المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام محمد بن علي الجواد (ع)


ابن السماوة
05-28-2010, 06:19 AM
تاريخ مولده ، ومدة إمامته ووقت وفاته عليه السلام

ولد عليه السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر (1) . وقيل : للنصف منه ليلة الجمعة (2) .

وفي رواية ابن عيّاش : ولد يوم الجمعة لعشر خلون من رجب (3) .

وقبض عليه السلام ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، وله يومئذ خمس وعشرون سنة .

وكانت مدّة خلافته لاَبيه سبع عشرة سنة ، وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك المأمون ، وقبض عليه السلام في أوّل ملك المعتصم .

واُمّه اُمّ ولد يقال لها : سبيكة . ويقال : درّة ، ثمّ سمّاها الرضا عليه السلام خيزران ، وكانت نوبيّة (4) .

ولقبه : التقيّ ، والمنتجب ، والجواد ، والمرتضى . ويقال له : أبو جعفر الثاني .

ودفن عليه السلام في مقابر قريش في ظهر جدّه موسى عليه السلام (5) .


(1) انظر : الكافي 1 : 411 ، ارشاد المفيد 2 : 273 . كفاية الطالب : 458 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 379 ، دلائل الامامة : 201 .
(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 379 .
(4) النوب والنوبة ، والواحد نوبي : جيل من السودان . « لسان العرب 1 : 776 » .
(5) انظر : الكافي 1 : 411 ، ارشاد المفيد

--------------------------------------------------------------------------

النصوص الدالة على إمامته عليه السلام

يدل على إمامته عليه السلام ـ بعد طريقة الاعتبار وطريقة التواتر اللتين تقدّم ذكرهما في إمامة آبائه عليهم السلام ـ ما ثبت من إشارة أبيه إليه بالاِمامة .

ورواه الثقات من أصحابه وأهل بيته عنه ، مثل عمّه عليّ بن جعفر الصادق عليه السلام ، وصفوان بن يحيى ، ومعمر بن خلاّد ، وابن أبي نصر البزنطي ، والحسين بن بشار ، وغيرهم .

فروى محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعليّ بن محمد القاسانيّ جميعاً ، عن زكريّا بن يحيى قال : سمعت عليّ بن جعفر يحدّث الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين فقال في حديثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام لمّا بغى عليه أخوته وعمومته . وذكر حديثاً طويلاً حتىّ انتهى إلى قوله : فقمت (وقبضت على يد) (1)أبي جعفر محمد بن عليّ الرضا عليهما السلام وقلت : أشهد أنّك إمامي عندالله ، فبكى الرضا عليه السلام ثمّ قال : « يا عمّ ، ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : بأبي ابن خيرة الاِماء النوبيّة الطيّبة يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجدّه صاحب الغيبة يقال : مات أو هلك أيّ واد سلك ؟ »

فقلت : صدقت جعلت فداك (2) .

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : « يهب الله لي غلاماً » فقد وهبه الله لك ، فأقرّ عيوننا ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كونٌ فإلى من ؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ؟!

قال : « وما يضرّه من ذلك ، قد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين » (3) .

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد قال : سمعت الرضا عليه السلام ـ وذكر شيئاً ـ فقال : « ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي ، وصيّرته مكاني » .

وقال : « إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القُذّة بالقُذّة (4) » (5) .

وعنه ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن عليّ ، عن معاوية بن حكيم ، عن ابن أبي نصر البزنطي قال : قال لي ابن النجاشيّ : من الاِمام من بعد صاحبك ؟ ـ ولم يكن رزق أبا جعفر ـ فدخلت على الرضا عليه السلام فأخبرته بما سألني عنه ابن النجاشيّ فقال : « الاِمام بعدي ابني » ثم قال : « وهل يجترئ أحدٌ أن يقول ابني وليس له ولد ؟! » (6) .

وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن جعفر بن يحيى ، عن مالك بن أشيم ، عن الحسين بن يسار قال : كتب ابن قياما إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد ؟

فأجابه أبو الحسن عليه السلام : « وما علمك أنّه لا يكون لي ولد ، والله لا تمضي الاَيّام والليالي حتّى يرزقني الله ذكراً يفرّق بين الحقّ والباطل » (7) .

وعنه ، عن الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان فقال له قائلٌ : يا سيّدي إن كان كون فإلى من ؟

قال : « إلى أبي جعفر ابني » .

فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « إنّ الله بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الذي هو فيه » (8) .

وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يحيى بن حبيب الزيّات قال : أخبرني من كان عند الرضا عليه السلام جالساً ، فلمّا نهضوا قال لهم : « ألقوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهداً » .

فلمّا نهض القوم إلتفت إليّ فقال : « رحم الله المفضّل ، إنّه كان ليقنع بدون هذا » (9) .

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عليّ ، عن الحسن بن الجهم قال : كنت مع أبي الحسن الرضا عليه السلام جالساً فدعا بابنه وهو صغير ، فأجلسه في حجري وقال لي : « جرّده » أي انزع قميصه .

فنزعته ، فقال : « انظر بين كتفيه » فنظرت فإذا في إحدى كتفيه شبيه بالخاتم داخل في اللحم ، فقال لي « أترى هذا ؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي عليه السلام » (10) .

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي يحيى الصنعانيّ قال : كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السلام فجيء بابنه أبي جعفر وهو صغيرٌ فقال : « هذا المولود الذي لم يولد مولودٌ أعظم بركة على شيعتنا منه » .


(1) في الكافي : فمصصت ريق .
(2) الكافي 1 : 259 | 14 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 275 ، كشف الغمة 2 : 351 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 21 | 7 .
(3) الكافي 1 : 258 | 10 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 276 ، اثبات الوصية : 185 ، كفاية الأثر : 279 ، روضة الواعضين : 237 ، الفصول المهمة : 265 ، وقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 21 | 8 .
(4) القُذذ : ريش السهم ، واحدتها قذة .
ومنه الحديث : « لتركبن سنن من كان من قبلكم حذو القُذة بالقُذة » أي كما تُقدر كل واحدة منهما على صاحبتها وتقطع . يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان . « النهاية 4 : 28 » .
(5) الكافي 1 : 256 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 276| كشف الغمة 2 : 351 ، الفصول المهمة : 265 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 21 | 9 .
(6) الكافي 1 : 257 | 5 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 277 ، الغيبة للطوسي : 72 | 78 ، كشف الغمة 2 : 352 .
(7) الكافي 1 : 257 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 277 ، اثبات الوصية 683 ، كشف الغمة 2 : 352 ، ونحوه في : رجال الكشي : 553 | 1044 ، دلائل الامامة : 183 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 22 | 10 .
(8) الكافي 1 : 258 | 13 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 279 ، كفاية الاثر : 277 ، روضة الواعضين : 237 ، كشف الغمة 2 : 353 ، وباختلاف يسير في : اثبات الوصية : 186 ، دلائل الامامة : 204 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 23 | 15
(10) الكافي 1 : 256 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 280 ، رجال الكشي : 2 : 620 | 593 ، روضة الواعضين : 237 ، كشف الغمة 2 : 353 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 24 | 16 .
(9) الكافي 1 : 257 | 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 278 ، كشف الغمة 2 : 352 ، ونحوه في : اثبات الوصية : 185 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار

------------------------------------------------------------------------


من دلائله ومعجزاته عليه السلام



عن محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسّان ، عن عليّ بن خالد قال : كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً اُتي به من ناحية الشام مكبولاً وقالوا : إنّه تنبّأ ، قال : فأتيت الباب وداريت البوّابين حتّى وصلت إليه ، فإاذا رجل له فهم وعقل ، فقلت له : ما قصّتك ؟

فقال : إنّي كنت بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام ، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصاً بين يديّ فنظرت إليه فقال لي : « قم » فقمت ، فمشى بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي : « أتعرف هذا المسجد ؟ »

فقلت : نعم هذامسجد الكوفة .

قال : فصلّى وصلّيت معه ، ثمّ انصرف وانصرفت معه ، فمشى بي قليلاً فإذا نحن بمسجد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فسلّم على الرسول وصلّى وصلّيت معه .

ثمّ خرج وخرجت معه ، فمشى قليلاً فإذا أنا بمكّة ، فطاف بالبيت وطفت معه .

ثمّ خرج فمشى قليلاً فإذا أنا بموضعي الذي كنت اُعبدالله بالشام ، وغاب الشخص عن عيني ، فبقيت متعجباً حولاً ممّا رأيت ، فلمّا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ودعاني فأجبته ، ففعل كما فعل في العام الماضي ، فلّما أراد مفارقتي بالشام قلت له : سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ أخبرتني من أنت ؟

قال : « أنا محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام » .

فحدّثت من كان يصير إليّ بخبره ، فرُقي ذلك إلى محمد بن عبدالملك الزيّات فبعث إليّ من أخذني وكبّلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى ، وادّعى عليّ المحال .

فقلت له : أرفع عنك القصّة إلى محمد بن عبدالملك الزيّات ؟

قال : إفعل .

فكتبت عنه قصة ، شرحت أمره فيها ورفعتها إلى محمد بن عبدالملك ، فوقّع في ظهرها : قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى المدينة ، ومن المدينة إلى مكّة ، وردّك من مكّة إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا .

قال عليّ بن خالد : فغمّني ذلك من أمره وانصرفت محزوناً عليه ، فلمّا كان من الغد باكرت إلى الحبس لاُعلمه الحال وآمره بالصبر والعزاء ، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون ، فسألت عن حالهم فقيل لي : المتنبئ المحمول من الشام اُفتقد البارحة من الحبس ، فلا يدرى خسفت به الاَرض أو اختطفه الطير .

وكان عليّ بن خالد هذا زيديّاً فقال بالاِمامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده (1) .

وفي كتاب أخبار أبي هاشم الجعفري رضي الله عنه للشيخ أبي عبدالله أحمد بن محمد بن عيّاش الذي أخبرني بجميعه السيد أبو طالب محمد بن الحسين الحسينيّ القصبي الجرجاني رحمه الله قال : أخبرني والدي السيّد أبو عبدالله الحسين بن الحسن القصبيّ ، عن الشريف أبي الحسين طاهر بن محمد الجعفريّ عنه قال : حدّثني أبو عليّ أحمد بن محمد بن يحيى العطّار القمّي ، عن عبدالله بن جعفر الحميري قال : قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ : دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك ، فتناول إحداهنّ وقال : « هذه ريّان بن شبيب » ثمّ تناول الثانية فقال : « هذه رقعة محمد بن حمزة » وتناول الثالثة وقال : « هذه رقعة فلان » فبهت فنظر إليّ وتبسّم عليه السلام .

قال الحميريّ : وقال لي أبو هاشم : وأعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرة وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه وقال : « أما إنّه سيقول لك دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه » .

قال : فأتيته بالدنانير فقال لي : يا أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً . ففعلت .

قال أبو هاشم : وكلّمني جمّال أن اُكلّمه ليدخله في بعض أموره ، فدخلت عليه لاُكلّمه فوجدته يأكل مع جماعة فلم يمكنني كلامه ، فقال : « يا أباهاشم كل » ووضع بين يديّ ثمّ قال ـ ابتداءً منه من غير مسألة ـ : « يا غلام انظرالجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه إليك » .

قال أبو هاشم : ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له : جعلت فداك ، إنّي مولع بأكل الطين ، فادع الله لي ، فسكت ثم قال لي بعد أيّام ـ إبتداءً منه ـ : « يا أبا هاشم ، قد أذهب الله عنك أكل الطين » .

قال أبو هاشم : فما شيء أبغض إليّ منه (2) .

ومما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد < عن علي بن أسباط > (3)قال : خرج عليّ أبو جعفر حدثان موت أبيه فنظرت إلى قدّه لاَصف قامته لاَصحابنا فقعد ، ثمّ قال : « يا عليّ ، إنّ الله تعالى احتّج في الاِمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال : ( وَ آتيناهُ الحكمَ صَبيّاً) (4) » (5) .

وروى أيضاً : عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجّال < وعمرو بن عثمان > (6) ، عن رجل من أهل المدينة ، عن المطرفيّ قال : مضى أبو الحسن الرضا عليه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم ، لم يكن يعرفها غيري وغيره ، فأرسل إليّ أبو جعفر : « إذا كان في غد فائتني » .

فأتيته من الغد ، فقال لي : « مضى أبوالحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم ؟ » .

فقلت : نعم .

فرفع المصلّى الذي كان تحته ، فإذا تحته دنانير فدفعها إليّ ، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم (7) .

وروى محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب (نوادر الحكمة) : عن موسى بن جعفر ، عن اُمية بن علي قال : كنت بالمدينة ، وكنت أختلف إلى أبي جعفر عليه السلام وأبو الحسن عليه السلام بخراسان ، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه ، فدعا يوماً الجارية فقال : « قولي لهم : يتهيّأون للمأتم » .

فلما تفرّقوا قالوا : ألا سألناه مأتم من ؟

فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك ، فقالوا : مأتم من ؟

قال : « مأتم خير من على ظهرها » .

فأتانا خبر أبي الحسن عليه السلام بعد ذلك بأيّام ، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم (8) .

وفيه : عن حمدان بن سليمان ، عن أبي سعيد الاَرمنيّ ، عن محمد بن عبدالله بن مهران قال : قال : محمد بن الفرج : كتب إليّ أبو جعفر : « إحملوا إليّ الخمس ، فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا » .

فقبض عليه السلام في تلك السنة (9) .


(1) الكافي 1 : 411 | 1 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 244 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 289 ، الاختصاص : 320 ، ونحوه في : دلائل الامامة : 214 ، روضة الواعظين : 242 ، الخرائج والجرائح 1 : 380 | 10 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 393 ، الفصول المهمة : 271 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 40 .
(2) الكافي 1 : 414 | 5 ، ارشاد المفيد 2 : 293 ، الخرائج والجرائح 2 : 644 ـ 665 | 1و2و3و4 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 390 ، كشف الغمة 2 : 361 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 41 | 6و7 .
(3) أثبتناه من الكافي .
(4) مريم 19 : 12 .
(5) الكافي 1 : 413 | 3 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 258 | 10 ، ارشاد المفيد 2 : 292 ، اثبات الوصية : 184 ، الخرائح والجرائح 1 : 384 | 14 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 398 ، كشف الغمة 2 : 360 .
(6) اثبتناه من الكافي .
(7) الكافي 1 : 415 | 11 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 292 ، روضة الواعظين : 1 : 243 ، الخرائج والجرائح 1 : 378 | 7 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 391 ، كشف الغمة 2 : 360 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 54 | 29 .
(8) اثبات الوصية 188 ، دلائل الامامة : 212 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 389 ، الثاقب في المناقب : 515 | 443 ، كشف الغمة 2 : 369 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 63 | 39 .
(9) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 389 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 63 | ذيل حديث 39 .

-------------------------------------------------------------------------------

بعض مناقبه وفضائله عليه السلام


كان عليه السلام قد بلغ في كمال العقل والفضل والعلم والحكم والاَدب ـ مع صغر سنه ـ منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي السنّ من السادات وغيرهم ، ولذلك كان المأمون مشغوفاً به لما رأى من علوّ رتبته وعظم منزلته في جميع الفضائل ، فزوّجه ابنته اُمّ الفضل ، وحملها معه إلى المدينة ، وكان متوفّراً على تعظيمه وتوقيره وتبجيله .

وروي عن الريّان بن شبيب : أنّ المأمون لمّا أراد أن يزوّجه ابنته استكبر ذلك جماعة العبّاسيّة ، وخاضوا في ذلك ، وقالوا للمأمون : ننشدك الله أن تقيم على هذا الاَمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله! وتنزع عنّا عزّاً قد ألبسناه الله وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا حتّى كفانا الله المهم من ذلك!

فقال المأمون : والله ماندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا ، ولقد سألته أن يقوم بالاَمر وانزعه من عنقي فأبى ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، وأمّا أبو جعفر فقد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل مع صغر سنّه والاُعجوبة فيه بذلك .

فقالوا له : إنّه صبيّ لا معرفة له ، فأمهله ليبأدب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ماتراه .

فقال لهم : ويحكم ، إنّي أعرف بهذا الفتى منك ، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وموادّه وإلهامه ، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والاَدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فإن شئتم فامتحنوا أباجعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله .

قالوا : قد رضينا بذلك .

فخرجوا ، واتّفق رأيهم على أنّ يحيى بن أكثم يسأله مسألة ـ وهو قاضي الزمان ـ فأجابهم المأمون إلى ذلك .

واجتمع القوم في يوم اتّفقوا عليه ، وأمر المأمون أن يفرش لاَبي جعفر دست (1) ، ويجعل له فيه مسورتان ، ففعل ذلك ، وخرج أبو جعفر ـ وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر ـ فجلس بين المسورتين ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وقام الناس في مراتبهم ، والمأمون جالسٌ في دست متّصل بدست أبي جعفر عليه السلام ، فقال يحيى بن أكثم للمأمون : أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر ؟

فقال : استأذنه في ذلك .

فأقبل عليه يحيى وقال : أتأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟

فقال : « سل إن شئت » .

فقال : ما تقول ـ جعلت فداك ـ في محرم قتل صيداً ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : « في حلّ أو حرم ؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً ؟ قتله عمداً أو خطأً ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً ؟ صغيراً كان أم كبيراً ؟ مبتدئاً كان بالقتل أم معيداً ؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ من صغار الصيد كان أم كبارها ؟ مصرّاً كان على ما فعل أم نادماً ؟ ليلاً كان قتله للصيد أم نهاراً ؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً ؟ » .

فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ، وتلجلج حتّى عرف أهل المجلس أمره ، فقال المأمون : الحمدلله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثمّ قال لاَبي جعفر عليه السلام : إخطب لنفسك ، فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوّجك أمّ الفضل ابنتي .

فقال أبو جعفر عليه السلام : « الحمد لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيّته ، وصلّى الله على محمّد سيّد بريّته ، وعلى الاَصفياء من عترته .

أمّا بعد : فقد كان من فضل الله على الاَنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه : ﴿ وانكِحُوا الاَيامى مِنكُم والصّالحينَ مِن عِبادِكُم وإمائِكُم إن يَكونُوا فُقراء يُغنِهُمُ اللهُواسعٌ عَليم ﴾ (2)ثمّ إنّ محمد بن علي بن موسى يخطب اُمّ الفضل ابنة عبدالله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو خمسمائة درهم جياداً ، فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على الصداق المذكور ؟ »

فقال المأمون : نعم ، قد زوّجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح ؟

قال أبو جعفر : « نعم ، قبلت النكاح ورضيت به » .

فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم .

قال الريّان : فلم نلبث أن سمعنا أصواتاً تشبه أصوات الملاّحين ، فإذا الخدم يجرّون سفينة مصنوعة من فضّة تشدّ بحبال الاَبريسم على عجلة مملوّة من الغالية (3) ، ثم أمر المأمون أن تُخضب لحى الخاصّة من تلك الغالية ، ثمّ مدّت إلى دار العامّة ، وطيّبوا بها ، ووضع الموائد وأكل الناس ، وخرجت الجوائز إلى كلّ قوم على قدرهم .

فلمّا تفرّق الناس وبقي من الخاصّة من بقي قال المأمون لاَبي جعفر : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر تفصيل ماذكرته من الفقه في قتل المحرم فعلت .

فقال أبو جعفر : « نعم » . وأجاب عن جميع المسائل بما هو مشهورٌ .

فقال له المأمون : أحسنت ، أحسن الله إليك يا أبا جعفر ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك .

فقال له أبو جعفر عليه السلام : « اخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار حلّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلت له ، فلما غربت الشمس حرمت عليه ، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه ، فلمّا طلع الفجر حلّت له ، ما حال هذه المرأة ، وبماذا حلّت له وحرمت عليه ؟ »

فقال يحيى : لا أعرف ذلك ، فإن رأيت أن تفيدنا .

فقال أبو جعفر عليه السلام : « هذه المرأة أمة لرجل من الناس ، نظر إليها <أجنبي> (4)أوّل النهار < فكان نظره إليها حراماً > (5) فلمّا ارتفع النهار إبناعها من مولاها فحلّت له ، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه ، ثم تزوجها وقت العصر فحلّت له ، ثمّ ظاهر منها وقت المغرب فحرمت عليه ، ثمّ كفّر عن الظهار وقت العشاء فحلّ له ، ثمّ طلّقها واحدة نصف الليل فحرمت عليه ، ثمّ راجعها وقت الفجر فحلّت له » .

فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته وقال : ويحكم ، إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم افتتح دعوته بدعاء امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الاِسلام ، وحكم الله له به ، ولم يدع أحداً في سنّه غيره ، وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما ابنا دون الستّ سنين ولم يايع صبيّاً غيرهما ، فإنّهم ذرّيّة بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لاَوّلهم .

قالوا : صدقت يا أميرالمؤمنين . ثمّ نهض القوم .

فلمّا كان من الغد أُحضر الناس ، وحضر أبو جعفر عليه السلام ، وصار القوّاد والحجّاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر ، فاُخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك وزعفران معجون ، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنيّة واقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصّته ، فكلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأُطلق له ، ووضعت البدر فنثر ما فيها على القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا ، ولم يزل مكرماً لاَبي جعفر عليه السلام يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته (6) .

ولمّا انصرف أبو جعفر عليه السلام من عند المأمون ببغداد ومعه أُمّ الفضل إلى المدينة ، صار إلى شارع باب الكوفة والناس يشيّعونه ، فانتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد ، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضّأ في أصل النبقة وقام وصلّى بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الاُولى « بالحمد » و « أذا جاء نصرالله » وفي الثانية « بالحمد » و« قل هو الله أحد » وقنت قبل الركوع ، وجلس بعد التسليم هنيهة يذكر الله تعالى ، وقام من غير تعقيب فصلّى النوافل أربع ركعات ، وعقّب بعدها ، وسجد سجدتي الشكر ثمّ خرج ، فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً كثيراً حسناً ، فتعجّبوا من ذلك ، فأكلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له ، ومضى عليه السلام إلى المدينة (7) .

ولم يزل بها حتّى أشخصه المعتصم إلى بغداد في أوّل سنة (خمس وعشرين) (8)ومائتين ، فأقام بها حتّى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة (9) .

وقيل : إنّه مضى عليه السلام مسموماً (10) .

وخلّف من الولد : ابنه علياً عليه السلام الاِمام ، وموسى (11) .

(ويقال : و) (12) فاطمة ، وامامة ابنتيه ، ولم يخلّف غيرهم . (13)


(1) دست : كلمة معرّبة ، ويراد بها جانب من البيت .
(2) النور 24 : 32 .
(3) الغالية : نوع من الطيب مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن . « لسان العرب 15 : 134 » .
(4و5) ما بين المعقوفين اثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق .
(6) ارشاد المفيد 2 : 281 ، وباختلاف يسير في : الاحتجاج : 443 ، ونحوه في : اثبات الوصية : 189 ، دلائل الامامة : 206 ، روضة الواعظين : 237 ، الفصول المهمة : 267 ، ودون ذيله في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 380 .

(7) ارشاد المفيد 2 : 288 : مناقب ابن شهرآشوب 4 : 390 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة : 270
(8) كذا في نسخنا والصواب : عشرين .
انظر : الكافي 1 : 411 و 416 | 12 ، ارشاد المفيد 2 : 273 و 295 ، تاريخ أهل البيت عليهم السلام : 85 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة : 275 .
(9) ارشاد المفيد 2 : 289 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة : 275 ، وانظر : الكافي 1 : 411 و 416 | 12 ، تاريخ أهل البيت عليهم السلام : 85 .
(10) ارشاد المفيد 2 : 295 ، تفسير العياشي 1 : 320 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 379 ، دلائل الامامة : 209 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة 276 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 13 ذيل ح12
(11) في نسخه « م » زيادة : ومن البنات حكيمة وخديجة وأم كلثوم .
(12) في نسخة « م » وقد قيل أنّه خلّف .
(13) ارشاد المفيد 2 : 295 .

نبرووسه
05-28-2010, 10:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد والي محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هم اقولك مشكووور اخوي ع الموضع الرائع
والاكثر من رائع ومميز
دمتم بي حفظ الباري و المولى

.ابوفاضل.
08-03-2010, 03:25 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم والعن اعدائهم
رزقك الله شفاعة محمد واهل بيته الطاهرين
وحشرك في زمرتهم يارب
الف الف شكر لك
على الطرح المبارك
تقبل مروري المتواضع
في صفحتك المباركه