المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدوك الاول..


batool22
03-08-2009, 10:29 AM
عدوك الأول

يقول أحد رجال الأعمال المعروفين: كلما تملكني القلق بسبب المنغصات الكثيرة التي تصادفنا كل يوم بل كل ساعة دلفت إلى مكتبتي، وتوجهت إلى الأرفف التي لا تحمل غير كتب التاريخ، ثم أغمض عيني وأنتقي منها كتابا فأفتحه حيثما اتفق، ثم أفتح عيني، وأقرأ نحو ساعة. وكلما أوغلت في القراءة ازداد إحساسي بأن العالم منذ خلق تتناوبه الكوارث والمحن والأزمات.. إذ لا تكاد تخلو صفحة من ذكر حرب أو مجاعة أو وباء. فما إن أنتهي من المطالعة حتى أحس أن الظروف المحيطة بي مهما ساءت، فهي على التحقيق أخف بكثير من مصائب الغير وآلامهم. وملايين الناس يقضي عليهم القلق غير المبرر كل عام. فمن المعروف أن القلق يسبب أمراضا عضوية، ويحول نشاط الجسم إلى طاقة سلبية ويضعف الجسد ويحول الحياة إلى جحيم، ويقصر العمر.. وليس في استطاعة أحدث العقاقير الطبية أن تقضي على القلق كما يقول الخبراء. ولكن الإنسان يستطيع أن يخلص نفسه منه متى عرف أنه يكمن في عقله، وأنه غالبا نتيجة توجيه خاطئ لملكة الخيال.. وفي الغالب معظم الناس يقلقون من أشياء غريبة وعجيبة، ويزداد القلق عند البعض في أثناء الإجازات الصيفية.. هل أحكمنا غلق الأبواب؟ هل تأكدنا من إغلاق المحول الكهربائي؟ هل سنتعرض للسرقة في الخارج؟ هل سننعم بوقت جميل؟ هل وهل وهل..؟ وبعد الإجازة يحتاجون إلى إجازة.
سيدة لم تنعم بنوم هانئ منذ سنوات. تنام بعد أن ينام الخدم وتستيقظ قبلهم. وطوال اليوم تتصيد أخطاءهم وتوجههم وتحاسبهم وتعلمهم كما تقول. وكان الأجدر أن تتخلص منهم لتعيش بقية أيامها بلا قلق. لكنها تعتبر هذه المراقبة الدؤوب مسألة حياة أو موت. وإذا غفلت ساعة واحدة عنهم ستحدث كارثة.. ما نوع الكارثة؟ هي وحدها من يعلم. سيدة أخرى لا تغمض عينها قبل أن يعود أبناؤها من الخارج. وفي الصباح ترتدي معطف القلق. غادر الأولاد.. متى سيعودون؟ قد يتعرضون لحادث.. قد يحدث لهم شيء.. كبر الأولاد وغادروا المنزل ولم يغادرها القلق. بل امتد إلى علاقتهم مع زوجاتهم وأطفالهم وأعبائهم المادية.
ومن الأفكار الخاطئة التي نتخلص منها إذا شئنا أن نتمكن من ترويض الفكر والتحكم فيه -كما يقول دكتور كرونين- فكرة اعتبار القلق صفة خاصة بالضعفاء والفاشلين وحدهم. فالواقع أن القلق كثيرا ما يكون دليلا على قوة كامنة في صاحبه وعلى رغبته الأكيدة في أن يجعل حياته وعمله شيئا ذا بال. ومشاهير الناس الذين بلغوا ذروة المجد وخلد التاريخ أسماءهم كان القلق في فطرتهم ولكنهم كانوا لا يهادنون ولا يكفون عن إثارة الحرب عليه. وقد روضوا نفسهم للتغلب عليها.. لديَّ صديقة تعشق السفر لكنها تكتفي بالتحضير كل عام ثم تلغي كل الترتيبات. فهي تخشى أن يسطو اللصوص على منزلها في غيابها. وعبثا نحاول إقناعها بأن هذا غير وارد ما دام هناك من يحرس المنزل.. الغريب أن ليس لديها ما يستحق السرقة. ولكنها تعتقد أن أحذيتها وماكياجها وأوراقها ثروة. إن القلق جزء لا يتجزأ من حياتنا ولكن علينا أن نتحكم فيه ولا نستسلم حتى لا يتحكم فينا. وقد أُجريت دراسة في هذا الشأن ظهر منها أن حالات القلق عند أكثر الناس بينها %40 بسبب أشياء لن تحدث إطلاقا. و%20 بسبب أشياء حدثت ولا سبيل إلى تغييرها ولو استمر القلق بشأنها طول الحياة. و%12 بسبب أمراض وهمية و%10 بسبب أشياء أخرى منوعة. أما الأشياء التي تقتضي القلق حقا فهي لا تتجاوز %8 من الحالات. ولعل القلق بسبب المال من أهم أنواع القلق التي تشغل بال الإنسان. وخير حل لحلها هو اتباع فلسفة (ثورو) في ترويض النفس على الاكتفاء بضرورات الحياة.. فقد وجد (ثورو) أنه كلما قصر حاجاته على مطالب العيش الضرورية ازداد استمتاعه بالحياة وقلت همومه ومتاعبه. وكما قال: لقد أدركت أخيرا أن هناك أشياء كثيرة يمكن أن أستغني عنها.. ويذكر الدكتور كرونين في كتابه أنه عرف صيادا متقدما في السن كل ما يملكه في الحياة زورق قديم وشبكة مهلهلة، لكنه كان لا يكف عن الغناء، ولا تفارق الابتسامة ثغره. سواء أكان الجو صحوا يسمح له بالصيد أم كان عاصفا ممطرا يقعده عن العمل ويضطره للبقاء في كوخه. وقد سألته مرة عن سبب سعادته فقال: إنني سعيد لأنني لا أنشد المال، ولأن تجاربي الطويلة زادتني إيمانا فوق إيماني بأن رزق أولادي سيأتيني في الوقت المناسب وبالقدر المناسب.. وحسبي ما أنعم به من حرية واستقلال بالذات. لا أعتمد على أحد ولا يتحكم بي أحد. ومن عادات الكاتب الروسي تولستوي إذا ما استبد به القلق مشاهدة الغروب في الحقول وهو يفسر هذه العادة بقوله: أليس مخجلا أن أركز تفكيري في متاعبي وآلامي وأضيق بالحياة وفيها مثل هذا الجمال؟ أما أندريه جيد الكاتب الفرنسي فقد كان يعمد إلى العزف على البيانو كلما شعر بالتوتر والضيق، فإذا بالأشياء التي قلق من أجلها تبدو تافهة. ويختتم الدكتور كتابه بقوله: إن المرء إذا ما بدأ يفكر في الحياة ومشكلاتها وبدأ يقلق على المستقبل ويأسى على الماضي سرعان ما تضطرب أعصابه ويضطرب تفكيره فتضطرب حياته. أما إذا أدى عمله كما ينبغي أن يؤدَّى واستخلص ما يستطيع من الحاضر فإنه يستخلص من الحياة كل ما يمكن استخلاصه من السعادة.
ويروي باولو كويلهو الكاتب البرازيلي قصة حدثت مع أحد معارفه الذي وقع في مشاكل مادية خطرة، وورط معه عددا كبيرا من المعارف، وسبَّب أضرارا نفسية لأناس يحبهم، وبسبب عجزه عن إيجاد حل فكَّر في الانتحار.. وبينما هو يسير في الشارع شاهد بيتا خربا وآيلا للسقوط فقال لنفسه: هذا البيت يشبهني. وفي تلك اللحظة سيطرت عليه الرغبة في عمل شيء لهذا البيت. وجد مالكه وعرض تقديم الخدمات. وقبل المالك رغم أنه لم يفهم لِمَ يتبرع بعمل لن يعود عليه بفائدة. ذهبا معا لجلب الأخشاب والإسمنت ومعدات البناء، وأخذ صديق باولو يعمل بحب وإخلاص من دون أن يعرف حب ماذا أو حب من. ولكنه كان يشعر بأن حياته تتحسن كلما تقدم في العمل. بعد عام أصبح البيت جاهزا ومشكلاته الشخصية محلولة.

لكاتبة وداد الكواري.. :Smiles (41):