عرض مشاركة واحدة
قديم 09-25-2011, 07:00 AM   رقم المشاركة : 1
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

7 أحسنُ ما أنزلَ في قصَة طالوتَ وجالوت, وقتلَ داوود جالوت: تفسير الشيخ الحجاري الرميثي




(سُورَةُ البَقرَة تَفسِير قِصَة طالُوتَ وَجالُوتَ)



أَلَمْ تَـرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ

لَـنَا مَلِـكاً نُقَاتِـلْ فِي سَـبِيلِ اللَّهِ قَـالَ هَـلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِـبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا

تُقَاتِلـُوا قَالـُوا وَمَـا لَـنَا أَلَّا نـُقَاتِلَ فِي سَـبِيلِ اللَّهِ وَقَـدْ أُخْرِجْـنَا مِـنْ دِيَارِنَا

وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ

(246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ

لَـهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَـمْ يُـؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ

اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ

يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِـعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَـةَ مُلْكِـهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ

التَّابُوتُ فِيـهِ سَكِينَـةٌ مِـنْ رَبِّكُـمْ وَبَقِيَّـةٌ مِمَّا تَـرَكَ آلُ مُـوسَى وَآلُ هَارُونَ

تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)


(أَلَمْ تَـرَ إِلَى الْمَلأِ) هـذِهِ الآياتُ الكَريمَةُ نَزَلتْ فِي قِصَّةِ طالُوتَ وَجالُوتَ

وَداوُود, فَأخبَرَ اللهُ تَعالى عَنها رَسُولَهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: يَعنِي, ألَـمْ

تَـرَ يا مُحَمد إلى أشْـرافِ القـَوْمِ (مِـنْ بَنِـي إِسْرائـِيلَ) قـَدْ حاطـُوا حَـوْلَكَ

يُرِيدُونَ التَحَدِثُ مَعَكَ بِمّا أَنْزَلناهُ عَليْكَ مِـنَ البَيناتِ بِحَـقِّ نَبِيِّهم صَمْؤيل

الذِي جاءَهُم مِـنْ بَعـدِ مُوسى حِينَ طَلَبُـوا أسْلافَهُم مِنْهُ أنْ يُوَّلِي عَلَيهِم

مَلِكاً بَعدَ تَفَرقِهِم لِيَجْتَمِعُونَ تَحتَ قِيادِتِهِ, وَيَقُودَهُم تَحتَ لِواءِهِ يُقاتِلـُونَ

أعداءَهُم فِي قَََوْمِ جالُوتَ الطاغِيَة, فَسُمُّوا مَلأ لأنَ هَيبَتَهُم تَمْلأُ الصِدُورَ

وَالعِيُونَ فـَرَحاً وَبَـهاءً,, وَهُـم مَلِئُـونَ فِيمّا يَزْعَمُـونَ أنَ بِأيْـدِيَهُم دَلائِـلٌ

يُريدُونَ أنْ يَسْنِدُونَها إلَيكَ مِنَ عِلُومٍ فاحذَرَهُم فإنَهُم الشَياطِينُ لَمْ يَتَبِعُوا

أثـَرَ الأنْبياءِ وَالمُرسَلِينَ بِتَزييفِهِم عَلى الإنْكارِ وَالجِحُودِ لِرسالاتِهِم وَاللهُ

يَعلَمُ بِهِم وَسَيَجْزيهُم جَـزاءَ الظالِمِينَ بِمّا كانـُوا يَكْذبُون, وَلكِنْ (مِنْ بَعْـدِ

مُوسَى) غَزاهُم جالُوتَ عِنْوَةً وَأخْرَجَهُم عَنْ دِيارِهِم وَسَبيَّ الأهْلِ, وَأسَرَ

الأوْلاد, وَضَرَبَ عَليْهِم الجِزيَةَ,,

(إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) وَهُـوَ صَمْؤيل, حِينَ اشْتَـدَّ عَليْهم الأمْـرُ مِـنْ جالُوتَ

(ابْعَـثْ لَنَا مَلِكاً) نَكُونُ تَحتَ أمْرَتِـهِ لاَ نـُفَرق بَيْنَكَ وَبَينَهُ فِي شَيءٍ عَسى

أنْ يَجْمَعَ اللهُ تَعالى شَمْلَنا وَيَقُودَنا تَحتَ لِوائِهِ لاسْتِردادِ عِزتِنا (نُقَاتِلْ فِي

سَبِيلِ اللـَّهِ) كَوْنِنا هُجِرْنا مِنْ دِيارِنا لِنَسْتَردَ كَرامَتِنا, وَلكِنْ كانَت أمْنِيَتَهُم

لِلقِتالِ لاّ لأجْلِ السَبيل وَإنَما مَرْجُوَةً مِنهُم ظاهِرَةٌ فِي حالِهِم السَيئ,,

(قَالَ) نَبِيَهُم صَمْؤيل (هَـلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا) يَعنِي

هَـلْ الأمْـرُ وَشِدَّتـُهُ كَمّا أتَوَقعَـهُ مِنكُم إنَكُـم مصِّرُونَ حَـقاً عَلى القِتالِ, أمْ

تَجْبنُونَ لأنَنِي أرى الاسْتِفهامُ لِتَقريرَكُم المَوَقََع فِي القِتالِ فَإنَهُ كائِنٌ عَلى

الكِذبِ, أوَليْسَ الحِجَة لـَوْ كُتِـبَ عَلَيْكُم الْقِتَالُ مِـنَ اللـَّهِ سَتِجبُونَ بـِهِ مِـنْ

قلُوبِكُم (قَالـُوا وَمَا لَـنَا أَلَّا نـُقَاتِلَ فِي سَـبِيلِ اللـَّهِ وَقَـدْ أُخْرِجْنَا مِـنْ دِيَارِنَا

وَأَبْنَائِنَا) أيْ: نَسَّبُـوا الإخْراجَ إلى الأبْـناءِ وَالدِيارِ التِي هِيَّ سَبَبُ مَنْعَهُم

مِنَ التَصَرفِ وَالتَمَتُعِ فِيها فَتَحَقَقت تِلكَ الأمانِي الكاذبَةِ وَالآراءُ الفاسِدَةِ

بِمّا أوْدَعُوها بأنفُسِهِم بأنَهُم صادِقونَ عَلى القِتالِ فِي سَبيلِ اللهِ,, فَأجابَ

اللهُ رَغبَتَهُم عَلى أمانِيِهم وَفرَضَ عَليْهُم القِتالِ لِمقاتَلَةِ جالُوتَ, وَهُوَ كُلُّ

مَا أَمَرَ اللهُ بهِ مِنَ الخَّيْرِ فهُوَ مِنْ سَبيلِهِ, وَمِنَ الطُّرُقِ التِي تـُؤدِي إِلَيهِ،,

وَاسْتُعمِلَ السَّبيلُ فِي الجِهادِ أَكْثرُ لأَنَهُ السَّبيلُ الذِي يُقاتِلُونَ فِيهِ عَلى عَقدِ

الدِيـن، حَتى وَإنْ أُريـدَ بـه غَـزْوَّ عَـدِوٍّ كافِـرٍ وَلاّ يَجِدُونَ دُونـَهُ ما يُبَلِّغُهُم

مَغْزاهُم (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا) مُدْبرينَ وَهُم الشُعبَةُ الثالِثَة الذِينَ

كَرَعُوا مِنَ النَهْرِ,,

وَالمُرادُ مِنْ مَعنى (كُتِبَ عَلَيْهِمُ) الكِتابَةُ تَـدِلُ عَلى بَـيانِ الأمْرِ, وَالفَرْضِ

وَالحُكْمِ, وَالقَدَرِ فِي القِتالِ, وَإنْ كانَ هُـوَ كُـرْهٌ لَهُم, وَالكُـرْهُ هُـوَ المَشَقةُ

التِي يَدرُكُها الإنسانَ مِنْ نَفسِهِ, لأنَّ الحَرْبَ مَهْمّا يُتفَاءَلُ بِها وَتـُكْرَه لِمّا

فِيها مِنَ القَتلِ وَالشَرِّ وَالأذَى, وَلكِنَها عِندَ اللـِّهِ صَوْناً لِمَقامِها عَـنْ هَتكِ

المُؤمِنِينَ فَيَتَضَمَنُ مِن خِلالِها الأمْنُ وَالرَفاهِيَةُ, وَفِيها قالَ اللهُ عَزَّ وَجَل

(إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) تُقاتِل: وَهِيَّ الشِعبَةُ الثالِثة الذِينَ لَـمْ يَشرَبُوا مِـنَ النَهْـرِ

فِيمّا اختَبَرَهُم اللهُ فِيهِ يُقاتِلُونَ فِي سَبيلِهِ وَهُم نِصْفُ ربْع العُشْر, فََتِكْرارُ

كَلِمَة القِـتال فِـي الآيـاتِ عَسى أنْ تَفـِيد لِتَنبيه كَـوْن المُؤمِـنِينَ كارهِـينَ

لِلحَربِ وَمُحِبِّينَ لِلسِلْمِ,,

وَالمُرادُ مِنْ مَعنى القِتالِ: فلاّ عِبْرَةٌ لِكِرهِكُم وَحبِكُم فإنَهُمَا خاطِئانِ بِحُكْمِ

الواقِعِ الشَرعِي لأنَ الحَربَ عِـندَ اللـَّهِ تَعالى صَـوْناً لِمَقامِها عَـنْ هَتكِكُـم

وَبِقَتلِ المُشْركِينَ فإنَ شِركَهُم باللـَّهِ أشَـدُ قُُبْحاً مِنَ القَتلِ, كَمّا أنَ بَقاءَهُم

فِتنَةٌ عَليْكُم بالتَخْويفِ وَالإيْـذاءِ أصْعـَبَ مِنَ القَتلِ, فـَلاّ تَسْتَعظِمُوا قِتالَهُم

لأنَ فِي قََتلِهِم تَسْتَقرُ الحَياةَ الدُنيا مِنْ شَرِهِم, وَفِي الفِتنَةِ انْهِدامُ الدارينِ

الأوْلى وَالآخِرَةِ وَالآيَة دالَّةٌ بِمّا تُشِير (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أيْ: بَعدَمّا

أوْحى اللهُ لِرَسُولِهِ مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: إنَهُم لَكاذِبُونَ سَيَتَولُونَ

عَنْ قِتالِكَ كَمَا تَولُوا عَنْ طالُوتَ حِينَمَا أرهَبَهُم جَيشُ جالُوت, وَاللهُ عَلِيمٌ

أيْ, وَعِيدٌ لَهُم عَلى ظُلْمِهِم بالتَوَّلِي عَنْ القِتالِ, وَتَركِ الجِهاد, وَإنكارِهِم

بأقوالِهِم, وَأفعالِهِم بالكِذبِ, فأنَزَلَ اللـَّهُ الذِكْـر الحَكِيم عَلى بَنِّـي إسْرائِيلَ

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) صَمْؤيل: هذِهِ الآيَة اختَلفَ فِيها المُفسِرُونََ: فَقِيلَ الذِي

جاءَ لِبَنِي إسْرائِيلَ نـَبِّياً مِـنْ بَعـدِ مُوسى هُـوَ يُوشَعُ بنَ نـُون إفراثِيم بـنَ

يُوسُف بنَ يَعقُوب عَليْهُما السَلام هُوَ ابنُ أخِت مُوسى وَقِيلَ هُوَ شَمْعُون

بـنَ صعبَة بنَ عَلقمَةَ مِن وَلـَدِ لاوِّى بـنَ يَعقوب، وَقِـيلَ إشْموِّيل بـنَ بـال

وَقِـيلَ ابنُ حَنَة بنَ العافِر وَهُـوَ إسْماعِيل بالعِبْرانِيَة,, وَكُلُ هـذِهِ الأسْماءَ

بَيْنَها وَبَيْنَ طالُوتَ وَداوُد قِرُوناً كَذلِكَ صَمْؤيل, وَاللهُ العالِمُ مَنْ هُوَ نَبِيَهُم

فِي ذيْلِ الآيَة,,

فَطَلَبُوا مِنْ نَبِيِِّهِم صَمْؤيل أنْ يَختارَ لَهُم مَلِكاً قوِّيُ الإرادَةِ, يَتَألَفونَ تَحتَ

رايَتِهِ, وَيَجمَعُونَ أمْرَهُـم تَحتَ قِيادَتِهِ لَعَلَهُم بـِهِ يَنتَصِرُونَ عَلى أعدائِهِم

فقالَ: لَهُم نَبيَّهُم دَعُونِي أسْتَخِيرُ رَبـِّي فِي أمْرِكُـم, وَأسْتَوحِه فِي شَأنِكُـم

فَاسْتَخارَ اللـَّهُ فِيْمَنْ يَصلَح أمْرَهُـم, وَيُدِيـر شِؤُونَهم, فأوْحى اللـَّهُ تَعالى

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) صَمْؤيلُ الذِي هُـوَ مِـنْ بَعـدِ مُوسى لِبَني إسْرائِيلَ ( إِنَّ

اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ) نَبِّياً وَهُوَ مِن سَلالِةِ بِنيامِينَ ابنَ نَبِّي الله يَعقوب

التَقِي فَنَصَّبَهُ اللهَ (مَلِكاً) عَليْكُم, فاعتَرَضَ كِبارُ بَنِّي إسْرائِيلَ عَلى اخْتِيارِ

اللهِ لِطالُوتَ, قائِلِينَ كَيْفَ يَكُون مَلِكاً عَليْنا وَنَحنُ أوْلى مِنهُ,, وَهذا دَأبَهُم

فِي رَفْضِ أوامْرِ اللهِ وَامْتِراءَهُم عَلى الحَقِّ فِي كِتمانِهِ وَهُم يَعلَمُونَ فِيْمّا

(قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا) أيْ: كَيْفَ يَكُونُ طالُوتَ مَلِكاً عَليْنا وَهُوَ

في النَسََّبِ غَيرُ عَريقٍ وَبالجُودِ غَيرُ كَريمٍ,, وَإنَ اللـَّهَ يَعلَمُ إنـَهُ لَيْسَ مِنْ

فِرْعِ لاوِّي بنَ يَعقوب التَقِي, وَلاّ مِنْ غِصْنِ يَهُوذا أكْبَـرُ أوْلادَ يَعقوب ذُو

مَعدَن الِرِياسَة وَالحُكْم (وَنَحْنُ) سُلالةُ لاوِّي بن يَعقوب مِنْ النَبيِّ إسْحاق

(أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) فِي بَيْتِ النُبُوةِ,,

هكَذا كانوا بََنُو إسْرائِيلَ يُعَبِرُونَ إنَ بَيْتَ النُبُوَةَ وَالمُلْك عِندَهُم أحَـقُّ مِـنْ

هذينِ البَيتَينِ, يَقصِدُونَ الفِقـْر بسِلالَةِ يُوسُفَ وَأخِيهِ بِنيامِينَ, وَقالُوا إنَ

اللهَ جَعَلَ النُبُوَةَ وَالمُلْك فِينا فَكَيْفَ يَقبْل الانتِقالُ بالمُلْكِ لِطالُوتَ (وَلَمْ يُؤْتَ

سَعَةً مِـنَ الْمَالِ) وَزَعَمُوا أنَ لابُـدَّ لِلمَلِكِ مِنَ المالِ أنْ يَتَعاضَدَ بـِهِ فَيَكُونُ

مَلِكاً على الناسِ بِمالِهِ, فأنْكَرُوا عَلى طالُوتَ تَمَلِكَهِ لِسِقوطِ نَسَبهِ وَفُقـْرِه

فَلَّمّا التَقتْ عَيْنا طالُوتَ بِصَمؤيْل فَتَعارَفَت أرواحَهُمَا, وَاتَصَّلَت نفُوسُهُمَا

وَوَقعَ فِي قَلْبِ صَمْؤيل إنَ هذا الشابَ الفَقِيرُ قَـَدْ أوْحى اللهُ تَعالى بِتَمَلِيكِهِ

بَنِّي إسْرائِيلَ, فالتَفتَ صَمْؤيلُ إلى طالُوتَ وَقالَ لَهُ إنِي أدعُوكَ لأمْرٍ أجَّلَ

خَطَراً, وَأعظَّمَ مِقداراً, فإنَ اللـَّهَ اخْتارَكَ عَلى بَنِّي إسْرائِيلَ مَلِـكاً لِتَرعى

شِؤُونَهُم, وَتَنصِرَهُم في مَواطِنِ قَـَدْ هُلِكُـوا بِها, وَإنَ اللـَّهَ يَنصِرُكُم عَلى

أعدائِكُم,, قالَ طالُوتَ لِنَبِيهِم مَا أنـّا وَالمُلْكُ وَالسُلطان, وَأنا إلاّ مِنْ أبناءِ

سُلالَةِ بِنيامِينَ بـنَ يَعقوب أخْمَلُ الأسْباطَ ذِكْـراً, وَأضْعَفَهُم قََـَدْراً, وَأقَلَهُم

مالاً, فَكَيْفَ أصِيرُ إلى المُلْكِ وَأمْسِكُ بِحِبالِ السِلطان وَأنا خَرجْتُ مَعَ هذا

الغُلام اليَتِيم أُعِينَهُ فِي رَعيِّ الأغنام كَسْباً لِعيالِي, قالَ صَمْويلُ هذِهِ إرادَةُ

الله وَوَحيَهُ وَأمْرَهُ أنْ يَهـِبَ لَكَ المُلْك فأخَـذَ بِيَـدِهِ: وَ (قَـالَ) صَمْؤيلُ لِبَنِي

إسْرائِيلَ إنَ المَعايِّيرَ التِي تَقِيسُونَ بِها المالُ مَرفوضَةٌ عِندَ اللهِ وَلاّ قِيمَةَ

لَها فِي اختِيارِ قََدْرِ الحاكِم, إنَ زعامَةَ الجَيْشُ وَرئاسَة المُلْك لا يَحتاجان

إلى نَسَبٍ, وَلاّ غِـناءِ المال الذِي يُخْلِف العِقـُول, وَبِهذا (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ

عَلَيْكُمْ) أي: اختارَهُ حاكِماً عَليْكُم وَناصِراً إلَيْكُم لِتوافِرِ صِفاتِ القِيادَةِ فِيهِ

مِنْ سِـعَةِ الخِـبْرَةِ بِشِئُونِ الحَربِ عَلى جالـُوتَ,, فاخـْتارَهُ اللـَّه بَعـدَ أخْـذِ

خَلاصَة الحَقّ وَصَفوَتَهُ بِمَا تَحَقَقَ مِنْْهُ مَعنى العِبُودِيَة,,

وَهذا طالَوت فَضَّلَهُ اللـَّهُ عَليْكُم لِمَا فِيهِ مِنَ الكِفايَةِ وَالعِنايَةِ وَالقـُدرَةِ فِي

الرِياسَةِ وَالسُلْطان (وَزَادَهُ بَسْطَةً) أيْ: فِيمَا رَزَقَهُ اللهَ تَعالى مِنْ مَواهِبِ

الزَعامَةِ بالرياسَةِ وَالمُلْكِ, فإنَ اللّهَ هُوَ الباسِطُ الذِي يَبْسُطُ الرِزقَ لِعِبادِهِ

وَيَوسَّعَهُ عَليهِم بجُودِهِ وَرَحمَتِهِ, ويَبْسُطُ الأَرواحَ فِي الأَجْسادِ عندَ الحَياةِ

سِعَةً وَقُوَّةً وَقَدراً (فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) فلاّ يَتُم المُلْك إلاّ بِطالُوتَ لاسْتِقرارِ

السِلْطَةِ, وَلِتَجتَمِعِ الأُمَةَِ تَحتَ إدارَةٍ واحِدَةٍ, وَلاَ تَتِم هذِهِ الإدارَة إلاّ بالعِلم

بِمَصالِحِ تَفَقِه الناسِ عَـنْ مَفاسِدِها, وَبالقِدرَةِ الجِسْمِيَة هُـوَ أعظَمُ مَا فِي

النِفـُوسِ فِي بَنِي إسْرائِيلَ, وَأقوى عَلى مُكابَـدَةِ الحِرُوبِ, بِصُلْبْهِ العَضْل

المَتِين العَصَب العَريض الألْواح,, وَكُلُّ هـذا وَسَّعَهُ اللـَّه اسْتِعداداً فِطْرياً

وَمَيْلاً لِلحَرْبِ غَرَزِياًً, فَهُوَ رَحْبُ الذِراعِ, طَوِّيلُ الباعِ, شَدِيدُ الأمْرِ,, هذا

هُوَ طالوتُ الذِي أوْحى اللـَّهُ إليهِ بِتَمَلِكِهِ, وَآذَنَهُ عَليْكُم أنْ يَحْمِلَ الزَعامَةَ

وَالمُلْك (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) فالمُلكُ للهِ وَحدَهُ لَيْسَ لأحَدٍ فِيهِ وَهُوَ

نَصْبٌ إلاّ مّا أعطى الله مِنهُ أيْ هُوَ اللهُ المالِكُ لِجَميعِ الأشْياءِ التِي خَلقَها

فَلَهُ التََصِرف فِيها حَيثمّا يَشاءُ عَلى وَجْهِ الاسْتدلالِ بالعَطاءِ لِعِبادِهِ, لَيْسَ

لأَحدٍ يَمنَعهُ كَونَهُ سُبْحانَهُ الواسِعُ القِدرةَ (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) الواسِعُ هُوَ

اللهُ الذِي وَسِعَ رِزْقـَهُ جَمِيعَ خَلْقِهِ, ووَسِعَتْ رَحمتُهُ كُلَّ شَيءٍ, وَغِناهُ كُلَّ

فَقِيرٍ,, يَعنِي: إنَ رَبَّكُم واسِعُ المُلْك وَالإحاطَةِ مِنْ كُـلِّ جانِبٍ, وَليْسَ هُـوَ

كالمَخلُوقِ الذِي لاَ يَتمُ التَوَجُه إليهِ إلاّ مِنْ جانِـبٍ واحِـدٍ,, فأينَ ما تـُوَّلُوا

وجُوهَكُم أنتـُم جِهَة اللـَّه تَعالى, وَهُـوَ الكَثِيرُ العَطاءِ الذِي يَسَعُ لِمّا يُسْأَل

وَيَعطِي لِمَنْ يَطلـُب, عَلِيـمٌ بِكُـم بِمَا تَفعَلـُونَ, وَهُـوَ المُحِيطُ عِلْمُـهُ بجَميعِ

الأشْياءِ ظاهِرِها وَباطِنِها دَقِيقِها وَجَلِيلِها عَلى أتَمِّ الإمْكانِ,,

قالُوا يا صَمْؤيلُ فَمّا هِيَّ آيَةُ مُلْكِ طالُوتَ عَليْنا (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) صَمْؤيلُ

إنَ دِلِيلَ صِدقِي باللـَّهِ عَلى ( إِنَّ آيَـةَ مُلْكِهِ ) لِطالُوتَ (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ)

لِيُعِيدَ لَكُم صَندُوق التَوراة الذِي سُلِبَ مِنكُم مِنْ قَبل سَوْفَ تَجِدُونَهُ تَحمِلُهُ

المَلائِكَةُ وَفِيهِ آثارُ آلِ مُوسى وَآلِ هارُونَ وَهُوَ مِنَ التَوْبِ فَسُمِّيَ التابُوت

بِمَعنى الرِجُوع إليهِ يَنفَعَكُم إلى إتباعِ طالُوتَ وَالرِضا بهِ إنْ كُنتُم تَذعَنُونَ

لِلحَقِّ وَتـُؤمِنُونَ بـِهِ, وَهُـوَ نِعمَةٌ مِـنْ نِعَّـمِ اللـَّهِ عَلَيْكُم, يَحمِلُ فِيـهِ ألْـواح

النَبِّي مُوسى مّا تَرَكَها لَكُم, فَإذا اشْتَبَكْتـُم مَعَ أعدائِكُم أُلقـُوا ذلِكَ التابُوت

فِي ساحَةِ الوَغى بَيْنَ صِفُوفِكُم فَيَنْشُر فِي قِلُوبِكُم سَكِينَةً وَاطَمِئناناً وَأنتُـم

تَنظِرُونَ بِمَا يَبْعَثُ اللـَّهَ فِي أعدائِكُم هَلْعاً وَفـَزَعاً لِسِرِّ عَجِيبٍ فِيـهِ أخَصَهُ

اللـَّه (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بَلْ: فِي التابُوتِ مَا تَطمَئِنـُونَ إليهِ هُـوَ كُتابُ

التَوراة مِنَ السَكِينَةِ مِمَا تَسْكِنُونَ إلَيهِ, وَهُوَ لَكُم مِنْ مَراتِبِ كَمالِ الإيْمانِ

(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) وَهُم سُلالةِ مُوسى الخَاصَةُ مِنْ

أهْلِـهِ وَهارُونَ قَـدْ تـُرِكا لَكُم التابُوتَ, فِـيهِ نِسْخَـةٌ الألـْواحِ التِي جاءَ بِها

مُوسى حِينَ سارَ إلى مِقاتِ رَبـهِ مِنْ طـُورِ سَيْناءَ حِينَ كَلَمَهُ رَبَّـهُ الكَريم

وَقَرَبهُ وَأدناهُ إليهِ حَتى سَرَت فِي نَفسِهِ رَوعَةٌ هَزَتْ فؤادَهُ بِنـُورِ الشَوْقِ

(تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) فَهَبَطَ التابُوت المُقـَدَس بَيْنَ يَـدَيْ طالُوتَ, وَهُـوَ كِتابُ

التَوراةِ تـُقربُهُ المَلائِكةُ, فِيهِ الألْواح وَسايِـرِ عِلـُومِ الأنبياءِ, وَشَعَرَ بَنـُو

إسْرائِيلَ بالسَكِينَةِ تَمْلأَ قلوبَهُم,,

إنزِل تَحَت وَأكْمِل قِراءَة التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس