المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي في سطور


حيدر الشيرازي
01-28-2011, 09:04 PM
سيرة العلامة (قدس) عن لسان السيد خسروشاهي أحد طلابه

نقلاً عن صحيفة كيهان
احد اقرب التلاميذ اليه يروي لنا:
خسروشاهي.. قصة ۲۵ عاماً امضيتها مع العلامة الطباطبائي
يعتبر المرحوم العلامة الطباطبائي احد ابرز الشخصيات الدينية المعاصرة في العالم الاسلامي من الذين تجلت مختلف الجوانب العلمية في شخصيتهم. ورغم العديد من الكتب والمقالات المنشورة عن شخصية واعمال هذا العلامة الجليل طوال السنوات الخمس والعشرين التي مضت على رحيله الا ان هناك الكثير من الجوانب الخفية من شخصيته العلمية والعرفانية لم يتعرف عليها المجتمع الاسلامي بعد.
ولقد اغتنمنا فرصة مناسبة مرور ۲۵ عاماً على رحيل هذا العالم الجليل والتي صادفت يوم ۱۷ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، للتحدث مع حجة الاسلام والمسلمين السيد «هادي خسروشاهي» احد تلاميذه المقربين اليه لنستمع منه الى ذكرياته وآرائه ونتعرف من خلاله على بعض الجوانب الخفية لهذا العالم الرباني. والسيد «خسروشاهي» نفسه هو احد العلماء والمناضلين والمفكرين على الساحة الثقافية والسياسية في ايران، وقد عمل لاعوام طويلة سفيراً للجمهورية الاسلامية الايرانية في الفاتيكان ومصر، هو يشغل حالياً منصب مدير مركز الدراسات الاسلامية وقد لبى وبحرارة دعوتنا للقاء رغم انشغاله واجاب متواضعاً عن كافة الاسئلة التي وجهناها اليه.
وفيما يلي بعض مما دار في الحوار مع السيد «خسروشاهي».

س: في البداية نرجوكم ان تحدثونا عن تاريخ ولادة ودراسة الاستاذ العلامة المرحوم آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي.

ج: ولد العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في يوم ۲۹ ذي الحجة من عام ۱۳۲۱ ه.ش «۱۹۰۲ م» في منطقة «شادآباد» في مدينة تبريز في عائلة من سلالة السادة الطباطبائيين وامضى طفولته وحداثته في هذه المدينة تحت ظل والده الجليل السيد «محمد قاضي طباطبائي» ودرس العلوم المتداولة في ذلك العصر حيناً مع شقيقه السيد «محمد حسن الالهي الطباطبائي». وبعد وفاة والديه سافر مع اخيه الى مدينة النجف الاشرف في العراق وامضى اعواماً في حوزة النجف في دراسة العلوم والمعارف الاسلامية كالفقه والفلسفة والتفسير والعلوم العقلية والعرفان النظري والعملي على يد اساتذة ذلك العصر واكتسب مكانة علمية ومعنوية مرموقة.

س: ما هو فرع السادة الذي ينتمي اليه الطباطبائيون وهل ان هذه السلالة موجودة في تبريز فقط ام ان هناك في اماكن اخرى من هم منتسبون اليها؟

ج: يرجع نسب هذه السلالة الى عائلة «ابراهيم طباطبا» ابن «اسماعيل ديباج» ابن «ابراهيم غمر» ابن «الحسن المثنى» وهو ابن الامام الحسن المجتبى «ع» والذي قاتل الى جانب الامام الحسين «ع» في واقعة كربلاء وجرح من قبل رجال يزيد الذين تغاضوا عن قتله بعد ان توسطت لديهم «اسماء بنت خارجة الفرازي» المكنى ب«ابوحسان» ومن ثم اخذته معها الى الكوفة وعالجت له جراحه وفي نهاية الامر توفي بعد ان دس رجال عبد الملك بن مروان السم له ودفن في البقيع.
ويقول «ابن خلكان» في كتابه «وفيات الاعيان» ان «طباطبا» هو لقب «ابراهيم» المكنى ب«ابو اسماعيل» من ابناء الحسن المثنى وحفيد الامام الحسن المجتبى «ع»، وهذا ما يؤكده مؤلف «مجمع البحرين» و«الفيروزآبادي» في «قاموس اللغة». ومنذ ذلك اليوم صار اولاد ابراهيم بن الحسن المثنى يعرفون بالسادة الطباطبائيين ويرى الاستاذ المرحوم السيد محمد المحيط الطباطبائي ان «طباطبا» كلمة نبطية تعني «سيد السادات». ويقول في ذلك: نظراً لوجود جذور «طوبى» و«طوبيا» و«طوب» وما شابه ذلك في اللغات العبرية والآرامية والعربية والتي تعني «جيد»، فان اشتقاق كلمة «طباطبا» من جذور نبطية لا يبدو امراً مستبعداً. لذلك من الافضل ان يدعى لقب «طباطبا» ب«الطباطبائي النبطي» والتي تعني «سيد السادات». وبالاضافة الى المدن الايرانية فان هذه السلالة موجودة في البلاد العربية ايضاً خاصة العراق ومنهم علماء ومراجع تقليد مثل آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم «قدس سره».
كما يوجد سادة طباطبائيون في مصر وتونس والمغرب وغيرها من الدول العربية وهم يسمون ب«الاشراف» او ال«الاسياد» حيث تضاف كلمة «شريف او سيد» الى اسماء الاشخاص في هذه البلدان. ففي مصر - التي امضيت فيها ثلاث سنوات كمسؤول عن البعثة السياسية للجمهورية الاسلامية الايرانية - يوجد حوالى ۱۰ ملايين من الاشراف يفخرون بكونهم ساداتاً واشرافاً. ويوجد ضريح ومزار للامام حسن الانوار في القاهرة وهو من احفاد الامام المجتبى «ع» والذي التجأ الى مصر بعد تعرض اهل البيت الى القمع من قبل الامويين والعباسيين شأنه في ذلك شأن الكثيرين من اهل البيت.
وقد الفت كتاباً تحت عنوان «اهل البيت في مصر» طبع مرتين في مصر وقام مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية كذلك بطبعه مؤخراً، وضمّنت الكتاب ما قمت به من بحوث ودراسات، طوال فترة اقامتي في مصر، عن مشاهد ومقابر اهل البيت هناك. ولغرض الحصول على معلومات اكثر عن «السادات» او «الاشراف» يجب مراجعة الدوريات التي تصدر تحت عنوان «الاشراف».
اما فيما يتعلق بالسادات الطباطبائيين في ايران، فهم كما ذكرنا من احفاد «ابراهيم طباطبا». والسيد «كمال الدين حسن» الذي كان يعيش في القرن السابع الهجري في مدينة «زواره» من اشهر احفاده وان غالبية علماء ايران مثل آية الله حسين القمي الطباطبائي، وآية الله السيد حسين الطباطبائي البروجردي، وآية الله السيد حسن المدرس الطباطبائي، وآية الله السيد علي القاضي الطباطبائي، واخيراً آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي هم من هذه السلالة الجليلة. وكان «مير عبد الغفار الطباطبائي» من احفاد السيد «كمال الدين» هاجر من زواره اثناء فتنة المغول وبعد هجومهم عليها الى تبريز مع جمع من السادات والذي من احفاده السيد علي القاضي الطباطبائي.
ويعتبر آية الله ميرزا محمد تقي القاضي الطباطبائي وهو من علماء الشيعة المعروفين الجد الثالث لآية الله قاضي وهو كذلك الجد الثالث للمرحوم العلامة الطباطبائي.
وكان له شأن ومكانة علمية مرموقة تفوق الوصف على الصعيدين الحكومي والشعبي وكان في مقتبل العمر قد انتقل للاقامة بجوار العتبات المقدسة وتتلمذ على يد كل من الاستاذ آية الله وحيد البهبهاني والمرحوم الشيخ محمد مهدي فتوني وآية الله بحر العلوم الذي اجازه بخط يده عام ۱۱۷۳ ه. ق، وكان يجمع بين المنقول والمعقول من العلوم وقد عاد الى تبريز عام ۱۱۷۵ ه. ق، واصبح مرجعاً يرضى به الجميع وتوفى عام ۱۲۲۰ ه. ق، والعلامة الطباطبائي من سلالة هذه العائلة الطاهرة.

س: يرجى اعطاءنا ايضاحات اكثر عن حياته والمراحل الدراسية التي قضاها.

ج: اشرت الى ان العلامة الطباطبائي رحل قاصداً النجف الاشرف بعد انتهائه من دراسة مرحلة المقدمات والسطح من التحصيل الحوزوي وذلك برفقة شقيقه العلامة الفقيد السيد حسن الالهي الطباطبائي، واقام اكثر من ۱۰ سنوات هناك اشتغل خلالها في اكتساب العلم على يد اساتذة منهم السيد ابو الحسن الاصفهاني والميرزا النائيني والمرحوم السيد حسن البادكوبئي وابوالقاسم الخوانساري والسيد علي القاضي الطباطبائي حيث درس على ايديهم مختلف العلوم كالفقه والاصول والرياضيات والعرفان والمعقول.
وعاد العلامة الى تبريز عام ۱۳۱۴ ه.ش، «۱۹۳۵ م» واقام فيها ۱۰ سنوات تعرض فيها الى ضغط شديد من قبل العلماء المتحجرين والحزب الديمقراطي هاجر على اثره الى قم عام ۱۳۲۴ هش، «۱۹۴۵م» ولعب دوراً بارزاً في احياء الحوزة العلمية هناك من خلال تدريس الفقه والاصول وتفسير القرآن الكريم والاسفار وتعليم العرفان العملي.

س: هل لكم ان توضحوا لنا اكثر حول دور المرحوم آية الله القاضي في بناء الشخصية المعنوية للعلامة؟

ج: يقول العلامة نفسه في هذا الصدد: عندما رحلت الى النجف لدراسة العلوم الاسلامية، التجأت الى امير المؤمنين علي «ع» وسألته ان يهديني الى ما فيه الصلاح. وكنت يوماً جالساً حين انفتح الباب فجأة ودخل احد العلماء الكبار وسلم عليّ وقال لي ما مؤداه: من المستحسن لمن يأتي الى النجف لكسب المعرفة ان يفكر في تهذيب وتكامل نفسه ولا يغفل عنها، قال هذا وتحرك وذهب.
لقد بهرتني اخلاقه وبهرني سلوكه الاسلامي وكان لكلامه من التأثير في نفسي بحيث اني عرفت كيف اخطط للمستقبل ولم ابتعد طوال مدة يقاني في النجف عن جلسات درس الاخلاق لذلك العالم التقي الذي لم يكن سوى «آقا ميرزا علي القاضي» رحمه الله.

س: باعتباركم احد تلامذة العلامة ما هي المدة التي قضيتموها في التتلمذ على يده وما هي ميزاته التدريسية؟

ج: اتيت الى قم عام ۱۳۳۲ ه.ش، «۱۹۵۳ م» ولم يكن مستوى دراستي يؤهلني لحضور دروس اساتذة مثل العلامة الطباطبائي او الامام الخميني، ولكن نظراً للعلاقة التي كانت تربط والدي آية الله السيد مرتضى خسروشاهي بالعلامة الطباطبائي، والصداقة والمعرفة ورابطة الزمالة التي كانت تربط بين شقيقي المرحوم آية الله السيد احمد خسروشاهي والامام الخميني، كنت على ارتباط مع كليهما وكنت ازورهما في منزلهما وكان هذان الجليلان يبرزان المحبة والعطف تجاهي انا الذي كنت في الواقع مجرد طالب شاب للعلوم الدينية ليس الا، حتى جاء اليوم الذي حضرت فيه جلسات درسهما واستفدت من ذلك طوال اعوام طويلة اضافة الى ما كان يربطني بهما من علاقات متوارثة، وكانت جلسات تدريس الامام الخميني تعقد في «مسجد سلماسي» في حين كان العلامة الطباطبائي يدرس تفسير القرآن الكريم منذ عام ۱۳۷۶ ه.ق، في «المدرسة الحجتية»، حيث كان يجلس في مواجهة الطلاب في زاوية من المدرسة، ويبدأ درسه بذكر آية من كتاب الله العزيز ثم يبدأ بشرحها من كافة الجوانب التاريخية والنفسية والفلسفية والاجتماعية وغيرها. وكنت اقرر «ادون تقريرا» - كما درج على ذكره طلاب الحوزات العلمية - هذه الدروس مثل بعض الطلاب الآخرين، وهذه الدروس كلها طبعت واصدرت طبعاً فيما بعد وبالتدريج تحت عنوان «تفسير الميزان».

س: كيف كان الاستاذ يتعامل مع طلابه في جلسة الدرس؟

ج: لم يكن العلامة الطباطبائي معتاداً على النظر الى وجوه طلابه بصورة مباشرة، بل كان يركز عيونه الزرقاء والجميلة والساطعة دائماً نحو السماء - او سقف المسجد - واذا كان ايّ من الطلاب يطرح سؤالاً او استفساراً كان الاستاذ ينظر اليه لحظة مبتسماً ثم يجيب على السؤال وكان الامر كذلك في درس الاسفار، حين كان الطالب يترك جلسة درسه بفيض من النور والمعنوية تغمرانه سواءً كان ذلك في درس التفسير او درس الفلسفة. وكان لديه اضافة الى ما ذكر اسلوب آخر في الرد على استفسارات طلابه حيث كان يجيب على الاستفسار ثم يعلن بان اجابته ليس قطعية بل ان هذا هو ما يعتقده وكان يطلب من الطالب ان يستخدم فكره للوصول الى استنتاج مدى منطقية هذا الجواب. وبعد انتهاء الجلسة كان يجلس في مكانه مدة من الزمن ليجيب عن الاسئلة والاستفسارات واذا كان لدى طلاب آخرين استفسارات اخرى كانوا يرافقونه حتى باب منزله فيجيب في الطريق على استفساراتهم. وهو كان في الواقع مع طلابه قبل واثناء وبعد الدرس ولم يكن يبدو عليه اي سخط مهما كان سؤال الطالب تافهاً بل كان يجيب على السؤال بابتسامة جميلة.

س: كيف كان ارتباط عرفان العلامة بالقرآن؟

ج: العرفان في التشيع هو اعلى درجات التكامل الانساني. والقرآن من منظار العلامة الطباطبائي هو مصدر كافة المعارف الربانية.
وكل سطر من «تفسير الميزان» وكل موضوع عرفاني فلسفي منه يبين طبيعة ارتباط العرفان بالقرآن.

س: ما هو الفرق بين التصوف والعرفان من وجهة نظر العلامة، وما رأيه بالمتصوفة؟

ج: ان مصدر العرفان هو المعارف القرآنية ومفاهيم واقوال وسلوك ائمة الدين، وفي الواقع هو الطريق الوحيد الذي يؤدي بالانسان الى السكينة والسعادة المعنوية.
وهذا النوع من العرفان الشرعي لن يؤدي الى الانحراف بالتأكيد. اما بالنسبة للتصوف الاصيل فان جذوره تنسب الى مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب «ع» لذلك فان هذا التصوف اذا لم يتجاوز الحدود الشرعية فبالامكان القول انه سيكون طريقاً من طرق العرفان وقد يكون مقدمة له، اما اذا انفصل المتصوف او حتى العرفان عن اسس المفاهيم القرآنية والشرعية وابتعدا عنها، فان ذلك سيؤدي من دون شك الى الانحراف.
ويرى العلامة الطباطبائي - وقد سمعت ذلك منه شخصياً - انه اذا لم تنفصل «الطريقة» عن «الشريعة» فانها ستؤدي الى بناء الانسان، وكان يشير دائماً الى ان «الطرق الى الله على عدد انفاس الخلائق»، ومن يكون قادراً على الحركة في طريق التكامل المعنوي باستخدام الحق والدين ويراعي في حركته معايير الشرع بصورة كاملة، لا يمكن ان نعتبره بعيداً عن طريق الحق لاسباب تافهة.

س: تفضلتم بانكم اقمتم في مصر مدة طويلة من الزمن، هل يتطرقون في الازهر او في مصر عامة الى العرفان والتصوف؟

ج: في مصر عامة وفي الازهر لا يتطرقون وللاسف الى الفلسفة والعرفان بالمفهوم الذي نتطرق نحن اليه في حوزاتنا العلمية، فهم لا يدرسون هناك لا فلسفة ال«مشاء» ولا الفلسفة الصدرائية او ال«اشراق»، بل ان اكثر ما يدرّس هناك هو الفلسفة الغربية او فلسفة القرون الوسطى! لا نجد في الاوساط الفلسفية هناك تكاملاً، ولذلك لم يظهر لا في مصر ولا في الازهر فلاسفة وعلماء على شاكلة العلامة الطباطبائي او السيد جلال الآشتياني او السيد ابو الحسن القزويني او من هم على شاكلتهم من المشاهير المتبحرين في العرفان والفلسفة في القرن الاخير. ولكن يمكن القول بان هناك مترجمين جديرين في هذا المجال قاموا بترجمة كتب جيدة الى اللغة العربية.
اما التصوف فهو واحد من اهم الفروع التي يحبها المصريون فهناك ۶۷ الى ۷۰ طريقة صوفية، وبغض النظر عن بعض الذين يستغلون الاسم والمكانة، فان اغلبهم من اهل الذكر والمعنوية.
ومن الغريب ان هؤلاء يقيمون مجالس دعائهم وذكرهم واورادهم في مساجد ومشاهد اهل البيت «ع» مثل مسجد سيدنا الحسين «ع» ومسجد السيدة زينب «ع» ومسجد السيدة نفيسة «ع» وغيرها ويعتبرون انفسهم من المقربين جداً من اهل البيت، وهم يميلون مثلنا نحن الشيعة الى زيارة قبور ومراقد اهل البيت والاولياء، كما ان جميع اصحاب هذه الطرائق يرون انفسهم مرتبطين بالمولى امير المؤمنين علي «ع» ومن العجيب انه في الاحداث الاخيرة وبعد انتصار حزب الله لبنان على الاسرائيليين، فان الدفاع والدعم الشديد والعلني الذي اظهره مشايخ طرق الصوفية والشعب المصري عامة لحزب الله سبب القلق لبعض المسؤولين في الحكومة واجهزة الامن مما حدى بهؤلاء المسؤولين الى التحذير من ان التشيع سيقوم ب«فتح»! مصر ثانية بواسطة الطرائق الصوفية، تماماً كما حصل في العهد الفاطمي!
على اية حال، اذا كان الزهد والعرفان لا يخرج عن تعاليم القرآن والرسول «ص» واهل البيت «ع» ليس هناك ما يستوجب رفضه. طبعاً يجب ان لا تثير التسميات الحساسية، كما يجب ان لا يحسب التاريخ المسيء لبعض طرائق الصوفية في الماضي او الألاعيب الدرويشية التي كان يمارسها اشباه الرجال في العصر البهلوي على حساب «اهل الحق المتشرعين»!، حيث لا يمكن الوصول الى طريق الحق بترديد «ناد علياً مظهر العجائب» من جهة مع «ترك الصلاة والواجبات الدينية» من جهة اخرى. لذلك فان الدراويش الموجودين في سوريا وتركيا من الذين يزعمون انهم اهل الحق في حين انهم بعيدون عن الشرع ليسوا اهل تصوف وعرفان وليسوا من اتباع طريق الامام علي «ع». فالامام علي «ع» نفسه استشهد في محراب العبادة واثناء اقامته للصلاة، فكيف يمكن ان يزعم احد انه من اتباعه الصديقين في حين انه لا يؤدي الوظائف الشرعية؟
على اي حال ان هؤلاء يعتبرون مرتزقة يكسبون رزقهم بتسمية انفسهم دراويش وصوفيين.

س: ما هي الضرورات التي ادت بالعلامة الى ترك طريق وخط المرجعية والاتجاه نحو العلوم القرآنية والتفسير؟

ج: ان الهدف الرئيسي الذي يسعى وراءه الكبار من علماء الشيعة هو خدمة الاسلام ونشر تعاليم الله من خلال المرجعية او باقي فروع علوم الدين الشيعية، وان العلماء الذين يختارون المرجعية او اي طريق آخر فهم من دون شك يرون انهم يعملون على نشر تعاليم الدين الاسلامي.
لكن العلامة الطباطبائي، شأنه كشأن المرحوم آية الله الكاشاني، كان مجتهداً مسلّماً به وكان سيكون احد مراجع التقليد المعروفين اذا كان اقام في احدى الحوزتين العلميتين في النجف او قم، الا ان كلاً منهما اختار طريقاً خاصاً به وعمل فيه.
وعندما سألت المرحوم آية الله الكاشاني عن هذا الامر اجابني قائلاً: ان المسلمين لا يعانون من افتقاد المرجعيات لان لدينا رسائل ومراجع تقليد - حفظهم الله - بما فيه الكفاية، فلنترك احدهم يطرق باب مقارعة الاستعمار والاستبداد عسى الله ان يتقبل من الجميع.
كان هذا هو المنطق الذي يسير عليه آية الله الكاشاني، ولذلك وبالرغم من المكانة التي نالها في النجف في الفقه والعلم، فانه قام برفقة المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخوانساري - وهو من مراجع قم الكبار - بحمل السلاح والنضال ضد الاستعمار البريطاني وضد احتلال العراق، حيث حكم على كليهما بالاعدام من قبل البريطانيين المحتلين، فالقي القبض على احدهم ونفي الى الهند، والآخر فر الى ايران. اذاً فان تشخيص نوع الخدمة يعود الى الطريقة التي يفكر بها العالم.
بعد وصول العلامة الى قم بدأ وكالعادة دروس الفقه والاصول لكنه انتبه بعد مدة وبالتدريج الى ان الحوزة العلمية في قم فيها ما يكفي من الاساتيذ في هذه العلوم وشعر بضرورة اكبر الى تدريس تفسير القرآن الكريم والعلوم العقلية، فترك تدريس الفقه والاصول اضافة الى تركه لفكرة المرجعية.
اما عن السبب في اختياره الاسلوب العلمي الحديث في الحوزة، فيقول: عندما اتيت الى قم وطالعت مناهج الحوزة، انتبهت الى عدم انسجامها مع حاجات المجتمع والمستقبل، ولاحظت بانها تعاني من كثير من النقص اهمها انعدام البحث التفسيري والعلوم العقلية وعلى خلاف ارادة الحوزة التي كانت ترى تدريس الفقه والاصول ضرورياً وتجدهما كافيين لحل جميع المشاكل، فقد بدأت بتدريس علمي التفسير والفلسفة. وبالطبع فان البدء بتدريس دروس كهذه في ظل الظروف الموجودة آنذاك كان يعتبر ابتعاداً عن المكانة العلمية! الامر الذي لم يكن مهماً عندي لاني كنت ارى بانه لن يكون لي عذر يقبله مني الله سبحانه وتعالى عندما اقف امامه حيث انني كنت ساترك جانباً ضرورياً لاجل امور ظاهرية خاصة..
هذا يوضح الاجابة الكاملة على سؤالكم عن لسان الاستاذ نفسه، فهو كان يهدف الى خدمة المجتمع والمستقبل عن طريق غير العمل في تدريس الفقه والاستمرار في هذا الفرع.

س: لماذا لا تعتبر علوم القرآن والتفسير في الحوزات العلمية دروساً اساسية بل ينظر اليها باعتبارها دروساً فرعية؟

ج: بالطبع في العصر الحاضر الامر ليس كذلك، فالتفسير يعتبر واحداً من افضل واعمق فروع الدروس الحوزوية ولكنه وللأسف لم يحرز ما يليق بعظمته واهميته.
في لقاء لي مع الدكتور سيد محمد طنطاوي شيخ الازهر والذي هو في نفس الوقت مفسر للقرآن وله عدة مجلدات مطبوعة في التفسير، سألته عن السبب في عدم اهتمام الازهر وعلماء اهل السنة بالقرآن والتفسير، فاجابني قائلاً: ان القرآن هو الكتاب الام وهو الكتاب الاساسي ومصدرنا ووثيقتنا وتأتي بعده السنة. واذا ما واجهنا مشكلة في السنة يمكننا ايجاد الحل بمراجعة التفاصيل الموجودة في القرآن الكريم، حيث انه امر غير ذي معنيً ان يجهل عالم دين من الازهر تفسير القرآن.
وسألته عن كيفية تعليم وحفظ القرآن، فرد عليّ بقوله: ان تعليم وحفظ القرآن يأتي قبل التفسير، وكل طالب في الازهر عليه ان يحفظ القرآن بصورة كاملة اولاً. ثم اضاف: ليس ازهرياً من لم يحفظ القرآن. وعلى ضوء هذا المبدأ والاهتمام بالقرآن الكريم، تقام سنوياً مراسم عظيمة تهدى خلالها هدايا وجوائز قيمة الى مئات من الحفاظ الجدد سواء من الازهريين او غير الازهريين ويدعى الى هذه المراسم سفراء البلدان الاسلامية. وفي احد الاعوام التي شاركت فيها في هذا الحشد الكبير، ورغم ما جرت عليه العادة من ان يقوم شيخ الازهر ووزير الاوقاف ومفتي مصر ونائبه بتسليم الجوائز، لمحني شيخ الازهر جالساً بين سفراء الدول الاسلامية، فدعاني باصرار والحاح الى المنصة حيث قمت تحت الحاحه ايضاً بتسليم الجوائز لبعض الطلاب الازهريين وهناك صور توثق هذه المراسم.
على اي حال هذا جانب من اهتمام الازهر بالقرآن ولهذا نجد ان علماء الازهر يستندون الى آيات من القرآن في كل احاديثهم وفي اي موضوع كان، ولكن علماؤنا ومع الاسف يعانون من نقص في هذا المجال - وليس طلابنا فقط - ونأمل في يحل هذا الامر بالتدريج في مجتمعنا بعد بصورة جذرية وتحقيق مجتمعنا للتكامل الاجتماعي، وان يصبح تفسير القرآن عندئذ من الدروس الاساسية في حوزاتنا العلمية.

س: باعتباركم شاركتم ولاعوام طويلة في درس تفسير العلامة الطباطبائي، هل لكم ان توضحوا لنا شيئاً عن طريقة التفسير التي كان يتبعها وما هي توضيحاتكم حول كتاب «تفسير الميزان»؟

ج: تميز العلامة الطباطبائي بتفسير الآيات القرآنية باستخدام آيات اخرى من القرآن نفسه، وهذه الطريقة التي تسمى «تفسير القرآن بالقرآن» كانت تستخدم في السابق من قبل بعض المفسرين، كالزمخشري الذي يرى بان بالامكان «الحصول على احسن واحكم المفاهيم القرآنية من الآيات القرآنية نفسها»، الا ان هذا الاسلوب في التفسير لم يستخدم بهذا الاتساع والعمق في اي من التفاسير مثل استخدامه في «تفسير الميزان».
وفي هذا الاسلوب يستند العلامة بشكل رئيسي على «سياق الآيات» في تفسير الآيات. وكتب المرحوم الشهيد المطهري «الذي كان من ابرز تلاميذ العلامة الطباطبائي» حول تفسير الميزان قائلاً: هو واحد من افضل تفاسير القرآن ويمكنني الجزم بانه احسن تفسير كتب منذ صدر الاسلام ولحد الآن من قبل السنة والشيعة على حد سواء.
والمرحوم العلامة نفسه يشير في مقدمة المجلد الاول من تفسير الميزان الى ان هذه الميزة وهذا الاسلوب هو اسلوب الائمة الاطهار «ع» ويعتبر نفسه متبعاً لهذا الاسلوب ويقول: القرآن كتاب الهداية يهدي الانسان الى احسن الطرق وهو كتاب الفصل بين الحق والباطل وهو كتاب البيان الذي يمنح السعادة للانسان في كل لحظة، وهو كتاب له ظاهر يمثل كل الحكمة وباطن هو كل ما في الوجود من العلم. ظاهره ظريف ولطيف وباطنه عميق، وعجائب القرآن لا يمكن احصائها وفيه انوار الهداية مضاءة.
ثم يضيف المرحوم العلامة قائلاً: في هذا التفسير الذي نفسر القرآن فيه بطريقة اهل البيت «ع»، نتطرق فقط الى الامور التالية:
۱- المعارف المرتبطة باسماء وصفات الله تعالى مثل: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والوحدانية. وحول ذات الله سبحانه وتعالى فالقرآن يقول انه لا يحتاج الى شرح.
۲- المعارف المرتبطة بافعال الله تعالى، مثل الخلق والامر والارادة والمشيئة والهداية والشهادة والقضاء والقدر والجبر والتفويض والرضا والغضب وغيرها.
۳- المعارف المرتبطة بالرابطين بين الحق والباطل، مثل: اللوح والقلم، والعرش والكرسي، والبيت المعمور، والسماء والارض والملائكة، والشياطين، والجن وغيرها.
۴- المعارف المرتبطة بحياة الانسان قبل الدنيا والمعارف المرتبطة بالشؤون الدنيوية للانسان، مثل: ظهور الانسان، معرفة المبادئ الاجتماعية، والنبوة والرسالة، والوحي، والالهام، والكتاب، والشريعة، والاخلاق الحسنة والسيئة للانسان، والايمان، والاحسان وغيرها.
۵- المعارف المرتبطة بعوالم ما بعد الدنيا، مثل: عالم البرزخ، والبعث «المعاد» وغيرها.
وهنا يجب الاشارة الى اننا لم نتطرق في تفسيرنا الى الاحكام الدينية لان ذلك يتعلق بعلم الفقه وهو خارج عن نطاق بحثنا.
في تفسيرنا - في كافة مجلداته - لم تحمل آية بغير معناها الظاهري، اي اننا لم نهتم بتأويلات الآخرين لان هذه التأويلات وكما ستلاحظون في الواقع ليست في زمرة «المعاني».
من ناحية اخرى نحن دققنا بشكل خاص في الروايات المنقولة عن ائمة الهدى عليهم السلام، وهذا الاسلوب في الواقع هو من اقدم اساليب التفسير التي وصلتنا من الائمة عليهم السلام.
كما تطرقنا في هذا التفسير الى مختلف المواضيع العلمية والفلسفية والتاريخية والاخلاقية والاجتماعية وغيرها على قدر استطاعتنا.
هذا هو اسلوب العلامة في تفسير الميزان كما يوضحه هو بنفسه.

س: هل تتلمذ في علم التفسير تلاميذ على يد العلامة وهل هناك من المعاصرين من اتبع اسلوبه في التفسير؟

ج: ان تلاميذه لم يكونوا واحداً او اثنان وليس طبعاً بالامكان ذكر اسمائهم كلهم، ولكن يمكن الاشارة الى بعضهم مثل آية الله ناصر مكارم الشيرازي «من مراجع التقليد في قم» وآية الله الشيخ جعفر السبحاني وآية الله حسن زادة وآية الله جوادي الآملي - من اساتذة الحوزة المعروفين - وكذلك آية الله مصباح اليزدي مدير مؤسسة الامام الخميني «رض» للتعليم والبحوث في حوزة قم العلمية والعشرات الآخرين غيرهم من الذين لكل منهم بين ۱۵ الى ۲۰ مجلداً من المؤلفات في هذا المجال والتي طبع منها عدة مرات.

س: هل ترجم تفسير الميزان الى الفارسية او الى اي من اللغات الاخرى؟

ج: تمت ترجمة جميع المجلدات العشرون من تفسير الميزان الى الفارسية وفي ۴۰ مجلداً في فترة حياة العلامة الطباطبائي وتحت اشرافه شخصياً من قبل شخصيات كبار منهم مكارم الشيرازي، ومصباح اليزدي، ومحمد جواد حجتي كرماني، والسيد محمد الخامنئي، ومحمد رضا الصالحي الكرماني وغيرهم. كما ترجم وطبع الكتاب بكافة مجلداته مرة اخرى من قبل حجة الاسلام والمسلمين المرحوم السيد محمدباقر الموسوي الهمداني «والذي كان من تلاميذ العلامة» وتحت اشراف الاستاذ نفسه. وقد جددت طباعة الترجمتين عدة مرات.
كما ترجمت اجزاء من الكتاب الى اللغات الانجليزية والاوردية وطبعت بهذه اللغات.
الفهرس (http://ebook/life.htm)

حنين الروح
01-30-2011, 10:15 AM
../~
يعطيك الف عافيه .."
لاعدمنـآك يارب ولاعدمنا جديدك ..~
ودي لروحك.."
../~

z زهـٌِـرّةِ آلــيــآسٍــٌمِـيـ،ـنـِْﮯ
01-31-2011, 06:22 PM
http://www.alhabeib.com/vb/uploaded/1786_1222677760.gif

احرار الزهراء
02-10-2011, 12:18 AM
http://www.m.v90v.com/data/media/19/stop55561b59379aaw9.gif

فراس محمد
02-24-2011, 12:18 PM
عاشت ايدك للموضوع

فراس محمد
02-24-2011, 12:20 PM
تسلم يدك اخي الفاضل