عباس محمد س
01-31-2016, 11:21 PM
الحجاب
تاليف
الشيخ عباس محمد
تاريخ الحجاب
إنّ الثابت تاريخيّاً هو أنّ الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقيّة لدى بعض الأمم.
فقد كان الحجاب ظاهرة في إيران القديمة وبين اليهود، ومن المحتمل أنّه كان هناك حجاب في الهند، وكان الحجاب لدى هذه الأمم أكثر تشديداً عمّا جاء في شريعة الإسلام.
أمّا لدى عرب الجاهليّة فلم يكن هناك وجود للحجاب، وقد تحقّق لهذه الظاهرة وجود لدى العرب بفضل رسالة الإسلام.
الحجاب عند اليهود
يقول "ويل ديورانت" في "قصّة الحضارة":"كان في وسع الرجل أن يُطلِّق زوجته، إذا عصت أوامر الشريعة اليهوديّة، بأنْ سارت أمام الناس عارية الرأس، أو غزلت الخيط في الطريق العامّ، أو تحدّثت إلى مختلف أصناف الناس، أو إذا كانت عالية الصوت، أي إذا كانت تتحدّث في بيتها ويستطيع جيرانها سماع ما تقول، ولم يكن عليه في هذه الأحوال أنْ يردّ إليها بائنتها".
في هذا الضوء فالحجاب الذي كان يلتزم به اليهود كان أكثر تشديداً ممّا يلتزم به الحجاب الإسلاميّ من حدود.
الحجاب في إيران القديمة
يقول ديورانت:"كان للمرأة في بلاد فارس مقام سامٍ في أيام زرادشت كما هي عادة القدماء، فقد كانت تسير بين الناس بكامل حريّتها سافرة الوجه".
ثم يقول:"ثمّ انحطّت منزلتها بعد داريوش، وخاصّة بين الأغنياء، فأمّا المرأة الفقيرة فقد احتفظت بحريّتها في التنقّل لاضطرارها الى العمل، وأمّا غير الفقيرات فقد كانت العزلة المفروضة عليهنّ في أيّام حيضهنّ كلّها تمتدُّ حتى تشمل جميع حياتهنّ الاجتماعيّة، وكان ذلك أساس نظام البردة عند المسلمين. ولم تكن نساء الطبقات العليا يجرؤن على الخروج من بيوتهنّ إلا في هوادج مسجّفة، ولم يكن يُسمح لهنّ بالاختلاط بالرجال علناً. وحُرّم على المتزوّجات منهنّ أنْ يرين أحداً من الرجال ولو كانوا أقرب الناس إليهنّ كآبائهنّ أو إخوتهنّ. ولم تُذكر النساء قطّ أو يُرسمن في النقوش أو التماثيل العامّة في بلاد فارس القديمة...".
يتّضح إذن أنّ لوناً عسيراً من الحجاب كان يحكم إيران القديمة،. ويذهب "ويل ديورانت" الى أنّ إجراءات حادّة كانت تُتّخذ إزاء المرأة الحائض في ضوء تعاليم المجوسيّة، فقد كانت تُحبس في غرفة، وكان الجميع يفرّون من مُعاشرتها، وكانت هذه الإجراءات السبب الرئيس لظهور الحجاب في إيران القديمة. كما كانت هذه الإجراءات الحادّة
تُتّخذ إزاء المرأة الحائض بين اليهود.
يرى "كنت جوبينو" في كتاب "ثلاثة أعوام في إيران": أنّ الحجاب الشديد في المرحلة الساسانيّة ظلّ قائماً بين الإيرانيين في المرحلة الإسلاميّة.
ويرى، أنّه لم يكن الحجاب الساسانيّ مُقتصِراً على ستر المرأة، بل إخفائها. وقد بلغ الإخفاء في تلك المرحلة الى حدّ أنّه إذا كان لدى شخص امرأة جميلة في منزله فلا يُتيح فرصة ليطّلع عليها شخص آخر، ويُبقيها مخفيّة ما أمكن، إذ لو عُرف أنّ لديه امرأة جميلة في منزله فسوف تخرج عن ملكه، بل لعلّه لا يطمئنّ على حياته أيضاً.
الحجاب لدى الروم وفي الهند
ويُستنتج من حديث "نهرو" أنّه كان لدى الروم حجاب "ولعله أتى لهم من اليهود".
لقد كان يحكم الهند حجاب متشدّد، ولكن لم يتّضح بعد هل أنّ الحجاب في الهند كان قبل الإسلام أم أنّه انتشر بعد دخول الإسلام، وأخذه الهنود المسلمون من المسلمين الآخرين وبالخصوص تحت تأثير المسلمين الإيرانيّين.
غير أنّ الثابت هو أنّ الحجاب في الهند كان يُشبه الحجاب في إيران القديمة من جهة الشدّة. ويظهر من حديث "ويل ديورانت" في الجزء الثاني من قصة الحضارة أنّ الحجاب شاع لدى الهنود تحت تأثير المسلمين الإيرانيّين.
يقول "نهرو":
"من المؤسف أنّ هذه العادة السيّئة أضحت تدريجاً إحدى خصوصيّات المجتمع الإسلاميّ، وقد اقتبسها الهنود حين دخول المسلمين الى بلادهم".
فالحجاب لدى الهنود - حسب رأي نهرو - جاء من المسلمين.
ولكن إذا اعتبرنا أنّ الميل للرياضة الروحيّة، والعزوف عن الّلذّات أحد عوامل ظهور الحجاب، يلزمنا الاعتقاد بأنّ الهند رحّبت بالحجاب منذ قديم الأيّام، إذ إنّ الهند من مراكز الرياضة الروحيّة القديمة، ومعاقل تحقير الّلذّات الماديّة.
على أيِّ حال فالثابت هو أنّ الحجاب كان موجوداً في العالم قبل الإسلام، ولم يبتكر الإسلام الحجاب. ولكن يبقى استفهامان:
هل أنّ حدود الحجاب الإسلاميّ تتشابه والحدود الّتي كانت لدى الأمم القديمة؟ هل أنّ العلّة والفلسفة التي تقضي بالتزام الحجاب في الإسلام هي عين العلّة والفلسفة التي ظهر الحجاب على أساسها لدى شعوب العالم الأخرى؟ سوف نُعالج الإجابة عن هذين الاستفهامين بالتفصيل في فصول البحث المقبلة.
علّة ظهور الحجاب
ما هو سبب ظهور الحجاب، وما هي فلسفته؟ وكيف أضحى الحجاب ظاهرةً بين سائر الأمم القديمة أو لدى بعضها؟
نحن نعرف أنّ الإسلام دين، جاءت كلُّ أحكامه على أساس مصلحةٍ وحكمة، فلِمَ وعلى أساس أيّة مصلحة أكّد أو أسّس الإسلام الحجاب؟
سعى المناهضون لظاهرة الحجاب الى إبراز جملة ممارساتٍ ظالمة، بوصفها عللاً لهذه الظاهرة، ولم يُميِّزوا في ذلك بين الحجاب الإسلاميّ وغير الإسلاميّ، فأوحوا بأنّ الحجاب الإسلاميّ ينطلق من هذه الممارسات الظالمة أيضاً.
لقد طرح الباحثون نظريّات متنوّعة بصدد أسباب ظهور الحجاب. وقد ثُبِّتت هذه الأسباب في الأعمِّ الأغلب لإبراز الحجاب بوصفه عملاً ظالماً وممارسة جاهلة. وبدورنا نشرع في ذكر جملة من هذه الأسباب.
يُمكننا تصنيف النظريّات التي عثرنا عليها إلى: فلسفيّة، واجتماعيّة، وأخلاقيّة، واقتصاديّة، ونفسيّة، وهي كما يلي
1 - الاتّجاه الرهبانيّ والميل نحو الرياضة الروحيّة "الجذر
الفلسفيّ".
2 - فقدان الأمن والعدالة الاجتماعيّة "الجذر الاجتماعيّ".
3 - حكومة الأب وتسلُّط الرجل على المرأة، واستغلال طاقتها الاقتصاديّة لمصلحة الرجل الاقتصاديّة "الجذر الاقتصاديّ".
4 - أنانيّة الرجل وحسده "الجذر الأخلاقيّ".
5 - العادة الشهريّة وإحساس المرأة بالنقص أمام الرجل، مضافاً إلى العادات القاسية، التي تُمارس ضد المرأة أيّام حيضها من احتقارها وترك معاشرتها "الجذر النفسيّ".
هذه هي أهمُّ العوامل، وسنأتي على تفصيل كلِّ واحدٍ من هذه العوامل، ثم نُحلِّله وننقده، وسنُثبت أنّ الإسلام لم يأخذ بنظر الاعتبار أيّاً من هذه العوامل في فلسفته الاجتماعيّة، وأنّ أيّاً من هذه العوامل لا
ينسجم مع الأسس المعروفة والعامّة للتفكير الإسلاميّ، وسنُشير في خاتمة البحث إلى سبب رئيس يُمثِّل - من وجهة نظرنا - أكثر العوامل وجاهة في خلق ظاهرة الحجاب.
1 ـ الاتّجاه الرهبانيُّ والرياضة الروحيّة
ترتبط مسألة الحجاب بالاتّجاه الرهبانيّ والرياضة الروحيّة من خلال كون المرأة أروع موضوع من مواضيع المتعة والّلذة، التي يتوفّر عليها الرجال. فإذا اختلط الرجل بالمرأة، وتعاشرا فسوف
يتّجهان حتماً صوب المتعة والّلذة. وبغية أنْ يكون المحيط الاجتماعيّ منسجماً بشكلٍ كامل مع روح الزهد والرياضة، أقام أتباع الفلسفة الرهبانيّة
حاجزاً بين الرجل والمرأة، وألزموها بالحجاب، كما جانبوا سائر المغريات الأخرى. وجاء ظهور الحجاب في ضوء هذه النظريّة نتيجة احتقار الزواج وتقديس العزوبة.
أنتج الاتّجاه الرهبانيّ وتركُ الدنيا بالنسبة للمال فلسفة الفقر والعزوف الكامل عن كلِّ الوسائل الماديّة، كما أنتج بالنسبة للمرأة العزوبة ومجانبة الجمال.
إطالة الشَّعر عادة مُتعارَفة بين السيخ والهندوس وبعض الدراويش، كما أنّ مجانبة الجمال والوقوف ضدّ الشهوة من ثمار الفلسفة الرهبانيّة والميل نحو الرياضة الروحيّة.
يقول هؤلاء: إنّ تقصير الشَّعر وتمشيطه عامل زيادة الشهوة الجنسيّة، بينما تُفضي إطالة الشَّعر إلى تقليل وإضعاف الشهوة.
يحسن بنا هنا أنْ نأتى إلى بعض ما قاله "راسل" في هذا الموضوع. يقول "راسل" في كتابه "الأخلاق والعلاقة الجنسيّة" الصفحة 30 من الترجمة الفارسيّة ما يلي:
إنّ نهج "بولس المقدّس" الفكريّ أشاعته الكنيسة بشكل كامل، خصوصاً في القرن الأوّل لميلاد المسيح، وسلك عدد كبير من الأفراد سبيل السياحة الروحيّة ليقهروا الشيطان، الذي يملأ أذهانهم في
كلِّ آنٍ بألوان التخيّلات الشهوانيّة. وقد حاربت الكنيسة - ضمن هذا السياق - الاستحمام، إذ إنّ الاستحمام يدفع مفاصل البدن الإنسانيّ نحو الخطيئة. فرحّبت الكنيسة بوساخة البدن، وأخذت
رائحة البدن لوناً من القدسيّة، إذ إنّ نظافة البدن وتجميله تتعارض - من وجهة
نظر بولس - مع نظافة الروح...".
علّة ظهور الحجاب
نأتي الآن لنرى هل ينسجم مثل هذا التبرير للحجاب مع النهج الإسلاميّ وطريقته الفكريّة؟
للإسلام - من حسن الحظّ - نهج فكريٌّ واضح ونظرة جليّة للعالَم. فوجهة نظره بصدد الإنسان والعالَم والّلذّة واضحة، من هنا يُمكن أنْ نتعرّف بيُسرٍ، هل أنَّ للإسلام اتّجاهاً نحو الرياضة
الروحيّة أم لا؟
نحن لا نُنكر أنّ للرهبانيّة والرياضة الروحيّة وجوداً في نقاط من العالَم. وربما يُمكن اعتبار حجاب المرأة ـ في البقاع التي يُسيطر عليها هذا اللون من التفكير ـ نتيجةً له. ولكن عندما شرّع
الإسلام الحجاب لم يستند في جميع الحالات إلى مثل هذه العلّة، كما أنّ مثل هذا الاتّجاه لا ينسجم مع روح الإسلام ولا مع سائر أحكامه.
فالإسلام - من حيث الأساس - حارب بشدّة التفكير الرهبانيّ. وهذه الحقيقة يُذعن بها حتى المستشرقون الأوروبيون.
لقد دعا الإسلام للنظافة، فبدلاً من اعتبار القُمَّل جواهر إلهيّة، قال: "النظافة من الإيمان". وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "مِنَ الدين المتعة" 1كما جاء عنه صلى الله عليه واله وسلم :"بئس العبد القاذورة"2. وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله جميل
يُحبُّ الجمال"3.
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله يُحبُّ الجمال والتجمُّل ويُبغض التبؤس والتباؤس، فإنّ الله إذا أنعم على عبده بنعمة أحبّ أنْ يُرى عليه أثرها، قيل: كيف
ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره ويكنس أفنيته حتى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق"4.
ونجد في أقدم كتب الحديث والرواية "كالكافي" الذي يعود الى ألف عام بحثاً تحت عنوان "باب الزيّ والتجمُّل".
لقد قدّم الإسلام وصايا أكيدة لتقصير الشَّعر وتمشيطه واستخدام الطيب ودهن الشَّعر.
جاء في الرواية: أنّ جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل، فأخبرت أمُّ سلمة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فخرج إلى أصحابه فقال: "
أترغبون عن النساء، إنّي آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل...".
وعن الصادق عليه السلام قال: "إنّ ثلاث نسوة أتينَ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت إحداهنَّ: إنّ زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يشمّ الطيب، وقالت
الأخرى: إنّ زوجي لا يقرب النساء، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجرُّ رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثُمّ قال: ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا
يشمّون الطيب
ولا يأتون النساء، أما إنّي آكل اللحم وأشمّ الطيب وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي"5.
إنّ الحكم بتقصير الثياب - خلافاً لعادة العرب آنذاك حيث كانت ثيابهم تخطُّ في الأرض - كان لأجل النظافة، وقد بُيّن هذا الحكم في الآيات الأولى التي نزلت على الرسول صلى الله عليه واله
وسلم :﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾6.
كما أنّ استحباب لبس الثوب الأبيض هو لأجل جماله من جهة ولأجل النظافة من جهة أخرى، إذ الّلباس الأبيض يعكس بشكل أفضل الأوساخ، ولهذه المسألة جاءت الإشارة في الروايات: "إلبسوا
البياض فإنّه أطيب وأطهر"7.
وقد جاء في الأثر عن النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم أنّه كان ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته ويمتشط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله8.
وقد اعتبر القرآن الكريم خلق أسباب الزينة والتجمّل من ألطاف الله تعالى على عباده، وهاجم بشدّة تحريم هذه النعم الإلهيّة: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾9.
وقد ورد في النصوص الإسلاميّة أنّ الأئمّة استندوا في جدالهم مع المتصوِّفة إلى نفس هذه الآية لإثبات بطلان ادعاءاتهم 10.
فالإسلام لم يرفض تمتُّع الزوجين جنسيّاً أحدهما بالآخر فحسب، بل جعل لذلك ثواباً وأجراً.
ولعلَّ من المدهش بالنسبة لشخص غربيٍّ أنْ يسمع أنّ الإسلام يذهب الى استحباب المُلاعبة بين الزوج والزوجة، وتجمُّل المرأة لزوجها. فالغربيّون سابقاً حينما كانوا يلتزمون تعاليم الكنيسة وكانوا يشجبون كلَّ ألوان الّلذّة، كانوا يعتقدون بخطأ ما يُستحبّ في الإسلام، بل كانوا يهزأون به.
لقد منع الإسلام بشدّة ألوان المتعة الجنسيّة خارج إطار الزواج الشرعيّ، ولهذا المنع فلسفة خاصّة سنوضِّحها لاحقاً. لكنّه رحّب بالمتعة الجنسيّة في حدود الشرع، حتى أنّه اعتبر حبَّ النساء من خصائص الأنبياء: "من أخلاق الأنبياء حبُّ النساء"11. وذمَّ الإسلام المرأة التي تُقصِّر في تجميل وتزيين نفسها لزوجها، كما ذمّ الأزواج الذين لا يُشبعون رغبات نسائهم.
جاء في الأثر عن الحسن بن الجهم قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام (الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ) اختضب، فقلت: جُعلت فداك اختضبت؟ فقال: نعم إنّ التهيئة ممّا يزيد في
عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة. ثم قال: أيسرّك أنْ تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا. قال: فهو ذاك. ثُمَّ قال: مِنْ أخلاق
الأنبياء التنظيف والتطيّب وحلق الشَّعر وكثرة الطروقة 12.
وقد جاء في حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال:"تنظّفوا ولا تشبّهوا باليهود" 13 ثُمَّ أشار بعد ذلك إلى أنّ انحراف نساء اليهود نشأ جرّاء وساخة رجالهنّ فكانوا غير مرغوبين من قِبَل نسائهم، وأَمَرَ المسلمين بالنظافة لكي ترغب بهم نساؤهم.
وقد ورد في الأثر: أنّ الصحابيَّ عثمان بن مظعون اتّجه نحو الرهبنة وترك الدنيا وملذّاتها، فجاءت زوجته إلى النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مُغضِباً يحمل نعليه حتى جاء الى عثمان فوجده يُصلّي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقال له: "يا عثمان لم يُرسلني الله بالرهبانيّة ولكن بعثني بالحنيفيّة السمحة أصوم وأصلّي وألمس أهلي، فمن أحبّ فطرتي فليستنّ بسنّتي، ومِنْ سنّتي الزواج"14.
2 ـ فقدان الأمن
الشيء الآخر الذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب هو: فقدان الأمن. لقد كان فقدان الأمن والعدالة الاجتماعيّة ظاهرة سائدة بوضوح في الأزمنة الغابرة. فقد كانت يد ذوي النفوذ والقدرة طويلةً على أموال الناس ونواميسهم، فإذا كان لدى الناس مال أو ثروة فإنّهم مضطرّون لإخفائها بالدفن تحت الأرض. فبقاء الكنوز مخفيّة يعود سببه إلى أنّ أصحاب الذهب والثروة لم تكن لديهم الجرأة لإطلاع أبنائهم على أماكن إخفائها، فقد كانوا يخافون كشف سرِّ ذلك بواسطة أبنائهم
فتقع فريسة بيد الأشقياء والمتجاوزين. من هنا فقد يموت الأب فجأةً، ولم تتسنّ له فرصة لإخبار ابنه بأسراره،
فتبقى ثروته دفينة تحت التراب، ولذا اشتُهِرت الكلمة المعروفة: "إحفظ ذهبك، وذهابك، ومذهبك".
فكما لم يكن هناك اطمئنان أمنيّ بالنسبة للثروة، لم يكن أيضاً بالنسبة للمرأة، فكلُّ شخص لديه امرأة جميلة كان مضطرّاً لإخفائها عن الأشقياء، إذ لو اطّلع هؤلاء على وجودها لم يبقَ ذلك الشخص مالكاً لها.
لقد شهدت إيران أيّام الحكم الساسانيّ جنايات وفجائع فظيعة في هذا المجال. فبمجرّد اطّلاع أبناء السلاطين ورؤساء القبائل والإقطاعيّين على وجود امرأة حسناء في منزلٍ ما، يهجمون على ذلك المنزل، ويخطفون المرأة من بيت زوجها. فلم يكن آنذاك الحديث حول "الستر"، بل كان الحديث يدور حول إخفاء المرأة، لكي لا يعلم بها أحد.
وقد نقل (ويل ديورانت) في كتابه "قصّة الحضارة" وقائع مُخجِلة حدثت في إيران القديمة.
إنّ فقدان الأمن لم يكن مختصّاً بإيران ولا بالزمن القديم، فقد انتشرت هذه الممارسة في بغداد حينما سيطر أهل ما وراء النهر على الخلافة فيها، بل انتشرت أيضاً في الأزمنة القريبة لعصرنا، حيث ينقل أهالي أصفهان قصصاً كثيرة عن أحد أبناء الملك في أصفهان تحكي نماذج كثيرة من تلك التجاوزات
متابعة وتحليل
نحن لا نُنكر أنّ فقدان الأمن والعدالة في الأزمنة الماضية كان له أثر في إخفاء المرأة. ومن المسلّم به أنّ الحجاب المتطرِّف والأفكار المتطرِّفة بشأن ستر المرأة ناتجة عن هذا اللون من
الممارسات في التاريخ. ولكن يجب علينا أنْ نتساءل: هل أنّ فلسفة الحجاب في الإسلام تقوم على أساس هذا الأمر؟
من المقطوع به أنّ علّة تشريع الحجاب في الإسلام ليست هي فقدان الأمن، وعلى الأقلّ ليست هي العلّة الوحيدة والأساس، إذ إنّ فقدان الأمن لم يأت علّة في النصوص الإسلاميّة، كما أنّه لا يتطابق مع وقائع التاريخ. فرغم أنّ الحجاب لم يكن تقليداً في العصر الجاهليّ إلاّ أنّ العرب كانوا يعيشون بأمن في ظلِّ محيطهم القبليّ والبدويّ. ففي نفس الوقت الذي كان يسود في إيران فقدان الأمن الاخلاقيّ والتجاوز على الأعراض بحدِّه الأعلى، وكان هناك حجاب أيضاً، لم تكن بين أفراد القبائل العربيّة مثل هذه التجاوزات.
إنّ العرب كانت تفتقد في حياتها القبليّة الأمن الاجتماعيّ بين القبائل. والحجاب ليس تدبيراً لمعالجة هذا الوضع. فقد كانت القبائل تتصارع بشكل دمويّ فيما بينها، ويُغير بعضها على الآخر فيُأسر الرجال والنساء، وبالتالي لا يُعالِج الحجاب مشكلة المرأة. فرغم الفارق الكبير بين مستوى حياة العرب في الجاهليّة وبين مستوى الحياة الصناعيّة المعاصرة، إلاّ أنّ هناك تشابهاً في شيوع ظاهرة "الزنا" حتى بذوات الأزواج. ولكنْ مع فارق وهو أنّ فقدان الأمن الفرديّ
في عصرنا الصناعيّ لم يكن آنذاك، بحكم لون من الحريّة السياسيّة وفقدان الحكم الدكتاتوريّ، فلم يُمارس إخراج
النساء بالقوّة من بيوت أزواجهنّ.
يكون الحجاب مانعاً من التجاوز فيما إذا كان المتجاوِز يعيش في ظلِّ عرفٍ وحياةٍ مشتركةٍ مع الآخرين، ولم يكن هناك تجاوز بين أفراد القبيلة الواحدة بحكم العُرف الحاكم آنذاك، ولذا لا يُمكننا أن نقول: إنّ الإسلام شرّع الحجاب لأجل إقرار الأمن الأخلاقيّ.
إنّ فلسفة الحجاب في الإسلام أمر آخر سنتحدّث عنه. ونحن لا نُريد أنْ نقول في الوقت ذاته إنّ مسألة الأمن الأخلاقيّ لم تكن منظورة على الإطلاق. فسوف نرى عندما نتناول تفسير (آية الحجاب) أنّ القرآن أخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار. كما لا ندّعي أيضاً أنّ هذه المسألة لا محلَّ لها في عصرنا وأنّ الأمن الأخلاقيّ متوفِّر للمرأة بشكلٍ كامل. فالصحف اليوميّة تعكس لنا أخبار الاعتداءات الخشنة التي تُمارس في بلدان العالم المتطوِّر.
3 ـ استغلال المرأة
ذهب بعضهم إلى اعتبار العامل الاقتصاديّ جذراً من جذور ظاهرة الحجاب، فقالوا: إنّ ظاهرة الحجاب والحريم من بقايا عهد ملكيّة وسلطة الأب. فبغية أنْ يتوفّر الرجال من خلال النساء على منافع اقتصاديّة، كانوا يحفظونهنّ في البيوت، ولأجل تكييف المرأة وإقناعها بالبقاء ذاتياً في البيت، واعتبار الخروج من المنزل عملاً
قبيحاً، اخترعوا فكرة الحجاب.
لقد سعى أصحاب هذه المقولة إلى توجيه وتفسير مسائل أخرى، نظير النفقة والمهر أيضاً على أساس مالكيّة الرجل للمرأة.
متابعة
ويكفي في الردّ على هذا الادعاء أنْ ندرس ونُحلِّل الإجابة عن هذا الاستفهام: هل أنّ الحجاب معلول لملكيّة الرجل للمرأة، أم لا؟.
ما هو هدف الإسلام من أحكامه بالنسبة للستر والحجاب بين المرأة والرجل؟ هل أراد أنْ تكون المرأة من الزاوية الاقتصاديّة في خدمة الرجل؟
من المقطوع به أنّ الإسلام لا يستهدف ذلك. فالإسلام لم يُرد مطلقاً أنْ يستغلّ الرجل المرأة اقتصاديّاً. لقد أعلن الإسلام بحزم - لا مجال للشكّ إليه -: أنّ الرجل لا يتمتّع بأيِّ حقٍّ في
استثمار المرأة. فاستقلال المرأة اقتصاديّاً من المسلّمات الثابتة في الشريعة الإسلاميّة. فعمل المرأة تعود ثماره إليها. فإذا رغبت المرأة في العمل داخل الدار تبرّعاً فلها ذلك، وإلاّ لا يحقّ للرجل إجبارها على أنْ تعمل، حتى رضاعة طفلها، فرغم أنّ الأم أولى من غيرها في إرضاع ولدها، لكن هذه الأولويّة لا تُسقط حقّها في الأجرة. فإذا طلبت أجرة معيّنة مقابل رضاعة ولدها وكانت الأجرة متعارَفة فهي أولى بإرضاع ولدها وأخذ الأجرة على الرضاعة.
إنّ المرأة إسلاميّاً تستطيع أنْ تختار أيَّ عمل لا يؤدّي إلى إفساد
الأسرة ولا يتعارض مع حقوق الزوج، وترجع ثماره الماديّة إليها.
أجل، فلو كان الإسلام يستهدف من الحجاب استغلال المرأة اقتصاديّاً، لم يسمح للمرأة بأنْ لا تعمل في بيت الزوج. فلا يُعقل أنْ يؤمن من جهة باستقلال المرأة اقتصاديّاً، ويُشرّع الحجاب من جهة أخرى لأجل استغلال المرأة اقتصاديّاً.
إذن لم يستهدف الإسلام مثل هذا الهدف..
4 ـ الحسد:(الجذر الأخلاقيّ)
الجذر الآخر - الّذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب - ذو وجهة أخلاقيّة. فقد طرحوا هنا ـ كما هو الحال في النظريّة السابقة ـ أنّ علّة ظهور الحجاب هي سلطة الرجل وأسر المرأة، مع فارق، وهو أنّ الاتّجاه هنا استبدل الجذر الاقتصاديّ بآخر أخلاقيّ في تفسير سلطة الرجل، فقالوا: إنّ علّة حفظ الرجل للمرأة ـ بهذه الصورة التي تضحى فيها المرأة أسيرة ـ هي أحاسيسه الحسود، وأنانيّته إزاء الرجال الآخرين. فالرجل لا يرغب أنْ يستغلّ الرجال الآخرون المرأة التي تحته، ولو بالنظرة أو الحديث.
وباعتقاد هؤلاء أنّ الأحكام الدينيّة، رغم معارضتها في مجالات أخرى للأنانيّة وعبادة الذات، فقد انقلب الأمر هنا، إذ أمضت هذه الأحكام صحّة أنانيّة الرجال هنا، وحقّقت مآربهم.
يقول "راسل": لقد استطاع بنو البشر إلى حدٍّ ما السيطرة على
أنانيّتهم بالنسبة للمال والثروة، ولكنّهم لم يستطيعوا السيطرة على أنانيّتهم بالنسبة للمرأة. فمن وجهة نظر "راسل" "
الغيرة" ليست أمراً ممدوحاً، وتعود في جذورها إلى لون من البخل والأنانيّة.
نستنتج من حديث "راسل" أنّه: إذا كان البذل والعطاء بالنسبة للثروة أمراً حسناً، فهو حسن أيضاً بالنسبة للمرأة. فلِمَ نذمّ البخل والحسد بالنسبة للمال، ولا نذمّه بالنسبة للمرأة؟ لِمَ يُعدّ الكرم والإطعام عملاً أخلاقيّاً، بينما يُذمّ تمتيع الآخرين جنسيّاً؟ ليست هناك علّة معقولة لهذا التفاوت باعتقاد أمثال "راسل"! فالأخلاق لم تستطع التغلّب على الأنانيّة والاحتكار بالنسبة للأمور الجنسيّة، بل على العكس استسلمت لعبادة الذات واعتبرت ما يُسمّى بالغيرة لدى الرجل والحجاب والعفاف لدى النساء عملاً حسناً.
تحليل ومتابعة
نحن نجد أنّ لدى الرجل ميلاً لعفاف وطهارة المرأة، يعني: أنّ للرجل رغبة خاصّة في أنْ تكون زوجته طاهرة لم يلمسها أحد، كما أنّ لدى المرأة ميلاً خاصاً للعفاف. وبديهيّ أنّ لدى المرأة أيضاً ميلاً لأنْ يكون زوجها غير ذي علاقة جنسيّة مع غيرها. غير أنّ هذا الميل ينطلق من أساس - كما نعتقد - مغاير للأساس الذي ينطلق منه الميل المشابه لدى الرجل. فما لدى الرجل هو الغيرة، أو الحسد المخلوط بالغيرة، أمّا ما لدى المرأة فهو حسد بحت.
لا نُريد هنا أنْ نتناول بالبحث لزوم عفاف الرجل وأهميّته بالنسبة إليه وبالنسبة للمرأة وإنّما بحثنا ينصبّ على الإحساس الذي لدى
الرجال، والذي يُدعى "الغيرة".
أوّلاً: هل أنّ الغيرة هي عين الحسد، مع تغيير في الألفاظ، أم أنّها أمر آخر؟
ثانياً: هل أنّ أساس الستر والحجاب الإسلاميّ هو احترام إحساس الرجل بالغيرة، أم أنّ هناك جهات أخرى يقوم عليها؟
أمّا أوّلاً: نحن نعتقد أنّ الحسد والغيرة صفتان مختلفتان تماماً، ولكلٍّ منهما أساس مستقلّ. فأساس الحسد هو الأنانيّة، وهو ينطلق من غرائز الإنسان وأحاسيسه الذاتيّة. لكنّ "الغيرة" لون
من الإحساس الاجتماعيّ العامّ، الّذي يعود بالفائدة على الآخرين.
"الغيرة" لون من الصيانة أودعتها يد الإبداع في الوجود البشريّ، بُغية الاحتراز من اختلاط النسل. وسرُّ توفّر الرجل على حساسيّة شديدة إزاء اختلاط زوجته جنسيّاً مع غيره هو: أنّ
التكوين والخلق وظّفه للحفاظ على نسبه في الأجيال القادمة. وهذا الإحساس شبيه بإحساس الارتباط مع ولده. الكلُّ يعرف مدى ما يحمله الابن لأبويه من آلام ومتاعب ونفقات، ولو لم تكن تلك العلاقة الشديدة لدى الآباء بأبنائهم لم يُقدم أحد على التناسل وحفظ النسل. ولو لم يكن الإحساس بالغيرة موجوداً لدى الرجل للحفاظ على حرثه وزرعه، لانقطعت عندئذ علاقة النسل تماماً، فلا يعرف أيُّ والد ولده، ولم يدر أيُّ ولد مَنْ هو أبوه. وقطع هذه العلاقة يؤدّي الى إلغاء كون البشر اجتماعيّين.
إنّ الاقتراح الذي يرى أنّ: على الإنسان في نضاله ضدّ الأنانيّة أنْ يضع الغيرة جانباً، يُشبه تماماً الاقتراح الذي يرى إلغاء غريزة
الارتباط بالولد، بل إلغاء الإحساس الإنسانيّ كليّاً بوصفه ميلاً نفسيّاً لدى البشر. مع العلم أنّ هذا الميل النفسيّ ليس ميلاً دونيّاً بل هو إحساس بشريّ رفيع الدرجة.
الميل لحفظ النسل موجود لدى المرأة أيضاً. ولكنّ هذا الميل لا يحتاج الى حراسة وصيانة، إذ نسبة الولد لأمّه محفوظة على الدوام ولا تقبل الشكّ والاشتباه. ومن هنا يُمكن أنْ نفهم أنّ حساسيّة المرأة إزاء اختلاط زوجها بغيرها جنسيّاً له أساس مغاير لحساسيّة الرجل. إحساس المرأة يُمكن أنْ نعتبره ناشئاً من الأنانيّة ورغبتها في التفرّد به، لكنّ إحساس الرجل ذو صبغة اجتماعيّة، ولأجل حفظ النوع. نحن لا ندّعي أنّ الرجل خلو من الحسد والرغبة في التفرّد بالمرأة، وإنّما ندّعي أنّ الرجل لو افترضنا أنّه هذّب ذاته أخلاقيّاً وقضى على الحسد في نفسه، فهناك إحساس اجتماعيّ يمنعه من السماح لزوجته بالارتباط جنسيّاً مع الآخرين. نحن ندّعي أنّ حصرَ علّة حساسيّة الرجل في الحسد الذي هو لون من الانحراف الأخلاقيّ خطأٌ.وقد وردت الإشارة في بعض الروايات أيضاً إلى هذا الموضوع: أنّ ما لدى الرجال هو الغيرة، وما لدى النساء هو الحسد.
ولأجل إيضاح هذه المسألة يُمكن أنْ نُضيف حقيقة هنا، وهي: أنّ المرأة تُريد على الدوام أنْ تكون معشوقة الرجل ومطلوبة منه، فتجمُّل المرأة وتغنُّجها لأجل أنْ تجلب انتباه الرجل. فالمرأة لا تطلب الوصال الجنسيّ بمقدار رغبتها في جعل الرجل عاشقها المولّه. فإذا لم تُرد المرأة أنْ يتّصل زوجها بغيرها من النساء جنسيّاً فذلك لأنّها تُريد أنْ
تختصّ بمركز المعشوق والمطلوب. ومثل هذا الإحساس لا وجود له لدى الرجل، فالرغبة في الاختصاص على هذا الشكل غير موجودة في تكوين الرجل، من هنا فإذا حال دون اتّصال زوجته بالرجال الآخرين جنسيّاً، فذلك يعود إلى ما أشرنا إليه من حراسة النسل وصيانة النوع.
ولا ينبغي أيضاً أنْ نقيس المرأة بالثروة، فالثروة تفنى بالاستهلاك، ولذا تكون مورداً للنزاع والصراع، ورغبة البشر في الاختصاص بها يحول دون استفادة الآخرين. إلّا أنّ تمتّع رجلٍ بالمرأة ليس مانعاً من تمتّع الآخرين، ففي مثال المرأة لا تُطرح قضية الاحتكار والتخزين.
تنطبق على البشر المعادلة التالية: كلّما غطس الإنسان في وحل الشهوات وخسر عفافه وتقواه وإرادته الأخلاقيّة، كلّما ضعف في نفسه الإحساس بالغيرة. فعبيد الشهوات لا يتأثّرون حينما تتّصل زوجاتهم بغيرهم جنسيّاً، بل يلتذون أحياناً ويُدافعون عن هذا العمل المشروع! وعلى العكس من ذلك، الذين يُحاربون أنانيّتهم ويهذّبون شهواتهم، والذين يقتلعون من أنفسهم جذور الحرص والطمع والماديّة، فيتحوّلون إلى "إنسان" و"محبّي الإنسان" بمعنى الكلمة، ويوقفون أنفسهم على خدمة الخلق، ويستيقظ في ذواتهم الإحساس بضرورة خدمة أبناء جنسهم، مثل هؤلاء أكثر غيرةً وأشدّ حساسيّة. بل تمتدّ غيرتهم وحساسيّتهم لنساء الغير أيضاً. فوجدانهم لا يسمح لهم بأنْ يروا تجاوزاً على الناموس الاجتماعيّ، حيث يضحى الناموس الاجتماعيّ ناموسهم الشخصيّ.
لعليٍّ عليه السلام جملة مثيرة، حيث يقول: "ما زنى غيور قطّ"، فلم يقل الحسود لا يزني بل قال: الغيور لا يزني. لِمَ؟ ذلك لأنّ الغيرة لون من الشرف الإنسانيّ ولون من الحساسيّة
الإنسانيّة بالنسبة لعفاف المجتمع. فكما لا يرضى الإنسان الغيور بتلويث ناموسه الشخصيّ لا يرضى أيضاً بتلويث الناموس الاجتماعيّ، إذ الغيرة تختلف عن الحسد، فالحسد حالة شخصيّة وفرديّة تنشأ جرّاء سلسلة من العقد النفسيّة، أمّا الغيرة فهي إحساس إنسانيّ وعاطفة نوعيّة. وهذا بنفسه دليل على أنّ "الغيرة" لا تنشأ من الأنانيّة، بل هي إحساس خاصّ أوجده قانون الخلق لأجل تحكيم أساس الحياة الأسريّة التي هي حياة طبيعيّة، لا اعتباريّة.
وأمّا هل أنّ تقديس الإسلام للستر والحجاب استجابة لغيرة الرجل، أم لا؟.
فالجواب هو: أنّ الإنسان - بلا شكّ - يحسب نفس الحساب الذي تحسبه "الغيرة"، أي الحفاظ على النسل وعدم اختلاط الأنساب، ولكن ذلك ليس هو العلّة الوحيدة للحجاب. وسوف
نتناول في القسم القادم - فلسفة الحجاب في الإسلام - بالبحث، وسنوضح هناك هذه المسألة.
5 ـ العادة الشهريّة:(الجذر النفسيّ)
يعتقد بعضهم أنّ الحجاب وجلوس المرأة في المنزل ذو جذر نفسيّ. فالمرأة منذ البدء تحسّ بنقص أمام الرجل، وينشأ هذا الإحساس من ناحيتين: إحداهما، إحساسها بالنقص العضويّ، والأخرى، ما ينزل
منها من دم حال الحيض والنفاس وحال إزالة البكارة.
إنّ اعتبار العادة الشهريّة نقصاً وأمراً حقيراً، تفكير ساد منذ القدم بين بني الإنسان، من هنا كانت النساء - أيّام العادة - تُسجن في زاوية من المنزل، كأيِّ شيء تافه وحقير، ويُبتعد عنهنّ.
ولعلّ هذا الاعتبار كان السبب في سؤال الرسول صلى الله عليه واله وسلم عن هذه العادة. لكنّ الآية التي نزلت في الجواب عن هذا السؤال لم تعتبر الحيض نقصاً وحقارة، ولم تعتبر المرأة الحائض أمراً حقيراً يجب اجتناب معاشرته. بل جاء الجواب القرآنيُّ معتبِراً الحيض لوناً من الألم الذي يعتري الجسد، وأَمَرَ القرآن باجتناب اللقاء الجنسيّ بالمرأة، حال الحيض.
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء﴾. فالقرآن الكريم عدّ حالة الحيض لوناً من المرض فقط، كسائر الأمراض، ونفى عنه أيّ لون من التحقير والإهانة.
وقد جاء في الصفحة (76) من الجزء الأوّل من سنن أبي داود بشأن سبب نزول هذه الآية ما يلي:"عن أنس بن مالك، أنّ اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يُشاربوها، ولم يُجامعوها في البيت، فسُئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء﴾. إلى آخر الآية.
فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كلّ شيء غير النكاح".
فالمرأة الحائض - من وجهة نظر الإسلام - حكمها حكم الإنسان المُحدِث، الّذي يفتقد الوضوء أو الغسل، حيث يُمنع في هذه الحالة عن الصلاة والصوم.
وإذا اعتبرنا "الحدث" أمراً تافهاً، يرتفع بالطهارة "الوضوء أو الغسل"، ويكون الحيض كالجنابة والنوم والبول وغيرها من الأمور الّتي نُعدّها تافهة، فإنّ هذا اللون من التفاهة لا يختص بالمرأة،
كما أنّه يرتفع بالغسل أو الوضوء.
لقد جرى حديث كثير بصدد أنّ المرأة أخذت تشعر بالنقص، وقد أدّى ذلك إلى أنْ يعتبرها الرجل وتعتبر هي نفسها موجوداً حقيراً. وسواء كان هذا الحديث صحيحاً أو غير صحيح، فلا علاقة له بفلسفة الإسلام بصدد الحجاب. فلا يرى الإسلام الحيض سبباً لتحقير وإهانة المرأة، ولم يُشرّع الحجاب بسبب حقارة وتفاهة المرأة، بل كانت له أهداف أخرى، سنأتي على عرضها.
هوامش
1- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج5 ص6.
2- م. ن.
3- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج4، ص 455.
4- م. ن، ج5، ص 5.
5- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج20، ص 107.
6- المدثر:4.
7-وسائل الشيعة، ج 3، ص 41.
8-انظر: م. ن، ج5، ص 11.
9- الاعراف: 32.
10- أنظر: وسائل الشيعة (آل البيت)، ج 5، ص 7.
11- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج 20، ص 22.
12- الكافي، ج5، ص567.
13- نهج الفصاحة.
14- الكافي، ج5، ص494.
ديباجة
التوجيهات والتبريرات التي ذكرناها آنفاً للحجاب تُمثِّل في الأغلب ما اصطنعه خصوم الحجاب من حجج، وأرادوا بذلك أنْ يطرحوه بوصفه أمراً غير منطقيّ وغير معقول حتّى في صورته الإسلاميّة.
من الواضح أنّ الإنسان إذا افترض أنّ مسألةً ما خرافة، فالتبرير الذي سيذكره لها يتناسب مع كونها خرافة.
لكنّ الباحثين إذا تناولوا المسألة بشكلٍ حياديٍّ فسوف يُدركون أنّ الستر والحجاب الإسلاميّ لا يرتكز على تلك التبريرات الخاطئة والفارغة.
إنّنا نرى فلسفة خاصّة ومتميّزة للحجاب الإسلاميّ تُوجّه الحجاب وتبرّره عقليّاً، ويُمكن أنْ نُعدّها من زاوية تحليليّة الأساس لنظريّة الحجاب في الإسلام.
مصطلح الحجاب
قبل أنْ نعرض اجتهادنا في الكشف عن أساس هذا المصطلح ومدلوله يلزمنا أنْ نذكّر بمسألة في هذا المجال، وهي: ما هو المدلول
الّلغوي لكلمة "الحجاب"، التي تعني في عصرنا ستر المرأة؟.
كلمة الحجاب تعني الستر، كما أنّها تعني البُردة والحاجب. لكنّ استعمالها في الأعمّ جاء بمعنى البُردة. وتدلّ هذه الكلمة على مفهوم الستر هنا باعتبار أنّ البُردة وسيلة للستر. ولعلّنا يُمكننا القول: إنّ كلّ ستر ليس بحجاب في أصل اللغة، بل ما يُدعى حجاباً هو الستر الذي يفصل تماماً في فصل البُردة عمّا وراءها. فيصف القرآن غروب الشمس بقوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾1. يعني بعد الفصل التامّ بينها وبين الرائي. والغشاء الحاجز بين القلب والجوف يُدعى "الحجاب الحاجز". وفي عهد الإمام عليه السلام لمالك يقول: "فلا تطولنّ احتجابك عن رعيّتك". فالحجاب هنا الخفاء والعزلة.
إنّ استخدام كلمة الحجاب بمعنى ستر المرأة استخدام جديد نسبيّاً. فقديماً وعلى الخصوص في مصطلح الفقهاء كانت كلمة "الستر" تُستخدم بدلاً من الحجاب. لقد استخدم الفقهاء "الستر" حينما تعرّضوا لذلك في كتاب النكاح والصلاة ولم يستخدموا كلمة "الحجاب".
وقد كان الأفضل أنْ لا تُستبدل الكلمة، وأنْ نستخدم دائماً كلمة "الستر"، إذ إنّ معنى الحجاب الّلغويّ - كما قلنا - هو البردة. وحينما تُستخدم في مورد الستر فذلك باعتبار أنّ جسد المرأة يكون خلف سترها، ومن هنا تخيّل جمع أنّ الإسلام أراد أنْ تبقى المرأة خلف حائل، ووراء البردة، وتُحبس في دارها ولا تخرج منه!
إنّ الستر الذي فرضه الإسلام على المرأة لا يعني أنْ لا تخرج المرأة من بيتها. ولم تُطرح في ثقافة الإسلام مسألة حبس المرأة وسجنها في الدار. نعم كان هذا العُرف سائداً في بعض الحضارات القديمة كما في الهند وإيران، ولكن لا وجود لهذا العرف في الإسلام.
حجاب المرأة في الإسلام يعني: أنْ تستر المرأة بدنها حينما تتعامل مع الرجال، وأنْ لا تخرج أمامهم مثيرة. النصوص القرآنيّة تُثبت هذا المعنى ولم تستخدم كلمة الحجاب فيها، كما تُؤيده فتاوى الفقهاء، وسنذكر حدود الستر في ضوء إفادتنا من القرآن والسنّة.
إنّ الآيات القرآنيّة التي ألقت الضوء هنا ـ سواء في سورة النور أو سورة الأحزاب ـ ذكرت حدود ستر المرأة وطبيعة تعاملها مع الرجال الأجانب، دون أن تستخدم كلمة "الحجاب". نعم هناك آية في القرآن استخدمت كلمة "الحجاب"، وهي خاصّة في نساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم. نحن نعلم أنّ هناك أحكاماً خاصّة بنساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وردت في القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم يُخاطب نساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم صراحةً: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾. وقد أراد بذلك أنْ يحول دون أنْ تتحوّل "أمّهات المؤمنين"، بحكم ما لهنّ من احترام وتقدير في قلوب المسلمين، إلى أدوات بيد العناصر الأنانيّة المخرّبة يستغلّونهنّ على طريق مطامحهم السياسيّة والاجتماعيّة كما حدث لأمِّ المؤمنين "عائشة" بعد أنْ خالفت هذا الحكم، فحدث الانقسام السياسيّ الذي ترك آثاراً مفجعة في تاريخ الإسلام. وقد كانت نفسها تُظهر أسفها على ما حدث وتتمنّى لو كان
لها جمع من الأبناء يُقتلون ولا يحدث ما حدث. وسرُّ منع نساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم عن الزواج بعد وفاته - كما أرى - هو عين ما تقدّم، يعني: أنّ الزوج اللاحق يُمكنه أنْ يُسيء الاستفادة من مركز زوجته فيحدث ما يحدث. من هنا فإذا كان هناك حكم أشدّ وآكد في خصوص نساء النبيّ فيعود لعوامل سياسيّة واجتماعيّة.
على أيّة حالة فالآية التي استخدمت فيها كلمة "الحجاب" هي الآية (53) من سورة الأحزاب إذ تقول: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء﴾. وحينما يُستخدم مصطلح "آية
الحجاب" في التاريخ الإسلاميّ يُراد به هذه الآية لا غيرها.
أمّا كيف شاعت كلمة "الحجاب" في العصر الأخير بدلاً من اصطلاح الفقهاء الشائع "الستر"، فإنّ أمر هذه المسألة مجهول عندي، ولعلّه نشأ جرّاء الخلط بين الستر الإسلاميّ والحجاب الذي تعارفت عليه أمم أخرى. وسنوضح هذه المسألة بشكل أكبر فيما بعد.
فلسفة الحجاب
ترجع فلسفة الحجاب الإسلاميّ ـ بنظرنا ـ إلى عدّة عوامل، بعضها ذو جانب نفسيّ، والآخر ذو جانب أُسريّ، وبعضها ذو بُعدٍ اجتماعيّ، وآخر يرتبط برفع مستوى المرأة واحترامها، والحيلولة دون ابتذالها. وتنبثق كلُّ هذه العوامل من قاعدة أعمّ وأشمل وهي أنّ الإسلام يُريد حصر ألوان المتعة الجنسيّة سواء كانت بصريّة أو سمعيّة أو لمسيّة في محيط الأُسرة والزواج القانونيّ، ويبقى المحيط الاجتماعيّ العامّ
ميداناً للعمل والإنتاج. خلافاً لنظام الغرب في عالمنا المعاصر، حيث يخلط العمل والإنتاج بالّلذة الجنسيّة. فالإسلام يُريد فصل هذين المُحيطَين أحدهما عن الآخر بشكل كامل.
نأتي الآن إلى شرح الأبعاد الأربعة المتقدِّمة
1 - التوازن النفسيّ:حريّة الاختلاط بين الرجل والمرأة دون قيد أو شرط، وارتفاع الحاجز بينهما، يرفع نسبة الأمراض الجنسيّة، ويُحوّل طلب الجنس إلى عطش روحيّ وحاجة غير قابلة للإشباع. فالغريزة الجنسيّة قويّة وعميقة، وكلّما استجاب الإنسان لها ازداد هيجانها، كالنّار، فكلّما أُطعمت ارتفع أوارها. ولأجل إدراك هذه الحقيقة ينبغي الالتفات إلى أمرين:
أ - كما أنّ التاريخ يُذكِّر بذوي الجشع الماليّ، وأنّ هؤلاء كانوا يسعون لجمع المال والثروة بحرص محيّر، وكلما كثُرت ثروتهم ازداد حرصهم، فهو يُذكّر أيضاً بالجشعين في المسائل الجنسيّة، فهؤلاء أيضاً لم يقفوا عند حدٍّ على الإطلاق في اقتنائهم للحسناوات، فذوو الحريم، وجميع أصحاب النفوذ الذين كانوا مقتدرين على ذلك كانوا كذلك.
يقول "كريستنس" في الفصل التاسع من كتابه "إيران في العصر الساسانيّ":"نُلاحظ على رسوم الطاق الأثريّ بعضاً من صور الثلاثة آلاف
امرأة التي كانت لدى "خسرو برويز"، فلم يُشبع هذا الملك ميله هذا أبداً فهو يجلب كلّ فتاة أو ثيّب أو ذات بعل يصفونها له إلى حرمه. وكلّما حصل لديه ميل لتجديد زوجته، يكتب إلى عمّاله في البلدان كتاباً يصف فيه خصائص المرأة الكاملة. ثُمّ يعمد عمّاله إلى جلب هذه المرأة إليه في أيِّ مكان وجدوها وكانت مواصفاتها متطابقة مع ما جاء في كتاب الملك".
ويُمكننا العثور على مثل هذه الحكايات بشكل كثير في التاريخ القديم. وقد استُبدل شكل هذه الحكايات في الواقع الجديد، مع فارق وهو أنّ الواقع الجديد لا يوجب أنْ يتوفّر الشخص على إمكانات خسرو برويز أو هارون الرشيد ليستطيع أنْ يتوفّر على هذا العدد الكبير من النساء، فبفضل الثقافة الجديدة يُمكن للشخص الذي يتمتّع بعُشر إمكانات برويز أو هارون أنْ يتمتّع بالجنس الأنثويّ بمقدار ما تمتّعا.
ب - هل تساءلت: إلى أيِّ صنفٍ من الإحساس ينتمي "الغزل"؟ فبعض النصوص الأدبيّة العالميّة تختصّ بالعشق والغزل، وفي هذا القسم، يتغزّل الرجل بمحبوبته ويُقدّرها، ويُقدِّم بين يديها حاجته، ويُشعرها بعظمتها وصغره أمامها، وهو أحوج ما يكون لالتفاتة من قِبَلها. ويبثّها لواعج الشوق والحنين على فراقها.
ماذا يعني هذا؟ لِمَ لا يُمارس البشر بشأن سائر حاجاتهم مثل هذا العمل؟ هل رأيت حتى الآن إنساناً يُحبّ الثروة أو الجاه قد تغزّل بالثروة أو الجاه؟ لِمَ يستطيب الإنسان غزل الآخرين؟ لِمَ نلتذ كثيراً بديوان حافظ؟ هل هناك غير أنّ الإنسان يجد أنّ هذه الأشعار تتطابق
مع غريزة عميقة تملأ وجوده؟ كم هو خطل أولئك الذين يقولون: إنّ العامل الأساس لنشاط البشر هو الاقتصاد!!.
للبشر موسيقى خاصّة بالنسبة لحبّهم الجنسيّ، كما أنّ لهم موسيقى خاصّة بالنسبة للمعاني والقيم المثاليّة، في حين ليست لديهم موسيقى بالنسبة لحاجاتهم الماديّة البحتة كالماء والخبز.
أنا لا أُريد أنْ أدّعي أنّ كلّ العشق جنسيّ، ولا أقول أبداً إنّ حافظاً وسعدي وسائر الشعراء الغزليّين أنشدوا الشِّعر لأجل الغريزة الجنسيّة. فهذا بحث آخر، ينبغي دراسته بشكل مستقلّ. لكنّ الثابت أنّ الكثير من العشق والغزل هو عشق وغزل الرجال بالنسبة للمرأة، وهذا المقدار كافٍ لكي نعرف أنّ اهتمام الرجل بالمرأة ليس من قبيل اهتمام الخبز والماء، فيقتنع بإشباع بطنه، بل يظهر هذا الاهتمام بصورة حرص وجشع وتنويع، أو بصورة عشق وغزل. وسوف نتناول لاحقاً البحث حول الظروف التي يقوى بها هذا الاهتمام على صورة حرص وجشع جنسيّ، والظروف التي يظهر بها على صورة عشق وغزل، ويلبس ثوباً معنويّاً.
على أيِّ حال فقد اهتم الإسلام اهتماماً كاملاً بطاقة هذه الغريزة الحادّة. وقد وردت نصوص كثيرة في صدد خطر "النظر" والخلوة بالمرأة، وبالنتيجة خطر الغريزة التي تربط الرجل والمرأة أحدهما بالآخر. ولقد اتخذ الإسلام تدابير لتوجيه هذه الغريزة، وحدّد في هذا المجال تكاليف للرجال وللنساء.
فقد كلّفهما معاً بالنسبة للنظر:﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ
يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾2.
وخلاصة حكم هذه الآية هو: لا ينبغي للرجل والمرأة أنْ يتفحّصَ كلٌّ منهما الآخر في النظرة، وعليهما أنْ يتجنّبا النظر بشهوة، فلا يجوز لهما النظر بشهوة. كما قرّر تكليفاً خاصّاً بالنساء وهو أنْ يستُرنَ أجسادهن أمام الرجال الأجانب، وأنْ لا يظهرنَ في الملأ العام متبرِّجات، وأن لا يُمارسنَ بأيِّ عذر وبأيّة صورة عملاً يؤدّي إلى إثارة الرجال الأجانب.
إنّ روح الإنسان مؤهّلة للإثارة بشكل كبير. ومن الخطأ أنْ نظنَّ أنّ قابليّة الروح الإنسانيّة على الإثارة محدودة بحدٍّ خاصّ، تهدأ بعد تجاوزه. فكما أنّ البشر ـ أعمّ من الرجل والمرأة ـ لا يشبعون من الثروة والجاه، كذلك الأمر بالنسبة للجنس. فليس هناك رجل يشبع من مصاحبة الحسناوات، كما ليس هناك امرأة تشبع من لفت أنظار الرجال وامتلاك قلوبهم. وبالتالي كلُّ قلب لا يشبع.
ومن ناحية أخرى، فالطلب اللامحدود لا يمكن تلبيته سواء أردنا أم لم نُرد، وهو توأم مع لون من الإحساس بالحرمان. وعدم نيل الأماني بدوره يؤدّي إلى اضطرابات وأمراض نفسيّة. لِمَ تزداد نسبة الأمراض النفسيّة في الغرب؟
علّة ذلك: الحريّة الجنسيّة والإثارة الجنسيّة التي تحصل عن طريق الصحف والمجلّات والحفلات والسينما والاجتماعات الرسميّة وغير الرسميّة.
أمّا علّة اختصاص حكم الستر في الإسلام بالنساء فهو: أنّ الميل نحو التجمُّل أمر خاصّ بالنساء. فالرجل صيد - من زاوية القلوب - والمرأة صائد. والمرأة صيد - من زاوية
الأجساد - والرجل صائد. وينشأ ميل المرأة نحو الظهور الأنيق جرّاء نزوعها لصيد قلوب الرجال.
لم يحدث في أيِّ مكان من العالم أن ارتدى الرجال ألبسة تحكي عن أبدانهم، وتأنّقوا بشكل مثير. فالمرأة بحكم طبيعتها الخاصّة تُريد أنْ تجلب قلب الرجل وتجعله أسيراً للارتباط بها. لذا فإنّ
التبرُّج والعريّ انحرافان خاصّان بالنساء، وحكم الستر مقرّر لهنّ.
سوف نتناول بالبحث قابليّة الغريزة الجنسيّة على الطغيان، خلافاً لادّعاء أمثال "راسل". فبترك الغريزة الجنسيّة حرّة بشكل كامل خصوصاً مع توفّر أسباب الإثارة لا يحصل لها إشباع. كما سنتناول انحراف "النظر" لدى الرجال، وانحراف "التبرُّج" لدى النساء.
2 - إحكام الرابطة الأسريّة:لا شكّ في أنّ كلَّ أمر يؤدّي إلى إحكام العلاقة الأُسريّة، ويُفضي إلى خلق روح المودّة الصميمة بين الزوجين هو أمر نافع للأُسرة، يجب بذل أكبر ما يُمكن من جهد لتحقيقه. وعلى العكس كلُّ أمر يؤدّي إلى إضعاف العلاقة بين الزوجين، وإخماد جذوة الحبّ بينهما، أمر مضرّ بالحياة الأُسريّة، ويجب محاربته.
إنّ انحصار المتع والّلذّات الجنسيّة في محيط الأُسرة وتحت ظلِّ
الزواج المشروع يُعمِّق العلاقة بين الزوجين، ويؤدّي إلى تلاحمهما بشكلٍ أكبر.
إنّ حكمة الستر ومنع المتع الجنسيّة مع غير الزوجة الشرعيّة - على المستوى الأُسريّ - هي: أنّ الزوجة الشرعيّة تُصبح من زاوية نفسيّة عامل إسعاد للرجل. في حين تكون الزوجة
الشرعيّة من زاوية نفسيّة - في ظل الإباحة الجنسيّة - مراقباً مُزعِجاً وبالتّالي يقوم بناء الأُسرة على أساس العداء والتنافر.
وهذا الوضع هو علّة ما نراه لدى شباب اليوم، حيث يتهرّبون من الزواج، وكلّما اقتُرح عليهم الزواج يُجيبون بأنّ الوقت لم يحلّ ولا نزال أطفالاً، أو يطرحون معاذير أخرى... في حين كان الزواج قديماً أحلى أماني الشباب. وقد كان الشباب - قبل أنْ تتحوّل المرأة، بفضل العالم الغربيّ، إلى سلعة رخيصة ومتوافرة - لا يفضّلون حياة الملوك على ليلة الزفاف.
كان الزواج قديماً يتحقّق بعد مرحلة من الانتظار والتمنّي، وفي ضوء ذلك يُصبح كلٌّ من الزوجين عاملاً في سعادة الآخر. أمّا اليوم فلا مبرّر لذاك الشوق وتلك الرغبة، بعد أنْ أصبحت المتعة الجنسيّة خارج إطار الزواج متوافرة في حدِّها الأعلى.
إنّ العلاقات الحرّة، دون قيد أو شرط، بين الفتيات والشباب حوّلت الزواج إلى تكليف وتقييد، لا بُدّ من تحميله للشباب عن طريق الوصايا والمواعظ الأخلاقيّة، وأحياناً - كما تقترح بعض الصحف عن طريق القوّة.
يختلف المجتمع الذي يحصر العلاقات الجنسيّة بمحيط العائلة وتحت ظلِّ الزواج الشرعيّ عن المجتمع الّذي يُبيح الاختلاط الجنسيّ الحرّ، في أنّ الزواج في المجتمع الأوّل نهاية الحرمان والانتظار، بينما يكون الزواج في المجتمع الثاني بداية التقييد والحرمان. ففي ظلِّ النظام الحرّ يضع عقد الزواج نهاية لمرحلة حريّة الفتاة والشاب، ويُلزمهما بالوفاء أحدهما للآخر. وفي ظلِّ النظام الإسلاميّ يضع الزواج نهاية للحرمان والانتظار.
يؤدي النظام الحرُّ إلى أوّلاً: امتناع الشباب عن الزواج وبناء الأُسرة ما أمكنهم، ويُقدمون على الزواج في حالة مشارفة نشاطهم وحيويّتهم الشابّة على الضعف والانحلال. وتكون المرأة عندئذٍ وسيلة إنجاب فقط، أو يطلبونها لأداء الخدمات.
ثانياً: يؤدّي إلى تفكيك عُرى العلاقات الزوجيّة، وبدلاً من بناء العائلة على أساس الحبّ العميق والعشق الخاصّ، وبدلاً من أنْ يجد كلٌّ من الزوجين في الآخر عامل إسعاد، تُبنى الأُسرة على أساس الرقابة، ويجد كلٌّ من الزوجين الآخر عاملاً في سلب حريّته وتقييده.
فحينما يريد الفتى أو الفتاة أنْ يقول: تزوّجت، يقول: اتّخذت حارساً لحبسي. لِمَ ذلك؟ لأنّهما كانا قبل الزواج حرَّيْن، يذهبان حيث يرغبان، ويرقصان مع من يُريدان، دون حدٍّ، وبلا رقيب.
أمّا بعد الزواج فتُحدّ هذه الحريّة. فإذا تأخّر ليلاً تُحاسبه زوجته وتسأله: أين كنتَ؟ وإذا
رقص مع فتاة في حفل صاخب، تعترض عليه زوجته، ومن الواضح إلى أيِّ حدٍّ تتحلّل العلاقة الأُسريّة
في ظلِّ هذا النظام، وإلى أيِّ حدٍّ تُصبح موضع شكٍّ وريبة.
ظنَّ بعضهم أمثال "راسل" أنّ الحيلولة دون العلاقات الحرّة إنّما تكون لتطمين الرجل على سلامة نسله وعدم اختلاط نسبه. فاقترحوا لحلِّ هذا الإشكال موانع الحمل، في حين أنّ المسألة لا تنحصر في سلامة النسل. فالأهمّ من ذلك هو خَلْق أنبل وأشدّ العواطف الإنسانيّة بين الزوجين، وتحقيق الوحدة والانسجام في محيط الأُسرة. ويُمكن تحقيق هذا الهدف حينما ينصرف الأزواج والزوجات عن ألوان المتعة الجنسيّة مع غير زوجاتهم وأزواجهنّ الشرعيّين. فلا يكون للرجل عين طمع بغير زوجته، ولا تخرج المرأة مُثيرة مهيّجة لغير زوجها، ورعاية قاعدة المنع عن ألوان المتعة الجنسيّة خارج محيط الأُسرة، قبل الزواج أيضاً.
مُضافاً إلى أنّ المرأة المتطوِّرة، التي تُقلِّد أمثال "راسل" وتلتزم بمدرسة "الأخلاق الجنسيّة الحديثة"، تلتمس الحبَّ والعشق - مع كونها ذات زوج ثانوي - في مجال آخر، وتُمارس الجنس مع معشوقها. وما هو الضمان لأنْ لا تستخدم المرأة وسائل منع الحمل مع زوجها الشرعيّ الّذي لا تربطها معه علاقة حبّ أكيدة، وتفسح المجال أمام معشوقها لأنْ تحمل منه، وتُلحق الولد بالزوج الشرعيّ؟! من المقطوع به أنّ مثل هذه المرأة ترغب بأنْ تحمل من الرجل الذي تعشقه، لا من زوجها الشرعيّ، الّذي تربطها معه علاقة شرعيّة فقط، والّذي لا يجوز
أنْ تحمل من غيره بحكم الشرع. كما أنّ الرجل بالطبع يُريد أنْ يُنجب من المرأة التي يُحبّها، لا من المرأة التي تربطه معها رابطة شرعيّة فقط. وقد أثبت العالَم الأوروبي أنّ إحصائيات الأبناء غير الشرعيّين مُذهِلة، رغم توافر وسائل منع الحمل.
3 - التماسك الاجتماعيّ:إنّ جرَّ الممارسات الجنسيّة من محيط الأُسرة إلى المحيط الاجتماعيّ العام، يؤدّي إلى إضعاف النشاط الإنتاجيّ والفعّاليّة الاجتماعيّة. خلافاً لتمحّلات معارضي الحجاب، حيث يقولون: "إنّ الحجاب يؤدّي إلى تعطيل نصف الطاقات الاجتماعيّة".
فالسفور وترويج العلاقات الجنسيّة الحرّة يؤدّي إلى إضعاف الطاقة الإنتاجية للمجتمع.
إنّ الذي يؤدّي إلى تعطيل قوى المرأة وحبس استعداداتها هو الحجاب؛ إذا جاء على صورة سجن المرأة وحرمانها من الفعاليّات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. وليس هناك في الإسلام شيء من هذا القبيل. فالإسلام لا يقول: على المرأة أنْ لا تخرج من دارها. ولا يقول: ليس للمرأة حقّ في التعلُّم وتحصيل العلم. بل على العكس فالإسلام يرى أنّ طلب العلم فريضة مُشترَكة يتحمّلها كلٌّ من الرجل والمرأة. كما أنّه لم يُحرِّم نشاطاً اقتصاديّاً خاصّاً على المرأة. الإسلام لا يُريد إطلاقاً أنْ تكون المرأة عضواً عاطلاً وكلّاً. فستر البدن باستثناء الوجه والكفّين لا يحول دون أيِّ نشاط ثقافيّ أو اجتماعيّ أو
اقتصاديّ. إنّ الذي يؤدّي إلى تعطيل الطاقة العمليّة للمجتمع هو تلويث محيط العمل بالممارسات الشهوانيّة.
أيُّهما أفضل لاقتدار الطلّاب على التحصيل العلميّ والإصغاء لمحاضرة الأستاذ: أنْ يعكف الفتى والفتاة على تحصيل العلم في صفوف مستقلّة، أو يحصّلان العلم معاً في صفٍّ دراسيٍّ مُشترَك مع ستر الفتيات لأجسادهن، دون أيِّ تجميل أو زينة، أم أنْ يجلس الفتى إلى جانب الفتاة المتزيّنة المرتدية ثياباً سافرة عن ساقيها؟ وهل أنّ الرجل العامل في الأزقّة والأسواق والمعامل والمؤسّسات الإداريّة، الذي يواجه الفتيات المثيرات، أقدر على العمل، أم الرجل الذي لا يواجه الإثارة؟. إذا لم تُصدِّق فسل العاملين في هذه الميادين. أجل، فكلُّ مؤسسة أو شركة تُريد أنْ تسير أعمالها بجدّية، تحول دون مثل هذا الاختلاط. وإذا لم تُصدّق إذهب وحقّق!.
الحقيقة هي: أنّ الوضع القائم بيننا من السفور والتحلُّل، والّذي نتقدّم به على أوروبا وأمريكا، هو من مختصّات المجتمعات الرأسماليّة الغربيّة المنحطّة، وهو إحدى النتائج السيّئة للممارسات الغربيّة، بل إحدى الوسائل الّتي يستخدمونها لتخدير المجتمعات الإنسانيّة وتحويلها عنوةً إلى مستهلِك لبضائعهم.
نشرت صحيفة اطّلاعات تقريراً (قبل عشر سنوات من انتصار الثورة) نقلته عن الإدارة العامّة للإشراف على الموادّ الاستهلاكيّة، جاء فيه بصدد ميزان استهلاك الموادّ التجميليّة ما يلي: " استوردت البلاد في بحر سنةٍ واحدة (210,000) كيلوغرام من الموادّ التجميليّة،
وقد بلغت المساحيق الدهنيّة (181,000) كيلوغرام...".
أجل، لأجل أنّ تكون المرأة الإيرانيّة مستهلِكاً جيّداً لبضائع المعامل الأوروبيّة، عليها باسم "التجدُّد" و"التقدُّم" و"التطوُّر الزمنيّ" أنْ تعرض نفسها كلَّ يوم وكلَّ ساعة متجمِّلة بالمساحيق الّتي يصنعها عالم الرأسماليّة. وإذا أرادت المرأة الإيرانيّة أنْ تكون لزوجها فقط، أو تتجمّل للحضور في المجالس النسائيّة الخاصّة فسوف لا تكون مستهلِكاً جيّداً للرأسماليّة الغربيّة، وسوف لا تقوم بدورٍ آخر وهو عبارة عن الحطّ من خُلُق الشباب وإضعاف إرادتهم، وتجنيد الفعاليّات الاجتماعيّة، لمصلحة الاستعمار الغربيّ.
قليلاً ما تسمع في المجتمعات غير الرأسماليّة ذات الحسّ الدينيّ، المآسي والكوارث الّتي تقع في عالَم الغرب باسم حريّة المرأة.
4 - رفعة المرأة واحترامها:قُلنا سابقاً إنّ الرجل بشكلٍ عام متفوِّق جسميّاً على المرأة. ومن زاوية فكريّة وعقليّة يبقى تفوُّق الرجل - على الأقلّ - محلّ بحث وشكّ. فعلى هذين
المستويين لا تستطيع المرأة مجابهة الرجل، ولكنّ المرأة أثبتت على الدوام أنّها قادرة على السيطرة على الرجل عاطفيّاً وقلبيّاً.
إنّ وضع حاجز وحدٍّ بين المرأة نفسها والرجل من جملة الوسائل الغامضة الّتي تستفيد منها المرأة لحفظ مقامها أمام الرجل.
لقد حضّ الإسلام المرأة على الاستفادة من هذه الوسيلة، خصوصاً
تأكيده على أنّه كلّما تحرّكت المرأة بشكل أكثر وقاراً وعفّةً، وامتنعت عن عرض نفسها أمام الرجل، كلّما ازداد احترامها لدى
الرجل.
وسنرى لاحقاً في تفسير آيات سورة الأحزاب أنّه بعد توصية النساء بالستر يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾، فيكون الحجاب علامة على عفاف المرأة وعزّتها على الرجال، وبالتالي لا تقع مورداً لأذى الطائشين.
يتبع
تاليف
الشيخ عباس محمد
تاريخ الحجاب
إنّ الثابت تاريخيّاً هو أنّ الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقيّة لدى بعض الأمم.
فقد كان الحجاب ظاهرة في إيران القديمة وبين اليهود، ومن المحتمل أنّه كان هناك حجاب في الهند، وكان الحجاب لدى هذه الأمم أكثر تشديداً عمّا جاء في شريعة الإسلام.
أمّا لدى عرب الجاهليّة فلم يكن هناك وجود للحجاب، وقد تحقّق لهذه الظاهرة وجود لدى العرب بفضل رسالة الإسلام.
الحجاب عند اليهود
يقول "ويل ديورانت" في "قصّة الحضارة":"كان في وسع الرجل أن يُطلِّق زوجته، إذا عصت أوامر الشريعة اليهوديّة، بأنْ سارت أمام الناس عارية الرأس، أو غزلت الخيط في الطريق العامّ، أو تحدّثت إلى مختلف أصناف الناس، أو إذا كانت عالية الصوت، أي إذا كانت تتحدّث في بيتها ويستطيع جيرانها سماع ما تقول، ولم يكن عليه في هذه الأحوال أنْ يردّ إليها بائنتها".
في هذا الضوء فالحجاب الذي كان يلتزم به اليهود كان أكثر تشديداً ممّا يلتزم به الحجاب الإسلاميّ من حدود.
الحجاب في إيران القديمة
يقول ديورانت:"كان للمرأة في بلاد فارس مقام سامٍ في أيام زرادشت كما هي عادة القدماء، فقد كانت تسير بين الناس بكامل حريّتها سافرة الوجه".
ثم يقول:"ثمّ انحطّت منزلتها بعد داريوش، وخاصّة بين الأغنياء، فأمّا المرأة الفقيرة فقد احتفظت بحريّتها في التنقّل لاضطرارها الى العمل، وأمّا غير الفقيرات فقد كانت العزلة المفروضة عليهنّ في أيّام حيضهنّ كلّها تمتدُّ حتى تشمل جميع حياتهنّ الاجتماعيّة، وكان ذلك أساس نظام البردة عند المسلمين. ولم تكن نساء الطبقات العليا يجرؤن على الخروج من بيوتهنّ إلا في هوادج مسجّفة، ولم يكن يُسمح لهنّ بالاختلاط بالرجال علناً. وحُرّم على المتزوّجات منهنّ أنْ يرين أحداً من الرجال ولو كانوا أقرب الناس إليهنّ كآبائهنّ أو إخوتهنّ. ولم تُذكر النساء قطّ أو يُرسمن في النقوش أو التماثيل العامّة في بلاد فارس القديمة...".
يتّضح إذن أنّ لوناً عسيراً من الحجاب كان يحكم إيران القديمة،. ويذهب "ويل ديورانت" الى أنّ إجراءات حادّة كانت تُتّخذ إزاء المرأة الحائض في ضوء تعاليم المجوسيّة، فقد كانت تُحبس في غرفة، وكان الجميع يفرّون من مُعاشرتها، وكانت هذه الإجراءات السبب الرئيس لظهور الحجاب في إيران القديمة. كما كانت هذه الإجراءات الحادّة
تُتّخذ إزاء المرأة الحائض بين اليهود.
يرى "كنت جوبينو" في كتاب "ثلاثة أعوام في إيران": أنّ الحجاب الشديد في المرحلة الساسانيّة ظلّ قائماً بين الإيرانيين في المرحلة الإسلاميّة.
ويرى، أنّه لم يكن الحجاب الساسانيّ مُقتصِراً على ستر المرأة، بل إخفائها. وقد بلغ الإخفاء في تلك المرحلة الى حدّ أنّه إذا كان لدى شخص امرأة جميلة في منزله فلا يُتيح فرصة ليطّلع عليها شخص آخر، ويُبقيها مخفيّة ما أمكن، إذ لو عُرف أنّ لديه امرأة جميلة في منزله فسوف تخرج عن ملكه، بل لعلّه لا يطمئنّ على حياته أيضاً.
الحجاب لدى الروم وفي الهند
ويُستنتج من حديث "نهرو" أنّه كان لدى الروم حجاب "ولعله أتى لهم من اليهود".
لقد كان يحكم الهند حجاب متشدّد، ولكن لم يتّضح بعد هل أنّ الحجاب في الهند كان قبل الإسلام أم أنّه انتشر بعد دخول الإسلام، وأخذه الهنود المسلمون من المسلمين الآخرين وبالخصوص تحت تأثير المسلمين الإيرانيّين.
غير أنّ الثابت هو أنّ الحجاب في الهند كان يُشبه الحجاب في إيران القديمة من جهة الشدّة. ويظهر من حديث "ويل ديورانت" في الجزء الثاني من قصة الحضارة أنّ الحجاب شاع لدى الهنود تحت تأثير المسلمين الإيرانيّين.
يقول "نهرو":
"من المؤسف أنّ هذه العادة السيّئة أضحت تدريجاً إحدى خصوصيّات المجتمع الإسلاميّ، وقد اقتبسها الهنود حين دخول المسلمين الى بلادهم".
فالحجاب لدى الهنود - حسب رأي نهرو - جاء من المسلمين.
ولكن إذا اعتبرنا أنّ الميل للرياضة الروحيّة، والعزوف عن الّلذّات أحد عوامل ظهور الحجاب، يلزمنا الاعتقاد بأنّ الهند رحّبت بالحجاب منذ قديم الأيّام، إذ إنّ الهند من مراكز الرياضة الروحيّة القديمة، ومعاقل تحقير الّلذّات الماديّة.
على أيِّ حال فالثابت هو أنّ الحجاب كان موجوداً في العالم قبل الإسلام، ولم يبتكر الإسلام الحجاب. ولكن يبقى استفهامان:
هل أنّ حدود الحجاب الإسلاميّ تتشابه والحدود الّتي كانت لدى الأمم القديمة؟ هل أنّ العلّة والفلسفة التي تقضي بالتزام الحجاب في الإسلام هي عين العلّة والفلسفة التي ظهر الحجاب على أساسها لدى شعوب العالم الأخرى؟ سوف نُعالج الإجابة عن هذين الاستفهامين بالتفصيل في فصول البحث المقبلة.
علّة ظهور الحجاب
ما هو سبب ظهور الحجاب، وما هي فلسفته؟ وكيف أضحى الحجاب ظاهرةً بين سائر الأمم القديمة أو لدى بعضها؟
نحن نعرف أنّ الإسلام دين، جاءت كلُّ أحكامه على أساس مصلحةٍ وحكمة، فلِمَ وعلى أساس أيّة مصلحة أكّد أو أسّس الإسلام الحجاب؟
سعى المناهضون لظاهرة الحجاب الى إبراز جملة ممارساتٍ ظالمة، بوصفها عللاً لهذه الظاهرة، ولم يُميِّزوا في ذلك بين الحجاب الإسلاميّ وغير الإسلاميّ، فأوحوا بأنّ الحجاب الإسلاميّ ينطلق من هذه الممارسات الظالمة أيضاً.
لقد طرح الباحثون نظريّات متنوّعة بصدد أسباب ظهور الحجاب. وقد ثُبِّتت هذه الأسباب في الأعمِّ الأغلب لإبراز الحجاب بوصفه عملاً ظالماً وممارسة جاهلة. وبدورنا نشرع في ذكر جملة من هذه الأسباب.
يُمكننا تصنيف النظريّات التي عثرنا عليها إلى: فلسفيّة، واجتماعيّة، وأخلاقيّة، واقتصاديّة، ونفسيّة، وهي كما يلي
1 - الاتّجاه الرهبانيّ والميل نحو الرياضة الروحيّة "الجذر
الفلسفيّ".
2 - فقدان الأمن والعدالة الاجتماعيّة "الجذر الاجتماعيّ".
3 - حكومة الأب وتسلُّط الرجل على المرأة، واستغلال طاقتها الاقتصاديّة لمصلحة الرجل الاقتصاديّة "الجذر الاقتصاديّ".
4 - أنانيّة الرجل وحسده "الجذر الأخلاقيّ".
5 - العادة الشهريّة وإحساس المرأة بالنقص أمام الرجل، مضافاً إلى العادات القاسية، التي تُمارس ضد المرأة أيّام حيضها من احتقارها وترك معاشرتها "الجذر النفسيّ".
هذه هي أهمُّ العوامل، وسنأتي على تفصيل كلِّ واحدٍ من هذه العوامل، ثم نُحلِّله وننقده، وسنُثبت أنّ الإسلام لم يأخذ بنظر الاعتبار أيّاً من هذه العوامل في فلسفته الاجتماعيّة، وأنّ أيّاً من هذه العوامل لا
ينسجم مع الأسس المعروفة والعامّة للتفكير الإسلاميّ، وسنُشير في خاتمة البحث إلى سبب رئيس يُمثِّل - من وجهة نظرنا - أكثر العوامل وجاهة في خلق ظاهرة الحجاب.
1 ـ الاتّجاه الرهبانيُّ والرياضة الروحيّة
ترتبط مسألة الحجاب بالاتّجاه الرهبانيّ والرياضة الروحيّة من خلال كون المرأة أروع موضوع من مواضيع المتعة والّلذة، التي يتوفّر عليها الرجال. فإذا اختلط الرجل بالمرأة، وتعاشرا فسوف
يتّجهان حتماً صوب المتعة والّلذة. وبغية أنْ يكون المحيط الاجتماعيّ منسجماً بشكلٍ كامل مع روح الزهد والرياضة، أقام أتباع الفلسفة الرهبانيّة
حاجزاً بين الرجل والمرأة، وألزموها بالحجاب، كما جانبوا سائر المغريات الأخرى. وجاء ظهور الحجاب في ضوء هذه النظريّة نتيجة احتقار الزواج وتقديس العزوبة.
أنتج الاتّجاه الرهبانيّ وتركُ الدنيا بالنسبة للمال فلسفة الفقر والعزوف الكامل عن كلِّ الوسائل الماديّة، كما أنتج بالنسبة للمرأة العزوبة ومجانبة الجمال.
إطالة الشَّعر عادة مُتعارَفة بين السيخ والهندوس وبعض الدراويش، كما أنّ مجانبة الجمال والوقوف ضدّ الشهوة من ثمار الفلسفة الرهبانيّة والميل نحو الرياضة الروحيّة.
يقول هؤلاء: إنّ تقصير الشَّعر وتمشيطه عامل زيادة الشهوة الجنسيّة، بينما تُفضي إطالة الشَّعر إلى تقليل وإضعاف الشهوة.
يحسن بنا هنا أنْ نأتى إلى بعض ما قاله "راسل" في هذا الموضوع. يقول "راسل" في كتابه "الأخلاق والعلاقة الجنسيّة" الصفحة 30 من الترجمة الفارسيّة ما يلي:
إنّ نهج "بولس المقدّس" الفكريّ أشاعته الكنيسة بشكل كامل، خصوصاً في القرن الأوّل لميلاد المسيح، وسلك عدد كبير من الأفراد سبيل السياحة الروحيّة ليقهروا الشيطان، الذي يملأ أذهانهم في
كلِّ آنٍ بألوان التخيّلات الشهوانيّة. وقد حاربت الكنيسة - ضمن هذا السياق - الاستحمام، إذ إنّ الاستحمام يدفع مفاصل البدن الإنسانيّ نحو الخطيئة. فرحّبت الكنيسة بوساخة البدن، وأخذت
رائحة البدن لوناً من القدسيّة، إذ إنّ نظافة البدن وتجميله تتعارض - من وجهة
نظر بولس - مع نظافة الروح...".
علّة ظهور الحجاب
نأتي الآن لنرى هل ينسجم مثل هذا التبرير للحجاب مع النهج الإسلاميّ وطريقته الفكريّة؟
للإسلام - من حسن الحظّ - نهج فكريٌّ واضح ونظرة جليّة للعالَم. فوجهة نظره بصدد الإنسان والعالَم والّلذّة واضحة، من هنا يُمكن أنْ نتعرّف بيُسرٍ، هل أنَّ للإسلام اتّجاهاً نحو الرياضة
الروحيّة أم لا؟
نحن لا نُنكر أنّ للرهبانيّة والرياضة الروحيّة وجوداً في نقاط من العالَم. وربما يُمكن اعتبار حجاب المرأة ـ في البقاع التي يُسيطر عليها هذا اللون من التفكير ـ نتيجةً له. ولكن عندما شرّع
الإسلام الحجاب لم يستند في جميع الحالات إلى مثل هذه العلّة، كما أنّ مثل هذا الاتّجاه لا ينسجم مع روح الإسلام ولا مع سائر أحكامه.
فالإسلام - من حيث الأساس - حارب بشدّة التفكير الرهبانيّ. وهذه الحقيقة يُذعن بها حتى المستشرقون الأوروبيون.
لقد دعا الإسلام للنظافة، فبدلاً من اعتبار القُمَّل جواهر إلهيّة، قال: "النظافة من الإيمان". وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "مِنَ الدين المتعة" 1كما جاء عنه صلى الله عليه واله وسلم :"بئس العبد القاذورة"2. وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله جميل
يُحبُّ الجمال"3.
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله يُحبُّ الجمال والتجمُّل ويُبغض التبؤس والتباؤس، فإنّ الله إذا أنعم على عبده بنعمة أحبّ أنْ يُرى عليه أثرها، قيل: كيف
ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره ويكنس أفنيته حتى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق"4.
ونجد في أقدم كتب الحديث والرواية "كالكافي" الذي يعود الى ألف عام بحثاً تحت عنوان "باب الزيّ والتجمُّل".
لقد قدّم الإسلام وصايا أكيدة لتقصير الشَّعر وتمشيطه واستخدام الطيب ودهن الشَّعر.
جاء في الرواية: أنّ جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل، فأخبرت أمُّ سلمة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فخرج إلى أصحابه فقال: "
أترغبون عن النساء، إنّي آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل...".
وعن الصادق عليه السلام قال: "إنّ ثلاث نسوة أتينَ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالت إحداهنَّ: إنّ زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يشمّ الطيب، وقالت
الأخرى: إنّ زوجي لا يقرب النساء، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجرُّ رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثُمّ قال: ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا
يشمّون الطيب
ولا يأتون النساء، أما إنّي آكل اللحم وأشمّ الطيب وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي"5.
إنّ الحكم بتقصير الثياب - خلافاً لعادة العرب آنذاك حيث كانت ثيابهم تخطُّ في الأرض - كان لأجل النظافة، وقد بُيّن هذا الحكم في الآيات الأولى التي نزلت على الرسول صلى الله عليه واله
وسلم :﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾6.
كما أنّ استحباب لبس الثوب الأبيض هو لأجل جماله من جهة ولأجل النظافة من جهة أخرى، إذ الّلباس الأبيض يعكس بشكل أفضل الأوساخ، ولهذه المسألة جاءت الإشارة في الروايات: "إلبسوا
البياض فإنّه أطيب وأطهر"7.
وقد جاء في الأثر عن النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم أنّه كان ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته ويمتشط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله8.
وقد اعتبر القرآن الكريم خلق أسباب الزينة والتجمّل من ألطاف الله تعالى على عباده، وهاجم بشدّة تحريم هذه النعم الإلهيّة: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾9.
وقد ورد في النصوص الإسلاميّة أنّ الأئمّة استندوا في جدالهم مع المتصوِّفة إلى نفس هذه الآية لإثبات بطلان ادعاءاتهم 10.
فالإسلام لم يرفض تمتُّع الزوجين جنسيّاً أحدهما بالآخر فحسب، بل جعل لذلك ثواباً وأجراً.
ولعلَّ من المدهش بالنسبة لشخص غربيٍّ أنْ يسمع أنّ الإسلام يذهب الى استحباب المُلاعبة بين الزوج والزوجة، وتجمُّل المرأة لزوجها. فالغربيّون سابقاً حينما كانوا يلتزمون تعاليم الكنيسة وكانوا يشجبون كلَّ ألوان الّلذّة، كانوا يعتقدون بخطأ ما يُستحبّ في الإسلام، بل كانوا يهزأون به.
لقد منع الإسلام بشدّة ألوان المتعة الجنسيّة خارج إطار الزواج الشرعيّ، ولهذا المنع فلسفة خاصّة سنوضِّحها لاحقاً. لكنّه رحّب بالمتعة الجنسيّة في حدود الشرع، حتى أنّه اعتبر حبَّ النساء من خصائص الأنبياء: "من أخلاق الأنبياء حبُّ النساء"11. وذمَّ الإسلام المرأة التي تُقصِّر في تجميل وتزيين نفسها لزوجها، كما ذمّ الأزواج الذين لا يُشبعون رغبات نسائهم.
جاء في الأثر عن الحسن بن الجهم قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام (الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ) اختضب، فقلت: جُعلت فداك اختضبت؟ فقال: نعم إنّ التهيئة ممّا يزيد في
عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة. ثم قال: أيسرّك أنْ تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا. قال: فهو ذاك. ثُمَّ قال: مِنْ أخلاق
الأنبياء التنظيف والتطيّب وحلق الشَّعر وكثرة الطروقة 12.
وقد جاء في حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال:"تنظّفوا ولا تشبّهوا باليهود" 13 ثُمَّ أشار بعد ذلك إلى أنّ انحراف نساء اليهود نشأ جرّاء وساخة رجالهنّ فكانوا غير مرغوبين من قِبَل نسائهم، وأَمَرَ المسلمين بالنظافة لكي ترغب بهم نساؤهم.
وقد ورد في الأثر: أنّ الصحابيَّ عثمان بن مظعون اتّجه نحو الرهبنة وترك الدنيا وملذّاتها، فجاءت زوجته إلى النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مُغضِباً يحمل نعليه حتى جاء الى عثمان فوجده يُصلّي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فقال له: "يا عثمان لم يُرسلني الله بالرهبانيّة ولكن بعثني بالحنيفيّة السمحة أصوم وأصلّي وألمس أهلي، فمن أحبّ فطرتي فليستنّ بسنّتي، ومِنْ سنّتي الزواج"14.
2 ـ فقدان الأمن
الشيء الآخر الذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب هو: فقدان الأمن. لقد كان فقدان الأمن والعدالة الاجتماعيّة ظاهرة سائدة بوضوح في الأزمنة الغابرة. فقد كانت يد ذوي النفوذ والقدرة طويلةً على أموال الناس ونواميسهم، فإذا كان لدى الناس مال أو ثروة فإنّهم مضطرّون لإخفائها بالدفن تحت الأرض. فبقاء الكنوز مخفيّة يعود سببه إلى أنّ أصحاب الذهب والثروة لم تكن لديهم الجرأة لإطلاع أبنائهم على أماكن إخفائها، فقد كانوا يخافون كشف سرِّ ذلك بواسطة أبنائهم
فتقع فريسة بيد الأشقياء والمتجاوزين. من هنا فقد يموت الأب فجأةً، ولم تتسنّ له فرصة لإخبار ابنه بأسراره،
فتبقى ثروته دفينة تحت التراب، ولذا اشتُهِرت الكلمة المعروفة: "إحفظ ذهبك، وذهابك، ومذهبك".
فكما لم يكن هناك اطمئنان أمنيّ بالنسبة للثروة، لم يكن أيضاً بالنسبة للمرأة، فكلُّ شخص لديه امرأة جميلة كان مضطرّاً لإخفائها عن الأشقياء، إذ لو اطّلع هؤلاء على وجودها لم يبقَ ذلك الشخص مالكاً لها.
لقد شهدت إيران أيّام الحكم الساسانيّ جنايات وفجائع فظيعة في هذا المجال. فبمجرّد اطّلاع أبناء السلاطين ورؤساء القبائل والإقطاعيّين على وجود امرأة حسناء في منزلٍ ما، يهجمون على ذلك المنزل، ويخطفون المرأة من بيت زوجها. فلم يكن آنذاك الحديث حول "الستر"، بل كان الحديث يدور حول إخفاء المرأة، لكي لا يعلم بها أحد.
وقد نقل (ويل ديورانت) في كتابه "قصّة الحضارة" وقائع مُخجِلة حدثت في إيران القديمة.
إنّ فقدان الأمن لم يكن مختصّاً بإيران ولا بالزمن القديم، فقد انتشرت هذه الممارسة في بغداد حينما سيطر أهل ما وراء النهر على الخلافة فيها، بل انتشرت أيضاً في الأزمنة القريبة لعصرنا، حيث ينقل أهالي أصفهان قصصاً كثيرة عن أحد أبناء الملك في أصفهان تحكي نماذج كثيرة من تلك التجاوزات
متابعة وتحليل
نحن لا نُنكر أنّ فقدان الأمن والعدالة في الأزمنة الماضية كان له أثر في إخفاء المرأة. ومن المسلّم به أنّ الحجاب المتطرِّف والأفكار المتطرِّفة بشأن ستر المرأة ناتجة عن هذا اللون من
الممارسات في التاريخ. ولكن يجب علينا أنْ نتساءل: هل أنّ فلسفة الحجاب في الإسلام تقوم على أساس هذا الأمر؟
من المقطوع به أنّ علّة تشريع الحجاب في الإسلام ليست هي فقدان الأمن، وعلى الأقلّ ليست هي العلّة الوحيدة والأساس، إذ إنّ فقدان الأمن لم يأت علّة في النصوص الإسلاميّة، كما أنّه لا يتطابق مع وقائع التاريخ. فرغم أنّ الحجاب لم يكن تقليداً في العصر الجاهليّ إلاّ أنّ العرب كانوا يعيشون بأمن في ظلِّ محيطهم القبليّ والبدويّ. ففي نفس الوقت الذي كان يسود في إيران فقدان الأمن الاخلاقيّ والتجاوز على الأعراض بحدِّه الأعلى، وكان هناك حجاب أيضاً، لم تكن بين أفراد القبائل العربيّة مثل هذه التجاوزات.
إنّ العرب كانت تفتقد في حياتها القبليّة الأمن الاجتماعيّ بين القبائل. والحجاب ليس تدبيراً لمعالجة هذا الوضع. فقد كانت القبائل تتصارع بشكل دمويّ فيما بينها، ويُغير بعضها على الآخر فيُأسر الرجال والنساء، وبالتالي لا يُعالِج الحجاب مشكلة المرأة. فرغم الفارق الكبير بين مستوى حياة العرب في الجاهليّة وبين مستوى الحياة الصناعيّة المعاصرة، إلاّ أنّ هناك تشابهاً في شيوع ظاهرة "الزنا" حتى بذوات الأزواج. ولكنْ مع فارق وهو أنّ فقدان الأمن الفرديّ
في عصرنا الصناعيّ لم يكن آنذاك، بحكم لون من الحريّة السياسيّة وفقدان الحكم الدكتاتوريّ، فلم يُمارس إخراج
النساء بالقوّة من بيوت أزواجهنّ.
يكون الحجاب مانعاً من التجاوز فيما إذا كان المتجاوِز يعيش في ظلِّ عرفٍ وحياةٍ مشتركةٍ مع الآخرين، ولم يكن هناك تجاوز بين أفراد القبيلة الواحدة بحكم العُرف الحاكم آنذاك، ولذا لا يُمكننا أن نقول: إنّ الإسلام شرّع الحجاب لأجل إقرار الأمن الأخلاقيّ.
إنّ فلسفة الحجاب في الإسلام أمر آخر سنتحدّث عنه. ونحن لا نُريد أنْ نقول في الوقت ذاته إنّ مسألة الأمن الأخلاقيّ لم تكن منظورة على الإطلاق. فسوف نرى عندما نتناول تفسير (آية الحجاب) أنّ القرآن أخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار. كما لا ندّعي أيضاً أنّ هذه المسألة لا محلَّ لها في عصرنا وأنّ الأمن الأخلاقيّ متوفِّر للمرأة بشكلٍ كامل. فالصحف اليوميّة تعكس لنا أخبار الاعتداءات الخشنة التي تُمارس في بلدان العالم المتطوِّر.
3 ـ استغلال المرأة
ذهب بعضهم إلى اعتبار العامل الاقتصاديّ جذراً من جذور ظاهرة الحجاب، فقالوا: إنّ ظاهرة الحجاب والحريم من بقايا عهد ملكيّة وسلطة الأب. فبغية أنْ يتوفّر الرجال من خلال النساء على منافع اقتصاديّة، كانوا يحفظونهنّ في البيوت، ولأجل تكييف المرأة وإقناعها بالبقاء ذاتياً في البيت، واعتبار الخروج من المنزل عملاً
قبيحاً، اخترعوا فكرة الحجاب.
لقد سعى أصحاب هذه المقولة إلى توجيه وتفسير مسائل أخرى، نظير النفقة والمهر أيضاً على أساس مالكيّة الرجل للمرأة.
متابعة
ويكفي في الردّ على هذا الادعاء أنْ ندرس ونُحلِّل الإجابة عن هذا الاستفهام: هل أنّ الحجاب معلول لملكيّة الرجل للمرأة، أم لا؟.
ما هو هدف الإسلام من أحكامه بالنسبة للستر والحجاب بين المرأة والرجل؟ هل أراد أنْ تكون المرأة من الزاوية الاقتصاديّة في خدمة الرجل؟
من المقطوع به أنّ الإسلام لا يستهدف ذلك. فالإسلام لم يُرد مطلقاً أنْ يستغلّ الرجل المرأة اقتصاديّاً. لقد أعلن الإسلام بحزم - لا مجال للشكّ إليه -: أنّ الرجل لا يتمتّع بأيِّ حقٍّ في
استثمار المرأة. فاستقلال المرأة اقتصاديّاً من المسلّمات الثابتة في الشريعة الإسلاميّة. فعمل المرأة تعود ثماره إليها. فإذا رغبت المرأة في العمل داخل الدار تبرّعاً فلها ذلك، وإلاّ لا يحقّ للرجل إجبارها على أنْ تعمل، حتى رضاعة طفلها، فرغم أنّ الأم أولى من غيرها في إرضاع ولدها، لكن هذه الأولويّة لا تُسقط حقّها في الأجرة. فإذا طلبت أجرة معيّنة مقابل رضاعة ولدها وكانت الأجرة متعارَفة فهي أولى بإرضاع ولدها وأخذ الأجرة على الرضاعة.
إنّ المرأة إسلاميّاً تستطيع أنْ تختار أيَّ عمل لا يؤدّي إلى إفساد
الأسرة ولا يتعارض مع حقوق الزوج، وترجع ثماره الماديّة إليها.
أجل، فلو كان الإسلام يستهدف من الحجاب استغلال المرأة اقتصاديّاً، لم يسمح للمرأة بأنْ لا تعمل في بيت الزوج. فلا يُعقل أنْ يؤمن من جهة باستقلال المرأة اقتصاديّاً، ويُشرّع الحجاب من جهة أخرى لأجل استغلال المرأة اقتصاديّاً.
إذن لم يستهدف الإسلام مثل هذا الهدف..
4 ـ الحسد:(الجذر الأخلاقيّ)
الجذر الآخر - الّذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب - ذو وجهة أخلاقيّة. فقد طرحوا هنا ـ كما هو الحال في النظريّة السابقة ـ أنّ علّة ظهور الحجاب هي سلطة الرجل وأسر المرأة، مع فارق، وهو أنّ الاتّجاه هنا استبدل الجذر الاقتصاديّ بآخر أخلاقيّ في تفسير سلطة الرجل، فقالوا: إنّ علّة حفظ الرجل للمرأة ـ بهذه الصورة التي تضحى فيها المرأة أسيرة ـ هي أحاسيسه الحسود، وأنانيّته إزاء الرجال الآخرين. فالرجل لا يرغب أنْ يستغلّ الرجال الآخرون المرأة التي تحته، ولو بالنظرة أو الحديث.
وباعتقاد هؤلاء أنّ الأحكام الدينيّة، رغم معارضتها في مجالات أخرى للأنانيّة وعبادة الذات، فقد انقلب الأمر هنا، إذ أمضت هذه الأحكام صحّة أنانيّة الرجال هنا، وحقّقت مآربهم.
يقول "راسل": لقد استطاع بنو البشر إلى حدٍّ ما السيطرة على
أنانيّتهم بالنسبة للمال والثروة، ولكنّهم لم يستطيعوا السيطرة على أنانيّتهم بالنسبة للمرأة. فمن وجهة نظر "راسل" "
الغيرة" ليست أمراً ممدوحاً، وتعود في جذورها إلى لون من البخل والأنانيّة.
نستنتج من حديث "راسل" أنّه: إذا كان البذل والعطاء بالنسبة للثروة أمراً حسناً، فهو حسن أيضاً بالنسبة للمرأة. فلِمَ نذمّ البخل والحسد بالنسبة للمال، ولا نذمّه بالنسبة للمرأة؟ لِمَ يُعدّ الكرم والإطعام عملاً أخلاقيّاً، بينما يُذمّ تمتيع الآخرين جنسيّاً؟ ليست هناك علّة معقولة لهذا التفاوت باعتقاد أمثال "راسل"! فالأخلاق لم تستطع التغلّب على الأنانيّة والاحتكار بالنسبة للأمور الجنسيّة، بل على العكس استسلمت لعبادة الذات واعتبرت ما يُسمّى بالغيرة لدى الرجل والحجاب والعفاف لدى النساء عملاً حسناً.
تحليل ومتابعة
نحن نجد أنّ لدى الرجل ميلاً لعفاف وطهارة المرأة، يعني: أنّ للرجل رغبة خاصّة في أنْ تكون زوجته طاهرة لم يلمسها أحد، كما أنّ لدى المرأة ميلاً خاصاً للعفاف. وبديهيّ أنّ لدى المرأة أيضاً ميلاً لأنْ يكون زوجها غير ذي علاقة جنسيّة مع غيرها. غير أنّ هذا الميل ينطلق من أساس - كما نعتقد - مغاير للأساس الذي ينطلق منه الميل المشابه لدى الرجل. فما لدى الرجل هو الغيرة، أو الحسد المخلوط بالغيرة، أمّا ما لدى المرأة فهو حسد بحت.
لا نُريد هنا أنْ نتناول بالبحث لزوم عفاف الرجل وأهميّته بالنسبة إليه وبالنسبة للمرأة وإنّما بحثنا ينصبّ على الإحساس الذي لدى
الرجال، والذي يُدعى "الغيرة".
أوّلاً: هل أنّ الغيرة هي عين الحسد، مع تغيير في الألفاظ، أم أنّها أمر آخر؟
ثانياً: هل أنّ أساس الستر والحجاب الإسلاميّ هو احترام إحساس الرجل بالغيرة، أم أنّ هناك جهات أخرى يقوم عليها؟
أمّا أوّلاً: نحن نعتقد أنّ الحسد والغيرة صفتان مختلفتان تماماً، ولكلٍّ منهما أساس مستقلّ. فأساس الحسد هو الأنانيّة، وهو ينطلق من غرائز الإنسان وأحاسيسه الذاتيّة. لكنّ "الغيرة" لون
من الإحساس الاجتماعيّ العامّ، الّذي يعود بالفائدة على الآخرين.
"الغيرة" لون من الصيانة أودعتها يد الإبداع في الوجود البشريّ، بُغية الاحتراز من اختلاط النسل. وسرُّ توفّر الرجل على حساسيّة شديدة إزاء اختلاط زوجته جنسيّاً مع غيره هو: أنّ
التكوين والخلق وظّفه للحفاظ على نسبه في الأجيال القادمة. وهذا الإحساس شبيه بإحساس الارتباط مع ولده. الكلُّ يعرف مدى ما يحمله الابن لأبويه من آلام ومتاعب ونفقات، ولو لم تكن تلك العلاقة الشديدة لدى الآباء بأبنائهم لم يُقدم أحد على التناسل وحفظ النسل. ولو لم يكن الإحساس بالغيرة موجوداً لدى الرجل للحفاظ على حرثه وزرعه، لانقطعت عندئذ علاقة النسل تماماً، فلا يعرف أيُّ والد ولده، ولم يدر أيُّ ولد مَنْ هو أبوه. وقطع هذه العلاقة يؤدّي الى إلغاء كون البشر اجتماعيّين.
إنّ الاقتراح الذي يرى أنّ: على الإنسان في نضاله ضدّ الأنانيّة أنْ يضع الغيرة جانباً، يُشبه تماماً الاقتراح الذي يرى إلغاء غريزة
الارتباط بالولد، بل إلغاء الإحساس الإنسانيّ كليّاً بوصفه ميلاً نفسيّاً لدى البشر. مع العلم أنّ هذا الميل النفسيّ ليس ميلاً دونيّاً بل هو إحساس بشريّ رفيع الدرجة.
الميل لحفظ النسل موجود لدى المرأة أيضاً. ولكنّ هذا الميل لا يحتاج الى حراسة وصيانة، إذ نسبة الولد لأمّه محفوظة على الدوام ولا تقبل الشكّ والاشتباه. ومن هنا يُمكن أنْ نفهم أنّ حساسيّة المرأة إزاء اختلاط زوجها بغيرها جنسيّاً له أساس مغاير لحساسيّة الرجل. إحساس المرأة يُمكن أنْ نعتبره ناشئاً من الأنانيّة ورغبتها في التفرّد به، لكنّ إحساس الرجل ذو صبغة اجتماعيّة، ولأجل حفظ النوع. نحن لا ندّعي أنّ الرجل خلو من الحسد والرغبة في التفرّد بالمرأة، وإنّما ندّعي أنّ الرجل لو افترضنا أنّه هذّب ذاته أخلاقيّاً وقضى على الحسد في نفسه، فهناك إحساس اجتماعيّ يمنعه من السماح لزوجته بالارتباط جنسيّاً مع الآخرين. نحن ندّعي أنّ حصرَ علّة حساسيّة الرجل في الحسد الذي هو لون من الانحراف الأخلاقيّ خطأٌ.وقد وردت الإشارة في بعض الروايات أيضاً إلى هذا الموضوع: أنّ ما لدى الرجال هو الغيرة، وما لدى النساء هو الحسد.
ولأجل إيضاح هذه المسألة يُمكن أنْ نُضيف حقيقة هنا، وهي: أنّ المرأة تُريد على الدوام أنْ تكون معشوقة الرجل ومطلوبة منه، فتجمُّل المرأة وتغنُّجها لأجل أنْ تجلب انتباه الرجل. فالمرأة لا تطلب الوصال الجنسيّ بمقدار رغبتها في جعل الرجل عاشقها المولّه. فإذا لم تُرد المرأة أنْ يتّصل زوجها بغيرها من النساء جنسيّاً فذلك لأنّها تُريد أنْ
تختصّ بمركز المعشوق والمطلوب. ومثل هذا الإحساس لا وجود له لدى الرجل، فالرغبة في الاختصاص على هذا الشكل غير موجودة في تكوين الرجل، من هنا فإذا حال دون اتّصال زوجته بالرجال الآخرين جنسيّاً، فذلك يعود إلى ما أشرنا إليه من حراسة النسل وصيانة النوع.
ولا ينبغي أيضاً أنْ نقيس المرأة بالثروة، فالثروة تفنى بالاستهلاك، ولذا تكون مورداً للنزاع والصراع، ورغبة البشر في الاختصاص بها يحول دون استفادة الآخرين. إلّا أنّ تمتّع رجلٍ بالمرأة ليس مانعاً من تمتّع الآخرين، ففي مثال المرأة لا تُطرح قضية الاحتكار والتخزين.
تنطبق على البشر المعادلة التالية: كلّما غطس الإنسان في وحل الشهوات وخسر عفافه وتقواه وإرادته الأخلاقيّة، كلّما ضعف في نفسه الإحساس بالغيرة. فعبيد الشهوات لا يتأثّرون حينما تتّصل زوجاتهم بغيرهم جنسيّاً، بل يلتذون أحياناً ويُدافعون عن هذا العمل المشروع! وعلى العكس من ذلك، الذين يُحاربون أنانيّتهم ويهذّبون شهواتهم، والذين يقتلعون من أنفسهم جذور الحرص والطمع والماديّة، فيتحوّلون إلى "إنسان" و"محبّي الإنسان" بمعنى الكلمة، ويوقفون أنفسهم على خدمة الخلق، ويستيقظ في ذواتهم الإحساس بضرورة خدمة أبناء جنسهم، مثل هؤلاء أكثر غيرةً وأشدّ حساسيّة. بل تمتدّ غيرتهم وحساسيّتهم لنساء الغير أيضاً. فوجدانهم لا يسمح لهم بأنْ يروا تجاوزاً على الناموس الاجتماعيّ، حيث يضحى الناموس الاجتماعيّ ناموسهم الشخصيّ.
لعليٍّ عليه السلام جملة مثيرة، حيث يقول: "ما زنى غيور قطّ"، فلم يقل الحسود لا يزني بل قال: الغيور لا يزني. لِمَ؟ ذلك لأنّ الغيرة لون من الشرف الإنسانيّ ولون من الحساسيّة
الإنسانيّة بالنسبة لعفاف المجتمع. فكما لا يرضى الإنسان الغيور بتلويث ناموسه الشخصيّ لا يرضى أيضاً بتلويث الناموس الاجتماعيّ، إذ الغيرة تختلف عن الحسد، فالحسد حالة شخصيّة وفرديّة تنشأ جرّاء سلسلة من العقد النفسيّة، أمّا الغيرة فهي إحساس إنسانيّ وعاطفة نوعيّة. وهذا بنفسه دليل على أنّ "الغيرة" لا تنشأ من الأنانيّة، بل هي إحساس خاصّ أوجده قانون الخلق لأجل تحكيم أساس الحياة الأسريّة التي هي حياة طبيعيّة، لا اعتباريّة.
وأمّا هل أنّ تقديس الإسلام للستر والحجاب استجابة لغيرة الرجل، أم لا؟.
فالجواب هو: أنّ الإنسان - بلا شكّ - يحسب نفس الحساب الذي تحسبه "الغيرة"، أي الحفاظ على النسل وعدم اختلاط الأنساب، ولكن ذلك ليس هو العلّة الوحيدة للحجاب. وسوف
نتناول في القسم القادم - فلسفة الحجاب في الإسلام - بالبحث، وسنوضح هناك هذه المسألة.
5 ـ العادة الشهريّة:(الجذر النفسيّ)
يعتقد بعضهم أنّ الحجاب وجلوس المرأة في المنزل ذو جذر نفسيّ. فالمرأة منذ البدء تحسّ بنقص أمام الرجل، وينشأ هذا الإحساس من ناحيتين: إحداهما، إحساسها بالنقص العضويّ، والأخرى، ما ينزل
منها من دم حال الحيض والنفاس وحال إزالة البكارة.
إنّ اعتبار العادة الشهريّة نقصاً وأمراً حقيراً، تفكير ساد منذ القدم بين بني الإنسان، من هنا كانت النساء - أيّام العادة - تُسجن في زاوية من المنزل، كأيِّ شيء تافه وحقير، ويُبتعد عنهنّ.
ولعلّ هذا الاعتبار كان السبب في سؤال الرسول صلى الله عليه واله وسلم عن هذه العادة. لكنّ الآية التي نزلت في الجواب عن هذا السؤال لم تعتبر الحيض نقصاً وحقارة، ولم تعتبر المرأة الحائض أمراً حقيراً يجب اجتناب معاشرته. بل جاء الجواب القرآنيُّ معتبِراً الحيض لوناً من الألم الذي يعتري الجسد، وأَمَرَ القرآن باجتناب اللقاء الجنسيّ بالمرأة، حال الحيض.
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء﴾. فالقرآن الكريم عدّ حالة الحيض لوناً من المرض فقط، كسائر الأمراض، ونفى عنه أيّ لون من التحقير والإهانة.
وقد جاء في الصفحة (76) من الجزء الأوّل من سنن أبي داود بشأن سبب نزول هذه الآية ما يلي:"عن أنس بن مالك، أنّ اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يُشاربوها، ولم يُجامعوها في البيت، فسُئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء﴾. إلى آخر الآية.
فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كلّ شيء غير النكاح".
فالمرأة الحائض - من وجهة نظر الإسلام - حكمها حكم الإنسان المُحدِث، الّذي يفتقد الوضوء أو الغسل، حيث يُمنع في هذه الحالة عن الصلاة والصوم.
وإذا اعتبرنا "الحدث" أمراً تافهاً، يرتفع بالطهارة "الوضوء أو الغسل"، ويكون الحيض كالجنابة والنوم والبول وغيرها من الأمور الّتي نُعدّها تافهة، فإنّ هذا اللون من التفاهة لا يختص بالمرأة،
كما أنّه يرتفع بالغسل أو الوضوء.
لقد جرى حديث كثير بصدد أنّ المرأة أخذت تشعر بالنقص، وقد أدّى ذلك إلى أنْ يعتبرها الرجل وتعتبر هي نفسها موجوداً حقيراً. وسواء كان هذا الحديث صحيحاً أو غير صحيح، فلا علاقة له بفلسفة الإسلام بصدد الحجاب. فلا يرى الإسلام الحيض سبباً لتحقير وإهانة المرأة، ولم يُشرّع الحجاب بسبب حقارة وتفاهة المرأة، بل كانت له أهداف أخرى، سنأتي على عرضها.
هوامش
1- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج5 ص6.
2- م. ن.
3- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج4، ص 455.
4- م. ن، ج5، ص 5.
5- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج20، ص 107.
6- المدثر:4.
7-وسائل الشيعة، ج 3، ص 41.
8-انظر: م. ن، ج5، ص 11.
9- الاعراف: 32.
10- أنظر: وسائل الشيعة (آل البيت)، ج 5، ص 7.
11- وسائل الشيعة (آل البيت)، ج 20، ص 22.
12- الكافي، ج5، ص567.
13- نهج الفصاحة.
14- الكافي، ج5، ص494.
ديباجة
التوجيهات والتبريرات التي ذكرناها آنفاً للحجاب تُمثِّل في الأغلب ما اصطنعه خصوم الحجاب من حجج، وأرادوا بذلك أنْ يطرحوه بوصفه أمراً غير منطقيّ وغير معقول حتّى في صورته الإسلاميّة.
من الواضح أنّ الإنسان إذا افترض أنّ مسألةً ما خرافة، فالتبرير الذي سيذكره لها يتناسب مع كونها خرافة.
لكنّ الباحثين إذا تناولوا المسألة بشكلٍ حياديٍّ فسوف يُدركون أنّ الستر والحجاب الإسلاميّ لا يرتكز على تلك التبريرات الخاطئة والفارغة.
إنّنا نرى فلسفة خاصّة ومتميّزة للحجاب الإسلاميّ تُوجّه الحجاب وتبرّره عقليّاً، ويُمكن أنْ نُعدّها من زاوية تحليليّة الأساس لنظريّة الحجاب في الإسلام.
مصطلح الحجاب
قبل أنْ نعرض اجتهادنا في الكشف عن أساس هذا المصطلح ومدلوله يلزمنا أنْ نذكّر بمسألة في هذا المجال، وهي: ما هو المدلول
الّلغوي لكلمة "الحجاب"، التي تعني في عصرنا ستر المرأة؟.
كلمة الحجاب تعني الستر، كما أنّها تعني البُردة والحاجب. لكنّ استعمالها في الأعمّ جاء بمعنى البُردة. وتدلّ هذه الكلمة على مفهوم الستر هنا باعتبار أنّ البُردة وسيلة للستر. ولعلّنا يُمكننا القول: إنّ كلّ ستر ليس بحجاب في أصل اللغة، بل ما يُدعى حجاباً هو الستر الذي يفصل تماماً في فصل البُردة عمّا وراءها. فيصف القرآن غروب الشمس بقوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾1. يعني بعد الفصل التامّ بينها وبين الرائي. والغشاء الحاجز بين القلب والجوف يُدعى "الحجاب الحاجز". وفي عهد الإمام عليه السلام لمالك يقول: "فلا تطولنّ احتجابك عن رعيّتك". فالحجاب هنا الخفاء والعزلة.
إنّ استخدام كلمة الحجاب بمعنى ستر المرأة استخدام جديد نسبيّاً. فقديماً وعلى الخصوص في مصطلح الفقهاء كانت كلمة "الستر" تُستخدم بدلاً من الحجاب. لقد استخدم الفقهاء "الستر" حينما تعرّضوا لذلك في كتاب النكاح والصلاة ولم يستخدموا كلمة "الحجاب".
وقد كان الأفضل أنْ لا تُستبدل الكلمة، وأنْ نستخدم دائماً كلمة "الستر"، إذ إنّ معنى الحجاب الّلغويّ - كما قلنا - هو البردة. وحينما تُستخدم في مورد الستر فذلك باعتبار أنّ جسد المرأة يكون خلف سترها، ومن هنا تخيّل جمع أنّ الإسلام أراد أنْ تبقى المرأة خلف حائل، ووراء البردة، وتُحبس في دارها ولا تخرج منه!
إنّ الستر الذي فرضه الإسلام على المرأة لا يعني أنْ لا تخرج المرأة من بيتها. ولم تُطرح في ثقافة الإسلام مسألة حبس المرأة وسجنها في الدار. نعم كان هذا العُرف سائداً في بعض الحضارات القديمة كما في الهند وإيران، ولكن لا وجود لهذا العرف في الإسلام.
حجاب المرأة في الإسلام يعني: أنْ تستر المرأة بدنها حينما تتعامل مع الرجال، وأنْ لا تخرج أمامهم مثيرة. النصوص القرآنيّة تُثبت هذا المعنى ولم تستخدم كلمة الحجاب فيها، كما تُؤيده فتاوى الفقهاء، وسنذكر حدود الستر في ضوء إفادتنا من القرآن والسنّة.
إنّ الآيات القرآنيّة التي ألقت الضوء هنا ـ سواء في سورة النور أو سورة الأحزاب ـ ذكرت حدود ستر المرأة وطبيعة تعاملها مع الرجال الأجانب، دون أن تستخدم كلمة "الحجاب". نعم هناك آية في القرآن استخدمت كلمة "الحجاب"، وهي خاصّة في نساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم. نحن نعلم أنّ هناك أحكاماً خاصّة بنساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وردت في القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم يُخاطب نساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم صراحةً: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾. وقد أراد بذلك أنْ يحول دون أنْ تتحوّل "أمّهات المؤمنين"، بحكم ما لهنّ من احترام وتقدير في قلوب المسلمين، إلى أدوات بيد العناصر الأنانيّة المخرّبة يستغلّونهنّ على طريق مطامحهم السياسيّة والاجتماعيّة كما حدث لأمِّ المؤمنين "عائشة" بعد أنْ خالفت هذا الحكم، فحدث الانقسام السياسيّ الذي ترك آثاراً مفجعة في تاريخ الإسلام. وقد كانت نفسها تُظهر أسفها على ما حدث وتتمنّى لو كان
لها جمع من الأبناء يُقتلون ولا يحدث ما حدث. وسرُّ منع نساء النبيّ صلى الله عليه واله وسلم عن الزواج بعد وفاته - كما أرى - هو عين ما تقدّم، يعني: أنّ الزوج اللاحق يُمكنه أنْ يُسيء الاستفادة من مركز زوجته فيحدث ما يحدث. من هنا فإذا كان هناك حكم أشدّ وآكد في خصوص نساء النبيّ فيعود لعوامل سياسيّة واجتماعيّة.
على أيّة حالة فالآية التي استخدمت فيها كلمة "الحجاب" هي الآية (53) من سورة الأحزاب إذ تقول: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء﴾. وحينما يُستخدم مصطلح "آية
الحجاب" في التاريخ الإسلاميّ يُراد به هذه الآية لا غيرها.
أمّا كيف شاعت كلمة "الحجاب" في العصر الأخير بدلاً من اصطلاح الفقهاء الشائع "الستر"، فإنّ أمر هذه المسألة مجهول عندي، ولعلّه نشأ جرّاء الخلط بين الستر الإسلاميّ والحجاب الذي تعارفت عليه أمم أخرى. وسنوضح هذه المسألة بشكل أكبر فيما بعد.
فلسفة الحجاب
ترجع فلسفة الحجاب الإسلاميّ ـ بنظرنا ـ إلى عدّة عوامل، بعضها ذو جانب نفسيّ، والآخر ذو جانب أُسريّ، وبعضها ذو بُعدٍ اجتماعيّ، وآخر يرتبط برفع مستوى المرأة واحترامها، والحيلولة دون ابتذالها. وتنبثق كلُّ هذه العوامل من قاعدة أعمّ وأشمل وهي أنّ الإسلام يُريد حصر ألوان المتعة الجنسيّة سواء كانت بصريّة أو سمعيّة أو لمسيّة في محيط الأُسرة والزواج القانونيّ، ويبقى المحيط الاجتماعيّ العامّ
ميداناً للعمل والإنتاج. خلافاً لنظام الغرب في عالمنا المعاصر، حيث يخلط العمل والإنتاج بالّلذة الجنسيّة. فالإسلام يُريد فصل هذين المُحيطَين أحدهما عن الآخر بشكل كامل.
نأتي الآن إلى شرح الأبعاد الأربعة المتقدِّمة
1 - التوازن النفسيّ:حريّة الاختلاط بين الرجل والمرأة دون قيد أو شرط، وارتفاع الحاجز بينهما، يرفع نسبة الأمراض الجنسيّة، ويُحوّل طلب الجنس إلى عطش روحيّ وحاجة غير قابلة للإشباع. فالغريزة الجنسيّة قويّة وعميقة، وكلّما استجاب الإنسان لها ازداد هيجانها، كالنّار، فكلّما أُطعمت ارتفع أوارها. ولأجل إدراك هذه الحقيقة ينبغي الالتفات إلى أمرين:
أ - كما أنّ التاريخ يُذكِّر بذوي الجشع الماليّ، وأنّ هؤلاء كانوا يسعون لجمع المال والثروة بحرص محيّر، وكلما كثُرت ثروتهم ازداد حرصهم، فهو يُذكّر أيضاً بالجشعين في المسائل الجنسيّة، فهؤلاء أيضاً لم يقفوا عند حدٍّ على الإطلاق في اقتنائهم للحسناوات، فذوو الحريم، وجميع أصحاب النفوذ الذين كانوا مقتدرين على ذلك كانوا كذلك.
يقول "كريستنس" في الفصل التاسع من كتابه "إيران في العصر الساسانيّ":"نُلاحظ على رسوم الطاق الأثريّ بعضاً من صور الثلاثة آلاف
امرأة التي كانت لدى "خسرو برويز"، فلم يُشبع هذا الملك ميله هذا أبداً فهو يجلب كلّ فتاة أو ثيّب أو ذات بعل يصفونها له إلى حرمه. وكلّما حصل لديه ميل لتجديد زوجته، يكتب إلى عمّاله في البلدان كتاباً يصف فيه خصائص المرأة الكاملة. ثُمّ يعمد عمّاله إلى جلب هذه المرأة إليه في أيِّ مكان وجدوها وكانت مواصفاتها متطابقة مع ما جاء في كتاب الملك".
ويُمكننا العثور على مثل هذه الحكايات بشكل كثير في التاريخ القديم. وقد استُبدل شكل هذه الحكايات في الواقع الجديد، مع فارق وهو أنّ الواقع الجديد لا يوجب أنْ يتوفّر الشخص على إمكانات خسرو برويز أو هارون الرشيد ليستطيع أنْ يتوفّر على هذا العدد الكبير من النساء، فبفضل الثقافة الجديدة يُمكن للشخص الذي يتمتّع بعُشر إمكانات برويز أو هارون أنْ يتمتّع بالجنس الأنثويّ بمقدار ما تمتّعا.
ب - هل تساءلت: إلى أيِّ صنفٍ من الإحساس ينتمي "الغزل"؟ فبعض النصوص الأدبيّة العالميّة تختصّ بالعشق والغزل، وفي هذا القسم، يتغزّل الرجل بمحبوبته ويُقدّرها، ويُقدِّم بين يديها حاجته، ويُشعرها بعظمتها وصغره أمامها، وهو أحوج ما يكون لالتفاتة من قِبَلها. ويبثّها لواعج الشوق والحنين على فراقها.
ماذا يعني هذا؟ لِمَ لا يُمارس البشر بشأن سائر حاجاتهم مثل هذا العمل؟ هل رأيت حتى الآن إنساناً يُحبّ الثروة أو الجاه قد تغزّل بالثروة أو الجاه؟ لِمَ يستطيب الإنسان غزل الآخرين؟ لِمَ نلتذ كثيراً بديوان حافظ؟ هل هناك غير أنّ الإنسان يجد أنّ هذه الأشعار تتطابق
مع غريزة عميقة تملأ وجوده؟ كم هو خطل أولئك الذين يقولون: إنّ العامل الأساس لنشاط البشر هو الاقتصاد!!.
للبشر موسيقى خاصّة بالنسبة لحبّهم الجنسيّ، كما أنّ لهم موسيقى خاصّة بالنسبة للمعاني والقيم المثاليّة، في حين ليست لديهم موسيقى بالنسبة لحاجاتهم الماديّة البحتة كالماء والخبز.
أنا لا أُريد أنْ أدّعي أنّ كلّ العشق جنسيّ، ولا أقول أبداً إنّ حافظاً وسعدي وسائر الشعراء الغزليّين أنشدوا الشِّعر لأجل الغريزة الجنسيّة. فهذا بحث آخر، ينبغي دراسته بشكل مستقلّ. لكنّ الثابت أنّ الكثير من العشق والغزل هو عشق وغزل الرجال بالنسبة للمرأة، وهذا المقدار كافٍ لكي نعرف أنّ اهتمام الرجل بالمرأة ليس من قبيل اهتمام الخبز والماء، فيقتنع بإشباع بطنه، بل يظهر هذا الاهتمام بصورة حرص وجشع وتنويع، أو بصورة عشق وغزل. وسوف نتناول لاحقاً البحث حول الظروف التي يقوى بها هذا الاهتمام على صورة حرص وجشع جنسيّ، والظروف التي يظهر بها على صورة عشق وغزل، ويلبس ثوباً معنويّاً.
على أيِّ حال فقد اهتم الإسلام اهتماماً كاملاً بطاقة هذه الغريزة الحادّة. وقد وردت نصوص كثيرة في صدد خطر "النظر" والخلوة بالمرأة، وبالنتيجة خطر الغريزة التي تربط الرجل والمرأة أحدهما بالآخر. ولقد اتخذ الإسلام تدابير لتوجيه هذه الغريزة، وحدّد في هذا المجال تكاليف للرجال وللنساء.
فقد كلّفهما معاً بالنسبة للنظر:﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ
يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾2.
وخلاصة حكم هذه الآية هو: لا ينبغي للرجل والمرأة أنْ يتفحّصَ كلٌّ منهما الآخر في النظرة، وعليهما أنْ يتجنّبا النظر بشهوة، فلا يجوز لهما النظر بشهوة. كما قرّر تكليفاً خاصّاً بالنساء وهو أنْ يستُرنَ أجسادهن أمام الرجال الأجانب، وأنْ لا يظهرنَ في الملأ العام متبرِّجات، وأن لا يُمارسنَ بأيِّ عذر وبأيّة صورة عملاً يؤدّي إلى إثارة الرجال الأجانب.
إنّ روح الإنسان مؤهّلة للإثارة بشكل كبير. ومن الخطأ أنْ نظنَّ أنّ قابليّة الروح الإنسانيّة على الإثارة محدودة بحدٍّ خاصّ، تهدأ بعد تجاوزه. فكما أنّ البشر ـ أعمّ من الرجل والمرأة ـ لا يشبعون من الثروة والجاه، كذلك الأمر بالنسبة للجنس. فليس هناك رجل يشبع من مصاحبة الحسناوات، كما ليس هناك امرأة تشبع من لفت أنظار الرجال وامتلاك قلوبهم. وبالتالي كلُّ قلب لا يشبع.
ومن ناحية أخرى، فالطلب اللامحدود لا يمكن تلبيته سواء أردنا أم لم نُرد، وهو توأم مع لون من الإحساس بالحرمان. وعدم نيل الأماني بدوره يؤدّي إلى اضطرابات وأمراض نفسيّة. لِمَ تزداد نسبة الأمراض النفسيّة في الغرب؟
علّة ذلك: الحريّة الجنسيّة والإثارة الجنسيّة التي تحصل عن طريق الصحف والمجلّات والحفلات والسينما والاجتماعات الرسميّة وغير الرسميّة.
أمّا علّة اختصاص حكم الستر في الإسلام بالنساء فهو: أنّ الميل نحو التجمُّل أمر خاصّ بالنساء. فالرجل صيد - من زاوية القلوب - والمرأة صائد. والمرأة صيد - من زاوية
الأجساد - والرجل صائد. وينشأ ميل المرأة نحو الظهور الأنيق جرّاء نزوعها لصيد قلوب الرجال.
لم يحدث في أيِّ مكان من العالم أن ارتدى الرجال ألبسة تحكي عن أبدانهم، وتأنّقوا بشكل مثير. فالمرأة بحكم طبيعتها الخاصّة تُريد أنْ تجلب قلب الرجل وتجعله أسيراً للارتباط بها. لذا فإنّ
التبرُّج والعريّ انحرافان خاصّان بالنساء، وحكم الستر مقرّر لهنّ.
سوف نتناول بالبحث قابليّة الغريزة الجنسيّة على الطغيان، خلافاً لادّعاء أمثال "راسل". فبترك الغريزة الجنسيّة حرّة بشكل كامل خصوصاً مع توفّر أسباب الإثارة لا يحصل لها إشباع. كما سنتناول انحراف "النظر" لدى الرجال، وانحراف "التبرُّج" لدى النساء.
2 - إحكام الرابطة الأسريّة:لا شكّ في أنّ كلَّ أمر يؤدّي إلى إحكام العلاقة الأُسريّة، ويُفضي إلى خلق روح المودّة الصميمة بين الزوجين هو أمر نافع للأُسرة، يجب بذل أكبر ما يُمكن من جهد لتحقيقه. وعلى العكس كلُّ أمر يؤدّي إلى إضعاف العلاقة بين الزوجين، وإخماد جذوة الحبّ بينهما، أمر مضرّ بالحياة الأُسريّة، ويجب محاربته.
إنّ انحصار المتع والّلذّات الجنسيّة في محيط الأُسرة وتحت ظلِّ
الزواج المشروع يُعمِّق العلاقة بين الزوجين، ويؤدّي إلى تلاحمهما بشكلٍ أكبر.
إنّ حكمة الستر ومنع المتع الجنسيّة مع غير الزوجة الشرعيّة - على المستوى الأُسريّ - هي: أنّ الزوجة الشرعيّة تُصبح من زاوية نفسيّة عامل إسعاد للرجل. في حين تكون الزوجة
الشرعيّة من زاوية نفسيّة - في ظل الإباحة الجنسيّة - مراقباً مُزعِجاً وبالتّالي يقوم بناء الأُسرة على أساس العداء والتنافر.
وهذا الوضع هو علّة ما نراه لدى شباب اليوم، حيث يتهرّبون من الزواج، وكلّما اقتُرح عليهم الزواج يُجيبون بأنّ الوقت لم يحلّ ولا نزال أطفالاً، أو يطرحون معاذير أخرى... في حين كان الزواج قديماً أحلى أماني الشباب. وقد كان الشباب - قبل أنْ تتحوّل المرأة، بفضل العالم الغربيّ، إلى سلعة رخيصة ومتوافرة - لا يفضّلون حياة الملوك على ليلة الزفاف.
كان الزواج قديماً يتحقّق بعد مرحلة من الانتظار والتمنّي، وفي ضوء ذلك يُصبح كلٌّ من الزوجين عاملاً في سعادة الآخر. أمّا اليوم فلا مبرّر لذاك الشوق وتلك الرغبة، بعد أنْ أصبحت المتعة الجنسيّة خارج إطار الزواج متوافرة في حدِّها الأعلى.
إنّ العلاقات الحرّة، دون قيد أو شرط، بين الفتيات والشباب حوّلت الزواج إلى تكليف وتقييد، لا بُدّ من تحميله للشباب عن طريق الوصايا والمواعظ الأخلاقيّة، وأحياناً - كما تقترح بعض الصحف عن طريق القوّة.
يختلف المجتمع الذي يحصر العلاقات الجنسيّة بمحيط العائلة وتحت ظلِّ الزواج الشرعيّ عن المجتمع الّذي يُبيح الاختلاط الجنسيّ الحرّ، في أنّ الزواج في المجتمع الأوّل نهاية الحرمان والانتظار، بينما يكون الزواج في المجتمع الثاني بداية التقييد والحرمان. ففي ظلِّ النظام الحرّ يضع عقد الزواج نهاية لمرحلة حريّة الفتاة والشاب، ويُلزمهما بالوفاء أحدهما للآخر. وفي ظلِّ النظام الإسلاميّ يضع الزواج نهاية للحرمان والانتظار.
يؤدي النظام الحرُّ إلى أوّلاً: امتناع الشباب عن الزواج وبناء الأُسرة ما أمكنهم، ويُقدمون على الزواج في حالة مشارفة نشاطهم وحيويّتهم الشابّة على الضعف والانحلال. وتكون المرأة عندئذٍ وسيلة إنجاب فقط، أو يطلبونها لأداء الخدمات.
ثانياً: يؤدّي إلى تفكيك عُرى العلاقات الزوجيّة، وبدلاً من بناء العائلة على أساس الحبّ العميق والعشق الخاصّ، وبدلاً من أنْ يجد كلٌّ من الزوجين في الآخر عامل إسعاد، تُبنى الأُسرة على أساس الرقابة، ويجد كلٌّ من الزوجين الآخر عاملاً في سلب حريّته وتقييده.
فحينما يريد الفتى أو الفتاة أنْ يقول: تزوّجت، يقول: اتّخذت حارساً لحبسي. لِمَ ذلك؟ لأنّهما كانا قبل الزواج حرَّيْن، يذهبان حيث يرغبان، ويرقصان مع من يُريدان، دون حدٍّ، وبلا رقيب.
أمّا بعد الزواج فتُحدّ هذه الحريّة. فإذا تأخّر ليلاً تُحاسبه زوجته وتسأله: أين كنتَ؟ وإذا
رقص مع فتاة في حفل صاخب، تعترض عليه زوجته، ومن الواضح إلى أيِّ حدٍّ تتحلّل العلاقة الأُسريّة
في ظلِّ هذا النظام، وإلى أيِّ حدٍّ تُصبح موضع شكٍّ وريبة.
ظنَّ بعضهم أمثال "راسل" أنّ الحيلولة دون العلاقات الحرّة إنّما تكون لتطمين الرجل على سلامة نسله وعدم اختلاط نسبه. فاقترحوا لحلِّ هذا الإشكال موانع الحمل، في حين أنّ المسألة لا تنحصر في سلامة النسل. فالأهمّ من ذلك هو خَلْق أنبل وأشدّ العواطف الإنسانيّة بين الزوجين، وتحقيق الوحدة والانسجام في محيط الأُسرة. ويُمكن تحقيق هذا الهدف حينما ينصرف الأزواج والزوجات عن ألوان المتعة الجنسيّة مع غير زوجاتهم وأزواجهنّ الشرعيّين. فلا يكون للرجل عين طمع بغير زوجته، ولا تخرج المرأة مُثيرة مهيّجة لغير زوجها، ورعاية قاعدة المنع عن ألوان المتعة الجنسيّة خارج محيط الأُسرة، قبل الزواج أيضاً.
مُضافاً إلى أنّ المرأة المتطوِّرة، التي تُقلِّد أمثال "راسل" وتلتزم بمدرسة "الأخلاق الجنسيّة الحديثة"، تلتمس الحبَّ والعشق - مع كونها ذات زوج ثانوي - في مجال آخر، وتُمارس الجنس مع معشوقها. وما هو الضمان لأنْ لا تستخدم المرأة وسائل منع الحمل مع زوجها الشرعيّ الّذي لا تربطها معه علاقة حبّ أكيدة، وتفسح المجال أمام معشوقها لأنْ تحمل منه، وتُلحق الولد بالزوج الشرعيّ؟! من المقطوع به أنّ مثل هذه المرأة ترغب بأنْ تحمل من الرجل الذي تعشقه، لا من زوجها الشرعيّ، الّذي تربطها معه علاقة شرعيّة فقط، والّذي لا يجوز
أنْ تحمل من غيره بحكم الشرع. كما أنّ الرجل بالطبع يُريد أنْ يُنجب من المرأة التي يُحبّها، لا من المرأة التي تربطه معها رابطة شرعيّة فقط. وقد أثبت العالَم الأوروبي أنّ إحصائيات الأبناء غير الشرعيّين مُذهِلة، رغم توافر وسائل منع الحمل.
3 - التماسك الاجتماعيّ:إنّ جرَّ الممارسات الجنسيّة من محيط الأُسرة إلى المحيط الاجتماعيّ العام، يؤدّي إلى إضعاف النشاط الإنتاجيّ والفعّاليّة الاجتماعيّة. خلافاً لتمحّلات معارضي الحجاب، حيث يقولون: "إنّ الحجاب يؤدّي إلى تعطيل نصف الطاقات الاجتماعيّة".
فالسفور وترويج العلاقات الجنسيّة الحرّة يؤدّي إلى إضعاف الطاقة الإنتاجية للمجتمع.
إنّ الذي يؤدّي إلى تعطيل قوى المرأة وحبس استعداداتها هو الحجاب؛ إذا جاء على صورة سجن المرأة وحرمانها من الفعاليّات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. وليس هناك في الإسلام شيء من هذا القبيل. فالإسلام لا يقول: على المرأة أنْ لا تخرج من دارها. ولا يقول: ليس للمرأة حقّ في التعلُّم وتحصيل العلم. بل على العكس فالإسلام يرى أنّ طلب العلم فريضة مُشترَكة يتحمّلها كلٌّ من الرجل والمرأة. كما أنّه لم يُحرِّم نشاطاً اقتصاديّاً خاصّاً على المرأة. الإسلام لا يُريد إطلاقاً أنْ تكون المرأة عضواً عاطلاً وكلّاً. فستر البدن باستثناء الوجه والكفّين لا يحول دون أيِّ نشاط ثقافيّ أو اجتماعيّ أو
اقتصاديّ. إنّ الذي يؤدّي إلى تعطيل الطاقة العمليّة للمجتمع هو تلويث محيط العمل بالممارسات الشهوانيّة.
أيُّهما أفضل لاقتدار الطلّاب على التحصيل العلميّ والإصغاء لمحاضرة الأستاذ: أنْ يعكف الفتى والفتاة على تحصيل العلم في صفوف مستقلّة، أو يحصّلان العلم معاً في صفٍّ دراسيٍّ مُشترَك مع ستر الفتيات لأجسادهن، دون أيِّ تجميل أو زينة، أم أنْ يجلس الفتى إلى جانب الفتاة المتزيّنة المرتدية ثياباً سافرة عن ساقيها؟ وهل أنّ الرجل العامل في الأزقّة والأسواق والمعامل والمؤسّسات الإداريّة، الذي يواجه الفتيات المثيرات، أقدر على العمل، أم الرجل الذي لا يواجه الإثارة؟. إذا لم تُصدِّق فسل العاملين في هذه الميادين. أجل، فكلُّ مؤسسة أو شركة تُريد أنْ تسير أعمالها بجدّية، تحول دون مثل هذا الاختلاط. وإذا لم تُصدّق إذهب وحقّق!.
الحقيقة هي: أنّ الوضع القائم بيننا من السفور والتحلُّل، والّذي نتقدّم به على أوروبا وأمريكا، هو من مختصّات المجتمعات الرأسماليّة الغربيّة المنحطّة، وهو إحدى النتائج السيّئة للممارسات الغربيّة، بل إحدى الوسائل الّتي يستخدمونها لتخدير المجتمعات الإنسانيّة وتحويلها عنوةً إلى مستهلِك لبضائعهم.
نشرت صحيفة اطّلاعات تقريراً (قبل عشر سنوات من انتصار الثورة) نقلته عن الإدارة العامّة للإشراف على الموادّ الاستهلاكيّة، جاء فيه بصدد ميزان استهلاك الموادّ التجميليّة ما يلي: " استوردت البلاد في بحر سنةٍ واحدة (210,000) كيلوغرام من الموادّ التجميليّة،
وقد بلغت المساحيق الدهنيّة (181,000) كيلوغرام...".
أجل، لأجل أنّ تكون المرأة الإيرانيّة مستهلِكاً جيّداً لبضائع المعامل الأوروبيّة، عليها باسم "التجدُّد" و"التقدُّم" و"التطوُّر الزمنيّ" أنْ تعرض نفسها كلَّ يوم وكلَّ ساعة متجمِّلة بالمساحيق الّتي يصنعها عالم الرأسماليّة. وإذا أرادت المرأة الإيرانيّة أنْ تكون لزوجها فقط، أو تتجمّل للحضور في المجالس النسائيّة الخاصّة فسوف لا تكون مستهلِكاً جيّداً للرأسماليّة الغربيّة، وسوف لا تقوم بدورٍ آخر وهو عبارة عن الحطّ من خُلُق الشباب وإضعاف إرادتهم، وتجنيد الفعاليّات الاجتماعيّة، لمصلحة الاستعمار الغربيّ.
قليلاً ما تسمع في المجتمعات غير الرأسماليّة ذات الحسّ الدينيّ، المآسي والكوارث الّتي تقع في عالَم الغرب باسم حريّة المرأة.
4 - رفعة المرأة واحترامها:قُلنا سابقاً إنّ الرجل بشكلٍ عام متفوِّق جسميّاً على المرأة. ومن زاوية فكريّة وعقليّة يبقى تفوُّق الرجل - على الأقلّ - محلّ بحث وشكّ. فعلى هذين
المستويين لا تستطيع المرأة مجابهة الرجل، ولكنّ المرأة أثبتت على الدوام أنّها قادرة على السيطرة على الرجل عاطفيّاً وقلبيّاً.
إنّ وضع حاجز وحدٍّ بين المرأة نفسها والرجل من جملة الوسائل الغامضة الّتي تستفيد منها المرأة لحفظ مقامها أمام الرجل.
لقد حضّ الإسلام المرأة على الاستفادة من هذه الوسيلة، خصوصاً
تأكيده على أنّه كلّما تحرّكت المرأة بشكل أكثر وقاراً وعفّةً، وامتنعت عن عرض نفسها أمام الرجل، كلّما ازداد احترامها لدى
الرجل.
وسنرى لاحقاً في تفسير آيات سورة الأحزاب أنّه بعد توصية النساء بالستر يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾، فيكون الحجاب علامة على عفاف المرأة وعزّتها على الرجال، وبالتالي لا تقع مورداً لأذى الطائشين.
يتبع