عرض مشاركة واحدة
قديم 12-13-2010, 07:58 PM   رقم المشاركة : 1
(إبتسامة روح)
إبتسم فالله ربك

 
الصورة الرمزية (إبتسامة روح)
الملف الشخصي





الحالة
(إبتسامة روح) غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي النفس واسماؤهاالاربعه

النفس و اسماؤها و قواها الاربع)
ما عرفت من تجرد النفس انما هو التجرد في الذات دون الفعل لافتقارها فعلا الى الجسم و الآلة، فحدها: انها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته، و هو حقيقة الانسان و ذاته و الاعضاء و القوى آلاته التي يتوقف فعله عليها، و له اسماء مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات، فيسمى (روحا) لتوقف حياة البدن عليه و (عقلا) لادراكه المعقولات و (قلبا)
لتقلبه في الخواطر، و قد تستعمل هذه الالفاظ في معان اخرى تعرف بالقرائن.
و له قوى اربع: قوة عقلية ملكية، و قوة غضبية سبعية، و قوة شهوية بهيمية، و قوة و همية شيطانية. و (الاولى) شانها ادراك حقائق الامور، و التمييز بين الخيرات و الشرور، و الامر بالافعال الجميلة، و النهي عن الصفات الذميمة. و (الثانية) موجبة لصدور افعال السباع من الغضب و البغضاء و التوثب على الناس بانواع الاذى. و (الثالثة) لا يصدر عنها الا افعال البهائم من عبودية الفرج و البطن، و الحرص على الجماع و الاكل.
و (الرابعة) شانها استنباط وجوه المكر و الحيل، و التوصل الى الاغراض بالتلبيس و الخدع، و الفائدة في وجود القوة الشهوية بقاء البدن الذي هو آلة تحصيل كمال النفس، و في وجود الغضبية ان يكسر سورة الشهوية و الشيطانية، و يقهرهما عند انغمارهما في الخداع و الشهوات، و اصرارهما عليهما، لانهما لتمردهما لا تطيعان العاقلة بسهولة، بخلاف الغضبية فانهما تطيعانها و تتادبان بتاديبها بسهولة.
و لذا قال افلاطون في صفة السبعية و البهيمية: «اما هذه اي السبعية فهي بمنزلة الذهب في اللين و الانعطاف، و اما تلك اي البهيمية فهي بمنزلة الحديد في الكثافة و الامتناع‏» و قال ايضا: «ما اصعب ان يصير الخائض في الشهوات فاضلا، فمن لا تطيعه الواهمة و الشهوية في ايثار الوسط فليستعن بالقوة الغضبية المهيجة للغيرة، و الحمية حتى يقهرهما» فلو لم يمتثلا مع الاستعانة فان لم تحصل له ندامة بعد ارتكاب مقتضاهما دل على غلبتهما على العاقلة و مقهوريتها عنهما، و حينئذ لا يرجى صلاحه، و الا فالاصلاح ممكن فليجتهد فيه و لا يباس من روح الله، فان سبل الخيرات مفتوحة، و ابواب الرحمة الالهية غير مسدودة.
«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (29) .
و الفائدة في القوة الوهمية ادراك المعاني الجزئية، و استنباط الحيل و الدقائق التي يتوصل بها الى المقاصد الصحيحة.
و بيان ذلك ان الواهمة و الخيال و المتخيلة ثلاث قوى متباينة، و مياينة للقوى للثلاث الاول، و شان الاولى ادراك المعاني الجزئية، و شان الثانية ادراك الصور، و شان الثالثة التركيب و التفصيل بينهما. و كل من مدركاتها اما مطابق للواقع، او مخترع من عند انفسها من غير تحقق له في نفس الامر ايضا، و اما من مقتضيات العقل و الشريعة، و من الوسائل الى المقاصد الصحيحة، او من دواعي الشيطان و ما يقتضية الغضب و الشهوة، و على الاول يكون وجودها خيرا و كمالا، و ان كان وجودها على الثاني شرا و فسادا. و الحال في جميع القوى كذلك.
هذا و قيل: ما ورد في القرآن من النفس المطمئنة و اللوامة و الامارة بالسوء، اشارة الى القوى الثلاث اعني العاقلة و السبعية و البهيمية، و الحق انها اوصاف ثلاثة للنفس بحسب اختلاف احوالها، فاذا غلبت قوتها العاقلة على الثلاث الاخر، و صارت منقادة لها مقهورة منها، و زال اضطرابها الحاصل من مدافعتها سميت «مطمئنة‏» ، لسكونها حينئذ تحت الاوامر و النواهي، و ميلها الى ملائماتها التي تقتضي جبلتها، و اذا لم تتم غلبتها و كان بينها تنازع و تدافع، و كلما صارت مغلوبة عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم و ندامة سميت «لوامة‏» . و اذا صارت مغلوبة منها مذعنة لها من دون دفاع سميت «امارة بالسوء» لانه لما اضمحلت قوتها العاقلة و اذ عنت للقوى الشيطانية من دون مدافعة، فكانما هي الآمرة بالسوء.
ثم مثل اجتماع هذه القوى في الانسان كمثل اجتماع ملك، او حكيم و كلب و خنزير و شيطان في مربط واحد، و كان بينها منازعة، و ايها صار غالبا كان الحكم له، و لم يظهر من الافعال و الصفات الا ما تقتضيه جبلته فكان اهاب الانسان وعاء اجتمع فيه هذه الاربع، فالملك او الحكيم هو القوة العاقلة، و الكلب هو القوة الغضبية، فان الكلب ليس كلبا و مذموما للونه و صورته بل لروح معنى الكلبية و السبعية اعني الضراوة و التكلب على الناس بالعقر و الجرح، و القوة الغضبية موجبة لذلك، فمن غلب فيه هذه القوة هو الكلب حقيقة، و ان اطلق عليه اسم الانسان مجازا، و الخنزير هو القوة الشهوية، و الشيطان هو القوة الوهمية، و التقريب فيهما كما ذكر، و النفس لا تزال محل تنازع هذه القوى و تدافعها الى ان يغلب احداها، فالغضبية تدعوه الى الظلم و الايذاء، و العداوة و البغضاء، و البهيميية تدعوه الى المنكر و الفواحش، و الحرص على المآكل و المناكح، و الشيطانية تهيج غضب السبعية و شهوة البهيمية، و تزيد (30) فعلهما، و تغري احداهما بالاخرى و العقل شانه ان يدفع غيظ السبعية بتسليط الشهوية عليها، و يكسر سورة الشهوية بتسليط السبعية عليها، و يرد كيد الشيطان و مكره بالكشف عن تلبيسه ببصيرته النافذة، و نورانيته الباهرة، فان غلب على الكل يجعلها مقهورة حت‏سياسته غير مقدمة على فعل الا باشارته جرى الكل على المنهج الوسط، و ظهر العدل في مملكة البدن، و ان لم يغلب عليها و عجز عن قهرها قهروه و استخدموه فلا يزال الكلب في العقر و الايذاء، و الخنزير في المنكر و الفحشاء، و الشيطان في استنباط الحيل، و تدقيق الفكر في وجوه المكر و الخدع، ليرضي الكلب و يشبع الخنزير، فلا يزال في عبادة كلب عقور او خنزير هلوع او شيطان عنود، فتدركه الهلاكة الابدية، و الشقاوة السرمدية، ان لم تغثه العناية الالهية، و الرحمة الازلية.
و قد يمثل اجتماع هذه القوى في الانسان براكب بهيمة طالب للصيد يكون معه كلب و عين من قطاع الطريق، فالراكب هو العقل، و البهيمة هي الشهوة، و الكلب هو الغضب، و العين هو القوة الوهمية التي هي من جواسيس الشيطان، فان كان الكل تحت‏سياسة الراكب فعل ما يصلح للكل و نال ما بصدده، و ان كانت الغلبة و الحكم للبهيمة او الكلب لهلك الراكب بذهابه معهما فيما لا يصلح له من التلال و الوهاد، و اقتحامه في موارد الهلكات، و ان كان الكل تحت نهي العين و امره، و افتتنوا بخدعه و مكره لاضلهم بتلبيسه عن سواء السبيل حتى يوصلهم الى ايدي السارقين.
و كذلك لو كانت القوى باسرها تحت اشارة العقل و قهرها و غلب عليها وقعت لانقيادها له المسالمة و الممازجة بين الكل، و صار الجميع كالواحد لان المؤثر و المدبر حينئذ ليس الا قوة واحدة تستعمل كلا منها في المواضع اللائقة و الاوقات المناسبة، فيصدر عن كل منها ما خلق لاجله، على ما ينبغي من القدر و الوقت و الكيفية، فتصلح النفس و قواها.
«قد افلح من زكاها» (31) .
و لو لم يغلب العقل حصل التدافع و التجاذب بينه و بين سائر القوى، و يتزايد ذلك الى ان يؤدي الى انحلال الآلة و القوة لو يصير العقل مغلوبا فتهلك النفس و قواها، «و قد خاب من دساها» (32) .
(تتميم) لما تبين ان للنفس اربع قوى متخالفة، و لها قوى اخر ايضا كما تبين فى العلم الطبيعي. فيحسب غلبة بعض هذه القوى على بعض يحصل في النفس اختلاف عظيم، و الاختلاف في النفوس انما هو باختلاف صفاتها الحاصلة من غلبة بعض قواها المتخالفة. اذ هي في بدو فطرتها خالية عن جميع الاخلاق و الملكات، و ليس لها فعلية، بل هي محض القوة، و لذا ليس لها قوام بذاتها و انما تتقوم بالبدن، ثم بتوسط قواها تكتسب العلوم و الاخلاق، و ترتسم بالصور و الاعمال الى ان تتقوم بها، و تصل الى ما خلقت لاجله.
و لما كانت قواها متخالفة متنازعة فما لم يغلب احداها لم تدخل النفس في عالمه (33) الذي يخصه فلا تزال من تنازعها معركة للاثار المختلفة و الاحكام المتباينة الى ان يغلب احداها فتظهر في النفس آثاره و يدخل في عالمه الخاص.
و لما كانت القوة العاقلة من سنخ الملائكة، و الواهمة من حزب الابالسة و الغضبية من افق السباع، و الشهوية من عالم البهائم، فبحسب غلبة واحدة منها تكون النفس اما ملكا او شيطانا او كلبا او خنزيرا، فلو كانت الغلبة و السلطنة لقهرمان العقل ظهر في مملكة النفس احكامه و آثاره، و انتظمت احوالها، و لو كانت لغيره من القوى ظهر فيها آثاره فتهلك النفس و يحتل معاشها و معادها.
ثم المنشا للتنازع و التجاذب و البقاء في نفس الانسانية انما هو قوتها العقلية لان التدافع انما بينها و بين سائر القوى، فليس في نفوس سائر الحيوانات لفقدانها العاقلة ننازع و تجاذب و ان اختلفت في غلبة ما فيها من القوى، فان الغلبة في الشياطين للواهمة، و في السباع للغضب، و في البهائم للشهوة، و اما الملائكة فتنحصر قوتها بالعاقلة فليس فيها سائر القوى فلا يتحقق فيها تدافع و تنازع. فالجامع لعوالم الكل هو الانسان و هو المخصوص من بين المخلوقات بالصفات المتقابلة، و لذلك صار مظهرا للاسماء المتقابلة الالهية، و قابلا للخلافة الربانية، و قائما بعمارة عالمي الصورة و المعنى.
و الملائكة و ان كانوا مخصرصين بالجنة الروحانية و لوازمها من الاشراقات العلمية، و توابعها من اللذات العقلية، الا انه ليس لهم جهة جسمانية و لوازمها. و الاجسام الفلكية و ان كانت لها نفوس ناطقة على قواعد الحكمة الا انها خالية عن الطبائع المختلفة، و الكيفيات المتباينة، و ليس لها في المدارج المتخالفة، و المراتب المتفاوتة، و لا تقلب في اطوار النقص و الكمال، و لا تحول في جميع التقاليب و الاحوال، بخلاف الانسان فانه محيط بجميع المراتب المختلفة، و سائر في الاطوار المتباينة من الجمادية و النباتية و الحيوانية و الملكية، و له الترقي عن جميع تلك المراتب بان تتحقق له مرتبة مشاهدة الوحدة الصرفة فيتجاوز عن افق الملائكة، فهو النسخة الجامعة لحقائق الملك و الملكوت، و المعجون المركب من عالمي الامر و الخلق قال امير المؤمنين عليه السلام: «ان الله خص الملك بالعقل دون الشهوة و الغضب، و خص الحيوانات بهما دونه و شرف الانسان باعطاء الجميع فان انقادت شهوته و غضبه لعقله صار افضل من الملائكة لوصوله الى هذه المرتبة مع وجود المنازع و الملائكة ليس لهم مزاحم‏» .
قد ظهر بما ذكر ان الانسان ذو جنبة روحانية يناسب بها الارواح الطيبة و الملائكة القادسة، و ذو جنبة جسمانية يشابه بها السباع و الانعام، فبالجزء الجسماني اقيم في هذه العالم الحسي مدة قصيرة، و بالجزء الروحاني ينتقل الى العالم العلوي، و يقيم فيه ابدا في مصاحبة الارواح القدسية، بشرط الى يتحرك بقواه نحو كمالاتها الخاصة، حتى يغلب الجزء الروحاني على الجسماني، و ينفض عن نفسه كدورات الطبيعة، و تظهر فيه آثار الروحانيات من العلم بحقائق الاشياء و الانس بالله تعالى و الحب له و التحلى بفضائل الصفات. و حينئذ يقوم بغلبة روحانيته بين الملا الاعلى يستمد منهم لطائف الحكمة، و يستنير بالنور الالهي و يزيد ذلك بحسب رفع العلائق الجسمية، حتى اذا ارتفعت عنه حجب الغواسق الطبيعية باسرها، و ازيلت عنه استار العوائق الهيولانية برمتها، خلى عن جميع الالام و الحسرات، و كان ابدا مسرورا بذاته، مغتبطا بحاله، مبتهجا بما يرد عليه من فيوضات النور الاول، و لا يسر الا بتلك اللذات، و لا يغتبط الا بها، و لا يهش الا باظهار الحكمة الحقة بين اهلها، و لا يرتاح الا بمن ناسبه و احب الاقتباس منه، و لا يبالي بمفارقة الدنيا و ما فيها، و يرى جسمه و ماله و جميع خيرات الدنيا و بالا و كلا عليه الا ما هو ضروري يحتاج اليه بدنه الذي الذي يفتقر اليه في تحصيل كماله، و يحن ابدا الى مصاحبة الذوات النورية، و لا يفعل الا ما اراد الله تعالى منه، و لا يتعرض الا لما يقربه اليه، و لا يخالفه في متابعة الشهوات الردية، و لا ينخدع بخدائع الطبيعة، و لا يلتفت الى شي‏ء يعوقه عن سعادته، و لا يحزن على فقد محبوب، و لا فوت مطلوب و اذا صفى من الامور الطبيعية بالكلية زالت عنه العوارض النفسانية، و الخواطر الشيطانية باسرها، و فنى عنه ارادته المتعلقة بالامور. و حينئذ يمتلي من المعارف الالهية، و الشوق الالهي و البهجة الالهية، و الشعار الالهي، و تتقرر الحقائق في عقله كتقرر القضايا الاولية فيه، بل يكون علمه بها اشد اشراقا و ظهورا من علمه بها. و اذا بلغ هذه الغاية فقد استعد للوصول الى المرتبة القصوى، و مجاورة الملا الاعلى، فيصل الى ما لا عين رات، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و يفوز بما اشير اليه في الكتاب الالهي بقوله:
«فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين‏» (34)








التوقيع :

رد مع اقتباس