عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2015, 04:45 AM   رقم المشاركة : 2
صلاتي حياتي
(مشرفة منتدى الإمام الحسين عليه السلام)

الملف الشخصي




الحالة
صلاتي حياتي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي رد: الحرّية في الإسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم


أمثلة من سيرة أمير المؤمنين سلام الله عليه

ولو انتقلنا من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أهل بيته سلام الله عليهم لرأينا الحالة نفسها. فها هو الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قد كان مبتلىً بأشخاص ذوي نفسيات وضيعة تردّ عليه وتقطع كلامه وتجادله بالباطل بل حتى تتطاول عليه، وهو مع ذلك لا يأمر بقتلهم وسجنهم ونحو ذلك، وهو الحاكم الأعلى الذي بايعته الأمّة قاطبة ناهيك عن كونه مُنَصّباً من قِبل رسول الله صلى الله عليه وآله وبأمر من العليّ القدير، بل كان يجيبهم ويترك لهم حريّة العقيدة ما لم يتآمروا ويلجأوا إلى استعمال القوّة والسيف.
عاش في عصر الإمام شخص يُسمّى ابن الكوا، وكان مشاغباً وذا مشاكل ومتاعب، يردّ على أمير المؤمنين سلام الله عليه ويناقشه دائماً، حتى والإمام على المنبر، ومع ذلك تركه الإمام وشأنه يعيش في المجتمع دون أن يفرض عليه شيئاً(9).
وهناك جرثومة أخرى ومنافق آخر يُدعى عمرو بن حريث، من طراز معاوية وأبيه، ومهما يُقال فيه من عيوب النفس ودناءة الخلق فقليل بحقّه، كان ممّن يحضر المسجد ويستمع إلى خطب أمير المؤمنين سلام الله عليه ثم يقطع حديثه متهكّماً. وإذا أخبر أمير المؤمنين سلام الله عليه عن أمور غير ظاهرة ـ أي غيبيّة ـ ترك ابن حريث أعماله وجرى خلف ما أخبر به أمير المؤمنين سلام الله عليه يزعم أنّه يريد أن يكشف للناس كذب أبي تراب!! وظلّت هذه الحسرة في نفس ابن حريث تنغّص عليه حياته حتى ذهب إلى قبره همّاً ونكداً دون أن يفلح في كشف ولو كذبة ـ حسب ما يزعم ـ لأبي تراب؛ وكأنه قد غفل ـ حاله حال المنافقين ـ أنه لا يتردّد على لسان أبي تراب سوى الصدق والواقع. عاش هذا المنافق في ظلّ عليّ سلام الله عليه وبعده، والإمام علي سلام الله عليه لم يصنع معه أيّ شيء، ولم يقل له يوماً تخلّ عمّا أنت عليه وإلاّ ضربت عنقك! لأنّه إمام الإسلام؛ دين حرية الفكر والعقيدة.
أجل، إنّ من عرف الحقّ ولم يترك الباطل فإنّ مصيره يوم القيامة إلى جهنّم وبئس المصير. أمّا في الدنيا ف‍ (لا إكراه في الدين) ليتمّ الامتحان ويُعرف الطالح من الصالح، ويُميّز الخبيث من الطيّب. فإنّ ابن حريث هذا امتدّ به العمر حتى كان من الشهود ضدّ ميثم التمّار رضوان الله عليه حينما أراد الطغاة الطغام من بني أمية قتله، فقال في حقّه ـ ليدلي بشهادته ضده لكونه من أصحاب عليّ الحق ومواليه ـ : «هذا الكذّاب مولى الكذّاب» ـ يعني الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه مولى الصادقين وإمام المتّقين ـ(10).
أرأيت نفسية هذا المنافق؟! إنّ رجلاً مثل هذا عاش مع أمير المؤمنين سلام الله عليه ثلاثين سنة وكان سلام الله عليه رئيساً وحاكماً بيده القوّة، ومع ذلك لم ينل منه!
فهل يوجد في تاريخ العالَم رئيس كعليّ؟! وهل رأيتم سماحة كسماحة الإسلام؟ وهل رأيتم حرية كقوله تعالى: (لا إكراه في الدين)؟!
عن ابن عباس قال:
مرّ أمير المؤمنين سلام الله عليه بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: يا حسن أسبغ الوضوء. فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، يصلّون الخمس ويسبغون الوضوء.
فقال له أمير المؤمنين سلام الله عليه: «قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟» فقال: والله لأصدقنّك يا أمير المؤمنين، لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلتُ وتحنطتُ وصببتُ عليَّ سلاحي، وأنا لا أشك في أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فلمّا انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني منادٍ: يا حسن إلى أين؟ ارجع فإنّ القاتل والمقتول في النار! فرجعت ذعراً وجلست في بيتي فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشكّ أن التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنّطتُ وصببتُ عليَّ سلاحي وخرجت إلى القتال حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني منادٍ من خلفي: يا حسن إلى أين؟ مرّة بعد أخرى، فإنّ القاتل والمقتول في النار!
قال علي سلام الله عليه: «صدقك أفتدري مَن ذلك المنادي؟» قال: لا.
قال سلام الله عليه: «ذلك أخوك إبليس، وصدقك إنّ القاتل والمقتول منهم في النار».
فقال الحسن البصري: الآن عرفتُ ياأمير المؤمنين أنّ القوم هلكى»(11).
حقّاً هل يجرؤ أحد من الرعية أن يكلّم رئيساً بهذا الكلام ـ والإمام مع ذلك يلاطفه ويحاوره ـ حتى في عصرنا هذا؛ حيث يمضي على صدر الإسلام أربعة عشر قرناً، وتطوّر العالَم حتى صار يسمّى عصرنا بعصر الحرّيات؟!
لقد قتل وشرّد «لينين» ـ رئيس جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وأمين سرّ الحزب الشيوعي السوفيتي ـ وحده في عصر الحرية والتقدّم خمسة ملايين إنسان من أجل تطبيق مادّة قانونية واحدة من قانون المزارع الجماعية في الاتّحاد السوفياتي السابق!!
وفي العراق ـ الذي حكمه أمير المؤمنين بحرّية بلا نظير ـ كان أحد الرؤساء يوماً ما يخطب فانبرى أحد المواطنين ليردّ عليه ويناقشه، فقام الجلاوزة باعتقاله وسجنه وتعذيبه وقتله، لأنّه قال كلمة ينتقد فيها رئيساً في القرن العشرين!!
وحدثت قصّة شبيهة لهذه القصّة في بلد آخر ـ كما طالعتنا الصحف حينها – وحلّ به المصير نفسه!! كلّ ذلك ونحن في ما يُسمّى بعصر الحريات. فهل هذه هي الحرية حقّاً أم الحرية الموجودة في ظلّ الإسلام؟!
لقد أُقصي الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه خمساً وعشرين سنة ثم توجّهت إليه الأمّة وتزاحمت على بابه للبيعة حتى لقد وطئ الحسنان(12). ومع ذلك ذكر المؤرخون ـ سنّة وشيعة ـ أنّ الإمام بعدما بويع، ارتقى المنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان المسجد مكتظّاً بالناس الذين حضروا لاستماع أوّل خطبة لابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيّه وخليفته الحقيقي الذي أُبعد عن قيادة المسلمين خمساً وعشرين سنة، بعد أن آل إليه الحكم الظاهري، ثم أمر جماعة من أصحابه على رأسهم ابنه الإمام الحسن سلام الله عليه أن يذهبوا إلى الكوفة وينظروا هل فيها مَن لا يرضى بخلافته. فقال الناس بأجمعهم: رضينا بأمير المؤمنين ونطيع أمره ولانتخلّف عن دعوته، والله لو لم يستنصرنا لنصرناه، سمعاً وطاعةً(13). بل حتى طلحة والزبير لم يتخلّفا عن بيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه عندما انعقدت له، ولكنهما نكثا بعد ذلك، ولم يعترض أيّ أحد في هذا الأمر ولو حصل لما عاقبه الإمام بالقتل أو السجن أو الضرب ولا قال له شيئاً من شأنه أن يهينه أوينال منه، فهل رأيتم أو سمعتم مثل هذا في عصر الديمقراطية الحديثة؟! والتي تعني ـ من جملة ما تعنيه ـ حكم الأكثرية، فلو حصل شخص ما على واحد وخمسين في المئة من الأصوات فهذا يخوّله لأن يصبح رئيساً للبلاد ـ وهذا يعدّ من أكبر أخطاء الديمقراطية، وبحثه موكول إلى محلّه ـ أمّا الإمام علي سلام الله عليه فقد بايعته الأكثرية المطلقة من الناس ومع ذلك يصعد المنبر ليبحث إن كان هناك معارض له أم لا، وليبحث عن سبب معارضته له! فهل تجدون لهذا نظيراً في التاريخ؟!
لقد كتب محبّو «صلاح الدين الأيوبي» أنّه قتل قرابة مليون إنسان ـ في عصر كان سلاحه السيف ـ ليس لشيء إلاّ لأنّهم يختلفون معه في الرأي.
فأين هذا من سيرة النبي صلى الله عليه وآله الذي حاربه قومه عشرين سنة وأخرجوه من داره، ولكنّه عندما عاد إليهم ظافراً بنصر الله وعزّته وقدرته لم يجبر أحداً منهم على اتّباع دينه، بل قال: «مَن أغلق بابه فهو آمن، ومَن ألقى سلاحه فهو آمن، ومَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»(14). ولم يقل مَن أسلم وشهد الشهادتين فهو آمن، مع أنّ مهمّته صلى الله عليه وآله هي تبليغ الشهادتين؛ لأنّ حرية الرأي في نظام الله وقانون الإسلام لا تقلّ تقديساً من الشهادتين. فالإسلام يسعى لجعل الناس أحراراً. قال تعالى: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(15).



اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء الراضين المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك
والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته






رد مع اقتباس