عرض مشاركة واحدة
قديم 10-13-2015, 06:13 AM   رقم المشاركة : 2
صلاتي حياتي
(مشرفة منتدى الإمام الحسين عليه السلام)

الملف الشخصي




الحالة
صلاتي حياتي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي رد: الم.. ذلك الحسين (رواية)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم


* * *

القافلة تطوي الصحراء في طريقها الى أم القرى.. قافلة عجيبة. لم تكن قافلة تجارية، ولم تبدُ ـ كذلك ـ قافلة للحجاج.. ففيها أطفال كثيرون.. أطفال يشبهون ورود الربيع.. قافلة يتقدمها رجل في عينيه بريق الشمس وفي جبينه يتلألأ القمر، وفي حنايا صدره تنطوي الصحارى. الى جانبه وجه يشبه البدر.. شاب في الثلاثين من عمره أو يزيد.. يُدعى «أبوالفضل» أو قمر بني هاشم.. دائم النظر الى أخيه يتأمله بخشوع.. يخاطبه: يا سيّدي.
ويظهر خلفه فتى عجيب يشبه النبي خلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً.. إنه عليّ.. عليّ الأكبر. وفي القافلة هوادج كثيرة.. كثيرة جداً.. وأطفال..
القافلة تسير، والتاريخ يحبس انفاسه، وكلمات تتردد بخشوع، فتمتزج مع تمتمات النوق.
ـ ولمّا توجّه تِلقاءَ مَدْين قال عسى ربّي أن يهديَني سواءَ السبيل.
ـ الطريق محفوفة بالاخطار، فلو تنكبت الطريق.
قدر عجيب يسيّر القافلة. قافلة صغيرة تحاول تصحيح المسار الانساني.
الكلمات التي قالها الحسين ما زالت تدوّي في الآذان. الاهداف العظيمة.. الروح السامية في جلال الملكوت. كلماته تذهب مع نسائم الصحراء بذوراً تنبت في اعماق الارض.. هل يكون الموت هدفاً.. كيف تخرج الحياة من رحم الموت ؟.. واذا كان الموت هو النهاية لكل كائن، فلِم لانختار الطريقة التي سنموت بها ؟ هل يكون الموت جميلاً احيانا، لكي يقول الحسين: خُطّ الموت على وُلد آدم مَخَطّ القلادة على جِيد الفتاة، وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف.
ـ ولكن، اذا كان هدفك الموت، فلِم تأخذ معك الاطفال والنساء ؟ واذا كانت الآفاق مظلمة، لماذا تصطحب كل هذا الحَشْد من الضعفاء ؟!
ـ شاءالله أن يراهنّ سبايا.. شاءالله ان يراني قتيلاً.. سوف اموت عطشاً.. سأسقط قرب نهر يموج بالمياه كأنّه بطون الحيّات.
ـ ماذا يريد الحسين ؟
ـ يريد أن يموت ظامئاً.
ـ لماذا ؟
ـ إنّها مشيئة الله!
ـ مشيئة الامّة..
القافلة تقترب من مكّة.. أُمّ القرى واد غير ذي زرع.. أول بيت وُضع للناس.. مبهط جبريل فوق جبل النور.. غار حِراء، حيث التقت السماء بالارض.. طفولة محمّد.. شبابه.. آخر النبوات في التاريخ.
المساء ينشر ظلاله الخفيفة.. وانوار واهنة تحاول أن تتلألأ كالنجوم.. أضواء مدينة حائرة هزّتها أنباء قادمة من دمشق. لقد هلك هرقل وجلس مكانه هرقل آخر.
شعبان يطوي ثلاثة من ايامه.. القافلة تدخل مكّة، وتلقي عصا الترحال عند البيت العتيق. الحسين يحنّ الى زيارة قبر جدّته خديجة الكبرى.. يذكر تضحياتها من اجل محمّد.. وهو يريد أن يواصل ذات الدرب.. يريد اعادة نهج النبي العظيم.
ـ ماذا تريد يا سيّدي الحسين.. ألا تبقى هنا في حرم الله ؟.
ـ انّهم لن يدَعوني أعيش بسلام.. انهم يريدون الفتك بي، حتى لو تعلقت بأستار الكعبة.. انهم يطلبون مني شيئاً عظيماً.. هل رأيت النخيل ينحني أو الجبال ؟ هيهات.. هيهات.
ـ ولِمَ العراق ؟.. أليس هناك مكان آخر ؟ العراق الذي قتل أباك واغتال أخاك، وسلّم المنبر لمعاوية!
ـ ولِم الذهاب الآن.. ألا تمكث قليلاً ؟
ـ إن لم اذهب اليوم ذهبتُ غداً، وان لم أذهب غداً ذهبت بعد غد، وما من الموت والله بُدّ.. وإني لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه.
تنبعث من الأرض أسئلة.. تتفجر علامات استفهام سرعان ما تتلاشى أمام كلمات سماوية كأنّها تأتي من وراء أستار الغيب.
ينظرون فلا يرون سوى بيارق أُمويّة.. سيوفاً تقطر غدراً وخناجر مسمومة.. أمّا هو فيرى ينابيع تتدفق.. انهاراً وسواقي.. انّه يرى ماوراء الآفاق.. يرى المستقبل القادم من رحم الايّام.
عجيب أمر هذا الرجل.. يحاول أن يلوي القدر.. أن يقهر كل شياطين الأرض.. أن يهزم نظاماً مدجّجاً بالسلاح.. كيف؟!
بقافلة صغيرة.. سبعين أو يزيدون.. اطفال ونساء.. وتصغي الصحارى لكلمات متمرّدة ثائرة.. كلمات تختصر النبوّات.. تبدأ ببسم الله .. مجراها ومرساها..
ـ هذا ما أوصى به الحسين بن علي الى اخيه محمّد بن الحنفية.
ان الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لاشريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله.. جاء بالحقّ من عنده وأنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، والساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور.
وإني لم أخرج أشِراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً، وانّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي.
أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي، وأبي علي بن أبي طالب.
فمن قبِلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين..
انطلقت الثورة وصدر بيانها الأول. أسلحتها الصبر والمقاومة والموت.
الموت سلاح.. بل حياة.. حياة.. كيف؟
ـ اجل.. إن من يموت كريماً سيحيا.. سيحيا إلى الأبد.. هكذا علّمني أبي، قال على شاطئ الفرات بصفين:
الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين.


* * *

قصر الإمارة يجثم فوق الكوفة.. نسر هائل على فريسته .. غراب أُسطوري ينعب فتطير الرؤوس وتطيح الايدي..
ذئاب جائعة تعوي من بعيد.. وكلاب مسعورة تنبح.. وليل حالك مليء بالاسرار والغموض.. ورجل أرقط مجهول النسب اسمه ابن زياد بن ابيه.. ابن الليلة الماجنة. الرجل الارقط بدا مفزعاً تلك الليلة.. شيطاناً مريداً يفكّر ويدبّر، فقُتل كيف فكّر.. يتشبث بمخالب نسر.. يهدّد بجنود قادمين من الشام.. فتطيع القبائل، وتنحني الرقاب.. وتتساقط الرؤوس..
التفت نحو هاني بن عروة، وصرخ بعصبية:
ـ أتيتَ بابن عقيل الى دارك، وجمعت له السلاح؟
قال هاني بثبات:
ـ أفضّل لك أن تمضي الى الشام، فقد جاء من هو أحقّ بالامر منك ومن صاحبك.
وتفجّر ابن زياد غضباً:
ـ والله لاتفارقني حتّى تأتيني به.
وجاءة الجواب هادئاً ثابتاً.. ثبات الجبال:
ـ والله لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما عنه.
ـ لأقتلنّك.
ـ اذن تكثر البارقة حولك.
هجم الارقط على زعيم « مراد » وجرّه من شعره، وسدّد له ضربة هشمت أنفه.
يا كوفة.. يا مدينة عجيبة.. ايتها المتقلّبة كلَّ يوم.. لِمَ تُضيعين ابناءك ؟ اين مسلم ايتها الغادرة ؟!..
خيول الدوريات تجوس المدينة الخائفة.. الخائنة.. يبحثون عن رجل مكّي مدني اسمه مسلم.. مسلم حقاً.
ـ لِم يبحثون عنه ؟..
ـ انه يحمل اشياء ممنوعة.. اشياء خطيرة. يحمل سيفاً علَوياً.. وقلباً حسينياً.. يريد تهريب الثورة..
ـ في هذا الليل والناس نيام ؟!
العيون الحمراء ترقب المدينة.. ومسلم في بيت طوعة.. رجل انقطعت به السبل، وضاقت عليه الارض بما رحبت، ولاملجأ له سوى مهنّد في يمينه.
وطوعة.. المرأة العجوز.. تتأمل اسداً جريحاً من ليوث محمّد.. يقبض على قائمة سيفه. لقد طلع الفجر، وآن للنهاية أن تبدأ.
ـ انّهم كثيرون.. مئة أو يزيدون.
ـ لاعليكِ يا أمَة الله. لقد حان اللقاء. رأيت عمي اميرالمؤمنين ـ في المنام ـ يقول لي: انت معي غداً.
اقتحمت الذئاب منزل طوعة، ولمع السيف العلوي كبرق سماوي.. ودوّى رعد مهيب له صوت مسلم:


اقسمـت لا أُقتـل إلاّ حُرّا وإن رأيتُ الموت شيئاً نُكرا

الرجل الغريب القادم من رمال الجزيرة، يقاتل لوحده في المدينة المشهورة بالغدر، والرجال الذين ابتسموا له بالأمس يكشّرون عن انياب مسمومة.. ملوّثة بالصديد.
وصرخ «ابن الاشعث» مستمدّاً:
ـ الرجالَ.. الرجال.
ويستنكر قصر الامارة:
ـ ويلك انه رجل واحد!
ـ اتظن انك ارسلتني الى بقال من بقّالي الكوفة!.. انه سيف من اسياف محمّد.
وعجزت السيوف أن تكسر سيفه.. والرجل ما يزال يقاتل.. يقاتل بضراوة اسطورية.. الجراح النازفة.. الظمأ.. الإعياء.. غامت المرئيات أمام عينيه.. وتوالت الطعنات.. طعنات الغدر. الخناجر المسمومة تنغرز في جسده. وتهاوى الجبل. الإرادة الفولاذية عجز الجسد عن مواكبتها. تراخت قبضته. ولمّا انتزعوا سيفه بكى. وتعجّب الذين حوله.. لم يدركوا سرّ البكاء.



اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء الراضين المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك
والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته



يتبع ...







رد مع اقتباس