المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَ أبَصرتُه !


ع ـبق ذكرى.!
12-27-2008, 08:14 PM
الواحِدة وجِزءٌ مِن ظهر كُلِّ يَوم ، أُعانِي لا إرادياً مِن طَلْق مُمِيت ، الوَقت هُو المخاضُ الذِي يأتِي تراجيدياً ، ولا يحتَضر أبداً ، فما كَان لِي إلاّ أن أُحقّنَ ذاتِي إبْرَةَ طَلْقٍ اصِناعِيّ وأدّعِي أنّهُ عمّا قَريب ستُولد اللحظَةِ الأخيِرة التِي تُؤرّخ انتهاء اليَوم الدِراسِيّ المُضنِي .

أزاول يومياً الحركاتِ المُفتَعلة ، أجْلِسُ الجَلسةِ الصحيحة التِي تُلائِمُ تلميذة مُتفوّقة، أفتحُ عينيّ جيداً حتى أستوعِب ما تُتمتِمُ بهِ المُعلمة ، أزاحِمُ الوقتَ قليلاً فأرمِقُ عقارِب الساعة علّها تحرّكت قليلاً ، وأضحكُ كثيراً هامِسة لأناي : " ألن تنقَضي هذهِ الساعة ملعونة ".
أعيدُ ترتيِب الكُتب، أتملّقُ مِن جديد إلى مَلامِحِ المُعلّمة التي اعتراها العَطب ، مُحاولةً عنوة أن أسهَبُ مَع شَرحِها الذِي اعتدنا عَلى بروتوكُولِه – تَقرأُ الكِتاب لِوحدِها - إلاّ إنّنِي مِن غمرةِ اندماجِي الفاشِل أغرقُ فِي عُمقِ الشُرود ، أسدرُ فِي اللاشَيء ، و كُل شيءٍ من حولي يُصبحُ مُجرد ثرثرة مُبهمة ، وضجّة غامِضة المَصدر، فَوضى روتينية ، فَـ أتهاوى .. أتهاوى وأسقُطُ إثرها عَلى " مَيز" الطاوِلة .

رِنّ .. رِنّ !
مَاذا .. حقّاً ؟ أفيقُ مُكهربة إثر زعقِ الجرس بعد إعلانه وُلِادةِ الساعةُ الواحِدة والنِصف، أُسرِعُ كَعادَتِي فِي لملَمَةِ أغْراضِي، اقذِفُ بِها دَاخِل حقيبتِي بِطريقةِ مُبهدلة، ألبسُ عباءَتِي ولا أكترِث مَا إذا أحكمتُ إقفالها أم لا .. المُهم أن أودّع هذا الفَصل بِسُرعة ، أذهَبُ لحمامِ المدرسة الذِي يَعِجُّ بالطالِبات، مِنهُن مَن يَضع تِلك المَساحِيق مُحاولاً أن يُخفِي القُبح ، والبَعضُ يأتِي ليُحدّد مَوعِدِ لقاء ، ويلُوذُ بـِ حماماتِ المَدرَسَة ملاذَاً لـ الذنبِ والخطايَا ,
، أما أنَا أذهَبُ لأغسل وجهِي بالمَاءِ البارد وأطمِسَ بقايا النَوم العالِقة عَلى معالم وَجهِي .إلاّ أنّني مَا إن أفرِغُ مِن رَشقِ الماء عَلى وَجهِي، رافِعةً رأسِي لترتِيبِ حجابِي، تصطدِمُ عينايّ بتلك المرآة الكَبيرة التِي دَائِماً تُذكرُنِي بِقُبحِي ، بِطُولِي الذِي يَلفِتُ لدرجةِ الاشمِئزاز. أخْرجِ ثائِرة من الحمام ألعَنُ القَدَر الذِي جَعلنِي آخِذُ صِفاتَ جدّي الوِراثِية .

أخرِجُ مِن بابِ المَدرسَة مُحافِظة على سُرعَةِ خُطواتِي التِي أورثتني إياهما ساقاي الطويلتان ، وكالعادة يأتِي الأولاد لمُشاهَدةِ الفيلم اليومِي ( فتيات ) الذِي يُبَث مُباشَرة مِن مدرستِي ، إلاّ أنني لا أكتَرِثُ أبداً ، فأمْضِي دُونَ أن أهتمّ لِما يَهمِس بِه الشباب مِن مَعسُولِ الكلم ،فأنا أؤمِنُ جداً بأنّيِ قبيحة.

أتجاوزُ الشارِعَ تِلو الشارِع فِي مُدّةٍ لا تتجاوَزُ الخَمسَ دقائِق .
أستقِرّ بعدها منتظرُة وَالدِي بالقُربَ من مَحل لبيعِ الحَلويات ، وفِي كُلّ يَوم تَطُوفُ جَنبِي ذاتِ الحَافِلة البَيضاء المكتظة بالأولاد ، الغَرِيبُ فِي الأمر أنّ ثمّة شَخص يُخرجُ كِلتا يديه ويُلوّحُ لِي يومياً !

بِدايةً لم أتساءَل يوماً عَن هُويّةِ هذا الشَخص، بَل وَلم أُكلّف عيني أن تَمِدّ بَصرها لتَرمِق كَيانِ الفتى مُستَكشِفة مَا إذا كان يَقْرِبُني أم لا.
كُلُّ مَا كُنتُ أعْلَمُه هُي أنّها حَافِلة بَيضاء تَحْمِلُ فِي جُعبتَها أولاد مُعافُون " مُعاقين ".

.
.
.
.
وَغاَبتْ بَعدها الحافِلة ، ورحَل السَلامُ الذيِ تَجاهَلتُهُ مِراراً ..
أصبحتُ فِي كُل يَوم عِند الساعَةِ الواحِدة وجُزءٌ مِن ظهره ، يَشْرِدُ ذِهنِي طُوال الحُصة الأخيرة مُستَفسِرة مَا إذا ستأتِي الحَافِلة البيضاء اليَوم أم لا ، وأسبُرُ فِي التخيّل طويلاً ، ويَرنّ الجَرسُ كَعادَتِه ، أذهبُ للحمام ، وأمضِي مُودعة يوماً دراسياً مُمل إلاّ إنّ خُطواتِي أصبحت بَطيئة .. شِبه مَيّتة ،أتعَثر بالحجارة الصَغيرة ، يُبَعثِرُنِي الهَواء فأتمَايَلُ هُنا وهُناك .

وأصِلُ إلى مَكانِي بعد انقِضاءِ وقتٍ كثير وأقبَعُ بالقُرب مِن محل بيعِ الحلوى الذِي يأسَ حُضورِي اليوميّ ،أُراقِبُ الحافِلات فِي شَوقٍ كَبير ، علّنِي أراهُ اليَوم ..
وأعاهِدُ نَفْسِي أن أرمِقَهُ اليَوم إذا أتى !

وجَاءت الحافِلة البيضاء ،

وَ أصبحَ نَبّضِي مُتسارِعاً بوتيرةٍ لا اعتيادِية ، ففتَحتُ عيني جيداً حتّى أراه كما وَعدتُ نَفسي ومَرّت كَما مَرّت كُلّ يَوم ، وها هُو الصَبِيُّ يُخرجُ كلتا كفيّه مُلوّحاً للجَميع ..

ومِن شِدّةِ الصدّمة ، لَمْ تَوصَد عيني بأهداِبِهُما ..
فقد كَان أعمى !





بِقلَمِي الخَجُول / ع ـبق ذكرى .!

27 / دِيسمبر 2008

نبراس الحياة
12-28-2008, 02:15 AM
سلم لكِ ذلك القلم الخجول الذي كنتِ انتِ اشدُ خجلاً منه...
سلمتِ وسلم احساسكِ..

حلم القمر
12-29-2008, 02:37 AM
الله يسلم أناملك عالكلمات الرائعة

ربي يعطيكـ الف عافيهـ

’’ وفقك الباري’’

حيدر الكربلائي
12-29-2008, 11:25 PM
مذكرات رائعه
مبدعه دوما عبق
ننتظر جديدك

جود الزهراء
12-29-2008, 11:30 PM
كماتكِ تشبه الشمس في دفئها
وأريج الزهر في عبقها
هنا تماوجت حروفك
وهنا تدفقت ينابيعكِ
الصاخبه
وسيبقى حرفي خجلاً

أمام روعة نصكِ
دمتي مبدعه
تحياتي