو في الأحكام الشرعية دون ما كان مفاده إثبات التوحيد وخصوصياته ورسالة الأنبياء وما كان أخباراً عن جهة تكوينية فإن كل ذلك لا يرتبط بحجية أخبار الآحاد وليس ذلك أيضا بالنظر إلى تفسير القرآن الكريم (العقل البشري1/ 47 ـ 48).
ويعتقد الشيخ الخاقاني في خطه التفسيري للقرآن الكريم أن القرآن يفسر بعضه بعضا كما أن خط التفسير التجزيئي معتقد به فينظر إلى القرآن بلحاظ تجزئته القرآنية وأخرى ينظر إليه بلحاظ الترابط القرآني بعضه مع بعض.

(5) رأيه في الاقتصاد

فالاقتصاد ليس له حد خاص لا يختلف عنه باختلاف البيئات والأقطار والممالك والقدرة في العمل والبطالة وعدم تيسّر وسائل الإنتاج ويصير علم الاقتصاد على هذا النمط مختلفاً تبعا للعصور والمجتمعات في القدرة على الإنتاج وعدمها وقد عرفه الغربيون بتعاريف، مثل ليونيد روبينز Robbins حيث قال: إن الاقتصاد علم يدرس تصرفات الإنسان التي تعتبر صلة بين غاياته ووسائل إشباعه ورغباته.
وعند مراجعة هذا التعريف وغيره يرى كل واحد يعرف هذا العلم بما يقتضيه بيثته واجتماعه ولكن المعتقد فيه أنه حقيقة ثابتة لا يختلف بالعصور والأجيال والحكومات والبيئات، وأن الاقتصاد في الإسلام نظام إلهي يتكفل جميع أطوار الحياة (العقل البشري1/ 222) وهو أمر ثابت لا تحرك فيه ولا يختص بمملكة دون آخرى بل هو قانون للبشرية جمعاء، فإن الرسول الأعظم (ص) في رسالته من السماء قد تكفّل لنظم الحياة إلى آخر العصور وليست الشريعة الإسلامية مختصة بقوم دون قوم ولا بأمّة دون أخرى لأنّ التعاليم التي جاء بها الرسول (ص) تعاليم عامة لكل البشرية ونظام شامل لكل النفسيات على مر العصور.
ويرجع الشيخ الخاقاني علم الاقتصاد إلى علم الأخلاق حيث يبتنى على العقيدة الراسخة التي لا تتحول ولا تتبدل، ويبتنى على تربية النفس والعدالة الاجتماعية والخلق الكريم، فالاقتصاد يحكى من جانب العقيدة ومن جانب تربية النفس وما فيها من الغرائز والتطورات، ويحكى من الجانب الآخر المُثُل العليا والخلق الكريم، وإن الاقتصاد الإسلامي مرتبط بموضوعية الدين ودروس النفس وكمالاتها الأخلاقية والسائرة مع الأخلاق الفاضلة (العقل1/ 222 ـ 223)، ويرتكز الاقتصاد على قواعد مهمة:
1ـ التوحيد وتوابعه من الاعتقاد بالنبوات وارتكاز العقيدة في عنصر الإنسان بحيث تأخذ أساساً محكما للبناء في عمل المسلمين والعقيدة بهذه الكيفية لها أثرها الخاص في تربية المسلم وعمق العقيدة المؤثرة في حالاته ونفسيته ولا يتقوم الاقتصاد بما أنه استنتاج المزارع وعمل العامل وحرف المصانع من غير أن يبتنى على أساس القاعدة في أعماق القلب والضمير.
2ـ أن يبتني الاقتصاد على نفسية المسلم المتوجّه إلى نفسية صالحة ونفسية كريمة قد نبتت على الفضائل وتجنب الرذائل.
3ـ بناء الاقتصاد على الترابط الاجتماعي بين المسلمين فالاجتماع عند الإسلام هو النظام على وفق الأسس الدينية والمُثل العليا للمعارف الإلهية (العقل1/ 226).
فالاقتصاد الإسلامي جزء من كل في الشريعة الإسلامية وليس مذهبا مستقلا ولا مبدأ برأسه، إن الاقتصاد الإسلامي جزء من كل، والكل هو الدين بأنظمته من توحيد العقيدة والإيمان بالرسل، والاعتقاد الجازم بيوم البعث والنشور، وإن القانون الإسلامي قانون عدل وميزان حق يعطي الفرد حريته الكاملة في التكسّب والعمل وإنتاج ما يستفيده من طبيعة الأرض، ويرى أن وجوده غير محاطة بالضغط والاستعمار، ولا يراها مستهلكة لقوم آخرين فيرى ما أعطاه الله من القوى قد استفاد منها وعاد النفع إليه من غير استملاك أو استهلاك من غيره.
وإن كل إنسان إذا رأى متاعب حياته قد استعاد منها منافعا في المعيشة والأخلاق والتربية والتعليم كان ميله إلى الإنتاج شديدا وهذا بخلاف ما لو رأى زحمات الحياة التي بذلها في مدة طويلة من العمر قد استغلها قوم آخرون بالقهر والغلبة فإنه يرى أن حياته قد ضاعت وذهبت أدراج الرياح فهو يحقد وينكر على كل من ضغط عليه وسلب جهوده فهو يتربص الفرص حيناً بعد حين ويحقد على كل من سلب جهوده وإذا سنحت له الفرص والمقادير فيأخذ الدرهم من هؤلاء بدينار، وهذا بخلاف ما إذا كانت منافع جهوده تعود إليه، هذا حال الملكية الشخصية والأفراد العاملين لأجلها.
وإذا نظرنا إلى طبقة المعوزين والفقراء والأرامل والأيتام ومن بهم العاهات والأمراض فالإسلام يلزم ولاة الأمر والقائمين بشؤون المسلمين أن يأخذوا أموالا من الحقوق الشرعية من زكاة وخمس ورد مظالم ومجهول المالك ما يسدّ حاجات هؤلاء الفقراء والمحتاجين من حيث المعاش والكسوة ومن حيث الصحة والنفقة.
فإن الإسلام قد رتب ضرائب (وماليات) لا تضر بملكية الأفراد بل تحدد تلك الملكية وتسد حاجة المحتاجين وتحفظ الاجتماع لأن الإسلام عندما تراجع قانونه تراه قد سدّ جميع حاجيات المستضعفين وجعلهم في مقام المعاش والحياة كالأغنياء من غير حاجة إلى التذلل والمسكنة ـ والانكسار ـ فبالملكية الشخصية حفظت جهود الأفراد وبالملكية النوعية أو الحقوق العامة حفظ خطر الاجتماع.
ثم انظر إلى ما وراء ذلك أن الإسلام قد جعل الملكية للدولة من الأراضي الخراجية واستخراج أراضي المعادن والغابات والأنفال والموات وما يحصل من الغنائم في الجهاد وما يصالح عليه ولي أمر المسلمين أو ما كان عامرا حين الفتح ثم صار مواتا وما خرج أهل الأملاك عن أملاكهم وتركوها بوارا فهذه كلها ترجع إلى وليّ الأمر ونظام الدولة ليحفظ بها الأفراد والاجتماع، وهذه الملكية الثالثة التي يحفظ بها النظام بين الراعي والرعية والتوازن بين الاجتماع والأفراد والحاكم والمحكوم ولم يجعل الشارع المقدس بيت المال ثروة للولاة ولا حياة للقوّاد ولا ثروة لوجوه الناس، إنما جعل بيت المال لإدارة الجيش والتربية والتعليم للمعارف الاجتماعية، ولسدّ حاجات الاقتصاد عند ضعفه، وحفظ الثغور لحياة الأئمة فيؤدي للزارع ما يحتاج إليه وللعامل ما يقوم به للعمل، وللفقراء والمحتاجين إذا لم تقم به الملكية الاجتماعية.
فترى تعادل الملكيات الثلاث من ملكية الفرد والاجتماع والدولة ما به يحفظ شؤون الأفراد والاجتماع والدولة. وعندما حدد الشارع ملكية الفرد فمهما بلغت في الفرد المنافع لا يصل في الملكية إلى الرأسماليين لأن الشريعة الإسلامية قد حددت ملكيته حدود لا يتجاوزها حيث حدد عليه الضرائب كالزكاة والخمس وردّ المظالم والكفارات وبعد ذلك رجّح له وألزمه في وصيته أن يوصّى بعد موته في ثلث ماله وليس مصرفه إلا في الاجتماع من بر الفقراء ومساعدتهم والبذل في القناطر والجسور والطرقات العامة والمصالح النافعة العائدة للمجتمع من أهل بيته وغيرهم، وأداء الواجبات بعد مماته، وكل ذلك مما يحفظ المادة حتى لا يبلغ الرأسمالية والإقطاعية، وترى أن الملكية الشخصية والنوعية وملكية الدولة كلها عائدة للصالح العام من غير ضغط شيوعي ولا استبداد رأسمالي.
إن الاقتصاد الإسلامي مبني على الاتصال بعلم النفس وبروحية النظام الإسلامي، وليس مجرد اقتناء المادة من أي طريق، ولو كان غير مشروع بل المادة القائمة من منطلق العقيدة والضمير والفضائل النفسية التي يكون الاقتصاد مظهرا من مظاهرها العقل (229 ـ 232) ويتابع الشيخ الخاقاني بشأن الطرق الدفاعية ضد الاقتصاد الإسلامي فيقول:
إنك إذا نظرت إلى الاقتصاد الإسلامي وجدته قد سدّ ثغور الأخطار التي تتوجه نحوه من الربا والاحتكار وبيع الغش والتدليس والمعاملة بالمعيب والغبن فالشريعة الإسلامية حرّمتها وقطعت دابرها وجعل الإنسان حرا في معاملاته لا مستهلكا لأشخاص من تجّار أو ولاة آخر، فالنظرة الإسلامية على خط الوسطية حيث لم تأخذ في عالم الإفراط ولم تهبط إلى عالم التفريط (العقل1/ 236). بل نظام تسوده الديمقراطية الحرة والموضوعية اليقظة لأبناء مجتمعها المتحرر لم تأخذ المال إلى حد التكاثر وجمع المال إلى حد الإملاء والإشباع ولم تجعل المسلم ذليلاً إلى حد الإنكسار وفقدان الشخصية.

(6) رأيه في علم الأخلاق

علم الأخلاق هو العلم الذي يتعرض إلى سلوك النفس وسيرها في هذا العالم على الوجه الأتم بإظهار الفضائل النفسية، وأن أدل موقف يقفه صاحب الأخلاق هو موقف أن يعرف من أين جاء؟ وإلى أين يذهب؟ وإلى ما يُراد به في هذه النشأة؟ وهذا الموقف يُعبّر عنه عند علماء الأخلاق بيقظة النفس والضمير والالتفات إلى حياته وسلوكه بهذه الدار وإلا فلو لم تتوجه عليه هذه النظرة، ولم يلتفت إلى مراحل سلوكه وسيره في هذه النشأة لا تُعدّ صفاته مطابقة لعلم الأخلاق.
وعندما يأتي إليه هذا الضمير وتتوجه نفسه إلى يومه وأمسه وغده يرجع إلى الله، ويعبّر عن هذا الرجوع إلى الله بالتوبة ولا يقصد من التوبة في علم الأخلاق إلا الرجوع إليه تعالى لا عن سبق ذنب أو جرم (العقل1/ 246 ـ 247).
وإن أول مراحل علم الأخلاق وتهذيب النفس هو الصبر فإن الله تعالى أودع في نفس الإنسان قوة تحمل المصائب والنوائب من جار أو جائر أو رحم أو بيئة أو مرض أو غيرها من حوادث الزمن وهذه القوة كائنة في أول خلقة النفس ومن لوازمها الذاتية.
وللصبر مراحل ومراتب فأوّل الصبر المعبّر عنه بصبر العاجزين فيصبر على البلاء والضراء ويتحمل شدائد الزمن وحوادث الفتن ويعمل في التخلص عنها، وغاية الصبر هو صبر الأولياء والأبرار، وإن نفوسهم تستلذ بالبلاء كما تستلذ بالنعماء وتتوجه أرواحهم إلى قبول تلك المحن (العقل1/ 249 ـ 250).
أما التوبة فهي أول مراتب تخلية النفس عن ذميم الأخلاق والرجوع إلى الله تعالى، وللرجوع مراتب:
المرتبة الأولى: أن يرجع من الذنوب وترك الواجبات، فيأتي بالواجبات وترك المحرمات ويكون العبد تائباً عن ذنب وإجرام.
المرتبة الثانية: أن يرجع إلى الله عن المكروهات ويلتزم بالمستحبات بلا ذنب سابق.
المرتبة الثالثة: أن يرجع إلى الله تعالى في جميع أعماله فلا يعمل إلا متوجها إلى الله ومتقربا بعمله وإن كان العمل توصّلياً، فإذا أراد الذهاب إلى صديق له قصد وجه الله لأن الرواح والمضيّ لأخيه في الإيمان مما يوجب المثوبة والتقرب إلى الله تعالى، وإذا عاد مريضا قصد القربة في زيارته وعبادته وإذا قضى حاجة أو أطعم فقيرا قصد وجه الله بذلك وتكون أهداف أعماله كلها هو التوجه إلى الله والقربة والإخلاص له تعالى.
المرتبة الرابعة: أن يكون رجوعه إلى الله في أعماله وأقواله وتوجّهات نفسه وصيرورتها فانية في ذات الله تعالى وصفاته، وليس له توجه لا في اليقظة ولا في النوم إلا إلى الله، وهذا المقام إذا تم للعبد كان في منتهى التحلية بالفضائل، ويكون استغفار المؤمن في هذه المرحلة عين الخضوع والفناء في ذات الحق (العقل1/ 251).

(7) رأيه في الاجتماع

الاجتماع عند الإسلام هو النظام على وفق الأسس الدينية والمثل العليا للمعارف الآلية وأنه يكيف روحية المسلم بالعلم والعمل ويصيّره وافيا بكثير من الفضائل من الوفاء والصدق والأمانة والمساواة والإثرة والتبادل بين الأفراد بالأخلاق الفاضلة والتبادل بعضهم مع بعض بالمودة والإحسان حتى يصبح المسلم مجمعا للعواطف المُوجبة للمحبة ومجمعاً للعلم والعمل الصالح.
وحول الترابط الاجتماعي من خلال وحدة النظام الإسلامي يقول الشيخ الخاقاني:
إذا نظرت إلى قانون التجارات والمعاملات ونظام الزوجية والتوارث والقصاص وأحكام الديات لا تجد نظاما أفضل منه رحمة ولطفا وعدلا بين الأفراد فالإسلام ألغى العناوين التي تكونها العصبية والقومية وحب الذات والقبيلة إلى غير ذلك مما ارتكز في نفوس المتغلبين والمستكبرين على البشر، وحطم عروش هذه المباني وجعل الأسود كالأبيض والغربي كالشرقي ووجه الكل إلى المعارف، وأن لا فضيلة لأحد على أحد إلا بالعلم والعمل الصالح فألغى ميزة الأنساب وشرف السيطرة والنفوذ وتعصب القوميات وأذهب جذور التكبر والنفاق وجعل الكل على صراط مستقيم قال (ص): [لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى] ولو أن الناس عملوا بقانون الإسلام وطبّقوه لنزلت عليهم بركات السماء، وكان كل الناس إخواناً.
أنظر إلى حقوق الزوجة مع زوجها، والولد مع أبيه والوالد مع ولده والجار مع جاره وصاحب الوطن مع أخيه تجدها دروسا مملوءة باللطف وقوانين محكمة بالعطف، ولو أن الناس عملوا بقوانين الإسلام وأحكامه لما وجدت فيهم الشحناء والبغضاء ولا القسوة، جعل الشارع نظام الديات والقصاص سدا لأبواب الظلم والجور، ولو أن الناس عملوا بقوانين القصاص والديات والحدود لما تحقق حيف ولا ظلم وسلب حقوق وكرامة، ويكون مآل المجتمع إلى الأخوة الصادقة والمحبة والترابط الوثيق.
إن للإسلام دروس تربط العبد بربه ودروس تربط الناس بعضهم ببعض وهذه الدروس لو أتقنها المسلم وعمل على طبقها لنال الراحة في الدنيا والنعيم في الآخرة.
ولكن المؤسف إن افراد المجتمع غالبا لا يعرفون حقيقة الإسلام وتعاليمه وإنما يأخذون بالشعارات والعناوين فمن شهد الشهادتين واعترف بالتوحيد والعقائد الإسلامية أو عمل بالفروع والأحكام ولم يطبقها على النظام الصحيح لم يكن مؤمنا حقيقة فالإسلام له عنوان وله حقيقة فبعنوانه يحقن دمه ويحفظ ماله وعرضه وتترتب عليه كثير من الأحكام الشرعية.
أما من كان مسلما حقيقة وطبّق النظام الإسلامي على أفكاره فهو المسلم الحقيقي الذي كان موحّدا في مرحلة الذات والصفات والأفعال والعبادة فهو موحد ذاتا وصفة وفعلا وعبادة.
وأنت إذا درست قوانين الإسلام وأحكامه بإمعان النظر والتدبر في خصوصياته لا تجد قانونا أفضل من غربي وشرقي فإن كل قانون في الدنيا يقدم عنصرية على أخرى وقومية على قومية وبيئة على أخرى وما ذاك القانون إلا القانون الذي تجريه النفوس البشرية قائم على حب الذات وتقديم قومية على أخرى ومصالح بيئة على بيئة ثانية وهو قانون يلحظ فيه المؤسس رغباته وشهواته.
فالقانون الإلهي ليس فيه الشهوات ولا الرغبات بل يُبتنى على الحقيقة، وإن نظرة الله إلى خلفه هي نظرة التساوي وحفظ الاجتماع والتعادل بين الحقوق ولحاظ الجهات النوعية التي لا تختص بأمة دون اخرى.
وهذا بخلاف القوانين الوضعية فإنها قوانين استعمار واستثمار، بل قد يبلغ الحال أن يكون القانون قانون استملاك واستهلاك للنفوس والأعراض والأموال، وجعل البشرية كحيوان مسخر فيما بينهم كما هو الحال في آراء بعض الدول على وجه الأرض من استهلاك نفوس الرعية ونتائج أعمالهم، وأنهم ليسوا إلا كدواب مسخرة بأيديهم (العقل1/ 201 ـ 203).

(8) آرائه الفقهية


أ ـ رأيه في ولاية الفقيه

قد اختلفوا فيها على أقوال ثلاثة:
الأول: ما ذهب إليه المحقق النراقي من أن كل حيثية يقوم بها المعصوم (ع) يقوم بها الفقيه في زمان الغيبة إلا الجهات المخصوصة بالنبوة أو الإمامة كتكليف النبي (ص) مثلاً بواحد وخمسين ركعة ونحوها.
الثاني: ما ذهب إليه المشهور من أن الفقيه يقوم بكل أمر يحتاج الرعية فيه إلى الزعيم وتتبنى عليه أمور الناس من اقتصاد وسياسة وتدبير معاش وتكليف وقضاء ونحوها.
الثالث: ما ذهب إليه صاحب الحدائق والأستاذ المحقق الأصفهاني رحمهما الله وغيرهما من أن الفقيه ليس له إلا الفتوى والقضاء في باب المرافعات، ثم أنه استدل المحقق النراقي على القول الأول بالأخبار الواردة في المقام الدالة على أن ((العلماء ورثة الأنبياء)) [أصول الكافي 1/ 34 باب ثواب العالم والمتعلم]. وأنهم أمناء الرسول ما لم يدخلوا في رغبات السلاطين [أصول الكافي1/ 46 باب المستأكل بعلمه]، وأن العلماء حكام الملوك والملوك حكام على الناس [الوسائل باب 11].
ولكن الأنصاف أن أكثر هذه الروايات قد وردت في فضيلة العلم كما يظهر ذلك من سياق كثير منها وعلى تقدير التنزل عن هذا نقول لا تدل على المطلوب بوجه إذ (أولاً): إن الذي يرثه الوارث ليس هو جميع شؤون الميت بل لا يرثه إلا ما يصلح للوراثة لا مطلقاً. و(ثانياً): إن وجود الولاية المطلقة في المنزل عليه غير معلوم فضلا عن المنزل فإن لفظ الأنبياء يشمل بإطلاقه الأنبياء السابقين كلام.
والظاهر عدم ثبوت الولاية لهم بالمعنى الذي نعتقده في نبينا عليه الصلاة والسلام. و(ثالثا): إن هذه الروايات مذيّلة غالبا بأن الأنبياء لا يورثون مالا فيستكشف من ذلك أن معنى الرواية ليس كما ذكره رضوان الله تعالى بل المقصود منها أنه ليس من شأنهم (ع) المال والدنيا وإنهم لا يهتمون بهما بل من شأنهم التوجيه إلى الدين والتبليغ لرسالة رب العالمين.
وبالجملة فإن تلك الأدلة على اختلاف ألسنتها في مقام جعل الولاية بل مسوقة لبيان فضيلة العلم فتكون مهملة من هذه الجهة أضف إلى ذلك كله أن لفظ العالم أو العلماء إنما كان يُطلق على أهل البيت عليهم السلام في ذلك الزمان وينصرف إليهم كما يظهر ذلك لمن راجع كتب الحديث من الكافي وغيره وقد ورد من الأئمة (ع) نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون (الوسائل باب 7 حديث 18 صفات القاضي).
أما استدلال الطائفة الرافضة لولاية الفقيه على نحو العموم بما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة (من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله فهو على حد الشرك بالله) [الوسائل: باب 11 ـ حديث 1 ـ صفات القاضي].
الثاني: ما ورد في رواية أبي خديجة ((انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه)) [الوسائل: باب 1 ـ حديث 5 ـ صفات القاضي].
وتقريب الاستدلال بها أنه لا ريب أن القاضي في زمن الخلفاء السابقين لم يكن مخصوصا بأمر التنازع فقط بل كانوا يرجعون إليه في جميع الأمور العامة من الحدود والقصاص والأهلة ونحوها، وكان ذلك تحت ولاية القاضي لدى خلفاء الجور والأئمة (ع) لما روا أن العامة يرجعون إلى قضاتهم في جميع مايحتاجون اليه في حياتهم نصبوا الفقيه للقضاء بين الشيعة في قبال قضاة العامة فيُفهم من قرينة التقابل أن الشيعة لا بد أن يرجعوا إلى الفقهاء في كل ما يرجع العامة فيه إلى قضاتهم.
الثالث: إن الناس يحتاجون في زمن الغيبة إلى أكثر مما قلناه لكونهم مبتلين بأمور كثيرة من اقتصاد وسياسة وجزاء ونحو ذلك مما لا يحصى فإذن لا يسع للمعصوم (ع)، أن يترك أمته بهذه الكيفية بل لا بد له أن ينصب قاضيا يقوم بكل ما يحتاج إليه الرعية وإلا كان الإمام (ع) مضيّعا لشيعته ولحقوقهم.
وليعلم أن هذا البرهان لا يخلو من الاستحسان إذ ليس معنى ذلك تنزيل الفقيه فردا من المعصوم، فإن عدم تضييع الإمام أمته في زمان الغيبة أمر لا يتوقف على التنزيل أو التفويض وقد تقدم بطلانهما.
والحاصل أن هنا مقامين:
المقام الأول ـ أن الفقيه ليس فرداً تنزيلياً للمعصوم (ع) لأن من لوازم التنزيل أن يقوم الفقيه بكل ما يقوم به الإمام وأنه يجوز له نسخ نكاح وطلاق زوجة شخص وتزويجها من شخص آخر وأخذ أموال الناس وتمليكه نفسه أو لغيره وجواز المصالحة على أراضي المسلمين والهدنة بين المسلمين والكفار في بعض الأوقات ونحو ذلك وهذا لا نلتزم به نحن لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه.
المقام الثاني ـ إن الفقيه له أن يقوم بكل ما يحتاج الناس فيه إلى الزعيم وأنه لو انقادت له الأمور لتمكن من القيام بالأمور الاجتماعية والسياسية والمدنية وبإقامة الحدود والقصاص واستيفاء الحقوق من أيدي الناس ونحو ذلك.
وهذا أمر لا ننكره نحن لكنّا نقول أن هذا لا يحتاج إلى التنزيل أو التفويض بل إنما ذلك من لوازم الزعامة والمرجعية والحكومة الإسلامية، ولعل المقام يحتاج إلى تفصيل أكثر ليس هذا مجاله (المحاكمة في القضاء/ 38 ـ 43).
ثم إن من المعلوم عدم وجود حكم عقلي في المقام لأن الحكم العقلي ـ إما أن يكون من باب الملازمات فهو غير موجود فيما نحن فيه قطعاً ولم يدعه أحد وإما أن يكون من الأحكام التي يستقل بها العقل أي من المستقلات العقلية فلو كان هناك حكم عقلي لا بد أن يكون من هذا الباب.
والتحقيق أنه لا معنى لحكم العقل المستقل في مقامنا هذا لأن معنى الحكم الذي استقل به العقل هو أن لا يمكن الحكم بخلافه وأنه إذا حكم الشارع على خلافه يكون مناقضا له كما أنه لو حكم على وفقه يكون موافقا له مع أنا نرى إمكان ذلك على الشارع إذ له أن يامر بالصبر على الشيعة والتحمل للظلم والجور إلى أن يظهر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولو كان هناك حكم عقلي بولاية الفقيه لما أمكن للشارع الحكم على خلافه عقلا (المحاكمة في القضاء/ 43 ـ 44).

(ب) رأيه في قاعدة الإلزام

والاستدلال بالقاعدة بما ورد في معتبرة علي بن حمزة في سؤاله لأبي الحسن (ع) عن المطلقة على غير السنة، أيتزوجها الرجل؟ فقال (ع) ألزموهم من ذلك ما ألزموا به أنفسهم، وكان موضوع السؤال هي المطلقة في تزويجها على غير السنة، وعن أبي الحسن في رواية العلوي طلاقك الثلاث لا يحلُّ لغيركم، وطلاقهم يحل لكم لأنكم لا ترون الثلاث شيئا وهم يوجبونها.
وإن الأخبار وإن جاءت بألسنة مختلفة فإن قوله (ع) ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم وخذوا منهم كما يأخذون منكم ليس بمساق قوله (ع) (من دان بدين لزمته أحكامه) فإن عنوان من دان بدين أعم موضوعاً من كون ذي الدين سنياً وغيره كاليهود والنصارى والمجوس، ومفاده أن كل أهل شريعة يلتزمون بأحكامها ويقومون بتشريعها بخلاف قوله (ع) الزموهم بما ألزموا به أنفسهم فإن ظاهر هذه الأخبار ليس هو العمل على طبق دينهم وإمضاء أحكامهم من صاحب الشريعة بأن يعملوا على طبق تشريعهم وظاهرها حيث أنهم يلتزمون بأنفسهم ويأخذون من الشيعة على طبق مذهبهم فتكون الروايات من باب تقابل النفع بالنفع والضرر بالضرر لا مجرد أحكامهم ومذهبهم من قبل الشارع واختلاف اللسانين أوضح من أن يخفى (الطلاق/ 140 ـ 142).
فقاعدة الإلزام تشبه إقرار العقلاء على أنفسهم جائز من ترتب الآثار دون الآثار الموجبة للنفع فقط فحيث يرتكبون مع الأمم الإضرار بهم حسب قانونهم وتشريعهم فلا بد أن يعاملوا به الناس من الجهات الضررية فهي تفيد ضررا متقابلاً ومثلا يقابل مثلا. فالقاعدة وإن كانت من الضرر عليهم ومن النفع لهم إلا أنها في الحقيقة من الضرر النوعي فكما يحرم في الشريعة الضرر الشخصي ولا بد من تداركه لو وقع فكذلك هو الإلزام بما ألزموا به أنفسهم من التعهد والعمل على طبق مذهبهم فالسني الذي يأخذ الثمن أرضا من الشيعي وإن تحقق خسران هذا الشيعي الخاص إلا أن شيعياً آخر يأخذ الثمن لابنته أو أخته وهكذا في الطلاق والوديعة والضمان وغيرها (الطلاق/ 144).
وإذا عرفت هذه المقدمة فيقع البحث في جهات:
الجهة الأولى: إن قاعدة الإلزام ومن دان بدين لزمته أحكامه لا تختص بمذهب فتشمل القاعدة جميع المذاهب والأديان من النصرانية واليهودية والمجوس وعبدة الأوثان والبقر والكواكب والغلاة والنواصب وفرق الشعية من الزيدية والفطحية والإسماعيلية والواقفية وغيرهم بخلاف قاعدة الإلزام فإنها ليست نظير من دان بدين لزمته أحكامه من هذه الجهة ومخالفتها في كثير من الجهات وقاعدة من دان بدين أوسع دائرة من التقية أيضا المخصوصة بمذهب العامة فإن الميزان في التقية من موافقة العامة ومخالفتها ما كان في زمن الصادقين والكاظم (ع) وقبلهم من سفيان الثوري والحسن البصري وغيرهم من علمائهم في تلك العصور كأبي حنيفة والمالكي، وأما مثل مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل اللذين لم يظهر مذهبهما إلا في العصور المتأخرة من زمن العباسيين فليست التقية ميزانا لرأيهم (الطلاق/ 150 ـ 151).
الجهة الثانية: هل الأدلة في قوله (ع) ألزموهم وخذوا منهم يُراد بها مجرد الإباحة نظير قاعدة الإباحة المشرّعة في مشكوك الحلية والحرمة فهي هنا لا تقيد إلا الرخصة المجرّدة دون الفرعية وانفكاك الشيء وتبدله إلى عنوان آخر أم يراد بها الفرعية؟ الظاهر والمستفاد من الأخبار في مواردها هو تبدل الحكم الواقعي وانقلاب الحكم الحقيقي إلى الحكم الثانوي نظير أدلة التقية في اعتبار العنوان الثانوي ونظير حكم الحاكم أو القسم مما يتغير به العنوان الأولي حقيقة أو ظاهراً، ولعل الأمر يشبه أدلة التقية دون حكم الحاكم وليست القاعدة من باب الحكم الظاهري بمعناه المعروف (الطلاق/ 153).
الجهة الثالثة: إن أدلة الإلزام هل مفادها مفاد أدلة التقية أم لا؟
ـ اعلم أن أدلة التقية حسب المستفاد من أدلتها هو الخوف النوعي فلا يجوز لرجل في الحجاز إذا خاف على رجل من أبناء دينه في فارس أن يرتكب خلاف أحكام العامة وليس موضوع التقية هو الاضطرار الشخصي أو الخوف على نفسه وماله وعرضه فقط.
وأما أدلة ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم وخذوا منهم كما يأخذون منكم فظاهرها إقرار المعصوم التشريع الذي يرتبون عليه النفع والضرر وحيث أن النفع في باب الميراث والطلاق والحبوة ونحوهما حكما نوعيا وليس حكما شخصياً على أفراد مخصوصين، وكان هذا الحكم من العامة من ناحية النفع والضرر النوعي قابلهم الشارع المقدس بأن ألزم الإمامي أن يأخذ ميراث الزوجة من الأرض كما يأخذون من الشيعة ذلك وهكذا في التعصيب والعول وقد قابلهم الشارع النفع النوعي بالنفع النوعي والضرر بالضرر.
غايته أن هذه القاعدة لم تكن على طبق حكم الله الواقعي، ولكن الشارع المقدس رتب عليها الآثار وجعلها من الحكم الثانوي (الطلاق/ 157).
الجهة الرابعة: إن كل حكم تكليفي أو وضعي أراد الشارع أدائه من المكلف إما لعدم تشريع التقية فيه لكل أحد أصلا كما في موارد الدماء أو لعدم تشريع التقية في شخص خاص كما لو توقف إظهار حكم على مرجع ديني وحاكم شرعي أو غيره من عدول المؤمنين بحيث لا تصح التقية منه ولا المجاراة ولو بسفك دمه أو لعدم تشريع التقية في مورد خاص للمعصوم (ع) كما في قوله (ع) إني لا أتقي في ثلاث: في المسح على الخفين، ومتعة الحج، ومتعة النساء. أو كان التكليف عاما لا يختص بسني أو إمامي كالتغسيل والتكفين والدفن وأداء الأمانة وحرمة الغش والسرقة ووجوب الصوم فإن قاعدة ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم لا موضوع لها هنا، وهكذا من دان بدين لزمته أحكامه إذا كانت تلك الأحكام مشتركة بين المذاهب كحرمة الزنا واللواط وشرب الخمر.
الجهة الخامسة: إن قادة الإلزام أو الدين بدين لا ريب في شمولها للأحكام الوضعية المجعولة من قبل الملل والأديان فكل ما كان مجعولاً من قبل ذلك الدين تترتب عليه الآثار عندهم وعندنا على حسب معتقداتهم. وإما الأحكام الوضعية التي لا تختص بملة دون ملة ومذهب دون مذهب كالضمانات والغرامات وضمان اليد والتلف وتعدد ضمان الأيادي واشتغال الذمة والعهدة بوفاء الدين ونحو ذلك مما لا يختص بملة وقوم أو دين خاص فهو أجنبي عن مجعولات المذاهب والأديان فالالتزام منهم والإلزام لهم على حسب ما يقرروه على أنفسهم من مذهبهم دون ما كان بسليقة البشر ونظام الإنسانية نظير ما قالوه في حديث الجب من أن الإسلام يجبّ ما قبله فيقطع الآثار والأحكام السابقة التي هي مجعولة من قبل تشريع نبي الإسلام لا ما كان اعتباره من العقلاء فإن المدفوع والمجعول من قبل الشارع لا يكون إلا ما كان مجعولا ومعتبرا من قبله لا ما كان من قبل غيره ثابت أو مرفوع وهكذا يشمل الحديث الأحكام التكليفية من الوجوب والحرمة، وأما شمول الحديث للمستحبات والمكروهات فالظاهر عدم شمولها لها وليست قاعدة الإلزام نظير أدلة البراءة من حديث الرفع وغيره (الطلاق/ 164).
الجهة السادسة: إن حكومة قاعدة الإلزام بالقياس إلى الأدلة الواقعية حكومة واقعية بناء على ما قلناه من أن القاعدة من العناوين الثانوية وأن الأثر الشرعي مترتب على ما التزموا به فهي من قبيل الحكومة الواقعية دون الحكومة الظاهرية لأنها نوع تخصيص لأدلة الواقع وتصرف في ناحية عقد الوضع والحمل في الوضع والتكليف وليس لسان القاعدة الورود والتخصص كما هو واضح.
وأما بناء على أن مفادها الإباحة فعلى مذاق من جعل بين الأصول والإمارات الحكومة الظاهرية فلا بد أن يقول بها هنا وإن لم تتعقل الحكومة الظاهرية بين الأصول والإمارات كما هو الأقرب، فليست إلا الحكومة الواقعية من غير فرق بأن مفاد القاعدة العنوان الثانوي أو الإباحة والحكم الظاهري كما نقول به في أصالة البراءة والإباحة في أي موقع وردت الإمارات والأصول فهي واقعية غاية الأمر أن الحكومة تتوجه تارة على جميع مراحل الواقع كما في قاعدة الضرر أو على بعض مراحل الواقع كما في قاعدة الحرج على المختار المشهور، وإن كنا لا نفرّق بني حكومة الضرر والحرج في محله بأنهما حاكمان على جميع مراحل الواقع والملاك والإنشاء والفعلية، وحيث أنا لم نذهب إلى أن قاعدة الإلزام مفادها الإباحة لا يتوجه الكلام بأن الحكومة ظاهرية أو واقعية فإن انقلاب التكليف إلى الحكم الثانوي ظاهر من الأدلة كما بينّاه (الطلاق/ 167).
نظره في القانون الوضعي:
اعلم أن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها:
الأول: إن طبيعة البشر من حيث النشأة والتطور تستدعي الاختلاف في الجاه والشرف وفي الأموال والحقوق وفي السلطة والاستيلاء وهكذا.
الثاني: إن هذا التطور والاختلاف يستدعي أن يجعل له نظام يحفظ حدودها وينزل الشخص منزلته الحقيقية من غير تعدد ولا تفريط ويفي بحفظ ماله وشؤونه وحقوقه، وبطبيعة الحال يحتاج البشر إلى قانون عدل يفي بعدالة النظام الاجتماعي البشري وبالنظام الجزائي والمدني ويحفظ حقوق الأفراد بعضهم عن بعض ويحفظ حقوق المجتمع بين الأفراد والهيئة الحاكمة وحقوق العالم والمتعلم والحاكم والمحكوم والرعية والزوج والزوجة والآباء والأبناء والأقارب، وهكذا لابد أن يكون القانون كافلا لنظام البلاد والقرى ولكل ما يحتاج إليه اجتماع البشر على تمام وجه الكرة الأرضية.
الثالث: إن النفوس البشرية ينشأون ويعيشون في بيئات خاصة وتقاليد مخصوصة وعادات ونظم محدودة ولكل قطر له سلوك وكل بلد له سير خاص ومن العسير جدا أن يهدي نظام قطر أو دولة جميع العالم على مختلف حالاته وبيئاته فلا بد أن يأتي النظام فمن ليس مقيّدا بهذه الحيثيات ممن ينظر إلى الحقوق بنظر واحد من غير تفاوت في ميزان العدل ونظام الاجتماع.
ولو وجد في افراد المجتمع من يرى الصلاح العام للبشرية مطلقا فهو مع ذلك لا يسعه ان يسيطر على النظام العام فيتعين ان يأخذ النظام من قانون العدل الحقيقي والرحمة الشاملة لكل افراد البشر وهو قانون الله العدل الذي لايحيف.
الرابع: إن القضاء العدل الثابت هو القضاء الشرعي، وأما القوانين الدولية على اختلاف تعديلاتها ونظمها وما يحتاجها إليه المحيط في بلادهم فمضطربة فقد وضعوا قوانين القضاء المدني الذي يشمل القضاء التجاري وحقوق المنازعات والقضاء الابتدائي فيما يبلغ كمية قليلة في المال كـ ((مائتان وخمسين ديناراً)).
ثم قسّموا الدوائر إلى دوائر حكومية واستئنافية وتمييز وجعلوا في كل دائرة موظفين من مستنطق ومدّع عام وحكّام ورئيس محكمة.
ثم صرحوا بأن نظام القضاء الجديد يختلف عن القديم جدا وأن القضاء كلما تمرّ عليه أعوام من السنين يحتاج أصلا إلى إصلاح، وهكذا قاموا ينقلون البشرية من نظام إلى آخر، ولو رجعوا إلى رسالة السماء والقانون الإلهي لما احتاجوا إلى هذه التبديلات والتغييرات وعدم الانتظام في كل قرن.
فانظر إلى قانون القضاء الذي بين يديك من التشريع الإسلامي تجده قد أحاط بكل جهة من المحاكمات التي يحتاج إليها البشر مع تسهيل الأمور وإيجازها (المحاكمة في القضاء/ 588 ـ 590).

(ج) رأيه في الأعلمية

إن بعض العلماء من الأصوليين، وهم أهل الانسداد حيث كان مسلكهم انسداد باب العلم والعلمي والأخذ بالظن فالأرجح جواز تقليد الميت ابتداءاً إذا كان أعلم من الحي لانه في نظرهم أن الحكم بالتقليد عقلي ولا تخصيص في حكم العقل بالأحياء لأن الملحوظ في الرجوع ليس إلا الطريقية إلى الحكم الواقعي والأقرب هو الرجوع إلى الأعلم، وإن كان ميتا وإن بعض علماء الإخباريين كالاسترآبادي من سلك مسلكه لم يفرقوا بين حياة المرجع وموته وإن الرجوع إلى الأعلمية ولو في الأموات أولى حيث إن فتوى المجتهد عندهم من باب نقل الرواية في المعنى ونقل الرواية من الأعلم الضابط متعين ولو كان ميتا، وليس المقصود من التقليد إلا الوصول إلى الحكم الواقعي والطريقية إليه، والأعلم أقرب الطرق إليه بحسب حكم العقل ولكن النظر بعين التأمّل يتعين عليه الرجوع إلى الحي لقيام السيرة من عصر الأئمة عليهم السلام إلى يومنا هذا حتى ممن يجوّز تقليد الميت حيث لا يمنع أحد تقليد الأحياء، ولو أن أحداً من العلماء اختار جواز التقليد للميت ابتداءاً في تلك العصور لما جاز في مثل هذا العصر الذي تقلص فيه العلم وأوشك على الاضمحلال بعدما كان في كل بلد فضلا عن القطر تضم المجتهدين، وأصبح اليوم وقد تفقد الأقطار الواسعة المجتهد الواحد وأخذ الطالب الديني لتأمين معاشه يتزود بالوكالة من مرجع أو يضم إلى مهنة العلم الوعظ والمنبر، وإن بقيت الحالة على هذه الكيفية والعياذ بالله فسيموت العلم بموت حامليه كما قال (ع) (يموت العلم بموت حامليه) على أن الناس يحتاجون إلى الفقيه الحي في غير الفتوى من القضاء وفي الأمور العامة من ثبوت الأهلة في شهر رمضان والعيدين وفي جميع موارد جعل الولايات من الأوقاف والقاصرين والمجانين والقيمومية وفي مجهول المالك وفي التصرف في حق الإمام وفي المسائل المستحدثة في هذه العصور فإنه لا مناص من الرجوع إلى الإحياء بل ربما يأتي في النظر أن وجوب طلب العلم والاجتهاد على أهل المكنة والقدرة في المادة من الوجوب العيني لما حل في العلم وأهله من الانهيار الفجائي ومن المؤسف جدا وقوع هذا الوضع وأسأله تعالى أن يغير الوضع إلى الأحسن (رسالة الهدي/ 4 ط3).
وقد حرض الشيخ الخاقاني المجتمع البحريني حين قدم إلى البحرين بدعوة من شخصياتها واستقبالهم الكبير له ـ حرض على الانصهار تحت المعرفة والاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية حتى لا يأتي وقت ينقلب فيه المجتمع البحريني إلى تقليد الأحياء بظروف مفاجئة ـ كما حدث بعض الشيء عند الثورة الإيرانية فتهافت الشباب إلى تقليد الأحياء، وتحريض بعض الأسر الأصولية في البحرين والنازحين إليها بالرجوع إلى المرجعية ويكون نتيجة إنقلابهم تهاجم المنقلبين إلى سباب العلماء القدامى فعلى الطلاب أن تكون من نيتهم الاجتهاد دون الوقوف على الكتب (السطحية).


دوره الاجتماعي

رأيه في خط المرجعية:
كان يرى أن على المرجعية الاحتفاظ بعنصرين:
1ـ تشكيل لجنة عادلة ومنصفة ترعى حقوق كل مدع للأعلمية وتراجع آرائه ومصنفاته من خلال كتبه أو من تلامذته فإن الذي نلاحظه في هذه العصور تعذّر حقوق الآخرين ويكون التقصير على رجال العلم أولاً حيث لم يبادروا إلى تشكيل لجنة منصفة عادلة بعيدة عن كل اتجاه محايدة تمام الحياد، كما يكون التقصير على العوام والمقلّدين حيث لم يلزموا رجال الدين في تعيين المرجع تحت سلامة العدل والإنصاف والترشيح تحت شروط معينة.
2ـ النظر إلى مستقبل المرجعية وعدم انهيارها تحت ضربات السياسة والاستكبار العالمي والتخطيط لضمان اجتماع لكافة طلاب الدين حتى لا تتقاذفهم تيارات الأهواء والابتعاد عن الجد والاجتهاد.
وكان يتمنى لكل طالب ديني الرفاهية والعيش السعيد وعدم إذلال نفسه لكل أحد والاعتزاز بالنفس وعدم الانكسار للعوام لأنهم متى ما وجدوا الطالب الديني ذليلا منكسرا استهانوا به ولم يحفظوا كرامته ولم يأخذوا بقوله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحين سُئل عن الكم العددي في الحوزات كالنجف وقم وخراسان قال: نحن لا نريد الكم العددي للطلاب، وإنما علينا الاحتفاظ بهم كيفا لا كمّاً فإن كثرة الطلاب إذا لم تتمخص فسوف يكون مستقبل الحوزات إلى القهقرى والتراجع ومجيء الأعداء في ضمنهم يمارسون الأخطاء ويشوّهون الشريعة الغرّاء.
وسُئل عن مصرف الحقوق الشرعية فقال إنها ربما لم تصل بالمائة خمسين مستحقيها الشرعيين فعلى المراجع الحيطة والتحقيق.
كما أن عليهم الفحص المستمر على سلوك الوكلاء اجتماعياً وأخلاقيا فضلا عن التحقيق الكامل عن العدالة والتأنّي في إعطاء الوكالة، كما ينبغي عمل سجلات وكشوفات سنوية للأموال الواردة عن طريق الوكلاء ومحل صرفها، وينبغي ملاحظة إثراء الوكيل والتساؤل عن مصدر ثروته قبل الوكالة وبعدها حتى لا يكون موضعا للتهمة.
وكان الشيخ الخاقاني يشترط في إعطاء كل طالب ديني أن يسجل دروسه من قبل أساتذته ويناقش ما كتب فلعله أخذها من غير تدبر وكان يُرسل الحقوق إلى النجف بواسطة بعض الفضلاء لتسليمها إلى بعض الأفاضل هناك ويرسل البعض منها بيد فضيلة الشيخ هادي ليسلّمها إلى الطلبة المشتغلين حيث كان الشيخ الخاقاني يتحرّى عن الطلبة النابهين ويفضّلهم بالعطاء.


رأيه في الإصلاح الاجتماعي:
عرف عن الشيخ الخاقاني في جميع مواقفه وخطاباته دعوته إلى الوحدة والترابط والابتعاد عن الشحناء والبغضاء، وإظهار المحبة والتعاضد بين المسلمين.
وعرف بموقفه الإصلاحي بين صفوف الطائفة وكان لا يرغب بإطلاق كلمة أصولي أو شيخي أو إخباري وساهم عمليا في إصلاح المجتمع الإخباري والأصولي في البصرة، والمجتمع الشيخي والأصولي في المحمرة بعد أن وصل النزاع في ـ الأخيرة ـ إلى طلاق الزوجات والجرح والسباب في الندوات والأزقة والطرقات وإنزال الركاب من السيارات في كل من البصرة والمحمرة.
ويقدم نجله الحجة الشيخ محمد الخاقاني أنموذجا لتوجه والده الراحل في حل هذه النزاعات عبر الحادثة التالية، قال: إن الشيخ الخاقاني وزميله في الدراسة آية الله الشيخ إبراهيم الكرباسي صاحب كتاب (منهاج الأصول) كانا في النجف أيام تحصيلهم العلمي وأثناء وجودهم في المرقد العلوي الشريف التقاهم عالم الشيخية في البصرة العلامة السيد عبد الله الموسوي فعانقه الخاقاني وتبادلا أحاديث المودة والأخوة ثم تفارقا، فأنكر زميله الكرباسي عليه ذلك قائلا: هذا غريب منك تلتقي برجل كافر نجس؟؟ وإن القوم محكومون بالنجاسة؟؟ فأنكر الشيخ الخاقاني عليه تلفظه بذلك وتوافقا على الرجوع في المسألة إلى شيخ فقهاء عصره آية الله الشيخ النائيني، فذهبا إلى أستاذهما النائيني وحين دخلا صحن الدار التقيا بآية الله الشيخ حسين الحلي صاحب كتاب دليل العروة، فسألهما عن سبب مجيئهما فأخبراه بالأمر فقال لهما: لو قدمتما الاستفتاء لي أولاً كنتما متفضلين، فسألاه الإجابة على المسألة، فقال لهما الشيخ الحلي ملاطفا ومداعبا: إن كان المعتنق لفرقة الشيخية من الأعاجم فهو نجس وإن كان من العرب فليس محكوما بالنجاسة!! فضحكا من هذا الجواب واستفسرا عن سر هذا الحكم فقال: إن كان من الأعاجم فلا يقدم إلا عن بصيرة، ودراية، وإن كان من الإعراب فيعتنق لبساطته وسلامة طبعه، وبالطبع فقد أخذا الجواب على نحو التنكيت وعدم الجدية.
ثم أقبلا على الشيخ النائيني وقدما هذا السؤال بمحضره:
ـ ما هو نظركم بمن يعتنق فرقة الشيخية الركنية هل هو محكوم بالنجاسة، أفتونا مأجورين؟
فقال الشيخ النائيني: من يقول بذلك؟ فأشار الخاقاني إلى زميله الكرباسي، فصرخ النائيني في وجهه قائلاً:
ـ (كيف تحكمون على الناس بالكفر تريدون أن تفرقوا بين المسلمين من غير مصدر ولا رأي صائب، وإنما الذي يعتنق هذه العقائد هو بنفسه لا يعرف معناها ومضمونها).
فخرج الشيخ إبراهيم مستغربا مخاطبا زميله الخاقاني:
ـ والله ما كنتُ أعتقد بذلك!


أسفاره:
1ـ سفره إلى بيت الله الحرام:
سافر بعد وفاة والده عام 1944م إلى الحجاز ولاقى في الطريق كثيرا من المتاعب وكاد يموت ورفاقه من العطش في أرض قاحلة تسمى (دهنه)، ومن الذكريات التي يحتفظ بها خلال هذا السفر حصول مشادة بين الحاج إبراهيم الحمزة ـ أحد مقلديه ـ وبين أحد علماء العامّة وكان الجميع حضورا على دكان فقال الحاج إبراهيم لصاحب البضاعة إن محلاً آخر يبيع نفس البضاعة بأقل من سعرك هذا، وحلف براس الشيخ الخاقاني، وإذا بشيخ يسمع هذا القسم فينقض بألفاظ حادة وصوت عال: يا مشرك.. يا ملحد.. يا مرتد.. يا كافر كيف جاز لك أن تحلف برأس هذا الشيخ أهو إله يعبد من دون الله؟ ثم وجّه خطابه إلى الخاقاني قائلاً: أيها الشيخ كيف جاز لك أن تستمع إلى مقالته ولم تُنكر عليه؟
فوضع الخاقاني يده على كتف ذلك الشيخ برفق ومحبة وقال له: مهلا إن المحاورة لا تكون في حالة الغضب، وإنما أخاطبك إن هدأت سورتك وصرت إنسانا سويّا، فتبسم وجلس على مقربة من الشيخ الخاقاني فأقبل الخاقاني عليه قائلا له: هل طالعت كتب الشيعة في باب القسم عن كتب القضاء، قال: لا! قال الخاقاني: اعلم رعاك الله أنه مكتوب في جميع الكتب الفقهية أنه لا يجوز القسم إلا بالله العظيم فلا يصح القسم بالصفات والأفعال ولا يصح برسول الله ولا بالأئمة المعصومين وكل قسم جاء على مثل ذلك الأمور فالقسم باطل.
وإن كان ما جاء به هذا الشخص من القسم يُوجب الكفر فأول من كفر هو الخليفة الثاني حيث قال: (وعيش عاش فيه رسول الله) وما كان حلف عمر إلا بخبز الشعير الذي كان يأكله رسول الله (ص).
فقال العالم السني: إنما كان قصد الخليفة الثاني الاحترام وليس القسم الشرعي.
فأجابه الخاقاني: سل هذا الحاج هل كان قصده الاحترام أو القسم الشرعي فعليك بالتثّبت قبل الحكم عليه بالكفر.
ثم وجه ذلك العالم سؤالا للخاقاني قائلا: إنك صريح اللهجة فما عقيدتكم بالخلفاء الثلاثة، قال الشيخ الخاقاني: دعني عن مقام هؤلاء ولننتقل إلى سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار، فهل تخلفوا عن بيعة الغدير أم لا فإن لم يتخلفوا عن بيعة الغدير فنعلهم أضعه على رأسي لأن الميزان على استمرارية البيعة وترتب الحكم الشرعي، فضحك العالم السني وقال: الإشكال في تطبيق الصغرى، فقال الخاقاني لك التطبيق وعليّ بيان الكبرى..
2ـ سفره إلى القطيف:
سافر إلى القطيف سنة 1964م واجتمع مع شخصيات تلك المنطقة وكان لسانه على الأعواد جمع الكلمة وعدم التفرقة بين المذاهب الإسلامية ينادي بالوحدة ونبز الألقاب والتباغض والشحناء وقام بإصلاح بعض الأسر حتى عرف بالمصلح الاجتماعي.
اجتمع مع شخصيات سنية وأحبّوا منه الصدق والصراحة والإيمان واقتدى به جماعة من إخواننا السنة في صلاة الجمعة.
سأله بعض الأساتذة عن جهة الفرق بين السنة والشيعة بمحضر جماهيري حاشد فقال: لك ما تريد، واستفتح حديثه: إن الإمام أحمد بن حنبل عندما يريد التكلم عن سنة الرسول (ص) يسبغ الوضوء، فكذلك إني أريد الاقتداء بالإمام أحمد، فقام وأسبغ الوضوء وعاد إلى مكانه وقال: أيها السائل تفضل بسؤالك مرة ثانية، فوجه السؤال مرة ثانية قائلا: نرجو من سماحة الإمام التفضل بالجواب عن جهة الفرق بين السنة والشيعة من غير تقية كما يظهر من مذهب الشيعة التقية وعدم إظهار الواقع؟
فأجابه الخاقاني بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم أنا وأنتم مشتركون على خط التوحيد والنبوة والمعاد ـ والصلاة والصوم والحج والزكاة قبلتنا و قبلتكم واحدة وصلاتنا وصلاتكم واحدة وحجنا وحجكم واحد أنتم موحدون ونحن موحدون بالمراحل الثلاث في الذات والصفات والأفعال ونبينا ونبيكم واحد وكلنا يعترف بالمعاد ويوم الحساب، فكل من السني والشيعي يجد هذه الأصول والفروع في رقبته وملزم بإتيانها لا يمكنه التخلف عنها فإنا موحدون بالمراحل الثلاث ومعترفون بأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإنا مقرون ومعترفون بالمعاد الجسماني لا الروحاني وقد تظافرت عليه الآيات والروايات كما وإنا وأنتم معترفون بالفرائض الخمس الصلاة، والصوم في شهر رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام، وأداء المناسك من الوقوف بعرفات والمشعر الحرام، وأداء أعمال منى من الرمي والذبح والحلق أو التقصير والمبيت في منى وعمرة التمتع أو العمرة المفردة كما نحن وأنتم موجهون إلى قبلة واحدة، وهي الكعبة المقدسّة كما قال سبحانه: {فولوا وجوهكم شطره} وإن حكم الزكاة مشتركة بين السني والشيعي يجب عليهما إخراج الزكاة من الغلات والنعم والنقدين فأمرنا وأمركم واحد ونهينا ونهيكم واحد قد بلغه رسول الله (ص) على عامة المسلمين من غير اختلاف ولا تمايز.
أما جهة الفرق فهي مسألة الإمامة التي نحن أخذنا الأحاديث الصحيحة من السنة والسنة بأنها نص من قبل الله تعالى ومن أحاديث النبي (ص) على أحقية علي (ع) وإعطاء حق التشريع له (ع) في التفريعات , وهذا لابعد فيه كما نلاحظ من الامام النعمان الملقب بابي حنيفة حيث تجوز السنة له ان يشرع أحكام رسول الله (ص) عن طريق القياس لأنه بحسب فطنته وذكائه وجد السنة النبوية قاصرة عن كثير من الأحكام الشرعية فقام بتعميمها عن طريق القياس الظني وهكذا قام الإمام الشافعي بنفس الدور فأكمل السنة بالاستحسان، ولكن عندما نلاحظ الإمام أحمد بن حنبل قد رفض الاجتياز عن أحاديث الرسول (ص) ووقف عليها تجد فقهه ضيّقاً يصطدم بتفريعات كثيرة يقابلها بالرفض وعدم القبول ويصاغ عليها كلمة مشرك لأنها لم ترد في سنة الرسول (ص).
أما أهل البيت عليهم السلام يروون الحديث عن الرسول (ص) بسندٍ صحيح كما لهم حق التشريع من قبل الرسول (ص) لأن عقيدتهم في الأئمة (ع) العصمة فقولهم وفعلهم وتقريرهم سنة كما عليه الخط الرسالي.
وعلينا أن نتناول الأدلة في إثبات الأحقية للإمام علي وأهل بيته عليهم السلام:
1ـ عن عائشة قال خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الأحزاب/ 33 راجع صحيح مسلم ط الأولى سنة 1956 حديث 2424 تسلسل 61).
2ـ قال (ص) [ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة (المصدر السابق تسلسل 37).
3ـ قوله (ص) يوم غدير خم [من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه] قال صاحب الصواعق رواه عن النبي (ص) ثلاثون صحابيا وإن كثيرا من طرقه صحيح أو حسن. (الصواعق/ 133 ط3 سنة 1965).
4ـ قوله (ص) في مرض موته: [أيها الناس يُوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا وإني مخلّف فيكم كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي] ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال: [هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض] (الصواعق ملحق حديث 40 ص126).
5ـ مما يستدل على إمامة علي عليه السلام قوله تعالى: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} السند عن أبن عبّاس والحسن والشعبي والسدي ((المناقب للخوارزمي/ 96 ـ 97 ط عام 1965)).
6ـ عن بريدة (رض) قال قال رسول الله (ص): [لكل نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي] أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة ((راجع ذخائر العقبى/ 71)).
7ـ قوله (ص): [من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن عند شجرة طوبى التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خُلقوا من طينتي ورُزقوا فهما وعلما فويل للمكذبين لهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي] ذكره صاحب الحلية، راجع ينابيع المودة/ 139. ط2.
8ـ قوله (ص) [.. فقلت يا ربي ومن أوصيائي فنُوديت يا محمد أوصيائك المكتوبون على سرادق عرشي فنظرت فرأيت اثني عشر نورا وفي كل نور سطرا أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي أولهم علي وآخرهم القائم] ينابيع المودة/ 486 عن المناقب للخوارزمي. وفي المصدر نفسه/ 492 عن أبي عبد الله الحسين بن علي قال دخلت على جدي رسول الله (ص) فأجلسني على فخذه وقال لي إن الله اختار من صلبك تسعة أئمة تاسعهم قائمهم وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء.
9ـ وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله (ص) خلف علي في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النسوان والصبيان فقال: [أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي] تاريخ الخلفاء للسيوطي/ 168ط عام 1371 هـ.
10ـ عن ابن عبّاس قال: ((كانت لعلي ثمان عشرة منقبة ما كانت لأحدٍ من هذه الأمة)) أخرجه الطبراني في الأوسط ونقله السيوطي في تاريخ الخلفاء/ 172 وفي المصدر نفسه نقل السيوطي عن ابن عساكر أن ابن عباس قال: نزلت في علي ثلثمائة آية..
وبعد انتهاء الخاقاني من محاضرته وطلب الوحدة بين المسلمين لقي إعجابا وتأييدا من الجميع.
سفره إلى لندن:
أصيب بالرمد في عينه وعولج في بغداد لدى الدكتور مظفر الشذر إلا أن مرضه لم يتحسن وأشار عليه البعض بالمعالجة في لندن فقصدها عن طريق الكويت سنة 1966، وقد زاره هناك القنصل العراقي وكان من قبل يشغل قنصلية العراق في المحمرة (خرمشهر) وقدم خدماته للشيخ وكان مترجمه السيد جواد القاروني (القاهري).
وبعد قيام القنصل العراقي دخل السفير الإيراني في عهد الشاه وأبلغ الشيخ باستعداده لكل ما يحتاج إليه فقال الشيخ: إن القنصل العراقي وفي بتمام الحاجة ونشكرك على ذلك. ثم قد السفير الإيراني سؤالا للشيخ فقال: ما رأي سماحتكم في شط العرب هل لإيران أم للعراق؟ فأبدى الشيخ تعجبه وقال: مثل هذا السؤال لا يقدم لمثلي لأني رجل فقيه أسئل عن الحلال والحرام وليس عن تعيين مثل هذه الموضوعات. فقام السفير متأثرا من كلامه وقدم تقريرا إلى وزارة الخارجية في عهد أردشير زاهدي، وبعد رجوع الخاقاني إلى منزله في المحمرة (خرمشهر) جاء مدير الأمن طالبا الاستفسار عن طبيعة السؤال الذي طرحه السفير على الشيخ فقال له الشيخ بشدة: هل يُناسبتي أن أجيب أن شط العرب لكم أو لغيركم؟ ولا اختصاص لي بذلك؟ وإنما وظيفة الحاكم الشرعي والعالم المجتهد بيان الحكم الشرعي دون تشخيص الموضوعات الواقعة في متقلب السياسة والأهواء، فأطرق مدير الأمن وأبدي قناعته لكلام الشيخ وارتفعت المشكلة.
سفره إلى خراسان:
سافر عام 1958 إلى خراسان لزيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وزيارة قبر والده الشيخ عبد الحميد، وقد اجتمع في محضره أقطاب من العلماء كالإمام الميلاني وآية الله الشيخ أحمد الكفائي نجل الإمام ملا كاظم الخراساني صاحب كفاية الأصولي وجماعة كثيرة من الفضلاء.
وقد حررت مسألة فقهية من قبل آية الله السيد علي اللواساني: فيما لن نُقلت نطفة الغير إلى رحم امرأة، هل يُعتبر ذلك زنا؟ وهل الولد لصاحب النطفة وهل تكون المرأة أما للولد؟
وقد أجاب الإمام السيد الميلاني بما يُلائم نظرية أستاذه الأصفهاني بحسب المبنى فقال الخاقاني: إن هذا المبنى للأستاذ الأصفهاني، ولكن الشيخ إبراهيم الكرباسي صاحب منهاج الأصول عقب على كلام الخاقاني فانقض الميلاني على الكرباسي بلهجة شديدة وإنه من نوع القياس وإن الملتزم به يتبوأ له مقعدا من النار فسكت الكرباسي وتحمل بنفس رياضية وأخذ نفسا عميقا وأصبح المجلس في وجوم، ثم تكلم الخاقاني ففنّد المبنى آخذا بالاستدلال مشيرا إلى الدليل الروائي، وكان تحرير المسألة كما ذكرها الخاقاني في كتابه الكلم الطيب/ 192 ((وإذا زنا شخص بامرأة فهل يجب عليه أن يُخرج ماءه من فرجها بعنوان إخراج الماء من رحمها وكان جواب الخاقاني يظهر من الأدلة كا ورد عن الإمام الصادق (ع): إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أقر نطفة في رحم يُحرّم عليه (الوسائل 5/ 37).
وعليه فلا يجوز أن يقر ماءه في رحم محرم عليه فالزنا محرم أولا وهذا محرم آخر وطبق الخاقاني هذه الكبرى على النطفة.
سفره إلى البحرين:
طلب جماعة من المؤمنين في البحرين وعلى رأسها الوجيه الحاج حسن رجب التشرف إلى بلادهم لأجل بث العلم والمعرفة فلبى دعوتهم الكريمة وقدم إلى البحرين عن طريق الكويت سنة 1966 مع وفد من المؤمنين الكويتيين والقطيفيين ولدى وصولهم البحرين فتحت لهم صالة الاستقبال الرسمية وكان يوم الاستقبال من المواسم الحافلة بجميع طبقات الشعب وتوقفت المارة في الشوارع التي مر بها موكب الشيخ الخاقاني تعلوهم الصلوات المدوية، فأقام في حسينية آل رجب في المنامة وصلى الجمعة في أكبر مساجد البحرين واقتدى به كثير من علماء السنة (راجع مجلة المواقف البحرينية حيث التقى مديرها الأستاذ عبد الله المدني بالشيخ الخاقاني وأجرى حوارا معه، وتصدرت صورة الإمام العدد الذي نُشر فيه ذلك الحوار).
دوره الإجتماعي:
مشكلة الفيضان:
حين غمرت المحمرة (خرمشهر) المياه عام 1953م وحصلت الفيضانات في المنطقة لم تهتم الحكومة بمعالجة المشكلة وأبدت إهمالا واضحا واستطاع الشيخ الخاقاني بحكمته مفاتحة الحكومة لرفع الظلامة عن الشعب المسكين بل أجبر المسؤولين في محافظة الأهواز على معالجة الوضع ومجابهة المشكلة.
مشكلة الضرائب:
وردا على مشكلة الضرائب الثقيلة التي كانت تفرض بلا رحمة ولا شفقة على الفلاحين خاصة في منطقته، واجه الشيخ الخاقاني كثيرا من المسؤولين داعيا لرفع تلك الضرائب الظالمة مناديا بأعلى صوته لرفع التمييز العنصري الذي يُمارس ضد المنطقة، وفي تلك الأيام قدم إلى المحمرة وفد من قبل الشاه بصدد بناء قصر فخم على شط العرب، وتقع رغبة الوفد على أرض زراعية يمتلكها الحاج طه ياسين وكان من مقلدين الشيخ الخاقاني، فتقدم الوفد إلى الشيخ الخاقاني وطلب أن يكون البيع تحت إشرافه، فبعث الشيخ الخاقاني على الحاج طه ياسين وتحدث معه أمامهم فإذا به ينقض عليهم كالليث الهائج وهو شيخ ذرف على الثمانين أو أكثر وقال: كيف أسلمهم أرضي التي غرسها آبائي جيلا بعد جيل وإذا أخذتم أرضي فسوف أموت دونها واعلموا أن الأرض دمي والأشجار عروقي فإذا قطعتم شجرة أو نخلة كأنما تقطعون جسمي أما كفاكم الظلم طيلة هذه السنوات تأخذون الضرائب منا ولا تصغون إلى مطاليبنا ومشاكلنا حتى وصل الأمر إلى سلب أراضينا، ثم أخذ يرتجف ويبكي ويذرف الدموع حزنا كمدا، فتوجه الشيخ الخاقاني إلى الوفد قائلا: ما نظركم بعدما سمعتم ورأيتم امتناع الرجل عن البيع، فقالوا سوف نرسل عليه قوة عسكرية وتأتي به إلى (القائمقامية) بكل قسوة وتوقعه على عقد البيع بالرغم منه لأن الشاه راغب في هذا الموقع، فأنكر عليهم الشيخ الخاقاني هذا القول وطلب منهم الوقت ليحاول ترضية الحاج طه ياسين، وتكلم مع الأخير بكل ألوان القبول وهو رافض للبيع وبعدة فترة قصير رضي بذلك لشدة الخوف والتهديد المستمر وباع بعض أراضيه، ثم توفي الحاج طه بعدها مباشرة حرقة على أرضه كما أن الشاه لم يوفق لبناء الأرض حيث حدث خلاف سياسي بين العراق وإيران في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم وصرف النظر عن بناء القصر وأصبحت الأرض ملكا للدولة قسرا.
مشكلة الماء في الدورق:
قدم على الشيخ الخاقاني وفد يمثل العشائر العربية من أطراف الدورق (شادكان) وشكى إليه انقطاع الماء عنهم وموت المواشي والزروع وعطش الناس، وفي ذلك الوقت كان الواعظ الشهير ناصر مكارم يخطب في المحمرة وعبادان فاقترح عليه الشيخ الخاقاني إثارة الموضوع على المنبر، فاستجاب له الواعظ ولكنه اشترط أن يتكلم عن الموضوع باسم الشيخ الخاقاني لتكون المسؤولية على عاتقه، وهكذا انطلق الشيخ ناصر مكارم في الوعظ وقدم مقدمة نفسية وبيولوجية بما يحمله علمه وبيانه من معرفة واسعة، ثم تعرض لبيان أثر العطش على وجود الإنسان، وكيف خلق الله الماء حياة للكائن الحي وقال في جملة حديثه: إن كل ما أتحدث به عن لسان الإمام الخاقاني فيا شعب إيران هل تستحق هذه الدولة أن تكون حاكمة على الجمادات والحيوانات فضلا عن رعايتها للإنسان، فضحك الجمهور المحتشد والتجأت الحكومة الإيرانية في ليلتها أن تبعث سيارات محملة بالمياه وجعلت مضخات الأنابيب بعد ذلك.
حضيرة القدس:
حين شرع أتباع البهائية ببناء حضيرة القدس في المحمرة، بدعم من الحكم الشاهنشاهي قام الشيخ الخاقاني بمقاومتهم ورفعت برعايته آلاف العرائض تطالب بعدم القبول ببناء تلك الحضيرة وأخيرا التجأت الحكومة الإيرانية إلى الانصياع لإرادة الشعب وألغت أمر بناء الحضيرة خشية وقوع المصادمات الدموية وبذلك اندحرت كلمة البهائية في عموم تلك المنطقة.
وزارة مصدق:
أصبح مصدق رئيسا لوزراء إيران سنة 1944 وكان وطنيا ديمقراطي الاتجاه، فأمم شركة النفط الإيرانية وخرجت يومها التظاهرات الصاخبة منادية بإخراج الإنكليز عن إيران، وقدم (فاطمي) إلى المحمرة وقد انطلقت المظاهرة من مقر (القائمقامية) على نهر كارون وتجمع فيها كافة الشخصيات السياسية والإدارية وزعماء العشائر وأفرادهم رافعين الأعلام منددين بالإنكليز.
وقد اشتد الحر والوزير (فاطمي) بين العلماء يسير الهوينا متبخترا حتى إذا وصل الجمع إلى المسجد الجامع (مسجد الشيخ عيسى الخاقاني) وقد أعياهم التعب طلب الوزير أن يُقدم إليه القرآن الكريم، والناس رافعة أعتاقها فقدمه الوزير (فاطمي):
(اعلموا أيها العلماء وأيها الشعب إني استخرت الله أن أسارع بإخراج الإنكليز حالا) فعلت الهتافات والأصوات والتصفيق من كل جانب. فأطرق الشيخ الخاقاني برأسه إلى الأرض لا يتكلم حيث أدرك حدود اللعبة السياسية والمراد منها، ورغب وجوه الناس أن يقول الشيخ الخاقاني كلمة في هذا الأمر وتقدم إليه الحاج ناصر درويش البحراني وكان شيخا كبيرا وقد حنّكته التجارة وصقلته التجارب، وسأله عن موقفه من تلك الأحداث فأجابه أن المراد بها خدمة الاستعمار وأنه يرى خلاف هذه الظواهر، فأيده على ذلك وذكر له طرفا من حكاية جرت معه أيام رئيس الوزراء رازماره حيث اعتقل في زمانه دونما سبب يذكر للاشتباه باسمه مع ناصر الدرويش الحلاوي الذي كان يدعو إلى انفصال خوزستان وحين أفرج عنه قابل (رازماره) فأظهر له اعتذاره وقال له:
(وحاج عرب)(1) إننا مجرد آلة نتحرك من غير إرادة اعلم أن هذا القلم الذي بيدي لا يمكنني رفعه ووضعه إلا بإجازة الإنكليز وإنما نحن حكّام شكليّون يديرنا غيرنا)).
رأيه أيام الثورة الإسلامية وبعدها:
حين اندلعت الثورة المباركة ضد طغيان الشاه وعصابته المجرمة الظالمة، أمر الشيخ الخاقاني عمال شركة نفط إيران في عبادان بالإضراب ثم استجابت شركة نفط أصفهان وطهران وأخذ الأمر يتفاقم وهرب القواد واستولى الخاقاني على القوة البحرية في خوزستان، وجاءت وفود كثيرة من الصابئة واليهود والنصارى والقوميات، فرحب بهم الشيخ الخاقاني وقال: اعلموا إن كانت هذه الجمهورية تسير على وفق القرآن الكريم وتطبق قوانين الإسلام فكل حق محفوظ فإن الإسلام دين العدل والمساواة ودين الضمان الاجتماعي والمحبة والإخاء كما إني لا أدين بتجزئة إيران ما دامت رايعة جعفر الصادق عليه السلام خفاقة على الجمهورية الإسلامية وعدم رجوعها إلى القومية.
وقد أعلن عن آرائه السياسية يومها وفق التصورات التالية:
1ـ العفو العام.
2ـ شورى المراجع.
3ـ رفع تصدير الثورة.
4ـ تحديد اختيارات الحرس الثوري وجعل الرقابة عليه.
__________________
(1) كلمة (حاج عرب) يقصد بها عوام الإيرانيين العربي الحمار، وقد يقصد بها الاحترام إذا عمت بقرينة يفهمها أهل اللغة.
5ـ القضاء بإشراف المجتهدين.
6ـ إعطاء القوميات حقوقهم الشرعية وكذا الأقليات المذهبية والأحزاب السياسية بما لا يتنافى مع القانون الإسلامي.
7ـ حفظ حقوق العمال.
8ـ إعلان سياسية الدولة المجاورة والمجتمع الدولي بصورة عامّة.
9ـ أن يكون مجلس الخبراء بإشراف المجتهدين.
10ـ أن يكون المرجع العام مشرفا مصوبا لا مباشرا في السلطة.
وفاته:
انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه في قم المشرفة يوم الأربعاء 18/ 5/ 1406 هـ.
وممن رثاه الخطيب السيد محمد صالح بن الحجة السيد عدنان الموسوي بهذه القصيدة:

مالي أرى الشرق حزنا قد وهى جلدا *** وأسرة الوحي ذابت بالأسى كمدا


وفي (الغري) رجال الدين قد خرجوا *** يبكون والكل أضواه الأسى جسدا


ماذا جرى قيل إن (الشيخ طاهر) في *** (قم) له الله نحو الخلد مدّ يدا


فزلزلت أرض (قم) و(الغري) ومن *** أهليهما الحزن في أهل السما صعدا


لا غرو فالناس بعد البحر في ظمأ *** عادوا يتامى وخلوا رد من وردا


بحز من العلم والعرفان كم عزفت *** منه الفطاحل ما أغناهم مددا


وعيلم من رجال الاحتجاج فكم *** رد الطغاة وكم أهل الضلال هدى


ومنهل لبني الآمال كما وردت *** به العفاة فأغناهم هدى وندى


وعالم من رجال الفكر كم قبست *** من نوره ما أنار الفكر متقدا


وروضة لرجال الدين كم قطعت *** منه ثمارا بها زرع العمى حصدا


* * *


(أبا أحمد) يهنيك الخلود فقد *** جمعت من كل ما بالذكر قد خلدا


فمن سماح وحلم كابن زائدة *** ومن ذكاء إياس دونه قعدا


وكان زهدك في الدنيا لها عِظة *** فما زهدت بما فيه الملا زهدا


بالزهد نلت المنى فيما سموت له *** وبالقناعة وافاك الفنا صعدا


وبالتواضع أعلتك السما قمرا *** والتقشف ضمتك العلى ولدا


وكم فقير غدا من فقره ملكا *** وكم شقي بترك الحرص قد سعدا


وبالقناعة تنقاد السعادة في *** يُسر وبالزهد تحظى عيشة رغدا


* * *


(أبا محمد) إن العمر تجربة *** وليس يبلغ كل القصد من قصدا


سبقت أهل النهى فيما رأوك به *** أولى فماتوا بما قد دبروا حسدا


تتابعوك وراموا خفض شأنك في *** أمر عليك به كل البلا حشدا


فكنت مثل ولي الأمر إذ عزموا *** اغتياله فوقاه الله من رصدا


أقصوك عن مصرك الأدنى وقد حبسوا *** ذلا وبالبعد غير الذل ما بعدا


قدمت (قم) عزيزا والتقتك بها *** وُفاد فضل وقد فاز الذي وفدا


عدوا حضورك فيهم نعمة سنحت *** والكل منهم عليك الله قد حمدا


إقامة الجبر في (قم) أقمت وكم *** إقامة كللت بالفضل من قعدا


(كابن الرضا) جاء (سامراء) عن وطن *** كرها فطابت له نزلاً وملتحدا


والمرء في نصرة الرحمن حيث مضى *** فالنصر واليسر ما زالا له سندا


من يخدم الله يخدمه الوجود ومن *** يخدم سواء غدا مستخدما أبداً


* * *


مولاي إن العلى ليست تنال بلا *** ضر ومجد السما بالمحنة انعقدا


وقيمة المرء تبدو بالبلاء كما *** بالنار يظهر في الياقوت ما جحدا


فالشهد حف بسمّ النحل في حمم *** والورد بالشوك يحمي كلما وجدا


والعود والتبر بالإحراق تعرفه *** إن طاب ذا أرجا أو زال ذاك صدا


ولا تزال أولوا الإصلاح أين مضوا *** أعلى الورى رتبا والأكثرين عِدا


وكم أطاحت عداة الأنبياء بهم *** ولم يزل نورهم للحشر متقدا


بكت عليك التقى والمتقون دما *** وصافحتك العلى والمرسلون يدا


فالأرض تعول إذ طول لها فقدت *** والخلد تضحك إذ وافت لها عمدا


ورب ضر امرىء للغير منفعة *** ورب نفع يسيء الآخرين غدا


* * *


أخي (محمد) قد جل المصاب فلم *** يترك مجالا لمن يرثى ولا خلدا


أب الجميع فقدنا في أبيك فلا *** إنسان إلا يرى فيه أبا فُقدا


بفقده قد خسرنا الخير قاطبة *** والعلم والفقه والإيمان والرشدا


فحق لو قامت الدنيا مؤرخة *** [تبكي لآل شبير طاهرا فقدا]

من مصادر الدراسة عن الفقيد الراحل:
ماضي النجف وحاضرها، دموع الوفاء للسيد بهاء الحلي، كنجينه (بالفارسية)، حدائق الأنس، جولة في إيران لرياض شير علي، القبس الكويتية عدد صدر في إبريل عام 1980 (ص49 ـ 52)، مجلة اليقظة السنة الثالثة عشرة 16 اكتوبر 1980 ص9، مقابلة معه في مجلة المواقف البحرينية، بالإضافة إلى أخبار متفرقة عنه في صحف متفرقة لم يحضرنا حتى الآن أرقامها وتواريخها، ومن تلك الصحف (اللوموند الفرنسية، التايميز، الوطن الكويتية، الأنباء، الخليج، واشنطن بوست، إطلاعات، كيهان).

عاشقه السبطين
11-28-2010, 06:11 PM
يسلمووووو اخي ع الموضوع القيم
سلمت اناملك
وبارك الله فيك

احمدالعراقي النجفي
11-28-2010, 07:36 PM
شكرا لمروركم تحياتي

حنين الروح
12-01-2010, 09:37 PM
ما شاء الله
موضوع ولا اروع الله يعطيك الف عافيه اخي
وبارك الله فيك على بذلك هالمجهود
وربي لا يحرمنا من جديدك الرائع
http://files.fatakat.com/2010/6/1276918994.gif

أبو رباب
12-01-2010, 10:11 PM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ...
اختيار موفق
بارك الله فيك أخي على هذا المجهود الرااائع
وجزاك خيرا وجعله في ميزان حسناتك
في حفظ الرحمن

z زهـٌِـرّةِ آلــيــآسٍــٌمِـيـ،ـنـِْﮯ
12-06-2010, 10:30 PM
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين