وكانت قضية المرأة وحقوقها كزوجة أو أم مثار اهتمام السّنُة النبوية الشريفة ، يقول النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم «مازال جبرئيل يوصيني بالمرأة ، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشةٍ مبينة» (1). ثم يحدد ثلاثة حقوق أساسية للمرأة على زوجها وهي :
1 ـ توفير القوت لها .
2 ـ توفير اللباس اللائق بها .
3 ـ حسن المعاشرة معها .
وفي ذلك يقول الحديث الشريف : «حقّ المرأة على زوجها : أن يسدّ جوعها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجهاً» (2).
فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الاَمور المادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يُقرن ذلك بحق معنوي ، هو أن لا يقبّح لها وجهاً ، بتعبير آخر ان يحسن معاشرتها ، لا سيما وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في العيش ، ومن الخطأ أن يتعامل معها باعتبارها آلة للمتعة ، أو وسيلة للخدمة، فيعاملها بطريقة إصدار الاَوامر . وهناك توجهات نبوية تحثُّ على التعامل الاِنساني مع الزوجة وحتى استشارتها ، وإن لم يُردْ الزوج أنْ يأخذ برأيها في ذلك المورد ، لاَن استشارة الزوج لزوجته ، اجراء حوار مستمر معها ، وهذا ممّا يندب إليه العقل والشرع .
إذن لها حق معنوي مكمل لحقوقها المادية ، وهو حق الاحترام
____________
(1) بحار الأنوار 103 : 253 .
(2) بحار الأنوار 103 : 254 .
والتقدير المخلص ، وانتقاء تعابير مهذبة لائقة عند التخاطب معها ، تشيع أجواء الطمأنينة ، وتوقد شمعة المحبة ، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم : «قول الرّجل للمرأة : إنّي احبّك ، لا يذهب من قلبها أبداً» (1)، ويؤكد الاِمام علي بن الحسين عليه السلام الحقوق آنفة الذكر ، بعد ان يُذكّر الزّوج بنعمة السكن والاَنس التي توفرها الحياة الزوجية ، مشيراً إلى حقوقها المعنوية : كحق الاِكرام ، والرّحمة ، والعفو عنها عند الخطأ والزَّلل الذي يحدث ـ في كثير من الاحيان ـ نتيجة الجهل ، فيقول عليه السلام : «.. وأما حق زوجتك ، فأن تعلم أن الله عزّ وجل جعلها لك سكناً وأنساً ، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجل عليك ، فتكرمها ، وترفق بها ، وإن كان حقك عليها أوجب ، فإن لها عليك أنْ ترحمها ؛ لاَنها اسيرتك ، وتطعمها وتكسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها»(2).
فاكرام الزوجة ، والرّحمة بها ، والعفو عن زلاتها العادية ، هي الضمان الوحيد والطريق الاَمثل لاستمرار العلقة الزوجية ، وبدون مراعاة هذه الامور يصبح البناء الاَسري هشاً كالبناء على الرّمل . فقد ثبت أن أكثر حوادث الطلاق تحصل من أسباب تافهة .
لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي ، وبعدها قال هذه الجملة : (انك لتجد التوافه ـ دائماً ـ في قرارة كل شقاء زوجي) . فلو تحلى الزّوجان بالصبر ، وغضا النظر عن بعض الاخطاء التي تحصل من غير عمد ، لاَمكن صيانة العش الزّوجي من الانهيار .
____________
(1) وسائل الشيعة 14 : 10 | 9 باب 2 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه .
(2) وسائل الشيعة 6 : 134 .
ويتطرق الاِمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق لحق الزوجة ، ويلقي أضواءً إضافية على حقها المعنوي المتمثل بالرّحمة والمؤانسة فيقول : «وأما حق رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم ان الله جعلها سكناً ومستراحاً وانساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه . ويعلم ان ذلك نعمة منه عليه ، ووجب ان يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فان لها حق الرّحمة والمؤانسة ولا قوة إلاّ بالله» (1) .
والتمعن في هذه السطور يظهر لنا أن الرابطة الزوجية هي نعمة كبرى تستحق الشكر اللفظي ، بان يحمد الله تعالى عليها، وتستوجب الشكر العملي ، بأن يكرم زوجته ، ويرفق بها ، ويعاملها باللّطف والرّحمة ، ويعقد معها صداقة حقيقية ، كما يعقد أواصر الصداقة مع الآخرين ، أما لو تصرف معها بالعنف ، وأحصى عليها كل شاردة وواردة، فسوف يقطع شرايين الودّ والمحبة معها ، ويكون كسكين حادة تقطع رباط الزوجية المقدس .
ولقد بيّن الاِمام الصادق عليه السلام بكلِّ وضوح السياسة التي يجب على الزّوج اتباعها ، لاستمالة زوجته ، وعدم قطع حبال الودّ معها ، فقال : «لا غنى بالزّوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها ، وحُسن خلقه معها . واستعماله
____________
(1) ميزان الحكمة 1 : 157 .
استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها . وتوسعته عليها» (1).
على أن أشد ما يسترعي الانتباه : إن هذه الاقوال ، ليست ـ مجرّد ـ كلمات تنشر في الهواء ، يطلقها الاَئمة عليهم السلام من أجل الموعظة ، بل جسّدها أهل بيت العصمة بحذافيرها على صعيد الواقع ، فلا توجد إشكالية انفصام في سلوك أهل البيت عليهم السلام بين الوعي والواقع ، ومن الشواهد الدالة على ذلك ، يروي الحسن بن الجهم قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب فقلتُ : جعلت فداك اختضبت ؟ فقال : «نعم ، إنّ التهيّة ممّا يزيد في عفّة النّساء ، ولقد ترك النّساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيّة... أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيّة» ؟ قلتُ : لا ، قال : «فهو ذاك» (2).
فالاِمام عليه السلام يدرك أنّ الاستمالة تشكل النقطة المركزية في الحياة المشتركة لكلا الزوجين ؛ لذلك يراعي حق الزوجة ، ويسعى إلى استمالة قلبها من خلال التهيّة ، ولاَن عدم التوافق في هذا الجانب ، يعتبر من الاَسباب الاَساسية في الاخفاق في الزَّواج . صحيح أنّ الزّواج في الاِسلام ليس هو إشباع شهوة الجنس . فالجنس مجرّد وسيلة لهدفية الزّواج ، المتمثلة بضرورة خلق جيل صالح تستمر فيه الحياة الاِنسانية .
ولا يعني ذلك التقصير بحق الزّوجة في المتعة الجنسية بالمقدار المتعارف ، فلا يجوّز الشرع هجرها أكثر من أربعة أشهر .
اللهم صل على محمد وال محمد
نسالكم الدعاء