العودة   منتديات أبو الفضل العباس عليه السلام > ¤©§][§©¤][ المنتديات الإداريه ][¤©§][§©¤ > أرشيف أبو الفضل العباس (ع)
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-23-2009, 10:41 PM   رقم المشاركة : 1
ام جواد
( عضومـاسي متألق )

 
الصورة الرمزية ام جواد
الملف الشخصي




الحالة
ام جواد غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي عقائد الوثنين في العصر الجاهلي

عقائد الوثنيين في العصر الجاهلى
إنّ الوقوف على عقائد الوثنيين في العصر الجاهلى يسلط أضواء على البحث الحاضر، فإليك بعض عقائد الوثنيين من أصحاب الهياكل وأصحاب الأشخاص والحرنانية والدهرية، والتفصيل يطلب من مواضعه.


1. أصحاب الهياكل

وكانوا يقولون: إنّ الإنسان ليس في مستوى عبادة اللّه والاتصال المباشر به، بل لابد له من واسطة، فيتوجه إليه ويتقرب به، وحيث إنّ الأرواح لم تكن في متناول أيديهم، فزعوا إلى الهياكل التي هي السيارات السبع، وكانوا يتقربون إلى هذه الهياكل تقرباً إلى الروحانيات، ويتقربون إلى الروحانيات تقرباً إلى البارئ تعالى، لاعتقادهم بأنّ الهياكل أبدان الروحانيات.

وكانوا يقومون بمراسيم خاصة لدى عبادة هذه الهياكل، فيعملون الخواتيم على صورها وهيئتها وصنعتها، ويلبسون اللباس الخاص به في ساعات مخصوصة من اليوم، ويبخرون ببخوره الخاص، ويعبدون كل واحد من تلك السيارات في وقت معين، ثم يسألون حاجتهم منها، ويسمّونها: «أرباباً» «آلهة» واللّه هو رب الأرباب وإله الآلهة.

1


2. أصحاب الأشخاص

وكان هؤلاء يشتركون مع الفريق السابق ـ في بعض العقائد ـ إلاّ أنّهم كانوا يعبدون أشكال السيارات بدل السيارات نفسها، لأنّ لها طلوعاً وأُفولاً وظهوراً بالليل وخفاء بالنهار، ولهذا صنعوا لها صوراً ثابتة على مثالها، ويقولون: نعكف عليها ونتوسل بها إلى الهياكل، فنتقرّب إلى الروحانيات، ونتقرّب بالروحانيات إلى اللّه سبحانه وتعالى، فنعبدهم (ليقرّبونا إلى اللّه زلفى). 2


3. عقائد العرب الجاهلية

قليل من العرب من كان يتديّن بالدهرية فقالوا بالطبيعة المحيية، والدهر المفني وكانت الحياة ـ في نظرهم ـ تتألف من الطبائع والعناصر المحسوسة في العالم السفلى، فيقصرون الحياة والموت على تركبها وتحلّلها، فالجامع هو الطبع والمهلك هو الدهر، ولكن أغلبهم كانوا يقرّون بالخالق وحدوث الخلق، وينكرون البعث والإعادة وإرسال الرسل من جانب اللّه. 3

ومنهم من كان يعبد الملائكة والجن ويعتبرونها بنات للّه سبحانه ، وصنف منهم كانوا من الصابئة الذين يعبدون الكواكب.

ومنهم من كان ينكر الخالق، وحدوث الخلق والبعث وإرسال الرسل ولكنكلا الفريقين كانوا يعبدون الأصنام ويعتبرونها مالكة لمقام الشفاعة عند اللّه.

ومن العرب من كان يتديّن باليهودية أو بالنصرانية، وكانت المدينة محط الأُولى ونجران محط الثانىة.

وأمّا الطوائف المسيحية الثلاث التي كانت تختلف فيما بينها في السيد المسيح وروح القدس والأب، فكانت عبارة عن: الملكانية والنسطورية واليعقوبية.

وكانت هذه الطوائف رغم اختلافاتها تشترك في عبادة المسيح الذي لم يكن غير رسول.

وفي الآيات المتعرضة لذكر احتجاج إبراهيم، إشارة إلى عقائد عبدة الكواكب والأجرام السماوية. 4

كما أنّه وردت في بيان عقائد المسيحيّين آيات. 5

والآيات التي استنكر فيها القرآن ، الوثنية ـ بشدة وعنف ـ ترتبط بعرب الجاهلية الذين كانوا يعتنقون عقائد مختلفة إذ كان أكثرهم يعبد الأصنام باعتقاد أنّها الشفعاء وأنّها آلهة صغار، ومن هذه الآيات ـ على سبيل المثال ـ :

(وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كَافِرُونَ). 6

(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنفسِهِمْ ). 7


َجَعَلُوا للّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم) 8 .

(افَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى). 9


إلى من تشير هذه الآيات؟

إنّ الهدف الأساسي في هذه الآيات ونظائرها هو: النهي عن دعوة الفرق الوثنية، التي كانت تتخذ الأصنام شريكة للّه في بعض لتدبير أو مالكة للشفاعة على الأقل فكان ما يقومون به من خضوع واستغاثة واستشفاع بهذه الأصنام باعتبار أنّها آلهة صغار، فوّض إليها جوانب من تدبير الكون وشؤون الدنيا والآخرة.

فأي ارتباط لهذه الآيات بالاستغاثة بالأرواح الطاهرة مع أنّ المستغيث بها لا يتجاوز عن الاعتقاد بكونها عباد اللّه الصالحين.

فالمقصود من قوله سبحانه : )وإِنَّ المَسَاجِدَ للّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدَاً)، 10 وما شابهها مما تقدم في أوّل البحث هو الدعوة العبادية التي كان المشركون يقومون بها أمام اللات والعزى ومناة أو الأجرام الفلكية والملائكة والجن، وكأنّ الآية تريد أن تقول:

فلا تعبدوا مع اللّه أحداً.

فلو نهى القرآن الكريم عن إشراك غير اللّه معه سبحانه في العبادة ، فأي ربط لهذه المسألة بمسألة دعوة الصالحين وطلب الحاجة منهم مما يقدرون عليها بإذن اللّه واقداره:

فإذا قال القرآن الكريم :

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْء). 11

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ). 12

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ). 13

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير). 14

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا). 15

(وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ). 16

وما سواها من الآيات مما يوجد في القرآن بوفرة، فكل هذه الآيات مرتبطة بالدعوة التي تكون عبادة للأصنام والكواكب والملائكة والجن، باعتبار أنّها آلهة صغار وباعتبار أنَّها معبودات ومدبّرة للكون وشفعاء تامي الاختيار، ولا مرية في أنّ أية دعوة تكون هكذا، تكون مصطبغة ـ لا محالة ـ بصبغة العبادة، فأي ربط لهذه الآيات بدعوة الصالحين وطلب الشفاعة منهم مع الاعتقاد بأنّهم لا يقدرون على شيء بدون الإذن الإلهى، ومع الاعتقاد بأنّهم لا يملكون أي مقام إلهي وربوبي وتدبير ، وما شابههما؟ فهل يمكن قياس الدعوتين بالأُخرى وبينهما بون شاسع؟

إنّ أوضح دليل على التباين بين هاتين الدعوتين هو أنّ الوهابيين يعتقدون بأنّ مثل هذا الطلب من الأنبياء الصالحين شرك حرام بعد وفاتهم، وجائز مشروع حال حياتهم، وقد أثبتنا ـ فيما سبق ـ أنّ الموت والحياة غير مؤثرين ـ مطلقاً ـ في ماهية العمل، وفي جوازه وعدم جوازه.

ومما سبق تبين ما في فتح المجيد، إذ قال:

وقوله: (أو يدعو غيره): اعلم أنّ الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، ويراد به في القرآن هذا تارة وهذا تارة، ويراد به مجموعهما.

فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، ولهذا أنكر اللّه على من يدعو أحداً من دونه ممّن لا يملك ضرّاً ولا نفعاً، كقوله تعالى: (قُل أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ يمْلِكُ لَكُمْ ضَرَّاً وَلا نَفْعَاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيم) 17وقوله: (قُل أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا ولا يَضُرُّنَا ونُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْراَنَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنَا لِنُسَلِّمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) 18 ، وقال: (وَ لاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذَاً مِنْ الظَّالِمِينَ). 19

قال شيخ الإسلام [ابن تيمية]: فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة قال اللّه تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ). 20

وقال تعالى: )قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَو أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين* بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَونَ ما تُشْرِكُونَ). 21

وقال تعالى: )وَأَنَّ الْمَساجِدَ للّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً). 22

وقال تعالى: (لَهُ دعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيء إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلى الماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلاّ في ضَلال). 23

وأمثال هذا في القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر، وهو يتضمن دعاء العبادة، لأنّ السائل أخلص سؤاله للّه، وذلك من أفضل العبادات، وكذلك الذاكر للّه والتالي لكتابه ونحوه طالب من اللّه في المعنى فيكون داعياً عابداً.

فتبيّن بهذا من قول شيخ الإسلام أنّ دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، كما أنّ دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة 24

فمن هذا البحث الضافي حول الدعوتين وكون إحداهما مسألة عبادية، والأُخرى مسألة غير عبادية، تتضح أُمور:

الأوّل: كيف استفاد ابن تيمية من الآية : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخِفْيَةً)والآية: (وانّ المَساجِدَ للّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً) إنّ طلب الحاجة من أحد تكون دعوة عبادة للمدعو.

فإذا كانت لفظة «ادعوا» في قوله سبحانه : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً)ولفظة (لا تَدْعُوا) في قوله سبحانه (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ) بمعنى المناداة، فكيف تكون الدعوة الطلبية مستلزمة للدعوة العبادية؟

إنّ هاتين الآيتين ـ على فرض دلالتهما ـ (ولا دلالة لهما) لا تدلان على أكثر من النهي عن دعوة غير اللّه، وأمّا أنّ دعوته تكون مستلزمة لعبادته فلا يدل ظاهر الآية عليه أبداً، إذ أنّ النهي عن الشيء ليس دليلاً على كون المنهي عنه مصداقاً للعبادة.

الثانى: انّ الدعوة الطلبية إنّما تستلزم الدعوة العبادية إذا اعتقد الداعي بإلوهية المدعو على مراتبها، ففي هذه الموارد تستلزم الدعوة الطلبية، الدعوة العبادية، بل هي الدعوة العبادية عينها، وليست مستلزمة لها، وتكون مثل هذه الدعوة عبادة لا أنّها مسلتزمة للعبادة.

ولكن إذا دعا الداعي أحداً، مجرّداً عن الاعتقاد المذكور، فلا تكون دعوته ـ حينئذ ـ عبادة له.

ثالثاً: من الغريب جداً أنّ تصح الاستغاثة بالأحياء وتكون مشروعة ـ على الإطلاق ـ غافلاً عن أنّه لو كان مطلق الاستغاثة بغير اللّه (حتى إذا لم تكن مصحوبة بالاعتقاد بإلوهية أو مالكية المستغاث) شركاً لما كان لموت المدعو وحياته أيُّ أثر في هذا القسم .

وما ورد عن النبي الأكرم من أنّ الدعاء مخ العبادة، فالمراد هو الدعوة الخاصة، أعنى: ما إذا كانت مصحوبة بالاعتقادبإلوهية المدعو .

وبتعبير آخر، أنّ المقصود بالدعاء في الحديث المذكور إنّما هو دعاء اللّه، فيكون دعاء اللّه مخ العبادة.

فأيّ ربط لهذا الحديث بدعوة الصالحين التي لا تكون مقرونة بأيّ شيء من الاعتقاد بإلوهية المدعو ؟!!

نعم يبقى هنا سؤال وهو أنّ دعوة الغير وإن لم تكن عبادة له على ما أوضحناه، ولكنها أمر محرّم بحكم هذه الآيات، فدعوة الصالحين من الأموات من الدعوات المحرّمة، لأنّها دعوة غيره سبحانه ، ودعوة الغير منهية عنه، نعم لا تشمل الآيات دعوة الأحياء لأنّه أمر جائز بالضرورة، فيستنتج منها حرمة دعوة الصلحاء الماضين وإن لم يكن شركاً.

والجواب عنه واضح بعد الاحاطة بما ذكرناه، لأنّ الآيات ناظرة إلى دعوة خاصّة صادرة من المشركين، وهي دعوة آلهتهم وأربابهم المزعومة، والنهي عن هذه الدعوة المخصوصة لا توجب حرمة جميع الدعوات حتى فيما لم تكن بهذه المنزلة.

وأوضح دليل على ما ذكرناه هو ما اعترف به السائل من عدم شمول الخطابات لدعوة الأحياء وطلب الحاجة منهم، فإنّ خروج هذا القسم ليس خروجاً عن حكم الآيات حتى يكون تخصيصاً، بل خروج عن موضوعها وعدم شمولها له من أوّل الأمر، وليس الوجه لخروجه عن الآيات إلاّ ما ذكرناه من أنّ الآيات ناظرة إلى الدعوة التي كان المشركون يقومون بها طيلة حياتهم، وهي دعوة الأصنام والأوثان بما هي آلهة، بما هم يملكون لهم النفع والضر والشفاعة والغفران، وهذا الملاك ليس بموجود في دعوة الصلحاء.

ولأجل هذه العقيدة في حق الآلهة يقول سبحانه في الإله الذي صنعه السامرى: (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً). 25

ومما يدل على ما ذكرناه هو تكرار كلمة «من دونه» في الآيات، فإنّها ليست لتعميم كل دعوة متوجهة إلى غيره سبحانه، حتى نحتاج إلى إخراج بعض الأقسام، أعنى: دعوة الأحياء لطلب الحوائج، أو دعوة الأموات لا لطلب الحاجة، بل للتوسل والاستشفاع، بل جيء به لتبيين خصوصية هذه الدعوة، وهي دعوة الغير بظن أنّه يقوم بالفعل مستقلاً من دون اللّه كما هو المزعوم للمشركين في آلهتهم.

وأمّا طلب الحاجة ممّن لا يقوم (في زعم الداعي) إلاّ بأمره سبحانه ومشيئته بحيث لا تكون دعوته منفكة عن دعوة اللّه سبحانه فلا يصدق عليه قوله تعالى: (والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ بِشَيْء). 26

وغيره من الآيات.


بناء المساجد على القبور

قد سبق 27 منا أنّ التبرّك بآثار الأولياء وعباد اللّه الصالحين خصوصاً التبرك بآثار النبي كان أمراً رائجاً بين المسلمين، وعلى ذلك فبناء المساجد على القبور بعنوان التبرّك ممّا لا إشكال فيه، هذا، ويظهر من بعض الآيات أنّ أهل الشرائع السماوية كانوا يبنون المساجد على قبور أوليائهم أو عندها، ولأجل ذلك لما كشف أمر أصحاب الكهف تنازع الواقفون على آثارهم، فمنهم من قال وهم المشركون: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) 28 ، وقال الآخرون وهم المسلمون: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً). 29

قال الزمخشري في تفسير قوله: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) : أي ابنوا على باب كهفهم لئلاّ يتطرّق إليهم الناس ضنّاً بتربتهم ومحافظة عليها، كما حفظت تربة رسول اللّه بالحظيرة.

وقال في تفسير قوله: (قَالَ الَّذِينَ غُلِبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً(، أي قال المسلمون وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم: لنتخذنّ على باب الكهف مسجداً، يصلي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم.30

وقال في تفسير الجلالين: فقالوا ـ أي الكفّار ـ : ابنوا عليهم أيّ حولهم بنياناً يسترهم، ربّهم أعلم بهم، قال الذين غلبوا على أمرهم: أمر الفتية وهم المؤمنون: لنتخذن عليهم ـ حولهم ـ مسجداً يصلّى فيه.31

وعلى الجملة: فقد اتفق المفسرون على أنّ القائل ببناء المسجد على قبورهم كان هم المسلمون، ولم ينقل القرآن هذه الكلمة منهم إلاّ لنقتدي بهم ونتّخذهم في ذلك أُسوة.

ولو كان بناء المسجد على قبورهم أو قبور سائر الأولياء أمراً محرماً لتعرض عند نقل قولهم بالرد والنقد لئلا يضل الجاهل.

وأمّا ما روي عن النبي من قوله: «لعن اللّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، 32 فالمراد منه هو السجود على قبور الأنبياء واتخاذها قبلة في الصلاة وغيرها، والمسلمون بريئون من ذلك، وقد أوضحه القسطلاني في كتابه «إرشاد الساري في شرح صحيح البخارى».


اقتراح على كتّاب الوهابية

إنّ كثيراً من كتّابهم خلطوا في البحث بين العناوين التالية: الشرك، البدعة، المحرم.

فتجب عليهم الدقة في تطبيق هذه العناوين على أفعال المسلمين فربّما يكون شيء محرماً ولا يكون بدعة، وربما يكون محرماً وبدعة ولا يكون شركاً، فليس كل حرام بدعة، وليس كل بدعة شركاً، غير أنّهم لا يميّزون بين هاتيك العناوين ويطلقون على كل حرام ـ في زعمهم ـ شركاً وبدعة.

وفي الختام نذكّر القارئ أنّ التوسع المشهود في هذا الفصل لم يكن إلاّ لتوضيح الحقيقة والإصحار بها مع التحفظ على الأدب الإسلامي في نقل الكلمات ونقدها، فإن صدر هناك شيء فلم يكن ذلك إلاّ لأجل الصراحة في القول لا للقسوة في الحجاج، وإلاّ فيجمعنا التآخي في اللّه والدين: (إنَّما المُؤْمِنُونَ إخوَة) 33 فنحن كما قال شاعر الأهرام:

إنا لتجمعنا العقيدة أمــــــة

ويضمنا دين الهدى أتباعــاً

ويؤلّـف الإسلام بين قلوبنـــا

مهما ذهبنا في الهوى أشياعـاً

بقيت هنا أبحاث طفيفة ملأت كتب الوهابية:

1. التوسّل إلى اللّه بالأنبياء.

2. الإقسام على اللّه بمخلوق، أو بحق مخلوق، ونحوه مثل أن تقول: أقسم عليك بفلان، أو بحقه.

3. الحلف بغير اللّه، الذي ملأ القرآن ذلك الحلف كما في سورة الشمس، فقد ورد في القرآن قرابة أربعين حلفاً بغير اللّه، وقد نبهنا آنفاً أنّ ورود شيء في القرآن يدل على جوازه وكونه أُسوة.

4. النحر والذبح باسمه سبحانه وإهداء الثواب إلى الأموات.

5. بناء القبور وعقد القباب فوقها.

6. الدعاء والصلاة عند قبر النبي والإسراج عنده.

7. شدّ الرحال لزيارة القبور .

ونرجئ البحث عن هذه العناوين إلى محل آخر، وقد أوضحنا حالها في بعض تآليفنا.

على أنّنا لا نحب أن نعبّر عن هذه الطائفة بالوهابية غير أنّ اشتهارهم بهذا واستعمالهم هذه الكلمة في حقّهم سوّغ لنا هذا الأمر، كيف، وقد نشرت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة كتاباً باسم «الحركة الوهابية»، طبع عام 1396هـ رداً على مقال للدكتور محمد البهى.

المصدر: مفاهیم القرآن؛ آیت الله جعفر السبحانی / ج1، صص: 586 597




--------------------------------------------------------------------------------


1 . الملل والنحل: 2/244.

2 . الملل والنحل: 2/244.

3 . الملل والنحل: 2/244.

4 . راجع الفصل الثالث، والفصل الخامس: 285 ـ 302.

5 . راجع الفصل الثالث، والفصل الخامس: 285 ـ 302.

6 . الأنبياء: 37.

7 . الأنبياء: 43.

8 . الأنعام: 100.

9 . النجم: 20 ـ 21.

10 . الجنّ: 18.

11 . الرعد: 14.

13 . الأعراف: 197.

14 . فاطر: 13.

15 . الأنعام: 71.

16 . يونس: 106.

17 . المائدة:76.

18 . الأنعام: 71.

19 . يونس: 106.

20 . الأعراف: 55.

21 . الأنعام: 40 ـ 41.

22 . الجنّ: 18.

23 . الرعد: 14.

24 . فتح المجيد: 166.

25 . طه: 88 ـ 89.

26 . الرعد: 14.

27 . من كتابنا هذا ص 535.

28 . الكهف: 21.

29 . الكهف: 21.

30 . الكشاف: 2/254.

31 . تفسير الجلالين: 2/3.

32 . صحيح البخارى: 2/111، كتاب الجنائز.

33 . الملك: 14.






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 01-24-2009, 12:02 PM   رقم المشاركة : 2
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الف شكرا على الطرح القيم
دمتي بخير






رد مع اقتباس
قديم 01-24-2009, 02:27 PM   رقم المشاركة : 3
عاشقة بيت النبوه
(عضوة مميزة)

 
الصورة الرمزية عاشقة بيت النبوه
الملف الشخصي




الحالة
عاشقة بيت النبوه غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

تسلميين أختي على الطرح الرائع

جزاك الله خير الجزاء






التوقيع :

شاركوا في حملة الختمات للسيدة أم البنين عليها السلام

رد مع اقتباس
قديم 01-26-2009, 05:36 PM   رقم المشاركة : 4
أبو رباب
( مراقب اقسام )


 
الصورة الرمزية أبو رباب
الملف الشخصي




الحالة
أبو رباب غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
تسلم يمينك
يعطيك الف عافية
في ميزان حسناتك






التوقيع :
أنا بشيمتك يا صاحب الشيمه ... لو ما خدمتك ما أظن الي قيمه

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:57 AM.


منتديات أبو الفضل العباس
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات أبو الفضل العباس عليه السلام