المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خاتم الأنبياء النبي محمد المصطفى (صلى الله وعليه وآله)(دور الفتوّة والشباب


البصري
03-17-2009, 10:53 AM
كفالة أبي طالب للنبي (صلى الله عليه وآله) :
لقد استمرت رعاية عبد المطلب لحفيده «محمد» (صلى الله عليه وآله) حين أوكل أمره إلى ولده أبي طالب لما كان يعلم من أن أبا طالب سيقوم برعاية ابن أخيه خير قيام وهو وإن كان فقيراً لكنّه كان أنبل إخوته وأكرمهم في قريش مكانة واحتراماً. على أنّ أبا طالب كان شقيق عبد الله لأُمه وأبيه وهو مما يزيد أواصر التلاحم مع «محمد» (صلى الله عليه وآله) والحنان والعطف عليه.


وتقبّل أبو طالب هذه المسؤولية بفخر واعتزاز وكانت تعينه في ذلك زوجته الطيبة فاطمة بنت أسد فكانا يؤثران محمداً بالنفقة والكسوة على نفسيهما وعلى أولادهما، وقد عبّر النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن ذلك حين وفاة فاطمة بنت أسد قائلاً: اليوم ماتت أُمي. وكفّنها بقميصه واضطجع في لحدها.
ومنذ وفاة عبد المطلب بدأت مهمة أبي طالب الشاقّة في
المحافظة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فكان يقيه بماله ونفسه وجاهه منذ صغره ويدافع عنه وينصره بيده ولسانه طوال حياته حتى نشأ محمّد(صلى الله عليه وآله) وتلقّى النبوّة وصدع بالرسالة [1] .

2 ـ السفرة الاُولى الى الشام :

كان من عادة قريش الخروج الى الشام كل عام مرة للتجارة إذ كانت هي المصدر الرئيس للكسب وعزم أبو طالب على الخروج في هذه الرحلة ولم يكن يفكر في استصحاب محمد(صلى الله عليه وآله) خوفاً عليه من وعثاء السفر ومخاطر اجتياز الصحراء، ولكن في لحظة الرحيل غيّر أبو طالب قراره إذ وجد الإصرار لدى ابن أخيه كبيراً حين أغرورقت عيناه بالدموع لفراق عمه، فكانت الرحلة الاُولى لمحمّد(صلى الله عليه وآله) إلى الشام بصحبة عمّه. واطّلع محمّد في هذه الرحلة على طبيعة السفر عبر الصحراء وعرف طرق سير القوافل.
وفي هذه الرحلة شاهد بحيرا الراهب محمّداً والتقى به ووجد فيه علامات النبيّ الخاتم الذي بشّر به عيسى(عليه السلام) إذ كان ممن خبرالتوراة والأنجيل وغيرهما من المصادر المبشرة بظهور النبي الخاتم، فنصح عمه أبا طالب أن يعود به إلى مكة وأن يحتاط عليه من اليهود لئلاّ يغتالوه [2] . فقفل أبو طالب راجعاً الى مكة ومعه ابن أخيه محمّد(صلى الله عليه وآله) .

3 ـ رعي الغنم :

لم يرو عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ما ينص على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رعى الأغنام في صباه، نعم روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث يعمّ الأنبياء فيما يخص الرعي وحكمة ذلك إذ جاء فيه: «ما بعث الله نبياً قط حتى يسترعيه الغنم، يعلّمه بذلك رعيه للناس».

كما روي عنه (عليه السلام) في حكمة الحرث والرعي قوله: «إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ لأنبيائه من الأعمال: الحرث والرعي، لئلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» [3] .
وروي أيضاً: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان أجيراً لأحد قط [4] .
ويدل هذا النّص على أنّه لم يكن يرعى الغنم لأهل مكة بأجرة كما زعم بعض المؤرخين من أ نّه (صلى الله عليه وآله) قد رعى الغنم لأهل مكة مستشهداً بحديث جاء في صحيح البخاري [5] .
وإذا ثبت لدينا رعيه (صلى الله عليه وآله) للغنم في صباه أو في عنفوان شبابه أمكن تعليل ذلك بما جاء في النصّ الذي أشرنا إليه من حديث الإمام الصادق(عليه السلام) وهو الإعداد الإلهي له من خلال ممارسة النشاط الذي يؤهله لبلوغ المرتبة السامية من الكمال الذي وصفه الله تعالى به بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) [6] كمالاً يجعله مستعداً لتحمل أعباء الرسالة الإلهية التي تتطلب رعاية الناس وتربيتهم والصبر على مصاعب هدايتهم وإرشادهم.

4 ـ حروب الفجار :


كانت للعرب عدّة حروب استحلّت فيها حرمة الأشهر الحرم فسميت بحروب الفجار [7] .
وزعم بعض المؤرخين أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد حضر بعض أيامها، وشارك فيها بنحو من المشاركة. وقد شكك بعض المحققين في ذلك لأسباب منها:
اولاً: أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كلما تقدم في العمر كانت شخصيته تزداد تألّقاً وقد عرف بشجاعته الفائقة كسائر بني هاشم، ولكن هذا لايعني أنهم شاركوا في حرب فيها ظلم وفساد. فقد روي أن أحداً من بني هاشم لم يحضر هذه الحروب فإن أبا طالب كان قد منع أن يكون فيها أحد منهم حين قال: هذا ظلم وعدوان، وقطيعة رحم، واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره ولا أحد من أهلي [8] . وانسحب عبدالله بن جدعان وحرب بن أُمية ـ وهو قائد قريش وكنانة حينذاك ـ وقالا: لا نحضر أمراً تغيب عنه بنو هاشم [9] .
ثانياً: اختلفت الروايات حول الدور الذي أدّاه النبيّ (صلى الله عليه وآله) في هذه الحرب، فبعضهم روى: أنّ عمله (صلى الله عليه وآله) كان يقتصر على مناولة النبل لأعمامه والردّ على نبل عدوهم وحفظ متاعهم [10] . وروى آخر: أنّه قد رمى فيها برميات [11] ، وروى ثالث أنه طعن أبا البراء ملاعب الأسنة فصرعه [12] مع أنه كان غلاماً [13] ، ولا ندري هل كانت العرب تسمح للغلام بخوض المعارك والحروب [14] ؟

5 ـ حلف الفضول :

شعرت قريش بعد حرب الفجار بضعفها وتفرّق كلمتها، وخشيت من طمع العرب فيها بعد أن كانت قويةً منيعةً، فدعا الزبير بن عبد المطلب إلى حلف الفضول حيث اجتمعت بنو هاشم وزهرة وتميم وبنو أسد في دار عبد الله بن جدعان، وغمس المتحالفون أيديهم فى ماء زمزم وتحالفوا على نصرة المظلوم، والتأسي بالمعاش، والنهي عن المنكر [15] وكان أشرف حلف في العهد الجاهلي. وقد شارك محمّد(صلى الله عليه وآله) في هذا الحلف وكان يومئذ قد جاوز العشرين من عمره [16] وقد أثنى عليه بعد نبوّته وأمضاه. بقوله: ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» [17] .
وقيل في سبب تسميته بحلف الفضول أنه قد حضره ثلاثة نفر أسماؤهم مشتقة من مادة «الفضل» وكان السبب في عقد هذا الحلف ما روي من أنه: أتى رجل من زبيد أو من بني أسد بن خزيمة مكة في شهر ذي القعدة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي وحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي قريشاً فأبت الأحلاف من قريش معونة الزبيدي على العاص بن وائل وانتهروه فلما رأى الزبيدي الشرّ صعد على جبل أبي قبيس واستغاث فقام الزبير بن عبد المطلب ودعا إلى الحلف المذكور; فعقد، ثم مشوا الى العاص وانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه [18] .

6 ـ التجارة بأموال خديجة :


بدأت شخصية محمد (صلى الله عليه وآله) تتلألأ في المجتمع المكي بما كانت تتمتع به من خلق رفيع وعلو همة وأمانة وصدق حديث فكانت القلوب تنجذب إليه وهو سليل أسرة طاهرة ولكن الفقر الذي كان حليف أبي طالب دفع بالأسرة الكريمة التي كان يعيش فيها محمد(صلى الله عليه وآله) إلى أن يقترح أبو طالب على ابن أخيه الذي كان قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره أن يخرج مضارباً بأموال خديجة بنت خويلد وبادر أبو طالب إلى خديجة وفاتحها بالأمر فرحّبت به على الفور وسرّت سروراً عظيماً لما كانت تعرفه عن محمد(صلى الله عليه وآله) وقد بذلت له ضعف ما كانت تبذل لغيره ممّن يخرج في تجارتها [19] .
وسافر محمّد (صلى الله عليه وآله) إلى الشام يعينه في رحلته «ميسرة» غلام خديجة واستطاع بجمال شمائله ورقيق عواطفه أن يكسب حبّ ميسرة وإجلاله واستطاع بأمانته وحنكته أن يربح أوفر الربح وظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة، فلما عادت القافلة الى مكة أخبر ميسرة خديجة بما شاهد وسمع [20] مما زاد في اهتمام خديجة بمحمّد (صلى الله عليه وآله) وشوّقها الى الاقتران به.
وزعم بعض المؤرخين: أنّ خديجة قد استأجرته في تجارتها، بينما قال اليعقوبي ـ وتاريخه الذي يعدّ من أقدم المصادر المعتمدة ـ: «وإنه ما كان مما يقول الناس: إنها استأجرته بشيء، ولا كان أجيراً لأحد قط» [21] .
وقد ورد النصّ عن الإمام الحسن العسكري، عن أبيه الإمام الهادي (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسافر الى الشام مضارباً لخديجة بنت خويلد» [22] .
الفصل الثالث

من الزواج إلى البعثة

1 ـ الزواج المبارك :

كان لابد لمثل شخصية محمد (صلى الله عليه وآله) التى فاقت كلّ شخصيّة من الاقتران بامرأة تناسبه وتتجاوب مع عظيم أهدافه وقيمه تواصل معه رحلة الجهاد والعمل المضنية وتصبر على متاعبه ومصاعبه، ولم يكن يومذاك امرأة تصلح لمحمد(صلى الله عليه وآله) ولهذه المهمة سوى خديجة، وشاء الله ذلك فاتجه قلب خديجة بكلّ عواطفه نحو محمد (صلى الله عليه وآله) وتعلق بشخصه الكريم. ولقد كانت خديجة (رضي الله عنها) من خيرة نساء قريش شرفاً وأكثرهن مالاً وأحسنهن جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية بـ«الطاهرة» و«سيدة قريش». وكان كل رجال قومها حريصين على الاقتران بها.
وقد خطبها عظماء قريش وبذلوا لها الأموال، فرفضتهم جميعاً [23] لما كانت تملك من عقل راجح يزن الأمور، ولكنّها اختارت محمداً (صلى الله عليه وآله) لما عرفت فيه من النبل والأخلاق الكريمة والسجايا الفاضلة والقيم العالية. فطلبت النزول في ساحة عظمته، وعرضت نفسها عليه.

وتظافرت النصوص التأريخية على أنّها هي التي أبدت أوّلاً رغبتها في الاقتران به، فذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفر من قريش لخطبتها من وليّها آنذاك وهو عمها عمرو بن أسد [24] وكان ذلك قبل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بخمس عشرة سنة على المشهور.
وكان مما قاله أبو طالب في خطبته: «الحمد لربّ هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكّام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ... ثمّ إن ابن أخي هذا ممن لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجح به ولا يقاس به رجل إلاّ عظم عنه، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاًّ في المال; فإن المال رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك، برضاها وأمرها والمهر عليَّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله... وله وربّ هذا البيت حظّ عظيم، ودين شائع ورأي كامل» [25] .

لكن خديجة (رضي الله عنها) عادت، فضمنت المهر في مالها.. فقال البعض: يا عجباً! المهر على النساء للرجال فغضب أبو طالب، وقال: «إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طُلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر، وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلاّ بالمهر الغالي».
وتفيد بعض المصادر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه قد أمهرها، ولا مانع من ذلك حينما يكون قد أمهرها بواسطة أبي طالب، ومن خطبة أبي طالب يمكننا أن نستشف علو مكانة الرسول (صلى الله عليه وآله) في قلوب الناس، وما كان يتمتع به بنو هاشم من شرف وسؤدد.


خديجة قبل أن يتزوّجها النبي(صلى الله عليه وآله):
ولدت خديجة وسط اُسرة عريقة النسب كانت تتمتّع بالذكر الطيب والخلق الكريم وتميل إلى التدين بالحنيفية ـ دين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ـ فأبوها خويلد نازع ملك اليمن حين أراد أن يحمل الحجر الأسود إلى اليمن، ولم ترهبه كثرة أنصاره دفاعاً عن معتقده ومناسك دينه، وأسد بن عبد العزى ـ جد خديجة ـ كان من المبرّزين في حلف الفضول الذي قام على أساس نصرة المظلوم، وقد شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأهمية هذا الحلف وأيّد القيم التي قام عليها [26] . وابن عمها ورقة بن نوفل كان قد عاشر النصارى واليهود ودرس كتبهم.
إن التأريخ لا يعطينا تفاصيل دقيقة عن حياة خديجة قبل زواجها من النبي(صلى الله عليه وآله). فقد روي أنها تزوجت قبله (صلى الله عليه وآله) برجلين وكان لها منهما بعض الأولاد وهما عتيق بن عائد المخزومي وأبو هالة التميمي [27] ، في حين تروي مصادر أُخرى أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) حين تزوج بها كانت بكراً، وحينئذ تكون زينب ورقية ابنتي هالة أخت خديجة قد تبنّتهما خديجة بعد فقدهما لاُمّهما [28] .

واختلف المؤرّخون في تحديد عمر خديجة (رضي الله عنها) حين زواجها مع النبي(صلى الله عليه وآله) فهناك من روى أن عمرها كان (25) عاماً وآخر (28) عاماً وثالث (30) عاماً ورابع (35) عاماً وخامس (40) عاماً [29] .