عرض مشاركة واحدة
قديم 06-06-2016, 03:37 PM   رقم المشاركة : 2
المصباح
( عضوفضي )
الملف الشخصي




الحالة
المصباح غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي الطريق الوحيد للحصول على الحياة 2.1


لقد حدّدنا الدين بمجموعة من الأخلاقيات والأحكام والقضايا المعنوية/ فلنرجع إلى الحياة

لا ترى أحدا يسأل عالما دينيا عن ارتفاع سقف بيته، كما لا يسأل مريضا عالما دينيّا عن آلاف الأحاديث الواردة عن أهل البيت(ع) في الطبّ والصحّة. فإذا أردت أنا الطالب في الحوزة أن أتحدّث عن مسائل التغذية والصحّة، سيقال: إن هذا الرجل قد رغب في اختصاص آخر!
لقد حصلت التباسات كثيرة. نحن قد حدّدنا الدين بمجموعة من الأخلاقيات والأحكام الشرعية والقضايا المعنوية. وذلك بسبب شدّة خفاء نسبة الدين مع الحياة. ولأن الحديث عن الحياة في أثناء الحديث الديني يبدو عجيبا!
فعلينا أن نرجع إلى الحياة. ولابدّ للمتديّنين أن يولوا اهتماما أكثر بهذا الشأن؛ وأعني في حديثي أولئك المتديّنين الذين يذهبون إلى المساجد ويتّصلون مع الله حقيقة بلا أن يهدفوا إلى إعمار حياتهم الدنيويّة، ويعبدون الله في سبيل الحصول على سعادة القيامة والآخرة، وأولئك الذين يعتبرون قيمة التقرّب إلى الله أكثر من قيمة تحسين حياتهم. فلابدّ لهؤلاء المتدينين أن يولوا اهتماما أكثر بشأن الحياة في الدين. فقد يفعل هؤلاء المتديّنون أعمالا تثير التساؤل وسوء الفهم، أكثر من غيرهم.

إن تقسيم الناس إلى فئتي «طلّاب الدين» و «طلّاب الحياة» تقسيم مشؤوم ومدمّر/ الدين والحياة ليسا قسيمان مع بعض

إنّ الحياة هي القاسم المشترك بين جميع الناس، فإن قال أحد: «السطحيّون يبدأون أفكارهم من الحياة»، أنا أقول: «حتى إن اعتقد البعض ذلك، لا بأس، فإني أريد أن أتماشى معهم.» في هذه الجلسات نريد أن نتحدّث عن موقع الحياة في الدين ونستعرض النصوص الدينية المرتبطة بموضوع الحياة، لكي لا يقسَّم الناس بكل بساطة إلى: «طلاب الحياة» و «طلاّب الدين»، فإن هذا التقسيم تقسيم مشؤوم ومدمّر.
لا يفخرْ المتديّنون المهتمّون بالدين بأنهم ليسوا من طلّاب الحياة الدنيا. فإن هذا التقسيم يضرّ الدين والحياة الدنيا معاً. الدين والحياة ليسا قسيمان مع بعض.
ينطلق كثير من الناس في فهمهم عن حقائق العالم من الحياة، ولكنّهم يقيّدون أنفسهم في جزئيّات الحياة. أمّا نحن فنريد أن ننطلق في بحثنا هذا من الحياة أيضا، ولكننا نبدأ من كليّات الحياة؛ أي نسأل عن ماهيّة الحياة مثلا.

لقد طرح الله موضوع العيش والحياة في أحد أهمّ مداخل القرآن

بهذه المقدّمة بودّي أن نقف عند إحدى آيات القرآن الكريمة، التي تحدّث اللّه فيها عن الحياة بشكل صريح وتطرّق فيها إلى موضوع الحياة بمعنى «المعيشة». لقد طرح الله موضوع الحياة في أحد المداخل المهمّة في القرآن الكريم.
لقد حكى الله في سورة طه قصة النبي آدم(ع) وسجود الملائكة ووسوسة إبليس وهبوط آدم(ع). فقد جاء هناك ذكر الحياة بمعنى المعيشة. فلعلّ اهتمام الناس الكثير بالحياة ليس بمنهج خاطئ، وإنما نزعة قد أودعها الله في كثير من الناس.
لقد تطرّقت هذه الآيات إلى موضوع المعيشة لا «الحياة» بمعناها العام، والذي قد يكون أعمّ من معنى المعيشة وأسباب الحياة في الدنيا. كلمة المعيشة تشير إلى الجانب المادّي من الحياة وتحكي عن الأعمال التي بها تستمرّ الحياة من الأكل والشرب والعمل والتجارة.
أما لماذا أقول قد جاءت هذه الآية في أحد مداخل القرآن؟ نحن إذا أردنا الحديث عن مختلف المعارف والمواضيع، فبإمكاننا أن ندخل في البحث من زوايا مختلفة، وبطبيعة الحال تنطوي كلّ زاوية على مدخل. فعلى سبيل المثال أحد مداخل القرآن المهمّة قصّة خلق آدم وحوّاء. المدخل المهمّ الآخر في القرآن، قصّة آدم وإبليس. والمدخل الآخر قضية هبوط آدم(ع) إلى الأرض. فأين ما ذكرت هذه القصّة في القرآن، فهي مدخل بذاتها.
بعد ما حكى الله قصّة خلق النبي آدم(ع) في سورة طه وسجود الملائكة له، قال: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَ لَا تَعْرَي [طه/118]. ففي هذه الآية يتحدّث الله مع آدم عن الجنّة ويعرّفها لها، مع أن النبي(ع) آدم كان في الجنّة فعلا. فكان الله يمدح الجنّة ويعدّد خصائصها لآدم لكي لا يغريه إبليس ويخرجه منها.
ولكن استطاع إبليس بعد ذلك أن يوسوس إلى آدم ويُطمعه، فقال له: (فَوَسْوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَنُ قَالَ يآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلىَ‏ شَجَرَةِ الخُلْدِ وَ مُلْكٍ لَّا يبْلى‏) [طه/120] بعدما عصى آدم(ع)، تفضّل عليه اللّه عز وجل وتقبّل توبته. وحريّ بالذكر أنّ اللّه هو الذي تاب على آدم أوّلا، لأنّ من يذنب لن يقدر على التوبة إلا بلطف من اللّه والله يلطف بكثير من عباده ويوفقهم للتوبة (...وَ عَصىَ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ‏* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَ هَدَي [طه/121, 122] ثم قال اللّه لآدم وحوّاء (اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ) [طه/123] ليس لكم أن تمكثوا في الجنّة، فاهبطا إلى الأرض فسوف يكون بعضكم عدوّا لبعض.
تتحدث هذه الآيات عن الحياة أكثر من أي موضوع آخر. تحدثت عن حياة الجنة، والتي هي حياة مثالية تستهوي جميع البشر. وبعد ذلك وبعد ذكر الهبوط إلى الأرض تحدثت عن أهمّ خصائص الحياة في الدنيا.

يتبع إن شاء الله...






التوقيع :

رد مع اقتباس