المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من اقوال عبد الحميد المهاجر


هاني حسين
08-31-2009, 05:52 PM
بسـم الله الرحـمن الرحـيم

﴿إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾

كما أن الأبصار تتفاوت قدرتها على النظر للأشياء، كذلك البصائر تتفاوت قدرتها على رؤية الحقائق، فنحن مثلاً، نرى الناس درجات عند رؤية الأشياء، فهذا يرى نصف رؤية لعلة في عينه، وذاك يرى رؤية كاملة لقوة بصره، وآخر لايبصر شيئاً لأنه كفيف وضرير، وكذلك الأمر في رؤية البصيرة للحقائق فإن الناس ليسوا سواءاً في ذلك، فالكل يرى فاطمة الزهراء عليها السلام أنها بنت النبي وبضعته، ولكن قليل منهم من يعرف حق فاطمة وعظمتها، إذ أن المعرفة هذه لها علاقة بالصفاء الذهني والروحي والنفسي، فإذا صفت النفوس وسلمت القلوب، وكملت العقول استطاع أهلها أن يعرفوا من هي فاطمة عليها السلام، وإن كان بينهم وبين هذا اللون من المعرفة شرخ القتاد



دخل جماعة من الناس على الإمام علي امير المؤمنين عليه السلام وسألوه من أنت يا امير المؤمنين عرفنا نفسك، قال انكم لا تقدرون على ذلك _ هذا مضمون الحديث _ قالوا نريد أن نعرف حقيقتك ومنزلتك من الرسول _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على أن أمثال هؤلآء في إمكانهم أن يعرفوا علياً عليه السلام ولو حتى المعرفة التي تحفظ دينهم وتصحح عقيدتهم لو أنهم اصغوا إلى ضميرهم ورجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة، وهذا هو الواقع، على كل حال، أنهم سألوا امير المؤمنين هذا السؤال وألّحوا على الجواب فقال لهم أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام_: أنا الأول والآخر، وأنا الظاهر والباطن وأنا أحي وأُميت، فلما سمعوا هذا منه فرّوا إلى الباب يريدون الخروج بعد أن اتهموا علياً بالغلو.. فأشار الإمام إلى الباب فردت في وجوههم كأنها كتلة اقتطعت من جبل، ثم أشار إليهم أن عودوا حتى تسمعوا تفسيري لهذه الكلمات التي القيتها عليكم وأنا أعلم انكم لا تحتملون مثل هذا اللون من الخطاب لأن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي أو وصي أو عبد إمتحن الله قلبه للتقوى، فلما رجعوا راح يشرح لهم المعاني التي في مستوى تلقيهم، وعلى قدر عقولهم، قائلاً لهم: أنا الأول والآخر، أنا أول من آمن بالرسول محمد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وآخر من سجاه في ملحودته، وأنا الظاهر والباطن، أنا أعلم تفسير القرآن وتأويله، وظاهره وباطنه، وأنا أحيي وأُميت، أنا أحيي السنة وأميت البدعة، قالوا: فرجت عنا، فرج الله عنك، قال: اخرجوا الآن فخرجوا.

على أن هذا مثال جرى لأن اولئك النفر الذين وجهوا مثل هذا السؤال للإمام علي عليه السلام، لو أنهم كانوا في مستوى أكبر وأعلى في العلم لسمعوا جواباً أعظم من هذا وإن كان هذا الجواب عظيماً، حتى تصل في معرفة الإمام على سبيل المثال إلى قول رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _: يا علي ما عرفك إلا الله وأنا.

على أن هناك لوناً من الخطاب المقصود به إثارة العقول، وخلق هزة في النفوس، لأنها بعض الناس يعيش في حالة من الكسل الذهني والتقاعس في الاقدام والضعف في الإرادة، فتراه ضعيفاً في عقيدته، واهياً في إرادته، خائفاً في مواجهة الأحداث التي تعصف بالليالي والأيام كما تعصف الرياح بالنبات والهشيم والعصف المأكول.. ففي مثل هذه الأحوال يجدر بالمتحدث أن يحدث هزة في القلوب والأرواح ابتغاء الوعي والتوجه والتركيز، وخير مثال على ذلك، صنيع النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ يوم أراد أن يعرف الإمام الحسين عليه السلام لطوائف شتى من أصحابه فقال لهم وهو يحمل الحسين على صدره، وهو على منبره في مسجده الشريف العالي: أيها الناس أن لولدي الحسين عليه السلام فضائل وخصائص، لا يشاركه فيها أحد من الناس حتى ولا أنا.. _ على أن هناك ملاحظة، وهي أن الرواية تروى مرة عن الحسين عليه السلام وتارة عن الإمام الحسن عليه السلام، لأن الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، ولأنهما سيدا شباب أهل الجنة، ولأنهما روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم _ أقول: رغم ذلك فإن الرواية تختص بالحسين عليه السلام، لأن الحسين هو صاحب الدمعة الساكبة، والمصيبة الراتبة وهو _ وإن كانت أبوابهم واحدة ونورهم واحد، إلا أن الحسين تبقى بابه أوسع وسفينته أسرع في اللجج الغامرة والبحار الهائجة، لذلك انصب الحديث هذا على الحسين عليه السلام: فقال الحبيب المصطفى محمد _ صلى الله عليه وآله وسلم _:

إن للحسين فضائل وخصائص ينفرد بها دون غيره من الناس _ أنا انقل لكم هنا مضمون الحديث لا نص الحديث وإنما أترك ذكر النص إلى موضع آخر من هذا الكتاب انشاء الله تعالى، وحين سألوه يا رسول الله كيف ذلك؟ قال: لأن للحسين أُماً مثل فاطمة وأنا أمي ليست مثل فاطمة، وان للحسين أباً مثل علي وأنا أبي ليس مثل علي،.. وهذا هو الواقع فهل عبد الله والد النبي كعلي بن أبي طالب _ طبعاً لا.. وكذلك القول في أُم النبي آمنة بنت وهب فإنها لا تصل إلى مقام فاطمة لأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ثم واصل النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ حديثه قائلاً: وان للحسين جداً كرسول الله _ وأنا جدي ليس كرسول الله، وهنا استطاع النبي أن يهز قلوبهم وأرواحهم بهذا اللون من الخطاب وهذه الطريقة من البيان، لأن لالقاء الكلام علماً وفناً خاصاً به، على أن ذلك يصدر من النبي كما يصدر الشعاع من الشمس، والماء من السحاب، والضياء من القمر دون تصنع ولا تكلف، وكيف لا وهو الذي يخاطب العالم بقوله:

وما أنا من المتكلفين.. إذاً فبهذه الطريقة المثلى من الخطاب استطاع المصطفى أن يفجر ينابيع المعرفة في قلوب اولئك الناس الذين كانوا يستمعون إليه بكل جوارحهم وطاقاتهم.

على أن هناك ملاحظة أود أن أذكرها لكم وهي أن الناس يتفاوتون في القدرة على التلقي والإستيعاب والفهم بشكل كبير وواسع وعريض، فأنت تقول كلمة أمام حشد من الناس فتجد ردات الفعل متفاوتة عندهم حسب درجة معرفتهم، ومستوى الفهم عندهم.. ان رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ خاطب الناس كلهم جميعاً، وأمر الشاهد منهم أن يبلغ الغائب وهذا كله وارد وصحيح، ولكن الصحيح أيضاً أن هؤلآء الذين كانوا يستمعون ما كان كلهم يتبعون أحسنه، وإنما هنا درجات وحالات وتفاوت بينهم في الفهم، فعلى سبيل المثال، كان من بين القوم الذين يحدثهم الرسول، أمثال أبي ذر الغفاري، وأبي سعيد الخدري، وأبي بكر بن قحافة وعمر بن الخطاب، والمقداد بن الأسود الكندي، وكان من بين الحضور هناك عند النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عمار بن ياسر، وسهل بن سعد الساعدي وجابر بن عبد الله الأنصاري، فهل كل واحد من هؤلآء الذين ذكرت لكم أسماءهم كان على نفس درجة الفهم التي كانت عند الباقي؟

كلا بالطبع.. لأننا نعلم علم اليقين أن مستوى الفهم لم يكن واحداً عند أبي ذر وأبي بكر، ولا كان المستوى في العلم واحداً عند سلمان وعمر، ولا عند بلال والمقداد، وهكذا تضرب الأمثال ولا تنتهي، وذلك ان للكلمات مستويات من العلم والمعرفة تصل بها الكلمة إلى مستوى الكمال احياناً، وتارة تظل الكلمة ناقصة لم تمتلأ بالكمال والمعرفة، وعلى سبيل المثال _ وقد ضربناه في مكان آخر متقدم من هذا الكتاب _ الماء والدعاء والعطش وأمثال ذلك فالعطش تتفاوت درجاته عند الناس حسب حالة العطشان، إذا كان عند أهله، أو كان صائماً، أو أنه ينهل الصحراء وقد ضربه العطش كما حدث ذلك لطالوت وجنوده وقد مرت الإشارة إلى هذا المعنى، أو كما نقرأ في أحوال شهداء يوم الطف وسيدهم الأعظم أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام حيث بلغ به العطش إلى درجة أن حال بينه وبين السماء مثل الدخان، وقد عجبت ملائكة السموات والأرض من عطشه وصبره ونور وجهه وهو في تلك الحال.. وما يقال في العطش يقال في الدعاء، فاننا نقرأ آية الدعاء التي تقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. وقطعاً وبالتأكيد اننا نقرأ هذه الآية لقضاء الحوائج ولم الشمل، وانجاز المهمات، ولكن هل نستطيع أن نقرأها بنفس الحرارة والمستوى والتوجه الذي جرى ليونس بن متى وهو في بطن الحوت يسبح الله ويقدسه؟

ومثال آخر على قوة المتكلم واختلاف المتلقي نجده في كربلاء عند الإمام الحسين عليه السلام يوم وقف يخطب في القوم الذين خرجوا لقتاله بغضاً لأهل البيت وعداوة لله وللرسول ولأمير المؤمنين ولفاطمة، وقف يخاطبهم بقوله:

اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ وحتى اعتذر اليكم من مقدمي عليكم _ واعتذر لا يعني أنه جاء يقدم الأعذار لهم من مقدمه عليهم، لا ليس هذا معنى كلامه، وإنما معناه يلقي الحجة البالغة عليهم لأن العذر هنا معناه العذر، أي أنه أنذر وأعذر وأبلغ في الدعاء _ ثم يقول لهم: فإن قبلتم عذري _ أي قبلتم حجتي _ كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر وتعطوا النصف من أنفسكم، فاجمعوا أمركم، وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إن وليَّ الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولى الصالحين.

_ وهنا لاحظوا جيداً أيها الأحبة، أقول لكم: لاحظوا دقة الموقف، فالحسين عليه السلام يخطب بين عسكرين، عسكر في خيامه وعسكر في أعدائه، فعسكر الأعداء كان يصنع جلبة وضوضاء، لأن قادتهم وذادتهم والأعيان منهم أمروا الجيش والجنود أن يلغوا في خطاب الإمام الحسين عليه السلام، كما قال الحق سبحانه يصف الكفار والمنافقين: وقالوا الغوا في هذا القرآن ولا تسمعوه، فكانوا يلغون، من اللغو، ولذلك صفة المؤمنين أنهم عن اللغو معرضون، لأن الذي يصغي إلى اللغو لا يتقدم في حياته أبداً وإنما هو في تراجع دائم،.. وإذا كان اللغو في كتاب الله الصامت حراماً وممنوعاً، فما بالكم باللغو في كتاب الله الناطق وهو الإمام الحسين عليه السلام؟ لا شك أن الحرمة هنا اغلظ وأشد،.. المهم كان القوم يصنعون الغوغاء والجلبة واللغو، في حين أن العسكر الآخر الذي كان في خيام سيد الشهداء أبي الأحرار أبي عبد الله الحسين عليه السلام والذي كان يتكون من بنات الرسالة وعقائل بيت الوحي زينب العقيلة وأخواتها، وبنات الإمام الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، وكان في الخيام الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام كما كان الباقر عليه السلام وكان هناك ثلة من شباب بني هاشم كل ذلك حدث يوم بدأ الحسين خطابه وعندما وصل إلى هذه العبارة: (فاقضوا إليَّ ولا تنظرون) ارتفعت أصوات النساء بالبكاء بشكل لم يعد الإمام قادراً على إكمال خطابه وإتمام كلمته حتى أرسل أخاه العباس وابنه علياً الاكبر عليهما السلام وقال لهما: سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاءهن.. وكلمة: فلعمري هذه معناها عمري فداء لهؤلآء النسوة اللواتي في الخيام مع الحزن والبكاء.. علماً بأن الإمام الحسين عليه السلام حين بدأ بالخطاب كان العباس عند يمين الحسين يحمل الراية فهو صاحب اللواء، صاحب الراية، وكان يقف معه عن شماله ولده علي الاكبر عليه السلام الذي كان يشبه جده النبي خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً، وهذا الوصف نقله الإمام الحسين عليه السلام، أي أن علياً الاكبر كان نسخة من جده المصطفى طبق الأصل فهو يشبهه خلقاً أي وجهاً وبدناً وجسداً وجوارحاً كان النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وليس هذا فحسب بل أكثر من ذلك كان خلق علي الاكبر، مثل خلق جده النبي _ وانك لعلى خلق عظيم، أي أن علياً الاكبر كان قد حفظ هذا الارث العظيم من النبي، وكان النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قد ترك هذا الخلق وتلكم الخصال والصفات عند علي الاكبر بن الإمام الحسين عليهم الصلاة وأزكى السلام.. ثم يواصل الإمام الحسين بالكلام والوصف فيقول: ومنطقاً أي ان طريقة الكلام والأسلوب والالقاء عند علي الاكبر كانت كلها من النبي المصطفى بل أن نغمات صوت النبي كانت في صوت علي الاكبر ولذلك لما وقع علي الاكبر في المعركة رافعاً صوته يخاطب أباه الإمام الحسين: هذا جدي قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا اظمأ بعدها أبداً، كان الحسين قد سمع صوت جده المصطفى ينبعث من فم ولده الشهيد علي الاكبر عليهم الصلاة والسلام.

على أن موضع الشاهد في كل ما تقدم هو أن المتلقي للكلام يختلف اختلافاً كبيراً من شخص إلى شخص ومن أُمة إلى أُمة، شأن ذلك شأن الأرض التي تتلقى المطر، فالماء واحد، ولكن الأرض تختلف فمنها سبخة لا تنبت غير الشوك والحنظل، ومنها أرض طيبة إذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وانبثت من كل زوج بهيج. وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بقوله: ﴿أنزل من السماء ماءاً فسالت أودية بقدرها﴾ (الرعد – 17)، وكما قال امير المؤمنين علي عليه السلام: ان هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها.

إذاً: فالمسألة واضحة في اختلاف المتلقي، بحيث تتفاوت درجات الناس في تلقي المعارف والعلوم والهدى والنور، فكل بقدر معرفته وطاقته وقدرته يتفاعل مع الأمر، والمسألة والقضية.

ومن هنا جاءت الروايات تتحدث عن عظمة معرفة الزهراء عليها السلام حيث قال أبو عبد الله الصادق عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: إن فاطمة صديقة كبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى، فمن عرف حق فاطمة فقد أدرك ليلة القدر.

على أن هذا الحديث يفتح أمامنا آفاقاً من المعرفة واسعة تسمح بالحوار والمناقشة وإدارة مجالس المناظرة والجدال بالتي هي أحسن، والتي هي أحسن إنما تتحقق بالمعرفة والمودة واليقين والقدرة على البلاغ والابانة والانذار مع الروح العالية التي يتصف بها أهل الحق الذين يتفاعلون مع الواقع والحق واليقين.

لحظه صمت
09-02-2009, 08:04 PM
http://up.arab-x.com/Aug09/TCJ76988.gif (http://up.arab-x.com/)

أبنة حيدر
09-04-2009, 01:11 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

سبع القنطره
09-04-2009, 01:18 PM
الله يعطيك العافيه اخوي

بصراحه انا ما قريتها كلها

لكن وش نقول في الشيخ عبد الحميد المهاجر هذا بحر من العلوم لو بيده يجلس يوم كامل يخطب

الله يعطيه العافيه ويحفظه من كل مبقظ ..... مودتي

lawaty
09-12-2009, 02:01 AM
جزاك الله خيرا كثيرا واثابك الجنه