المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولاية الأب والجد للأب في زواج البنت الباكر


عباس محمد س
08-17-2015, 10:56 PM
ولاية الأب والجد للأب في زواج البنت الباكر
فنقول :
1 ـ إنّ الإسلام منح المرأة حريتها وشخصيتها واستقلالها الفكري والاقتصادي ،
واعترف بحقوقها الطبيعية إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة ، وكذا بالنسبة للذكر البالغ العاقل الرشيد ، لا يوجد هناك لأحد حقّ للإشراف عليهما أو التدخل في شؤونهما من هذه النواحي المتقدّمة .
2 ـ إنّ الفتى إذا بلغ وكان عاقلاً رشيداً ، فإنّه يملك أمره في الزواج ، فلا يحق لأحد أن يفرض عليه شيئاً في موضوع زواجه .
3 ـ أمّا الفتاة فإن كانت ثيّباً ، فهي أيضاً تملك أمرها في الزواج واختيار الزوج المناسب لها ، كما في الفتى البالغ العاقل الرشيد .
4 ـ وأمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة البكر إذا كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها ، فيجوز لها أن تتزوّج بدون إذن الأب والجد للأب على رأي بعض العلماء ; لوجود رواية صحيحة تدلّ على ذلك ، وكأنّ استقلالها في شؤون حياتها يدلّ على أنّها ناضجة من الناحية الاجتماعية بحيث أعطاها الأب إجازة في تصرّفاتها كلّها ومنها اختيار الزوج .
5 ـ أمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة الباكر إذا لم تكن مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها ، ولكن تعذّرت استجازة الأب والجد للأب في أمر زواجها ; لغيبتهما أو حبسهما ونحو ذلك ، وكانت البنت بحاجة إلى الزواج وأرادت الزواج بفرد معيّن ، ففي هذه الصورة تسقط الاستجازة من الأب أو الجد للأب في أمر زواجها .
6 ـ أمّا الفتاة البالغة العاقلة الرشيدة الباكر إن لم تكن مالكة لأمرها وليست مستقلّة في شؤون حياتها ، وكان الأب أو الجدّ للأب موجوداً معها ، فلايجوز للأب والجد للأب تزويجها من دونه رضاها . ومعنى ذلك عدم وجود سلطة مطلقة لهما عليها ، ولكن هل يجوز لها أن تتزوج بدون إذن الأب والجد للأب؟
هنا يذهب جمله من الفقهاء(1) إلى عدم صحة زواجها من دون رضاها ورضى أحد الأبوين (الأب أو الجد للأب) ، ومعنى ذلك أنّ هذا المورد تكون فيه للأب أو للجد للأب نوع ولاية على البنت الباكر ، فلايصح زواجها من دون موافقة أحد الأبوين .
فهل هذا الأمر يكون من باب أنّ الفتاة قاصرة ، أو أقلّ من الرجل في النضج الاجتماعي؟
والجواب :
1 ـ ليس الأمر كذلك وإلاّ لما كان هناك فرق بين الثيب والبكر ; لتكون الثيب البالغة من العمر خمسة عشر عاماً مستغنية عن موافقة الأب والجد للأب ، بينما تحتاج البكر البالغة ثمانية عشر عاماً إلى الموافقة .
2 ـ وإذا كان الإسلام يعتبر قصوراً في الفتاة في إدارة اُمورها ، فلماذا أعطى البنت البالغة الرشيدة استقلالها الاقتصادي وصحح معاملاتها المالية حتى لو كانت خطيرة ، دون الحاجة إلى موافقة الأب أو الجد للأب أو الاخ؟
إذن هناك سبب آخر هو الذي جعل الإسلام زواجها بحاجة إلى رضاها ورضى أحد الأبوين ، فما هو ذلك السبب؟
أقول : إنّ هذا السبب لا يرتبط بقصور المرأة وعدم نضجها العقلي ، إذ تقدّم منّا مراراً أنّ النساء البالغات العاقلات كاملات من كلّ النواحي ، ولعلّ نضجها العقلي يكون أسرع من نضج الذكر ، ولذا فقد كلّفت بالعبادات قبل تكليف الذكر ، وهذا واضح .
____________
1- وهناك جملة كبيرة من الفقهاء ولعلّ مشهور المتقدّمين يقول بعدم الحاجة إلى إجازة الأب والجد في أمر زواجها .
ولكن لعلّ ما قاله علماء النفس : من أنّ سرعة اطمئنان المرأة بالرجل الذي يظهر لها المحبة والإخلاص ، يجعلها أسيرة كلمات المحبة والإخلاص التي تسمعها من فم الرجل ، هي الباعثة على جعل إجازة أحد الأبوين ضماناً للأمان من وقوعها في أسر المحبة بدون تثبّت ومن دون مراعاة للاُمور التي يجب أن تتوفّر في الزوج اللائق لها المناسب لشأنها ، فجعل الإسلام إجازة أحد الأبوين لأجل أن لا تقع المرأة في مكان غير مناسب لشأنها ; لمجرّد إظهار المودة والمحبة الزائفة ، وهذا كما ترى احتياط لها ودليل ينير لها الطريق لئلا تقع في هوّة سحيقة لا تتمكن أن تخرج منها نتيجة فعلها المنفرد ، أمّا إذا كان الزواج نتيجة عمل مشترك من رضاها ورضا الأب أو الجد للأب ، ونتيجة تدبّر يحصل من الأب عادة ، فسوف يقل احتمال وقوع البنت في مكان غير مناسب لشأنها ومضرّ لها .
ولهذا كان الفقهاء يذكرون : أنّ الأب الذي لا يأذن في زواج بنته الباكر ولم يكن له سبب معقول لذلك ، بل يظهر من فعله التحكّم والتسلّط ، فإنّ ولايته على البنت تسقط ، ويحقّ للبنت الباكر أن تختار الزوج المناسب لها بانفرادها .
إذن من كلّ ما تقدّم نفهم : أنّ القانون الإسلامي لم يحتقر المرأة الباكر بجعل وليّ لها في الزواج يشترك معها فيه ، بل هذا الحكم يكون حماية للبنت الباكر واحتراماً لها وليس احتقاراً .
النظرة السلبية للمرأة
إذا نظرنا إلى الكون نظرة مادية (في حدود الطبيعة) التي عبّر عنها القرآن على لسان الملحدين فقال تعالى : {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا الاَّ الدَّهْرُ}(1) ، فلابدّ أن ننظر إلى الإنسان نظرة مادية ونقول : إنّه ليس إلاّ جسم فقط ،
____________
1- الجاثية : 24 .
فالبدن يشكّل حقيقة الإنسان ، وهذا البدن يكون على شكلين : مرّة على شكل رجل ، ومرّة على شكل امرأة . وحينئذ لا توجد فضائل عند الإنسان ، بل الإنسان كالنبات والحيوان والمعدن مادة وجسم فقط .
وعلى هذا التفكير فلا يوجد تمايز بين الرجل والمرأة ، وهذا ما يسعى إليه الإنسان الغربي في ما يسمّى بعصر النهضة (بين منتصف القرن السابع عشر وحتى القرن الثامن عشر) ورواج الروح العلمية والعقلية في الابتعاد عن الدين ، وقد وافقت الاُمم المتحدة في 3 سبتمبر 1979م على اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضدّ المرأة . وتعدّ هذه الاتفاقية تتويجاً للحركة الفيمنيّة التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الغرب لغرض استرجاع المرأة حقوقها .
وعلى هذه النظرة ، فلابدّ أن تلاحظ المرأة على أنّها أداة لتأمين غريزة الشهوة ، لذا كثرت الدعوات من هذا الفريق لإزالة الحجاب كمقدّمة لإشباع الغريزة منها ، وتصوّروا أنّ سرّ تخلّفها كامن في الحجاب والعفّة . وفي هذا الفريق من البشر تُنتزَع الرحمة ويزول العطف وتضمحل الرقة ; لأنّ نصف المجتمع ـ وهو المرأة ـ ينظر إليها نظرة سلبية ، وتربّى المرأة على إشباع الغرائز ، وبهذا تفقد المرأة مكانتها في تربية المجتمع على العاطفة والرأفة والرقة التي كانت المرأة هي مصدر تزريقها في المجتمع الإنساني ، فلايوجد في هذا الفريق غير القوّة والشهوة والقمع .
نظرة الإسلام للمرأة
إنّ الإسلام نظر إلى الإنسان على أنّه مكوّن من روح ومادة ، والإنسان رجل وامرأة ، فالمرأة أيضاً تتكون من روح ومادة .
والروح : لا امتياز فيها بين الرجال والنساء ، وهي التي تتكامل بالمعارف والعلوم والأخلاق والمزايا الفاضلة التي تتلخص كلّها في التقوى . وهذه الامتيازات للروح
تكون بمثابة الملك لها ، لا يمكن سلبها عنها إذا حصلت عليها الروح ، قال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِر}(1) .
وقال تعالى : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}(2) .
والمكافاة لهذه الامتيازات الروحية هي الجنة التي هي مقسّمة حسب مراتب هذا التفاضل ، فالأكثر إيماناً وعلماً وعقيدة (أي الأكثر تقوى) له مراتب أعلى من غيره الذي هو عالم مؤمن متقي .
وأمّا المادة : وهو الجسم ، فليس له إلاّ التنفيذ .
وفي المادة توجد امتيازات وتوجد فوارق ، إلاّ أنّها ليست من باب الكمال وإن كانت فضيلة ومزية ، إلاّ أنّها ليست معياراً للتفاضل ، فتأتي هنا قضية قواميّة الرجل على المرأة التي قلنا سابقاً : إنّها فضيلة القوة ، بينما تحوز المرأة فضيلة العاطفة والرحمة والرقة (المتمثلة في جمال المرأة) التي قال عنها الإسلام إنّها ريحانة وليست قهرمانة .
وقد أراد الله تعالى أن يسخّر المجتمع لعواطف المرأة ورقتها ورحمتها ، بمعنى أنّه أراد للمجتمع أن يتربّى على العواطف والرحمة ، فإدخلها إلى المجتمع مع الحجاب والعفة ليستفيد من عاطفتها ورقتها ولطفها وصفائها ووفائها .
فالتفاضل موجود في جسم الإنسان (الرجل والمرأة) ولكنّه ليس هو التكامل المنشود ، فالرجل عادةً وغالباً فيه امتياز على جسم المرأة بالقوة ، وجسم المرأة عادة وغالباً فيه امتياز على جسم الرجل باللين والعاطفة ، وأراد الإسلام أن يمزج
____________
1- القمر : 54 ـ 55 .
2- الفجر : 27 ـ 30 .
بين القوة واللين أو بين العقل والعاطفة ; ليتم صرح بناء المجتمع من مادة لينة ومادة صلبة ، فيكون بناء المجتمع بناء محكماً وقوياً .
ولكن إذا نظرنا إلى المرأة على أنّها مادة فقط خُلقت لاشباع الغريزة الجنسية فقط ، فقد سلبنا من المرأة لينها وعاطفتها ورقتها (جمالها) وتربّت على غير وظيفتها ، فتحوّل المجتمع كلّه إلى صرح كلّه قوّة وكلّه حجر وكلّه صلابة ، والصرح لا يقوم على الصلابة من دون مادة ليّنة ، فيكون عرضة للسقوط .
إذاً الإسلام أراد من الامتيازات بين جسم الرجل وجسم المرأة تقسيم المناصب التنفيذية ، والمناصب التنفيذية هي أمانة ، فالرجل له مناصب معينة ينفذها ، والمرأة لها مناصب معينة تنفذها ، ولا حقّ للاعتراض على تقسيم هذه المناصب حسب الامتيازات البدنية ; لأنّه ليس شيئاً يكون فارقاً بين الرجل والمرأة في الفضيلة .
وهذه المناصب التنفيذية تقابلها مسؤوليات .
فإذا ثبت أنّ الرجل له هذا المنصب الخاص ، والمرأة لها هذا المنصب الخاص ، فلا يوجب هذا تفاضلاً ، بل هو من تقسيم المسؤوليات حسب اختلاف الأجسام .
وكمثال على ذلك إعطاء القيمومة للرجل على زوجته ، وهذه القيمومة هي عبارة عن تنظيم اُمور المرأة ورعايتها ، ممّا فضّل الله الرجل على المرأة في قوة البدن ، وبما أنفق من ماله لترتيب المسكن الذي يوجب سكناً لهما ، فلا اعتراض على ذلك ; لأنّه وظيفة يقابلها مسؤولية ، كما أنّ المرأة لها وظيفة الرضاعة والحضانة والرعاية والقيام بشؤون الأولاد ، وهذا يقابله مسؤولية على المرأة في وظيفتها ، فلا يعتبر هذا فارقاً في التفاضل .
هذا كلّه في الوظائف الخاصة بكلّ منهما ، أمّا الأعمال العامة في المجتمع فهي مشتركة بينهما إذا وجدت المؤهلات اللازمة لها ، وكان هناك وقت كافي بعد إنجاز المهام الخاصة بكلّ واحد منهما .