المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمام يعضكم فلا تغفلوا عن مواعظه


قمر3d12
08-15-2009, 12:58 AM
من مواعظ الامام زين العابدين

كان علي بن الحسين عليهما السلام يعظ الناس يزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وحفظ عنه وكتب، وكان يقول: أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون " فتجد كل نفس ما عملت - في هذه الدنيا - من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه " ويحك ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه، ابن آدم إن أجلك أسرع شئ إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك، ويوشك أن يدركك، وكأن قد أوفيت أجلك، وقبض الملك روحك، وصرت إلى منزل وحيدا فرد إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تبعده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته، وفيما أتلفته، فخذ حذرك وانظر لنفسك، وأعد للجواب قبل الامتحان، والمسألة والاختبار، فإن تك مؤمنا تقيا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لأولياء الله لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، فبشرت بالجنة والرضوان من الله والخيرات الحسان واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب، بنزل من حميم وتصلية جحيم فاعلم ابن آدم إن من وراء هذا ما هو أعلم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " ويجمع الله فيه الأولين والآخرين ذلك يوم ينفخ في الصور وتبعثر فيه القبور، ذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فيه فدية،
ولا تقبل من أحد فيه معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات، والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان عمل من المؤمنين في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من المعاصي والذنوب فقد نهاكم الله عنها وحذركموها في الكتاب الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وشدة أخذه عند ما يدعوكم إليه الشيطان اللعين من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله يقول: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، فاشعروا قلوبكم - لله أنتم - خوف الله، وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوفكم من شديد العقاب، فإنه من خاف شيئا حذره، ومن حذر شيئا نكله، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا فتكونوا من الذين مكروا السيئات، وقد قال الله تعالى " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤف رحيم. فاحذروا ما قد حذركم الله، واتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب، تالله لقد وعظتم بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في الكتاب ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: " وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ـ يعني يهربون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون فلما أتيهم العذاب قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " وأيم الله إن هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم.

ثم رجع إلى القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب. فقال:
" ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين " فإن قلتم أيها الناس: إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذاك وهو يقول: " ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" ؟. اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين وإنما تنشر الدواوين لأهل الإسلام، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله لم يختر هذه الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملا لآخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيها الأمثال، وصرف الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله يقول وقوله الحق " إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض " فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قد قال لمحمد نبيه صلى الله عليه وآله ولأصحابه ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة وبلغة، ودار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها، وقبل الإذن من الله في خرابها، فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها. وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى، والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، والراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله.

من كتاب بحار الأنوار للمجلسي