عرض مشاركة واحدة
قديم 09-25-2011, 07:03 AM   رقم المشاركة : 2
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

3 أحسنُ ما أنزلَ في قصَة طالوتَ وجالوت, وقتلَ داوود جالوت : تفسير الشيخ الحجاري الرميثي


[COLOR=****00ff](2)[/COLOR](تابِعٌ لِتَفسِيرِ قصَة طالُوتَ وَجالُوت)

[COLOR=****00ff]وَالمُرادُ مِنْ مَعنى جُمْلَة الآيَة ما تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ[/COLOR]: كانَ التابُوتُ يَدُورُ في

بَنِّي إسْرائِيلَ حَيثُمّا دارَ المِلْكُ بِهِم,, فَرَفَعَهُ اللـَّه إلى السَماءِ بَعـد مُوسى

حِينَ اسْتَخَفوا بِهِ فِي حَياتِهِ وبَعدَ مَماتِهِ ذلِكَ حَذراً مِنَ تَزوِّيرهِ,,

ثمَ لَّمَا بَعثَ اللـَّهُ طالُوتَ أُنـْزَلَ إليهِم التَوراة تَحْمِلُهُ المَلائِكَة ( إِنَّ فِي ذَلِكَ

لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي: إنَها بَيناتٌ لِمَنْ آمَنَ, وَعِبـْرَةٌ وَإنذارٌ لِمَنْ

يَخلُو قَلْبَهُ مِنَ الإيمانِ لَنْ تَصِلَ إليهِ السَكِينَة,, وَلكِن هـذا الأمْرُ مَحذوفٌ

بِمّا أكْفرُوا بَنـُو إسْرائِيلَ بالآياتِ البَيِّناتِ عَلى حَـدِّ إنكارِهِم, وَالمَعنى فِيهِ

(كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْـداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أيْ: نَقَضُـوا التَوراةَ وَطرحُوهُ مِنَ

النَبذِ, وَهُوَ إلقاءُ البَيِّناتِ وَراءَ ظِهُورِهِم,, وَهـذِهِ طَبيعَةُ اليَهُود الذِينَ لَمْ

يَحمِلـُوا الإيمانَ فِي قِلـُوبِهِم, وَلكِـن لَمَّا انحَرَفـُوا عَنْ شَريعَتِهِم, وَنَكَلـُوا

أنبِّيائِهِم فِي جِحُودِ رسالاتِهِم سَـلَطَ اللهُ تَعالى عَليْهُم العَرَب فَغَلَبُوهُم عَلى

أمْرِهِـم, وَأخرَجُوهُم مِـنْ دِيارِهِم, فانفَصَمَت عِروَتَهُم, وَتَصَّدَعَت حِدَّتَهُـم

وَهُـم فِي الذّلِ واقعُونَ, وَفِي الهَـوانِ غارقـُونَ, وَفِي الإيمانِ خاسِرُونَ,,

[COLOR=****0080]فأعلَنَ [/COLOR]طالـُوتَ[COLOR=****0080] أمام بَنِّي إسْرائِيلَ ذلِكَ لِيَسْتَعِدَ بِهِـم [/COLOR]لِلجِهادِ[COLOR=****0080] بِقـَتلِ الطاغِيَةِ [/COLOR]

جالُوت فَتَناسى بَنُو إسْرائِيلَ العَهْدَ الذِي قَطَعُوه عَلى أنفُسِهِم حِينَ طَلبُوا

مِنْ نَبِيِّهِم صمْؤيل أنْ يَبْعَـثَ اللـَّهُ لهُم مَلِـكاً لِيقاتِلـُونَ مَعَهُ فِي سَبيلِ اللـَّهِ

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ) أيْ خَرجَ بِجِنُودِهِ مِنْ بَيْتِ المَقدِسِ لِمُحارَبةِ

العَمالِقةِ وَهُـم قـَوْمُ جالُوت, قالَ لِقوْمِهِ (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ) يَعنِي: إنَ اللـَّهَ

تَعالى مُخْتَبِرَكُم بإرادَتِهِ بِضَبْطِ الشَهـَواتِ وَالمُحَرماتِ لِيُحَذرَكُم,, وَمَعناهُ

سَتبْلَغـُونَ نَهْـراً فِي طَريقِكُم, وَهُوَ امْتِحاناً لَكُم, فَمَنْ كانَ صابِراً مُحْتَسِباً

فلاّ يَشرَبَ أحَدَكُم مِـنهُ إلاّ بِمِقـدارِ غـرفَةٍ ما يُـبَرد بِها كَبِْدَهُ, وَاللـَّهُ أعلَـمُ

بأمْرِكُم مَنْ يَنقَلِب عَلى عَقبَيهِ (بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَـمْ

يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) فإنَ النَهْرَ هُوَ امْتِحانٌ لَكُم لِمَنْ ثَبَتَ إيمانَهُ وَلِمَنْ يَنقلِب

عَلى عَقبَيهِ فإنَهُ لَيْسَ مِنـِّي فِي حِزبِ اللـَّهِ: وَهُم الطائِفَةُ الأولى مِنْ قوْمِ

طالُوتَ لَمْ يَشرَبُوا مِنهُ المُؤمِنُونَ الصابِرُونَ المُجاهِدُونَ, وَأطْلِقَ عَلَيْهِم

الفِئَةَ القلِيلَة,,

(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) مِنَ النَهْرِ, وَقَد اغْتَرَفُوا غُرْفَةً بأيَدِيهِم وَهُم

الفِئَةُ الثانِيَة وَيُطلَقُ عَليْهِم هُم المُسْلِمِينَ الذِينَ أضَّعفُ الإيمان,,

وَالغِرَفَةُ هِيَّ رِخْصَّةٌ مِنَ اللهِ لِبنِّي إسْرائِيلَ فِي الأخْذِ مِنَ الماءِ باليَدِ دُونَ

الكَرْعِ, فَجَعَلَ اللهُ تَعالى اختِبارَهُم بَيْنَ الغرفَةِ وَالكَرْعِ (فَشَرِبُوا مِنْهُ) أيْ

كَرَعُـوا وَهُيَّ الطائِفـَة الثالِثـَة الضالَّـة الباغِيَـة مِـن بَنِّـي إسْرائِيلَ الذِيـنَ

نَقَضُوا مَواثِيقَ اللهِ, وَمِنْ ثـُمَ تَولـُوا عَـنْ القِتالِ, فأصْبَحَ الجَيشُ مُتَفـَرِقاً

مِنْ ضِعافِ العَزيمَةِ (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وَهُم الفِئَِةُ القِلِيلَةُ الصابِرَةُ المُجاهِدَةُ

لَمْ يَشرَبُوا,,

(فَلَمَّا جَاوَزَهُ) أيْ النَهْرُ بَعدَ أنْ أرْهَبَهُم جَيْشُ جالُوتَ لَمَحُوا مِنْ أعدائِهِم

رِجالاً عَمالقَةٌ أشْداءُ, وَجالُوتَ كَبْشُ كَتِبِتِهِم يَصُولُ بَينَهُم وَيَجُول لِقِتالِهِم

فَعِندَئِذٍ انقَسَمَ أصْحابُ طالـُوتَ شُعبَتينِ, شِعبَـةٌ (هُـوَ وَالَّذِينَ آمَنـُوا مَعَهُ)

صابِرينَ صامِدِينَ, عامِرَةٌ قلُوبَهُم بالإيمانٍ, فَقالُوا لِطالُوتَ امْضِ لِشَأنِكَ

وَسِّرْ فِي سَبِيلِكَ الذِي رَسَمَهُ اللـَّهُ لكَ وَإنا مَعكَ لا تَخْذَل مِنْ قِـلَّتِنا إنَ اللهَ

مَعَ الصابِرينَ وَشِعبَةٌ وَهِيَّ الفِئَةُ الباغِيَة (قَالُوا لاطَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ

وَجُنُودِهِ) بِحَربٍ فِيها المَوْت, بَعدَمّا أجِيبُـوا إلى مَا ضَمَنـُوهُ مِـنْ أنفـُسِهِم

لِيُقاتِلُونَ أعداءَهُـم,, رَكَنـُوا إلى التَكاسِلِ, وَعرَّجُـوا فـي طـُرقِ التَجـادِلِ

وَالتَغافِلِ لِجُبْنِهِم بَعدَ أنْ أرهَبَهُم قَِوَةَ عَدُوِهِم,, فَوَلـُوا هاربينَ مَذعُورينَ

قالُوا لاّ طاقَةَ لَنا عَلى الحَربِ فعَرَفُوا المَوْتَ قََبْلُ أنْ يَعرِفَهُم وَلكِنَ المَوْت

مُحِيطٌ بِهِم وَهُم لاَ يَشعِرُون,,

(قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو الله) الظَّنُّ فِي مَصدَرانِ شَكٌ وَيَقِين فَظَنَهُم

لَيْسَ بيَقِينِ عِيانٍ, إنمّا هُوَ يَقِينُ تَدَبُـرٍ، فأَمَا يَقِـينُ العِيَانِ فَلاّ يُقال فِيهِ إلاَّ

عِلْمٌ وَهُوَ اسْمٌ وَمَصْدرٌ بِصِدقِ إيمانِهِم وَهُوَ كَنايَةٌ عَنْ الخِشُوعِ للهِ تَعالى

بِمَا صَبَرُوا عَلى مَشَقَةِ نارِ الوَطِيس حَتى قالُوا لِطالُوتَ (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ

غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) فالنَصْرُ هُوَ مِنَ اللهِ وَلاَ ناصِرَ إلاّ هُوَ ذُو الْقُوَّةِ

الْمَتِينُ العَزيزُ الذِي يَمْهِلُ الأعداءَ وَيُمْليَِّ لَهُم لِيَزْدادُوا إثماً لِطغيانِهٍِم, إنَهُ

هُـوَ اللـَّهُ الغالِبُ الذِي لاَ يُغلَب بَعـدَ إمهالِهِم لِيُزيدَهُم قُوَةً عَلى وَجْهِ الأمْلِ

بالمَوْتِ وَالعَذابِ وَلِبئْسَ المَصِير,,

(وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِيـنَ) الذِيـنَ خَرَجُـوا لِساحَتِـهِ تَـعالى, وَعِتادَهُـم الصَـبرُ

وَزادَهُم التَقوى وَالإيمان, فألئِكَ الذِيـنَ طَلَبُـوا مِـنَ اللـَّهِ أنَ يُفـَرِغَ عَليْهِم

صَبْراً وَيسْبِغَ عَليهِم نَصْـراً فأنهُم مَا خَرَجُوا إلاّ جِهاداً فِي سَبيلِهِ, وَطلَباً

لِمَرضاتِهِ (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ

الْكَافِرِينَ) الذِينَ أخرَجُونا مِنْ دِيارِنا, وَنَحْنُ نَشْكُو إليكَ قِلَةََ عَدَدِنا, وَأنتَ

أعلَمُ بمّا فِي قِلوبِنا حبُنا إليْكَ وَاسْتعدادُنا لِلمَوْتِ دُونَكَ, لَمْ تُزَعزِعُنا كِثرَةُ

أعدائِنا (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) فالتَقى الجَمْعان بَرَزَ إليهِم جالُوتَ

الطاغِيَة يَدعُـو لِلمُبارزَةِ, فَوَقَفـُوا قََـَوْمُ طالـُوتَ أمامَهُ وَبِقلَةِ عَدَدِهِم بَـيْنَ

مُتَقاعِسٍ وَمُتَراجِعٍ, وَلكِن إرادَةُ اللـَّه لـَمْ تَشاء أنْ يَنتَصِرُوا عَلَيْهِ لِحْكَمَةٍ

جَعَلَها لِهذا الطاغَيَة أنْ يُقتلَ على يَـدِ غُلامٍ, وَكانَ الغُلامُ هُوَ داوودُ الذِي

لَمْ يُشاركَهُم حَرْباً لِحَداثَةِ سِنِهِ, وَلِضُعفِ عُودِهِ,,

فَنَظَرَ داوُودَ رَجُلاً عِمْلاقاً, أيْ: طَوِّيلاً وَمَتِيناً يَتَحَدى قَََـَوْم طالُوتَ, فَسألَ

طالُوتَ وَقالَ: مَـنْ هـذا الذِي يَقِـفُ أمامَكُم مُتحَدِياً مُتَغطرِساً, وَالشُجْعانُ

تَخْشاهُ, فقالَ لَهُ هذا جالوتَ الطاغِيَة فَكَيْفَ لاّ نَنكِص وَنَتَراجَع مِنهُ وَهُوَ

مِنْ بَنِّي عِمْلاق, وَأصْلُ العَمالِقة قوْمٌ مِنْ ولْدِ عِمْلِيق بنَ لاوَذ بنَ إرَمَ بنَ

سام بنَ نُوحٍ، وَهُم أُمَمٌ جَبابرَةٌ مِن بَقيَةِ قوْمِ عادٍ الذِينَ تَفَرقُوا فِي البلادِ

العَربيةِ بالشامِ عَلى عَهْدِ مُوسى بنَ عمْران,,

وَقدْ جَعَلَ طالوتَ سَلامُ اللهِ عَليهِ جَزاءً لِمَنْ يَقتُلَ جالُوتَ وَيَقِي المُؤمِنِينَ

شَرُّ كَيِْده أنْ يُزَوجَهُ إحْدى بَناتَه وَيُولِيَّهُ المُلْك مِنْ بَعدِهِ,,

فثارَت الحَفِيظَةُ فِي نَفـْسِ داوُود, وَهاجَتْ الحَميَة فِي قَلبِـهِ,, فَطلَبَ مِـنْ

طالُوتَ أنْ يَأذَنَ لَهُ فِي مُقاتَلَةِ جالُوتَ العِمْلاق الطاغِيَة فاسْتَصْغَرَ طالُوتَ

شَأنَهُ لِحَداثَةِ سِنِهِ وَضِعفِ بَدَنِه,,

قالَ: داوُود لاَ يا طالُوتَ كَـلاّ لاَ يَخدَعُـكَ أمْـرُكَ مَا تـَراهُ فـي صُغـْرِ سِنِـي

وَقماءَةِ بَدَنِي, فَعزَّتْ عَليَّ نَفسِي إلاَ أنْ أبارِزَ عَـدوَّ اللـَّهِ, لَقـَدْ جاشَ فِـي

صَدري نارَ الحُنْقِ التِي تَلتَهِبُ فِي فؤادِي أسألُكَ اللـَّه يا طالُوتَ إلاّ أذنْتَ

لِي لِمُقاتَلَتِهِ لأنَ العَبْرَةَ بِقتلِهِ بِقوَةِ النَفسِ لاَ بِكُبْرَ السِّنِ, وَبِمَضاءَة العَزْمِ

لاَ بِضَخامَةَ الجِسْم فشاءَت قِدرَة الإرادَة فَرأى طالُوتَ الصِدْق فِي لَهْجَتِهِ

وَالأمانَةَ وَالعَـزْمَ فِي نِيَتِهِ,, فَقـَدَّمَ طالُوتَ لِداوُودَ ثِـيابَ الحَـربِ وَالِسَيف

وَالدِرع فآبى داوُود وَأحتَمَلَ بِيَدِهِ عَصاهُ وَاصْطَحَبَ حِجارَةً مَلْساءُ أخَذَها

مِنَ الأرضِ جَعَلَها اللـَّهُ حِجارَةً مِـنْ سِـجِيل كَنسْبَةِ الحِجارَةِ التِي حَمَلَتها

الطَيْرُ الأبابيل فِي قََـَتلِ قََـَوْمِ أبْرَهَةَ, وَخَرجَ داوُود مِنْ قوْمِهِ مُتوَجِهاً فِي

عَـزْمِ إيمانِهِ, وَصُدقِ يَقِينِهِ, وَالقلـُوبُ نَحوَهُ تَهْفـُو, وَالعِيُـونُ إليهِ تَرِّفـُو

فَصاحَ أيِّ مِنكُم جالُوتَ,,

فَرأى جالُوتَ خَصْمَهُ المُكافئُ فِي الشِجاعَةِ إنـَهُ غُلاماً غَيْرُ يافِعاً, صَغِيرُ

الجِسْم, حَـدَثُ السِّـنِ لا يَحمِلَ سَـيْفاً, وَلاَ يَرتَدِيَ دُرْعاً, وَلاَ يَتَنكَبَ قَـَوْساً

فهَزِئَ بـهِ وَاحتَقرَ شَأنَهُ وَقالَ: هَلْ كَرهْتَ يا غُلامُ حَياتُكَ وَسَئَمْتَ عَيْشُكَ

فِي مَطْوى صَحِيفَتِكَ, لأجْعَلنَكَ اليَوْم لَحْماً طَرياً لِطيُورِ وَالوحُوشِ,,

قالَ داوُود لِجالُوت لَكَ دُرعَكَ وَسَيْفَكَ, أمَا آنا فإني أتَيْتُكَ بسْمِ اللهِ العَزيزِ

الذِي لاَ يُغلَب, فاختَنَقَ جالُوتَ مِنهُ حَنَقاً, وَبَرَزَ إليهِ غاضِباً, وَإذا بداوُود

مَدَّ يَدَّهُ وَأخرَجَ حِجارَةٌ مَلْساءَ وَوَضَعَها فِي المِقلاعِ وَهُوَ نَبْلَةٌ يَسْتَعمِلُها

لِصَيْدِ الطِيُور فَسَدَدَها نَحْوّ جالُوتَ فإذا هُوَ مَشقُوقُ الرَأس مُثخَنُ الجَرْحِ

فَخَرَ صَريعاً مَـيِْتاً, وَارتَفَعَت رايَـة النَصْر, وَانكَسَرَتْ شَوْكَة العَدُو, فَنَزَلَ

قَولَهُ تَعالى مُخْبِراً رَسُولَهُ مُحَمَد صَلى اللـَّهُ عَليهِ وَآلِهِ: وَقال (فَهَزَمُوهُمْ

بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)

كَمَنطِقِ الطَـيْرِ وَصُنْع الدِرُوع: كَمَا قالَ اللـَّهُ (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)(سَبأ:10)

فانْعَقـَدَ لِداوُود النَصْر بإذنِهِ تَعالى, وَتَمَ لـَهُ الظَفَرُ بِصِدقِ إيمانِهِ وَأمانَتِـهِ

فائتَلَفَت عَلى مَحَبَتِـهِ القلـُوب, وَتَواصَلَت لـَهُ أواصِـرُ الإخْلاص, وَأصبَحَ

بَيْنَ عَشِيَةٍ وَضُحاها هُوَ حَدِيثُ القوْم, فَعَيَنَهُ اللـَّه عَليْهُم مَلِكاً مَعَ طالُوتَ

مُطْلَقُ اليَّدِ مَسْمُوح الكَلِمَةِ, نافِذُ السُلْطانِ وَحَضرَتَهُ مَطْلعَ الجُودِ وَالكَرمِ

وَالسَخاءِ وَمَهْوى الوفُود,,

فأصْبَحَ عَهْدُ داوُودَ وَسُليْمانَ العَهْـد الذَهَبي لِبَنِّي إسْرائِيلَ, وَهُـوَ الحاكِمُ

اليَقظ مُطْلَقُ المَشِيئَةِ, مُطاعٌ فِي كُلِّ أمْرٍ, المَوْلى الفَطِنُ ألأريب,,

أمّا طالُوتَ سَلامُ اللهِ عَليهِ: قَد أوْفى بِشَرطِهِ, وَبَرَّ بِعَهْدِهِ لِقَوْمِهِ وَلِداوُود

وَقِيلَ إنَهُ زَوَجَهُ ابنَتَهُ, فَتَهَيأَ لِداوُود مِنَ اللهِ فَتحٌ مُبينٌ وَجَعَلَهُ نَبياً,,

(وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) في الساعَةِ التِي جاءَهُم بِها داوُود

(لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) وَهُوَ الفَسادُ الاجْتِماعِيُ الذِي يُسْتَقبَح فِي بِقاعِ الأرضِ

فلَوْلاَ رَسْم هذا الجِهاد الكَبير لَبَقِيَّ الفَسادُ وَالمُزاحَمَة وَالمُمانعَةِ عَلى يَـدِّ

الجَبابِرَةِ فِي أدِيـمِ الأرضِ إلى يَوْمِنا (وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)

((انتَهى تَفسِيرُ العَلامَة المُحَقِقُ الشَيخ ألحَجاري الرُمَيثي))


وَعَن العلامَة السَيد عبد الله السَيد شُبر يُفسِر لَنا قِصَة طالُوتَ وَجالُوت

(أَلَـمْ تَـرَ إِلَى الْمَلأِ) جَماعَة الأشراف ( مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ ) مِـن التَبعِيضِ
(مِنْ بَعْـدِ مُوسَى) مِن لِلابتداءِ أي بَعـدَ وفاتِـهِ ( إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ) هُـوَ
إسماعيلَ وقيلَ شَمعُون أو يُوشَع ( ابْعَثْ ) سَل اللـَّه أنْ يَبعثَ ( لَنَا مَلِكاً
نـُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَـلْ عَسَيْتـُمْ إِنْ كُتِـبَ عَلَيْكُـمُ الْقِتَالُ أَلَّا تـُقَاتِلـُوا
قَالـُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نـُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَـدْ أُخْرِجْنَا مِـنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا )
لأنَ جالُوتَ والعَمالِقة كانُوا يَسْكنونَ ساحِل البَحرِ مِـن الرُوم بينَ مِصْـرَ
وفلسطين فَغَلبُـوا على ديـارِ بَنـي إسرائيلَ وسَبُـوا ذراريهم ( فَلَمَّا كُتِـبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ) ثَلاثمائَة وثَلاثة عَشر عـدَدُ أهل بَـدر
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) في تَـركِ القِتالِ وَعيدٌ لَهُم ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى) مِن أيـنَ (يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا)
وهُـوَ مِـن وَلـدِ بِنيامينَ, وكانَت النُبوَةَ يَومئِذٍ في أولادِ لاوي والمُلْكُ في
وَلدِ يُوسُفَ (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) وراثَةً ومكانَةً ( وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ
الْمَالِ) ولابُدَ للمَلكِ مِن المالِ يَتَعضَد بِهِ, قيلَ كانَ سَّقاءً أو دَباغاً فأنكروا
تَمَلكه لِسقوطِ نَسَبِهِ وفقـرهِ, فـَردَ عليهُم ( قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ ) اختارَهُ
(عَلَيْكُمْ) وهُوَ أعلَمُ بالمَصالِِحِ ( وَزَادَهُ ) ما هُـو أنفعُ مِما ذكَرتُم (بَسْطَةً)
سَعةً (فِي الْعِلْمِ) ولا يَتمُ أمـر الرياسَة إلا بـِهِ (وَالْجِسْمِ) إذ لِجَسيمِ أعظم
في النِفُوسِ, وأقوى على مُكابَدةِ الحَرب وكانَ إذا مَـدَّ الرَجُلُ القائِم يَـدَهُ
نالَ رأسهُ, أو المُرادُ الشجاعَة (وَاللَّهُ) لَـهُ المُلْكُ ( يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) بِمَن يَصلُح لِذلِك ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ) حِينَ طلبُوا مِنهُ
الحِجَةَ على رياسَتِهِ (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) هُوَ اللهُ الذي أنزَلَهُ
على مُوسى فَوَضَعتهُ أمُهُ فِيهِ وألقَتهُ في اليَّمِ (فِيهِ سَكِينَةٌ) أمنٌ وطَمأنينةٌ
ورويَّ هُوَ ريحٌ مِن الجَنةِ لَها وَجهٌ كَوَجهِ الإنسان ( مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا
تَـرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) هِيَّ: الألواح وسايـرِ آيات الأنبياء (تَحْمِلُهُ
الْمَلائِكَةُ) وكانَ التابُوتُ يَدور في بَني إسرائيلَ حَيثما دارَ المُلْك, فرَفعـَهُ
اللـَّه إليهِ بَعـدَ مُوسى حِينَ استَخفوا بِهِ,, ثُمَ لَمّا بَعثَ طالُوتَ أنزَلَهُ إليهِم
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مِن كلامِ نَبيهِم أو خطابٌ عَن اللهِ
تَعالى (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنـُودِ) انفصَلَ بِهـم عَـن بَلـدِهِ ( قَالَ إِنَّ اللَّهَ
مُبْتَلِيكُمْ ) ممْتَحِنَكُم ( بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ) مِـن حِـزبِ اللـَّهِ
(وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) لَم يَذقهُ (فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) استثناءٌ
مِـن فَمَن شربَ ( فَشَرِبُـوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ) إلا ثلاثمائة وثلاثة عشـر
رَجُلاً مِنهُم مَن اغترفَ ومِن هُم مَن لَم يَشرب والذينَ شَربُوا كانُوا ستينَ
ألفاً (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ) تَخطى النَهر طالوت (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا) قالَ
الذينَ اغترفوا منهُ (لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) لِكثرَتِهِم وقوتِهِم
( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ ) يَتَيَقنونَ ( أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ ) وهُم الذينَ لَـم يَشربُوا
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) بأمْـرهِ ونصـرهِ ( وَاللَّهُ مَعَ
الصَّابِرِينَ ) بالنَصرِ ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا
صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) في مَداحِضِ الحَربِ (وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
بذلِكَ وبقاء الرُعب في قلوبِهِم (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) بنَصرهِ ( وَقَتَلَ دَاوُدُ
جَالُوتَ) وزَوَجهُ طالوتَ بنتَهُ (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) في الأرضِ المُقدسةِ ولَم
يَجتَمعوا على مُـلكٍ قَبلَ داوود ( وَالْحِكْمَةَ ) النـُبُوةَ ( وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ )
كَمنطقِ الطَـير والسَّرد ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّـاسَ بَعْضَهُـمْ بِبَعْـضٍ ) بِدَفـعِ
الهَلاكِ بالبّرِ عَن الفاجِرِ أو بنَصرِ المُسلمينَ على الكُفارِ (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ
بِغلبَـةِ المُفسدينَ فـِيها ( وَلَكِنَّ اللَّهَ ذو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِيـنَ ) فـي دينهِـم
وَدِيارِهِم,, ((انتهى تفسِيرُ العَلامَة السَيد شُبَر))






التوقيع :

رد مع اقتباس