المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزهراء في منطق الرسالة الإسلامية


البصري
03-20-2009, 07:26 PM
1ـ في نظر القرآن الكريم
2ـ في ظلال السُنّة الشريفة


وحين تشكل الزهراء ( عليها السلام ) المدرسة الإسلامية الكبرى في حياة الرّسالة والأُمّة بصفتها غرس النبوة الوحيدة الذي تولّى إنجاب خلفاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الشرعيين المتمثّلين بأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) . وحين تكون الزّهراء ( عليها السلام ) النافذة الوحيدة التي يطلُّ منها القادة الحقيقيون على الإنسانية ، فلابد للإسلام أن يولي مدرسته ـ هذه ـ كثيراً من الأهتمام والعناية ليجعل أُمته أكثر قدرة على سلوك السبيل الألحب المتمثل باتّباع أهل بيت الرسالة ( عليهم السلام ).
والقرآن الكريم ـ وهو دستور الأُمّة الخالد ـ قد أولى فاطمة الزّهراء ( عليها السلام ) عنايته وأبرز قيمتها ومعالم شخصيّتها في كثير من آياته . وإذا شاء الباحثون أن يستوعبوا هذه الآيات دراسة واستقراءً لأصطروا إلى تأليف كتابٍ ضخم لتحقيق هذا الهدف ، ولذا فإنّنا حين نتعرّض للحديث عن مقام الزهراء ( عليها السلام ) في نظر القرآن ، فلابد لنا أن نلتزم جانباً من الإيجاز ما دام الأمر يحاج إلى كثير جهد وبذل وقت طويل . ولنكتف بسرد الآيات الآتية :
1ـ « إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(1).
اجمع المؤرّخون وأهل التفسير ـ من الصّحابة والتابعين ـ على أن هذه الآية
____________
(1) سورة الاحزاب آية | 33.


نزلت في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام )(1) فقد ورد عن أُمّ سلمة ( رض ) : أنها قالت : إنّ هذه الآية نزلت في بيتي ، إذ أن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وجلّلهم بعباءةٍ خيبرية ، ثم قال : « الّلهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً » ، فنزل قوله تعالى : « إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ».
وقد هزّ أُمّ سلمة الشوق على أن تكون معهم ، فقالت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « هل أنا من أهل بيتك ؟». قال : « لا ولكنّك على خير ».
وحين يلقي المتتبع نظرة فاحصة على هذا الحديث الذي ترويه أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة ، وحين يطّلع على مكانة أُمّ سلمة ـ نفسها ـ في الإسلام ومكانتها الرفيعة عند الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يتّضح له السّر الذي دفع الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) إلى عدم حشرها في أهل بيته ( عليهم السلام ).
فأمُّ سلمة هي التي يكلّفها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بأُمور خاصّة دون غيرها من نسائه لتتولاها ، فهو يكلّفها بتربية فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد وفاة أُمّها ، وهي التي تتولى مهمّة زفافها ورعايتها ، كما أنّ كثيراً من الحوادث التي عاشها بيت الرّسالة ـ أفراحاً كانت أم أتراحاً ـ كان لأُمّ سلمة حظٌ وافر فيها . والتأريخ يمتلىء بشواهد جمّة ، كلُّها تسبغ على هذه الإمرأة الجليلة إطاراً من القدسية والقدم في الإسلام والإخلاص للرسول ( صلى الله عليه وآله ) . ولكنّ هذه المكانة الرّفيعة التي تتمتّع بها أُمّ المؤمنين أم سلمة لم ترفعها إلى الدّرجة التي وصلها أهل البيت ( عليهم السلام ) لأنّ أهل البيت لهم درجتهم الخاصّة ونصيبهم الخاص من الكرامة الإلهية مما جعل القرآن الكريم يفرد لهم صفة إذهاب الرّجس عنهم ، فهم بعيدون عن كلّ خلق ونشاط وتحرُك وسكون لا يمتُ إلى رسالة السّماء بصلة ، فقد انطبع فكرهم وإدراكاتهم وكافّة ألوان نشاطاتهم وعواطفهم بلون الرّسالة الإلهية المقدّسة ، حتى عادوا إسلاماً يسير على الأرض. ولهذا أعطى الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) أُمّ سلمة مقامها الذي يختلف في علوّ منزلته عن مقام أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهي على خير ، ولكنّها لا تبلغ ذلك المقام السّامي ، مع أنّها
____________
(1) إعلام الورى | الطبرسي ، فضائل الخمسة من الصّحاح الستة.