مكاشفة مع الحبيب
عـيونـكِ كحـلهُـمـا الشذا والألــقُ
وكحـلُ عـيونيْ رمادُ الحزنِ والأرقُ
ولـلـنسيم على نهـريـك ِ أشـرعـة ٌ
هفا لها في الصباحِ النجمُ والـشَّـفـقُ
وليس ليْ نهرٌ يصـبو لأشرعـتي
إلآ مـرافئ لـيـل ٍ عـافـه ُ الـغـسَــقُ
رياشُـكِ الـدفءُ لم تقربْـك ِ فاجعـة ٌ
أمّا رياشي فصخرُ الصبرِ والـقلـقُ
فكيف يُجْمَعُ ذو ضَـيْـم ٍ وذو بَـطَـرٍ
وقـد تـبايَـنـت ِ الأهـواءُ والطـُّـرُق ُ ؟
وأيُّ عـاشـقـة ٍ تـسعى لـذي سَـفـر ٍ
مَـتاعُـهُ الحِـبـرُ والأقلامُ والـورَقُ ؟
مُـطـارَدٌ يَـتـســلّـى فــي حَـرائـقِـه ِ
أهـدابُـهُ مـن لـظى عـينيه ِ تحترق ُ !
قد اعـتنقـتِ من الـدُّنيـا مـباهِجَـهــا
أمّــا أنـا فـهـمـومَ الـنـاسِ أعـتـنِـقُ
مـاذا يـغـرُّك ِ في صَـبٍّ خلائِـقُـهُ
أنَّ الهوى عندهُ الإبحارُ والـغـرَق ُ ؟
لـقـد شـربتُ ولكن لا كمـا شـربـوا
وقد عـشقـتُ ولكن لا كما عـشقـوا
وكنتُ لو نـزلـتْ في الحيِّ فاتـنـة ٌ
سَجَتْ على بابِها الأجفانُ والحَدَقُ !
وأوقِظ ُ الـقـدَرَ الغـافي لألـثمَـهــا
لثمَ الصّريعِ اسْتباهُ الطَّيشُ والنَّزَقُ !
دعي طِماحَـكِ .. أيامي بـلا زمـن ٍ
أمّــا الـمـكـانُ فـلا ظِـلٌّ ولا ألـقُ
نما على شفتي نهرٌ .. وفي مُقـلي
فجرٌ وراءَ جـدار الحـزن ِ يأتلِـقُ
وما بنيتُ على رملٍ قصورَ غدي
وإنْ بَـنيـتُ فكوخا ً سـقـفُـهُ رَنِـقُ *
وما شربتُ على نهرينِ من عَسَلٍ
وفي دمي تلهثُ النيرانُ والحُـرَقُ !
وكنتُ أعصرُ أشجاري لذي عطشٍ
وأشـربُ الـدّمعَ في سِـرّ ٍ وأنطلِـقُ
وأحْلبُ الضّوءَ من عيني لمنطفئ ٍ
بـه الضـيـاءُ إذا الظلـماءُ تـنعـتِـقُ
وأخبزُ الـتِّبْنَ ليْ زادا ً وليْ شرَفٌ
أني أكلتُ رغـيفي لا كما سـرقـوا
فـقطعُ كفِّيَ خيرٌ مـن مُصافحـتي
يـدَ اللئيم ِ وإنْ ضاقتْ بيَ الطُّرُق ُ
وما كنزتُ سوى طهري وحَبّبَ ليْ
زيفُ الطغاة ِ رحيلا ً حينما فسقوا
وربَّ نخلِ ضفافٍ شاصَ من عَسَفٍ
ونجـمــة ٍ بـدخان الـقهـر ِ تخـتـنـقُ
مُـسَهَّدٌ أنا .. بي شـوقٌ لشمسِ غـدٍ
حتى لـقـد نـسِيَـتْ ألـوانهـا الحَـدَقُ
**
فأرسلتْ دمعَها نحوي وقـد عرفتْ
أنَّ الـرحيـلَ معي شـطآنُه ُ الغَـرَقُ
قالتْ : بربِّـكَ رفقا ً في مُكابَـرتي
خذني لفقرِكَ نِعْـمَ العِـشقُ والعَـبَـقُ
فـمُـدَّ ضلعَكَ في لحم ِ الثرى وتـدا ً
وسُـلَّ سـيفـك حتى يُـشـمِسَ الأفُـقُ
حالي كحالِكَ في جوع ٍ وفي عطشٍ
خيرُ المحبّة ِ أنْ يُـسْـتعذبَ الـرَّهَـق ُ
***
* سقف رنق : سقف ينضح الماء إذا سقط عليه .
علي ابراهيم
1991