المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من هو بهلول؟..


رضا57
05-28-2010, 03:35 AM
من هو بهلول؟..
كان الخليفة العباسي (هارون الرشيد) حريصًا كل الحرص على الملك العضوض، بحيث كان يتخذ الذرائع في القضاء على مخالفيه، وإزاحتهم عن الطريق مهما كلفالأمر.. وكان محبوب قلب المؤمنين آنذاك، الإمام موسى الكاظم (ع) على رأس هؤلاءالمخالفين.. حيث كان يشكل خطرا كبيرا على هارون الرشيد، حاول الرشيد جاهدا في كسب تأييد علماء المسلمين المبرزين، وإقناعهم بالإفتاء بخروج موسى الكاظم (ع) ومروقه عنالدين.. وبذلك يمهد أرضية المواجهة مع الإمام (ع )
ولما كان البهلول من علماءذلك الوقت، أراد هارون الرشيد إجباره على التوقيع في ورقة أصدر فيها أمرا بقتل الإمام الكاظم (ع).. ذهب بهلول إلى الإمام (ع) وأخبره بذلك، وطلب منه أن يهديه سبيلاً للخلاص من هذه الورطة، فأمره الإمام (ع) أن يتظاهر بالجنون، ليكون في أمان من سطوة هارون.
تظاهر بهلول بالجنون، وكان بهذه الذريعة، يهزأ ويطعن بالنظام الحاكم بلسان الكناية، والمزاح!..

اسم بهلول * هذا الرجل العظيم * وهب بن عمرو.. والبهلول اسم يجمع خصاله الحسنة التي كان يتصف بها، فقد كان جميلاً وفكهًا.. كان البهلول يتصف بصفتين :
الأولى : موقعه العلمي والاجتماعي.. الثانية : قرابته من هارون الرشيد.. وهاتان الخصلتان كانتا السبب في عدم تورعه من هارون الرشيد وعماله، حتى أنه كان يدخل عليه في أي وقت يشاء، ويتكلم بما يريد!.. فكان مصداقا للقول : (المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه).
فلنسايره في طريقه، ولنستمع لحلو كلامه،لنزيح به عن أبداننا الأتعاب، ونهون علينا بقصصه الصعاب.
القصة الأولى لأعقل المجانين بهلول!..

القصة الأولى * بهلول ينصح الرشيد *
قيل لبهلول، وهوعلى قصبته : أجب هارون الرشيد!.. فجاء على قصبة إلى أن بلغ إليه، فسلم عليه الرشيدفأجابه.
قال الرشيد : كنت مشتاقا إليك؟..
بهلول : لكني لم اسم إليك.
قال : عظني يا بهلول.
قال : وبما أعظك، هذه قصورهم، وهذه قبورهم!..
قال : زدني فقدأحسنت.
قال : أيما رجل أتاه الله مالا وجمالا وسلطانا، فأنفق له ماله، وعفجماله، وعدل في سلطانه ؛ كتب في خالص ديوان الله - تعالى - من الأبرار.
قالالرشيد : أحسنت، أحسنت يا بهلول!.. كيف أنت مع الجائزة؟..
قال : اردد الجائزةعلى من أخذتها منه، فلا حاجة لي فيها.
قال له : يا بهلول!.. فإن يك عليك دين ؛قضينا.
قال : يا أمير، هؤلاء أهل العلم بالكوفة، أجمعت آرائهم على أن قضاء الدينب الدين لا يجوز.
قال : يا بهلول، فنجري عليك بما يقوتك ويقيمك.
فرفع بهلول طرفه إلى السماء وقال : يا أمير، أنا وأنت من عيال الله.. محال ان يذكرك وينساني.
فأسبل هارون السجاف ومضى.. قيل : وأنشأ بهلول يقول :
توكلت على الله وما أرجو سوى الله
وما الرزق من الناس بل الرزق من الله

فدك الزهراء
05-28-2010, 07:04 AM
يسلموووووووووووووووووووووووووووو
على الموضوع الرائعه

مرهون
05-31-2010, 02:41 PM
صاحب الذكرالجميل والعقل الحكيم

فالكل يتمنى يكون مثله مجنونا عندالدولة

وعالماعند الناس

مشكور ياغالي على طرحك الاكثرمن رائع

شِيعِي وعَلِيٌ شَفِيعِي
06-01-2010, 07:41 AM
أشكرك اخي على هذا الموضوع

الأرقى دائمآ
06-01-2010, 09:07 AM
تشكر على هيــــــــكـ موضوع

لاعدمنا جميـل إبدآعكـ

رضا57
06-06-2010, 01:17 AM
الإخوه الكرام
مشكورين على المرور
نتابع معكم
القصة الثانية * العمل لوجه الله *
مر البهلول يوماً بمسجدٍ - لم يتم بناء ه بعد - في محلة من محال بغداد، ليطلع على بنائه، فلما رأى المسجد لم يكترث بشكل بنائه، وزخرفة جدرانه، وسقفه وقبته،وكأنه يخبيء شيئاً في نفسه.. ثم إنه نظر من خارج المسجد إلى لوحة خشبية كبيرة معلقةعلى جدار المسجد مكتوب عليها : مسجد السيد جمال.
والشيخ جمال هذا، رجل يحب الشهرة، ويحب أن يطلع الناس على أفعال البر التي كان يقوم بها.. وكان البهلول يعرف ذلك تماماً.. غرق بهلول في تفكيره بالمسجد ولوحته، وإذا به قد أحس بثقل يدٍ على كتفه.. فلما التفت رأى الشيخ جمال وهو مبتسم، وقد حدق النظر إليه ابتدره بهلول قائلاً (السلام عليكم).
قال البهلول : " إنه مسجد كبير، وحسن البناء ".
خطاالشيخ جمال إلى الأمام، وساير بهلولاً، ثم قال : (أسأل الله القبول).
قال بهلول - وكأن شيئاً قد لفت نظره -: أريد أن أسألك عن شيء، لا أدري أسألك عن ذلك أملا؟..
قال الشيخ : " لا بأس عليك، سل فإني أرج أن أملك لسؤالك جواباً مقنعاً ".
حرك بهلول رأسه وقال : " طبعاً أنه كذلك "، إلا أنه بعد ذلك مكث قليلاً ثمقال :" لمن بنيت هذا المسجد "؟..
لم يكن الشيخ يتو قع مثل هذا السؤال، ومكث يفكرقليلاً فخطر على ذهنه، أن بهلولاً رجل مجنون، ولا ينبغي العجب من المجنون، أن يسأل مثل هذا السؤال، فأجابه قائلاً : " وهل يكون بناء المسجد لغير الله "؟!..
قال البهلول : نعم، نعم الأمر كما تقول، لن يترك الله عملك بلا أجر، إنه لن ينسى أجرذلك أبدا.
لم يتكلم الشيخ جمال بعد ذلك شيئا ؛ لأنه لم يفهم ماذا يريد البهلول منه بالضبط.. لذا أخد يخطو خطوات متواصلة، حتى ابتعد عن بهلول.. وفي صباح الغد علا صوت الشيخ جمال بالصيح أمام المسجد الذي بناه، بحيث يسمعه كل من يمر بالمسجد، وهويقول : " أيها الناس، اشهدوا على ماقام به بهلول أنه يدعي تملك هذاالمسجد............... أيها الناس..........
وكان الحق في ذلك مع الشيخ جمال،فإن اللوحة كان مكتوب عليها : " مسجد بهلول " لذا أصاب الشيخ جمال الدوار في رأسه من شدة الصدمة، وبح صوته من كثر الصياح، ذلك أنه لم يخطر على باله يوماً مثل بهلول،يأتي يوماً ويكتب اسمه على لوحة المسجد الذي بناه الشيخ.. فكيف تجرأ بهلول على مثل هذا العمل؟..
لكن مع ذلك، فقد كان الشيخ يخبئ لهيب غضبه، ويهدئ نفسه بما يخطرعلى باله، بأن بهلولاً رجل مجنون، لكن سرعان ما يجيب به نفسه، فيقول : إن للجنون حداً أليس يعلم الناس من بنى المسجد، فقد سمعنا بكل ما يــــصدر عـــن المجانين،إلا مثل هذه الأعمال، آه!.. إنه يريد أن يكون المسجد باسمه، لكني سوف أعطيه درساً لن ينساه، لن يجرؤ بعده على مثل ذلك أبدا!.. سوف أريق ماء وجهه أمام الناس.
اجتمع عمال بناء المسجد حول الشيخ جمال، ليستمعوا لما يقول.. وإذا به صاح فجأة بصوت عالٍ وغضب : هلموا بنا لنبحث عن بهلول، كي نعطيه درسا، لا يتجاسر بعده على حقوق الآخرين.
ذهب هو مسرعاً وتبعه بعض عمال البناء، الذين كانوا يتحينون الفرص للهروب من العمل، قائلين للشيخ : نحن معك يا شيخ للبحث عن بهلول.
توجه كل منهم إلى جهه، فلم يستغرق البحث عن بهلول أكثر من ساعة حتى عثروا عليه، فجاؤوا به إلى المسجد، وكان يسبقهم في ذلك الشيخ جمال الذي استولى عليه الغضب، فلما واجه الشيخ جمال بهلولاً وجهاً لوجه - وقد كادت عيناه تخرج من الحدقتين - صاح بصوتٍ عالٍ : أيها المجنون، ماحملك على مافعلت؟..
نظر بهلول إلى من حوله، وقال بسكينة : ومافعلت؟..
حدق الشيخ جمال بوجه بهلول، وقال : إنك لن تجرأ على الاعتراف بذنبك أمام الملأ، أليس كذلك؟..
أجابه بهلول : وهل أذنبت؟.. وماهو ذنبي؟..
تضاحك الشيخ جمال، والغضب قد استولى عليه، فأشار بيده إلى لوحة المسجد، وقال : وهل يجرؤغيرك أن يكتب اسمه على لوحة مسجد بناه غيره؟..
ألقى بهلول ببصره إلى لوحةالمسجد، ثم صرف نظره وكأنه لم ير شيئاً ذا بال، وقال بهدوء : إن كنت تريد بذلك هذا - وأشار إلى اللوحة - فأني فعلت.
أخذ غضب الشيخ يزداد لحظة بعد أخرى حتى صاح ببهلول : هل أنت بنيت المسجد لتكتب اسمك عليه؟..
رفع بهلول رأسه - مرة أخرى - إلى لوحة المسجد وأجـــــــــاب : إني لم ابن المسجد، لكنني كتبت اسمي عليه.
أمسك الشيخ جمال بهلولاً من تلابيبه والتفت إلى الحاضرين، وقال : انظروا،إنه يعترف بذنبه، إنه أعترف!..
ارتفع صوت الحاضرين بالكلام، فكل منهم تراه يقول شيئاً، لكن بهلولاً لم يرعوي لكلامهم، وأشار إليهم بيده : أن سكتوا!.. فسكتوا، وسكت الشيخ جمال، وتجددت لبهلول الجرأة على رد الشيخ وقال : أيها الشيخ، أسألك عن شيءأحب أن تصدقني فيه.
قال الشيخ : ولماذا الكذب؟..
قال بهلول : بالأمس التقيت بك في هذا المكان، وتكلمنا قليلاً، ثم سألتك : لمن بنيت هذا المسجد؟..
قلت : أريد به وجه الله.
تبسم بهلول وقال بصوتٍ عالٍ : تقول : لله!.. فهل الله يعلم بأنك أردت وجهه أم لا؟..
أجابه الشيخ بغضب : مع أني لا أريد إطالة الكلام معك،أقول : نعم، إن الله يعلم بذلك، كي لاتكون لك الحجة علي عند القاضي.
سكت بهلول هنيئة ليلفت بذلك اللأنظار إليه، ثم قال : أيها الشيخ، إن كنت قد بنيت هذا المسجد لله، فلا يضر عليك أن يكون باسمك أم بأسم غيرك.. لكن اعلم أنك قد أردت بذلك وجه غيرالله، نعم أردت بذلك الشهرة، فقد أحبطت بذلك أجرك.
لقد ألجم بهلول الشيخ بذلك فأسكته، واستحسن الحاضرون جواب بهلول، ولم يتكلم أحد بعده بشيء.
قال البهلول - وهو يمشي مشياً تقاربت خطاه - للشيخ جمال : أريد أن أرفع اللوحة التي تحمل اسمي من على المسجد.
أراد الشيخ أن يقول شيئاً، لكن الكلمات تلكأت على شفتيه فسكت.
خطا البهلول خطوات نحو اللوحة، لكنه رجع والتفت إلى الحاضرين قائلاً : أردت بذلك الكشف عن حقيقة : وهي أن تعلموا أن العمل إن كان لوجه الله - تعالى - فلايضركم ما يكون رأي الناس فيه، مادام الله هو المطلع على حقائق الأمور.. ثم انصرف ليرفع اللوحة التي كتبها باسمه.

نانه
06-06-2010, 02:48 AM
مشكور على الموضوع الرآآآآآئع
يعطيك الف عافيه في انتظار جديد

رضا57
06-14-2010, 01:43 AM
السلام عليكم
الأخت الكريمه
مشكورة على المرور والتعليق نتابع معكم

القصة الثالثة * استشارة العاقل والمجنون *
كان البهلول وعلى عادته يمشي يومًا في أزقة بغداد، فلقيه رجل تاجر، فقال لبهلول : أريد استشارتك في أمر التجارة.
قال بهلول - وكان بيده خيزران، ضرب بها كفه الأخرى بهدوء -: ومالذي عدل بك عن العقلاء حتى اخترتني دونهم؟.. ثم مكث هنيئة : حسنا، ما الذي أردت استشارتي فيه؟..
قال التاجر - ولم يزل يرفع عينيه من يدي بهلول -: إن عملي التجارة، فأردت شراء متاع أحتكره، ثم أبيعه لمن يدفع لي فيه ثمنًا باهظاً..
ضحك بهلول حتى بان ضرساه وقال : إن أردت الربح في تجارتك، فاشتر حديدًا وفحمًا.
شكره التاجر على ذلك، وانطلق إلى السوق.. ثم فكر في كلام بهلول جيدًا، فرأى أن من الأفضل أن يأخذ بكلامه، فاشترى حديدًا وفحمًا وأودعهما في المخزن، حتى مضت عليها مدة مديدة، ولا زالا على حاليهما في الخزن.. ولما احتاج التاجر إلى ثمنهما، وكان قد ارتفع تلك الأيام سعرهما، باعهما بأفضل الثمن، وربح عليهما ربحًا كثيرا.
لكن وللأسف أيها الأصدقاء الأعزاء، أثرت هذه الثروة على سلوك رجل قصتنا التاجر، كما تؤثر غالبا على سلوك الكثيرين من الناس عند ثراء هم.. حيث تجدهم يفقدون صوابهم، ويتغير منطقهم وسلوكهم، فتراهم ينقلبون من هذا الوجه إلى ذاك الوجه.
وهكذا كان التاجر فقد اغتر بنفسه غرورًا عجيبًا، حتى لم يكن يعدّ للناس وزنا، وأخذ يتحدث هنا وهناك عن عقله وذكائه وفطنته.
وذات يوم مر التاجر ببهلول، لكن التاجر لم يعر هذه المرة لبهلول أهمية، ولم يشكره على ما أشار إليه سابقًا، بل أثار بوجه بهلول الغبار وسخر منه وقال : أيها المجنون، ما الذي أشتري وأحتكر، ليعود علي بالربح؟..
ضحك بهلول وقال : اشتر ثوما وبصلا، وأودعهما في المخزن..
خطا التاجر خطوات، ثم رجع إلى بهلول وقال بلغة الغرور والعجب : عليك أن تفتخر بمشورة تاجر موفق وشهير مثلي إياك!..
لم يجبه بهلول بشيء، وبهت لجهل التاجر وغروره.
رصد التاجر لشراء الثوم والبصل كل ما يملك من أموال، وذهب صباح الغد إلى السوق لشرائهما على أمل ربح الكثير ببيعهما.. وبعد أن مضت أشهر على البصل والثوم وهما في المخزن، جاء التاجر وفتح أبواب المخزن، وهو لايعلم ما ينتظره من خسران مبين، فوجد الثوم والبصل قد تعفنا ونتنا.. حينها ضرب التاجر على أم رأسه وصاح : ياللخيبة!.. ياللخسران!..
لم يكن أحد يرغب في شراء مثل ذلك البصل والثوم المتعفنين، بلا لابد من رميه في المزابل لأن رائحته النتنة انتشرت في كل مكان، مما اضطر التاجر أن يستاجر عدة نفر ليحملوا هذا المتاع الفاسد إلى خارج المدينة، ويدفنوه في الأرض.
امتعض التاجر من بهلول، وزاد حنقا عليه وغضبا ؛ لأنه فقد رأس ماله بسبب بهلول.. وأخذ يبحث عنه في كل مكان حتى عثر عليه، فلمآ رآه أخذه التاجر بتلابيه وقال : أيها المجنون!.. ما هذا الذي أشرت به علي، لقد أجلستني بساط الذل والمسكنة؟..
خلص بهلول نفسه من التاجر وقال : ماذا حدث؟..
قص التاجر على بهلول - وصوته يرتعش من شدة الغضب - ماجرى له.
سكت بهلول عن التاجر هنيئة ثم قال له : لقد استشرتني أولا، فخاطبتني بخطاب العقلاء ؛ فأشرت عليك بما يشيرون.. لكنك لما أردت اشتشارتي ثانيا، خاطبتني بخطاب المجانين ؛ فأشرت عليك بمشورتهم.. فاعلم أن ضرك ونفعك مخبوئان تحت لسانك : إن خيرُا فخير، وإن شرًا فشر.
أطرق التاجر إلى الأرض وهو لم يحر جوابا، فتركه بهلول وانصرف عنه.

عباس وافي
06-21-2010, 07:55 PM
يسلمووووووووووووووووووو

صراط علي
06-24-2010, 01:33 AM
قصص بهلول من القصص الرائعة

أشكرك على الموضوع القيم

نأمل مواصلتكم معنا

رضا57
06-28-2010, 03:36 AM
السلام عليكم
اختي الكريمه
مشكوره على المرور والتعليق
نتابع معكم

القصةالثالثة * استشارة العاقل والمجنون *
كان البهلول وعلى عادته يمشي يومًا في أزقةبغداد، فلقيه رجل تاجر، فقال لبهلول : أريد استشارتك في أمر التجارة.
قال بهلول - وكان بيده خيزران، ضرب بها كفه الأخرى بهدوء -: ومالذي عدل بك عن العقلاء حتى اخترتني دونهم؟.. ثم مكث هنيئة : حسنا، ما الذي أردت استشارتي فيه؟..
قال التاجر - ولم يزل يرفع عينيه من يدي بهلول -: إن عملي التجارة، فأردت شراء متاع أحتكره، ثم أبيعه لمن يدفع لي فيه ثمنًا باهظاً..
ضحك بهلول حتى بان ضرساه وقال : إن أردت الربح في تجارتك، فاشتر حديدًا وفحمًا.
شكره التاجر على ذلك، وانطلق إلى السوق.. ثم فكر في كلام بهلول جيدًا، فرأى أن من الأفضل أن يأخذ بكلامه، فاشترى حديدًاوفحمًا وأودعهما في المخزن، حتى مضت عليها مدة مديدة، ولا زالا على حاليهما في الخزن.. ولما احتاج التاجر إلى ثمنهما، وكان قد ارتفع تلك الأيام سعرهما، باعهم ابأفضل الثمن، وربح عليهما ربحًا كثيرا.
لكن وللأسف أيها الأصدقاء الأعزاء، أثرت هذه الثروة على سلوك رجل قصتنا التاجر، كما تؤثر غالبا على سلوك الكثيرين من الناس عند ثراءهم.. حيث تجدهم يفقدون صوابهم، ويتغير منطقهم وسلوكهم، فتراهم ينقلبون منهذا الوجه إلى ذاك الوجه.
وهكذا كان التاجر فقد اغتر بنفسه غرورًا عجيبًا، حتى لم يكن يعدّ للناس وزنا، وأخذ يتحدث هنا وهناك عن عقله وذكائه وفطنته.
وذات يوم مر التاجر ببهلول، لكن التاجر لم يعر هذه المرة لبهلول أهمية، ولم يشكره على ماأشار إليه سابقًا، بل أثار بوجه بهلول الغبار وسخر منه وقال : أيها المجنون، ماالذي أشتري وأحتكر، ليعود علي بالربح؟..
ضحك بهلول وقال : اشتر ثوما وبصلا،وأودعهما في المخزن..
خطا التاجر خطوات، ثم رجع إلى بهلول وقال بلغة الغروروالعجب : عليك أن تفتخر بمشورة تاجر موفق وشهير مثلي إياك!..
لم يجبه بهلول بشيء، وبهت لجهل التاجر وغروره.
رصد التاجر لشراء الثوم والبصل كل ما يملك من أموال، وذهب صباح الغد إلى السوق لشرائهما على أمل ربح الكثير ببيعهما.. وبعد أن مضت أشهر على البصل والثوم وهما في المخزن، جاء التاجر وفتح أبواب المخزن، وهولايعلم ما ينتظره من خسران مبين، فوجد الثوم والبصل قد تعفنا ونتنا.. حينها ضرب التاجر على أم رأسه وصاح : ياللخيبة!.. ياللخسران!..
لم يكن أحد يرغب في شراءمثل ذلك البصل والثوم المتعفنين، بل لابد من رميه في المزابل لأن رائحته النتنة انتشرت في كل مكان، مما اضطر التاجر أن يستاجر عدة نفر ليحملوا هذا المتاع الفاسد إلى خارج المدينة، ويدفنوه في الأرض.
امتعض التاجر من بهلول، وزاد حنقا عليه وغضبا ؛ لأنه فقد رأس ماله بسبب بهلول.. وأخذ يبحث عنه في كل مكان حتى عثر عليه،فلمآ رآه أخذه التاجر بتلابيه وقال : أيها المجنون!.. ما هذا الذي أشرت به علي، لقد أجلستني بساط الذل والمسكنة؟..
خلص بهلول نفسه من التاجر وقال : ماذاحدث؟..
قص التاجر على بهلول - وصوته يرتعش من شدة الغضب - ماجرى له.
سكت بهلول عن التاجر هنيئة ثم قال له : لقد استشرتني أولا، فخاطبتني بخطاب العقلاء ؛فأشرت عليك بما يشيرون.. لكنك لما أردت استشارتي ثانيا، خاطبتني بخطاب المجانين ؛فأشرت عليك بمشورتهم.. فاعلم أن ضرك ونفعك مخبوئان تحت لسانك : إن خيرُا فخير، وإن شرًا فشر.
أطرق التاجر إلى الأرض وهو لم يحر جوابا، فتركه بهلول وانصرف عنه.