المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام علي بن محمد الهادي (ع)


ابن السماوة
05-28-2010, 06:17 AM
مولده ، ومبلغ سنّة ،ووقت وفاته ، وموضع قبره عليه السلام

ولد عليه السلام بصريا (1) من المدينة في النصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين . وفي رواية بن عيّاش : يوم الثلاثاء الخامس من رجب .

وقبض بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ احدى وأربعون سنة وأشهر ، وكان المتوكّل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سرّ من رأى فأقام بها حتّى مضى لسبيله .

وكانت مدّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة .

واُمّه اُمّ ولد يقال لها : سمانة (2) .

ولقبه : النقيّ ، والعالم ، والفقيه ، والاَمين ، والطيّب ، ويقال له : أبو الحسن الثالث .

وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك المعتصم ، ثمّ ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، ثمّ ملك المتوكل أربع عشر سنة ، ثم ملك ابنه المنتصر ستّة أشهر ، ثمّ ملك المستعين ـ وهو أحمد بن محمد بن المعتصم ـ سنتين وتسعة أشهر ، ثمّ ملك المعتزّ ـ وهو الزبير بن المتوكّل ـ ثماني سنين وستّةأشهر ، وفي آخر ملكه استشهد وليّ الله عليّ بن محمد عليهما السلام ودفن عليه السلام في داره بسرّ من رأى (3) .


(1) صريا : قرية أسسها الامام موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال من المدينة . « مناقب آل أبي طالب 4 : 382 » .
(2) انظر : الكافي 1 : 416 ، ارشاد المفيد 2 : 297 ، تاج المواليد « مجموعة نفيسة » : 131 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 401 ، كشف الغمة 2 : 376 .
(3) تاج المواليد « مجموعة نفيسة » : 130 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 401 .



-------------------------------------------------------------------


من النص الدال على إمامته عليه السلام


يدل على إمامته عليه السلام ـ بعد الطريقتين اللتين تكرّر ذكرهما في الدلالة على إمامة آبائه عليهم السلام ـ ما ثبت من إشارة أبيه إليه وتوقيفه عليه :

وهو ما رواه محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران قال : لمّا اُخرج أبو جعفر عليه السلام في الدفعة الاَولى من المدينة إلى بغداد قلت له : إنّي أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الاَمر بعدك؟

قال : فكّر بوجهه إليّ ضاحكاً وقال : « ليس حيث ظننت في هذه السنة » .

فلمّا استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت : جعلت فداك أنت خارجٌ فإلى من الاَمر من بعدك؟

فبكى حتّى اخضلّت لحيته ، ثمّ التفت إليّ فقال : « عند هذه يخاف عليّ ، الاَمر من بعدي إلى ابني عليّ» (1) .

محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه ـ وكان يلزم باب أبي جعفر للخدمة التي وكّل بها ـ قال : أحمد بن محمد ابن عيسى الاَشعري يجيء ليتعرّف خبر علّة أبي جعفر عليه السلام ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن محمد ابن عيسى وخلا به أبي ، فخرج ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد حتى وقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لاَبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول : « إنّي ماض والاَمر صائر إلى ابني عليّ ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي » ثمّ مضى الرسول فرجع أحمد ابن محمد بن عيسى إلى موضعه وقال لاَبي : ما الذي قال لك؟ قال : خيراً ، قال : فإنّني قد سمعت ما قال ، فأعاد إليه ما سمع ، فقال له أبي قد حرّم الله عليك ذلك لاَنّ الله تعالى يقول : ﴿ ولا تَجَسَّسوا ﴾ (2) فأمّا إذا سمعت فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإيّاك أن تظهرها لاَحد إلى وقتها .

فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها ، وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة ، وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن اُطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها .

قال : فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام لبث أبي في منزله ، فلم يخرج حتّى اجتمع رؤساء الاِماميّة عند محمد بن الفرج الرخّجيّ يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك ، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده ، وأنّه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ، وسأله أن يأتيه .

فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لاِبي : ما تقول في هذا الاَمر؟

فقال أبي لمن عنده الرقاع : اُحضروها ، فأحضروها وفضّها وقال : هذا مااُمرت به .

فقال بعض القوم : قد كنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الاَمر شاهد آخر .

فقال لهم أبي : قد أتاكم الله ما تحبّون ، هذا أبو جعفر الاَشعريّ يشهد لي بسماع هذه الرسالة . وسأله أن يشهد فتوقّف أبو جعفر ، فدعاه أبي إلى المباهلة وخوّفه بالله ، فلمّا حقّق عليه القول قال : قد سمعت ذلك ، ولكني توقّفت لاَنّي أحببت أن تكون هذه المكرمة لرجل من العرب!!

فلم يبرح القوم حتّى إعترفوا بإمامة أبي الحسن عليه السلام وزال عنهم الريب في ذلك (3) .

ولاَخبار في هذا الباب كثيرة ، وفي إجماع العصابة على إمامته عليه السلام وعدم من يدعي فيها إمامة غيره غناء عن إيراد الاَخبار في ذلك ، هذا وصوره أئمّتنا عليهم السلام في هذه الاَزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيّتهم منهم أحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم على من بعدهم إلى ما ذكرناه من الاستخراج ، حتّى أنّ أوكد الوجوه في ذلك عندهم دلائل العقول الموجبة للاِمامة وما اقترن إلى ذلك من حصولها في ولد الحسين عليه السلام ، وفساد أقوال ذوي النحل الباطلة ، وبالله التوفيق .


(1) الكافي 1 : 260 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 298 ، روضة الواعظين : 244 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 367 ، ودون صدره في : الفصول المهمة .
(2) الحجرات 49 : 12 .
(3) الكافي 1 : 260 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 1 : 298 ، كشف الغمة 2 : 377 .

كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى ، للشيخ الطبرسي ، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث
-------------------------------------------------------------------

من دلائله ومعجزاته ومناقبه عليه السلام


محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن خيران الاَسباطيّ قال : قدمت على أبي الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام بالمدينة ، فقال لي : « ما خبر الواثق عندك؟ » .

قلت : جعلت فداك ، خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام .

قال : فقال : « إنّ الناس يقولون : إنّه مات » (2)فعلمت أنّه يعني نفسه ، ثمّ

قال : « ما فعل جعفر؟ » .

قلت : تركته أسوء الناس حالاً في السجن .

قال : فقال : « أما إنّه صاحب الاَمر ، مافعل ابن الزيّات؟ »

قلت : الناس معه والاَمر أمره .

فقال : « أمّا إنه شؤم عليه » ثمّ سكت وقال لي : « لا بدّ أن تجري مقادير الله وأحكامه ، يا خيران ، مات الواثق ، وقعد المتوكّل جعفر ، وقتل ابن الزيّات » .

قلت : متى جعلت فداك؟

فقال : « بعد خروجك بستّة أيّام؟ » (2) .

وبهذا الاِسناد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن عليّ بن محمد النوفليّ قال : قال لي محمد بن الفرج الرُخّجي : إنّ أبا الحسن عليه السلام كتب إليه : « يا محمد ، أجمع أمرك ، وخذ حذرك » .

قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب ، حتّى ورد عليّ رسول حملني من وطني (3)مصفَّداً بالحديد ، وضرب على كلّ ما أملك ، فمكثت في السجن ثماني سنين ، ثمّ ورد عليّ كتاب منه وأنا في السجن : « يا محمد بن الفرج ، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي » فقرأت الكتاب وقلت في نفسي : يكتب أبو الحسن إليّ بهذا وأنا في السجن إنّ هذا لعجب! فما مكثت إلاّ أيّاماً يسيرة حتّى أُفرج عنّي ، وحُلّت قيودي ، وخُلّي سبيلي .

قال : وكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأله الله تعالى أن يردّ عليّ ضيعتي ، فكتب اليّ : « سوف تردّ عليك وما يضرّك ألاّ تردّ عليك » .

قال عليّ بن محمد النوفليّ : فلمّا شخص محمد بن الفرج الرُخَّجي إلى العسكر كُتب إليه بردّ ضياعه ، فلم يصل الكتاب حتّى مات .

قال النوفليّ : وكتب عليّ بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يشاوره ، فكتب إليه : « اُخرج ، فإنّ فيه فرجك إن شاء الله » .

فخرج ، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّى مات (4) .

وذكر أحمد بن محمد بن عيسى قال : أخبرني أبو يعقوب قال : رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشيّة من العشايا وقد استقبل أبا الحسن عليه السلام فنظر إليه نظراً شافياً ، فاعتلّ محمد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه عائداً بعد أيّام من علّته ، فحدّثني أنّ أبا الحسن عليه السلام قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه .

قال : فكفّن والله فيه .

وذكر أيضاً عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران وقد قصر أبو الحسن عليه السلام عنه ، فقال له ابن الخصيب : سر جعلت فداك .

فقال له أبو الحسن عليه السلام : « أنت المقدّم » .

فما لبثنا إلاّ أربعة أيّام حتّى وضع الدّهق (5)على ساق ابن الخصيب وقتل .

قال : وألحّ عليه ابن الخصيب في الدار التي كان قد نزلها وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه ، فبعث إليه أبو الحسن عليه السلام : « لاَقعدنّ بك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية » .

فأخذه الله في تلك الاَيّام (6) .

ومما شاهده أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ من دلائله عليه السلام وسمعته من السيّد الصالح أبي طالب الحسيني القصيّ رحمه الله ، بالاِسناد الذي تقدّم ذكره عن أبي عبدالله أحمد بن محمد بن عيّاش قال : حدّثني أبو طالب عبدالله بن أحمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ الاَسديّ قال : أخبرني أبو هاشم الجعفريّ قال : كنت بالمدينة حين مرّبها بغاء أيّام الواثق في طلب الاَعراب ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « اُخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبئة هذا التركيّ » .

فخرجنا فوقفنا ، فمرّت بنا تعبئته ، فمرّ بنا تركيّ فكلّمه أبوالحسن عليه السلام بالتركيّة فنزل عن فرسه فقبّل حافر دابّته .

قال : فحلّفت التركيّ وقلت له : ما قال لك الرجل؟

قال : هذا نبيّ؟

قلت : ليس هذا بنبيّ .

قال : دعاني باسم سُمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة (7) .

قال أبو عبدالله بن عيّاش : وحدّثني عليّ بن حبشيّ بن قوني قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك قال : حدّثنا أبو هاشم الجعفريّ قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام فكلّمني بالهنديّة فلم أحسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأَى حصىً فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصّها (ثلاثاً) (8) ، ثمّ رمى بها إليّ ، فوضعتها في فمي ، فوالله ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لساناً أوّلها الهندية (9) .

قال ابن عيّاش : وحدّثني عليّ بن محمد المقعد قال : حدّثني يحيى ابن زكريّا الخزاعي ، عن أبي هاشم قال : خرجت مع أبي الحسن عليه السلام إلى ظاهر سرّ من رأى نتلقّى بعض الطالبيّين ، فأبطأ ، فطرح لابي الحسن عليه السلام غاشية السرج فجلس عليها ، ونزلت عن دابّتي وجلست بين يديه وهو يحدّثني ، وشكوت إليه قصور يدي ، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالساً فناولني منه أكفّاً وقال : « اتّسع بهذا يا أبا هاشم واكتم ما رأيت » .

فخبأته معي ورجعنا ، فأبصرته فإذا هو يتّقد كالنيران ذهباً أحمر ، فدعوت صائغاً إلى منزلي وقلت له : أسبك لي هذا ، فسبكه وقال : ما رأيت ذهباً أجود منه وهو كهيئة الرمل فمن أين لك هذا فما رأيت أعجب منه؟

قلت : هذا شيء عندنا قديماً تدّخره لنا عجائزنا على طول الاَيّام (10) .

قال ابن عيّاش : وحدّثني أبو طاهر الحسن بن عبد القاهر الطاهري قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن الاَشتر العلويّ قال : كنت مع أبي على باب المتوكّل ـ وأنا صبيّ ـ في جمع من الناس ما بين عباسي إلى طالبيّ إلى جندي ، وكان إذا جاء أبو الحسن ترجّل الناس كلّهم حتّى يدخل ، فقال بعضهم لبعض : لِمَ نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً؟! والله لا ترجلنا له .

فقال أبو هاشم الجعفريّ : والله لترجلنَّ : والله لترجلنَّ له صغرة إذا رأيتموه .

فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلّهم ، فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنّكم لاتترجلون له؟

فقالوا له : والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا (11) .

قال : وحدّثني أبو القاسم عبدالله بن عبدالرحمن الصالحيّ ـ من آل إسماعيل بن صالح ، وكان أهل بيته بمنزلة من السادة عليهم السلام ، ومكاتبين لهم ـ : أنّ أبا هاشم الجعفريّ شكا إلى مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد عليه السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، وقال له : يا سيّدي ادع الله لي ، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه .

فقال : « قوّاك الله يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك » .

قال : فكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سرّ من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه ، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت (12)

وروى محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خُراج خرج به فأشرف منه على الموت ، فلم يجسر أحدٌ أن يمسّه بحديد ، فنذرت اُمّه ان عوفي ان تحمل إلى أبي الحسن عليه السلام مالاً جليلاً من مالها .

وقال الفتح بن خاقان للمتوكل : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسن ـ فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله تعالى به عنك .

فقال : ابعثوا إليه .

فمضى الرسول ورجع فقال : خذوا كُسْبَ (13)الغنم فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله تعالى .

فجعل من يحضر المتوكّل يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما قال ، فوالله إنّي لاَرجو الصلاح به .

فاحضر الكُسْب وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، فخرج منه ما كان فيه ، وبُشّرت اُمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها ، واستقلّ المتوكّل من علّته .

فلما كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن عليه السلام إلى المتوكّل ، وقال : عنده أموال وسلاح ، فتقّدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجد عنده من الاَموال والسلاح ويحمله إليه .

قال إبراهيم : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن عليه السلام بالليل ومعي سلّم فصعدت منه على السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن عليه السلام من الدار : « يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة » .

فلم ألبث أن آتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجّادة على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة ، فقال لي : « دونك البيوت » فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيساً مختوماً معها ، فقال لي أبو الحسن عليه السلام : « دونك المصلّى » فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه .

فلمّا نظر إلى خاتم اُمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت : كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار ، فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكها . وفتح الكيس الآخر فأذا فيه أربعمائة دينار ، فأمر أن تضمّ إلى البدرة بدرة اُخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس .

فحملت ذلك ، واستحييت منه وقلت له : يا سيّدي عزّ عليّ دخولي دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور .

فقال لي : « يا سعيد﴿ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ (14) » (15) .

وروى الحسين بن الحسن الحسني قال : حدّثني أبو الطّيب يعقوب ابن ياسر قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع .

فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريد من هذه الحال ، فهذا أخوه موسى (16) قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع ، فأحضره واشهره ، فإنّ الخبر يسمع عن ابن الرضا ولا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، من عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله . فقال : اكتبوا بإشخاصه مكرماً .

فاُشخص ، وتقدّم المتوكّل أن يتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد وسائرالناس ، وعمل على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدّم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سريّاً يصلح لاَن يزوره هو فيه .

فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة وصيف فسلّم عليه ثمّ قال له « إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك (16) ويضع منك ، فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذاً قطّ ، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً » .

فقال له موسى : إنّما دعاني لهذا فما حيلتي؟

قال : « فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلاّ هتكك » .

فأبى عليه موسى ، وكرّر أبو الحسن عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال : « أمّا إنّ الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً » .

قال : فأقام ثلاث سنين يبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ويروح فيقال له : قد سكر أو قد شرب دواء ، حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه على شراب (17).

وذكر الحسن بن محمد بن جمهور العمّيّ في كتاب الواحدة قال : حدّثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي صديق مؤدّب لولد بغاء أو وصيف ـ الشكّ منّي ـ فقال لي : قال لي الاَمير منصرفه من دار الخليفة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون : ابن الرضا اليوم ودفعه إلى عليّ بن كركر ، فسمعته يقول : « أنا أكرم على الله من ناقة صالح ( تَمتّعوا في دارِكُم ثَلاثةَ أيّامٍ ذلكَ وَعدٌ غَيرُ مَكذوبٍ ) (18) » وليس يفصح بالاية ولا بالكلام ، أيّ شيء هذا؟

قال : قلت : أعزّك الله ، توعّد ، انظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام .

فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه : باغز ، ويغلون ، وتامش ، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة (19) .

قال : وحدّثني أبو الحسين سعيد بن سهلويه البصريّ وكان يلقّب بالملاّح قال : كان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشميّ البصريّ ، وكنت معه بسرّ من رأى ، إذا رآه ابوالحسن عليه السلام في بعض الطرق فقال له : « إلى كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها؟ » .

فقال لي جعفر : سمعت ما قال لي عليّ بن محمد ، قد والله قدح (20)في قلبي شيء .

فلمّا كان بعد أيّام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ودعا أبا الحسن معنا ، فدخلنا ، فلمّا رأوه أنصتوا إجلالاً له ، وجعل شابٌ في المجلس لا يوقّره ، وجعل يلفظ ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : « يا هذاأتضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور » .

قال : فقلنا : هذا دليل حتّى ننظر ما يكون؟

قال : فأمسك الفتى وكفّ عمّا هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلمّا كان بعد يوم اعتلّ الفتى ومات في اليوم الثالث من أوّل النهار ، ودفن في آخره (21) .
وحدثني سعيد أيضاً قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى ، وأبو الحسن معنا ، فجعل رجلٌ يعبث ويمزح ولا يرى له جلالاً ، فأقبل على جعفر فقال : « أما إنّه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه » .

قال : فقُدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبرٌ ، قد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي

وقال له : إلحق اُمّك ، فقد وقعت من فوق البيت وهي بالموت .

قال جعفر : قلت : والله لا وقفت بعد هذا ، وقطعت عليه (22) .

والروايات في هذا الباب كثيرة ، وفيما أوردناه كفاية .


(1) في الكافي : ان أهل المدينة يقولون : انه مات .
(2) الكافي 1 : 416 | 1 ، وكذا في : الهداية الكبرى : 214 ، ارشاد المفيد 2 : 301 ، روضة
الواعضين : 244 ، الخرائج والجرائح 1 : 407 | 13 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 ، كشف الغمة 2 : 378 ، الثاقب في المناقب : 534 | 470 ، الفصول المهمة : 279
(3) في الكافي والارشاد : مصر . (2) الكافي 1 : 418 | 5 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 304 ، الخرائح والجرائح 2 : 679 | 9 ،
المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 و414 ، كشف الغمة 2 : 380 ، الثاقب في المناقب : 534 | 417 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 140 | 25 .
(4) الدَهَقُ (بالتحرك) : ضربٌ من العذاب ، وهو من خشبتان يُغمز بهما الساق . « انظر : الصحاح ـ دهق ـ 4 : 1487 ، القاموس المحيط 3 : 233 » .
(5) الكافي 1 : 419 | 6 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 306 ، كشف الغمة 2 : 380 ، وورد ذيلها في : الخرائج والجرائح 2 : 681 | 11 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 139 | 23 ، و24
(6) الخرائج والجرائح 2 : 674 | 4 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، الثاقب في المناقب : 538 | 478 ، كشف الغمة 2 : 397 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 124 | 1
(7) في نسخة « م » : ملياً .
(8) الخرائح والجرائح 2 : 763 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 397 ، الثاقب في المناقب : 533 | 469 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 136 | 17
(9) الخرائج والجرائح 2 : 673 | 3 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، الثاقب في المناقب :532 | 467 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 138 | 32 .
(10) الخرائح والجرائح 2 : 675 | 7 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، الثاقب في المناقب : 542 | 484 ، كشف الغمة 2 : 398 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 20 .
(11) اثبات الوصية : 202 ، الخرائج والجرائح 2 : 672 | 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 309 ، الثاقب في المناقب : 544 | 486 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 21 .
(12) الكُسْبُ : عصارة الدهن : « لسان العرب 1 : 717 » .
(13) الشعراء 26 : 227 .
(14) الكافي 1 : 417 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 302 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 | 8 ، الدعوات للراوندي : 202 | 555 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 415 ، كشف الغمة 2 : 387 ، الفصول المهمة : 218 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 198 | 10 .
(15) في نسخة « م » : زيادة : اللاهي واللاعب على الطعام .
(16) في نسخة « ط » : ليهينك .
(17) الكافي 1 : 420 | 8 ، ارشاد المفيد 2 : 307 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، كشف الغمة 2 : 381 .
(18) هود 11 : 65 .
(19) الثاقب في المناقب : 536 | 473 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 50 : 189 | 1 .
(20) في نسخة « م » : وقع .
(21) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، و 414 ، وورد ذيل الرواية في : كشف الغمة 2 : 398 ، والثاقب في المناقب : 536 | 474 .
(22) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 215 ، كشف الغمة 2 : 398 ، الثاقب في المناقب : 537 | 475 .

---------------------------------------------------------------------------



من خصائصه وأخباره عليه السلام


ذكر ابن جمهور قال : حدّثني سعيد بن سهلويه قال : رفع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مراراً يسأله أن يقدّمه على ابن ابن أخيه ويقول : إنّه حدث وأنا عمّ أبيه ، فقال عمر ذلك لاَبي الحسن عليه السلام فقال : « إفعل واحدة ، اقعدني غداً قبله ثمّ انظر » .

فلمّا كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن عليه السلام فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن عليه السلام ، فلمّا كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لاَبي الحسن عليه السلام فدخل ، فلمّا رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه (1) .

وأشخص أبا الحسن عليه السلام المتوكّل من المدينة إلى سرّ من رأى ، وكان السبب في ذلك أنّ عبدالله بن محمد ـ وكان والي المدينة ـ سعى به إليه ، فكتب المتوكّل إليه كتاباً يدعو به فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول .

فلمّا وصل الكتاب إليه تجهّز للرحيل وخرج مع يحيى بن هرثمة حتّى وصل إلى سرّ من رأى ، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل أن يحجب عنه في منزله ، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكّل بإفراد دار له فانتقل إليها (2) .

فروى محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن محمد بن يحيى ، عن صالح ابن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام في يوم وروده فقلت له : جعلت فداك ، في كلّ الاَمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان الاَشنع ، خان الصعاليك .

فقال : « ها هنا أنت يا ابن سعيد » ثمّ أومأ بيده فإذا أنا بروضات أَنِقات ، وأنهار جاريات ، وجنّات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري ، وكثر عجبي ، فقال لي : « حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك » (3) .

وكان المتوكل يجتهد في إيقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس فلا يتمكّن من ذلك ، وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب ، فيها آيات له ، ودلالات ذكرنا بعضها ، وفي إيراد جميعها خروج عن الغرض في الاِيجاز .

وروى عبدالله بن عيّاش بإسناده ، عن أبي هاشم الجعفريّ فيه وقد اعتلّ عليه السلام :

ماجتِ الاَرضُ بي وأدّت فؤادي * واعتـرتني مـواردُ العرواءِ
حينَ قيلَ : الاِمـام نـضوٌ عليلٌ * قلتُ : نفسي فدته كـلّ الفداءِ
مرضَ الدينُ لاعتلالـك واعتـ * ـلَّ وغارت لهُ نجومُ السماءِ
عجباً أن منيتَ بالداءِ والسقـ * ــمِ وأنـتَ الاِمـامُ حسـمُ الداءِ
أنت آسي الاَدواءِ في الدينِ و * الدنيا ومحيي الاَمواتِ والاَحياءِ (4)


أولاده عليه السلام

وله عليه السلام من الاَولاد : ابنه محمد الحسن الاِمام بعده ، والحسين ، ومحمد ، وجعفر الملقّب بالكذّاب ، وابنته عالية .

وكان مقامه بسرّ من رأى إلى أن توفّي عليه السلام عشرين سنة وأشهراً (5) .



(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 309 بتفصيل فيه ، روضة الواعظين : 245 ، كشف الغمة 2 : 382 .
(3) الكافي 1 : 417 | 2 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 426 | 7 و 427 | 11 ، ارشاد المفيد 2 : 311 ، الاختصاص : 324 ، روضة الواعظين : 246 ، الخرائج والجرائح 2 : 680 | 10 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 411 ، كشف الغمة 2 : 383 .
(4) نقله المجلسي في بحار الاَنوار 50 : 222|9 .
(5) انظر : ارشاد المفيد 2 : 311 ، الهداية للخصيبي : 313 ، تاج المواليد (مجموعة نفيسة) : 132 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 402 ، دلائل الامامة : 217 ، الفصول المهمة : 283

.ابوفاضل.
08-03-2010, 03:09 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم والعن اعدائهم
رزقك الله شفاعة محمد واهل بيته الطاهرين
وحشرك في زمرتهم يارب
الف الف شكر لك
على الطرح المبارك
تقبل مروري المتواضع
في صفحتك المباركه