المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياة الإمام الخميني


محبة ابي الفضل العباس
11-19-2008, 04:18 PM
الإمام الخميني من الولادة حتى الهجرة إلى مدينة قم

في مثل هذه الظروف ولد روح الله الموسوي الخميني في العشرين من جمادى الثانية سنة 1320هـ، الموافق 24 أيلول 1902م؛ في مدينة خمين احدى مدن المحافظة المركزية، في بيت عُرف بالعلم والتقوى والجهاد والهجرة، ومن اسرة تنتسب إلى الصديقة فاطمة الزهراء؛ ورث منها سجايا آباء واجداد سعوا جاهدين جيلاً بعد جيل لهداية الناس، والنهل من المعارف الالهيّة.

عاصر المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي ـ والد الإمام الخميني ـ المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي (رض). ودرس العلوم والمعارف الإسلامية في النجف الاشرف لعدة سنوات، وبعد ان بلغ مرتبة الاجتهاد عاد إلى ايران ليُقيم في خمين ويصبح ملجأً وملاذاً وموجِّهاً للناس في امور دينهم.

لم يُتم "روح الله" الخمسة اشهر، حتى استشهد والده في طريقه من خمين إلى اراك، على يد قطاع الطريق والخوانين المدعومين من قبل عملاء السلطة، انتقاماً من مساعيه في احقاق الحق والوقوف في وجه الطغاة والظلمة. ويومها توجهت اسرة الشهيد إلى طهران ـ دار الحكومة آنذاك ـ واصرّت على تنفيذ العدالة وانزال القصاص بحق قاتليه.

وبذا يكون الإمام الخميني قد واجه منذ طفولته قسوة اليتم وادرك مفهوم الشهادة.

بعد استشهاد والده امضى الإمام الخميني طفولته في احضان والدته (السيدة هاجر)، سليلة العلم والتقوى، فهي من احفاد المرحوم آية الله الخوانساري ـ صاحب زبدة التصانيف ـ ورعاية عمته المكرمة (صاحبة خانم)، المرأة الشجاعة التقيّة. حتى إذا ما بلغ الخامسة عشر من عمره حرم من نعمة هاتين العزيزتين.

درس الإمام منذ نعومة أظفاره ـ مستفيداً مما حباه الله من ذكاء متّقد ـ جانباً من المعارف الشائعة في عصره ومقدمات العلوم والسطوح المعروفة في الحوزات الدينية مثل آداب اللغة العربية والمنطق والفقه والاصول؛ على ايدي اساتذة وعلماء منطقته (كالميرزا محمود افتخار العلماء، والمرحوم الميرزا رضا النجفي الخميني، والمرحوم الشيخ علي محمد افتخار العلماء، والمرحوم الميرزا رضا النجفي الخميني، والمرحوم الشيخ علي محمد البروجردي، والمرحوم الشيخ محمد الكلبايكاني والمرحوم عباس الاراكي؛ وقبل هؤلاء اخيه الاكبر آية الله السيد مرتضى بسنديده ـ الذي امضى عنده اكثر وقته الدراسي ـ، سافر بعد ذلك ـ عام 1919م ـ إلى اراك ليواصل دراسته الدينية في حوزتها.

الهجرة إلى قم: تحصيل الدروس التكميلية وتدريس العلوم الإسلامية

بُعيد انتقال آية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (ره) إلى مدينة قم، التحق الإمام الخميني بالحوزة العلمية بقم في رجب المرجب عام 1340هـ. فطوى سريعاً مراحل دراسته التكميلية في الحوزة العلمية على ايدي اساتذتها. فقد اكمل كتاب "المطوّل" (في علم المعاني والبيان) على يد المرحوم الميرزا محمد علي الاديب الطهراني، كما اكمل دروس مرحلة السطوح على يد المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخونساري، والمرحوم آية الله السيد علي اليثربي الكاشاني. كذلك اتمَّ دروس خارج الفقه والاصول على يد زعيم الحوزة العلمية في قم آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي رضوان الله عليهم اجمعين.

إنَّ الروح المرهفة الوثابة التي كان الإمام الخميني يتحلى بها دفعته إلى عدم الاكتفاء باتقان آداب اللغة العربية والدروس الفقهية والاصولية، بل ان يتعداها إلى الفروع العلمية الاخرى. ومن هنا وتزامناً مع دراسته للفقه والاصول على ايدي الفقهاء والمجتهدين، درس الرياضيات والهيئة والفلسفة يد على المرحوم الحاج السيد ابي الحسن الرفيعي القزويني، ثم واصل دراستها مع العلوم المعنوية والعرفانية لدى المرحوم الميرزا علي اكبر الحكيمي اليزدي، كما درس العروض والقوافي والفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية لدى المرحوم الشيخ محمد رضا مسجد شاهي الاصفهاني، كما درس الاخلاق والعرفان لدى المرحوم آية الله الحاج الميرزا جواد الملكي التبريزي، ثم درس اعلى مستويات العرفان النظري والعملي، ولمدة ستة اعوام عند المرحوم آية الله الميرزا محمد علي شاه آبادي اعلى الله مقاماتهم اجمعين.

بعد وفاة آية الله العظمى الحائري اليزيدي، اثمرت الجهود التي بذلها الإمام الخميني برفقه عدة من المجتهدين في الحوزة العلمية بقم في اقناع آية الله العظمى البروجردي للمجيء إلى قم وتسلم زعامة الحوزة العلمية فيها. وخلال هذه الفترة عُرف الإمام الخميني بصفة احد المدرسين والمجتهدين واولي الرأي في الفقه والاصول والفلسفة والعرفان والاخلاق. وان زهده وورعه وتعبده وتقواه كان يتردد على لسان الخاصة والعامة.

ان هذه الخصال والسجايا الرفيعة التي كانت حصيلة سنوات طويلة من المجاهدة والترويض الشرعي وامتحان المفاهيم والاسس العرفانية في حياته العملية الشخصية والاجتماعية، ونهجه السياسي الذي جسد من خلاله اعتقاده الراسخ بحفظ كيان الحوزات العلمية وقوة الزعامة الدينية والعلماء باعتبارهم الملاذ الوحيد للناس في تلك الايام المضطربة الخطيرة، جعلته يوظف دائماً علمه وفضله وجهوده في ترسيخ اسس الحوزة العلمية الفتية في قم. فوقف رغم كل ما لديه من جداره واختلاف في وجهات النظر، يدعم مرجعية آية الله العظمى الحائري ثم آية الله البروجردي اعلى الله مقامهما، وحتى بعد وفاة آية الله البروجردي. ورغم الاقبال الواسع عليه من قبل الطلاب والفضلاء والمجتمع الإسلامي كأحد مراجع التقليد إلا انه يخطُ أيّة خطوة يشمُّ منها رائحة السعي لكسب المقام والزعامة، فكان دائماً يحث محبيه ومريديه على عدم الاهتمام بمثل هذه الامور. بل انّه أصرّ على نهجه هذا حتى في الوقت الذي التف حوله وعاة المجتمع باعتباره المنادي بالإسلام الحق وانه يمثل ضالتهم المنشودة لتحقيق آمالهم لما كان عليه من التقوى والعلم والوعي، فلم يغير من سيرته ومنهجه قيد انملة متمثلاً قوله الذي كان يكرره دائماً "إنّني اعتبر نفسي خادماً وحارساً للإسلام والشعب".

انه الرجل العظيم ذاته الذي عاد في (1 شباط 1979م) إلى إيران ليجد الملايين من ابناء الشعب وقد اجتمعوا في اكبر مراسم استقبال في التاريخ احتفاءً بقدوم قائدهم. وحينما سأله احد الصحفيين بلا مقدمة: ما هو شعوركم وانتم تعودون إلى بلادكم بعد خمسة عشر عاماً في ظل هذه الابهة؟ سمع منه جواباً غير متوقع، إذ اجابه سماحته: لا شيء!.

لقد توهم ذلك الصحفي بأن الإمام الخميني كسائر القادة السياسيين الساعين إلى السلطة ينسون انفسهم في مثل هذه المواطن المثيرة، ويطيرون فرحاً؛ غير ان الجواب الذي سمعه اوضح له بأن الإمام الخميني من سنخ آخر.

كان الإمام الخميني يعتقد بحق ـ كما اكّد ذلك مرات ومرات ـ بأنّ المعيار في سلوكه وتحركاته هو نيل رضا الخالق تعالى والعمل بالتكليف واداء المسؤولية الشرعية. فهو يرى بأنّ الأمر سيّان بالنسبة له سواء كان في السجن والنفي، أو في ذروة القوة والاقتدار، مادام تحركه في سبيل الله. أساساً ان سماحته كان قد اعرض ـ وقبل عقود من ذلك التاريخ ـ عن الدنيا وما فيها وسلك طريق الوصول والفناء في الله. ولعلّ اجمل تفسير لرده على سؤال الصحفي يكمن في بيت الشعر الذي نظمه سماحته:

اذهب إلى الخربات واعتزل الخلق جميعاً وعلِّق قلـبـك بالـمطلق واترك الباقي

مارس الإمام التدريس ـ خلال سنوات طوال ـ في الحوزة العلمية بقم، فدرّس عدّة دورات في الفقه والاصول والفلسفة والعرفان والاخلاق الإسلامية في كل من المدرسة الفيضية والمسجد الاعظم ومسجد محمدية ومدرسة الحاج ملا صادق ومسجد السلماسي وغيرها، كما مارس تدريس الفقه ومعارف اهل البيت (ع) ـ وعلى ارفع المستويات ـ في الحوزة العلمية بالنجف الاشرف، في مسجد الشيخ الانصاري (ره) لما يقارب الاربعة عشر عاماً. وفي النجف الاشرف طرح ـ ولاول مرة ـ اسس الحكومة الإسلامية عبر سلسلة دروس ألقاها في موضوع ولاية الفقيه.

وعلى ما نقله طلابه، فان حوزة الإمام الخميني كانت تعدّ من اسمى المراكز الدراسية، وقد تجاوز عدد من يحضرون درسه في بعض الدورات ـ خلال السنوات التي قضاها في التدريس بقم ـ الالف طالب، كان بينهم العشرات من المجتهدين المعروفين والمعترف باجتهادهم، فكانوا جميعاً ينهلون من مدرسته في الفقه والاصول. فكان من بركات ممارسته التدريس ان تمكّن سماحته من تربية المئات بل الآلاف ـ إذ اخذنا بنظر الاعتبار طول سنوات الدراسة ـ من العلماء والحكماء ممن اصبحوا بعد ذلك مشاعل واعلاماً في الحوزات الدينية، ومجتهدين وفقهاء وعرفاء بارزين ممن يشار إليهم بالبنان اليوم في حوزة قم العلمية وفي سائر المراكز الدينية. وان مفكرين كبار امثال العلامة الاستاذ الشهيد مرتضى المطهري والشهيد المظلوم الدكتور بهشتي، كانوا يفخرون دوماً بأنهم نهلوا من محضر هذا العارف الكامل لسنوات.

واليوم فإن الوجوه اللامعة من العلماء الذين يقودون مسيرة الثورة الإسلامية ويوجهون نظام الجمهورية الإسلامية هم من طلابه وخريجي مدرسته الفقهية والسياسية.

هذا وستكون لنا وقفة عند خصائص ومميزات مدرسته الإمام الخميني في العلوم المختلفة، كما سنعرض في آخر الكتاب وبشكل مختصر إلى تعريف كتب الإمام ومؤلفاته

الحمزة
11-19-2008, 07:43 PM
رائع ودقيق
شكرا لك