عرض مشاركة واحدة
قديم 12-30-2010, 12:59 PM   رقم المشاركة : 4
دفء المشاعر
(يارب عفوك)

 
الصورة الرمزية دفء المشاعر
الملف الشخصي





الحالة
دفء المشاعر غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي رد: كتاب مسير الارواح في البرزخ‎

سألته مدهوشاُ : وأين هو وادي العذاب ؟
قال : إنه جانب من وادي برهوت يتعذب فيه الكافرون والمنافقون وإني أتمنى أن لا يكون مرورنا منه .
وبدوري تمنيت ذلك وأنا أشعر بالخوف يهيمن على وجودي .
... هدية من الدنيا ...
بعد قطعنا لطريق طويل جداً وصلنا إلى وادٍ خطير ورهيب للغاية . فأصابتني رعدة خوفاً من أن يطل الذنب
مرة أخرى من مكمنه ويداهمني . توقفت وأخذت أفكر بالمصاعب الكثيرة التي كنت ألاقيها في طريقي ٬ عاد
( حسن ) وقال : لِمَ توقفت ؟ هيا تحرك .
قلت : إني أ خاف . قال : لا مفر لك ٬ لابد من السير .
تحركت نحو الأسفل مضطرباً ٬ وما أن سرت خطوات من شفير الوادي نحو الأسفل حتى أطلّ من الجانب
الآخر للوادي مخلوق نوراني له جناح وفي طرفة عين جاء عند ( حسن ) وبعد أن استفسر عن أحوالي
سلّمه رسالة ثم ودّعنا وعاد مسرعاً ٬ وب عد أن قرأ ( حسن ) الرسالة وضعها في صحيفة أعمالي والتفت إليّ
وقال : أبشرك ٬ فسألته مندهشاً : ما الأمر ؟ قال : بعث أهل بيتك وأصدقاؤك بهدية إليك وجاء بها هذا الملك
إليك وسيقلل من همك وغمك بمقدار .
قلت : وكيف ؟ قال ( حسن ) وهو يشير إلى ذلك الوادي الرهيب : س وف لن نعبر من هذا الوادي نتيجة لهذه
الهدية التي هي عبارة عن تلاوة للقرآن الكريم وإقامة مجلس تذكر فيه مصيبة الحسين بن علي ( عليهما
السلام ) والدموع التي أهيلت من أجله .
سررتُ لهذا الخبر ودعوت لهم جميعاً بالمغفرة . ثم عدنا أدراجنا من ذلك الطريق الذي قطعناه وسلكنا طريقاً
أكثر يسراً .
... أودية الارتداد ...
بعد قليل وصلنا معبراً ضيقاً على جانبيه أودية رهيبة ٬ وكأن ( حسن ) كان ينتظر سؤالاً مني فالتفت إليّ
قائلاً : هذه الأودية الموحشة هي أودية الارتداد ويستغرق الوصول إلى قعرها سنوات متمادية من سنيّ الدنيا
٬ وفي قعرها أفران من النار هي صورة لنار جهنم ٬ وأولئك القابعون فيها سيبقون فيها لإلى يوم القيامة .
سيطرت عليّ الرهبة بحيث بركت في مكاني دون وعي مني . فرفعني ( حسن ) من مكاني وقال : ركّز نظرك
عليّ ولا تنظر إلى قعر الوادي أبداً . وهكذا تجرأت على السير في هذا الطريق الموحش .
في غضون ذلك عمّت الوادي صرخة رهيبة فالتفت إلى الخلف فشاهدت رجلاً يسقط إلى قعر الوادي ٬ وفي
وسط صرخاته وعويله الذي هزّ فؤادي ٬ سمعت صوت ذنوبه .
كان ( حسن ) يشاهد المنظر مثلي فقال : إنه تعيس ٬ فقد قطع الطريق إلى هنا بسلام ٬ لكنه سيمكث في قعر
الوادي حتى قيام الساعة . فسألته متعجباً : ولماذا ؟
قال : إنه ارتد بعد سنتين من إيمانه . ثم أخذت أدقق كثيراً في طريقي وكنت أضع قدمي في موطئ قدم (
حسن ) خشية السقوط .
ورغم زلات قدمي أحياناً لكننا قطعنا ذلك الطريق الشاق الصعب بسلام ٬ ووضعنا أقدامنا في طريق ضيّق
كثير المنعطفات تحيط به تلال عالية ومنخفضة
... خدعة ...
كان ( حسن ) يواصل طريقه وأنا أتبعه بكل لهفة ولكن بقلب مضطرب . وصلنا مفترق طريقين فتوجه (
حسن ) نحو اليمين ٬ غير أن يداً سوداء ضخمة كمّت فمي وعينيّ ونتيجة للرائحة الكريهة التي كانت تنبعث
منها عرفت أن ذلك هو الذنب .
حاولت إزاحة تلك اليد السوداء المغطاة بالشعر وحينما أفلحت واجهني شبح ذلك الذنب القبيح .
أصابني الذعر فحاولت الفرار واللحاق ب ( حسن ) غير أن الذنب سحب يديّ بقوة وقال : نسيت عهدك ؟
فأجبته مذعوراً : أي عهدٍ هذا ؟
قال : لقد كن ت في الدنيا تصحبني ٬ وعاهدتني أن نكون معاً في هذا العالم أيضاً .
قلت : إنني لا أعرفك أبداً ٬ قال : إنك تعرفني جيداً لكنك لم تر صورتي ٬ الآن وقد تفتحت رؤيتك أخذت
تشاهدني . قلت : حسناً ٬ ماذا تريد مني الآن ؟ قال : إنني ألاحقكم منذ بداية الرحلة وحتى الآن ٬ و قد حاولت
اللحاق بك في وادي الارتداد فلم أفلح .
قلت وماذا كنت تريد مني هناك ؟
قال : أردت المرور بك من ذلك الوادي .
فصرخت منزعجاً : يعني إنك كنت تريد تكبيلي حتى قيام الساعة !
قال : كلا ! لقد كنت أريد إيصالك إلى مرامك بأسرع وقت ٬ ولكن لا بأس ٬ فإنني أعرف طريقاً سهلاً لا يعرف
به أي شخص آخر .
قلت : وحتى ( حسن ) ؟
قال : كن على ثقة لو كان على علم به لما أخذ بيدك عبر هذا الطريق الصعب ٬ وهنا تذكرت ( حسن ) حيث
تقدمني متصوراً إنني أسير خلفه .
ضاق صدري وطلبت من ( الذنب ) أن يتركني ٬ لكنه في هذه المرة هددني وا حمرت عيناه فأصبحتا كبؤرتي
دم وقال : إما أن تأتي معي أو أعيدك إلى حيث جئت .
لما سمعت هذا الكلام ارتعد بدني واضطررت لمرافقته شريطة أن أتقدمه وهو يدلني من خلفي لأن مجرد
رؤيته كانت تمثل عذاباً بالنسبة لي .
وهكذا تقدمت في الطريق المتجه يساراً وبعد فترة من ا لمسير وصلنا كهفاً كبيراً ٬ دون أن التفت إليه سألت
الذنب : ما العمل ؟
قال : إنك ترى أنه لا طريق آخر أمامنا ولا بد من المرور من داخل الكهف .
دخلت الكهف لكن ظلمته التي تفوق التصور أرعبتني فسمعت صوت الذنب وهو يصرخ : لماذا توقفت ؟
الطريق ممهد ويخلو من الأخطار . واصل طريقك براحة بال .
تقدمت خطوات ثم توقفت ونظرت إلى ما حولي فلم يعد باب الكهف يرى .
كان الظلام يخيّم على كل شيء ٬ رعب عجيب على كياني ٬ فناديت الذنب لكنني لم أسمع جواباً ٬ ثم ناديت
مرعوباً ٬ لكنني لم أسمع سوى صدى صوتي . لم تنفك عني الرهبة والاضطراب ٬ فأدرت رأسي لأرى ما
يحيط بي لعلي أعثر على منفذ للهروب ٬ لكنني لا أعرف أين بداية الكهف ولا نهايته .
جلست متحيراً نادماً غمر قلبي الحزن والألم وبكيت لفراق صديقي الحميم الوفي ( حسن ) وإذا بي في تلك
الأثناء أسمع صوت شخص يمر قد نبهني ٬ ففتحت مسامعي عسى أن أع رف جهة الصوت ٬ فانشرح فؤادي
لعطر ( حسن ) الأخاذ ٬ فترقرقت في عيوني دموع الشوق .
فتحت أذرعي وضممته إليّ مسروراً ورويت له ماجرى لئلا ينزعج مني . فقال ( حسن ) : لما شعرت بعدم
وجودك على أثري رجعت من نقس الطريق وعرفت بالأمر من خلال الرائحة الكريهة التي كانت ت نبعث من
الطريق المتجه نحو اليسار فسرت في نفس الاتجاه لكنني لم أعثر عليك رغم بحثي عنك ٬ حتى وصلت قرب
الغار فشاهدت الذنب ولما رآني ولّى هارباً . حينها عرفت أنه قد خدعك ٬ وعندما دخلت الكهف سمعت عن
بعدٍ صوت بكاء ونحيب فسررت وهرعت نحوك .
.. .التوبة ...
وبعد صمت واصل ( حسن ) : لقد كان هذا الطريق مقدر لك سلفاً لكن جرى استثناؤه وذلك لتوبتك ٬ رغم
محاولات الذنب في إعادتك إلى ذلك الطريق . قلت : كانت توبتي من الذنوب الكثيرة التي أرتكبها صغيرها
وكبيرها . قال : إنه طريق رهيب للغاية كان عليك قطعه لولا توبتك وهو بالإضا فة إلى طوله ومنعطفاته
ومعابره الضيقة والمظلمة ٬ فإنك لا تأمن مافيه من حيوانات وحشية ٬ ثم أخذ ( حسن ) بيدي وقال : هيا بنا
نعود إلى طريقنا السابق .
قطعنا ماتبقى من الطريق حتى وصلنا مكانا فسيحا يشبه المستنقع ولما وضعت قدمي فيه بركت فيه حتى
الركبة . وكان ( حس ن ) يسير بسهولة ٬ فلما رآني تراجع إلى الخلف وطلب مني أن أمسك بيدي على رقبتي
ليعينني . غطست في المستنقع حتى فمي ولم تعد لديّ إمكانية الصراخ وطلب المعونة ٬ وإذا بذلك الملك يطلّ
علينا وناول ( حسن ) حبلا وقال له : هذا الحبل كان هو قد أرسله سلفاً فأعنه كي يتخلص . ذهب الملك
وألقى ( حسن ) بالحبل إلي فاستطعت الإمساك بالحبل والتخلص من تلك الهلكة ٬ ولما تجاوزنا المستنقع
سألت ( حسن ) : ما هو مراد الملك من القول : هذا الحبل كان هو قد أرسله ؟
قال ( حسن ) : لو أنك تتذكر ٬ قبل عشر سنوات من موتك قمت بتشييد مدرسة يتعلم ف يها الأطفال الآن ٬
فخيراتها هي التي أدّت إلى خلاصك من هذه المحنة وحضرت عندك لتنقذك .
أيدت ما قاله ( حسن ) ثم قلت متبختراً : قبل خمس سنوات قمت بتشييد مسجد ٬ فأين أصبحت خيراته ؟
ابتسم ( حسن ) وقال : بما أن بناء المسجد كان رياءً ومن أجل الشهرة وليس في سبيل ا لله فإنك قد تلقيت
الأجر من الناس . قلت : وأي أجر ؟
قال : المدح والثناء من قبل الناس ٬ تذكر ما كان يدور في قلبك حينما كان يمدحك الناس ٬ لقد كنت تقدم
رضاهم على رضى ربك ٬ واعلم أن الله إنما يتقبل الأعمال التي تؤدى لأجله وحسب .
استحوذت عليّ حالة من الحسرة و الندامة من ناحية ٬ ومن ناحية أخرى شعرت بالخجل وأخذت بتوبيخ
نفسي : أرأيت كيف ضيعت أعمالك بالرياء وحب الذات في حين كان باستطاعتها إغاثتك في مثل هذا اليوم ؟
... موكب الشهداء ...
( طوبى لأولئك الذين مضوا شهداء فلا تفكروا بمنزلتهم فإن أفكاركم قاصرة عن بلوغ ذ لك ٬ بل فكروا
بطريقهم وهدفهم ) من خطاب للإمام الخميني قدس سره الشريف
واصلنا سيرنا في وسط صحراء مترامية الأطراف ٬ ولم تخف حرارة الجو أبداً واستولى عليّ الإرهاق ولم
يبق فيّ قدرة على مواصلة الطريق .
في تلك الأثناء سمعت أصواتاً فأدرت برأسي نحو يمين الصحراء ٬ فشاهدت منظراً مثيراً ٬ إذ رأيت مجموعة
من الناس قد اخترقت الصحراء ومضت بسرعة فائقة ولم يخلّفوا وراءهم سوى الغبار ٬ فتوقفت متعجباً
وأخذت أنظر إلى الغبار المتطاير ٬ ثم حركني ( حسن ) فانتبهت على نفسي ٬ وأردت أن أسأله فسبقني (
حسن ) وقال : هل شاهدت المنظر ٬ قل ت : ومن هؤلاء ؟
قال : هؤلاء زمرة من الشهداء .
قلت مذهولاً : الشهداء .
قال : نعم الشهداء .
قلت : وأين يريدون ؟
قال : وادي السلام .
فأدرت برأسي نحو ( حسن ) متعجباً وقلت : وادي السلام !
قال : نعم ٬ وادي السلام .
قلت : لقد ذللنا هذه المسافة الطويلة بما فيها من مشقات ومحن كي نسعد يوماً بالوصول لوادي السلام ٬ وها
أنت تقول أن هؤلاء يتوجهون نحو وادي السلام بهذه السرعة ٬ فهل هنالك فارق بيننا وبينهم ؟
فطبعت ابتسامة على شفتي ( حسن ) وقال :
بين قمري وجرم القمر **** فرقٌ بين السماء والأرض
ثم واصل كلامه : ل قد عبدت الله في الدنيا على عجل فعليك الآن أن تقطع الطريق بمشقة وصعوبة ٬ أين أنت
من الشهداء فالشهيد ذنوبه بمجرد أن تسقط أول قطرة من دمه على الأرض وتذلل له الطريق .
وفي يوم القيامة أيضاً أول من يدخل الجنة الشهداء ٬ فإنهم قطعوا طريق مائة عام في ليلة واحدة ٬ و هاهم
اليوم يقطعون وادي برهوت في طرفة عين .
فغبطت الشهداء على منزلتهم وأخذت أردد : طوبى لهم وحسن مآب
... نيران الحسرة ...
لشدة ما انتابني من حسرة وغم جلست وأخذت أحدث نفسي : أية درجة ومنزلة هذه ؟ منذ مدة وأنا أدور في
هذه الصحراء وواجهت الكثير من العو ائق والمصاعب ولا زلت لم أصل بعد إلى نتيجة .
لكن هؤلاء بلغوا مقصدهم بهذه السرعة ٬ فحقاً طوبى لأولئك الذين مضوا شهداء .
سالت الدموع على وجنتي وبلغت روحي حنجرتي .
بكيت وبكيت بصوت عالٍ حتى أخرجت ما في فؤادي من عقد الدنيا ... لكن الحسرة والغبطة لموكب الشهد اء
بقيت في قلبي ٬ وهل يمحوها البكاء ؟






التوقيع :
معكم معكم ياشعب البحرين

رد مع اقتباس