المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السر في مُطالبة فاطمة الزهراء (ع) بفدك


أبو حيدر
06-05-2012, 03:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

http://www.alhak.org/up/files/x79i9bnfiuxpt9awjqxs.jpg (http://www.alhak.org/up/)

السر في مُطالبة فاطمة الزهراء (ع) بفدك

من الممكن أن يقال : إن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الزاهدة عن الدنيا وزخارفها ، والتي كانت بمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة ما الذي دعاها إلى هذه النهضة وإلى هذا السعي المتواصل والجهود المستمرة في طلب حقوقها ؟

وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك والاهتمام بتلك الأراضي والنخيل مع ما كانت تتمتع به السيدة فاطمة (عليها السلام) من علو النفس وسمو المقام ؟

وما الداعي إلى طلب الدنيا التي كانت أزهد عندهم من عفطة عنز وأحقر من عظم خنزير في فم مجذوم ، وأهون من جناح بعوضة ؟

وما الدافع بسيدة نساء العالمين (عليها السلام) أن تتكلف هذا التكليف ، وتتجشم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها وهي تعلم أن مساعيها تبوء بالفشل وأنها لا تستطيع التغلب على الموقف ، ولا تتمكن من انتزاع تلك الأراضي من المغتصبين؟!!

هذه تصورات يمكن أن تتبادر إلى أذهان حول الموضوع .

أولاً: أن السلطة حينما صادرت أموال السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وجعلها في ميزانية الدولة (بالاصطلاح الحديث) كان هدفهم تضعيف جانب أهل البيت؛ أرادوا أن يحاربوا علياً محاربة اقتصادية، أرادوا أن يكون علي فقيراً حتى لا يلتف الناس حوله؛ ولا يكون له شأن على الصعيد الاقتصادي؛ وهذه سياسة أراد المنافقون تنفيذها في حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قالوا : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله.

ثانياً: لم تكن أراضي فدك قليلة الإنتاج ، ضئيلة الغلات بل كان لها وارد كثير يعبأ به ، بل ذكر ابن أبي الحديد أن نخيلها كانت مثل نخيل الكوفة في زمان ابن أبي الحديد .
وذكر الشيخ المجلسي عن كشف المحجة أن وارد فدك كان أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة ، وفي رواية أخرى سبعين ألف دينار ولعل هذا الاختلاف في واردها حسب اختلافهم السنين .
وعلى كل تقدير فهذه ثروة طائلة واسعة ، لا يصح التغاضي عنها.

ثالثاً: إنها كانت تطالب ( من وراء المطالبة بفدك ) الخلافة والسلطة لزوجها علي بن أبي طالب ، تلك السلطة العامة والولاية الكبرى التي كانت لأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه قال : سألت علي بن الفارقي ، مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم . قلت : فلمَ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ، ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال : لو أعطاها اليوم فدك ، بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار ، والموافقة بشيء ، لانه يكون قد أسجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي ، كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة وشهود.

رابعاً: الحق يُطلب ولا يُعطى ، فلا بد للإنسان المغصوب منه ماله أن يطالب بحقه ، لأنه حقه ، وإن كان مستعيناً عن ذلك المال وزاهداً فيه ، وذلك لا ينافي الزهد وترك الدنيا ، ولا ينبغي السكوت عن الحق.

خامساً: إن الإنسان وإن كان زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة فإنه مع ذلك يحتاج إلى المال ليصلح به شأنه ، ويحفظ به ماء وجهه ويصل به رحمه ، ويصرفه في سبيل الله كما تقتضيه الحكمة.
أما ترى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أزهد الزهاد كيف انتفع بأموال خديجة في سبيل تقوية الإسلام ؟ كما مر كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) حول أموال خديجة.

سادساً: قد تقتضي الحكمة أن يطالب الإنسان بحقه المغصوب ، فإن الأمر لا يخلو من أحد وجهين:

إما أن يفوز الإنسان ويظفر بما يريد وهو المطلوب وبه يتحقق هدفه من المطالبة .
وإما أن لا يفوز في مطالبته فلن يظفر بالمال ، فهو إذ ذاك قد أبدى ظلامته ، وأعلن للناس أنه مظلوم ، وأن أمواله غصبت منه .

هذا وخاصة إذا كان الغاصب ممن يدعي الصلاح والفلاح ، ويتظاهر بالديانة والتقوى ، فإن المظلوم يعرفه للأجيال أنه غير صادق فيما يدعي.

سابعاً: إن حملة المبادئ يتشبثون بشتى الوسائل الصحيحة لجلب القلوب إليهم ، فهناك من يجلب القلوب بالمال أو الأخلاق أو بالوعود وأشباه ذلك.

ولكن أفضل الوسائل لجلب القلوب ( قلوب كافة الطبقات ) هو التظلم وإظهار المظلومية فإن القلوب تعطف على المظلوم كائناً من كان ، وتشمئز من الظالم كائناً من كان.

وهذه الخطبة ناجحة وناجعة لتحقيق أهداف حملة المبادئ الذين يريدون إيجاد الوعي في النفوس عن طريق جلب القلوب إليهم.
وهناك أسباب ودواعٍ أخرى لا مجال لذكرها.
لهذه الأسباب قامت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وتوجهت نحو مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل المطالبة بحقها.

إنها لم تذهب إلى دار أبي بكر ليقع الحوار بينها وبينه فقط ، بل اختارت المكان الأنسب وهو المركز الإسلامي يوم ذاك ، ومجمع المسلمين حينذاك ، وهو مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . كما أنها اختارت الزمان المناسب أيضاً ليكون المسجد غاصاً بالناس على اختلاف طبقاتهم من المهاجرين والأنصار ولم تخرج وحدها إلى المسجد، بل خرجت في جماعة من النساء ، كأنها في مسيرة نسائية، وقبل ذلك تقرر اختيار موضع من المسجد لجلوس بضعة رسول الله وحبيبته ، وعلقوا ستراً لتجلس السيدة فاطمة خلف الستر ، إذ هي فخر المخدرات وسيدة المحجبات.

كانت هذه النقاط المهمة جداً ، واستعد أبو بكر لاستماع احتجاج سيدة نساء العالمين ، وابنة أفصح من نطق بالضاد وأعلم امرأة في العالم كله .

خطبت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) خطبة ارتجالية ، منظمة ، منسقة ، بعيدة عن الاضطراب في الكلام ، ومنزهة عن المغالطة والمراوغة ، والتهريج والتشنيع.
بل وعن كل ما لا يلائم عظمتها وشخصيتها الفذة ، ومكانتها السامية.

وتُعبر هذه الخطبة معجزة خالدة للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وآية باهرة تدل على جانب عظيم من الثقافة الدينية التي كانت تتمتع بها الصديقة فاطمة الزهراء .
وأما الفصاحة والبلاغة ، وحلاوة البيان ، وعذوبة المنطق ، وقوة الحجة ، ومتانة الدليل ، وتنسيق الكلام ، وإيراد أنواع الاستعارة بالكناية ، وعلو المستوى ، والتركيز على الهدف؛ وتنوع البحث؛ فالقلم وحده لا يستطيع استيعاب الوصف ، بل لا بد من الاستعانة بذهن القارئ.

كانت السيدة فاطمة (عليها السلام) مسلحة بسلاح الحجة الواضحة والبرهان القاطع ، والدليل القوي المقنع وكان المسلمون الحاضرون في المسجد ينتظرون كلامها ، ويتلهفون إلى نتيجة ذلك الحوار والاحتجاج الذي لم يسبق له مثيل إلى ذلك اليوم .
جلست السيدة في المكان المعدة لها خلف الستر ، ولعل دخولها يومذاك كان لأول مرة بعد وفاة أبيها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلا عجب إذا هاجت بها الأحزان ، وأنَت أنَة .
إنني أعجز عن تعبير عن تحليل تلك الأنَة ، ومدى تأثيرها في النفوس .
أنًة واحدة فقط - بلا كلام - تهيج عواطف الناس ، فيجهش القوم بالبكاء .
أنا ما أدري ما كانت تحمل تلك الأنَة من معاني ؟
ولماذا أجهش الناس بالبكاء ؟
وهل الأنَة الواحدة تُبكي العيون ، وتُجري الدموع وتُحرق القلوب ؟
هذه ألغازٌ لا أعرف حلها ، ولعل غيري يستطيع حل هذه الألغاز !!

ونسألكم الدعاء.