المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن الكريم وأهل البيت ( عليهم السلام )


ارض الفتح
04-28-2009, 07:18 PM
أنّ هذا القرآن الذي أنزله الله بين محكم ومتشابه لابدّ لفهمه من أن يكون هناك دليل هاد يقود العقل بين آياته قيادة مبرّأة من الجهل والهوى ، وأن هذه القيادة التي يقتضيها المنطق القرآني ومنهجه قد تمت الدلالة عليها في وقائع الحياة اليومية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فها هو المنهج الإسلامي يتنزّل به الوحي على أمة أمية مضى عليها حين من الدهر تعبد اللات والعزى ومناة ، ووصفها الله عزّ وجلّ بأنّها أمة كانت في ضلال مبين ، وحينما فتحت المدرسة المحمدية كان أول من وفد على ساحتها بفطرة نقية صبي مجتبى تربى في
حجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشرب كل مشاربه ، علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أقبل على هذه المدرسة وهو غير محمّل بأية آثار أو أوزار أو شبهات من العهد الوثني ، فكرّم الله وجهه عن السجود لصنم ، وقد اتفقت الأمة السنية على اختصاصه بهذا الوصف من بين كل أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
فقد تعلّمنا في المدارس منذ الصغر أن يوصف علي وحده بأنّه كرّم الله وجهه ، وهذا التكريم كان بداية الإعداد لولاية أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ولمنصبه الإلهي في البيان بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بحيث يكون بيانه مطابقاً لمراد الله تعالى تماماً كبيان رسول الله ، واستبان لي البرهان في هذه القضية ـ قضية بيان أمير المؤمنين وأنّه عين بيان رسول ربّ العالمين ، بيان علي ( عليه السلام ) كبيان محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ بدلالة ما وقع عند نزول سورة براءة ، وفي شرح سورة براءة وما حدث قبل وبعد نزولها!
لقد استفاضت كتب التفسير عند السنة (1) أنّه في العام التاسع للهجرة الشريفة وبعد فتح مكّة بعام واحد ندب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الناس للحج ، فبدأوا يتهيّأون له ، ولا يرون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتهيّأ مثل تهيّوئهم إذ أنّ البيت يحج به المشرك ويطوف به العريان والكاسي ، وهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يحج حتى يتطهّر البيت من طواف المشرك والعريان ، وأمّر على الحجيج أبا بكر بن أبي قحافة.
ونزلت الآيات العشر من سورة براءة مستهلة بقوله عز شأنه : « بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى اللَّذِينَ عَاهَدتُمْ مِنَ المُشرِكينَ * فَسِيحُوا في الأرْضِ أربَعَةَ أشهُر وَاعلَمُوا أنّكُمْ غَيرُ مُعْجِزي اللهِ وَأنَّ اللهَ مُخزي الكافِرينَ * وَأذانٌ منَ اللهِ وَرَسولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللهَ بريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسُولُهُ ... » (1) .
فسورة براءة تعني أن هذا العام الذي يحجّ فيه أبو بكر بن أبي قحافة أميراً على الحجيج هو آخر عام يحجّ فيه الناس بين مشرك ومسلم ، وأنّه لا يجوز للمشركين ، « إنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْربُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا » (2) .
فلمّا نزلت الآيات أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) ليبلّغ هذه السورة ، ورجع أبو بكر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟ فقال : لا ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك.
فهذا الأمر الإلهي كشف عن أن عليّاً ( عليه السلام ) من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو الذي عبّر عنه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث صحيح بقوله : « إنّ عليّاً منّي وأنا منه » (1) .
وذهب علي يتلو على الناس سورة براءة نائباً عن رسول الله نيابة النفس عن النفس ونيابة الجزء عن الكلّ.
هذا الحادث دليل قطعي على منصب إلهي ، اجتبى الله فيه عليّاً ( عليه السلام ) ، ومن قبله أحداث ومن بعده أحداث ، فمن قبله فتح خيبر وما أدراك ما فتح خيبر؟!
- أنظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 2 / 346 ، التفسير الكبير للفخر الرازي : 15 / 523 ـ 524 ، تفسير روح المعاني للآلوسي : 5 / 240 ، الدر المنثور للسيوطي : 3 / 209.