عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2011, 09:52 PM   رقم المشاركة : 7
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ السابِع
(َلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)




(وَلَقَـَدْ هَمَّتْ بِـهِ وَهَمَّ بِهَا
لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ)

الهَّمُ فِي مَوْضَعَيْن: ألأولُ كانَ هَمُّها لِتَضْجَعَهُ عَليْها إجْباراً لِمُطاوَعَتِها

وَرَغبَةً فِي مُراوَدَتِها لَـهُ,,

أمَّا الثانِي: إذا لَـمْ يُطاوعُها يُوسُـف يُسْجَنَ وَيُعَـذَبَ بِعَـذابٍ ألِيـمٍ, لأنَها

اسْتَطارَت مِـنْ غَضَبِها عَلَيـهِ لِكَـوْن فِيـهِ حُسْـن الحال مِـمَّ رَضَـعَ لـُبان

الحِكْمَةِ وَتَرَعرَعَ فِي كَنفِ الرسالةِ وَأعَـدَّهُ الله لِشَرَفِ النبُوَةِ,, وَامْـرأةُ

العَزيز فِي سَطَوَتِها وَجَمالِها تَدَعُ فتىً مِنْ فِتيانِها فيَأبى وَيَعتَصِمَ عَليْها

وَهيَّ ألامْرأةُ الناهِيَةُ فِي قََصْرِها وَالسَيِّدَةُ المُطاعَة فِي خَدَمِها وَحَشَمِها

أيا لَها مِنْ حِـيرَةٍ فِي أمْـرِها, فاسْتَطارَت مِنهُ غَضْباً, وَهاجَ هائِجُها بـهِِ

بَطشاً, وَأرادَّت بـهِ سُؤَها امتِناعاً مِنهُ لِعَزتِها (وَِلَقد هَمَت بـهِ) لَّمَا أرادَ

أيَسْبِقَ الباب الأوَل فَوَجَدَهُ مُقفَلاً فَضَحِكَت وَقالَت: إلى أيْنَ المَفَـر, فَقالَ

يا إلهِّي اجْعَل لِي مَخْرَجاً ففُتِحَت لَـهُ الأبْوابَ السَبْعَةَ بِإذنِهِ تَعالى فَسَبَقَ

الباب الأوَل, فَجَعَلَ اللهُ القـُفلَ يَتَناثَر وَيَسْقـُط, فَهَرَبَ يُوسُف, فَأسْرَعَت

وَراءَهُ عَـدْواً لاَ يَطِيقُها الصَبْرُ وَأرادَت بـهِ بطْشاًَ لإنتِقاماها مِنهُ لِعِزَتِها

(وَهَمَ بِها) هَمَّهُ: أيَسْبقَ الأبْوابَ السِتَةَ المُتَبَقِيَة وَإذا هِيَّ تَتَناثَرُ أقفالُها

فأسرَعَ جَرْياً حَتى لاّ يَلْقى بِنَفسِهِ الشَرَ بالشَرِ, ويَصِدُ الضَرْبَ بالضَرْبِ

وَكـانَ الخَلاصُ وَالفِـرارُ مِنها خَـيْرٌ لَـهُ مِـنْ مُقاتلَتِـها, وَالمُسالَمَةُ خَـيْرٌ

لِنَفسِهِ مِنْ مُواثبَتِها: لأنَ الهَمَّ هُوَ العَزْمُ فَمَا مِنْ أحَـدٍ إلاّ وَهُوَ يَهُمُّ بأمْرٍ

خَيْراً كانَ أوْ شَراً, وَكانَ هَـمُّ يُوسُف غايَتَهُ الوصُولُ إلى آخِرِ بابٍ دُونَ

وقُوعِ الفاحِشَةِ مَا بَينَ كُلِّ بابٍ مِـنَ الأبْوابِ السَبْعَةِ لَّمَا أسْرَعَت وَراءَهُ

عَدواً لاَ يُطِيقُها الصَبْرُ إلاَ أنْ يُواقِعُها,,

أمَا الصِفةُ الثانِيَة الْهَمُّ فِي ثَلاثٍ: هَـمٌ ثابِتٌ مَعَهُ عَـزْمٌ وَرِضا نَفسِي كَمَا

أرادَت زُلَيْخَةَ مِنْ يُوسُف مُواقَعَتُها،وَهَمٌ مَذمُومٌ يُؤخَذ بهِ صاحَبهُ بالإثمِ

وَهَمٌّ بِمَعنى خاطِرَةُ قَلْبٍ أوْ حَدِيث نَفسٍ مِنْ غَيْرِ فِعلٍ فَلاَ يُؤْخَذ بِصاحِبِهِ

بِسُوءٍ,,

وَإنْ فَسَرْنا: هَـمُّ يُوسُف فَنَجِدهُ مُجَرَد خاطِرَةُ قلْبٍ مِنْ غَـيْرِ حَزْمٍٍ وَعَزْمٍ

كَصِفَةِ الصَائِمِ الذِي يَرى الماءَ البارد مِنْ يَوْمِـهِ الحار فتَمِيلُ نَفسَهُ إليهِ

وَلكِن يَمنَعَهُ دِينَهُ, كَذلِكَ مَازالَ يُوسُف مُمْسِكاً بِإشْرافِ النبُوَةِ فِي نَفسِهِ

فَيَمْنَعَهُ دِينَهُ عَنْ ارتِكابِ الفاحِشَةِ, فاسْتَجابَ لأمْرِ رَبِّهِ فَامْتَنَعَ وَاعتَصَمَ

عَليْها, وَباعتِصامِهِ أحَبَّهُ الله وَقالَ بِحَقِهِ لَنا (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ)

الماضِي وَلَيْسَ الحاضِر, لأنَ اللهَ لَمْ يُقُل لَوْلاَ أَنْ يَرى بُرْهَانَ رَبِّهِ,,

وَالمُؤَوَلُ هُوَ: لَوْلاَ أنْ رَأى نُورَ اللـَّهِ قَََـَد أبْرَقَ فِي عَيْنَيهِ فاسْتَضاءَ بـهِ

مِنْ ذالِكَ البُرهانُ الأوَل: فَكانَ يُوسُف بِـهِ حَلِيفُ الصَمْتِ وَالسِكُوت لَـمْ

يَفصَحَ عَنهُ لأخْوَتِهِ فَجَعَلَهُ فِي قَلْبِهِ بَصِيرَةٌ يَستَنِيرُ بِهِ وَفِي عَقلِهِ مَذكَرَةٌ

يَخْرجُ بِـهِ مِنْ عَواقِبِ الدَهْـرِ يُشاهِدُهُ فِي كُلِّ ساعَةٍ فَيَتَذكَرَهُ بِمَا أدَخَرَهُ

اللهَ لَهُ وَهُوَ البُرهانُ الذِي أنْطَلَقَ فِي ذاتِـهِ حِينَ رَأى تَعزيزاً مِنْ رُؤْيَتِهِ

التِي أوْصَلْتهُ إلى مَخايِّلِ الرَجاءِ حِينَ أسْتَيْقَظََ مِنْ نوْمِهِ وَهُـوَ مَشْرُوحُ

الصَدرِ, مَصْقولُ الذِهْـنِ, مُطْلـََقُ النَفـسِ بالأمَلِ المُحَقَقِ, وَقَـَد أُفسِحَت

أمامَهُ رُقَعَـةُ البُشْرى بِأنَـهُ السَيِّدُ المُطاعُ ذا الشَـرَفُ وَالسُلْطان بِعَظِيمِ

القتَدرِ حِينَ رَأى الشَمْـسَ وَالقَمَــرَ وَالكَواكِـبَ ساجِديـنَ لَـهُ عَلى دَلالَـةِ

بُرهانِـهِ المَغرُوس فِي قَلْبـِِهِ مِـنَ رُؤْيَتِـهِ المَصْحُوبَةِ بِطَهارَتِهِ,, فَسَبَـقَ

الإمْتِناعُ بالبُرهانِ قَبْـلَ وقُوعِهِ بالفاحِشَةِ: فَأيْقنَ يُوسُف بأنَها البُرهانُ

الأوَل المُلازم لِنبُوَّتِـهِ التِي أوْصَلَتـْهُ فِي بَلائِـهِ إلى البُرهانِ الثانِـي لَـمَّا

ألْقُوه أخْوَتَهُ فِي البِئْرِ لِيَمُوتَ فسَقَطَ فِي الماءِ فأنزَلَ اللهُ جُبرائِيلَ وَكانَ

نِزُلَهُ عَلَيهِ أسْرَعُ مِنَ البَرقِ فَرَفَعَهُ إلى صَخْرَةٍ مِنَ البئْرِ وَهُمْ لاَ يَعلَمُونَ

فَنادُوه: فأجابَهُم يُوسُف بِظـَّنِّ رَحمَتِهِم, فَأرادُوا رَضْخَهُ بصَخْرَةٍ عاتِيَةٍ

فمَنَعَهُم يَهُوذا: وَقالَ, جُبْرِيـلُ يا يُوسُف نادِيهُم بِمَا أُنْـزِلَ عَليْكَ بُرهانـاً

يَكُونُ لَكَ حِجَةً عَلَيْهِم (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـذَا) بِمَا يُؤوِّيِكَ رَبُّـكَ وَيُحمِيكَ

فِي الصُغَرِ حَتى يَسْتَويَّ شَبابكَ وَتَكْتَمِل قُوَتُكَ: ثمَ يُؤهِلُكَ لِلنبُوَةِ (وَهُـمْ

لَا يَشْعُرُونَ) بأيِّ أرْضِ تَعِيش, ثـُمَ يَجمَعَهُم الله وَتَراهُم,,

أمَّـا البُـرهانُ الثالِـث المُـلازم لِرُؤيَتِـهِ فِـي نِبُوَتِــهِ مَـعَ الدَلائِـل الثَلاثِــةِ

المَذكُورَةِ فِي عِصْمَتِهِ التِي فَتَحَ اللـَّهُ مِنْها باباً لَـهُ فلَنْ يُضِرْهُ مَا أُغْلِقَ

عَلَيهِ الأبْوابَ السَبعَةَ بَعدَ إكْرامٍ بِمَا فـُتِحَت لَـهُ, فألتَفَتَ إلى زُلَيْخَةََ وَإذا

هُوَ يَراها كَأُنثى القِرد كَشَرَت أمامَهُ, وَعَلى يَمِينِهِ صُورَةَ أبيهِ أبْصَرَها

اللهُ لَهُ مِنْ جِدارِ الغُرفَةِ وَصَوَتَهُ يَصُكَ مَسامِعَ يُوسُف وَيُذكِرُهُ فِي نِبُوَتِهِ

حِينَ قالَ يا بُنَيََّّ (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ

نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقـُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِـنْ قَبْـلُ إِبْرَاهِيـمَ

وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

فََعَبَرَ يُوسُف كَلِمَةُ أبيهِ فِي نَفسِهِ وَأيْقنَ وَأعتَصَمَ بأنَ الفاحِشَةََ تَمْحِصُ

نبُوَتَهُ فَلَوْلاّ البُرهانُ الأوَل قَد سَرى فِي نَفسِهِ فَجَعَلَ اللهُ مِنهُ لَـهُ ثَلاثـَةُ

بَراهِينٍ لَكانَ يُوسُفَ مِثلُ سائِرِ الناسِ فِي ارتِكابِ المَعاصِي وَالفواحِش

فجَعَلَ اللـَّهُ البُرهانَ الأوَل: دَلِيلٌ لَـهُ عَلى إبـاءِِ المَعصِيَةِ وَعَـدَمِِ ارتكابِ

الفَواحِشِ بإخْراجِ نَفسِهِ مِنَ السُوءِ, وَلِهذا بَيَّنَ اللهُ بِدَلِيلِهِ الرابِع: وَقالَ

(لِنَصْرِفَ عََنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) الآيَـة تَدِلُ بأنَ يُوسُفَ مُنْصَرفٌ عَـنْ

السُوءِ وَالفَحشاءِ بإحسانِهِ وَطهارَتِهِ قَبْلَ أنْ يَصْرِفُهُ اللـَّه عَنهُ, وَدَلِيلُنا

هُوَ جَوْهَرُ الآيَة فإنَها قَد نَزَلَت فِي مَحَلِ الدَفِعِ لاّ فِي مَحَلِ الرَفعِ لأنَ اللهَ

لَـمْ يَقـُل لِنَصْرِفـَهُ عَـنْ السُـوءِ وَالفحشاءِ, وَلَـمْ يَقـُل لِنَصْرفَ مِِـنهُ كَـي

تَتَنَاسِب مَعَ مَحَلِ الرَفعِ لِرَفعِ السُوءَ وَالفَحشاءِ عَنْ يُوسُف: بَـلْ جَعَلَها

اللهُ بِمَحَلِ (الدَفعِ) لِدَفعِ السُوءَ وََالفَحشاءِ عَنهُ, وَلِهذا قالَ اللهُ لِنَصْرفَ

(عَنـْهُ) وَلَـمْ يَقـُل (مِنهُ) حَتى لاَ يَكُونَ الإنتِفاءُ بَيْنَ الخَيْـرِ وَالشَـرِ: كَمَا

نَسَبَ القَدريُونَ وَالجَبْرِيُونَ بأوْهامِهِم الخَيْرَ وَالشَرَ مِنْ عِنـدِ اللهِ تَعالى

وَلكِنَ الشَـرَ لاَ دافِعَ وَلاَ رافِـعَ لَـهُ إذا أرادَهُ الإنسانُ فِي نَفسِهِ, وَبعَكْسِهِ

اللـَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّهُ هُـوَ الذِي يَدفَعُ الشَـرَ وَلاَ يَرفَعَهُ إذا أرادَ أنْ يَقَعَ عَلى مُؤمِنٍ يَحِبُهُ

فَيَدفَعَهُ قَبْلَ وقُوعِهِ عَليهِ, كَذلِكَ العَبْدُ المُؤمِنُ هُوَ الذِي يَرفَعَ عَنْ نَفسِهِ

السُوءَ وَالفَحشاءِ وَلِهذا قالَ اللهُ (قَـدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) بَـلْ فازَ مَنْ طَهَّرَ

نَفسَهُ بالطاعاتِ وَأصْلَحَ عَمَلُها بالصالِحاتِ (وَقََـَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) بَـلْ

خَسِرَ مَنْ أخْفى فَضائِلُها بِسُوءِ أعمالِها,,

فيُوسُفُ مِنْ هذِهِ العباراتِ وَالبَراهِينُ الثَلاثَة وَالدَلائِلُ الأربَعَةَ قَََد صَرَفَ

عَنْ نَفسِهِ السُوءَ وَالفَحشاءِ بِطَهارَتِهِ قَبْـلُ أنْ يَصْرِفُهُ اللـَّهَ تَعالى عَنـْهُ

وَبِمَا أنَ السُـوءَ مَصْـدرُ المَعصِيـةِ, وَالفَحشاءُ ارتِكاب الشَنِيعـةِ كَالزِنـَّا

وَغيرِهِ مِنَ ألأفعالِ: وَمِنْ هذا قََََـَد أنْزَلَ اللهُ بِحَقِّ يُوسُف وَقال (إِنَّـهُ مِـنْ

عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) الذِيـنَ أخلَصَّهُـم لِنفسِـهِ كَصُورَةِ الإخْـلاصِِ سُمِّيَـتْ

لأنَها خاصَةٌ فِي صِفَةِ اللهِ تَعالى: لأنَّ الَّلافظَ بِها قـَدْ أخْلَصَ التَّوحِيدُ للهِ

تَعالى فلَّمَا اسْتَبَقَ يُوسُفُ البابَ هَمَّت وَراءَهُ عَدْواًً فَجَذَبَتهُ مِنْ قمِيصِهِ

وَقدَتهُ مِنْ دُبُـرٍٍٍ وَمَا انتَهى مِنَ البابِ حَتى رآهُ العَزيز,,




هـذا المَوْقِفُ يُثِير الاهْتِمام وَكَيفَ تَكُون المُعالَجَة إلى سَّدِ الأمْرِ: فأبانَهُ

الله وَقالَ(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ

السَبْقُ إلى البابِ هُوَ السِرعَةُ بالخِرُوجِ مِنْ دارِ البِلاطِ,, فخَشِيَّ يُوسُف

أنْ تَجِرَهُ زُلَيْخَة وَتَجْبِرَهُ لاسْتِسْلامِها: وَهِيَّ الإمْرَأةُ الناهِيَة فِي قَصْرِها

وَالسَيدَةُ المُطاعَة فِي خَدَمِها وَحَشَمِها,,

فَهَرَبَ يُوسُف فَلَحُقَت بهِ عِندَ البابِ وَتَعَلَقَت بقَمِيصِهِ فَشَقَتهُ مِنَ الخَلْفِ

فَلَمَا رَأت زَوْجَها عِنـْدَ البابِ قَََـََد صادَفَهُ الحادِثَ: أَرادَت خَدعَـهُ فَتَباكَت

كَيْداً لِتُشْفِيَّ غِلَّ صَدرِها وَحُنقِها عَلى يُوسُفَ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ مُطاوَعَتِها

فَكادَت تَخَرَجَ عَنْ طَبْعِ أنُوثَتِها فِي التَمَنِعِ عَنْ نِكاحِها مِنهُ: وَقالَّت أيُها

العَزيزُ: إنَ هـذا الفَتى لَمْ يَرْعَ حُرمَتُكَ, وَلَـمْ يَحفظَ سِترُكَ فراودَنِي عَن

نَفسي, فلَّوْلاَ خادِمَتِي تُخَلِصَنِي مِنهُ لأَرادَ أنْ يَدنسَ ثوْبي وَيُلْحِقَ العار

بِكَ فمَكَرَّت مُكْراًَ عَظِيماً حَتى أرْضَت نَفس العَزيز وَلَمْ يُؤاخِذُها برَدٍ مِنْ

كِذبِها, وَأمَرَتـْهُ بسِجْنِ يُوسُفَ, أوَ تَعذِيبَهُ قائِلَةً لَـهُ (ما جَزَاءُ مَـنْ أَرَادَ

بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)




الجَزاءُ هُـوَ العِقابُ: فَأرادَت زُلَيْخَـةَ تَعذِيبَـهُ فِـي السِجْـنِ جَـزاءً لِعَزَتِها

لِتُجْزيَّ عَليهِ إسْقاطُ التـُهْمَةِ عَـنْ نفسِها,, فَشَهَدَتْ خادِمَةٌ لَها لَمّا رَأت

يُوسُف راكِضاً يَسْتَبِقَ البـاب,, فلَـمْ يَجِـد يُوسُف إلاّ الاعتِرافُ بالواقِـعِ

وَدَفعُ التُهمَةَِ عَنْ نفسِهِ أمام عَزيزَ مِصْرَ (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)




لاَ أنَّا: فَهِيَ التِي حاوَلتْ أنْ تَخْدَعَنِي وَتُوقِعَنِي فِي مُواقَعَتِها بالمَعصِيَةِ

قالَ: العزيزُ وَمَا البَينَةُ عَلى صِدْقِ قَوْلِكَ: قالَ يُوسُفُ هـذا الرَضِيعُ مِنْ

أنسابِكُم لاَ أظِنَهُ يَمِيلُ بِحُكْمٍ لِزُلَيْخَةَ يُرادُ بِـهِ حَقَّ باطِلِ, وَلاّ يُريدُ الباطِلَ

حَقاً يُفتَرى بِهِ إليَّ (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) الشاهِدُ هُنا هُوَ بَيانُ عَقلِي

وَسَمْعِي لاَ يُسَّمى بالطَبْعِ شاهِداً إلاَ البالغ السِن المُكَلَف وَلكِنْ نَصَرَ اللهُ

يُوسُفَ لِيُنْطِقَ أمـامَ العَزيـز بِشاهِـدٍ مِنهُم فِيهُم: فأشارَ إلى الرَضِيعِ أنْ

يَتَكَلمَ بالحَقِّ, فَجَعَلَ اللهُ الشاهِدَ جُبرائِيل الذِي تَمَثلَ بِشَهادَتِهِ عَلى حـالِ

لِسانِ طِفلٍ لَمْ تَكْتَمِل شَفَتاهُ نَطْقاً, فأنْطَقهُ لِيَّشْهَدَ فِي بَراءَةِ يُوسُف وَهُوَ

شاهِدٌ بِأمْرِ اللهِ تَعالى: فإذا أعْتـُبِرَ العِلْمُ مُطْلقاً فَجَبْريلُ هُـوَ المُعلِمُ بِعِلْمِ

اللهِ لِلأنبياءِ وَإذا أُضِيفَ إلى الأمُورِ الباطِنَةِ فهُوَ الشاهِدُ الحَّق دُونَ أنْ

يَـراهُ أحَـدٌ إلاّ يُوسُف,, وَإذا أُضِيفَ إلى الأمُـورِ الظاهِرَةِ فهُـوَ الشَّاهِـدُ

بِلِسانِ نَطْقِ الطِفْلِ, وَقـَدْ يُعْتَبرُ مَعَ هذا أنْ يَشْهَدَ الحَّقُ أمامَ العَزيز بِمَا

كادَّت زُلَيْخَةَ عَليهِ: وَالدَلِيلُ عَلى مِثلِهِ قُرآناً هُـوَ نَظِيـرُ قوْله عَـزَّ وَجَـل

(فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قََدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) المُتَكَلِمُ عِيسى

بـنَ مَريـمَ لَّمَا وَضََعَتهُ أُمُـهُ كَلَّمَها بلِسانِ جُبْرائِيل؟؟ كَذلِكَ تَحَكَِمَ جُبْريـلُ

الأمِين بَيـْنَ يُوسُفَ وَزُلَيْخَةَ أمـامَ العَزيـز وَبِلِسـانِ الرَضِيع الذِي شَهـِدَ

بالحَقِّ: وَقالَ (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قـُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُـوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)

القـَدُ: هُـوَ الشَّـقُ لِقَمِيصِِ يُوسُـف مِـنَ ألأَمامِ؟ فَقـَرارُ الحُكْمِ يَـدِلُ عَلـى

مُنازَعَتِها وَالتَخَلِص مِنهُ لِصِدقِ دَعوَتِها: فقضاءُ الحُكْم لَها عَليهِ,,

(وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قـُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فَقَرارُ الحُكْمِ

يَدِلُ على هِرُوبِ يُوسُف مِنْ زُلَيْخةَ, ثُمَ اسْتبَقَتهُ إلى الباب فأمْسَكَتهُ مِنْ

قَمِيصِهِ وَقَدَتهُ مِنْ خَلْفِهِ, فقَضاءُ الحُكمِ لَهُ عَليْها,,

ثـُمَ اسْتُأنَفا الحُكْمَيْنِ لأِبانَتِ الحَقِيقَـةِ: وَقالَ الشاهِـدُ (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَـهُ

قـُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) مِنْ هُنا أوْضَّحَ اللهُ لَنـَّا

التَمْيِّيز بَيْـنَ ألآيَتَيْنِ, وَظهَـرَ الحَّقُ بالثالِثَةِ لِيُوسُفَ, فَهِيَّ التِي راوَدَتـهُ

وَقَـَدَّت قَمِيصَهُ مِـنْ دُبـِرٍ,, فالتَفتَ العَزيـزُ مُخاطْباًَ زُلَيْخَةَ (قَالَ إِنَّـهُ مِـنْ

كَيْدِكُـنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيـمٌ) الكَيْـدُ: الاحْتِيالُ وَالاجْتِهَادُ مِنْ عُقـُولٍ كادَهـا

بارِئُها وَأرادَهَا بِسُوءٍ بِعُظَمِ كَيْدِها: ثـُمَ التَفتَ العَزيزُ إلى يُوسُفَ لِيُستِرَ

مَا واجَهَ وَقال (يُوسُف أعْرِِضْ عَنْ هَذا) أيْ: أربْط لِسانُكَ وَتَجَنَب عَنْ

خَـوْضِِ هـذِهِ المُراوَدَة, وَلاَ تُفشيَ خَبْـراً بِمَكْنـُونِ مَا جَـرى: ثـُمَ التَفَـتَ

العَزيز لِزَوْجِتهِ: وَقالَ أنَ يُوسُفَ عَفِيفٌ نَجِيبٌ, بَريءُ العِرْض, سَلِيـمُ

الناحيَةِ وَالشَرَفِ, فأمَا أنتِ (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس