عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2008, 05:59 PM   رقم المشاركة : 2
أبو حيدر
يا منصور أمت.


 
الصورة الرمزية أبو حيدر
الملف الشخصي





الحالة
أبو حيدر غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

وعندما وقفت على هذا الحديث الشريف، تفتحت أمامي الآفاق، ونظرت أكثر فإذا بكل هذه الصفات تنطبق على السيد المظلوم (قدس الله سره) تماما. وإليكم البيان:

> (من الشك إلى اليقين)

لقد كنت كما أوضحت في حالة شك بسبب التصرفات المخزية التي ارتكبها البعض باسم الدين، فأوجب ذلك لي نفورا وابتعادا. ولكن الإمام الشيرازي أخرجني من هذه الحالة، وجعلني أتيقن من أن هذه الأرض لا تخلو من فقهاء يستحقون حقا أن يكونوا خلفاء للحجة المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) بإخلاصهم وتفانيهم وجهادهم. ولا أنسى كيف قد وقعت الحيرة عندي في مسائل عقيدية ودينية عديدة، فقد شككونا في كل شيء تقريبا، في نورانية الأئمة (عليهم السلام) وعصمتهم ومقاماتهم الملكوتية، وفي كثير من حقائق التاريخ خاصة في مجال مظلوميتهم ومظلومية الزهراء (سلام الله عليها) تحديدا، وفي ألف شيء وشيء حتى فرّغوا الدين عن محتواه وجعلوه دينا مائعا هو إلى الإطار والشكل أقرب من الجوهر والمضمون! ولم نكن آنذاك قد وصلنا إلى مرحلة علمية نستطيع فيها أن نقطع بأنفسنا في حقيقة هذه المسائل، وهنا لجأنا إلى السيد الشيرازي ووجدنا عنده الإجابات الشافية الوافية التي أعادتنا إلى حظيرة اليقين وأبعدت عن عقولنا ونفوسنا الشك، فلله درّه من فقيه علّمنا مبادئ الولاء المطلق لمحمد وآل محمد (عليهم السلام) ولقننا ثوابت الدين كما يرتضي الله عز وجل، وأزاح عنا وهم التصوف والفلسفة والعرفان وسائر الانحرافات العقائدية الأخرى، كما أزاح عنا مرض الانهزام أمام المخالفين وعلّمنا كيف ندافع وننصر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وكيف ننتقم من أعدائهم.

لقد نقلنا حقا من الشك في الدين، إلى اليقين في الدين، حتى في التحديات الحضارية، أثبت لنا أن الدين الإسلامي هو دين التقدم والحضارة، وأنه هو صاحب العلاجات الناجحة لكل مشاكل العصر، وأن فيه ما ليس في الليبرالية وغيرها من مناهج مستوردة من قيم ورقي وسعادة للبشر، وكان هذا في وقت يفتقد فيه سائر المتحدثون باسم الإسلام - سواه - مشروعا حضاريا متكاملا يقدّم الحلول الحقيقية ويرتقي إلى مستوى التحديات.

> (من الكبر إلى التواضع)

ولا أحتاج في بيان هذه النقطة إلى أكثر من شهادة كل من عرف هذا الرجل العظيم الذي لم يُرَ له نظير في تواضعه ورفيع أخلاقه. فقد شهد له أعداؤه قبل مريديه بأخلاقياته النبوية، فهو يعفو عن المسيء، ويصفح عن المعتذر، ويلتمس العذر لمن لا يعتذرّ! وعندما كانوا يأتون إليه ويقولون له: "سيدنا إن فلانا يطعن فيكم" كان يلتمس له عذرا ويقول: "لعله كان مشتبها أو أن له سببا عقلائيا دفعه إلى هذا القول"!! وقد سامح وعفا عن كل الذين آذوه في حياته، حتى الذين مازالت في قلوبهم بعض الإحن والحزازات لأحقاد "بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن" أو لنقل: "لأحقاد كربلائية وكويتية وقمية وغيرهن"! فإن كل موضع حلّ فيه هذا النور كان بالفعل ساحة جهاد في سبيل الله تعالى ذكره. إلا أنه (قدس سره) لم يعفُ أبدا عن الذين ظلموا الدين والمؤمنين وجاروا على التشيع، وأكد أنه سيخاصمهم يوم القيامة لأن الأمر ليس متعلقا به، بل بدين الله عز وجل.

إن تواضعه (رضوان الله تعالى عليه) أشهر من أن يُذكر، فكان يكره أن يصفه أحد بأي لقب، وكان يكتفي باسمه "محمد الشيرازي" فحسب فلا يقبل بأكثر من هذا، وقد علمت من الرعيل الكربلائي الأول الذي شهد فترة بداية نهوضه بالمرجعية أنه كان يمنع كتابة حتى كلمة "السيد" قبل اسمه عند طباعة كتبه ومؤلفاته وبياناته وما أشبه، رغم أنه كان مرجعا للتقليد! وبالفعل فإن عندي بعض الكتب التي طبعت في العراق في تلك الفترة ولا أجد في اسم المؤلف سوى "محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي" دون أية ألقاب، ولولا أن مقلّديه لم يلتزموا بهذا وآثروا أن يوصف السيد بما يستحقه من ألقاب المرجعية، لاستمرت كتبه تطبع على هذا النحو، ولما وجدنا كتابا واحدا فيه لقب "آية الله العظمى" أو ما شاكل ذلك. وفي أحيان كثيرة كان يقع بعض غير العارفين بمدلولات التعابير والمراتب الحوزوية في أخطاء عند تسميتهم للسيد (قدس سره) فيكتبون له وصفا لا يليق بمرجع أو يوحي بأنه أقل مرتبة، كمصطلح "حجة الإسلام" أو "العلامة" وما إلى ذلك، فيطبعون الكتاب ويوزعونه ويبدي البعض اعتراضهم من باب أن هذا انتقاص من مقام السيد المرجع، وهو مخالف للأعراف الحوزوية، فيظن هؤلاء الذين طبعوا الكتاب أن السيد غاضب عليهم أو عاتب، وعندما يلاقونه لا يبدي لهم إلا الثناء العطر فيستغربون، وما إن يقدّمون اعتذارهم عن الخطأ التعبيري غير المقصود حتى يبتسم السيد ابتسامته المعروفة ويغيّر مجرى الحديث!

وقارنوا هذا الموقف الأخلاقي العظيم بمواقف الآخرين لتعرفوا الفرق! فإني أعرف رجلا أقام الدنيا وأقعدها لأنه كان مدعوا لندوة وصل إليها فوجد أنهم قد نسوا في لافتة الندوة لقبا إضافيا يجب أن يسبق اسم جنابه! قد كتبوا في اللافتة: "يحاضر في الندوة سماحة آية الله الشيخ فلان الفلاني دام ظله" وعندما وصل إلى موقع الندوة والجماهير محتشدة للاستماع إلى "درره" رأى تلك اللافتة فبان عليه الغضب، فعاد وركب السيارة وأمر السائق بإعادته إلى البيت! ومهما حاول المنظمون للندوة أن يثنوه عن ذلك لم ينفع حتى أُلغيت الندوة وانفض الحضور! وعندما سألوه عن الجرم الذي ارتكبوه قال: "لماذا نسيتم إضافة كلمة الدكتور"!! فهل هناك كبر وغرور أعظم من هذا؟!

لم تكن عند الإمام الشيرازي – على جلالة قدره ومقامه الرفيع – هذه العقد النفسية، وكان يقبل حتى بأن يُهان، فيأتيه بعض السفهاء من المرتبطين بالنظام وغيرهم ويشتمونه أمام وجهه الشريف، دون أن يحرّك ساكنا! وعندما حاول المسؤولون عن إدارة مكتبه تأديبهم منعهم عن ذلك، حتى أكمل السفهاء شتائمهم وعادوا دون أن يمسسهم شيء!! فهل هناك تواضع أكبر من هذا؟! وهذه السيرة العطرة للسيد إمام المظلومين (قدس سره) هي التي أخرجتنا من الكبر إلى التواضع حقا، كما أوصى سيد الأنبياء صلوات الله عليه وآله.

> (من الرياء إلى الإخلاص)

وهنا أشهد بالله تعالى أني لم أجد ولم يجد غيري موقفا واحدا ظهر منه غير الإخلاص في عمل هذا الفقيه الجليل، فكانت أولى وصاياه لكل من يستقبله "الإخلاص" ومحاضراته حول هذا المطلب أكثر من أن تحصى، أما كلماته وتوصياته في هذا الصدد فلا يسعها البحر. ولقد أخرجنا بتوصياته تلك من آفة استشرت في أوساط طلبة العلم والمبلغين والعاملين الإسلاميين، وهي آفة الرياء وحب الشهرة والظهور، أما غيره فأوقع أتباعه فيها بل وحضّهم عليها! ولي في ذلك شواهد لا يتسع لها المقام، ولكني أقول أن إخلاص هذا الرجل وتفانيه في أعماله الجهادية وفي خدمته لأهل البيت الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) هو الذي رفع ذكره وخلّد اسمه، فلئن كان قد حرّم أن تتم تسمية مؤسسة واحدة باسمه – كما فعل كثير من المراجع غيره – وآثر أن تتم تسميتها بأسماء أهل البيت صلوات الله عليهم، فإن ذلك هو الذي رفع قدره حقا، وهو الذي سيبقيه شمسا لا تغيب. واذهب إلى أصقاع الدنيا فلن تجد مركزا أو مدرسة أو مؤسسة واحدة تحمل اسمه، إلا التي تأسست بعد استشهاده وارتحاله، وينبئك ذلك عن إخلاصه وتقواه. وبهذا كفى دليلا رغم أن الأدلة لا تعد.

> (من العداوة إلى النصيحة)

ولعلي هنا أكرر ذكر ذلك الأخ الذي ذهب إليه من الكويت فسأله الإمام (قدس سره) عن سكنه، فقال: في منطقة كذا، وعندما سأله عن وجود مسجد قريب من مسكنه يصلي فيه قال: أما المسجد فهناك واحد في منطقتنا، وأما الصلاة فإني لا أصلي فيه. سأله السيد: لماذا؟ فأجاب: لأن الإمام فيه يتقوّل عليكم بالباطل ويعاديكم! فقال السيد: وماذا في ذلك! اذهب وصلّ خلفه! قال الأخ: وكيف يا مولاي وهو قد سقط عن العدالة بعدائه لكم؟ فأجاب السيد: "مادمت أنا صاحب الحق فإني راضٍ بتقوّله عليّ وبهذا لا تسقط عدالته.. اذهب وصلّ خلفه واجتمعوا في مساجدكم ولا توقعوا العداوة والبغضاء بين صفوفكم مهما كان"!!

فهاهو يخرجنا من العداوة إلى النصيحة حتى وإن كان عليه جور خاصة، فالمهم عنده هو أن يجتمع الشيعة على قلب واحد وأن ينبذوا العداوات والأحقاد في ما بينهم، وليتهم كانوا يلتزمون بوصيته تلك! ألا ليتهم عرفوا أن هذا المرجع المظلوم الذي قاسى ما لم يقاسه أحد غيره قد ارتحل من الدنيا وكانت إحدى أمنياته الثلاث "أن يجتمع الشيعة ويتحدوا"!! أما غيره فذهب إلى قبره وقد أوقع الأمة في فتن وعداوات ومشاحنات وتفرقات ليس لها أول ولا آخر! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

> (من الرغبة إلى الزهد)

وهل هناك أشهر من سيد الزاهدين في عصره؟! إن بيته – وهو الذي كانت تُجبى له الأموال من كل حدب وصوب – لشاهد ماثل على مدى زهده، فهو من أفقر بيوت قم المقدسة ولا يقطنه أقل الناس دخلا ومعاشا! اذهبوا إلى هناك لتروا ذلك بأم أعينكم، ولتجدوا أن سقف حجرة السيد قد سقط بسبب الترهّل الذي أصاب البيت والتشققات التي تملأ جدرانه! ولولا رحمة الله لكان قد سقط على السيد ولكنه كان خارج الحجرة حينها! وإني أشهد أني ذهبت وعاينت وبكيت كثيرا على ما شاهدته، فلقد كان حقا سيد الزاهدين في هذا العصر، وقد رأيت متعلقاته فلم أكن أصدّق أن هذا هو بيت مرجع أعلى للملايين بإمكانه أن يصبح مثل بعض أولئك الذين حسّنوا بيوتهم واشتروا لأنفسهم أفضل الأثاث والمتعلقات، ومازلت متأثرا جدا من رؤيتي لنظارة السيد المظلوم (قدس سره الشريف) وقد كانت مكسورة وقد عالجها بنفسه وألصقها باستخدام الأشرطة اللاصقة! وقد حاول أبناؤه ومريدوه أن يستبدلوها بنظارة أخرى جديدة ولكنه لم يكن يقبل، وعندما انكسرت وجدوها فرصة لأن يشتروا أخرى جديدة فلم يقبل أيضا! وادّعوا له أن النظارة لا يمكن إصلاحها فقال: "أنا أصلحها بنفسي" وبالفعل فقد أصلحها – بأسلوبه – باستخدام الأشرطة اللاصقة! ولعمري ليس هو بإصلاح فالنظارة ما زالت مكسورة وكل ما فعله (قدس سره) هو لصق الجزء الأيمن بالأيسر بأشرطة لصق هشّة حتى تثبت فقط بأية طريقة!! والله إنه العجب العجاب.. يفعل كل هذا بنظارته الوحيدة في حياته ولا يرضى باستبدالها لاحتياطه الشديد في الأموال رغم أن قيمة الجديدة ليست بالشيء الذي يُذكر، ولكنه "الزهد" النادر في هذا الزمن!!

وختام القول أن الإمام الشيرازي لمّا دعانا إلى اليقين والتواضع والإخلاص والنصيحة والزهد، ولمّا دعانا غيره – بأفعاله وسيرته - إلى الشك والكبر والرياء والعداوة والرغبة في الدنيا، لم نجد بدا من اتباعه وتقليده والحذو حذوه. وهذه هي القصة.. وتلك هي الأسباب التي دعتني لأن أفخر باتباعي لسيدي ومولاي الإمام محمد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه.

وببركة هذا التقليد والاتباع والتأسي والاقتداء غدوت اليوم وعندي ما عندي بفضل الله تعالى من قوة في الإيمان، وسلامة في العقيدة، واطمئنان في النفس، وتحصيل للعلم، واستثمار للطاقات في خدمة مولاي إمام الزمان عليه الصلاة والسلام وروحي له الفداء والوقاء. ولا أزكي نفسي - معاذ الله - ولكن أقول أنه لولا ذلك لما وُفّقت لما وُفّقت إليه من الذي أحمد الله عليه، فإني مدين للإمام المظلوم الشيرازي (قدس سره) بكل شيء، وسيصب كل ما عملته في ميزان حسناته أولا، ثم في ميزان حسناتي إن رزقني الله حسن العاقبة، لأنه كان السبب وصاحب الفضل. وأسأل من الله تعالى أن يكون العمل مقبولا، والأثر مرضيا، اللهم آمين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.






التوقيع :

رد مع اقتباس