عرض مشاركة واحدة
قديم 10-17-2015, 05:52 AM   رقم المشاركة : 4
صلاتي حياتي
(مشرفة منتدى الإمام الحسين عليه السلام)

الملف الشخصي




الحالة
صلاتي حياتي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي رد: الم.. ذلك الحسين (رواية)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم


* * *

ما بين « عين التمر » و« القريات »، لاحت من بعيد خيمة وحيدة.. في خارجها رمح مركوز وفرس تحمحم. وفي داخل الخيمة رجل وحيد.. فرّ من الكوفة.. يريد أن ينأى بنفسه بعيداً عن قدر رهيب. فجاءه رجل من أقصى الجزيرة يسعى.
ـ ماذا تريد ؟!
ـ اني جئتك بهدية وكرامة. هذا الحسين يدعوك الى نصرته.
أجاب الرجل الوحيد:
ـ والله ما خرجت من الكوفة إلاّ لكي لا أراه.. لعلّك لم تسمع الاخبار.. لقد خذلته شيعته.. قُتل « مسلم بن عقيل » و« هاني بن عروة » ورجال آخرون، ولا أقدر على نصره..
وأردف وهو يطرق برأسه الى الأرض:
ـ ولست أحب أن يراني وأراه.
ولكن الحسين أراد أن يراه فمضى اليه.. ورأي « الجعفي » لمّة من الناس تهفو اليه.
رجل ذرّف على الخمسين وحوله رجال وصبية وأطفال قادمون، فأوسع لهم في المجلس، وجلس الجعفي قبال رجل لم يره من قبل.. تموج في جبينه طيوف النبوّات. أراد أن يكسر حاجز الصمت، فقال مبتسماً وهو يشير الى لحية تشبه ليلة غاب فيها القمر:
ـ أسَواد أم خضاب ؟!
ـ عجّل عليّ الشيب يا ابن الحرّ.
ـ خضاب اذن!
ـ يا ابن الحرّ.. ألا تنصر ابن بنت نبيّك وتقاتل معه ؟
ـ إنّ نفسي لاتسمح بالموت.. ولكن فرسي «الملحقة» هذه لك.. والله ما طلبت عليها شيئاً قط الاّ لحقته.. ولاطلبني أحد الاّ سبقته..
ـ أمّا اذا رغبت بنفسك عنّا، فلاحاجة لنا في فرسك.
ونهض الحسين. كان يريد أن يرفع الرجل.. أن يسمو به، ولكنه اثّاقل الى الأرض.
وفي آخر الليل أمر الحسين فتيانه بالاستقاء والرحيل. ونهضت النوق.. يمّمت وجوهها نحو الارض التي بورك فيها للعالمين.. وكان هناك ألف ذئب تتوهج عيونها غدراً.. القافلة تسير.. تشقّ طريقها في الظلام.. تتبعها قطعان الذئاب وهي تعوي في آخر الليل.
لاح راكب من بعيد.. مدجج بالسلاح. كان رسولاً من ابن زياد الى « الحرّ » يحمل اليه كتاباً خطيراً. قرأه الحرّ بصوت يسمعه الحسين:
ـ جعجعْ بالحسين حين تقرأ كتابي، ولا تُنزله الاّ بالعراء على غير حصن ولا ماء.
قال الحسين:
ـ دعنا ننزل « نينوى » أو « الغاضريات ».
ـ لا أستطيع. فحامل الكتاب عينٌ علَيّ.
قال « زهيربن القين »، وكان رجلاً صحب الحسين على قدر:
ـ يابن رسول الله! دعنا نقاتلهم.. إن قتال هؤلاء أهْون علينا من قتال من يأتينا بعدهم. فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به.
ـ ما كنت أبدهم بقتال.
ـ هاهنا قرية و« الفرات » يحدق بها من ثلاث جهات.
ـ ما اسمها ؟.
ـ « العقر ».
ـ نعوذ بالله من العقر.
والتفت الحسين الى الحر:
ـ سِر بنا قليلاً.
ومضت القافلة في طريقها.. يتبعها ألف ذئب أغبر.
اهتزّت البوصلة.. تعثرت النوق.. ووقف جواد الحسين.. تسمّر في مكانه.. رفعت النوق رؤوسها.. تلفّتت.. لعلّها شمّت رائحة وطن تبحث عنه. سأل الحسين:
ـ ما اسم هذه الأرض ؟
ـ الطّف.
ـ فهل لها اسم آخر ؟
ـ كربلاء.
تجمّعت الدموع في عينيه كغيوم ممطرة.
ـ أرض كرب وبلاء.. هاهنا محطّ ركابنا وسفْك دمائنا. بهذا أخبرني جدّي رسول الله.
وفي تلك الليلة، لاح هلال « المحرّم » حزيناً كقارب وحيد.. تائه في بحر الظلمات.
تعالت أصوات رجال يدقّون أوتاد الخيام، وضحكات بريئة لأطفال يلهون في الرمال.. ونسائم عذبة تهبّ من ناحية « الفرات »؛ وكان الحسين واقفاً يتأمّل الأفق البعيد.. يحدّق في آخر الدنيا.


* * *

مادت الكوفة بأهلها، واهتزّت الارض تحت الأقدام. كتائب جنود مذعورين تتحرك في كل اتجاه.. عيون زائغة لأشباه رجال تحمل اسلحة القتل.. تنطلق الى خارج المدينة.
« زجربن قيس » يقود خمسمئة فارس.. يتّجه صوب جسر « الصراة ».
وخرج « الشمر » في أربعة آلاف مقاتل، و« الحصين بن نمير » في أربعة آلاف، و« شبث بن ربعي » في ألف، و« حجّار بن أبجر » في ألف.. وتتابعت الكتائب تلو الكتائب.. جنود يشبهون في ذلّتهم الاسرى.. قلوبهم مع الحسين وسيوفهم تستهدف قلبه.
حيّات وأفاعٍ تتلوّى.. تزحف باتجاه « الفرات ». وبدا النهر أفعى خرافية تتمدد وسط الرمال..
وفي الكوفة، مطرت السماء ذهباً يخطف الأبصار ويسلب الألباب، واجتمع زعماء «القبائل» تحت المطر، فلم يبرحوا حتّى طمّت رؤوسهم بالذهب، والأرقط ينثر الأموال ويوفّر العطاء.. يلقي حباله وعصيّه، فاذا هي حيّات وعقارب تسعى.
وافتتنت « المومس » يابن زياد، فنسيت ذكر الحسين. قالت بخلاعة:
ـ مالي والدخول بين السلاطين..
قهقهه « الأرقط ». دوّت ضحكة شيطانية في أرجاء القصر.. جيوشه تحاصر القافلة.. تمنعها من العودة.
ـ وقعت في قبضتي يا حسين.. ها أنا أرتقي قمّة المجد.. سيدخل بوابة قصري قائلاً: حطّة. أنا ابن زياد ابن .. ابي سفيان.. صخر بن حرب.
أفتر الرجل الأبرص، فظهرت أنياب حادّة.
ـ لا تقبل من الحسين الاّ النزول على حكمك. إنّه الآن في أرضك، فضيّق عليه الخناق.
ما لهذا الأبرص؟!.. صوته كفحيح الافعى. الخنزير يريد للنخل أن يركع.. والنخل الباسق يعشق الفضاء، والاّ مات واقفاً.
الأرقط يجيد « الشطرنج ». ينقل جنده وقلاعه.. يحرّك فِيَلة وخنازير وبيادق تحلم بحكم « الري وجرجان ».
الأرقط يعرف « أصول اللعبة ». من يمينه تتدلّى مشانق وحبال، ومن شماله يسيل ذهب اصفر يأخذ بالألباب. البيادق الفئران تفرّ مذعورة.. تحمل سيوفاً خشبية.. وتمتلئ جيوبها فضة أو ذهبا..
والأرقط الذي تلبّس وجهه جلد الأفعى يتمدّد في « النخيلة »، يراقب بيادقه بحذر وترقّب. هناك رجل سيدمّر لعبته.. سيلقف سيفه كلّ حباله وعِصيّه.. وجيوشه الوهمية.
صرخ الأرقط بالرجل الأبرص:
ـ اكتب «لابن سعد»: اما بعد؛ انّي لم أبعثك الى الحسين لتكفّ عنه ولالتمنّيه السلامة. انظر، فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي فابعث بهم اليّ، وأن أبَوا فازحف اليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم.
كخنزير راح الشمر يجري صوب أحلامه المريضة.. تفوح منه رائحة الموت، وآلاف الضحايا ترقد في عينه المنطفئة.. ومن عطفَيه تنبعث حرائق ودخان، وروائح أجساد محترقة.
سلّم الكتاب الي « قائد الجيش »، وراح ينظر اليه خلسة بعين نصف مغمضة. أما عينه الاخرى فقد بدت هُوّةً سحيقة تعشعش فيها العناكب.
ادرك الرجل الذي ناهز السبعين أن الأبرص قد جاء يسرق منه أحلامأ قديمة.. جميلة تحكي جمال مدن « الري » و« جرجان ».
ـ قبّحك الله وقبّح ما جئت به. والله لا يستسلم الحسين. إنَّ نفس أبيه بين جنبيه.
ـ فخلّ بيني وبين العسكر.
ـ بل أنا الذي أتولّى ذلك.
عقربان يتنافسان في الصحراء.. ينعب في صدريهما بوم وغراب.. يتنافسان على الفوز في سباق من الخسران المبين.



اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء الراضين المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك
والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته


يتبع ...






رد مع اقتباس