المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام الحسين بن علي (ع)


ابن السماوة
05-28-2010, 06:21 AM
تاريخ مولده ومبلغ سنه
ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان (1)، وقيل : لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة (2)،وقيل : ولد اخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة (3) ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن عليهما السلام إلاّ الحمل والحمل ستّة .

وجاءت به فاطمة الزهراء أمه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمّاه حسيناً وعقّ عنه كبشاً.

وعاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر ، كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبع سنين ، ومع أمير المؤمنين سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدّة خلافته عشر سنين وأشهراً .
وقتل صلوات اللهّعليه يوم عاشوراء يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين (4)،وقيل : يوم الجمعة سنة إحدى وستّين من الهجرة (5).


(1) مسار الشيعة : 61، مصباح المتهجد: 758.
(2) ارشاد المفيد 2 : 27 ، مناقب ابن شهراشوب 4 : 76 ، مقاتل الطالبيين : 78 ، اُسد الغابة2 : 18 .
(3) المقنعة : 467 ، التهذيب للطوسي 6 : 41 .
(4) الكافي ا : 385 | ب 115 ، التهذيب للطوسي 6 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 78.
(5) التهذيب للطوسي 6 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 78 .
-------------------------------------------------------------------------------
الدلائل على إمامته وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه

تدلّ على إمامته عليه السلام جميع الطرق الاعتبارية والإخباريّة التي ذكرناها في إمامة الحسن عليه السلام بعينها، فإن جميعها كما تدلّ على إمامته تدلّ على إمامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام من بعده مثلاً بمثل ، وقد صرّح النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على إمامته أيضاً بقوله : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا» (1) .

وأيضاً فإنّ وصيّة الحسن عليه السلام إليه تدلّ على إمامته كما دنت وصيّة أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام على إمامته ،بحسب ما دلّت وصيّة رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده .

وممّا جاء من الأخبار في وصيّة الحسن عليه السلام إليه ما رواه محمد ابن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن محمد ابن سليمان الديلميّ ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال :سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام يقول : «لمّا احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين : يا أخي إنّي اُوصيك بوصيّة (فاحفظها) (2) إذا أنا متّ فهيئني ووجّهني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأحدث به عهداً، ثمّ اصرفني إلى اُمّي فاطمة عليها السلام ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع » (3)إلى آخر الخبر.

وروى محمد بن يعقوب بإسناده ، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «لمّا حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد ؟ فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي (4).

قال : فاتيته ، فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير؟ قلت : أجب أبا محمد .

فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه ، فخرج معي يعدو، فلمّا قام بين يديه سلّم فقال له الحسن عليه السلام : إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمة وفضّل بعضهم على بعض وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر <به> محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم .

يا محمد بن علي ، إنّي أخاف عليك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال http://ahlualbayt.com/vb/images/smilies/frown.gif كفّاراً حَسَداً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ فاتَبيَّنَ لَهُم الحقّ ) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً .

يا محمد بن عليّ ، ألا اُخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟

قال : بلى .

قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبر محمداً ولدي.

يا محمّد بن عليّ ، لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهرأبيك لأخبرتك .

يا محمّد بن عليّ ، أما علمت أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب وراثة من النبيّ أضافها الله له في وراثة أبيه واُمّه ، علم الله أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّدٌ عليّاً واختارني عليّ للإمامة واخترت أنا الحسين .

فقال له محمّد بن عليّ : أنت إمامي وسيّدي ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيّره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ،وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ، حتّى لا يجد قلماً ، ويؤتوا بالقرطاس حمماً ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله ، الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله رحماً ، كان إماماً قبل أن يُخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلما اختار محمداً اختار محمد عليّاً إماماً واختارك عليٌّ بعده واخترتَ الحسين عليه السلام بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات » (5).

وفي حديث حبابة الوالبيّة الذي رويناه هناك (6) ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالّة على إمامته فلا معنى لتكريره وإعادته .

فكانت إمامته عليه السلام ثابتة بعد أخيه الحسن عليه السلام وإن لم يدع إلى نفسه ؛ للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وجرى فيذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله السلام مع الكفّ والصموت ، ومجرى أخيه عليه السلام في زمان الهدنة والسكوت ، فلمّا انقضى زمان الهدنة بهلاك معاوية ، واجتمع له في الظاهر الأنصار، أظهر أمره بعض الإظهار، وتشمّر للقتال ، وقدّم إلى العراق ابن عمّه عليه السلام مسلماً للاستنصار .
فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة، ثمّ نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه ، وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه شهيداً كما استشهد أبوه وأخوه عليهم السلام .


(1) تقدّم في صفحة : 407 هامش (3).
(2) أثبتناها من المصدر.
(3) الكافي 1 : 30 | 24، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |1 .
(4)هو أخوه محمّد بن الحنفية .
(5) الكافي 1 : 239| 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |2 .
(6) تقدم في صفحة: 458 .
---------------------------------------------------------------------------
بعض خصائصه ومناقبه وفضائله صلوات الله عليه

كان عليه السلام يشبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه السلام يشبهه من صدره إلى رأسه كما تقدم (1) .

وروى سعيد بن راشد ، عن يعلى بن مرّة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم يقول : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط » (2) .

وروى عبدالله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : «إصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إيهاً (3) حسن خذ حسيناً،

فقالت فاطمة عليها السلام : يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : هذا جبرئيل يقول للحسين : ايهاً حسين خذ حسناً» (4).

وروى الأوزاعي ، عن عبدالله بن شدّاد، عن اُمّ الفضل ، أنّها دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله
وسلّم فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حُلماً منكراً.

قال : «وما رأيت ؟» .

فقالت : إنّه شديد .

قال : «وما هو؟» .

قالت : رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري .

فقال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم : «خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك » .

فولدت الحسين عليه السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله .

قالت : فدخلت به يوماً على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة
فإذا عينا رسول اللهّصلّى الله عليه واله وسلّم تهرقان بالدموع ، فقلت : بابي أنت واُمّي يا رسول الله مالك ؟

قال : «أتاني جبرئيل فاخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء» (5).

وفي مسند الرضا عليه السلام : عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت : لمّا كان بعد حول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى .

قالت أسماء : فداك أبي واُمّي ممّ بكاؤك ؟

قال : من ابني هذا.

قلت : إنّه ولد الساعة!

قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي ،ثمّ قال : يا أسماء، لا تخبري

فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثمّ قال لعليّ : أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.

فقال رسول الله : ما كنت لأسبق باسمه ربّي .

فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرئك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون.

فقال : وما اسم ابن هارون ؟

قال : شبير.

قال : سمّه الحسين .

فسمّاه الحسين ، ثمّ عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً، وطلى رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهليّة ، وأعطى القابلة فخذ كبش » (6).

وروى الضحّاك ، عن ابن المخارق ، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول الله صلّى اللهّعليه وآله وسلّم ذات يوم جالس والحسين عليه السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت : يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك ؟

قال : «جاءني جبرئيل عليه السلام فعزّاني بابني الحسين ، وأخبرني أنّ طائفة من اُمّتي ستقتله ، لا أنالهم الله شفاعتي » (7).

وروي بإسناد آخر عن اُمّ سلمة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له : يا رسول الله ، ما لي أراك شَعِثاً مغبرّاً؟
فقال : «اُسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي » وبسطها فقال : «خذيه واحتفظي به » .

فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلمّا خرج الحسين عليه السلام متوجّها نحو العراق كنت اُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فاشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه ،

فلمّا كان يوم العاشر من المحرّم ـ وهو اليوم الذي قُتل فيه ـ أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط ، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتّى جاء الناعي ينعاه ، فحقّق مارأيت (8).

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : «قال لي جبرئيل عليه السلام : إنّ الله جلّ جلاله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً» (9) .

وروى سفيان بن عيينة، عن عليّ بن زيد، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : «خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريّا، وقال يوماً: من هوان الدنيا على الله عزّ وجلّ أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل » (10) .

وروى يوسف بن عبدة قال : سمعت محمّد بن سيرين يقول : لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسين عليه السلام (11).

وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال : أخبرنا القطّان : حدّثنا عبدالله بن جعفر، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا سليمان ابن حرب ، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن معمر قال : أوّل ما عُرف الزهري تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن عليّ ؟

فقال الزهري : بلغني أنّه لم يُقلب حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط (12).

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن عليّ بن مسهر قال : حدّثتني جدّتي قالت : كنت أيّام الحسين عليه السلام جارية شابّة فكانت السماء أيّاماً علقة (13).

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن جميل بن مرّة قال : أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه السلام يوم قُتل فنحروها وطبخوها، قال : فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً (14).
وعن ابن عبّاس قال : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما هذه ؟

قال : «هذا دم الحسين عليه السلام وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم » .

فاُحصي بذلك الوقت فوجد <قد> قتل ذلك اليوم (15) .

وعن نضرة الأزديّة: لمّا قتل الحسين بن علي عليهما السلام مطرت السماء دماً، فأصبحت وكلّ شيء لنا ملء دم (16)!!

وروى محمد بن مسلم ، عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام قال : سمعتهما يقولان : «إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله : أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولاتُعدّ أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره » .

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله عليه السلام : هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه ؟
قال : «إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فكان معه في درجته ومنزلته » ثمّ تلا أبو عبدالله عليه السلام : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأتبَعَتهُم ذُرِيّتهُم بإيفانٍ أَلحَقتا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم ﴾ (17) (18) .
وَالأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى .

وممّا روي في السبطين عليهما السلام : ما رواه عتبة بن غزوان قال : كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلّي فجاء الحسن والحسين يركبان ظهره ، فانصرف فوضعهما في حجره وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة، فقالقوم : أتحبّهما يا رسول الله ؟

فقال : «ما لي لا اُحبّ ريحانتيّ من الدنيا» (19).

وروى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول : «الحسن والحسين ابنيّ من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه » (20).

وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنّ الحسن والحسين شنفا (21) العرش ، وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ اسكنتني الضعفاء والمساكين ، فقال لها الله تعالى : «ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، قال : فماست كما تميس (22) العروس فرحاً» (23).

وروى عبدالله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول : كان رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثمّ قال : «صدق الله تعالى : (اِنّما اَموالُكُم وَاَولأدُكُم فِتنَةٌ ) (24) نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما» (25) .
وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته ، وفضل تربته ، وكيفيّة أخذها ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بجلال رتبته ، وعلوّ منزلته عند الله فكثيرة ، وما ذكرناه كاف في هذا الباب .


(1) تقدم في صفحة: 413
(2) كامل الزيارات : 52 و 53 ، ارشاد المفيد 2 : 127 ، المصنّف لابن أبي شيبة 12 :102 | 12244 ، سنن ابن ماجة 1 : 51، الأدب المفرد للبخاري 1 : 364 | 455، والتاريخ الكبير 8: 414 | 3536، مسند أحمد 4 : 172 ، صحيح الترمذي 5:658 | 3775، المعجم الكبير للطبراني 3 : 20 | 2586 و 2587 و 2589 ، مستدرك الحاكم 3 : 177 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 79 | 112 ، اُسد الغابة 2 : 19 ، جامع الأصول 9 : 29 ، ذخائر العقبى: 33 1 ، سير أعلام النبلاء 3 : 190 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 3 4 : 270 | 35 .
(3) إيهِ : اسم سُميَ به الفعل ، لأن معناه الأمر. تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل :إيهِ (بكسر الهاء) . قال ابن السكيت : فإن وصلت نؤنت فقلت : إيهٍ حدثنا . »الصحاح ـ أيه ـ 6: 2226» .
(4) قرب الاسناد : 101 | 339، أمالي الصدوق : 361، ارشاد المفيد 2 : 128 ، أمالي الطوسي 2 : 172 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 393، مقتل الخوارزمي : 105 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ 116 ـ 117 |154 ـ 156 ، أسد الغابة 2 : 19 ، ذخائر العقبى : 134 ، الاصابة : 1 : 332، وفي بعضها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار43: 276 | 45 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 129 ، دلائل الامامة : 72 ، مستدرك الحاكم 3 : 176 ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 468 ، مقتل الخوارزمي 1 : 158 ، البداية والنهاية 6 : 230 .
(6) عيون أخبار الرضا (ع ) 2 : 25 | ضمن حديث 5 .
(7) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 7 .
(8) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 8، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه 2 : 245.
(9) تاريخ بغداد ا : 2 4 1 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ 241 | 286، الفردوس لابن شيرويه 3 : 187 | 4515 .
(10) ارشاد المفيد 2 : 32 1 ، مجمع البيان 3 : 502 ، كشف الغمة 2 : 9 .
(11) ارشاد المفيد 2 : 132 ، كشف الغمة 2 : 9، طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين
(ع) ـ ج 8 انظر : مجلة تراثنا العدد 10 : ص 200 ح 326، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام
علي (ع) ـ : 245 | 298 ، وباختلاف يسير في : المعجم الكبير للطبراني 3 : 122 | 2840 ، ونحوه في : سير أعلام النبلاء 3 : 312، وتاريخ الاسلام للذهبي : ص 15حوادث سنة 61 .
(12) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 127 |2856 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 314، وتاريخ الاسلام : ص 16 حوادث سنة 61، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 197 .
(13) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 120 | 2836 ، وابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : 242 | 289 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 196 .
(13) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 313 ، وتاريخ الاسلام : ص 15 حوادث سنة 61 .
(15) مسند أحمد 1 : 242 و 283 ، المعجم الكبير للطبراني 3: 116 | 2822، مستدرك الحاكم 4 : 397 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، تاريخ بغداد 1 : 142 ، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين (ع) - : 261 | 325 ، اُسد الغابة 2 : 23 ، سير أعلام النبلاء 3 :315، تاريخ الاسلام للذهبي : ص 17 حوادث سنة 61 ، البداية والنهاية 6 : 231 ، تهذيب التهذيب 2 : 355، مجمع الزوائد 9 : 194 .
(16) طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ ج 8 انظر: مجلة تراثنا العدد 10 : ص 199ح 321، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ244 |295 ، سير أعلام النبلاء 3 : 312 .
(17) الطور 52: 21 .
(18) أمالي الطوسي ا : 324 .
(19) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 383 .
(20) مستدرك الحاكم 3 : 166 ، وباختلاف يسير في : إرشاد المفيد 2 : 28 ، وتاريخ ا بن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 97 - 98 | 131 و 132 ، كفاية الطالب : 422 .
(21) الشنف : القرط الأعلى . « الصحاح ـ شنف ـ 4 : 1383 » .
(22) الميس : ضرب من الميسان ، أي ضرب من المشي في تبختر وتهاد، كما تميس الجارية العروس «العين 7 : 323» .
(23) ارشاد المفيد 2 : 127 ، مناقب ابن شهرآشوب :395، وقطعة منه في : تاريخ بغداد 2 :238 ، ومجمع الزوائد 9 : 184 ، وكنز العمال 12 : 121 .
(24) الأنفال 8 : 28 ، التغابن 64 : 15 .
(25) مسند أحمد 5 : 4 35، صحيح الترمذي 5: 658 | 3774، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : 107 | 144 و145.
------------------------------------------------------------------------------

جملة مختصرة من أخبار خروجه ومقتله عليه السلام
ذكر الثقات من أصحاب السير: أنّه لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما السلام تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية، فلمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه السلام فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : «إجلسوا على الباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني ».

وصار عليه السلام إلى الوليد، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد، فقال الحسين عليه السلام :«إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً» .

فقال الوليد : أجل .

فقال الحسين عليه السلام : «فنصبح ونرى في ذلك » .

فقال الوليد: إنصرف على اسم الله تعالى .

فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلايخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه .

فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال : «أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أو هو ؟ كذبت والله وأثمت » فخرج .

فقال مروان للوليد: عصيتني .

فقال : ويح غيرك يا مروان ، والله ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وأنّي قتلت حسيناً، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال : لا اُبايع ، والله إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة .

فقال مروان : إن كان هذا رأيك فقد أصبت .

وأقام الحسين تلك الليلة في منزله ، واشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه ، وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّهاً إلى مكّة، وسرّح الوليد في إثره الرجال فطلبوه فلم يدركوه .

فلمّا كان آخر النهار بعث إلى الحسين عليه السلام ليبايع فقال عليه السلام : «اصبحوا وترون ونرى» فكفّوا تلك الليلة عنه ، فخرج عليه السلام ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة فإنّه لم يدر أين يتوجّه ، وشيّعه وودعه .

وخرج الحسين عليه السلام وهو يقول : (فَخَرَج مِنْها خائِفاً يَتَرَقّبُ قال َرَبّ نَجّني مِنَ الْقَوْم الظّالِمِينَ) (1) فلمّا دخل مكّة دخلها لثلاث مضين من شعبان وهو يقول : (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسف رَبّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السّبِيل ) (2) .

وأقبل أهل مكّة يختلفون إليه ، ويأتيه ابن الزبير فيمن يأتيه بين كلّ يومين مرّة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام بالبلد .

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، وعرفوا خبر الحسين ، فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : إن معاوية قد هلك ، وإنّ الحسين قد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه . فكتبوا إليه كتباً كثيرة ، وأنفذوا إليه الرسل إرسالاً ، ذكروا فيها : أن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل (3) .

فكتب إليه اُمراء القبائل : أمّا بعد : فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ،فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة .

«من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين .
أمّا بعد : فإنّ (فلاناً وفلانأ) (4) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا اخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».

ودعا بمسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة ابن عبدالله السلولي ، وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي .

فاقبل مسلم حتّى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد (5).

وكتب عبدالله بن مسلم الحضرمي إلى يزيد بن معاوية : أنّ مسلم بن عقيل قدم إلى الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ ، فإن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ . وكتب إليه عمر بن سعد وغيره بمثل ذلك .

فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا بسرجون ـ مولى معاوية ـ وشاوره في ذلك ـ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو يشير لك ما كنت آخذاً برأيه ؟ قال : نعم .

فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد على الكوفة وقال : إنّ معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضمّ المصرين إلى عبيدالله ، فقال يزيد : إبعث بعهد ابن زياد إليه ، وكتب إليه :أن سر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أوتنفيه والسلام .

فلمّا وصل العهد والكتاب إلى عبيدالله أمر بالجهاز من وقته والمسير إلى الكوفة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي ، وشريك بن الأعور الحارثي ، وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد بلغهم إِقبال الحسين عليه السلام ، فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا أنّه الحسين عليه السلام ، فكان لا يمرّ على ملأ من الناس إلاّ سلّموا عليه وقالوا : مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخّروا، هذا الأمير عبيدالله بن زياد، وسار حتّى وافى قصر الأمارة فأغلق النعمان بن بشير عليه حتّى علم أنّه عبيدالله ففتح له الباب (6).

فلمّا أصلح نادى في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطب وقال :

أمّا بعد: فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبقِ امرؤٌ على نفسه (الصدق ينبىء عنك لا الوعيد) (7) .

ثمّ نزل وأخذ الناس أخذاً شديداً.

ولمّا سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة، وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرّاً .

ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة أيضاً ، ومرض فاُخبر بأن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده ، فقال لمسلم بن عقيل : اُدخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين وتمكّن جالساً فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد، ولو منّ الله عليّ بالصحّة ضمنت لك استقامة أمر البصرة.

فلمّا دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ،واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأنّ ذلك كان يكون فتكاً وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إنّ الإيمان قيد الفتك ».

فقال : أما والله لو قد قتلته لقتلت غادراً فاجراً كافراً . ثمّ مات شريك من تلك العلّة رحمه الله .

ودعا عبيدالله بن زياد مولى له يقال له : معقل ، وقال : خذ ثلاثمائة درهم (8) ثمّ اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم وقل : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، فإذا اطمأنّوا إليك ووثقوا بك لم يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورححتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل .

ففعل ذلك ، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وقال : يا عبدالله إنّي امرؤٌ من أهل الشام ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، فقال له مسلم : أحمد الله على لقائك ، فقد سرّني ذلك ، وقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية، فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيراً ، فخذ منّي البيعة .

فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، ثمّ قال : اختلف إليّ ايّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بيعته ، ثمّ أمر قابض الأموال فقبض المال منه ، وأقبل ذلك اللعين يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى علم ما احتاج إليه ابن زياد، وكان يخبره به وقتاً وقتاً.

وخاف هانئ بن عروة على نفسه من عبيدالله بن زياد، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد : مالي لا أرى هانئاً ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي فقال لهم : ما يمنع هانئاً من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل : إنّه يشتكي ، قال : قد بلغني أنّه يجلس على باب داره فالقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا.

فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ـ وهو على باب داره جالس ـ فقالوا: مايمنعك من لقاء الأمير؟ فقال لهم : الشكوى تمنعني من لقائه ، فقالوا له : قد بلغه أنّك تجلس على باب دارك عشيّة وقد استبطاك ، فدعا بثيابه فلبسها ، ودعا ببغلته فركبها، فلمّا دخل على ابن زياد قال : أتتك بحائن رجلاه (9)والتفت نحوه وقال :

اُريدُ حِباءَهُ (10) ويُريدُ قتلي * عذيرَكَ مِن خَليلكَ مِن مُراد (11)

فقال هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟ قال : ما هذه الاُمور التي تربصّ فيدورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الرجال والسلاحِ قال : ما فعلت ذلك ، قال : بلى .

ثمّ دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك اللعين ـ فجاء حتّى وقف بين يديه ، فلمّا راه هانئ علم أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم فقال : اسمع منّي وصدّق مقالتي ، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى جاءني يسألني النزول فاستحيت من رده ، فضيّفته واويته ، وأنا أعطيك اليوم عهداً ألاّ أبغيك سوءاً ولا غائلة، وإن شئت أعطيك رهينة فتكون في يدك حتّى آتيك به أو آمره حتى يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فاخرج من جواره ، فقال ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به ، فقال : لا والله لا آتيك به ، وكثر الكلام بينهما حتّى قال : والله لتأتينّي به قال : لا والله لاآتيك به ، قال : لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك ، فقال هانئ : إذاً والله تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد : أبالبارقة تخوّفني ؟ ! وهو يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه، فقال : ادنوه منّي ، فلم يزل يضرب وجهه بالقضيب حتّى كسر أنفه وسيَّل الدماء على ثيابه ، وضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطيّ وجاذبه الرجل ومنعه ، فقال ابن زياد: قد حلّ لنا قتلك ، فجرّوه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه .

وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فامر أن يُنادى في الناس ، فملأ بهم الدور وقال لمناديه : ناد «يا منصور أمت » فعقد مسلم لرؤوس الأرباع على القبائل كندة ومذحج وأسد وتميم وهمدان ، فتداعى الناس واجتمعوا فامتلأ المسجد من الناس والسوق ، وما زالوا يزيدون حتّى المساء .

وضاق بعبيدالله أمره ، وليس معه في القصرإلاّ ثلاثون رجلاً من الشرطة وعشرون رجلاً من أشراف الناس وأهل بيته ، وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس ، يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميّين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونه بالحجارة .

ودعا ابن زياد: بكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وشبث بن ربعي ، وجماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذّلوا الناس عن مسلم بن عقيل ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام ، وأنّ الأمير قد أعطى الله عهداً لئن تمّمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيّتكم هذه أن يحرم ذرّيّتكم العطاء ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب .

فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى ابن عقيل وصلّى المغرب وما معه من أصحابه إلاّ ثلاثون نفساً .

فلمّا رأى ذلك خرج متوجّهاً نحو أبواب كندة (فلمّا) (12) بلغ الباب ومعه منهم عشرة ، فخرج من الباب فإذا ليس معه إنسان ، ولا يجد أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى على وجهه متلدّداً (13) في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب ، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها، فسلّم عليها وقال : يا أمة الله اسقيني ماءً، فسقته وجلس .

فقالت : يا عبدالله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك فيّ أجر ومعروف ولعلّي أكافِئُكِ بعد اليوم ؟فقالت : وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل .

فدخل بيتاً في دارها غير الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ .

فجاء ابنها، فرآها تكثر الدخول إلى البيت والخروج منه ، فسألها عن ذلك فقالت : يا بنيّ الْه عن هذا، قال : والله لتخبريني .

فأخذت عليه الأيمان أن لا يخبر أحداً ، فحلف فاخبرته ، وكانت هذه المرأة اُمّ ولد للأشعث بن قيس ، فاضطجع ابنها وسكت .

وأصبح فغدا إلى عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند اُمّه ، فأقبل عبدالرحمن حتّى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسارّه ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال : قم فأتني به الساعة .

فقام وبعث معه عبيدالله بن العبّاس السلمي في سبعين رجلاً من قيس ، حتّى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلمّا سمع وقع الحوافر وأصوات الرجال علم أنّه قد أُتي ، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع في السفلى ، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة وثنّى باُخرى على حبل العاتق ، وخرج عليهم مصلتاً بسيفه ، فقال له محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك ، وهو يقاتلهم ويقول :


أقـسمـتُ لا أُقتلُ إلاّ حُرّا * إني رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا
كلّ امرئ يوماً ملاقٍ شـرّا * أخـافُ أن اُكذبَ أو اُغَرّا


فقال له محمد بن الأشعث : إنّك لا تكذب ولا تغرّ، فلا تجزع ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك .

فقال مسلم : أمّا لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، فاُتي ببغلةٍ فركبها، واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه ، فكأنّه أيسَ هناك من نفسه ، فدمعت عيناه وقال : هذا أوّل الغدر، وأقبل على محمد بن الأشعث وقال : إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خيرٌ ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني أن يبلّغ حسيناً ـ فإنّي لا أراه إلاّ خرج إليكم اليوم أو هو خارج غداً ـ ويقول : إنّ ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أن يمسي حتّى يقتل ، وهو يقول : إرجع فداك أبي وأمّي بأهل بيتك ولا يغرنّك أهل الكوفة، فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة كذبوك وليس لكذوب رأي . فقال ابن الأشعث : والله لأفعلنّ ، ولأعلمنّ ابن زياد أنّي قد آمنتك .

وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر، ودخل على عبيدالله فاخبره خبره وما كان من أمانه ، فقال ابن زياد : ما أنت والأمان ؟ كأنّا أرسلناك لتؤمنه وإنّما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت ابن الأشعث .

وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخال مسلم ، فلمّا دخل لم يسلّم عليه بالإمرة، فقال الحرسي : ألا تسلّم على الأمير؟ قال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه ، وإن كان لا يريد قتلي ليكثرنّ سلامي عليه ، فقال ابن زياد : لعمري لتقتلنّ قتلة لم يقتلها أحدٌ من الناس في الإسلام ، فقال له مسلم : أنت أحقّ من أحدث في الإسلام ، وأنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة، ولؤم الغلبة .

وأخذ إبن زياد لعنة الله عليه يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلَاَ ، وأخذ مسلم لا يكلّمه .

ثمّ قال ابن زياد : إصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده ، فقال مسلم : لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ، فدعي بكر بن حمران الأحمري فقال له : إصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه .

فصعد وجعل مسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبيّ وآله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا، وضربت عنقه واُتبع جسده رأسه ، واُمر بهانئ بن عروة فاُخرج إلى السوق وضربت عنقه وهو يقول : إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك .

وفي قتلهما يقول عبدالله بن الزبير الأسدي :


إن كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري * إلى هانئ في السوقِ وابنِ عقيل
إِلى بطلٍ قـد هــشّم السيفُ وجههُ * واخر يهوي من طمار قــتيل

- في أبيات (14) -


وبعث ابن زياد لعنه الله برأسيهما إلى يزيد بن معاوية لعنه الله.
وكان خروج مسلم رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية، وقتل يوم عرفة سنة ستّين .

وكان توجّه الحسين عليه السلام من مكّة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، وكان قد اجتمع إليه عليه السلام مدّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز والبصرة ، ولمّا أراد الخروج إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة، لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقبض عليه بمكّة فيُنفذ إلى يزيد بن معاوية (15).

فروي عن الفرزدق الشاعر أنّه قال : حججت باُمّي سنة ستّين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن عليّ عليهما السلام خارجاً من الحرم معه أسيافه وتراسه فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل . للحسين بن عليّ ، فأتيته فسلّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحبّ يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمّي ما أعجلك عن الحجّ ؟

قال : «لو لم أعجل لأخذت » ثمّ قال لي : «من أنت ؟» .

قلت : امرؤٌ من العرب ، فلا والله ما فتّشني أكثر من ذلك ، ثمّ قال : «أخبرني عن الناس خلفك ؟»

فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، ثمّ حرّك راحلته وقال : «السلام عليكم »، ثمّ افترقنا .

ولحقه عبدالله بن جعفر بكتاب عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة مع أخيه يحيى بن سعيد يؤمنه على نفسه ، فدفعا إليه الكتاب وجهدابه في الرجوع فقال : «إنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنام وأمرني بما أنا ماض له » .

قالا: فما تلك الرؤيا؟

فقال : «ما حدّثت بها أحداً ولا اُحدّث أحداً حتّى ألقى ربّي عزّ وجل » .

فلمّا يئس عبدالله بن جعفر منه أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ، ورجع هو ويحيى بن سعيد إلى مكّة .

وتوجّه الحسين عليه السلام نحو العراق ، ولمّا بلغ عبيدالله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطته حتّى نزل القادسيّة، ولمّا بلغ الحسين عليه السلام بطن الرملة بعث عبدالله ابن يقطر ـ وهو أخوه من الرضاعة ـ وقيل : بل بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة، ولم يكن علم بخبر مسلم ، وكتب معه إليهم كتاباً يخبرهم فيه بقدومه ، ويأمرهم بالانكماش (16) في الأمر.

فأخذه الحصين بن نمير وبعث به إلى عبيدالله بن زياد، فقال له عبيدالله بن زياد: إصعد وسبّ الكذّاب الحسين بن عليّ .
فصعد وحمد الله وأثنى عليه وقال : أيّها الناس ، هذا الحسين بن عليّ خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ، وأنا رسوله إليكم فأجيبوه ، ثمّ لعن ابن زياد، فأمر به فرمي من فوق القصر، فوقع على الأرض وانكسرت عظامه ، وأتاه رجل فذبحه وقال : أردت أن اُريحه ! !

نبرووسه
05-28-2010, 10:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد والي محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكووووور اخوي ع الموضوع الرائع والاكثر من
رائع ومميز
وتمنه لك حياء سعيدى في الدنيه والاخره
دمتم بي حفظ الباري

.ابوفاضل.
08-03-2010, 03:25 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم والعن اعدائهم
رزقك الله شفاعة محمد واهل بيته الطاهرين
وحشرك في زمرتهم يارب
الف الف شكر لك
على الطرح المبارك
تقبل مروري المتواضع
في صفحتك المباركه

انصار الامام الحسين
08-03-2010, 03:58 PM
تاريخ مولده ومبلغ سنه
ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان (1)، وقيل : لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة (2)،وقيل : ولد اخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة (3) ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن عليهما السلام إلاّ الحمل والحمل ستّة .

وجاءت به فاطمة الزهراء أمه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمّاه حسيناً وعقّ عنه كبشاً.

وعاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر ، كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبع سنين ، ومع أمير المؤمنين سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدّة خلافته عشر سنين وأشهراً .
وقتل صلوات اللهّعليه يوم عاشوراء يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين (4)،وقيل : يوم الجمعة سنة إحدى وستّين من الهجرة (5).


(1) مسار الشيعة : 61، مصباح المتهجد: 758.
(2) ارشاد المفيد 2 : 27 ، مناقب ابن شهراشوب 4 : 76 ، مقاتل الطالبيين : 78 ، اُسد الغابة2 : 18 .
(3) المقنعة : 467 ، التهذيب للطوسي 6 : 41 .
(4) الكافي ا : 385 | ب 115 ، التهذيب للطوسي 6 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 78.
(5) التهذيب للطوسي 6 : 42 ، مقاتل الطالبيين : 78 .
-------------------------------------------------------------------------------
الدلائل على إمامته وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه

تدلّ على إمامته عليه السلام جميع الطرق الاعتبارية والإخباريّة التي ذكرناها في إمامة الحسن عليه السلام بعينها، فإن جميعها كما تدلّ على إمامته تدلّ على إمامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام من بعده مثلاً بمثل ، وقد صرّح النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على إمامته أيضاً بقوله : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا» (1) .

وأيضاً فإنّ وصيّة الحسن عليه السلام إليه تدلّ على إمامته كما دنت وصيّة أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام على إمامته ،بحسب ما دلّت وصيّة رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده .

وممّا جاء من الأخبار في وصيّة الحسن عليه السلام إليه ما رواه محمد ابن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن محمد ابن سليمان الديلميّ ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال :سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام يقول : «لمّا احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين : يا أخي إنّي اُوصيك بوصيّة (فاحفظها) (2) إذا أنا متّ فهيئني ووجّهني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأحدث به عهداً، ثمّ اصرفني إلى اُمّي فاطمة عليها السلام ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع » (3)إلى آخر الخبر.

وروى محمد بن يعقوب بإسناده ، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «لمّا حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد ؟ فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي (4).

قال : فاتيته ، فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير؟ قلت : أجب أبا محمد .

فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه ، فخرج معي يعدو، فلمّا قام بين يديه سلّم فقال له الحسن عليه السلام : إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمة وفضّل بعضهم على بعض وآتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر <به> محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم .

يا محمد بن علي ، إنّي أخاف عليك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال http://ahlualbayt.com/vb/images/smilies/frown.gif كفّاراً حَسَداً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ فاتَبيَّنَ لَهُم الحقّ ) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً .

يا محمد بن عليّ ، ألا اُخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟

قال : بلى .

قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبر محمداً ولدي.

يا محمّد بن عليّ ، لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهرأبيك لأخبرتك .

يا محمّد بن عليّ ، أما علمت أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب وراثة من النبيّ أضافها الله له في وراثة أبيه واُمّه ، علم الله أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّدٌ عليّاً واختارني عليّ للإمامة واخترت أنا الحسين .

فقال له محمّد بن عليّ : أنت إمامي وسيّدي ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيّره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ،وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ، حتّى لا يجد قلماً ، ويؤتوا بالقرطاس حمماً ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله ، الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله رحماً ، كان إماماً قبل أن يُخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلما اختار محمداً اختار محمد عليّاً إماماً واختارك عليٌّ بعده واخترتَ الحسين عليه السلام بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات » (5).

وفي حديث حبابة الوالبيّة الذي رويناه هناك (6) ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالّة على إمامته فلا معنى لتكريره وإعادته .

فكانت إمامته عليه السلام ثابتة بعد أخيه الحسن عليه السلام وإن لم يدع إلى نفسه ؛ للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وجرى فيذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله السلام مع الكفّ والصموت ، ومجرى أخيه عليه السلام في زمان الهدنة والسكوت ، فلمّا انقضى زمان الهدنة بهلاك معاوية ، واجتمع له في الظاهر الأنصار، أظهر أمره بعض الإظهار، وتشمّر للقتال ، وقدّم إلى العراق ابن عمّه عليه السلام مسلماً للاستنصار .
فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة، ثمّ نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه ، وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه شهيداً كما استشهد أبوه وأخوه عليهم السلام .


(1) تقدّم في صفحة : 407 هامش (3).
(2) أثبتناها من المصدر.
(3) الكافي 1 : 30 | 24، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |1 .
(4)هو أخوه محمّد بن الحنفية .
(5) الكافي 1 : 239| 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |2 .
(6) تقدم في صفحة: 458 .
---------------------------------------------------------------------------
بعض خصائصه ومناقبه وفضائله صلوات الله عليه

كان عليه السلام يشبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه السلام يشبهه من صدره إلى رأسه كما تقدم (1) .

وروى سعيد بن راشد ، عن يعلى بن مرّة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم يقول : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط » (2) .

وروى عبدالله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : «إصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إيهاً (3) حسن خذ حسيناً،

فقالت فاطمة عليها السلام : يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : هذا جبرئيل يقول للحسين : ايهاً حسين خذ حسناً» (4).

وروى الأوزاعي ، عن عبدالله بن شدّاد، عن اُمّ الفضل ، أنّها دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله
وسلّم فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حُلماً منكراً.

قال : «وما رأيت ؟» .

فقالت : إنّه شديد .

قال : «وما هو؟» .

قالت : رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري .

فقال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم : «خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك » .

فولدت الحسين عليه السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله .

قالت : فدخلت به يوماً على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة
فإذا عينا رسول اللهّصلّى الله عليه واله وسلّم تهرقان بالدموع ، فقلت : بابي أنت واُمّي يا رسول الله مالك ؟

قال : «أتاني جبرئيل فاخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء» (5).

وفي مسند الرضا عليه السلام : عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت : لمّا كان بعد حول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى .

قالت أسماء : فداك أبي واُمّي ممّ بكاؤك ؟

قال : من ابني هذا.

قلت : إنّه ولد الساعة!

قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي ،ثمّ قال : يا أسماء، لا تخبري

فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثمّ قال لعليّ : أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.

فقال رسول الله : ما كنت لأسبق باسمه ربّي .

فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرئك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون.

فقال : وما اسم ابن هارون ؟

قال : شبير.

قال : سمّه الحسين .

فسمّاه الحسين ، ثمّ عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً، وطلى رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهليّة ، وأعطى القابلة فخذ كبش » (6).

وروى الضحّاك ، عن ابن المخارق ، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول الله صلّى اللهّعليه وآله وسلّم ذات يوم جالس والحسين عليه السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت : يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك ؟

قال : «جاءني جبرئيل عليه السلام فعزّاني بابني الحسين ، وأخبرني أنّ طائفة من اُمّتي ستقتله ، لا أنالهم الله شفاعتي » (7).

وروي بإسناد آخر عن اُمّ سلمة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له : يا رسول الله ، ما لي أراك شَعِثاً مغبرّاً؟
فقال : «اُسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي » وبسطها فقال : «خذيه واحتفظي به » .

فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلمّا خرج الحسين عليه السلام متوجّها نحو العراق كنت اُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فاشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه ،

فلمّا كان يوم العاشر من المحرّم ـ وهو اليوم الذي قُتل فيه ـ أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط ، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتّى جاء الناعي ينعاه ، فحقّق مارأيت (8).

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : «قال لي جبرئيل عليه السلام : إنّ الله جلّ جلاله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً» (9) .

وروى سفيان بن عيينة، عن عليّ بن زيد، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : «خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريّا، وقال يوماً: من هوان الدنيا على الله عزّ وجلّ أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل » (10) .

وروى يوسف بن عبدة قال : سمعت محمّد بن سيرين يقول : لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسين عليه السلام (11).

وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال : أخبرنا القطّان : حدّثنا عبدالله بن جعفر، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا سليمان ابن حرب ، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن معمر قال : أوّل ما عُرف الزهري تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن عليّ ؟

فقال الزهري : بلغني أنّه لم يُقلب حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط (12).

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن عليّ بن مسهر قال : حدّثتني جدّتي قالت : كنت أيّام الحسين عليه السلام جارية شابّة فكانت السماء أيّاماً علقة (13).

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن جميل بن مرّة قال : أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه السلام يوم قُتل فنحروها وطبخوها، قال : فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً (14).
وعن ابن عبّاس قال : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما هذه ؟

قال : «هذا دم الحسين عليه السلام وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم » .

فاُحصي بذلك الوقت فوجد <قد> قتل ذلك اليوم (15) .

وعن نضرة الأزديّة: لمّا قتل الحسين بن علي عليهما السلام مطرت السماء دماً، فأصبحت وكلّ شيء لنا ملء دم (16)!!

وروى محمد بن مسلم ، عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام قال : سمعتهما يقولان : «إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله : أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولاتُعدّ أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره » .

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله عليه السلام : هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه ؟
قال : «إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فكان معه في درجته ومنزلته » ثمّ تلا أبو عبدالله عليه السلام : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأتبَعَتهُم ذُرِيّتهُم بإيفانٍ أَلحَقتا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم ﴾ (17) (18) .
وَالأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى .

وممّا روي في السبطين عليهما السلام : ما رواه عتبة بن غزوان قال : كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلّي فجاء الحسن والحسين يركبان ظهره ، فانصرف فوضعهما في حجره وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة، فقالقوم : أتحبّهما يا رسول الله ؟

فقال : «ما لي لا اُحبّ ريحانتيّ من الدنيا» (19).

وروى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول : «الحسن والحسين ابنيّ من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه » (20).

وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنّ الحسن والحسين شنفا (21) العرش ، وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ اسكنتني الضعفاء والمساكين ، فقال لها الله تعالى : «ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، قال : فماست كما تميس (22) العروس فرحاً» (23).

وروى عبدالله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول : كان رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثمّ قال : «صدق الله تعالى : (اِنّما اَموالُكُم وَاَولأدُكُم فِتنَةٌ ) (24) نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما» (25) .
وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته ، وفضل تربته ، وكيفيّة أخذها ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بجلال رتبته ، وعلوّ منزلته عند الله فكثيرة ، وما ذكرناه كاف في هذا الباب .


(1) تقدم في صفحة: 413
(2) كامل الزيارات : 52 و 53 ، ارشاد المفيد 2 : 127 ، المصنّف لابن أبي شيبة 12 :102 | 12244 ، سنن ابن ماجة 1 : 51، الأدب المفرد للبخاري 1 : 364 | 455، والتاريخ الكبير 8: 414 | 3536، مسند أحمد 4 : 172 ، صحيح الترمذي 5:658 | 3775، المعجم الكبير للطبراني 3 : 20 | 2586 و 2587 و 2589 ، مستدرك الحاكم 3 : 177 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 79 | 112 ، اُسد الغابة 2 : 19 ، جامع الأصول 9 : 29 ، ذخائر العقبى: 33 1 ، سير أعلام النبلاء 3 : 190 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 3 4 : 270 | 35 .
(3) إيهِ : اسم سُميَ به الفعل ، لأن معناه الأمر. تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل :إيهِ (بكسر الهاء) . قال ابن السكيت : فإن وصلت نؤنت فقلت : إيهٍ حدثنا . »الصحاح ـ أيه ـ 6: 2226» .
(4) قرب الاسناد : 101 | 339، أمالي الصدوق : 361، ارشاد المفيد 2 : 128 ، أمالي الطوسي 2 : 172 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 393، مقتل الخوارزمي : 105 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ 116 ـ 117 |154 ـ 156 ، أسد الغابة 2 : 19 ، ذخائر العقبى : 134 ، الاصابة : 1 : 332، وفي بعضها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار43: 276 | 45 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 129 ، دلائل الامامة : 72 ، مستدرك الحاكم 3 : 176 ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 468 ، مقتل الخوارزمي 1 : 158 ، البداية والنهاية 6 : 230 .
(6) عيون أخبار الرضا (ع ) 2 : 25 | ضمن حديث 5 .
(7) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 7 .
(8) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 8، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه 2 : 245.
(9) تاريخ بغداد ا : 2 4 1 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ 241 | 286، الفردوس لابن شيرويه 3 : 187 | 4515 .
(10) ارشاد المفيد 2 : 32 1 ، مجمع البيان 3 : 502 ، كشف الغمة 2 : 9 .
(11) ارشاد المفيد 2 : 132 ، كشف الغمة 2 : 9، طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين
(ع) ـ ج 8 انظر : مجلة تراثنا العدد 10 : ص 200 ح 326، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام
علي (ع) ـ : 245 | 298 ، وباختلاف يسير في : المعجم الكبير للطبراني 3 : 122 | 2840 ، ونحوه في : سير أعلام النبلاء 3 : 312، وتاريخ الاسلام للذهبي : ص 15حوادث سنة 61 .
(12) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 127 |2856 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 314، وتاريخ الاسلام : ص 16 حوادث سنة 61، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 197 .
(13) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 120 | 2836 ، وابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : 242 | 289 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 196 .
(13) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 313 ، وتاريخ الاسلام : ص 15 حوادث سنة 61 .
(15) مسند أحمد 1 : 242 و 283 ، المعجم الكبير للطبراني 3: 116 | 2822، مستدرك الحاكم 4 : 397 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، تاريخ بغداد 1 : 142 ، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين (ع) - : 261 | 325 ، اُسد الغابة 2 : 23 ، سير أعلام النبلاء 3 :315، تاريخ الاسلام للذهبي : ص 17 حوادث سنة 61 ، البداية والنهاية 6 : 231 ، تهذيب التهذيب 2 : 355، مجمع الزوائد 9 : 194 .
(16) طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ ج 8 انظر: مجلة تراثنا العدد 10 : ص 199ح 321، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ244 |295 ، سير أعلام النبلاء 3 : 312 .
(17) الطور 52: 21 .
(18) أمالي الطوسي ا : 324 .
(19) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 383 .
(20) مستدرك الحاكم 3 : 166 ، وباختلاف يسير في : إرشاد المفيد 2 : 28 ، وتاريخ ا بن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 97 - 98 | 131 و 132 ، كفاية الطالب : 422 .
(21) الشنف : القرط الأعلى . « الصحاح ـ شنف ـ 4 : 1383 » .
(22) الميس : ضرب من الميسان ، أي ضرب من المشي في تبختر وتهاد، كما تميس الجارية العروس «العين 7 : 323» .
(23) ارشاد المفيد 2 : 127 ، مناقب ابن شهرآشوب :395، وقطعة منه في : تاريخ بغداد 2 :238 ، ومجمع الزوائد 9 : 184 ، وكنز العمال 12 : 121 .
(24) الأنفال 8 : 28 ، التغابن 64 : 15 .
(25) مسند أحمد 5 : 4 35، صحيح الترمذي 5: 658 | 3774، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : 107 | 144 و145.
------------------------------------------------------------------------------

جملة مختصرة من أخبار خروجه ومقتله عليه السلام
ذكر الثقات من أصحاب السير: أنّه لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما السلام تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية، فلمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه السلام فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : «إجلسوا على الباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني ».

وصار عليه السلام إلى الوليد، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد، فقال الحسين عليه السلام :«إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً» .

فقال الوليد : أجل .

فقال الحسين عليه السلام : «فنصبح ونرى في ذلك » .

فقال الوليد: إنصرف على اسم الله تعالى .

فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلايخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه .

فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال : «أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أو هو ؟ كذبت والله وأثمت » فخرج .

فقال مروان للوليد: عصيتني .

فقال : ويح غيرك يا مروان ، والله ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وأنّي قتلت حسيناً، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال : لا اُبايع ، والله إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة .

فقال مروان : إن كان هذا رأيك فقد أصبت .

وأقام الحسين تلك الليلة في منزله ، واشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه ، وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّهاً إلى مكّة، وسرّح الوليد في إثره الرجال فطلبوه فلم يدركوه .

فلمّا كان آخر النهار بعث إلى الحسين عليه السلام ليبايع فقال عليه السلام : «اصبحوا وترون ونرى» فكفّوا تلك الليلة عنه ، فخرج عليه السلام ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة فإنّه لم يدر أين يتوجّه ، وشيّعه وودعه .

وخرج الحسين عليه السلام وهو يقول : (فَخَرَج مِنْها خائِفاً يَتَرَقّبُ قال َرَبّ نَجّني مِنَ الْقَوْم الظّالِمِينَ) (1) فلمّا دخل مكّة دخلها لثلاث مضين من شعبان وهو يقول : (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسف رَبّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السّبِيل ) (2) .

وأقبل أهل مكّة يختلفون إليه ، ويأتيه ابن الزبير فيمن يأتيه بين كلّ يومين مرّة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام بالبلد .

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، وعرفوا خبر الحسين ، فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : إن معاوية قد هلك ، وإنّ الحسين قد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه . فكتبوا إليه كتباً كثيرة ، وأنفذوا إليه الرسل إرسالاً ، ذكروا فيها : أن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل (3) .

فكتب إليه اُمراء القبائل : أمّا بعد : فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ،فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة .

«من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين .
أمّا بعد : فإنّ (فلاناً وفلانأ) (4) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا اخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».

ودعا بمسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة ابن عبدالله السلولي ، وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي .

فاقبل مسلم حتّى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد (5).

وكتب عبدالله بن مسلم الحضرمي إلى يزيد بن معاوية : أنّ مسلم بن عقيل قدم إلى الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ ، فإن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ . وكتب إليه عمر بن سعد وغيره بمثل ذلك .

فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا بسرجون ـ مولى معاوية ـ وشاوره في ذلك ـ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو يشير لك ما كنت آخذاً برأيه ؟ قال : نعم .

فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد على الكوفة وقال : إنّ معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضمّ المصرين إلى عبيدالله ، فقال يزيد : إبعث بعهد ابن زياد إليه ، وكتب إليه :أن سر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أوتنفيه والسلام .

فلمّا وصل العهد والكتاب إلى عبيدالله أمر بالجهاز من وقته والمسير إلى الكوفة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي ، وشريك بن الأعور الحارثي ، وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد بلغهم إِقبال الحسين عليه السلام ، فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا أنّه الحسين عليه السلام ، فكان لا يمرّ على ملأ من الناس إلاّ سلّموا عليه وقالوا : مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخّروا، هذا الأمير عبيدالله بن زياد، وسار حتّى وافى قصر الأمارة فأغلق النعمان بن بشير عليه حتّى علم أنّه عبيدالله ففتح له الباب (6).

فلمّا أصلح نادى في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطب وقال :

أمّا بعد: فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبقِ امرؤٌ على نفسه (الصدق ينبىء عنك لا الوعيد) (7) .

ثمّ نزل وأخذ الناس أخذاً شديداً.

ولمّا سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة، وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرّاً .

ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة أيضاً ، ومرض فاُخبر بأن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده ، فقال لمسلم بن عقيل : اُدخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين وتمكّن جالساً فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد، ولو منّ الله عليّ بالصحّة ضمنت لك استقامة أمر البصرة.

فلمّا دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ،واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأنّ ذلك كان يكون فتكاً وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إنّ الإيمان قيد الفتك ».

فقال : أما والله لو قد قتلته لقتلت غادراً فاجراً كافراً . ثمّ مات شريك من تلك العلّة رحمه الله .

ودعا عبيدالله بن زياد مولى له يقال له : معقل ، وقال : خذ ثلاثمائة درهم (8) ثمّ اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم وقل : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، فإذا اطمأنّوا إليك ووثقوا بك لم يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورححتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل .

ففعل ذلك ، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وقال : يا عبدالله إنّي امرؤٌ من أهل الشام ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، فقال له مسلم : أحمد الله على لقائك ، فقد سرّني ذلك ، وقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية، فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيراً ، فخذ منّي البيعة .

فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، ثمّ قال : اختلف إليّ ايّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بيعته ، ثمّ أمر قابض الأموال فقبض المال منه ، وأقبل ذلك اللعين يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى علم ما احتاج إليه ابن زياد، وكان يخبره به وقتاً وقتاً.

وخاف هانئ بن عروة على نفسه من عبيدالله بن زياد، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد : مالي لا أرى هانئاً ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي فقال لهم : ما يمنع هانئاً من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل : إنّه يشتكي ، قال : قد بلغني أنّه يجلس على باب داره فالقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا.

فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ـ وهو على باب داره جالس ـ فقالوا: مايمنعك من لقاء الأمير؟ فقال لهم : الشكوى تمنعني من لقائه ، فقالوا له : قد بلغه أنّك تجلس على باب دارك عشيّة وقد استبطاك ، فدعا بثيابه فلبسها ، ودعا ببغلته فركبها، فلمّا دخل على ابن زياد قال : أتتك بحائن رجلاه (9)والتفت نحوه وقال :

اُريدُ حِباءَهُ (10) ويُريدُ قتلي * عذيرَكَ مِن خَليلكَ مِن مُراد (11)

فقال هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟ قال : ما هذه الاُمور التي تربصّ فيدورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الرجال والسلاحِ قال : ما فعلت ذلك ، قال : بلى .

ثمّ دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك اللعين ـ فجاء حتّى وقف بين يديه ، فلمّا راه هانئ علم أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم فقال : اسمع منّي وصدّق مقالتي ، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى جاءني يسألني النزول فاستحيت من رده ، فضيّفته واويته ، وأنا أعطيك اليوم عهداً ألاّ أبغيك سوءاً ولا غائلة، وإن شئت أعطيك رهينة فتكون في يدك حتّى آتيك به أو آمره حتى يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فاخرج من جواره ، فقال ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به ، فقال : لا والله لا آتيك به ، وكثر الكلام بينهما حتّى قال : والله لتأتينّي به قال : لا والله لاآتيك به ، قال : لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك ، فقال هانئ : إذاً والله تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد : أبالبارقة تخوّفني ؟ ! وهو يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه، فقال : ادنوه منّي ، فلم يزل يضرب وجهه بالقضيب حتّى كسر أنفه وسيَّل الدماء على ثيابه ، وضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطيّ وجاذبه الرجل ومنعه ، فقال ابن زياد: قد حلّ لنا قتلك ، فجرّوه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه .

وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فامر أن يُنادى في الناس ، فملأ بهم الدور وقال لمناديه : ناد «يا منصور أمت » فعقد مسلم لرؤوس الأرباع على القبائل كندة ومذحج وأسد وتميم وهمدان ، فتداعى الناس واجتمعوا فامتلأ المسجد من الناس والسوق ، وما زالوا يزيدون حتّى المساء .

وضاق بعبيدالله أمره ، وليس معه في القصرإلاّ ثلاثون رجلاً من الشرطة وعشرون رجلاً من أشراف الناس وأهل بيته ، وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس ، يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميّين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونه بالحجارة .

ودعا ابن زياد: بكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وشبث بن ربعي ، وجماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذّلوا الناس عن مسلم بن عقيل ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام ، وأنّ الأمير قد أعطى الله عهداً لئن تمّمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيّتكم هذه أن يحرم ذرّيّتكم العطاء ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب .

فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى ابن عقيل وصلّى المغرب وما معه من أصحابه إلاّ ثلاثون نفساً .

فلمّا رأى ذلك خرج متوجّهاً نحو أبواب كندة (فلمّا) (12) بلغ الباب ومعه منهم عشرة ، فخرج من الباب فإذا ليس معه إنسان ، ولا يجد أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى على وجهه متلدّداً (13) في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب ، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها، فسلّم عليها وقال : يا أمة الله اسقيني ماءً، فسقته وجلس .

فقالت : يا عبدالله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك فيّ أجر ومعروف ولعلّي أكافِئُكِ بعد اليوم ؟فقالت : وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل .

فدخل بيتاً في دارها غير الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ .

فجاء ابنها، فرآها تكثر الدخول إلى البيت والخروج منه ، فسألها عن ذلك فقالت : يا بنيّ الْه عن هذا، قال : والله لتخبريني .

فأخذت عليه الأيمان أن لا يخبر أحداً ، فحلف فاخبرته ، وكانت هذه المرأة اُمّ ولد للأشعث بن قيس ، فاضطجع ابنها وسكت .

وأصبح فغدا إلى عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند اُمّه ، فأقبل عبدالرحمن حتّى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسارّه ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال : قم فأتني به الساعة .

فقام وبعث معه عبيدالله بن العبّاس السلمي في سبعين رجلاً من قيس ، حتّى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلمّا سمع وقع الحوافر وأصوات الرجال علم أنّه قد أُتي ، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع في السفلى ، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة وثنّى باُخرى على حبل العاتق ، وخرج عليهم مصلتاً بسيفه ، فقال له محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك ، وهو يقاتلهم ويقول :


أقـسمـتُ لا أُقتلُ إلاّ حُرّا * إني رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا
كلّ امرئ يوماً ملاقٍ شـرّا * أخـافُ أن اُكذبَ أو اُغَرّا


فقال له محمد بن الأشعث : إنّك لا تكذب ولا تغرّ، فلا تجزع ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك .

فقال مسلم : أمّا لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، فاُتي ببغلةٍ فركبها، واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه ، فكأنّه أيسَ هناك من نفسه ، فدمعت عيناه وقال : هذا أوّل الغدر، وأقبل على محمد بن الأشعث وقال : إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خيرٌ ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني أن يبلّغ حسيناً ـ فإنّي لا أراه إلاّ خرج إليكم اليوم أو هو خارج غداً ـ ويقول : إنّ ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أن يمسي حتّى يقتل ، وهو يقول : إرجع فداك أبي وأمّي بأهل بيتك ولا يغرنّك أهل الكوفة، فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة كذبوك وليس لكذوب رأي . فقال ابن الأشعث : والله لأفعلنّ ، ولأعلمنّ ابن زياد أنّي قد آمنتك .

وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر، ودخل على عبيدالله فاخبره خبره وما كان من أمانه ، فقال ابن زياد : ما أنت والأمان ؟ كأنّا أرسلناك لتؤمنه وإنّما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت ابن الأشعث .

وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخال مسلم ، فلمّا دخل لم يسلّم عليه بالإمرة، فقال الحرسي : ألا تسلّم على الأمير؟ قال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه ، وإن كان لا يريد قتلي ليكثرنّ سلامي عليه ، فقال ابن زياد : لعمري لتقتلنّ قتلة لم يقتلها أحدٌ من الناس في الإسلام ، فقال له مسلم : أنت أحقّ من أحدث في الإسلام ، وأنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة، ولؤم الغلبة .

وأخذ إبن زياد لعنة الله عليه يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلَاَ ، وأخذ مسلم لا يكلّمه .

ثمّ قال ابن زياد : إصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده ، فقال مسلم : لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ، فدعي بكر بن حمران الأحمري فقال له : إصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه .

فصعد وجعل مسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبيّ وآله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا، وضربت عنقه واُتبع جسده رأسه ، واُمر بهانئ بن عروة فاُخرج إلى السوق وضربت عنقه وهو يقول : إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك .

وفي قتلهما يقول عبدالله بن الزبير الأسدي :


إن كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري * إلى هانئ في السوقِ وابنِ عقيل
إِلى بطلٍ قـد هــشّم السيفُ وجههُ * واخر يهوي من طمار قــتيل

- في أبيات (14) -


وبعث ابن زياد لعنه الله برأسيهما إلى يزيد بن معاوية لعنه الله.
وكان خروج مسلم رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية، وقتل يوم عرفة سنة ستّين .

وكان توجّه الحسين عليه السلام من مكّة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، وكان قد اجتمع إليه عليه السلام مدّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز والبصرة ، ولمّا أراد الخروج إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة، لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقبض عليه بمكّة فيُنفذ إلى يزيد بن معاوية (15).

فروي عن الفرزدق الشاعر أنّه قال : حججت باُمّي سنة ستّين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن عليّ عليهما السلام خارجاً من الحرم معه أسيافه وتراسه فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل . للحسين بن عليّ ، فأتيته فسلّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحبّ يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمّي ما أعجلك عن الحجّ ؟

قال : «لو لم أعجل لأخذت » ثمّ قال لي : «من أنت ؟» .

قلت : امرؤٌ من العرب ، فلا والله ما فتّشني أكثر من ذلك ، ثمّ قال : «أخبرني عن الناس خلفك ؟»

فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، ثمّ حرّك راحلته وقال : «السلام عليكم »، ثمّ افترقنا .

ولحقه عبدالله بن جعفر بكتاب عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة مع أخيه يحيى بن سعيد يؤمنه على نفسه ، فدفعا إليه الكتاب وجهدابه في الرجوع فقال : «إنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنام وأمرني بما أنا ماض له » .

قالا: فما تلك الرؤيا؟

فقال : «ما حدّثت بها أحداً ولا اُحدّث أحداً حتّى ألقى ربّي عزّ وجل » .

فلمّا يئس عبدالله بن جعفر منه أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ، ورجع هو ويحيى بن سعيد إلى مكّة .

وتوجّه الحسين عليه السلام نحو العراق ، ولمّا بلغ عبيدالله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطته حتّى نزل القادسيّة، ولمّا بلغ الحسين عليه السلام بطن الرملة بعث عبدالله ابن يقطر ـ وهو أخوه من الرضاعة ـ وقيل : بل بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة، ولم يكن علم بخبر مسلم ، وكتب معه إليهم كتاباً يخبرهم فيه بقدومه ، ويأمرهم بالانكماش (16) في الأمر.

فأخذه الحصين بن نمير وبعث به إلى عبيدالله بن زياد، فقال له عبيدالله بن زياد: إصعد وسبّ الكذّاب الحسين بن عليّ .
فصعد وحمد الله وأثنى عليه وقال : أيّها الناس ، هذا الحسين بن عليّ خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ، وأنا رسوله إليكم فأجيبوه ، ثمّ لعن ابن زياد، فأمر به فرمي من فوق القصر، فوقع على الأرض وانكسرت عظامه ، وأتاه رجل فذبحه وقال : أردت أن اُريحه ! !
موضوع راعع جدن وممتاز وشكرن

أم منصور
08-03-2010, 04:22 PM
مشكووووورعلى الموضوع الراع {جداَ}