ما أفجع مصائب آل محمد وما أكثرها.. فكل جراحات الدنيا قد ننساها مع عدو السنين إلا مصائب أهل البيت() إذ لم يكن الزمان كفيلاً أن يمحو أثرها من أذهان البشرية، وبالخصوص معركة الطف الدامية، معركة إنتصار الدم على السيف التي تبقى نقطة دم ثائرة في حياة الإنسانية، ووصمة عار تلاحق الظالمين في كل زمان ومكان.
تلك الثورة التي ما زال صدى كلمات قائدها يدوي منها)إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني(( فتذوب أرواحنا ألماً، وتفيض مآقينا أدمعاً، لتلك النكبة التي لم يشهد الدهر أكبر منها في تاريخ الأنبياء والأوصياء.
ولو تصفحنا التاريخ الإسلامي، لوجدنا أن الإنسانية ابتلت بطغاة متعسفين، أذاقوا الأمة الإسلامية الويلات وحاربوا الحق والدين والفضيلة إحياءً لمصالحهم الوضيعة. وفي مقدمتهم الطاغية يزيد بن معاوية، ذلك الظالم الذي اعتلى منبر الرسول الأعظم(ص) قسراً وغصباً، وتربع على عرش الخلافة ليعاقر الخمر ويلاعب القرود.
فلم تؤهله صفاته الشاذة إلا لسياسة الإسطبل لا لخلافة العالم الإسلامي وفي مثل هذا الوضع المتأزم المحتقن لم يكن للإمام الحسين() إلا إستخدام صلاحياته في طلب الإصلاح .. فكانت الثورة العارمة، التي تهتز لصداها عروش الظالمين إلى الأبد، فسلوك النظام في تلك الفاجعة وانتهاكه حرمة البيت العلوي، أعطى المبرر الواضح والسبب الرئيسي لقيام تلك الثورة، في حين أنها عكست السلوك الشاذ للحكام الأمويين في ذلك العهد.
فلولا تلك النهضة لما أوصل إلينا مذهب التشيع، وما كان للإسلام أن يستقيم إلا بمجهود النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله) وحماية الوصي أمير المؤمنين علي بن ابي طالي() وثورة أبو الأحرار الإمام الحسين() سيد شباب أهل الجنة.
الدموع وآثارها
أكد علماء النفس والأخلاق أن من أجل وأفضل صفات الإنسان هي الرحمة والرأفة ورقة القلب، وبالخصوص إذا كانت تجاه الآخرين؛ فلا إنسانية بدون العطف على المظلومين، وأوضح صور التعاطف البكاء، فهو أمر طبيعي وعقلائي وظاهرة فطر الإنسان السوي عليها، بينما تحجر الضمير وغلظة المشاعر وقسوة القلب، هو من أخطر أمراض النفس على الإطلاق، وقال في ذلك الإمام محمد بن علي الباقر () (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).
بينما ظهر فريق من البشر ينظرون إلى البكاء نظرة سلبية ويعدونه أحد الأمراض النفسية أو نتيجة الاكتئاب، بما يعبر عن الضعف في الشخصية أو الاختلال النفسي، في الوقت الذي اتخذ البعض سبيلاً آخر أكدوا فيه أن البكاء رمز الضعف وسلاح الواهنين، لا يستخدمه إلا من عجزت قدرته وقلت حيلته، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماماً إذ إن البكاء أحد سبل تخفيف الآلام ويعتبر حالة طبيعية جداً تدلّ على رقة القلب ورهافة الحس، لذلك نرى أن النساء - بعد أن تميزن دون الرجال بالبكاء - أكثر ترويحاً عن أنفسهن، وأقل كبتاً للحزن وأضئل تعقيداً للحياة، في الوقت الذي اعتبرت فيه المرأة من أرق المخلوقات دون الرجل.
فالبكاء هو طريقة لحل المشاكل النفسية، لأن الأزمات والنكبات في الدنيا تصدم الإنسان، وتلك الصدمات تتراكم في قلبه، فيكبر الهمّ حتى يأخذ موقعه من النفس، فما يلبث الإنسان أن يكون كياناً حقوداً مملؤاً بالعقد النفسية، إلا إذا تدارك الأمر بالبكاء، وأزال به غبار الغم عن قلبه الضعيف.
كما أن كثير من الآيات القرآنية المباركة تكشف عن إستحباب البكاء وتحذر من قساوة القلب.
فقال الخالق تعالى ذكره في الآية (82) من سورة التوبة
(فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءاً بما كانوا يكسبون)
وقال عز وجل أيضاً في سورة الإسراء الآية (109)
(ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً)
كما روي عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب()
أنه قال بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء).
فلسفة البكاء على الإمام الحسين الشهيد()
هناك الكثير من الأسئلة يطرحها الشباب وبعض أبناء العامة، لمعرفة المبرر من بكاء شيعة أهل البيت () على أبي عبد الله الحسين() بعد أن أنتصرت ثورته ونجحت نجاحاً منقطع النظير أستطاع بها تحقيق كل مبادئه وأهدافه الشريفة.