عرض مشاركة واحدة
قديم 12-30-2010, 12:57 PM   رقم المشاركة : 2
دفء المشاعر
(يارب عفوك)

 
الصورة الرمزية دفء المشاعر
الملف الشخصي





الحالة
دفء المشاعر غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي رد: كتاب مسير الارواح في البرزخ‎

تأملت مع نفسي من الأفضل أن أنسحب ولا أدخل القبر مع الجسد ٬ ولكن لشدة تعلقي بالجسد جئت إلى جا نب
الجنازة ٬ وفي طرفة عين بدأت الأيدي تهيل التراب على الجسد .
... حل أوان الغربة ...
انتابني السرور لكثرة الذين جاؤوا لمواراة جثماني الثرى ٬ وشعرت بالمتعة لحضورهم وتلاوتهم للقرآن
والصلوات على النبي وآله ٬ ثم أخذ الحاضرون بالانصراف شيئاً فشيئاً ولم يبقى منهم إلا نفر يقدرون بعدد
الأصابع ٬ ولكن لم يمض من الوقت إلا القليل حتى تركوني وحيداً – وهذا مالم أصدقه – ربما لا تتصورون
ما جرى علي في تلك اللحظات ٬ فلم أكن أتوقع منهم هذا الجفاء ٬ أولادي ٬ بناتي ٬ زوجتي وكذلك أصدقائي
المقربين الذين لم أبخل عليهم بالمودة ٬ لكنهم سرعان ما انصرفوا وتركوني وحيد اً! وددت لو أصرخ فيهم :
أين تذهبون ؟ ابقوا معي ٬ لا تتركوني وحيداً ... في تلك الأثناء سمعت منادياً ينادي في الناس : توالدوا
للموت ٬ واجمعوا للفناء وابنوا للخراب ٬ ولكن للأسف فقد كانوا في وادٍ آخر محرومين من الاستماع له ذا
النداء ٬ ولما عرفت أن الناس قد خرجوا من المقبرة ناديتهم : اذهبوا ٬ ولكن اعلموا بأنكم ستنزلون التراب
يوماً صدقتم أم لم تصدقوا ٬ شئتم أم أبيتم ٬ اعلموا فوا لله لا يؤخر الأجل .
بعد كل ذلك الصراخ والعويل رجعت إلى نفسي فوجدت أن كل ما بقي لي هو قبر مظلم موح ش مهول يثير
الغموم ٬ فاستحوذ علي الرهبة ٬ أخذت أفكر مع نفسي : وكأنهم قد قذفوا في فؤادي كل ما في أفئدة أهل
الأرض من غموم وكل مافي الدنيا من قلق ٬ وإنه غم ورعب لو نزل على بدن الإنسان لأهلكه ٬ ونتيجة لذلك
الضغط النفسي بكيت وسالت دموعي ساعات وساعات .
أخذت أ تذكر أعمالي فأدركت قلة بضاعتي ٬ فتمنيت لو عدت مع الذين كانوا قد اجتمعوا على قبري ٬ كي
أقضي عمري بالعبادة وإحياء الليل والأعمال الصالحة وأنفق ما كنت جمعته خلال السنوات الأخيرة من
عمري على الفقراء ٬ ليتني ... ليتني .
وأنا غارق في بحر أفكاري ارتفع صوت من يسار القبر : إنك تتمنى العودة عبثاً ٬ أغلقت صحيفة حياتك !
فرعبت لذلك الصوت في تلك الظلمة وكأن أحداً قد دخل القبر ٬ فسألته بصوت مهزوز : من أنت ؟
فأجاب :
أنا رومان من ملائكة الله ( تعال ى) .
قلت : لعلك عرفت مايدور في ذهني !
قال : نعم .
قلت : أقسم لو تركت ني أعود إلى ذلك العالم لن أعصي الله أبداً وأعمل على كسب رضاه . اليوم حيث انصرف
عني كل من أعرفهم بل وحتى أفراد أسرتي وتركوني ٬ أدركت غدر الدنيا ٬ فاطمئن إذا رجعت إلى الدنيا لن
أغفل لحظة واحدة عن طاعة خالقي وعبادته !
قال : إنها كلمة أنت قائلها ٬ لكن اعلم أن الواقع غير ما تتمناه فلا بد أن تمكث في البرزخ من الآن وحتى
قيام الساعة .
بعد ذلك باشر بإحصاء أعمالي الصالحة والطالحة تلك الأعمال التي ارتكبتها طيلة حياتي وسجلها الكرام
الكاتبين .

عجباً لها من صحيفة تضم حتى أصغر أعمالي صالحها وقبيحها ٬ وفي تلك اللحظات شاهدت أعمالي أمام
عيني .
كنت أفكر بثقل أعمالي وخفتها فبادر ( رومان ) إلى تعليق صحيفة أعمالي في رقبتي بحيث شعرت وكأن جبال
الدنيا كلها علقت في عنقي .
ولما أردت أن أسأله عن السبب في ذلك ٬ قال : كل إنسان يطوق بأعماله .
قلت : وإلى متى يجب أن أتحمل ثقل هذا ا لطوق ؟
قال : لا تقلق ٬ بعد ذهابي سيأتي منكر ونكير للمساءلة ثم تزول هذه المشكلة عنك .
قال رومان ذلك وانصرف .
... مساءلة القبر ...
لم يمض الكثير من الوقت على انصراف رومان تناهت إلى أسماعي أصوات غريبة عجيبة ٬ وأخذت
الأصوات تقترب أكثر فأكثر ويزداد فيّ الرعب والرهبة ٬ حتى وقف أمام عيني شبحان ضخمان مذهلان وبلغ
اضطرابي ذروته لمّا شاهدت في يد كل منهما عموداً ضخماً من حديد يعجز من في الدنيا عن تحريكه ٬ ثم
فهمت أنهما نكير ومنكر .
فتقدم أحدهما مني فصاح صيحة لو سمعها أهل الدنيا لماتوا . وتصورت أن أمري قد انت هى . وبعد لحظات
تكلما وباشرا بالسؤال : من ربك ؟ من نبيك ؟ من إمامك ؟ فتلكأ لساني من شدة الخوف والرعب ٬ وتوقف
عقلي ٬ وبالرغم من أن فهمي وعقلي ازداد عمّا هو في الدنيا مئات المرات لكنه قصُر هنا ... كنت أعلم
بنزول أعمدتهم على رأسي إن لم أُجبهم ٬ ما عساني فاعل ؟ أطرقت برأسي وأخذت بالبكاء وتهيأت لنزول
الضربة .
في تلك اللحظات حيث كنت أتصور أن كل شيء قد انتهى ٬ تعلق فؤادي برحمة الله (تعالى ) وشفاعة
المعصومين ( عليهم السلام ) .
فأخذت أردد : يا أفضل خلق الله وعباده ٬ لقد كنت طيلة عمري أطلب منكم أن تدركوني عندما أحل في قبري
٬ وليس من كرمكم التخلي عني في هذا الحال !
هنا ارتفعت أصوات أولئك بالسؤال . ولم يمض إلا قليل من الوقت حتى استنار قبري ٬ وأصبح نكير ومنكر
أكثر شفقة فسُرّ قلبي واطمأن روحي وانفتح لساني ٬ فأجبتهم بشجاعة وصوت عال : الله ربي ومحمد نبيّ ٬
وعلي وأولاده أئمتي ٬ القرآن كتابي ٬ الكعبة قبلتي .... إلخ ٬ ولقد وددت لو أعادوا السؤال كي أجيبهم بكل
قوة .
وفي الوقت الذي بدا نكير ومنكر رضيا فتحا من تحت قدمي باباً إلى جهنم وقالا : لولا أنك قد أحسنت الجواب
لكان مستقرك هناك . ثم أغلقوا ذلك الباب وفتحوا من أعلى رأسي باباً أطلّت على الجنة فبشروني بالسعادة ٬
ومع هبوب نسيم الجنة امتلأ قبري بالنور واتسع لحدي واسترحت قليلاً .
وهنا انتابتني حالة من السرور العارم والسعادة لخلاصي من ضيق القبر وظلمته
... الحضور عند الغربة ...
لم يستمر سروري لظفري في أول اختبار وسرعان ما زال ٬ وبزواله أدخل فيّ حالة من الشعور بالضيق
والغربة فأخذت أفكر مع نفسي : لقد كان لي في الدنيا الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقارب ٬ وكانت لي
بهم علاقة طيبة وحميمة ٬ بيد أن يدي أصبحت صفراً منهم .
يا إلهي ! كيف أتحمل الغربة في هذه اللحظات العصيبة الق اسية ؟! وهل سيستمر همُّ الغربة مسيطراً عليّ في
هذا العالم ؟ أ طرقت برأسي وأخذت أبكي دون اختيار مني ٬ وما هي إلا لحظات حتى تناهى إلى مشامّي عطر
طيب للغاية ٬ وأخذ يزداد ويزداد
وفي الوقت الذي كان كتابي يثقل كاهلي رفعت رأسي بصعوبة فشاهدت رجلاً يقف أمامي فأدهش ني وجوده ٬
لقد كان شاباً حسن الوجه طيب الأخلاق ٬ فمسح الدموع من عينيّ بيده وابتسم لي .
فبادرت بالسلام تعبيراً عن تأدبي أمامه وجلست على ركبتي أنظر مدهوشاً إلى عينيه وأردد : تبارك الله
أحسن الخالقين . ثم سألته بصوت واضح :
من أنت حتى جئت تسليني وتصحبني في هذه اللحظات المليئة بالغربة والاضطراب؟
فأجاب مبتسماً :
لست غريباً ٬ وهذه الديار تعرفني حيث أكون قريناً ورفيقاً ومؤنساً في هذا الطريق الخطير .
قلت : إنه الفلاح ٬ ولكن من أنت ؟ لا شك أنك غريب على أهل ذلك العالم ٬ فلم أرَ مثلك جمالاً مدى حياتي .
فقال و لم تزل تلك الابتسامة مطبوعة على شفتيه : الحق معك أن لا تعرفني ! فلقد كنت في ذلك العالم قليلاً ما
تهتم بي . فأنا ثمرة أعمالك الصالحة وها أنت تراني بهذه الهيئة . اسمي ( حسن ) وأنا الذي آخذك بيدك في
هذا الطريق الخطير .
حضور الذنب
ثم أمرني – يعني ( حسن ) أ
ن أسلمه كتابي بيدي اليمنى . فناولته إياه وقلت : لك جزيل شكري وتقديري
لأنك أنقذتني من غربتي وسترافقني وتواسيني في رحلتي هذه .
قال : : سوف لن أدعك وحيداً ما استطعت ٬ إلا ....
تغير لون وجهي فسألته مرعوباً :وماذا ؟
قال : إلا أن يتغلب عليّ ذلك القادم فتبقى أنت وهو !
سألته : ومن ذاك ؟
قال : إن كل ما أعرفه هو إنك سلّمتني صحيفة أعمالك اليمنى أما صحيفة أعمالك التي في الشمال فهي ما
زالت معلقة في عنقك ولا تدع شيئاً إلا أحصته . وهنالك شخص آخر اسمه ( الذنب ) سيستلمها منك ٬ فإذا ما
تغلب عليّ ستكون رفيقه حينذاك ٬ وإلا فإنني سأرافقك على مدى هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .
قلت : سأعطيه الصحيفة مباشرة حتى يذهب ٬ قال ( حسن ) : إنه نتيجة أعمالك القبيحة وخطاياك ويحب






التوقيع :
معكم معكم ياشعب البحرين

رد مع اقتباس