المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنبر الحسيني والقراءة الفردية "ح1"


فضيلة المحروس
10-27-2015, 09:41 PM
المنبر الحسيني والقراءة الفردية "ح1"

بقلم فضيلة المحروس

شهدت بعض المحافل الحسينية ظهور عدة قراءات لا سند ولا اعتبار أصولي أو شرعي أو تأريخي يدعمها إنما اقتضت تحليل بعض النصوص والروايات التأريخية المروية من كتب النقل والسيرة على حسب أمزجة أفرادها واعتقادهم المبني على الظن والشبهة.

ومن النصوص التي تم التركيز عليها والاهتمام بها كثيراً كانت النصوص المتحدثة عن أحوال السيدة زينب عليها السلام ومن معها من النساء الهاشميات في حوادث مصاب وفاجعة كربلاء المقدسة.

إن للجانب العاطفي دور كبير وفعال في إبراز وإثارة القضية الحسينية ولكنه ليس العامل الأوحد المؤثر والمحرك للوازع الديني والفكري والثقافي، إنما هنالك أمور أخرى عقلائية مطلوبة في الموازنة والتعادل بينها وبين الأمور العاطفية.

فمهمة قراءة النص والرواية التأريخية على المنابر تقتضي الالتزام والتحلي بالحكمة والروّية والتريث عند نقل الأخبار والأحداث التأريخية، والابتعاد عن الاجتهاد بقراءات ضعيفة التحقيق، فالانسياب غير العلمي نحو هذا السرد الضعيف ينتهي إلى الإساءة لموروث النهضة الحسينية حتى ولو جاء بشكل عفوي ومن غير عمد من أصحابها، وقد يساهم في نشر وإشاعة مفاهيم خاطئة سلبية في المجتمع الإسلامي هو في غنى عنها وليس لها محل من بين عناصره وفئاته.

فالوظيفة المثالية للمنبر الحسيني تُلزِم كل مبلّغ أو داعية أمثل أن يكون متفقهاً وعارفاً في التأريخ الإسلامي الصحيح ولا سيما سيرة أهل البيت عليهم السلام .

لابد من اعتماد المنهج والأسلوب العلمي السليم في حال طرح البحوث والمواضيع التأريخية على المنبر.

صحيح إن بلوغ كل الحقيقة التأريخية من كتب السيرة والنقل هو ليس بالأمر الهين والسهل، إلا أنه موجب لمضاعفة الجهد والوسع للوصول إلى بعضٍ من الحقيقة، فأغلب الحقائق التي وصلتنا مثلا عن فاجعة كربلاء المقدسة أو شهادة أغلب المعصومين عليهم السلام جاءت عن أخبار مرسلة غير متواترة إلا أن هذا الأمر لا يخدش في صحتها أو في درجة اعتبارها لأن الراوي يمكنه أن لا يأتي بذكر السند أو ربما يختصره حسب الحالة بشرط أن يحف أخباره بقرائن وشواهد موافقة لمنهج وعصمة المعصومين عليهم السلام.


ولو اعتمد رواد المنبر الحسيني وأعمدته قديماً هذا المنهج العلمي في الطرح لتمكنوا بالفعل من حفظ الرواية ومنهجها ومسيرتها من التنظير الأموي والتلاعب العباسي المُضل التي عانت من أثره السيء الكثير من الأجيال، ولتمكنوا أيضاً من توحيد المعاني والمفاهيم في جميع اطروحات المنبر وبالخصوص مفاهيم واطروحات فاجعة كربلاء.

وهذه النتيجة في اعتماد المنهج العلمي لا ترمز إلى تهميش مزايا وخصائص المنبر الحسيني ولا التنقيص من قيمة جهوده وأدواره المخضرمة التي قدّمها وبجدارة طوال الحقب والسنين الماضية عبر سواعده ورجاله. حيث إنه ساهم مساهمة جليلة في انتماء الشيعة وإحاطتهم بمناهج ائمتهم عليهم السلام والالتفاف حول سيرتهم وتُراثهم المجيد في عرض الدين والشريعة والسير.

وما شهدناه اليوم وما سنشهده غداً من نجاح وتقدم للمنابر الحسينية في مختلف أشكالها المسموعة والمرئية ما هو إلا نزوع نحو العلمية في بحوثها وتحقيقاتها ودراساتها التأريخية. فكم كانت عقولنا ولا زالت متعطشة ومتشوقة منذ أمد بعيد لمثل هذه الأطروحات الجديرة بالذكر والمثيرة بتوجيه الفكر والوجدان الإنساني نحو الإتجاه الأمثل والأسلم للدين والعقيدة. وهذا كله من فضل الله تعالى ومننه وبركات أهل البيت عليهم السلام على أمتنا.

مع تتمة في حلقة قادمة

فضيلة المحروس
10-30-2015, 12:16 AM
المنبر الحسيني والقراءة الفردية ح2
مفاهيم خاطئة " ستر السبي"

بقلم فضيلة المحروس

زيارة الناحية المقدّسة المنسوب روايتها للإمام المهدي المنتظر عليه السلام والتي يصف فيها حال الهاشميات وأوضاعهن في واقعة كربلاء، وبالخصوص أحوالهن في اليوم العاشر من المحرم بعد قتل جده الحسين عليه السلام، وكانت كالتالي:
" لَمّا رَأيْنَ النِّساءُ جَوادَكَ مَخْزِيّاً، وَ نَظَرْنَ سَرْجَكَ عَلَيْهِ مَلْوِيّاً، بَرَزْنَ مِنَ الْخُدُورِ، ناشِراتِ الشُّعُورِ، عَلَى الْخُدُودِ لاطِماتِ الْوُجُوهِ سافِراتٍ، وَ بِالْعَويلِ داعِياتٍ، وَ بَعْدَ الْعِزِّ مُذَلَّلاتِ، وَ إلى مَصْرَعِكَ مُبادِراتٍ،.."
ومراعاة لظروف التأليف والاختصار لم يذكر سند هذه الزيارة المقدسة في كتب الحديث والرجال كما ذكرناه سابقاً إلا أنها نُقلت على لسان أقدم الأعلام والمصادر القريبة من عصر الغيبة وبالخصوص: كتاب المزار للشيخ المفيد (ت 413 هـ)، وكتاب (المزار الكبير) لإبنُ المشهدي (ت 595 هـ) وكتاب مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس(ت 664 هـ)، وهذا ما يوجب الركون إليها والثقة بها وبصحة مدلولها ومؤداها الذي يمكن أن نرجعه إلى الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف .
لقد أعتقد البعض إن عبارة (برزن من الخدور ناشرات الشعور..) تعني أنْ النساء الهاشميات قد خرجن من خدورهن في يوم الطف بعد مقتل الحسين عليه السلام ناشرات الشعور أمام الأجانب والعياذ بالله.
بناءً على أنْ معنى كلمة النشر يقابلها معنى الكشف فيكون مدلول العبارة كالآتي هو خروج مخدرات بيت النبوة من خدورهن الشديدة الستر كاشفات الشعور.
والأمر الذي يشير إلى أنْ كلمة النشر بعيدة كل البعد عن معنى الستر لا مكان له في الشرع ولا في العقل ولا حتى في اللغة العربية لأنها في جميع موارد اللغة ومتعلقاتها تقابل معنى الطي واللف.
كما قال ابن فارس: (نشر) النون والشين والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وتشعبه.. خلاف طويته.
وقال الزبيدي: النشر: خلاف الطي، كالتنشير، نشر الثوب ونحوه ينشره نشرا. ونشره: بسطه، وصحف منشرة، شدد للكثرة.
وفي خبر عمار بن موسى الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام: ... وعن المرأة تغتسل وقد امتشطت بقرامل ولم تنقض شعرها كم يجزيها من الماء؟
قال: مثل التي نشرت شعرها وهو ثلاث حفنات على رأسها
والمتعارف عليه قديماً إنّ نشر الشعر وفك الضفيرة وإرسالها كان مظهراً وعلامة ملازمة للحزن عند المرأة العربية وبالخصوص عند نزول النوائب والمصائب عليها أي لو فقدت عزيزاً مثلاً تنشر شعرها وتفك ضفيرتها لكن في حدود العفة والستر والحجاب. وتبقى على هذه الحال مداومة لحدادها ومصابها طوال حياتها كما هو مألوف عند بعض الشعوب العربية.
وهو عين الفعل الذي قامت به نسوة بني أسد حينما أخبرهم الإمام السجاد عليه السلام في يوم الثالث عشر من محرم (.. عما جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة وأوقفهم على أسمائهم كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل، وسالت الدموع منهم كل مسيل ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود).
- وعالجت قوائم الاستفتاءات العقائدية هذا الموضوع بقول: (أن نشر الشعر كان عادة عربيّة جارية عند النساء إذا فقدّن عزيزاً عليهنّ، فيبقين فترة من الزمن محزونات لمصابه، لا يقاربْنّ حتى البسمة وكانت العادة عندهّن إنهّن يفتلن ضفائرهنَّ في حالات عاديّة، فإذا أصبن بمصيبة مفجعة، فتحن الضفائر حتى ينتشر الشعر حولهنّ مع رعاية الستر والحجاب كعلامة لشدّة المصيبة، وليس المراد من العبارة كما قد يتصوّر بعض الناس أن المخدّرات خرجّن من الستر ورؤوسهُنّ مكشوفة والعياذ بالله، لأن التعبير: (ناشرات الشعور) وليس كاشفات الشعور) .
الرأي: لا يمكن التعويل على تلك القراءات التي مفادها كشف شعور النساء الهاشميات أمام الأجانب، لأنه لو أفترض حدوثه والافتراض هنا مرفوض وغير مستساغ منطقاً لَما تُرك هذا الأمر يمرّ بسلام وبينهن الإمام زين العابدين وعمته السيدة زينب عليهما السلام.
هذا من جانب ومن جانب آخر كيف يمكن أن يتصور حدوث ذلك وقضية ستر الهاشميات كانت هي من أكبر القضايا التي دافع عنها الإمام الحسين عليه السلام قبل استشهاده في كربلاء المقدسة ومن أهم القضايا التي دافعت عنها السيدة زينب عليها السلام وبقوة طوال مسيرة سبيهن في مدينة الكوفة و بلاد الشام .
الم تستنكر السيدة زينب عليها السلام هذا الأمر على يزيد لعنه الله في مجلسه في دمشق قائلة له في ضمن خطبتها المعروفة بالزينبية (..أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناه
ل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف!..) .
إبداء الوجه - أي كشفه - هتك عظيم لنصوص الدين ومسائل الشريعة وهذا ما بينته وأكدته السيدة زينب عليه السلام على يزيد لعنه الله في لفظ "أُبدِيت "التي تقابلها في اللغة معنى الموارة، وأدرجتها صلوات عليها مباشرة بعد لفظ "هتكت ستورهن" في خطبتها الشريفة، وهَتْكُ السِّتْرِ في اللغة : قَطْعُهُ، خَرْقُهُ، تَمْزِيقُهُ.
وذلك لبيان مدى فداحة ووزر ما تعرضنّ إليه بناتِ ومخدراتِ رسول الله صلى الله عليه وآله من "إبداء الوجه" في مجلس يزيد لعنه الله
كما هو في الأعراف والموازين الجاهلية من أكبر الموبقات التي على أثرها قامت حرب الفجار الثانية بعد عام الفيل بعشرين سنة في سوق عكاظ وبسببه أيضاً طَرد النبي صلى الله عليه وآله في السنة الثانية للهجرة يهود بني قينقاع من المدينة بعد غزوة أحد.
فمن الأولى أن تكون مسألة كشف الشعر في يوم عاشوراء أمام الأجنبي من أعظم وأكبر الموبقات في علم السيدة زينب عليها السلام، وإن عدم ذكر ذلك في خطبتها الزينبية الشريفة بجانب ذكرها لقضية الستر وإبداء الوجه لدليل قطعي على نفي أصل هذا الموضوع عنهن!.