كعبة الأحزان
07-23-2009, 11:39 AM
http://www.anwaralhuda.com/forumpic/4_1214209287.gif
دروس في التربية الروحية للسيد كمال الحيدري
إن أفضل طريقة لبيان ومعرفة أهمية علم الأخلاق الرجوع إلى القرآن الكريم والروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام).
أ ـ الآيات القرآنية الحاثّة على الأخلاق الحسنة
إن الآيات القرآنية التي تحثّ على الأخلاق الحسنة ليست قليلة، ولعلّ من أهمّها قوله تعالى في أوّل سورة الشمس:
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جلاهَا.وَاللَيلِ إِذَا يَغْشَاهَا. وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا. وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا. وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}1.
في هذه الآيات المباركة عدّة نكات مهمّة يبرز من خلالها مدى اهتمام القرآن الكريم بأخلاق الإنسان وما هو منهجه في دعوة الإنسان إلى الأخلاق الحسنة وتحذيره من الأخلاق السيئة.
ولعل من أهم هذه النكات ما يلي:
الأولى: من النوادر القرآنية أن يقدم لجواب القسم بعدد كبير من الأقسام، وقد قدم لجواب القسم هنا، أي قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} بستّة أو سبعة أقسام، الأمر الذي يوضح مدى اهتمام القرآن الكريم بجواب القسم هذا، والذي يتضمّن دعوة الإنسان إلى الالتزام بالأخلاق الحسنة وتجنّب السيئ منها ودفعه إلى تزكية نفسه وتحذيره من الدسّ لها.
الثانية: أقسم الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الشريفة بالشمس والقمر وبالنهار والليل والسماء والأرض حتى شمل كل عالم المادة ـ هذا العالم المشهود ـ بقسمه عزّ وجلّ، ولم يبق فيه شيء إلاّ وأقسم به، وكأن هذه الآيات تريد أن تقول ـ والله العالم ـ إن كل عالم الشهادة هو لأجل خلق الإنسان وأنه هو المقصود من خلق هذه الأشياء كلّها.
قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جَمِيعًا منهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ}2.
الثالثة: أن المراد من «النفس» في الآيات المباركة هي «النفس» الإنسانية بقرينة قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}. فالمقصود ليس مطلق النفس سواء كان نباتاً أو حيواناً أو إنساناً، بل الإنسان وهو المكلّف الذي يترتّب على عمله الثواب والعقاب.
الرابعة: أن مفردات «الشمس» و«القمر» و«النهار» و«الليل» و«السماء» و«الأرض» في الآيات المباركة كلها معرفة غير أن مفردة «نفس» نكرة; إذ قال تعالى {وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا}3 ولم يقل «والنفس وما سواها».
ولبيان سبب هذا التنكير، ذكرت عدّة وجوه، لعل أفضلها هو ما يشير إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان4. من أنه جعل النفس نكرة لبيان عظمتها وفخامتها.
فكأنه (سبحانه) يريد أن يقول ـ والله العالم ـ : يا أيها الإنسان اعرف نفسك لأنك وإن كنت تعرف كثيراً من الأشياء من حولك ولكنّك لا تعرف أقرب الأشياء إليك وهي نفسك، واعلم أنك بهذه النفس التي خلقتها بيديّ ـ وهذه نسبة تشريفية ـ قد أصبحت سيّد عالم الإمكان ومحوره وثمرته بشرط أن تقوم بما يجب عليك القيام به وأن تزكّي نفسك.
والخلاصة، أن عالم الإمكان شجرة إلهية والإنسان ثمرتها وأن هذا العالم يدور حول محور الإنسان الكامل، وفي كل هذه المعاني وما سبقها إشارة إلى عظمة النفس الإنسانية وفخامتها.
الخامسة: أن الآيات المباركة قد تسلسلت في طرح الأفكار، إذ ورد فيها قوله تعالى: {وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا}5 ومن بعده ورد قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}6. إذ الظاهر أن للنفس الإنسانية في الإيجاد مرتبتين، كما في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}7 فأصل الخلق شيء والتسوية شيء آخر.
وهذه التسوية هي المنشأ لقبول النفس إلهام التقوى والفجور {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}8 وإلاّ فإنها بدون هذه التسوية ليست قابلة لأيّ من الإلهامين.
يــيــبــ ع
دروس في التربية الروحية للسيد كمال الحيدري
إن أفضل طريقة لبيان ومعرفة أهمية علم الأخلاق الرجوع إلى القرآن الكريم والروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام).
أ ـ الآيات القرآنية الحاثّة على الأخلاق الحسنة
إن الآيات القرآنية التي تحثّ على الأخلاق الحسنة ليست قليلة، ولعلّ من أهمّها قوله تعالى في أوّل سورة الشمس:
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جلاهَا.وَاللَيلِ إِذَا يَغْشَاهَا. وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا. وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا. وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}1.
في هذه الآيات المباركة عدّة نكات مهمّة يبرز من خلالها مدى اهتمام القرآن الكريم بأخلاق الإنسان وما هو منهجه في دعوة الإنسان إلى الأخلاق الحسنة وتحذيره من الأخلاق السيئة.
ولعل من أهم هذه النكات ما يلي:
الأولى: من النوادر القرآنية أن يقدم لجواب القسم بعدد كبير من الأقسام، وقد قدم لجواب القسم هنا، أي قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} بستّة أو سبعة أقسام، الأمر الذي يوضح مدى اهتمام القرآن الكريم بجواب القسم هذا، والذي يتضمّن دعوة الإنسان إلى الالتزام بالأخلاق الحسنة وتجنّب السيئ منها ودفعه إلى تزكية نفسه وتحذيره من الدسّ لها.
الثانية: أقسم الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الشريفة بالشمس والقمر وبالنهار والليل والسماء والأرض حتى شمل كل عالم المادة ـ هذا العالم المشهود ـ بقسمه عزّ وجلّ، ولم يبق فيه شيء إلاّ وأقسم به، وكأن هذه الآيات تريد أن تقول ـ والله العالم ـ إن كل عالم الشهادة هو لأجل خلق الإنسان وأنه هو المقصود من خلق هذه الأشياء كلّها.
قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جَمِيعًا منهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ}2.
الثالثة: أن المراد من «النفس» في الآيات المباركة هي «النفس» الإنسانية بقرينة قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}. فالمقصود ليس مطلق النفس سواء كان نباتاً أو حيواناً أو إنساناً، بل الإنسان وهو المكلّف الذي يترتّب على عمله الثواب والعقاب.
الرابعة: أن مفردات «الشمس» و«القمر» و«النهار» و«الليل» و«السماء» و«الأرض» في الآيات المباركة كلها معرفة غير أن مفردة «نفس» نكرة; إذ قال تعالى {وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا}3 ولم يقل «والنفس وما سواها».
ولبيان سبب هذا التنكير، ذكرت عدّة وجوه، لعل أفضلها هو ما يشير إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان4. من أنه جعل النفس نكرة لبيان عظمتها وفخامتها.
فكأنه (سبحانه) يريد أن يقول ـ والله العالم ـ : يا أيها الإنسان اعرف نفسك لأنك وإن كنت تعرف كثيراً من الأشياء من حولك ولكنّك لا تعرف أقرب الأشياء إليك وهي نفسك، واعلم أنك بهذه النفس التي خلقتها بيديّ ـ وهذه نسبة تشريفية ـ قد أصبحت سيّد عالم الإمكان ومحوره وثمرته بشرط أن تقوم بما يجب عليك القيام به وأن تزكّي نفسك.
والخلاصة، أن عالم الإمكان شجرة إلهية والإنسان ثمرتها وأن هذا العالم يدور حول محور الإنسان الكامل، وفي كل هذه المعاني وما سبقها إشارة إلى عظمة النفس الإنسانية وفخامتها.
الخامسة: أن الآيات المباركة قد تسلسلت في طرح الأفكار، إذ ورد فيها قوله تعالى: {وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا}5 ومن بعده ورد قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}6. إذ الظاهر أن للنفس الإنسانية في الإيجاد مرتبتين، كما في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}7 فأصل الخلق شيء والتسوية شيء آخر.
وهذه التسوية هي المنشأ لقبول النفس إلهام التقوى والفجور {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}8 وإلاّ فإنها بدون هذه التسوية ليست قابلة لأيّ من الإلهامين.
يــيــبــ ع