02-15-2011, 03:54 PM
|
رقم المشاركة : 1
|
|
الهجره الكبرى
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل الله فرجهم الشريف
لم تعد مكّة مكاناً مناسباً وآمناً للدعوة ، بعد أن توفّي أبو طالب ، فأراد رسول الله(صلى الله عليه واله) أن يَنشر دعوته في الطائف ، لعلّها تكون منطلقاً لرسالته بعد أن تحجّرت مكّة في وجهها ، لكن الطائف كانت مثل مكّة تحجّراً وفظاظة .
ثمّ بدأ الرسول يعرض رسالته على القبائل واحدة تلو اُخرى يدعوهم إلى الله سبحانه ، وكلّها كانت ترفض دعوة الحقّ .
وفيما كان(صلى الله عليه واله) يعرض رسالته في موسم الحجّ، إلتقى سنة إحدى عشرة من البعثة المباركة ، بجماعة من الخزرج وهي إحدى قبيلتين كبيرتين تقطنان يثرب (الّتي سُمِّيت بالمدينة المنوّرة فيما بعد)، وعرض عليهم الاسلام فاستجابوا له ، وعادوا إلى يثرب يدعون إلى الاسلام .
وفي العام التالي قدم من أهل يثرب اثنا عشر رجلاً ، فاجتمعوا بالرسول(صلى الله عليه واله) في العقبة، وبايعوه (على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ولا يزنوا ، ولا يقتلوا أولادهم ، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ، ولا يعصوه في معروف ، فإن وفوا فلهم الجنّة ، وإنْ غشوا من ذلك شيئاً فأمرهم إلى الله ، إنْ شاء عذّب وإنّ شاء غفر) .
في موسم الحجّ التالي ، أي في السنة الثالثة عشرة من البعثة المباركة ، اجتمع بالرسول(صلى الله عليه واله) سرّاً بالعقبة وفد إسلامي كبير من يثرب ، ضمّ سبعين رجلاً وامرأتين .
وبذلك توفّرت الأرض الّتي يمكن للدعوة أن تقف عليها لأداء رسالتها العظمى ، فأمر رسول الله(صلى الله عليه واله) المؤمنين بالهجرة إليها ، وراحت مواكب المهاجرين تتوافد إلى دار الايمان سرّاً وتحت جنح الظلام ، تاركين أموالهم ودورهم من أجل دين الله.
ثمّ أذن الله سبحانه لرسوله بالهجرة إلى الأرض المباركة (يثرب) ، وذلك إثر إجتماع قريش في دار الندوة ، واتفاقها على قتل الرسول (صلى الله عليه واله) من قِبَل مجموعة تضمّ رجلاً من كلّ بطن من بطون قريش ، ليذهب دمه هدراً ، أي يضيع بين القبائل فلا يُطالِب به أحد .
بادرت قريش لتنفيذ ما اتّفقت عليه ليلاً ، لكن أبا لهب اقترح عليهم تنفيذ الجريمة عند الصباح، وقد أخضعوا دار الرسول(صلى الله عليه واله) لحراسة شديدة حتّى لا يفلت الزمام من أيديهم .
في الاثناء أمر الرسول (صلى الله عليه واله) عليّاً (عليه السلام) أن ينام في فراشه ويلتحف ببردته ، وخرج الرسول (صلى الله عليه واله) من بينهم يتلو قوله تعالى:
(وَجَعَلْنَا مِن بَينِ أَيْدِيهِم سَدَّاً وَمِن خَلْفِهِم سَدَّاً فَأَغْشَـيْناهُم فَهُم لاَ يُبْصِرون). (يس / 9)
إلتقى رسول الله بأبي بكر بن أبي قحافة في مكان ما في طريقه ، واتجها للاختفاء في غار جبل ثور .
وطوال اللّيل كان رجال قريش يراقبون بيت الرسول (صلى الله عليه واله) ، وعند الصباح هجم القوم على مخدع الرسول (صلى الله عليه واله) ، فوثب في وجوههم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فكان أوّل فدائي للاسلام ، فأنزل الله تعالى فيه :
(ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفسَهُ ابْتِغَاء مرضاةِ اللهِ واللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَاد ). (البقرة / 207)
حاولَ المشركون اللّحاق بالرسول (صلى الله عليه واله) ، واتبعوا آثار أقدامه حتّى الغار ، لكن الله تعالى حفظه من مكرهم ، وبعث العنكبوت فنسجت على باب الغار بيتاً لها ، فتفرّقوا ظنّاً منهم بأن لا أحد فيه .
وبعد أن مكث الرسـول(صلى الله عليه واله) في الغـار ثلاث ليال ، واطمأن بأنّ قريشاً قد كفّت عن طلبه ، سار نحو يثرب ، وبعد أيّام وصل نبيّ الهدى والرحمة(صلى الله عليه واله) منطقة قبا خارج يثرب ، وبقي فيها ينتظر قدوم عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) في ركب الفاطميّات من بني هاشم، الّذي كان يضمّ: فاطمة اُمّه ، وفاطمة بنت محمّـد(صلى الله عليه واله) ، وفاطمة بنت الزُّبير بن عبدالمطلّب ، وفاطمة بنت حمزة بنتي عمّ النبي (صلى الله عليه واله).
حين وصل الركب إلى قبا استقبلهم الرسول(صلى الله عليه واله) وعانق عليّاً (عليه السلام) ، وبكى رحمة به لما أصابه من إرهاق وأذى .
وبقي الرسول(صلى الله عليه واله) بعد مقدم عليّ (عليه السلام) يومين في (قبا) ، وأسّس فيها مسـجد (قبا) بناءً على اقتراح من عمّار بن ياسر ، فهو أوّل مسجد في الاسلام ، ثمّ ركب راحلته متجهاً نحو يثرب .
كان الاستقبال عامّاً ، والناس يترقّبون قدوم الرسول(صلى الله عليه واله) ، وحين دخلها احتفوا به أيّما احتفاء ، وكان الناس يتسـابقون للقائه ، وما مرّ(صلى الله عليه واله) بدار إلاّ دعوه إليها ، ولكنه كان يقول لهم : «خلّوا سبيل الناقة ، فإنّها مأمورة» .
كان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد ترك ناقته وهو راكب على ظهرها، لتسير بحريّة وتقف في المكان المقدّر من الله سبحانه وتعالى ، فسارت الناقة حتّى بركت عند مكان المسجد النبوي حاليّاً، بالقرب من باب بيت أبيّ أيوب الانصاري وكان من فقراء المدينة ، فنزل رسول الله (صلى الله عليه واله) ضيفاً على أبي أيوب ، وبقي في ضيافته حتّى اكتمل بناء المسجد ومنازله المطهّرة ، فانتقل إليها.
|
|
|