العودة   منتديات أبو الفضل العباس عليه السلام > ¤©§][§©¤][ المنتديات الإداريه ][¤©§][§©¤ > أرشيف أبو الفضل العباس (ع)
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2011, 10:17 PM   رقم المشاركة : 11
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الحادِي عَشَر
(يُوسُفُ بِيَّدِهِ زُمامَ مِصْرَ يَتَبَوَّأ مِنْها حِيْثمَا يَشاء)





فَعَيَنَهُ المَلِكُ وَزِيراً مُطْلَقُ اليَّد مَسْمُوح الكَلِمَة نافِذُ السُلطان وَحَضرَتَهُ

مَطْلَعَ الجُودِ وَالكَرمِ والسَخاءِ وَمَهْوى الوفُود,,

لـِذا أصْبحَ يُوسُفُ فِي مِصْرَ الحاكِمُ اليَقـْظ, مُطْلَقُ المَشِيئَة, مُطاعٌ فِي

كُلِّ أمْرٍ, المَوْلى الفَطِنُ ألأريبُ, العَزيزُ العادِلُ السَمْحُ الكَريم,,

ثـُمَ أعَـدَّ لهُم خزائِنُ ألأرْض وَمَلأها بالغِلاةِ الوافِرَةِ يَسْتَقبلُ بِها السَبْعُ

الشِدادِ فأسْتَقبلُها القوْم أمِنِينَ بأحسَنِ حـالٍ, وَأصْبَحَت مِصْـرَ عَلى يَـدِ

يُوسُف بخَيرٍ وَأمانٍ: كَمَا وَرَدَ بِذلِكَ عَنهُ قرآناً وَقالَ رَبُّكَ (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا

لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَـا حَيـْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاء

وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) بَـلْ: جَعَلْنا لِيُوسُفَ مَكانـاً فِي أرْضِ مِصْـرَ

الواسِعَة امْتِداداً مِنَّا لِعِـزَّةِ سُلْطانِه المُبالَغ فِي كَمالِ وِّلايَتِهِ, فَيَنْزل مِنْ

بلادِها حَـيْثُ يَـشَاء عَلى كَمالِ قِدرَتِـهِ, وَالتَصَرف فِيها تَحـتَ مَمْلَكَتِـهِ

وَاسْتِيلائِهِ عَلى حِدُودِ فَراسِخِها وَدخُولِها تَحتَ سُلْطانِهِ فَجَلَسَ يُوسُف

عَلى عَرشِ النبُوَّةِ الذِي وَهَـبَهُ اللـَّهَ لَـهُ, فَتَدانَت لَهُ المِلُوك وَالأشْراف

وَالسَلاطِين, وَمَلِك مِصْرَ إنَـهُ فِي حُكْمِ التابِعِ لَهُ وَالمُطِيعُ بِمَّا يَتَصَرَف

بَعدَمَا عَزَلَ عَنْ وزارَتِهِ زَوْجُ زُلَيخَةَ قِطفِيرَ فَماتَ فِي لَيالِيه,,

فلَّمَا مَضى عَلى وَفاتِهِ أياماً أسْتَعَدَ يُوسُفُ لِلإمارَةِ فَقَلَدَهُ المَلِكُ بسَيْفِهِ

وَأمَرَ لَـهُ بِعَرْشٍ مُكَلَلٌ بالدُّرِ وَالياقُوتِ, وَضَرَبَ عَلى مَجْلِسِهِ حِـلَّةٌ مِنَ

الإسْتَبْرَق وَفِيهِ مائَةُ أَريكَةٍ مُنَمْرَقَََة بالدِيباجِ الأخْضَرِ, حَتى قالَ المَلِكُ

يا نَبِّيَ اللـَّه نَحنُ رَضَيْنَّا بِكَ لِرضاءِ اللـَّهِ مِنكَ، وَسَمِعنا كَلامُكَ لِكَرامَةِ

اللهِ فِي نبُوَتِكَ، وَأقرَيْنا بعِلْمِكَ لِحكْمَةِ اللهِ فِيكَ, وَاتبَعنَّا شَرَفُكَ لِطَهارَةِ

نَفسِكَ فالحِكْمُ حُكْمُكَ وَالأمْرُ أمْرُكَ, وَأنتَ المُقَدَمُ عَليْنَّا وَنَحنُ التابِعُونَ

السامِعُون المُطِيعُونَ لِحِكُومَتِكَ عَلى مَـدى أرْبَعَةَ عَشَرَ سَنةً قَـَدَرُ أيامِ

السِّعَةِ وَالمَجاعَةِ,,





ثـُمَ اسْتَأذنَهُ المَلِك أنْ يَخْرُجَ لِلناسِ مُتَوَّجاً بـِتاجِ النُبَوَةِ وَالحكُومَةِ مَعاً

فَأُبْهِرَت الناس بِنُورِ وَجْهِهِ المُتَلألِئِِ كَأنَهُ البَدرُ فِي لَيْلَتِه,,

وَقامَ سَلامُ اللـَّهِ عَليهِ خَطِيباً بالناسِ وَقال: لَقَد طَلَعَ هِلالٌ أوَلَ لِيلَةٍ مِنْ

السِنِينِ المُبارَكَـة لَكُـم: لِـذا أأمْرَكُـم بِسْـمِهِ تَعالى أنْ تَصْلِحُـوا الأرْضَ

وَتـُعَمِرُوها بالحَرْثِ, وَلاَّ تَترِكُـوا مِنـْها شَـيْئاً فارغـاً سَـواءٌ كانَ عَلـى

رِؤُوسِ الجِبالِ, أوْ فِي بِطُونِ الأوْدِيَةِ أوْ عَلى مَشارِفِ السِهُول، فأرادَ

اللهُ تَعالى أنْ يَنبِتَ زَرْعَكُم لاّ كالعادِي مِـنْ سِنِينِكُم بَـلْ أكثَرُ بَرَكَـةً مِمَا

تَتَصَوَرُون فوَقَ ما كُنتُم تَزرَعُون,,

فَإنْ لَـمْ يَكُنْ مِنكُم لَدَّيهِ أرْضٌ أعطَيْناهُ بِالمَجانِ وَمَلَكناهُ, وَأمَرْنا ببناءِ

المَخازِنِ وَحَفرِها لِخَزنِ مَا تَحصِدُونَ فيَجْتِمَعُ فِيها بَعـدَ قبْضِكُم ثَمَنِها

وَيُسْتَخرَجُ مِنْها مَا يُنفَق فِي سِنِّي القَحطِ بقـَدرِ حاجَتِكُم لِمَنْ لَهُ حِنطَةٌ

عِندَنا, وَالذِي لَمْ يَكُن لَدَّيهِ حِنطَةٌ عِندَنا نَبيعَهُ بقَدرِ سَدِّ حاجَتِهِ,,

فَسْتَعَدَ الناسُ يَسْتَبِقُونَ سَـبْعَ سَنَواتٍ مُتتالِياتٍ لَيِّنَـةٍ رَخـاءٍ, يَزْرَعُونَ

الأرْضَ دائِبينَ عَلى العَمَلِ, وَهُم فِي أخْصَبِ تـُربَـةٍ فَازْدَهِرَت حقُولَهُم

وَنُمِيَّتْ غلاتَهُم: فمَا حَصَدُوه حَفَظـُوه وَتَرَكُوه فِي سُنْبُلِهِ إلاَ قَلِيلاً مِمَا

يَأَكْلُونَهُ فِي هذِهِ السِنِينِ السَبْعِ, وَصُفِيَّ لَهُم العَيْش وَطابَت لَهُم الحَياةُ

السَعِيدَة,,



وَلَّمَا طَلَـعَ أوَلُ هِلالٍ مِـنَ شِـهُورِ سِنِينِ القَحـْطِ أوْحـى اللـَّهُ تَعالى إلى

جُبْريـلَ فِـي الثِلْـثِ الأخِـيرِ مِـنْ تِلْكَ اللَّيلَةِ فَهَبَطَ عَلى يُوسُـف وَأخـْبَرَهُ

بِسِنِيِّ القَحطِ السَبعَةِ وَأوَلُ مَنْ أصابَـهُ الجَوْع المَلِك وَانتَبَهَ مِنْ مَنامِهِ

يُنادِى أصابَنِي الجَوْع, فدَعا يُوسُفَ وَشَـكا إلَيـهِ شِـدَةُ جَوْعَـه, فَجَعَلَ

يُوسَفُ يَدُهُ عَلى بَطنِهِ وَدَعا لَهُ فَسَكِنَ مَا بهِ وَقالَ أيُها المَلِكُ هذهِ أوَلُ

ساعَةِ القَحطِ وَلَقَد احتَبَسَ اللـَّهُ القَطْـرَ, وَعُقمَتُ الأرْضَ عَنْ خَيِّراتِها

بِسَبْعِ سِنينِ إجْداباً,,

فَصـاحَ المُـنادِي فِـي لَيْلَتِـهِ: أيُـها النـاس أخْبِرَكُـم باسْـمِ عَزيـزَ مِصْـرَ

يُزارسِيف فَاسْتَعِدُوا لِلقَحط: فَإنَـهُ أتاكُم فِي الساعَةِ بَعدُ أعقابِ السَبعِ

السِنِينِ الخَيْرِ سَبْعُ سَنَواتٍ شِدادٍ, يُظِلَّكُم فِيها ألأمَلُ, وَيُمَد فِيها القَحَطُ

وَالجَدبُ, وَأيامَكُم عُسْرٌ فانتَبَهَ الرِجالُ وَالنساءُ وَالصِبيانُ مِنْ مَنامِهِم

يَصِيحُون الجَوْع, فَجَعَلَهُم اللـَّه يَجُوعُونَ قَبْـلَ أوْانِ الجَـوْعِ عَسى أنْ

يُؤمِنُوا بِدَعوَتِي يُوسُف،,

ثُمَ نَبَهَ المُؤذِنُ الناسَ وَقال لاَ تَزرَعُونَ شَيْئاً فِي الأرْضِ حَتى تَنقِضِيَّ

عَنكُم السَبْعُ الشِداد كَيْ لاَ يُضِيعَ بذرَكُم بُـوراً فإنَـهُ لاَ يَنبتُ شَـيْئاً مِـمَا

تَنثِرُون,,



وَفرَغَ الطَعامُ مِنَ البيُوتِ, فأصْبِحَ الناسُ مُتَحَيرينَ لاَ حِيلَةَ لَهُم بَعدَمَا

شاهَدُوا أمْراً سَماوِّياً أنْ يَدَفعُوهُ بحِيلَةٍ عَنْ تَعَسُرِهِم هذا,,

فَفَتَحَ يُوسُف أبْـوابَ المَخازِن, وَجَعَـلَ عَلَيْها الأُمَناءُ, وَأهْـلَ الإحْصاءُ

وَصاحَ المُنادِي: يا أهْـلَ مِصـْرَ ألاَّ مَـنْ أرادَ المِـيرَةَ فَلْيَصِل إلـى بـابِ

يُوسُف الصِدِيق,,

فأقامَ العَدلَ بَينَهُم حَتى شَعرَ الرِجالُ وَالنِساءُ وَباعَهُم فِي سِنِيِّ القحطِ

الطعامَ فِي السَنَةِ الأولى بالدَنانِير وَالدَراهِمِ وَفِي السَنَةِ الثانِيَةِ بالحِليِّ

وَالجَواهِر, وَفِي الثالِثَةِ بالأنْعامِ وَالدَوابِّ, وَفِي الرابِعَةِ باعَهُم بالعَبيدِ

وَالجَوارِي, ثُمَ بالبَساتِينِ ثُمَ البِيُوتِ وَعَلى أنْ تَبْقَ الضِياعُ وَالعِقاراتُ

وَالأنـْعامُ وَالـدَوابُ عِندَهُـم فِـي اسْتِخدامِها وَتَربِيَتِها,, ثـُمَ فِـي السَـنَةِ

السابِعَةِ برقابِهِم حَتى اسْتَرَقّهُم مِـنْ شِـدَةِ الجَوْعِ المُبالِغ بالمَوْتِ فِـي

السَنَةِ الأخِـيرَةِ, فَكانَ الرَجِلُ يأتِي يُوسُف فَيَّبيعَ نَفسُهُ لَـهُ بِمَلَءِ بِطْنِهِ

فَلَّما تَمَلَكَهُم عَبيداً صارَ يَنفِقُ عَلْيهِم جَمِيعاً عَلى مَراتِبِهِم فِي العَمَلِ,,

فَلَّمَا اسْتَيقَنُوا بأنَهُم عَبيداً لِمَمْلَكَتِهِ؟ جَمَعَهُم يُوسُفُ أمامَ كُلَّ عَيْنٍ تَرى

وَقالَ أنا خَوَلَنِّي رَبِّي فِي مَلاكِ رِقابِكُم وَلكِن مَا صَلَحتَكُم لأُفسِدَكُم، وَلاَ

عتَقتَكُم مِـنَ المَوْت لأسْتَعبِدَكُم، وَلاَ أَنْقذتَكُـم مِـنْ جَـوْعٍ لأضْرِبَكُم، وَلاَ

أَنْجَيْتَكُم مِنْ بَلاءٍ لأِكُونَ عَليْكُم سَخْطاً, وَلَـمْ أَحيِّكُم وَلكِـن اللـَّهَ أحياكُم

بِدِينِهِ هـذا وَهَـوَ الحَيُّ الذِي لاَ يَمُوت بِيَـدِهِ الخَيْر وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ

قَدِيـر,, فَإنَنِي أطَلَبُ مِنكُم مُقابِلُ رَدَّ رِقابِكُم وَأمْوالِكُم وَحالِكُم إلَيْكُم أنْ

تُوَحِدُوا اللـَّهَ لَـهُ الدِينَ كُلَهُ, وَالتَبَرؤُ مِـنْ آمُـونَ وَالتَماثِيلِ المُصْطَنَعةِ

حَوْلَهُ,,

فقالُوا مَا رَأيْنا كَاليَوْمِ مَلِكـاً أجَـلَّ وَأعظَمَ مِـنْ يُزارسِيف, ثـُمَ رَدَّ إلَيهُم

أمْوالَهُم وَدَوابَهُم وَحَلالَهُم, وَأعتَقَ رِقابَهُم فَلَنْ يَبْـقَ عَبْداً كانَ مَملُوكاً

مِنْ قَبْـلُ فِي مِصْرَ إلاَّ وَهُوَ حُرٌّ مَعَهُم جَمِيعاً لِلَّهِ عابِدُونَ مُطِيعُون,,

فَقالَ المَلِكُ: كَيْفَ رَأيْتـُم صُنْعَ اللـَّهِ بـِيَّ فِيمَا خَوَّلْتُ المُلْكَ لِيُوسُف فَمَا
رَأيَهُ فِيهِ قالَ: فإنِّي أُشْهِدُ اللهَ, وَأُشْهدُكَ, وَأشْهِدُ الناسَ أنِّي قَد أَعتَقتُ

أهْـلَ مِصْرَ مِنَ العِبُودِيَةِ عَنْ آخِرِهِم، وَرَدَدتُ عَليْهُم أمْلاهُم المَرهُونَةِ

بأنفُسِهِم,،
((زُلَيْخَةَ فِي قَصْرِ يُوسُف تَرْفضُ الزَواجَ مِنهُ))



وَإذا بزُلَيخَةَ امْرَأةُ العَزيـز أوَلُ الناسِ الأكابـِرِ افتَقـَرَت فِي أوَلِ سِـنِيِّ

القَحط فَوَقَفَت عَلى قارعَةِ الطريق تَنتَظـرُ قِـدُومَ يُوسُف, فَجازَ عَلَيْها

مَراراً فَنادَتهُ فَلاَ يَسْمَعَ نِداءُها وَلاَ يَذكِرُها أحَـدٌ بَيْن يَدَيهِ، فأقبَلَت إلى

بَيتِها وَكَسَرَت صَنَمُها تَكْسِيراً وَقالَ فَعَلْتُ بِكَ هذا كَوْنـَكَ لاَ تَغنِيَّ عَنِّي

شَيْئاً, وَلاَ تَهدِيَنِي لِيُوسُفَ قـُرْباً, وَكانَت تَقول لِخادِمَتِها قِفِي بيَّ عَلى

طَريق يُوسُف كَي يُصِيبنِي غِـبارُ جِنُودَه، بَعـدَ أنْ أسْلَمَت وَجهَها لِلَّـهِ

وَأحسَنَت إسْلامُها وَقالَت: الآنْ لَعَلِي ألْقى يُوسُـف وَأعَرِفـَهُ بإسْلامِي

فَيَتَعَطفَ عَلىَّ بِرَبِّهِ الكَريم, وَقالَت لِخادِمَتِها خُذِي بِيَدِي إنِي أشُمُ رِيحَ

يُوسُف فَخَرَجَت بِها وَأخْبَرتَها وَقالَت: ذاكَ يُوسُف يَخطِـبُ فِـي الناسِ

فَدَنَت وَصاحَت مَابَينَ القَوْمِ بأعلَّى صَوتِها يا يُوسُف: سُبْحانَ مَنْ أعَزَّ

العَبيـدَ بالطاعَةِ وَأَذَلَ الأربـابَ بالمَعصِيَةِ, فَشانَت عَلَيهِ كَلِماتـُها فَنَـزَلَ

مِنْ مَنبَرِهِ وَقِدِمَ إلَيْها وَقالَ: مَنْ أنتِ؟ قالَت يا يُوسُف كَأنَكَ مَا عَرَفتَنِي

مَا أَسْرَعَ مَا أَنْكَرْتَنِي وَكَشَفَت عَـنْ رَأسِها وَذَرَّت عَلَيْهِ التُراب: وَقالَت

ضَحَيْتُ عُمْـرِي بِهـذا ألعُمِـي حِـينَ أحـبَبْتُ مَـنْ لاَ يَعرُفنِّي: يا يُوسُـف

سُبْحانَ مَنْ جَعَـلَ الطاعَةَ وَالمَعرِفَةَ تَصِيران العَبيدَ مِلُوكاً، وَالمَعصِيَة

تَصِيرُ المِلُوكَ عَبيداً؟؟ أنا التِي خَدَمْتُك برُوحِي وَجَمِيع جَوارحِي حَتى

افتَقرْتُ وَهَرِمْتُ وَعُمِيْتُ لِكُثرَةِ بُكائِي عَلَيْك لَمْ أتَلَفَت لِمالِي لِِّمَا بهِ مِنْ

حُـبِّكَ, وَلاَّ أُبالِى بمَّـنْ سَرَقَـهُ، فَهُرِمْتُ لِغَفلَتِي عَـنْ الطَـعامِ وَالشَـرابِ

وَاللِّباسِ بِعُقبِ تِلكَ السِنِينِ لأجْلِكَ؟؟



فَعَرَفَها يُوسُف وَتَحَـيرَ مِنْ ضِعفِها وَهَرَمِها, فَبَكِـيَّ عَلى مَحَبَتِها التِي

دَخَلَت فِي شُغافِ قَلْبِها بِصَبْرٍ مُرِّ طَوالَ تلْكَ السِّنِين,,

فَقالَ: وَلكِن لَـمْ يَشاءُ اللـَّهَ لِي بِالزَواجِ مِـنْكِ, فَوَضَعَ يَـدَهُ عَلى رَأسِها

طالِباً مِنَ اللـَّهِ أُفراجَ أمَلٍ لِحُزْنِها, فَعَرَفَت مِنهُ بِذلِكَ إنَها عِبْرَةٌ لِغَيْرِها

لِمَنْ تَتَعِظ,,



وَقالَت: تَعََطَف عَليَّ وَارْزقنِّي شَيْئاً مِنْ بَرَكاتِ رَبِّـكَ الكَريم, فـَدَعا لَها

بالعافِيَةِ وَالغُفرانِ وَثَوابِ الآخِرَةِ بِحُسْنِ الجَزاءِ, ثُمَ حَمَلَها إلى قَصْرِهِ

لِيُراعِيها مِثلَمَا راعَتهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَقـَدَمَ لَها الإحسانُ بالإحسانِ وَهُـوَ

شَرْطُ فِي صِحَةِ الإيمانِ وَالإسِلامِ مَعاً وَفَرَغَ لَها مَكانٌ لِخدمَتِها وَغَلَقَت

الأبْوابَ عَلى نَفسِها: وَقالَت, هكَـذا لاَ أُريـدُ الزَواجَ مِـنْ يُوسُـفَ إنَنِّي

اسْتَحَيْت أنْ أجْعَلَ مَعَ اللَّـهِ شَريكاً فِي قلْبِِّي حَتى لاّ أشْتَغِلُ بغَـيْرِ حُبِّـهِ

لِِّمَا نالَنِي مِنْ حُبِّهِ بِعِبادَتِهِ,,

وَلَّمَا انتَصَفَ اللَّيْلُ تَفَقدَها يُوسُف فَلَمْ يَجِدُها بَيْنَ عِيالِـه، فَقرَعَ عَلَيْها

البابَ فقالـََت: لاَ أُحِـبُ أنْ أَخْـرُجَ فإنَ المَسْأَلَـةَ بِحُبِّـي لَـكَ قَـَد تَغَـيَرَت

وَوَجَدتُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ؟ قالَ فَمَنْ هُوَ: قالَت حُبُّ الله لِِّمَا نالَنِّي مِنْ

حُبِّـهِ بِعِبادَتِتهِ وَاسْتَطابَت لِِـي حَـلاوَةُ المُناجاةُ بِـهِ عَسى أنْ يُـزِّلَ بِـها

وَصْبِّي وَيُرْجِعَ عَلَيَّ بَصَرِي لاَ أريدُ دَلالاً وَلاَ زَوْاجاً بَعدَ الكِبَرِ,,

قالَ هُوَ كَذلِك قَـَد اسْتَجابَ اللهُ دُعائَكِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَرَجِ الحُزْن بَعدُ بَلايا

العُشْق,, قالَت بَلاّ يا يُوسُفُ إنَهُ رَبٌّ نَظَرْتُ إلَيْهِ دُونَ رَقِيبٍ فَدَخَلَ فِي

قلبِّي المُجِيب وَدَلَنِّي عَلَيْهِ لَّمَا رَأتَهُ قالََ لِي فإنَهُ السَّمِيع المُجِيب,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 10:43 PM   رقم المشاركة : 12
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الثانِي عَشَر
((دخُولُ أخْوَةَ يُوسُفَ العَشْرَةَ إلى مِصْرَ))





فَتَذكَرَ يُوسُفُ فِي حِينِها ذلِكَ البَلاءُ الذِي أصابَهُ وَهُـوَ بَعِـيدٌ عَـنْ أهْلِـهِ

وَعُمْرُهُ جاوَزَ الثَلاثَةَ وَالثلاثونَ عاماً جَعَـلَهُ اللهُ بِنهايَتِهِ أنْ يَمْتَدَ القَحْطُ

وَالجَوعُ فِي قِرى يَعقوب لِيَعلَمُوا أنَ يُوسُفَ هُوَ فِي رَحمَةِ رَبِّـهِ الكَريم

فلَّمَا سَطَعَ ذِكْرُهُ بأنَـهُ وَزيرَ مِصْرَ المُكَنى بعَزيزِها, وَأفشِيَّ خبَرَهُ بَـينَ

القبائِلِ أنَ هُناكَ وَزيراًَ حَكِيماًَ يَعِدُ عِدَتَهُ لِلجَوْعِ وَالقَحطِ وَالجَدبِ وَنزَلَ

بآلِ يَعقوب مَا نَزَل بِغَيْرهِم مِنَ المَجاعَةِ فِي أهْلِ بِلادِ الشام,,



وَفِي ذاتِ يَـوْمٍ دَخَـلَ أوْلادُ يَعقـُوبَ العَشْـرَةَ عَلـى أبيهِـم يَبْكُـون قالـُوا

يا أبانَّا مُنذُ أكْثَر مِنْ ثَلاثِينَ عاماً وَنَيْفاً مَا كَلَمْتَنا, وَلاَ يَـوْماً حَـنَّ قَلبُكَ

عَلَيْنا, وَلاَ تَبَسَمْتَ فِي وجُوهِنا: فَلَـوْ إنَنَّـا قَصْداً عَصَيْناكَ فَلَـيْسَ عَلى

الأبِّ الحَنُونَ أنْ يَمْنَعَ مَحَبَتَهُ إذا آتَيْناكَ طالِبينَ العَوْنَ مِنْكَ لَقد أصابَنَّا

مَا أصـابَ قَوْمُكَ مِـنَ الجَّـوْعِ فـَادْعُ لَّنـَا رَبُّـكَ أنْ يَتَفَضَـلَ عَلَّيْـنَّا بِنِعَمِهِ

وَيُرْزِّقََنا كَمَا كُنَّا مِنْ قَبْلُ فِي رَخائِه,,

فقالَ يَعقُوب يا بَنِّيَ إنِّي أَدِلَكُم عَلى مَنْ عِندَهُ النِعَمَ وَمَنْ تَقصِدُهُ العَرَبَ

وَالعَجَـمَ حَـقاً مَا تَصِفـُونَ أنَ الجَـدبَ وَالقحَـطَ أعَمَـنَّا, فشِـدُوا رِكابَكُـم

وَاقصِدُوا مِصْـرَ أنَ فِيها وَزيـراًَ عـادِلاًَ, سَـرِيُ ألأخْلاقِ, كَريمُ النَفسِ

وَجْهُهُ صِبيحٌ وَكَلامُهُ فصِيحٌ لَهُ العِزَةَ وَالجَّلالَ أخْلاقهُ سَنيَةٌ وَأوْصافُهُ

بَهِيَةٌ, أكْـرَمُ المِلُوكَ وَأسْخاهُم عَطاءً, وَعِندَهُ طَعامٌ كَثِيـرٌ, وَمالٌ وَفِـيرٌ

لاَ يُفَرق بَيْنَ العَبْدِ وَسَيِّدَه, تُثنِي عَليْهِ الناس لِخُلِقِهِ فَيُسْتَقبِلَهُم بأحسَنِ

الشِّيَـمٍِ, أمْـرُهُ غَـريبٌ لاَ يَبيـعُ وَلاَ يَعطِي لأحَـدٍ حَتى يَسْألَهُ عَـنْ اسْـمِهِ

وَاسْمِ سُلْطانِـهِ وَأرْضِـهِ وَبِضاعَتِه, فإنْ اسْتَأذَنَكُم بالدِخُولِ لاَ تَسْبِقـُوهُ

بالكَلامِ حَتى يَسَألَكُم, وَإذا أُمِيَّ لَكُم بالجِلُوسِ فقِفـُوا صَفَيْنِ الأكْبَرَ بَعـدَ

الأصْغَرِ إلى أنْ يَأمِرُكُم، وَلاَ تُطِيلُوا عِندَهُ الجِلُوس لَئَلاَ يَمْقِتَكُم وَينْبِذَكُم

وَإنْ أذِنَ لَكْـم بالانْصِـرافِ فـَلاَّ تَعطـُوهُ ظِهُـورَكُم فَرْجَعُـوا خُطْـوَةً بَعـدَ

أخْرى حَتى تَسْتَبَقـُوا بابَ الخِرُوجِ, وَإذا خَرَجْتـُم مِنْ عِندِه فَلاَ تَذكِرُوا

لأحَدٍ مَا جَرى بِسَماحِ مَا أعطاكُم إلاَّ مَا تَكَرَمَ بِهِ مِنْ عَطاءٍ, وَإنْ أَفشى

لَكُم سِّـراً لِثِقَتِهِ بِكُم فَلاَّ تُفْشُوه لِغَيْرِكُم, فَشِدُوا الرِحالَ عَلى بَرَكَةِ اللـَّهِ

فَإنَهُ رَفِيقٌ يُحِّبُ الرِّفـْقَ فِي الأمْـرِ كُلَّـهُ لاَ يُضِيعُ مِـنْ سَبيلِ أجْـرِكُم إذا

ألْقَيَتُم عَصاكُم بِمِصْرَ فإنَ فِيها مِلِكٌ عَزيزٌ كَريمٌ يُعطِيْكُم مَايَسِدُ حاجَتُكُم

مِنَ المِيرَةِ,,




قالُوا: يا أبانّا مِنْ أيْنَ عَرَفتَ سِيرَتَهُ, قالَ: مِنْ الرَحالَةِِ الذِينَ يَنزلـُونَ

دِيارِنَّا إذا رَجَعُوا مِنـْهُ أوْصَفـُوهُ بِخْصالِهِ العَشَـرَةَ،, قالـُوا وَلكِن نَحـْنُ

حِفاةٌ عُراةٌ فقراءٌ لَيْسَ كَباقِي الناسِ مَا يَحمِلُونَ إليهِ الجَواهِرَ وَالذَهَبَ

وَيُبادِلُونَهُ بالتِجارَةِ,,

قالَ يَعقوب: أوَلَيْسَ مَا أقولُ لَكُم إنَـهُ كَريمٌ سَخِيٌ رَحِيمٌ، وَالكَريمُ يَهِّبُ

الكَثِير: قالُوا يا أبانَّا كَيْفَ نَفعَل إذا وَقَفـْنَّا أمامَ قَصْرِه, قالَ إذا أَذِنَ لَكُم

بالدِخُولِ فَلاَّ تَهْمَسُوا بِكَلِمَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلاَّ بإذنِهِ وَإذا ضَحَكَ فَلاَّ تَضْحَكُوا

وَإذا الْتَفتَ فَلاَّ تَلْتَفِتُوا يَمِينَّا وَلاَ شِمالاَ لأنَ المِلـُوكَ لاَ صَدِيقَ لَها وَهُـم

كَالبَحرِ لاَ جارَ لَهُ مِنْ جَدوَلٍ, فإنْ صادَقتِمُوه بِغَـيْرِ أدَبٍ أسْلَمَكُم الجَهْلُ

إلى قَتلِكُم فَجْعَلُوا أدَبَكُـم عَلى البِساطِ رَدٌ إلى البابِ، فَمَـنْ أسـاءَ الأدَبُ

عَلى البابِ رَدُّوه إلى الدَّوابِ, وَلكِنْ إذا أرادَ اللـَّهُ بِعَبْـدٍ خَـيْراً جَعَلَ لَـهُ

واعِظاً مِنْ قَلْبْهِ,,





(وَجَـاءَ إِخْـوَةُ يُوسُفَ) إلى مِصْـرَ وَاستَأذنَهُم الخادِم: وَقالَ أنَ بالبابِ

عَشْرَةُ أزْلامٍ غـُرباءٍ يَستَأذِنُوكَ فِي الدِخُولِ عَلـَيْكَ, فأذِنَ لَهُـم يُوسُـف

(وََدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَـهُ مُنْكِرُونَ) فعرَفَهُم يُوسُفُ مِـنْ لـُغاتِهِم

وَهُم لاَ يَعرفُوه حَتى لـَوْ تَخَيَّلَ لَهُـم أنَـهُ يُوسُف لَكَذَبُوا أَنفُسَهُم بِمَا بِـهِ

مِنَ التَهَيُّبِ وَالاسْتِعظامِ وَالجَّلالِ مَا يُنكَر لَهُ المُعرُوف وَالإحسان,,

فَأخَذَ يُوسُفُ يَنْظِرُ إليْهِم وَيَتَذَمَلَهُم بنَظَرَةٍ بَعـدَ أُخْرى وَقالَ: فِي نفسِهِ

أهؤلاءُ أخْوَتِي وَبَنُو أبِّي اللَّذِين تَآمَرُوا عَليَّ وَرَمُونِي فِي غَيابةِ الجُبِّ

وَفَرَقـُوا بَينِّي وَبَـيْنَ أبِّـي, وَأذاقـُونِي بُعـْـداً عَنـْهُ لَـمْ تـُغَيرَهُم السِنـُون

بِرَزِيَتِهِم عَليَّ, وَلاَ عَلى أبيهِم يَعقُوب وَلكِنَهُ كانَ عَليْهِم حازماً حَكِيماً

أريباً فلْم يُبادِرَهُم بإعلانِ نَفسِهِ أوْ يُعَرِفَ لَهُم عَنْ شَخْصِهِ الكَريم,,

فَحاوَلَ يُوسُف أن يَعرُفَ مَكانُ أسْرارَهُم وَمَا خَفِيَّ عَلَيْهِ مِـنْ أخبارِهِم

وَأخبارِ أُمِهِ وَأبيه,,



فأحسَنَ ضيافتَهُم وَكانَ فِي نَفسِهِ غايَةٌ يُريـدُ أن يَصِلَ إليها بإذْنِ رَبِّـهِ

عَنْ خَبَرِ أخِيهِ بِنيامِينَ هَـلْ فَعَلُوا بِـهِ مثلَّمَا فَعَلُوا بِيُوسُف؟ وَقالَ: مَـنْ

أنتُم وَإنِّي أشِكُ فِي أمْرِكُم, وَأخْشى مِنْ عَدَدِكُم أنْ تَكونُوا عُيُوناَ عَلَيْنا

دَفعاً مِنْ وَلِيَِكُم فِي قَتلِ رِجالِنَّا؟؟

قالـُوا أيُها العزيـزُ: نَحنُ مِـنْ سُلالَـةِ الأنبياءِ نـُوحَ وَإبْراهِيمَ وَإسْحاقَ

وَالقَتلُ لَيْسَ مِنْ سِّماتِ أوْلادِ الأنبياءِ, نَحنُ مِنْ بَنِّي كَنعانَ بَنُو يَعقوبَ

النبِّيُ الصَفِيُ التَقِـيُ: وَأبُونـَّا شَـيخٌ ضَعِيفٌ قـَدْ ناهَـزَ العُمْرَيْنِ مُتَعَلِـقٌ

بِشَخْصِكَ يَطْلِب الأوَّد بآمالِهِ المُنتَهِيَةِ مِنْ فَظْلِكُم الكَريم,,

قالَ حَسناًَ ألكُم إخوَةٌ غَيْرِكُم,, قالُوا بَـلاَ لنـَّا أخٌ مِنْ أبينـَّا خَلَفناهُ عِندَهُ

يَقـُومَ عَلى أمْـرِِ رِعايَتِهِ وَإقامَةِ شِئُـونِ رسالَتِهِ,, قـالَ, شَمْعُون كَذلِكَ

وَلَدَيْنا أخٌ أخَـرُ مِِـنْ أبينَّا اسْمُهُ يُوسُف فقَدناهُ مِنْ زَمَـنٍ طَويـلٍ, وَقالَ

لاَوِّي لَقـَد أكَلَـهُ الذِئْب,, وَقالَ يَهُوذا: لاَ نَدري أمْ هُـوَ حَيٌ أمْ مَـيِّتٌ أمْ

اختارَهُ الله تَعالى لِرسالَتِهِ: أمْ هُوَ يَضْرِبُ فِي الأرْضِ الواسِعَةِ سَهْلِها

وَجِبالِها وَبَـرِّها, وَأبـاهُ لاَ زالَ عَلَيـهِ يَتَوَجَعُ سَـنَواتٌ طَوِّيلَـةٌ مُسْتَلْهِماً

بالصَبْرِ مِنْ أثَرِ أَحزانِهِ عَلى يُوسُف, فَبَكِيَّ يُوسُفُ وَكَفَكَفَ دِمُعَهُ بِكُمِهِ

وَخَرَجَ ساعَة وَرَجَعَ إلَيهِم,,




قالُوا أيُها العَزيزُ: مَا أثَرْنـَّا بِحَدِيثِنا لِنـُبْكِكَ,, قالَ يُوسُفُ فإنِّي لاَ أَعلَمُ

أحَداً عَلى وَجْـهِ الأرْضِ أَعظَّمُ حُرْمَةً مِنْ يَعقُوب, وَلاَ أَعلى مِنهُ قـَدراً

وَشَرَفاً, فلَوْ مَشَى عَلى ظَهْرِي عِبُورَ نَهْـرٍ ذهاباً وَإياباً مَا قَضَيْتُ لَـهُ

حَقاً أفضَلُ مِنْ حَقِهِ عَلَيْنا فأخْبِرُونِّي مَا حِزْنَهُ عَلى وَلَدٍ وَهُوَ نبِّيٌ آمَنَهُ

اللهَ فِي عاقِبَتِهِ, أمْ كانَ حِزْنَهُ لِكُثرَةِ سَفْهَكُم عَلَيْهِ وَعِقُوقَكُم لَهُ؟؟

قالُوا أيُها العَزيزُ: نَحنُ لَسْنَّا سُفهاءٌ وَلاَ عاقِين، إنَّمَا حِزنَـهُ مِنْ فَقـْدِهِ

يُوسُف وَكانَ أصْغَرُنا وَأحَبُنا إلَيْهِ مِنَّا: فَخَرَجَ مَعَنَّا إلى المَرعَى لِيَلْعَب

فَأكَلَهُ الذِئْبُ وَنَحنُ عَنهُ غافِلُون,،

قالَ حَسَناً: إذا كانَ أبُوكُم أكْثـَرُ مَحَبَةً لِيُوسُفَ مِنكُم فَهَلْ تَحبُونَ أَخاكُم

الذِي أكَلَـهُ الذِئْـب كَمَحَبَِةِ أبيكُـم لَـهِ؟؟ فامْتَقـُعَت ألْوانَهُـم, وَاضْطَربَـت

مَشاعِرَهُم, وَتَلَجْلَجَ سُؤالَـهُ بَـينَ أشْداقِهِم, وَقـَد صَـبَغَ الحَـياءُ بِشارَةَ

وجُهِهِم مِـنْ مَخدَعِهِم, وَمَلأَهُـم الخَجَلُ مِـنْ أغمِصَةِ أقَدامِهِم, فأدارَت

أعَيُونَهُم كَأنَهُم غارُوا فِي نَفـَقِّ الأرْضِ فابْتَلَعَهُم, فَلَـمْ يَفَصَحُوا بِكَلِمَةٍ

إليهِ حَتى لاَ يُكْتَشَف سِرَهُم عَنْ وَقعِ جُرْمِهِم,,

قالَ يُوسُفَ: هَـلْ عَجَزْتـُم مَا تَنبَئُونِي فَلِـمَ لاَ يُفضِيَّ أحَدَكُم إليَّ بِحَقِيقَةِ

حُبِّهِ لأخِيهِ لِيُمَزِقَ عَنِّي قِـناعَ الشَكِ ويُبَـدِّد سُحابَ الرَّيْـبِ, فإنِّي أشِـكُ

إنَكُم تَكرَهُونَهُ حَقاً وَلَقَدْ (كُنْتُمْ كَاذِبِينَ) وَإلاَّ أنْ تَوْعِدُونِي بِشاهِدٍ يَشْهَدُ

عَلى صِحَةِ دَعواكُم إنْ كُنتـُم صادِقِينَ بِمَجِيئِكُم إلَيْنَّا لِنَسُّدَ حاجَتَكُم مِـنَ

المِيرَةِ,,

قالُوا أيُها العزيزُ نَحنُ غُرباءٌ في بلَدِكُم وَبيُوتَنا قصِيَةُ عَنْ مَسِيرَةِ أيام

عَنكُم لَيْسَ لَنَّا أحَدٌ مَنْ يُفضِيَّ إليكَ بِحَقِيقَتِنا وَلِكن التَمِسْ لَنَّا غَيرُ هـذا

المَخرَجُ أوْ شَيْئاً غَيْرُ هذا السَبيل مَاتُحَقِقَ بِهِ أمَلُنا إنَّا إذاً مُُسْتَضْعَفُون

قالَ إنِّي أشِكُ فِي أمْرِكُم فَلاَ مِصْداقَ لَكُم عِندِي بأنَكُم حَقاً أوْلادُ يَعقوبَ

النَبِّيُ الـذِي فَقـَدَ وَلَـداً لَـهُ وَتَزعَمُونَ أكَلَـهُ الذِئْـب؟؟ وَلكِـنْ سَأُجَهِزَكُـم

بِجَهازِكُم وَأجْعَلُ المِيرَةَ فِي رَكائِبِِكُم حَتى (تَئْتُونِي بِأَخٍ لَكُـمْ مِـنْ أَبِيكُمْ)

بنيامِينَ الذِي خَلفتِمُوهُ عِنـْدَ أبيكُم لِيَكُونَ شاهِـداً عَلَيْكُـم, مُصَدِقـاً عَلى

صِحَةِ دَعواكُم ذلِكَ سَأُضاعِفُ بِهِ إكْرامَكُم حِمْلُ بَعَيرٍ فَوْقَ غِلاتِكُم فإنِّي

خَيْرُ المُنْزَلِينَ بِمَا أَنْزَلْتَكُم بِجِواري وَأحسَنْتُ ضِيافَتَكُم (أَلَـا تَرَوْنَ أَنِّـي

أُوفِي الْكَيْلَ) لَكُم بزيادَةٍ وَبالمَجانِ, فإنْ لَمْ تَأتُونِّي بِأخِيكُم (فَلا كَيْلَ لَكُمْ

عِنْدِي) بَعـْدَ هـذا الطَعامِ (وَلا تَقْرَبُونِ) بالدِخُولِ مِنْ بَعـدِ هـذا المَجِيء

إلى مِصْرَ,,

قالُوا أيُها العَزيزُ: مَا نَظِنُ أبانَّا يَِأذَنُ لَـنَّا بِسَفَرِهِ مَعَـنَّا وَلكِـن (سَنُرَاوِدُ

عَنْهُ أَبَاهُ) وَنَلْطِفُ إليهِ بإحسانِنّا (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ)

فأمَـرَ يُوسُف: غُلْمانَهُ وَقـالَ, هـذِهِ بِضاعَتَهُم التِي باعُـوها عَلَيْنا مِـنَ

الفِضَـةِ أجْعَلُوها فِي رِحالِهِم تَحتَ بِضاعَتِنا حَتى إذا شاهَدُوها لِتَكُونَ

أدْعى لِرِجُوعِهِم, وَأمْكَنُ لِعَودَتِهِم إليْنَّا بأخِيهِم بنيامِينَ,,

فَدَخَلَ عَليْهُم يُوسُفُ وَقال: أمَرْتُ الغـُلْمانَ بِتَجْهِيزِكُم وَإشْباعِ دَوابِكُـم

وَلكِنْ أنْتـُم فِي هذِهِ اللَّيْلَةَ ضِيُوفَنَّا إكْراماً لِيَعقُوبَ النَبِّي,,



ثـُمَ أمَـرَ باعتِزالِهِم مِنْ قَصْرِهِ إلى حَيْثُ أَمَـرَ وَزيرَهُ مالِك بنَ ذَعَر أَنْ

يُنْزِلَهُم أحسَنَ مَنزِلٍ, وَلَمْ يُكَلِمَهُم أحَدٌ مِنَ الخَدَمِ وَالحَرَسِ,, وَلَّمَا جَّنَ

اللَّيْلُ وَضَعَ الخادِمُ بَـيْنَ أيْدِيِّهِم الطَعامَ الذِي لَـمْ يَسْبِقَ بِمِثلِهِ طَعامٌ فِي

أفواهِهِم مِنْ سابِقَةٍ,،



وَقالَ يُوسُفُ: أوَلَيْسَ إنَنِّي أقرَرْتُ وَأحسَنْتُ ضِيافَتَكُم وَلكِن لَدَيَّ طَلَبٌ

فَمَنْ ذا الذِي يُفضِيَّ إلَيَّ بِصِدقٍّ مِنكُم قالَ كَبِيرَهُم يَهُوذا أنَّا أيُها العَزيزُ

قالَ اخْبِرَنِّي: كَيْفَ كانَ حالُ أبُوكُم يُقـَدِمَ حُبَّ يُوسُفَ عَلَيْكُم, قالَ يَهُوذا

لّـَوْ رَأيْـتَ يُوسُف لأحبَبْتَـهُ وَفَضَلْتَهُ عَلى جَمِيـعِ العالَمِينَ، وَكُـنَّا نَحبُّـهُ

وَلكِن رَأى رُؤْيَّـةً فِي مَنامِهِ وَقَصَّاها عَلَيْنَّا وَنَحنُ نَكْرَهُها فَكَرَهْناهُ بِها

قالَ وَمَا هِيَّ تِلْكَ الرُؤْيَـةِ؟ فَتَشاوَرُوا وَبَيَتـُوا رَدَّهُم عِنـْدَ يَهُـوذا: وَقـال

لَقـَد ظَّنَ فِي تَصْديقِّ رُؤْيَتِهِ سَوْفَ يَكُونَ مَلِـكاً وَنَحنُ بَيْنَ يَدَيْـهِ كَالعَبيدِ

ساجِدِينَ لَهُ بالطاعَةِ وَالإذعانِ وَلكِن غَلَبَهُ القَدرُ المُؤجَل قَبْلَ تَصْدِيقِها

فأكَلَهُ الذئِبُ وَاتَهَمَنا أَبِانَّا بِقَتلِهِ,,

قالَ يُوسُفُ: لَوْ إنَنِّي صَدَقتَكُم لَحَبَسْتَكُم وَعَذبْتَكُم عَذاباً شَدِيداً فارْجَعُوا

إلى أبِيْكُم وَأقرَءُوهُ مِنِّى السَلام لِيَكْتـُبَ لِي كِتاباً يَشْرَحُ فِيـهِ حالَـهُ عَنْ

يُوسُفَ: فإنِّي خَبِيرٌ بالتَحرِي عَنـْهُ فِي بِلادِ العَـرَبِ وَالعَجَمِ, وَيَخْبِرَنِّي

مَا الذي أَحزَنَهُ وَأعمَى بَصَرَهُ,, فإنْ أخبَرْتِمُوه أوْقِرُ لَكُم رِحالَكُم بِكَيْلِ

بَعِيرٍ مَعَ رِحالِ الذِي خَلَفتِمُوهُ,,



وَرَجَـعَ أوْلادُ يَعقـُوبَ إلى أبيهِم فَرحِينَ يَحمِلـُونَ البُشْرى عَـنْ العَزيـز

الكَريم: قالُوا يأبانا إنَّا وََََََََََََََجَدنَّا رَجُلاًَ عَظِيماًَ كَرِيماً فعَـرَفَ فَضْلَنا وَأكرَمَ

فِداتـُنا وَأنزَلَنا خَيْرُ مَنْزلٍ, وَإنَـهُ فِي الكَيْلِ لَكَريم, وَلكِنَهُ شَكَ فِي أمْرِنَّا

ولَعَبَهُ الرَّيْبَ, وَأدخَلَهُ فِي عَدَدِنـَّا فمَنَعَ الكَيْلُ عَلَيْنـَّا حَتى نَأتِيهِ بأخٍ لَنَّا

يَخْبرَهُ بحَقِيقِةِ أمْرِنَّا, وَيَشْهَدُ عَلى صِحَةِ دَعوانَّا ذلِكَ لِيَزيدَنا كَيْلُ بَعيرٍ

فَوْقَ غِلاتِنا,,

قالَ يَعقُوب لَنْ أأذُنَ لَكُم بِسَفِرهِ, وَلَنْ أسْتَريحَ لِفِراقِهِ لِيَكْونَ مُعِيناً لَكُم

عَلى الكَيْلِ بِزيادَةِ كَيْلَ بَعِيرٍ,,

قالُوا يا أبانّا سَنرَدَهُ إلَيكَ وَإنَّا لَهُ حافِظُون (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا

أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) فَخُنْتُم بِهِ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً) لِيُوسُفَ عِنْدَهُ

(وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)



وَلَّمَا فتَحُوا رِحالَهُـم وَجَـدُوا بِضاعَتَهُم رُدَّت إليْهِـم قالـُوا: يا أَبانَّـا أيُ

شَيءٍ تُرِيدُهُ مِنَّا أسْعَدُ مِمَّا جَـرى وَأجْمَلُ أنْ تَجْرى بـهِ الأيامُ؟ أوَلَيْسَ

نَحنُ لاَ نَبْغِـي عَلَيْكَ كِذبـاً, وَمَا خادَعناكَ حِـينَ طَلَبْنا مِنْكَ أنْ تَأذَنَ لَنَّـا

بأخِينَّا بِنيامِينَ: وَلكِن هذِهِ بِضاعَتَنا رُدَّت إلينَّا دُونَ أنْ يَحتَجِزَ العَزيزُ

مِنْها شَيءٌ ذلِكَ مِنْ فَضْلِهِ, فرَسْمُهُ أنْ يُعطِّي الرَجُلَ حِمْلُ بَعِيرٍ فأرْسُل

مَعَنَّا أخِينَّا بِنيامِينَ نَمِيرُ أهلَّنَا لِنَزدادُ كَيْـلَ بعِـيرٍ ذلِكَ كَيْـلٌ يَسِـيرٌ نَمْتازُ

لهُم وَنأتِيهُم بمَا يُصْلِحَهُم في سَنِّي جَدبِهِم وَمَحَلِهِم ذلِكَ هُوَ خَـيرٌ وَمَا

الخَيرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ وَإنَّا بِهِ لَغانِمِينَ,,
[COLOR=****00ff][/COLOR]



فَنَجَحَتْ مُحاوَّلَتَهُم فِي إقناعِ أبيِهِم وَأثـَّرَ كَلامَهُم فِيـهِ،, فَتَنازَلَ يَعقُوب

لأوْلادِهِ عَنْ المَنْعِ فِي احتِجازِ بِنيامِينَ وَحَبْسِهِ عَـنْ الذِهابِ مَعَهُم إلى

مِصْرَ فَرأى فِي نَفسِهِ أنَ حاجتَهُم إلى المِيرَةِ هِيَّ أحـْوَجٌ بَكَثيرٍ, وَلكِنَ

قَلْبَهُ لاَ يَزالَ فِي حاجَـةٍ يُريدُها إلى مَا يُزِيـد بِِها اطْمِئْنانَهُ, وَقالَ ( لَـنْ

أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) إلاَّ بَعدَ أنْ تَعطُونِّي

بِأخِيكُم ضَماناً تُعاهِدُونَّنِي باللـَّهِ عَهْداً مَوْثوقاً أنْ تَعِيدُوه إلَيَّ سالِماً إلاّ

يَمْنَعَكُم عَنْ رَدِّهِ مَا يُحِيطَ بِكُم مِنْ هَلاكٍ أوْ يُحِيطَ بِكُم عَدُوِّ يَغلِبُكُم عَليْهِ

وَإنِّي أُشْهِدُ اللهَ تَعالى عَلى مَواثِيقَكُم وَعِهُودِكُم وَاللهُ عَلى مَا دارَ بَيْنَنا

فإنَهُ سَمِيعٌ مُطَلِعٌ رَقِيب,,

فاسْتَجابُوا لِرَأيِّ أبيهِم وَقدَّمُوا مَا طَلَبَ مِنْ مَواثِيقٍ, فعاهَدُوهُ باللهِ أنْ

يَكُونُوا لأخِيهِم لَحافِظُونَ إلاَّ مْا قَدَرَ اللهُ,,

فَطْمَئَنَ قلْبُ يَعقوب لِعَهدِهِم وَقالَ سَبَقَ لِي أنْ سَلَمْتُ يُوسُفَ بِيَدِ لاوِّي

فَخُنتُم بِهِ وَالآن سَلَمْتُ بِنيامِينَ بيَدِ اللهِ فاذهَبُوا بِهِ وَلاَ تَغلِبُوا فِي شَأنِهِ

كَمَا غَلبْتُم عَلى أخِيِِهِ يُوسُفَ مِنْ قبْلُ وَكَنتُم لإبْعادِهِ فَرِحِين,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 10:47 PM   رقم المشاركة : 13
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الثالِث عَشَر
((دِخُول أخْوَة يُوسُف مِصْرَ ثانِيَة))







قالَ يَعقُوب يابَنِيَّ (لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ)

ذَكَـرَ يَعقوب لأوْلادِهِ الأحَـدَ عَشَرَ أنْ يَدخِلـُوا مِصْـرَ مِـنْ أَبْـوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ

وَكانَ لَها سِتَةُ أبْـوابٍ, بابُ الشَامِ, وَبابُ المَغرِبِ, وَبابُ اليَمَنِ, وَبـابُ

الرُّومِ, وَبابُ النُونِ, وَبابُ المَلِك, فاجْتَهَدَ يَعقوب عَلى أوْلادِهِ أنْ يَدخُلاَ

كُلَّ أثنَيْنِ مِنْ بابٍ, وَهِيَّ الطُرقُ التِي تَعُمُ بِدايَة الدِخُولَ إلى مِصْرَ,,

وَكانَ فِي قلْبِهِ بَصِيرَةٌ تُذَكِرُهُ بِعلْمِ يَقِينِهِ لَعَلَهُم يَجِدُونَ خَبَراً ليُوسُفَ أوْ

يَحْدِثونَ عَنهُ بِأثَرِ تِلْكَ ألأبْوابِ السِتَةِ المُتَفرِقَََةِ؟؟

فلَّمَا ألْقوا عَصاهُم بِحِدُودِ مِصْرَ تَفرَقوا وَدَخَلَ كُلَّ أخَوَّينِ مِنْ بابٍ وَبَقِىَّ

بنيامِينَ وَحـدَهُ عِنـدَ بابِ الشَامِ الأوَل الذِي يُـؤَدِي إلى الطـُرقِّ الخَمْسَة

وَلـمْ يَدري إلى أيْـنَ يَذهَبُ، فَسَألَهُ الحِراسُ وَلَـمْ يَعرِفَ مِنهُم أحَـدٌ لـُغَةَ

لِسانِه؟؟ فأنْزَلَ اللهُ جُبْريلَ عَلى يُوسُف (لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ)

وَقالَ لَهُ قُمْ يا أيُها النَبِّيُ وَتَنَكَر بثِيابِ الغُرباءِ وَارْكَب بَعِيراً لَكِيلاَ يَعرِفُكَ

أحَدٌ, وَاقصِد بابَ الشامِ فإنَ عَلَيْها أَخاكَ مِنْ أُمِكَ وَأبِيكَ بِنيامِينَ واقِـفٌ

يَسْألُ مَنْ يَمرُ بهِ وَهُوَ مُتَحَيَرٌ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعرِفونَ مِنْ كَلامِهِ حَرْفاً؟؟

فلَّمَا رَآهُ ذَرَفَتْ عَيْناهُ بالدِمُوعِ فَسَلَمَ عَلَيْه وَكَلَمَهُ بلُغتِهِ العِبْرانِيَةِ: وَقالَ

لَهُ مِنْ أيْنَ وَإلى أيْن تُريد؟ قالَ: مِنَ حَيْثُ جِئْتُ مِنْ الشامِ أَطْلُبُ المِيرَةَ

مِنَ المَلِكِ,,

فَقالَ لَهُ يُوسُف أرْكَب ناقَتُكَ فَرَكَبَها فأخَذَ يُوسُفُ بِلِجامِها: فَقالَ بِنيامِينَ

وَمَا تَصْنَع بِذلِك؟ قالَ حَتى أَرِيكَ أخْوَتُكَ مِنْ أبِيكَ العَشْرَةَ وَهُم وَاقِفـُونَ

عَلى بابِ العَزيـزِ يَسْتَأذنـُوه بالدِخُولِ عَلَيـهِ, فَلَّمَا تَقـَرَبَ مِنهُم قالَ: لَـهُ

أُمْضِي وَارْتَحَل مَعَ أخْوَتِكَ, وَكانَ يُوسُفُ مَتَنَكِراً لاَ يَعرفُهُ بنيامِين,,

وَدَخَـلَ يُوسُـفُ إلى قَصْـرِهِ مِنْ بابٍ ثـانِّ وَجَلَـسَ عَلى عَرشِـهِ, وَجاءَهُ

الحارِس وَقالَ لَـهُ: عَلى البابِ أحَـدَ عَشَرَ أَخـاً غُرَباءٍ يَزْعَمُونَ أنَ لَهُم

عَـوْدَةٌ لَكَ أيُها العَزيزُ يَصْطَحِبُونَ مَعَهُم أخُوهُم بِنْيامِينَ,,



فَأذِنَ لَهُم بالدِخُولِ, وَقالـُوا: أيُها العَزيزُ إنَّـا قَـَد امْتَثَلْنا أَمْـرُكَ, وَأتَيْناكَ

بِأخِينَّا بِنيامِينَ وَبكِتابٍ مِنْ أبِيْنَّا يَشْرَحُ فِيهِ مَا أوْصَيتَنا بِهِ,,





فقَالَ يُوسُفُ لِمُسْتَشارِهِ مالِك بنَ ذَعَـر: خـُذهُ وَقرَءَهُ عَلَيْنَّا, فَلَّمَّا سَمَعَهُ

يُوسُفُ فاضَّت عَيْناهُ بالدِمُوعِ فَخَرَجَ مُسْرِعاً لاَ يُطِيقُ الصَبْرَ عَمّا سَمَعَ

مَا قالَهُ أَبيه, وَقالَ مالِك يَأمْرُكُم عَزيزَ مِصْرَ أنْ يَنزُلَ كُلَّ أثنَيْنِ عَلى كُلِّ

مائِـدَةٍ أَخَـوانُ مِـنْ أُمٍ وَأَبٍ, فَجَلَسُوا مَثنى مَثنى إلى طَـعامٍ لَهُـم, وَبَقِـيَّ

بِنيامِينَ مُنفَرِداً, فَلَمَّا أوْجَسَ مِنْهُم التَغامِزُ وَالتَلامِزُ صاحَ بأعلى صَوْتِهِ

يا حَسْرَتاه لِفراقِكَ يا يُوسُف لَـوْ كُنْتَ مَوْجُوداً لأجْلَسْتَنِي مَعَـكَ: فوَقَعَت

صَيْحَتَهُ فِي مَـنْزِلِ يُوسَـف فَظَّـنَ أحَـدَهُم قَـَد مـاتَ فأقبَـلَ إلَيْهِـم مُسْرِعاً

وَقالـُوا مَعذِرَةً أيُها العَزيزُ: نَحنُ مِـنْ زَمَـنٍ طَوِِّيـلٍ لاَ نـُرافِقُ مَعَنَّا أخانَّا

لأفعالِهِ التِي تُزيلُ ماءَ وجُوهَنَّا,,

قاَلَ أَهذا هُوَ بِنيامِينَ فَمَا بالُهُ يَبْكِي: قالَ, أيُها العَزيزُ كانَ لِي أخٌ اسْمَهُ

يُوسُف يَزْعَمُونَ أكَلَهُ ذِئْبٌ فَتَذَكَرتَهُ صارِخاً وَقُلْتُ لَوْ كانَ حَيَّاً لأجْلَسَنِي

مِعَهُ عَلى هـذِهِ المائِدَة,,

قالَ يُوسُفُ: أنَّـا أجْلِسُ مَعَكَ عَلى مائِـدَةٍ مَثنى وَأَسِـدُ عَـنْ نَفسِكَ حاجَةُ

أخِيكَ المَأكُولِ الذئِب, فَلَّمَا شَبِعا مِنْ طَعامِهِما وَهُمْ لَهُمَا يَنظِرُونَ,,

قالَ لَـهُ يُوسُف ألَكَ زَوْجَةٌ؟ قالَ بَـلاَ, قالَ ألَكَ أوْلادٌ؟ قـالَ, بَـلاَ لِي ثَلاثـَةٌ

فَسَّمَيْتُ الأكْبَرَ ذِئباً, فَبْتَسَمَ يُوسُفُ وَقالَ وَلكِن الذِئبُ سَبْعٌ ضارِيٌ؟ قالَ

لَقد زَعَمُوا أخْوَتِي مِنْ أبِّي أنَ أخِي يُوسُف أَكَلَهُ الذِئْبُ فأحبَبْتُ أنْ أذكُُرَ

لَهُ اسْماً بذلِك وَسَّمَيْتُ الثانِي دَمَّاً لأنَهُم جاءُوا بقمِيصِهِ إلى أبِّي مُلَطَخاً

بالدَّمِ فأنَّا أحِبُّ أنْ أذكُرَ ذلِكَ الدَّم لأُِخَفِفَ مِنْ حِزْنِ أبِّي بِوَلَدِي عَنْ مَوْتِ

يُوسُف لَعَلَهُ يَشْفى مِنْ ألَمِهِ, وَسَّمَيْتُ الثالِث يُوسُف لَئَلاَ يَندَرِسَ اسْمُهُ

مِنْ فَمِي، فاهْتَزَ لِذلِكَ يُوسُفُ وَأُذرِفَت عَيْناهُ بالدِمُوعِ, وَأرادَ أنْ يَكْشِفَ

لَهُم عَنْ شَخْصِهِ وَسُرِّهِ وَلكِنَهُ كانَ حازْماً عَليْهِم وَقالَ إنِّي أجْتَهِدُ عَلَيْكُم

بَعدَ إكرامِنَّا وَتَفَضِلُنَّا أنْ يَنْزُلَ كُلَّ أثنَيْنِ مِنكُم بَيْتاً لِيَسْتَريحانِ فِيهِ, وَهذا

أخٌ لَكُم لاَ ثانِي لَهُ أُريدُ مَبِيْتَهُ مَعِي فِي بَيْتِي ثُمَ التَفَتَ إلى بِنيامِينَ وَقالَ

أتَحُبّ أنْ أكُـونَ أَخٌ لَكَ لأَِسُّـدَ خِلَتـُكَ عَـنْ أخِـيكَ يُوسُف المَفقود؟؟

قالَ لاَ تَصْغِيرٌ وَلاَ تَقريعٌ بَشَخْصِكَ فإنَكَ أخٌ لِي؟؟ وَلكِنْ لَـمْ يَلِدْكَ يَعقوب

النَبِّيُ بنَ إسْحاقَ بنَ إبْراهِيمَ خَلِيلُ الله, وَلاَ راحِيلُ بِنْتَ لايان بنَ نَوْبيلَ

بنَ فاخُور الزَكِيَة,,

فَعِندَها هَمَسَ يُوسُفُ بأُذِنِ مالِِك بنُ ذَعَـر وَأمَرَهُ بِبناءِ أحَـدَ عَشَـرَ بَـيْتاً

بأثاثِها طُولَ أحَدَهُمَا أرْبَعِينَ ذراعاً، وَأرْبَعِينَ عُرضاً،,

فَقالَ مالِك لِمَنْ هذهِ البِيُوت: قالَ وَاحِـدٌ لأخِي بـنُ أمِي وَأبِِّي, وَالعَشَرَةُ

لِهؤلاءِ الأشقِياء الذِينَ تَأمَرُوا بِقَتلِي؟ فذاكَ شَمْعُون الذِي أخَذَ بِذُؤابَتِي

بِشِمالِهِ وَالسِكِينُ بِيَمِينِهِ وَهُم مَعَهُ يُريدُونَ قَطْعَ رَأسِي وَأنَّا طِفلٌ أصرَخُ

مَنَ فِعلِهِم فَلَوْلاَ رَحمَة اللهِ لََّمَا أمْسَكَ يَهُوذا بِالسِكِينَ وَدَفَعَهُ عَنِّي: وَقالَ

يا أوْلادَ الأنبِياءِ كَيْـفَ يَحِّـلُ القَتـْلُ لَنَّـا بأخِيْنَّا وَاللـهُ قَـَد يَأبَّاهُ (لَا تَقْتـُلُوا

يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)

بِإبعادِهِ عَنْ أبيهِ فَدَفَعَكَ اللهُ لِي وَأخْرَجْتَنِي مِنْ ذلِكَ البِئْرِ الأظْلَم المُمْتَلِئُ

بالعَقارِبِ وَالحَّيات,,

وَبَيْنَمَا هُـوَ سَلامُ اللهِ عَلَيهِ يَهْمِسُ بأُذِنِ مالِك, فَوَقَعَ بَصَرُ بِنيامِينَ عَلى

جِـدارٍِ فَصَرَخَ باكِياً بَيْنَهُم وَيُوسُفُ يَنظُرُ إلَيْهِ, قالـُوا أجِنـُنِتَ, قالَ ( لاَ )

وَلكِنْ بَصَرْتُ عَلى جُدارِ هذا المَكانُ فَوَجَدتُ عَلَيْهِ صُوَرِكُم فتَحَقَقت لِي

أفعالَكُم وَصَنائِعَكُم, وَذاكَ شَمْعُـونَ مَعَكُم آخِـذاً بِذُؤابَـةِ يُوسُف بِشِمالِـهِ

وَالسِكِينُ بِيَمِينِهِ يُريدُ قََطْعَ رَأسِهِ؟؟

قالَ يُوسُفُ حَـقاً مَا تَقول؟ قالَ, وَبِحَقِّ مَـنْ سَيَرَنِي إلَيكَ رَأيْـتُ أفعالَهُم

بِعَيْنِي, وَذاكَ يُوسُفُ وَالسِكِينُ عَلى رَقَبَتِهِ يَصِيحُ بأعلَّى صَوْتِهِ يا أبَتاه

فَلَمْ تَأخِذُهُم الرَحمَةُ فِيه, وَلاَ التَعَطُفُ مِنهُم عَليهِ لِصُغَرِ سِنِهِ,,



فَنظَـرَ يُوسُفُ إلَيْهُم وَقـالَ: أهـذِهِ هِيَّ فِعائِلَكُم يا أوَلادَ الأنبياءِ تـُريدُونَ

قَتلَ أخِيْكُم الصَغِير وَتَزعَمُونَ لأِبِيكُم كُذِباً أكَلَهُ الذِئِب, فامْتَقُعَت ألْوانَهُم

وَتَلَجْلَجَتْ ألْسِنَتَهُم, وَوَجِلَتْ قلُوبَهُم مِنهُ,, فَأمَرَ حِراسَهُ بإخْراجِهِم إلى

بَيْتِ الخَواصِ فَتَبَعَهُم بِنيامِينَ يَبْكِي وَدِمُوعَهُ عَلى خَدَيْهِ كَاللُؤْلؤِ وَكانَ

شِبيهاً بيُوسُـفَ فِي الحُسْـنِ وَالجَمالِ: وَهُـوَ الزُهْـرَةُ الفَواحَةُ لِيَعقـُوب

يَتَسَلى بِهِ عَنْ أخِيهِ المَفقود: فَأخَذَ يُوسُفُ بِيَدِ بِنيامِينَ إلى بَيْتِ الخُلْوَّةِ

فَقالَ بَنيامِينَ لاَ أُريدُ الجْلُوسَ مَعَكَ أُرِيدُ أنْ أجْلُسَ بحذاءِ تِلْكَ الصُورَةِ

وَأبْكِي علَى أَخِي يُوسُف المَذبُوح, فأَذِنَ لهُ فرَجَعَ يَبْكِي حَوْلَها فاحتَرَقَ

قلْبُ يُوسُف وَلَـمْ يُطيقَ صَـبْراً, وَسَألَ اللـَّه أنْ يَتَعَرَف لأِخَيـهِ فَطالَ فِي

مُناجاتِهِ فَنَزَلَ عَليهِ جُبْريلُ فأذِنَ لَهُ بالتَعَرُفِ عَلَيْهِ,,



وَبَيْنَمَا هُـوَ كَذلِك مَـرَّ ابْنَهُ أفراثِيمُ حِـذاءَ عَمَهُ بِنيامِينَ وَجَعَلَ يَبْكِي مَعَهُ

فَكانَ بِنيامِين يَنْظِـرُ إلى صُورَةِ يُوسُف وَتارَةً يَنْظِرُ عَلى أفراثِيمَ: وَقالَ

عَلامَ تَبْكِي قالَ: أبْكِي عَلى هذا الذِي رَسْمَهُ فِي الحائِط، فقالَ: أنَتَ ابْنُ

مَنْ؟ قالَ أنَّا ابْنُ يُوسُف الصِدِّيق:قالَ أَهُنا إنسانٌ اسْمُهُ يُوسُف الصِدِيق

قالَ بَلاَ فَسَّماهُ اللـَّهَ صِدِّيقاً لِصُُدقِهِ: فبَكى بنياِمينَ وَبَكى أفـْراثِيمَ لِبُكائِهِ

وَيُوسُـفُ وَزَوْجَتَـهُ وَمَعَهُمَا زُلَيْخَـةَ يَنْظِـرُونَ إلَيْهُمَا مِـنْ وَراءِ النَوافِـذِ

وَيَبْكُونَ لِبكائِهِمَا,,

قالَ أفراثِيمُ: لَقَد أظْهَرْتُ لَكَ اسْم أبِّي وَلَمْ تَفصَحَ لِي عَنْ اسْمِكَ وَبِكائِكَ

قالَ أبْكِي عَلى صُورَةِ أخِي يُوسُفَ الصِدِيق؟ قالَ لاَ تَبْكِى فأنَّا ابْنُ أخِيكَ

يُوسُف, وَلَقـَد سَمعتَهُ يُحَـدِثَ أُمِـي وَيُشِـيرُ لَهـا عَنـْكَ حَتى كانَ يُقرِبُـكَ

فَشاهَدَتهُ قََـَد وَثَبَ مِنْ مَكانِهِ فأكَلَ مَعَكَ الطَعامُ،,

فَصاحَ بأعلى صَوْتِـهِ وَيا أثـَرَ حُزْناه, وَأطوَلَ شَوْقاه لِفراقِكَ يا يُوسُف

وَقالَ أيْنَ والِدُكَ دَلِنِّي عَلَيْهِ,, فمَضى أفراثِيمُ نَحوَ أبُوه يُوسُف وَأخْبَرَهُ

بِخَبَرِ عَمِهِ بِنيامِين, قالَ لـَهُ أُمْضِي إلَيْه وَأتِنِي بـهِ، فرَجَعَ وَأخَـذَهُ بِيَدِهِ

إلى بَيْتِ الخُلْوَةِ وَأجْلَسَهُ فِي مَكانٍ لَهُ, وَدَخَلَ عَلَيْهِ عَزيز مِصرَ بِهَيبَتِهِ

التِي كانَ عَلَيْها, فَلَمْ تَتَحَرَك عَواطِفُ بِنيامِينَ فَظَّنَ بِحُسْبانِهِ المَلِك؟؟

فَبَدَأ العَزيزُ يَكْشُفَ لأخِيهِ بنيامِينَ السِتَرَ عَنْ رَأسِهِ, وَأزالَ عَنْ جِسِمِهِ

جُبَّةَ الرِياسَة, وَأبْدى لَـهُ وَجْهَهُ الجَمِيلُ, وَقالَ أتَعرُفنِّي مَنْ أنا؟؟

قالَ بِنيامِينَ سُبْحانَ اللـَّه إنَكَ شَـبَهٌ بالوَجْهِ لِيُوسُفَ المَفقـُود: قالَ كَيْفَ

عَلِمْتَ بِفقدانِـهِ, قالَ حَدَثَنِي أبِّـي وَقـالَ: إنَ اللَّـهَ حَافِـظٌ لِيُوسُـفَ عِنـْدَهُ

قـُلْتُ وَمَا أعَلَمَكَ بِهِ, قالَ لَمْ تُصَدَق بَعَد رُؤْيَة يُوسُف حَتى يَتُمُ سِجُودِي

إلَيه فِيمَّا يَجْمَعَنِّي اللهَ مَعَكُم لِمُشاهَدَتِه,,

فَبَكى يُوسُفُ وَقامَ مِنْ فَوْرِهِ وَعانَقَ أخاهُ وَقالَ أنَّا يُوسُفُ النَبِّيُ لاَ عُذرَ

لِي عَمَّا أخفَيْتُ عَلْيْكَ أمْري, إنَهُ أمْرُ رَبِّي لِتَكُونَ مَعِي (فِي دِينِ الْمَلكِ)

فَسَجَدَ لَهُ بِنيامِينَ حَتى أغْمِيَّ عَليْهِ مَنَ الفَرَحِ,,

فَقرَت نَفسُ يُوسُف مِنْ أخِيهِ, وَقالَ لَقيْتُ مِن كَيْدِ إخوَتِكَ إشْكالاً وَألْواناً

تَقـَلبَ بِـيَّ مِنْـها كُـرُوبٍ, وَأحاطََتنِي حِـرُوبٍ, فَخَلَفَت لِي مِنْها صُـدُوفٍ

وَرَمَتنِي صُـرُوفٍ, وَأحاطَتنِي بِـها الذِلَـةَ وَالمَسْكَنَـة مِـنْ قَـَوْمٍ لاَ تَـفتَجُ

بَصائِرَهُم, وَلَا تَنْفَجِرُ يَنابيعَ إيمانَهُم, فَصَبرْتُ لِقضاءِ رَبِّي وَمَا قَضاءُهُ

إلاَ رَحمَةٌ لِلعالَمِينَ (فَلا تَبْتَئِسْ) باجْتِلابِ الحُزْنِ مَاتَفعَلَ بِهِ مِنَ التَضَرُرِ

فِي نِفسِكَ (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) بِكَ أخْوَتـُكَ مِنْ مَكارهٍ, وَمَّا يَفعَلـُونَ بِـيَّ

مِنْ مَهالِكٍ, فإنَ اللهَ تَعالى قَد أَحسَنَ إلَيْنا وَجَمَعنَا سَوِّيَةً, فإنِّي أحِبُ أنْ

تَكُونَ عِندِي عَماً لأُفـْراثِيم, وَلاَ تـُفشِي لأِخوَتِكَ بِمَكنُونِ مَا أعَلَمْتـُكَ بِـهِ

أوْ تَكْشِف لَهُم عَنْ سِّرِ نِبُوَّتِي؟؟

قالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ مَصِيرُ أبِّي الذِي أخَذَ عَلى أخْوَتِي مِيثاقاً أنْ يَردُونَنِي

إليـْهِ وَإنَ اللـَّهَ لاَ يُحِبُ القـَوْمَ الكاذِبين, فإنْ عَلِـمَ يَعقُوب بِتَخَلُفِي عَنهُم

سَوفَ يَمُوت مُحتَسِباً عَلى فِراقِي, فَوْقَ فراقِكَ المُرُّ الذِي جَعَلَهُ يَتَوَلْوَلُ

ويَتَوجَعُ مِنْ ألَمِهِ سَنَواتٌ طَويلَةٌ مُستَلْهِماً بالصَبرِ عَلى الألْواءِ, أوَليْسَ

الحَـقُّ أنْ تَخْـبِرُهُ بِذلِكَ إنَـهُ ساعَـةً يَخْلِـصُ فِيها إلى نَفسِـهِ بالدَمْعِ, ثـُمَ

يَسْتَرْوحُ ساعَةً يَقضِي بِها حَقُّ الذِكْرى إلى رَبِّـهِ,,

قالَ يُوسُفُ: لاَ تَقلَقَ مِنْ الأمْـرِ الجَلِل: إنَ المَوْتَ بِيَـدِ اللهِ وَلكِنَ أبِّي لَنْ

يَمُوتَ بِسَبَبِ ذلِكَ لأنَ الحِكَمَةَ فِي رُؤْيَّتِي لَـمْ تَكْتَمِلُ إلاَ بِمَشِيئَةِ اللـَّه لَقدْ

أشاءَ للأِخوَةِ الأحَدَ عَشَرَ كَوكَباً يَدخِلُوا مِصْرَ وَسَوفَ يَأذن الله لِلشَمْسِ

وَالقَمَرِ حَتى أراكُم جَمِيعاً ساجِدِينَ شاكِرينَ بِمَا مَنَّ اللهُ عَليْنا,,

فَلاَ تَخْشى مِنْ بقاءِكَ مَعِي إنِّي سَوفَ أعمَلُ لإخوَتِكَ مُكْراً, وَأحْدِثُ بِهِم

أمْراً ذلِكَ بإذنِ رَبِّي وَهُم لاَ يَشْعِرُونَ,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير









التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 10:54 PM   رقم المشاركة : 14
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الرابع عَشَر
((يُوسُف يَأمُر غُلْمانَهُ بِوْضْعِ صُواع المَلِك فِي رِحلِ بِنيامِين))






بَعدَمَا أَنْزَلَهُم يُوسُف مَنْزِلاً كَرِيماً وَأَكَرَمَ فِداتَهُم, وَكالَهُم الطَعامُ وَزادَهُم

حِمْلاً لأخِيهِ بِنيامِينَ أَعَدَّ رِحالَهُم لِلسَفَرِ فَنَزَلَ قوْلَهُ تَعالى وَقالَ فِي أخِيهِ

(كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَـاهُ فِي دِيـنِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)




فَلَّمَا تَقـَدَمَ بِهِمُ الرَحِيلُ أمَـرَ يُوسُفُ غِلْمانَهُ أنْ يُجَهِزُوهُم بِجَهازِهِم وَأنْ

يَدِّسُوا صُواعَ المَلِكِ في رِحـْلِ أخِيهِ بِنيامِينَ: فَأفصَحَ القـُرآن عَنهُ بِذلِك

(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ)

وَبَيْنَمَا هُـمْ مُسْتَأنِفـُونَ الخِـرُوجَ مِـنْ مِصْـرَ إلى بِـلادِ الشامِ صـاحَ بِهِـم

المُنادِي بجَهِيرِ صَوْتِه أيُها الرَكْبُ المُزْمِعُ سَفَراً أَنْيِِخُ رَكَائِبكُم, وَأَنْزِلُوا

مَتاعَكُم لِنـُبَِيِِّنَ لَكُم فَسادَكُم بأنَكُم قَوْماً سارِقِينَ, فانَدهَشُوا أولادَ يَعقُوب

مِنْ عَظَّمَـةِ الأمْـرِ وَأقبَلُوا عَلَيهِم وَقالـُوا: مَا هـذِهِ الفِرِيَةُ التِي تَقذِفونَنَّا

بِها, وَهـذا الاتِهامُ الخَطِيرُ الذِي تَرْمُونَّا بِـهِ, مَا الذِي ضاعَ مِنْكُم وَعَـمَّ

تَبْحَثون (قَالـُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ) وَهُوَ الإناءُ الذَهَب الذِي يَشْرَبُ بِـهِ

المَلِِك, فَنُكافِئُ مَنْ يَأتِي بِـهِ حِمْلُ بَعِـيرٍ مِنَ الطَعامِ: فَقالَ قائِـدُ الحِراس

أضْمَنُ لَكُم ذلِك,,




قالُوا: أنتـُم تَعلَمُونَنَّا مَا جِئَنَّاكُم لِبُغيَّـةِ الإفسادِ فِي بلادِكُم, وَمَا كانَ مِنْ

شِيَمِ أَخْلاقِ أوْلادَ الأنبياءِ أنْ نَكُونَ مِنَ السارقِينَ؟ قالَ القائِـد: أُرْجَعُوا

مَعَـنَّا إلـى عَزيـزِ مِصْـرَ إنَّـا لَنَشِكُ قَََـَدْ سَرَقتـُم سِقايَتَـهُ وَأخفَيْتِمُوها فِي

رِحالِكُم,,

القُرآنُ الكَريم لاَ يَعتَريه رَيْـبٌ وَكَمَا نَجِـدُ فِيهِ أنَ يُوسُفَ هُـوَ الذِي أمَـرَ

صِبيانَهُ أنْ يَضَعُوا صُواعَ المَلِك فِي رِحلِ أخِيهِ بِنيامِينَ: وَمِنْ ثـُمَ أمَـرَ

المُآذن أنْ يَقولَ (إنكُم لَسارقُونَ) وَهَلْ أنَ أوْلادَ يَعقوب سَرَقـُوا صُواع

المَلِك,, فمَا هُوَ قَِصْدُ يُوسُف باتِهامِهِم بالسَرِقَََةِ,,

الجَوابُ فِي اثنَيْنِ:الأوَلُ أرادَ يُوسُفُ أنْ يُذكِرُهُم بِسَرِقَتِهِم إياهُ مِنْ أبيهِ

وَيَطَلِعَ عَلى تَوْبَتِهِم, فَجَعَلَ هـذا الاتِهامُ لَهُم هُـوَ لَيْسُ مُكْـراً وَلاَ مُنْكَـراً

مَا أبْداهُ يُوسُف عَلى نَفسِهِ, وَإنَمَا قَصْدَهُ الثانِي لِيَظُمَ بِنيامِينَ إليهِ بإذنِ

رَبِّهِ حَتى يَصِلَ بِمَخْدَعِهِ لأبيهِ فِي دِخُولِهِ مِصْرَ وَاللـَّهُ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ

عَلِيم,,

قالَ يُوسُفُ: حاشَ للـَّهِ إنَنَّا لا نَتَجَنَّى بالكَذبِ عَلَيْكُم, وَلاَ نَنْصُبُ الاتِهامَ

لَكُـم فاعِلِينَ بِتَقريعِ كَرامَتِكُم وَمَشاعِرِكُم, وَلكِـن مْا حُكْمَكُـم لَـوْ وَجَـدنَّا

الصُواعَ فِـي رِحالِكُم؟؟ عَليْكُم أنْ تَتَناجُـوا بَينَكُم دُونَ حَـرَجٍ فِي أمْـرِكُم

وَتَخْلِصُوا إلى غايَـةِ أنفُسِيكُم وَشاوِرُوها قَبْلَ أنْ نَنَزُلَ الحُكْمَ في تَفتِشِ

أوْعِيَتِكُم فلاَ عِذرٌ بَعدَ ذلِك وَلكِنَ تَعَطَفَهُم يُوسُف وَقالَ (وَلِمَنْ جَاءَ بِـهِ)

فَلَـهُ (حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِـهِ زَعِيمٌ) لَكُم بِهذا الشَرْطُ, وَكَفِيلُ بِهذا الأمْرُ إذا

سَلَمتِمُوُنا سِقايَة المَلِك (قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ

وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ)

قالَ يُوسُفُ: مَاذا يَكُـونُ جَـزاءَ السارقِينَ فِي دِينِكُم إنْ ظَهَرَتْ السِقايَـةُ

عِندَكُم وَهَلْ مِنكُم يُفضِّي إليَّ بِحَقيقَتِي صِدقِكُم: أمْ (كُنْتُمْ كَاذِبِينَ)

وَلِوِّثـُوقِ أبْناءَ يعقُوب بأنَهُم لَـمْ يَسْرقُوا, قالَ كَبيرَهُم يَهُوذا وَهُـوَ غَـيْرُ

مُتَلَجْلِجٍ نَحنُ أوْلاد يَعقوب النَبِّيُ أنَ لَنَّا شَرعاً وَدِيناً وَذِمَةُ فمَنْ وُجِدَ فِي

رِحـلِهِ صُـواعَ المَـلِك فخـذُوهُ أسِـيراً؟ ذلِـكَ هُـوَ شَرْعَـنَّا فِي دِيـنِ آبائِـنَّا

وَأجْدادِنَّا إسْحاقَ وَإبْراهِيمَ,,




قالَ يُوسُفُ: أهـذِهِ هِيَّ سُـنَّة يَعقوب وَآبائِـهِ فِي حُكْـمِ السارِقِ عِندَكُم؟؟

قالُوا بَلاَّ: فِي دِينَّنا جَـزاءُ السارِق أنْ يُسَلَّمَ بِسَرِقَتِهِ إلى المَسْرُوقِ مِنْهُ

فَيَسْتَرقُهُ سَنَةَ واحِدِةً ثمَ يَطْلِقُهُ حُراً وَلكِنْ نُؤَكِدُ لَكُم نَحنُ عَلى يَقِينٍ مِنْ

بَراءَةِ ذِمَتِنَّا مَا جِـئْنَّا لِنَسْرِقَ مِنكُم, أوْ (لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) بَعـدُ مَجِيئِنَّا

مَرَتَيْنِ وَاختِلاطُنَّا بِكَ أيُها العَزيز مِمَا ثَبَتَ عِندَكَ مِنْ دَلائِلِ حُسْنِ أمانَتِنَّا

فطابَت نَفسُ يُوسُف لِعَهْدِهِم, وَاسْتَراحَ لِرَأيِِّهِم, وَتَـوَّلى التَفتِيشُ بِنَفسِهِ

بَعدَ أنْ مَهَّـدَ الخُطَةَ, وَسْتَحصَلَ الأمْـر السَماوِّي بِهَا, فَبَِدَأ يُفتِشُ أوْعِيَةَ

العَشْـرَةَ الأشْقِياءِ, ثـُمَ انتَهى إلى تَفتِيـشِ وعـاءِ أخِيـهِ بِِنيامِينَ فَأخْـرَجَ

السِقايَةَ مِنْ رِحلِهِ وَأشْهَرَها فِي وجُوهِهِم, فأطرَقوا حَياءً وَخَجَلاً,,

وَقالَ: هـذا هُـوَ الإحسانُ بالإحسانِ تَسْرِقُونَنَّا يا أوْلادَ الأنبِياءِ وَطالَبَهُم

بالشَرْطِ أنْ يَأخُذَ أخاهُم أسِيراً بِمَّا اشْتَرَطُوا عَلى أنفُسِهِم,وَبذلِكَ نَجَحَت

خِطَةَ يُوسُف فَكادَهُم بِكَيْدِهِم كَيْداً, وَحَقَّ لَـهُ بقَضاءِ اللـَّهِ تَعالى أنْ يَأخُذَ

مِنْهُم بنيامِينَ فِي دِينِ المَلِك, فَلَوْلاَ أمْـرُ اللـَّهِ وَتَدبِيرُهُ فمَّا كانَ لِيُوسُفَ

باسْتطاعَتِهِ أَخْذُ أخِيهِ بمُقتَضى شَريعَةِ البَشَر إلاَّ بإرادَةِ اللهِ المُدَبرُ وَهذا

مِنْ فضْلِهِ الذِي علَّى فِي العِلْمِ وَيَهِبَّ دَرَجاتٌ مِنهُ لِمَنْ أرادَ وَهُـوَ فـَوْقَ

كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ,,




قالُوا أيُها العزيزُ: مَا كُنَّا نَتَوَقَع أنْ يَسْرقَ أخٌ لَنَّا, وَلكِنْ نَلتَمِسُ بِعَطْفِكَ

أنْ تَشْفَعَ عَنهُ وَتَعُفَ عَنْ خَطِيئَتِهِ؟؟

قالَ يُوسُف: الذَنـْبُ الـذِي اقتَرَفـَهُ أخِيكُـم بِنيامِـينَ هُـوَ أعظَـمُ بِكَثيـرٍ أنْ

يُسامَح عَلَيْهِ بشَفاعَةِ شَفِيعٍ ولكِنَنِّي أعرِفُ قَوْماً مِنْ سِنِينٍ ارتَكَبُوا ذَنباً

عَظِيماً فَلَنْ يَتُوبُوا حَتى الساعَة فَأطْرَقُوا حَياءً مِنْ ذَنبِهِم الذي اقتَرَفُوهُ

بِحَقِّ يُوسُف,,

قالُوا أيُها العَزيزُ: إذا مَا كانَ شَرْعٌ فِي دِينِ المَلِكِ يُجِيزَ لَـهُ السارِق أنْ

يَتَحَكَـمَ فِـيمَا أرادَ بِحُكْمِـهِ عَـنْ طواعِيَـةٍ أنْ يَأخُـذَ أخَـاً أسِـيراً فِي دِينِـهِ

ويَكُونَ فِي جَزاءِهِ لَمَنَ الآثِمِينَ لِكِنَنَّا نَرْجُـو الأوَّد بِلُطْفِكَ عَلَيْهِ ( إِنَّ لَـهُ

أَباً شَيْخاً كَبِيراً) قَدْ ناهَزَ العُمْرَينِ لا يَسْتَريحُ عَن فِراقِهِ وَقَـَدْ أخَـذَ عَهَداً

عَلَيْنَّا أنْ نَـرِّدَهُ إلَيْهِ فِي أحْوَجِ الأمْر إلاَّ مَا قَدَرَ اللهُ عَليْهِ إنا إذاً لَقادِرُونَ

(فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّـا نَرَاكَ مِـنَ الْمُحْسِنِينَ) وَمَا كانَ لِيُوسُفَ أنْ يُؤْثِـرَِ

عَلَيْهِ اسْتِعطافَهُم لِيُفلِتَ مِنْ يَدِّهِ أخاهُ بِنيامِينَ اسْتِبْدالاً بغَيْرهِ مِنهُم حَتى

لاَ يُنقِضَ تَدبِيراً رَسَمَهُ اللـَّهَ لَـهُ بانضِمامِ أَخِيهِ إليهِ, فَردَّهُم ردَّاً حاسِماً

وَقالَ: هـذا لَيْسُ مِنْ طِباعِنَّا وَلاَ شَرْطٌ فِي دِينِّنا إنِّي مِلِكٌ أَلْجَأُ إلى اللـَّهِ

مُنَزِهاً نَفْسِي عَـنْ الظُّلْمِ فَـلاَّ أحجِزُ غَـيْرُ مَـنْ عََثـَرْنَّا عِندَهُ سِقايَتِنَّا, لَـوْ

أخَذْتُ سَواهُ بِعقُوبَتِهِ لَكُنْتُ مِنَ الظالِمِينَ الذِين يَأخِذُونَ بِجَريرَةِ البَرِيء

بِذَنْبِ المُسِيء فَـلاَّ (نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَـدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّـا إِذاً لَظَالِمُونَ)

قالُوا أيُها العزيزُ إنَكَ قَـَد تَعلَم بِشْرطِكَ عَمَّا قُلْتَ لَنا (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي

وَلا تَقْرَبُـونِ) إلاَّ أنْ (تَئْتـُونِي بِـأَخٍ لَكُـمْ مِـنْ أَبِيكُـمْ) يَشْهَـدُ عَلـى صِحَـةِ

دَعوانَّا أمامَكَ أوَلَيْسَ هذا الشاهِدُ الذِي فَضَلْتَهُ عَلَيْنَّا وَجَعَلتَهُ مَعَكَ مَثنى

عَلى طَعامِ لَكَ وَهُوَ (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَـهُ مِنْ قَبْلُ) وَلكِن نَخْبِرُكَ

إنَنَّا أوْلادٌ عَشْرَةٌ مِـنْ أمٍ وَأبٍ لـَنْ نَسْرُقَ أحَـداً مِنْ قبـْلُ لِطَهارَةِ أعراقِنا

وَإنَمَا الذِي سََرقَ مِنْ قبْلُ هُـوَ يُوسُف قـَد سَرَقَ حِزامُ جَدِنَّا إسْحاقَ مِنْ

عَمَتِنَّا, وَسَرَقََكُم الآن أخُوهُ بنيامِينَ؟؟

فلْتَفَتـُوا إلَيْهِ وَقالُوا: قَبَحَكَ اللـَّهُ يا ابْنَ راحِيلَ وَلَدَتْ أمُكَ أخَوَّيْنِ لُصَيْنِ

لَقَد سَوَدتَ وجُوهَنَّا كَيْفَ سَرَقتَ هذِهِ السِقايَةَ, فَرَفَعَ بِنيامِينَ وَجْهَهُ إلى

السَّماءِ وَقالَ وَاللـَّهِ مَا فَعَلْتُ: قالـُوا فَمْنْ وَضَعَها فِي رِحلِكَ؟؟ قالَ الذِي

وَضَعَ البِضاعَةَ فِي رِحالِكُم وَضَعَها فِي رِحلِي؟وَكانَ غَرَضَهُم فِي اتِهامِ

يُوسُف وَأخِيهِ بالسَرِقََةِ بأنَنَّا لَسْنَّا عَلى طَريقَتِهِمَا وَسِيرَتِهِمَا,,




فَأسَّرَ يُوسُفُ جَوابَهُم فِي نَفسِهِ وَلَمْ يُبْدِي لَهُم عَنْ سَرِقَتِهِ,لَوْ صارَحَهُم

بهِا لَكَشَفَ عَنْ نَفسِهِ, وَأبانَ سِّـرَهُ عَـنْ شَخْصِهِ, وَلكِنَهُ (قَالَ أَنْتـُمْ شَـرٌّ

مَكَاناً) بِأفعالِكُم السَيِّئَةِ بأسْوَأِ مِنْزِلَةٍ, وَأحَطَ قَََدراً, فَالخَيْرُ بيَدِيكُم وَالشَّرُ

لاَ يَتَقرَّبَ بـهِ إلَيْكُم, وَلاَ يُبْتَغى بـهِ وجُوه أوْلادَ الأنبياءِ: وَإنَمَّا خَلَقتِمُوهُ

لأنفسِكُم,,

فَكَيْفَ تَتهَمُونَ أخٍ لَكُم بَوَّصْمَةِ السَرِقَََةِ مِنْ قَبْلُ وَتارَةً تَزَعَمْتِمُوهُ مَيِّتاً,,




فأنَّا أسْألُ هذا الصُواعُ الذِي اسْتَخرَجْتَهُ مِنْ رِحلِ أخِيكُم: فَنَقَرَهُ يُوسُفُ

ثَلاثُ نَقراتٍ وَأدناهُ إلى أُذِنِـهِ, وَقـالَ: إنَ صُواعِي يَخْبِرنِّي أنَكُـم عَشْرَةُ

رَجالٍ لأبٍّ واحِـدٍ, وَإنَكُم انْطَلَقتُم بأَخٍ لَكُم مِنْ أبِيكُم فَبِعتِمُوه وَقُلتـُم أكَلَهُ

الذِئِبُ بِخَدعِ أبيكُم يَعقُوب, فَأنتُم السارِقُونَ يُوسُف مِنْ أبيهِ (وَالله أعْلَمُ

بِمَا تَصِفُونَ) بِمَكائِدِكُم عَلَيهِ,,

الآيَةُ الكَريمَة تُشِير أنَ يُوسُفَ سَرَقَ مِنْ قبْلُ عَلى لِسانِ أخْوَتِهِ العَشْرَةَ

الأشقِياءِ فمَّا هُوَ دَلِيلَهُم عَلى سَرِقَةِ يُوسُف مِنْ قبْلُ؟؟

الجَوابُ/ تـُأَوَّل هـذِهِ ألآيَـة بأنَ يُوسُفَ قَـَد سَرقَ قلْبُ أبيهِ يَعقوب ثَلاثَةَ

وَثلاثونَ عامـاً: كَمَا وَرَدَ بَيانَـهُ فِي التَنزيـلِ (فأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ

وَلَـمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) فَلَّمَا اسْتَيْئَسُوا مِنْ قبُولِ العَزيـز لِشَفاعَتِهِم عَنْ أخِيهِم

بنيامِينَ خَلَصُوا إلى أنفُسِهِم يَتَلاءَمُونَ بَعدَ أنْ نَفَضُوا الأكُفَ عَنْ رَواجِ

العَفـْوِّ وَانقَطَعَ مِنْهُم الأمَـلُ وَيَئِسُوا مِنْ قبُولِ الرَجاءِ اخْتَلفـُوا بأنفُسِهِم

قالُوا إنَّا إذاً لَخاسِرُونَ, ثُمَ أخَذوا يَتَشاوَرُونَ فِي مَوْقِفِهِم مِنْ أبِيهِم مَاذا

يَفعَلُون,,




قالَ لَهُم كَبيرَهُم يَهُـوذا: أوَلَيْسَ أباكُم قَـَدْ أخَـذَ عَلَيْكُم عَهْـداً وَاسْتَحلَفَكُم

إيماناً فَعاهَدتِمُوهُ أنْ تَأتُوه بأخِيكُم حَياً إلاَّ مَا قَدْرَ اللهُ عَليهِ بالمَوْتِ: فَمَا

نَقولُ لَهُ وَمَا هُـوَ سَبيلُ المَخْرَجِ بَعـدَ أنْ فَقَدنَّا الأخْ وَنَكَثـنَّا اليَمِين وَإنَّـا

لَحُنثِنَّا لَكافِرُونَ,,

وَقالَ لاَوِّي: حَقاً ذاكَ جَرْحُ يُوسُفَ في كَبْدِ أَبِيِّنا لَمْ يَندَمِلُ, وَدِمُوعُهُ لَـمْ

تَنقَطِع حَتى شُجِجَتْ جِفُونَـهُ, وَالتَهَبَت عِيُونَهُ, وَأفاضَّت شِئُونَهُ, فَكَيْفَ

إذا أخْبَرْناهُ عَنْ بِنيامِينَ فإنَهُ يَمُوت صَبراً وَنَحنُ بِمَوْتِهِ لَقاتِلُونَ,,

فَلَّمَا أرادُوا الانْصِرافَ إلى أبيهِم تَخَلَفَ عَنهُم يَهُوذا وَبَـقَ فِي مِصْـرَ,,

وَقالَ (فَلَنْ أَبْرَحَ) بالعَودَةِ إلى دِيارِ يَعقُوب, لَقـَدْ أخلَفتُم عَهْدَكُم وَفرَطتُم

في بَنيامِينَ كَمَا فرَطْتـُم فِي أخِيِـهِ يُوسُف مِـنْ قبْلِـهِ حِتى ضَيَعتِمُوه فلْـمْ

يَبْقَ لِي مَعَكُم حَياءَ وَجْهٍ أقابلُ بهِ وَلَنْ أبرَحَ مَعَكُم بالخِرُوجِ مِنْ هُنَّا إلى

أرْضِ كَنعان (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) بالعَوْدَةِ فَيَدعُوَّنِي إلَيْهِ (أَوْ يَحْكُمَ اللـَّهُ

لِي) بِرَّدِ بِنيامِينَ عَلَيَّ (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)

وَقالَ لَهُم بنيامِينَ (أرْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقولـُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْـنَكَ) بِنيامِينَ

(سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ)




فََطابَتَ نِفُوسَهُم لِرَأيِ أخِيهِم ودَخَلُوا عَلى أبيهِم بَعَدَ أنْ خَلَّفُوا ثالِثاً لَهُم

وَتَفَقدَ يَعقوب بِنيامِينَ ويَهُوذا فَلمْ يَجِدْهُمَا فِيهُم, وَكَأنَ عُضْواً طـارَ مِنْ

قَلْبِِهِ ثمَ قالَ بِصَوْتِ حَزِينِ وَقلْبٍ كَئِيبٍ تَدفَعَهُ عُيُونٌ عَبْرا وَجِفونٌ شَجْنَّا

مَا صَنَعتـُم بِأخَوَّيْكُمَا: قالـُوا, يا أبانَّـا مَا أرَدنَّا أنْ نَخْبِرُكَ عَـنْ ابْـنِكَ قََـَدْ

سَرَقَ سِقايَة المَلِك فَاسْتَرَقُوهُ سَنَةً عِندَهُم,, وَنَدِّلُ بِقَوْلِنَّا إنَـهُ سَرَقَ فِي

ظاهِرِ الأمْرِ لاَ فِي حَقِيقَةِ الحالِ التِي شاهَدناهُ بِها إلاَّ بِمَا عَلِمْنَا بِإخْراجِ

السِقايَةِ مِنْ رِحلِهِ,,

فَعُذراً يا أبانَّا أرِّدنَّا لِنُخَفِفَ عَنكَ لَوْعَةَ الثـُقلِ وَنَرشِدُكَ إلى أقـْرَبِ سَبيلِ

قَصْدِنَّا عَنْ يَهُـوذا قَـدْ تَخَلفَ عَنَّا حَياءً مِنكَ حَتى تَأذَنَ لَـهُ بِالعَوْدَةِ هـذا

مَا اطَلَعنَّا عَلَيهِ وَمَا تَقَدَمَت بِـنَّا الأيـامُ, وَاخْتَلـطََ حُزْنَها بآمالِـنَّا, فَبَـدَأتْ

تُفْسِـدُ عَـوازُبَ أحلامُـنَّا, فنَزَلَّـتْ الخَيْبَـة فِي قََـْعري نفُوسِـنّا, فَساوَرَتَنا

الهِمُومُ التِي لَنْ يَخفَضَ لَها وَهَـدٌ فِي صِدُورِنَّا,,

فإنْ لَمْ يَكُن لَكَ تَصْدِيقاً بِقَولِنَّا (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي

أَقْبَلْنَا فِيهَا) هـذا مَـا أبلَغناكَ لِنُكَلِفـُكَ السُؤالِ لإِزالَـةِ الشَـكِ وَالرَّيْبِ مِـنْ

أنفُسِنَّا (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)

قالَ يَعقُوب يا أسَفى عَلى يُوسُفَ وَيا حَسْرَتَاه عَلى بِنيامِينَ وَلَدِي كَيْفَ

خَلَفتِمُوهُ وَرَائَكُم وَتَتهَمُونَهُ بالسَرِقَةِ: كَيْفَ لِي أنْ أصْـبِرَ عَـنْ ثَلاثَةٍ قَـَد

ضاعُـوا مِنِّي ألاَّ تَشْعِرُونَ يَومـاً كُلَّمَا غِبْتـُم عَنِّي لاَ أصْـبِرُ عَلى فِراقَِكُم

وَصَدري يَنفَضُ كُلَمَا عايَنْتُ غَيْبَتَكُم أبْكِي عَلَيْكُم دَماً بَدَلِ الدِمُوعِ, وَأنتُم

تُنْزِلـُونَ بِيَّ مُصِيبَةً بَعـدَ مُصِيبَةٍ, هـذا هُـوَ جَـزاءُ الوَلَدِ بالوالِد بَعَـدَ أنْ

(سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) بِمَّا فَعَلتـُم بإخوَتِكُم, فإنَ عَذلَّكُم يَبْعَثُ شَقائِي

وَيُثيـرَ كامِـنَ دائِي, أخْرجُوا عَنِّي وَلاَ تَعُودُوا إلاَّ يُوسُـف مَعَكُم وَأخِيِـهِ

بنيامِينَ وَيَهُوذا (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّـهُ هُوَ

الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)




فأخَـذَ يَعقوبُ يَتَوَلـْولُ وَيَتوَجَعُ, فَساوَرَتهُ الكُـرُوب, وتَشَعَبتهُ الأحْـزانُ

لا يَجِدُ لِنَفسِهِ مُتَنَفِساً لِهَمِهِ, وَلاَ سَلْوَةً مِنْ ألَمِـهِ إلاَ بِسَخِينِ الدَمْع يَلْقى

راحَةً يُرَوعَ بِـهِ نَفسَهُ مِنْ شِجُونِهِ, وَتارَةً أخْرى تَشِجُ جِفـُونَهُ وتَفِيضُ

شِئُونـَه بالبكاءِ حَتى اُبْيَضَت عَـيْناهُ وهُـوَ كَظِيـمٌ, يَصِيـحُ يا أسَفى عَلى

يُوسُفَ بِصَـوتٍ حَزيـنٍ يَقـْرَحُ القلُوبَ وَهُـوَ عَلى ذلِكَ لَمِّنَ الصابرينَ,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 11:03 PM   رقم المشاركة : 15
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الخامِس عَشَر الأخِير
(أوْلادُ يَعقُوبَ التِسْعَةَ يَدخِلُونَ مَصْـرَ يُفَتِشُونَ عَـنْ يُوسُف)








وَجاءَ أوْلاد يَعقُوب التِسْعَةَ: وَقالـُوا يا أبانَّا كُفَ عَنْ هـذِهِ الزَفراتِ التِي

سَوْفَ تَلْقِي بِكَ المَوْت, قالَ أخْرْجُوا عَنِّي وَلاَ تَعُودُوا إلَيَّ حَتى تَضْرِبُوا

فِي الأرضِ مُتَحسِّسِينَ (مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ

لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)





إنَ في قَلْـبِ يَعقوب بَصِيرَةٌ تُحَدِثـُهُ عَـنْ يُوسُفَ إنَـهُ حَيٌ في عِلْـمِ يَقينِه

وَحِـينَ سُألـُوه أوْلادَهُ كَيْفَ عَلِمْتَ أنَ يُوسُفَ حَـياً: قالَ سَلامُ اللـَّهِ عَلَيْهِ

إنَ رُؤْيَةَ يُوسُف لَمْ تَتَحَقَقُ بَعَـد حَتى يَتـُم السِجُود لأنَني لَـمْ أسْجِدُ إلَيْـهِ

حِينَ قالَ لِي وَلَدي (يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَـدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

رَأَيْتُهُمْ لِـي سَاجِدِيـنَ) وَأمَـرَ يَعقـُوب أوْلادَهُ التِسْعَـةَ أنْ يَلْقـُوا عَصاهُـم

بمِصْرَ يَحمِلُونَ رِسالَةَ أَباهُم لِعَزيزِ مِصْـرَ,, فأخَذوا طَريقَهُم يُظاهِرُونَ

أحادِيثَ أباهُم فِي أعماقِ نِفُوسِهِم وَيُداخِلُونَهُ بَيْنَ جَوانِحِهِم وَأسْرارِهِم

فَتَخالَطتْ ذِكْرَياتِ يُوسُفَ فِي عِقُولِهِم عَندَ تَعاقِبِ تِلْكَ السِنِينَ: فَهَبَطـُوا

مِصْرَ وَآمالَهُم بَيْنَ الخَيبَةِ وَالرجاءِ وَهُم لاَ يَشعِرُونَ, قالُوا أيُها العزيزُ

لَقدْ أرَهَقتنَّا الذِلَّة وَأُحِيطَ بِنَّا ألانكِسارُ بَعدُ أنْ تَوارَثَتنَّا الأحزانُ وَتَقاذفَتنا

الأقدارُ, فإرادَتـُنا أنْ نَقِفَ بَـيْنَ يَدَيكَ مَوقِـفَ الضَراعَةِ وَالاسْتكانَةِ, فإنْ

شِئتَ أنْ تَرحَمَنَّا بِمَا يُقِيـمَ الأََوَد لِنَلْتَمِسُ مِنكَ أنْ تَرحَمَنَّا بأخِينَّا بِنيامِينَ

لَقـَدْ تَرَكْنـَّا أبانَّـا شَـيْخاً كَبيـراً يَطْمَـعُ إليــهِ المُثِـلِِ ألأعلـى مِـنَ ألإيــمان

بِالقَضاءِ وَالصَبْرِ عَلى ألألْواءِِ, وهُوَ يَتَوَجَعُ مِنْ آلامِهِ ويَصِيح مِنْ أثـَرِ

أحزانِهِ (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَـيْنَاهُ مِنَ الْحُـزْنِ فَهُـوَ كَظِيـمٌ)



فَسَلَمُوهُ رِسالَةَ أبيهِم: وَقالُوا أيُها العَزيزُ لَقـَدْ جَاءَكَ مِنْ نَـبَأِ المُرسَلِينَ

رَسُول رَبِّ العالَمِين يَعقوبَ النَبِّي بنَ إسحاقَ بنَ إبراهيمَ الخَلِيل,,

فَقالَ لِمالِكِ بن ذعَر أتلِيها عَلَيْنَّا, وَقالَ: نَصُ الرِسالَةَ؟؟



بسْمِهِ تَعالى وَعلى المِلَةِ التِي اتَخَذَها إبْراهِيمُ دِيِـناً حَـنِيفاً: مِـنْ يَعقوب

النَبِّيِ إلى عَزيزِ مِصْرَ يُزارسِيف,, لَقـَدْ ابْتلى جَدُنـا إبْراهِيمَ رَبُـهُ بـَلاءً

حَسَناً فَجَعلَ مِنْ نارِهِ بَرْداً وَسَلاماً قالَ سَلامٌ مِنْ رَبـِنَّا ورَحْمَةً لِلعالَمِين

ثمَ ابَتلاهُ اللهُ بابْنهِ إسْماعِيلَ قرْباناً لَهُ وَفَداهُ رَبُهُ بكَبْشِ عَظِيمٍ وَمَا يَلْقاهُ

إلاَ الذِي صَبَرَ وَمَا يَلْقاهُ إلاَّ ذُو حَـظٍ عَظِيمٍ, كَذلِكَ ابتَلانَّا اللهُ بِيُوسُفَ إنْ

هُـوَ إلا بَـلاءٌ مِـنْ وَراءِ الغِيُـوبِ وَمَا قَـَضاءَهُ إلاَّ فِـي ذلِكَ لآيـاتٍ لِقـَـوْمٍ

يَتَفَكَرُون, ذلِكَ يُوسُفُ الصِدِيقُ المُبْتَلى قَبْلَ بلُوغِهِ بِتِسْعِ سِنِينٍ تآمَرُوا

عَليْهِ أخوَةٌ لَـهُ مِنْ أبيهِ لِيَقتِلُوه وَجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ أباهُم عِشاءً بـِدَمِ

شاةٍ يَصْطَنِعُونَ البُكاءَ ظـَّناً بأنَفُسِهِم قَـَدْ أكَلَهُ الذئْبُ فاللـَّهُ خَـيْرٌ حافِـظاً

لِيُوسُفَ عِندَهُ إنَهُ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشاءُ وَهُوَ أرْحَمُ الراحِمِين,,

وَمَا أسْألُكَ عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ لِنَبيِّ مُتَوَجَعٍ مِنْ جِراحاتِ وَلدِهِ

بِنيامِينَ التي لَـمْ تَندَمِـل في كَبْـدِهِ, وَدِمُـوعَ عَينَيـهِ التي لَـمْ تَنقَطِـع مِـنْ

شِجُونِهِ فَأرْسِلْهُ أيُها العَزيزُ مَعَ أخوَتِهِ وَلاَ تَتَوَّلى مِنْ ذلِكَ مُعرِضاً فَمَنْ

تَوَّلى عَنْ أنبياءِ اللهِ فأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ,,



فَبَكى يُوسُفُ عِندَها عَلى أبيهِ, وَمَا كانَ في قَلْبِهِ بُعداً لِفراقِِهِ إلاَّ مَا حالَ

اللهُ بَينَهُ وَبَيْنَ أبيهِ ذلِكَ مِنْ أنْباءِ الغَيبِ يُوْحِي بِها اللهُ لِقوْمٍِ يُؤمِنُون,,

فأجابهُـم يُوسُـفُ قائِـلاً (هَـلْ عَلِمْتـُمْ مَا فَعَلْتـُمْ بِيُوسُـفَ وَأَخِـيهِ إِذْ أَنْتـُـمْ

جَاهِلُونَ) قالُوا أيُها العَزيزُ نَحنُ مِنْ قَوْمٍ لا نَلْبِسُ الحَقَّ بالباطِلِ وَنكْتِمَهُ

حَتى تَقذِفـُنا بالجَهْلِ بَعدُ أنْ كُنَّا وَراءِ الحَقِّ عَلى الهُدى مُتَفقِهِين,,



قالَ بَـلْ أنتـُم لَسْتُ مِنْ أهلِنَّا تَحْمِلُونَ الآباءَ عَلى الجَهْلِ بإفراطِكُم حِفْظاً

لِقلُوبِكُـم عَلـى الإسـاءَةِ وَلَئِـنْ مَسَكُـم العَـذابُ لَتَقوُلَـنَ يا وَيلَـنَّا إنَّـا كُــنَّا

مُجْرمِينَ,,

ألَسْتُم برَبِكُم هُـوَ الـذِي أكْبَدَكُم بَعـدَ أنْ بَطـَرَتْ مَعِيشَتَكُم وَشاءَ بِكُـم إلى

عَزيزِ مِصْـرَ مِنْ حَـيْثُ لاَ تَشْعرُون, بَلى هُوَ اللـَّهُ العالِمُ بِما تَخْفُونَ فِي

صِدُورِكُم وَمَا تَبْدُوهُ مِنْ جُـرْمٍ تَظنُوهُ نَصْراً لَكُم بِقَتـْلِ أخِيكُـم وَتَقولـُونَ

مَتى وَعدُ الحَقّ الذِي يَخْلُ لَنَّـا بِـهِ وَجْـهُ أبينَّا فانْظِرُوا اليَومَ الذِي كَيْفَ

كانَ فِيهِ عاقِبَةُ المُتَكَبِرين,,

أفَمَا تِلكَ الأيامُ التي يُداوِلُها اللهُ بَينَكُم لِتَعلَمُوا اليَوْمَ رسالَةَ أبِيكُم مَا مِنْ

فَضْلٍ لَكُم عِندَهُ بَلْ يَراكُم قَوْماً كاذِبينَ,, هـذا هُوَ اليَوْمُ الذِي اقتَرَبَ فِيهِ

الوَعدُ الحَـقّ وَأنتـُم شاخِصَةٌ أبْصارَكُم بَـيْنَ قَـَوْمٍ لا يُؤمِنـُونَ باللـَّهِ فَمَا

جَزاءَكُم إذ كُنتـُم خاطِئِين,, كَيْفَ يَشاءُ لَكُم أنْ تَقتِلـُوا أنفُسَكُم لِتَجرَحُوا

قَلْبَ أبيكُم وَهُـوَ يَتَوجَعُ ويَتَوَلولُ في سِنْيَتِه وَأنتُم مِنْ حَوْلِهِ تَمْرَحُون,,

كَيْفَ زُيِّنَ لَكُم الهَوى أنْ تَكِيدُوا بِيُوسُفَ فَتَلْقـُوهُ فِي غَيابَـةِ الجُـبِّ الذِي

يَبعِدُ عَن قِرى يَعقوبَ أمْيالاً وَأنتُم بَيْنَ هُدى رَسُولِ رَبِّ العالَمِين, ألَيْسَ

هُـوَ الذِي يَتَوَسْلُ إليْكُـم وَيَتَشَفَعُ بِكُـم فَلَـم تَقبَلـُوا شَفاعَتَهُ وَلَـنْ تَسْتََرِقَ

قلوبَكُم لَهُ وهُوَ يَتَوَجَعُ بآلامِهِ مِن أثَـَرِ ذلِكَ المَّدرُ الذِي أسْقَطتِمُوه عَلى

أمِ رَأسِهِ فاسْتَكْبَرتُم عَلَيْهِ وَأنتُم عَلى شَفا البِئْرِ تَضْحَكُون,,

وَمِنْ وَثُمَ اصْطَنعتُم البُكاءَ ظـَّناً بأخِيكُم لِيَخْلُ لَكُـمْ وَجْـهُ أبيكُمْ فَعَلِمََ مِنكُم

مَا لَمْ تَعلَمُونَ بِمكْرِكُم فَجَعَلَ مِنْ دُونِهِ مَكْرُ اللهِ فَوْقَ كَيْدِ الماكِرينَ,,

وَكَذلِكَ عَدَوْتـُم وَتَعَمَدتـُم أنْ تَصْنَعُوا مَـعَ أخِيـهِ بِنيامِينَ صِنـُوفَ الحِـيَلِ

وَالإيذاءِ وَلَمْ تَأخِذَكُم فِيهِ رَحمَةً فأنذَرَكُم أباكُم يَعقُوب بِغَضَبِ رَبِّهِ لَعلَكُم

تَسْتَغفِرُونَ,,

أوَلَسْتُم غَـيْرُ نادِمِينَ عَـنْ كَثِيـرٍ مَا يَصْفحُ لَكُم أخِيكُم بِلـُطْفِهِ عَنْ زَلَتِـكُم

وَيَعفُو عَن خَطاياكُم وَأنتـُم بِـهِ لَمِّنَ الظالِمِينَ,, وَلَئِنْ آتَيْتُم الذِينَ أُوتـُوا

الحَقََّ بِكُلِّ آيَةٍ لآمَنْتُم مَعَ الذِينَ آمَنـُوا لأوْفاكُمُ اللـَّهُ أجُورَكُم وَاللـَّهُ وَلِيُ

المُؤمِنِينَ, ثمَ تَوَلَيْتُم مِنْ بَعدِ إيمانِكُم فَطَوَعَتْ لَكُم أنفُسَكُم أمْراً فِي إبعادِ

أخِيكُم يُوسُفَ فأصْبَحتُم مِنْ بََعدِهِ قَوْماً خاسِرين, فَمَنْ أوْقعَ مُؤمِناً بأذىً

فعَلَيْهِ إثْمُهُ فَهُوَ مِعَ الذِينَ لَعَنَهُم اللهُ ويَلْعَنَهُمُ اللاعِنُون,,

فإنْ تُبتُم يُؤتِكُم اللهُ أجْراً حَسَناً وإنْ عَصَيْتُم فَاعلَمُوا إنَكُم لا يُزَكِيَكُم الله

حِفْظاً لِسَيِّئاتِكُم فَلَكُم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيم بِمَا كُنتُم عَلى التَوْبَةِ تَسْتَكبرُون,,

وَإنْ كُنتُم فِي رَيْبٍٍ مِنْ قَولِنَّا فَأوْفـُوا لَنَّا مَا فِي نِفُوسِكُم لِتَعلَمُونَّا إنَ كانَ

وَعدَ اللهُ فِيكُم حَقٌ فهاتُوا بُرهانَكُم إنْ كُنتُم صادِقِين,,

قالُوا إنَ ذلِكَ الذِي أفادَ بِهِ مِنَ الكِذبِ إلاَ مَا عَدَدَهُ لَكُم أخِينَّا بِنيامِينَ فإنَهُ

قَـَدْ كانَ لَنَّا عَدواً مُبِّين,,

إذ قالَ يُوسُفُ لإخوَتِهِ أنَ لِكُلِّ كِذبٍ لَدَيْكُم بِمَا يُحِطُنَّا بِهِ خُبْرا وَاللهُ فَوْقَ

كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٍ,,

قالُوا أيُها العَزيزُ: كَيْفَ عَلِمْتَ بـِنَّا مِنْ كُلِّ شَيءٍ بِمَا يُحِطُكَ عَنَّا خَـبَرٌ,,

وَشَهِدَ مالِكُ بنُ ذعَـر الذِي اشْتَرى يُوسُفَ بِبَخَسِ دَراهِـمٍ مَعدُودَةٍ: قالَ

إنَكُـم ألزَمْتِمُونِّي أنْ لاَ أنَتَقِـضَ البَيْعَ بَعَـدَ تَوْكِيـدِهِ حَتى أذهَـبَ بِيُوسُفَ

بَعِيداً عَنْ أرْضِ كَنعانَ وَقـدْ كُنتُ فِيهِ مِنَ الزاهِدِينَ,,

قالُوا أيُها العَزيزُ إنَـهُ عَبْدٌ شِريـرٌ لاَ يُطِيعُ أبانَّا قََـَد أَبِقَ مِـنَّا وَسَقـَطَ فِي

البِئْرِ فَبِعناهُ لِمالِك بِعشْرينَ دُرْهَماً وَكُنَّا لإِبعادِهِ كارهِين,, وَقالَ يُوسُفُ

بَلْ سَوَلَتْ لَكُم أنفُسَكُم شَراً وَمَا كانَ ذلِكَ العَبْدُ إلاَّ رَحمَةً لِلعالَمِين,,

وَقامَت زُلَيْخَة لِتُكْمِلَ لَهُم الحَدِيثُ لَعَلَهُم يَعتَرفون: وَقالَت قـُتِيفار عَزيزُ

مِصْرَ قامَ بِشِراءِ يُوسُف مِـنْ سُـوقِ النَخاسِينَ بِثَلاثـَةِ آلافِ دِيـنارِ مِـنْ

قِطَعِ الذَهَبِ وَرَأى فِي نَفسِهِ أنْ يُهْدِيَّ يُوسُف إلى زَوجَتِهِ زُلَيْخَةَ, وَأنَّـا

زُلَيْخَةَ كُنتُ مَولاةٌ لِيُوسُفَ سَنواتٍ حَتى أُكْتَمَلَ عُودَهُ فِي قَصْري وَتَرَبَّى

فِي أحضانِّي, وَلكِنَنِّي أوْقَعتَهُ فِي مُصِيبَةٍ وَدَبَرْتُ لَهُ المَكايِّدَ وَرَمَيْتَهُ فِي

السِّجْنِ عَشْرةُ سِنِينٍ فَعَفا عَنِّ زَلَتِّي وَاللهُ خَيْرُ الغافِرين,,



ثمَ وَقَفَ ساقِي المَلِك وَقالَ: لَقَدَ رَأى مَلِكُ مِصْرَ الحاكِمُ العَظِيم اخْناتُون

فِي مَنامِهِ رُؤْيَةً عَجَزَ عَنْ تَعبيرِها كُلُّ مُفَسِرينَ كَهَنَة آمُونَ وَكُنتُ أعلَمُ

أنَ يُوسُفَ الصِديق مُعَـبِرٌ عَظِيمٌ إذ رَأيْتُ مَناماً فِي السِّجْنِ وَقـَد فَسَـرَهُ

لِي بِخَيْرِ وَفَسَرَ مَنامَ صاحِبِّي فَناَلَ جَزاءَهُ بِحكُمِ الحاكِمَ بصَّلْبِهِ أمامَ كُـلَّ

عَيْنٍ فَقَصَصْتُ لِيُوسُفَ رُؤْيَةَ حاكِم مِصْرَ اخْناتُون فَفَسَّرَها لِي بأحسَنِ

تَأوِّيلٍ,,

ثـُمَ تَقَدَمَ قائِـدُ حراسَ السِّجْنِ وَقالَ لَهُم: لَقَد كانَ تَعبِيرُ يُوسُف مِنْ مَـنامِ

الحاكِـمِ اخْناتـُون فَكانَـت سَـبَباً مُهِماً فِـي خَـلاصِ يُوسُـف مِـنْ السِّـجْنِ

فَضَّمَهُ المَلِك فِي مَمْلَكَتِهِ حاكِـماً فَتَسَبَبَت مَهاراتَهُ فِي نَجاةِ أهْـلَ مِصْـرَ

وَخَلاصَهُم مِنْ القَحطِ وَالهَلاكِ وَرُقّ العِبُودِيَةِ,,




ثمَ تَقَدَمَت زَوْجَةُ يُوسُف وَقالَت لَهُم: النَبِّيُ الصِديقُ يُوسُفُ هُوَ زَوْجِي

الآن وَمَناسَ وَأفراثِيمَ هُمَا وَلَدانَا,,

فَبَكِيَّ يُوسُف وَكَشَفَ عَنْ نَفسِهِ لَهُم بِدِمُوعِهِ فَعرَفوهُ عَلى هذِهِ الإشارَة

فَقالَ كَبيرَهُم يَهُـوذا إذاً أنَـتَ لَيُوسُف؟؟ فَسَكِتَ, فَأخَـذوا يَنْظِـرُونَ إلَيْـهِ

فَتَخالَجَهُم الشَكُ فِي أمْرهِ وَداخَلَهُم الظَّنُ فِي حَقِيِقَتِهِ حَتى أوْضَحَ الرَيْبُ

لَهُم عَنْ حالِهِ وَإذا هُمْ عَنْ غَفلَتِهِم يَبْصِرُونَ,,





قالُوا إذاً (أَإِنّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَـَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا

إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْـرَ الْمُحْسِنِينَ) لَّما عَلِمُوا بأنَهُ

يُوسُفُ الحاكِمُ العَزيـزُ اضْطَربَت مَشاعِرَهُم, وَامتَقـُعَت ألوانََهُم فتَمََنـُوا

لأنفسِهِم نَفَقـاً فِي الأرضِ يَنشَـقُ ويَبْلَعَهُم وَكَأنَهُم لاَّ سَمِعُوا مِـنْ حِينِـهِ

وَلاَّ هُم يَنظِرُون,,



قالَ يُوسُفُ مَا بالِكُم ذُلِلْتـُم فِيمَا أقولُ لكُم مِنْ خَـبَرٍٍ فاجِعٍ وَنَـبأٍ مُرْوعٍ إذ

أنتُم قَوْماً مُذنِبين, وَهَلْ أنَ خَـبَري إليْكُم يُفسِـدُ مِنْ شِخْصِكُم أو يُهزْهِزَ

مِنْ جَهْلِكُم فبئْسَمَا يِأمْرُكُم بِهِِ إسْلامَكُم إنْ كُنتُم مُؤمِنِينَ,,

أوَلَيْسَ هذا بِمَا اسْتَعجَلْتـُم بالسَيِّئَةِ ثـُمَ تَجَنيْتُم فِي إبعادِ أخِيكُم عَنْ أبيـهِ

وَأنتُم لاَ تَرحَمُون,, فتُوبُوا وَاسْتَغفرُوا رَبُّكُم حَتى يَأتِيَّ أمْرَهُ بِكُم إنَ اللهَ

للِتَوابينَ غَفُورٌ رَحِيم,, إنْ تَعتَذِرُوا إلى اللـَّهِ لَقدْ كَفرْتـُم بَعدَ إيمانِكُم إنْ

يَعْفُو عَنكُم حَتى لا يَرُدَّكُم اللهُ بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ,,



قالُوا (لَقَدْ آثَرَكَ اللـَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) ثُمَ لَـوْ إنَنَّا تَذَوَقنَّا السُوءَ

بِجَهالَةٍ لأُحِيطَّتْ الَتَوْبَةَ فِي نِفـُوسِنَّا قدُماً قَبْلَ ثبُوتِها إنَّـا إذاً لَظالِمُون,,

أوَلَيـْسَ نَحنُ أشَـدُ مِنكَ قـُوَةً وَأكْثَرُ جَمْعاً وَحُـنكَةً لا نَسْألُ بالأمْسِ عَـنْ

خَطايانَّا واليَـوْم يَبْلِسُ أمامَكَ المُذنِبُون,, ذلِكَ يُبيِّنُ اللـَّه الْحَـقَّ وَيُزْهِقَ

الْبَاطِلَ لِيُنذرَ بِهِ قوْماً وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ, الحَمْدُ للـَّهِ الذِي آثـَرَكَ عَلَيْنَّا

وهَدانَّا بِكَ لِتََصْفَحَ عَنْ خَطايانَّا وَآخِرُ دَعوانَّا أَن ِالحَمْدُ وَالشِكُرُ للهِ الذِي

أطْلَعَكَ عَلَيْنَّا وَناصَرَ المُحسِنينَ,,

يا أخانَّا أطْلبْ العَفوَ لَنَّـا عِندَ رِبِّكَ وَسْتَغفِرَنَّا حَتى يَتبَيَّنَ لَكَ صِدقَنَّا فَنِعمَ

أجْرُ الغافِرينَ, إنَنَّا قَـَدْ تـُبْنَّا إلى اللهِ لِيَدْرأَ عَنَّا العَذابَ فعِندَها نَجْعَلُ لَعنَةُ

اللهِ عَلى الكاذِبينَ, ذلِكَ مِيثاقنَّا وعَهْدُنَّا إلى اللهِ وَمَنْ يَنكُثَ عَهْدَ اللهِ مِنْ

بَعدِ مِيثاقِهِ فِي الأرضِ فَهُوَ لَمِّنَ الخاسِرينَ,,

لكِنَ قلْبَ يُوسُف هُـوَ أرَقٌ مِنْ قلْبِ أبيهِ يَعقوب, وَهذا مِن دَلائِلِ القرآن

الكَريم ذلِكَ يُوسُف الشابُ العَفِيفُ الطاهِـرُ الذِي اصْطفاهُ اللـَّه لِرسالتِهِ

أوَلُ مَنْ بادَرَ إلى العَفـْوِّ عَنْ حَقِِـهِ اتِجاه إخوَتِـهِ العَشْرَةَ مِنْ أبيـهِ الذِينَ

تآمَرُوا بقتلِهِ حِينَ رَمُوهُ فِي غَيابِ الجُبِّ, وَلمْ يَستَكْبرَ عَلَيْهِم, فبادَرهُم

إلى العَفـْوِّ عَنْ حَقِـهِ مِنْ حَيثُ لاَ يَطْمَعُ فِي مَغنـَمٍ: أوْ تتَطَلَـع نفسُـهُ إلى

رِِئاسَةٍ, أوْ يَطلُبَ جَزاءٌ بِهِم عَمَا فَعَلـُوا بـهِ مِـنْ جُـرْمٍ, فبادَرَهُم بالعَفـْوِّ

وَالمَغفرَةِ حَتى (قَـالَ لا تَثرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَـوْمَ يَغْفِـرُ اللَّهُ لَكُـمْ وَهُـوَ أَرْحَـمُ

الرَّاحِمِينَ) فلاَ لَوْمٌ وَلاَ عُقوبَةٌ عَلََيْكُم بتِلكَ إجْرامِكمُ عليََّ, وَأرادَ يَوسُفُ

أن يُبادِرَهُم بأنهُ أعَزُ نَفساً وَأكرمَهُم قلْباً وَأدنَّى إلى اللهِ إيماناً فاطْمَئنُوا

مِنْ أخِيهِم إنـهُ هُـوَ الشابُ الذِي يَسْعى فِي خَيْرهِم, وَلاَ يَضْمِرُ فِي قلْبِهِ

سُوءاً لَهُم, وَلاَ يُريدُ بهِم شَراً, فأخَذَتهُم عَبْرَةٌ مِنَ الأسى وَنالَتهُم حِرقَةٌ

مِنَ النـَدَمِ, فالتَمَسُوا مِنهُ البَيِّنَةَ لِغفرانِهِم, وَاللهُ لِمَّنْ دَعاهُ قرِيبٌ, وَلِمَّن

سَألهُ مُجِيبٌ, ولِمَّن أتابَ عَلَيهِ سَمِيعٌ,,

إذاً يُوسُفُ فِي قلْبِهِ حَمِيَةٌ وَرِقـَةٌ لإخْوانِـهِ, وَكَمَا هُـوَ الأمْـرُ ثِقتـُهُ بأبيـهِ

وَطِيدَةٌ شدِيدَةٌ وَصِلتَهُ بهِ وَثِيقَةٌ, ذلِكَ يُوسُف الذِي لـَمْ تُزَعزِعَهُ النَكَبات

وَلَمْ تُزَلْزِلَهُ الحَوادِث, يُوسُف مِنْ تَلكَ الغَيبَةِ الطَويلَّةِ التِي كتَبَها القرآنُ

وَهُوَ قَصِيٌ عَنْ أهْلِهِ وَوَطَنِهِ مَا كانَ فِي قلْبِهِ أنْ يَكُونَ فِراقٌ يُكاد يَكُونَ

غَيبَةً إلا بإذنِ اللـَّهِ تَعالى, تِلكَ الغيبَةِ التِي أنكَشَفَ عَـنْ مَكْنـُونِها قِـناعٌ

وَبَِرِقَ فِي سَمائِها أمَلٌ وَأُضِيءَ فِي أُفِقِها كَوْكَبٌ لَماعٌ, وَمِنْ تِلكَ الغيبَةِ

الطَوِّيلَةِ تَعَلقـَت أنظارَهُ لِرُؤْيَـةِ أبيـهِ يَعقوب, ذلِكَ يُوسُف المُنبَعِثُ عَـنْ

نَفسٍ خَبيرَةٍ بَصِيرَةٍ حِـينَ تَحسَسَ مِنْ حَوْلِهِ أخوَتِه وَأبيهِ بِمْصرَ فَعرَفَ

سِّرُ الأمْرِ الإلهِي, وَفَطِنَ إلى حَقِيقَةِ الحَال فَحَمَدَ اللهُ وَأثنى عَلَيْهِ وَخـَرَ

لَـهُ راكِـعاً, وَجاهَـدَ نَفسَـهُ راغـِباً إلـى رَبِّـهِ الغـَفار فِي العَفـْوِّ وَالصَفـْحِ

وَالغُفرانِ لإخْوَتِهِ العَشْرَة,,

وَقالَ (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِـيراً وَأْتُونِي

بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) وَهُوَ قَمِيصٌ مِنْ لِباسِ أهْلِ الجَنَةِ كَسا اللهُ بـهِ إبْراهِيمَ

الخَلِيل حِيْنَ ألْقـاهُ النَمْرُود فِي النارِ، فَتَوارَثـَهُ إسْحاقَ مِنْ بَعـدِ إبْراهِيمَ

ثُمَ بَنُوه حَتى كانَ عِندَ يَعقوب فَوَضَعَهُ يَعقوب تَحتَ ثِيابِ يُوسُف مَخافَةَ

العَيْنِ حِينَ خَرَجَ مَعَ أخوَتِهِ إلى المَرعِى وَأخْرَجَهُ مِنَ الجُبِّ,,

وَسَبَقَ لِيَعقوب قََـَد مََّـرَرَ بالجُبِّ الذِي فِيها يُوسُف وَلَـمْ يَشُـم رِيحَ وَلَـدِهِ

لأنَهُ لَـمْ يَكُـنْ يَوْمَها يُـدرِكَ مَـقامَ الوِّلايَـةِ وَمَنزلَتَها كَإدراكِهِ اليَـوْم: لأنَ

يُوسُفَ لَـهُ الوِّلايَـةُ عَلى أبيـهِ فَأمْكَنَ قَمِيصَهُ أنْ يُشْفِيَّ العِلَـةُ عَنْ أبيـهِ

وَيُرِدَ بِهِ بَصَرَهُ؟؟



وَإذا بِيَعقوب واقِفٌ عَلى ثَنِيَـةٍ مِـنْ دارهِ يَصِيحُ بأعلىَ صَوْتِـهِ إنِّي أشُـمُ

ريحَ يُوسُف مِنذُ عَشْرَةِ أيامٍ وَإنْ رَمَيتِمُوني بالجِنُونِ سَأبْقى وَأكْررُ لَكُم

إنِّي أشُمُ ريحَ وَلَدِي وَقُرَةَ عَينِي يُوسُف,, قالُوا إنَكَ حَقاً جُنِنت,,

قالَ ألَيْسَ أقولُ لَكُم مِراراً أنَ جَدِي إبْراهِيم ضَحى بِوَلَدِهِ إسْماعِيلَ فَفَداهُ

رَبُهُ بِكَبْشٍ عَظِيمٍ, وَهـا أنَّـا كَذلِكَ ضَحَيْتُ بِوَلدِي يُوسُفَ نَيْـفٌ وَثلاثونَ

سَنَةً, فَلاَّبُـدَ أنْ يَجْمَعَ اللـَّهُ تَعالى بِيُوسُفَ اليَـوْم إلى أبيهِ المُتَوَجِع كَـمَّا

جَمَعَ اللهُ إسْماعِيلَ لإبراهِيمَ خَلِيلُ الله,,

سُبْحانَ اللهُ الذِي أظْهَرَ الحَّقُّ بعدَ اثنَي وَثلاثِينَ عاماً ثمَ سارُوا وَرَحَلَّت

العِيرُ تَحمِلُ قَمِيصَ يُوسُف,, هـذا القمِيصُ الذِي يَحمِلُ البُشْرى, وَيُـرِّدَ

عَلى يَعقوب نِعمَةَ البَصَّرِ وَالحَياةِ, فمَا كانَ فِي نَفـْسِ يَعقوب حاجَـةً إلاَّ

وَقضاها اللهُ جَلَّ اسْمُهُ وَعَلا, وَإذا بيَعقوبٍ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِ قدْ أَشَمَهُ اللهُ

مَا عَبَـقُ فِي قمِيصِ يُوسُف عَـنْ مَسَيرَةِ أيـامٍ,, سُبْحانَ مَّـنْ جَعَـلَ رِيحُ

يُوسُفَ عَلى بُعدِ أمْيالٍ كَمَا أَوْصَلَ عَرْشُ بلْقِيسٍ قبْلَ أنْ يَرْتَـدَ نَبِّيُ اللـَّهِ

سُلَيْمانُ طَرْفَه,,



وَجاءُوا بالبُشْرى وَوَضَعُوا بَينَ يَدَيـهِ قَمِيص يُوسُف فَبَكِيَّ وَقالَ لِعيالِهِ

ألَـمْ أقلْ لَكُم مِراراً أنَ يُوسُفَ لَـهُ الوِّلايَةَ عَلى أبيهِ وَإنَهُ حَياً بحُفظِ اللـَّهِ

كَمَّا إنِّي لاَ أعزِبُ عَنْ عُشْقِّي مِنْ وَلَدِي يُوسُفَ,,

وَعَلِمَ يَعقُوب أنَ قَمِيصَ يُوسُفُ فِيـهِ رِيـحُ الجَّنَـةِ إذا ألْقاهُ عَلى وَجْهِـهِ

كانَ بَصِيراً؟؟ فَوَضَعَ القمِيصُ عَلى وَجْهِهٍِ: وَقـالَ يا إلهِي: فَبَكِيَّ مَعَـهُ

جَمِيع عِياله إلى أنْ خَلَعَـهُ عَنْ عَيْنَيهِ, فعادَ بَصَـرَهُ فِي حِينِهِ فَهُـم مِـنْ

حَوْلِهِ فَرحِين,,








ثـُمَ ارْتَحَلوا جَمِيعاً مِنْ دِيارهِم وَنَزلـُوا بِساحَةِ العَزيـز يُوسُف الصِديق

كَمَّا وَرَدَّ بِحَقِهِم قـُرآناً (فَلَمَّا دَخَلـُوا عَلَى يُوسُفَ) بَعـدَ سَفَرِهِـم لِمِصْـرَ

(آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أمِـهِ وَأبيـهِ وَضَمَهُمَا إلى صَدرهِ الشَريف وَأسْكنَهُما

إلى قلْبِهِ العَطُوف (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ)

الآيَة تَـدِلُ أنَ يُوسُفَ بادَرَ إخوَتَهُ بالصِّدقِ وَأعطاهُمُ الأمَنَ,, وَمِـنْ ثـُمَ

أصْدَرَ لأَبيهِ يَعقُوب الحُكْمَ وَجَعَلَهُ على دَرَجَةِ المِلُُوكِ فِيمَا وافقَتهُ نفسُهُ

بالمَشِيئَةِ التِي لاَ تُؤثِرُ عَلى مَشِيئَةِ اللـَّهِ تَعالى حِينَ صادَفتهُ بإحسانِهِ,,

وَقوْلهُ عَزَّ وَجَّل قالَ (وَرَفَعَ أَبَوَيْـهِ عَلَى الْعَرْشِ) الذِي أوْهَبَهُ الله تَعالى

لِيُوسُفَ جُبـَّةَ الوِّلايَـة, وَحِزامُ النبُوَةِ وَعَلى أثَرَهِمَا (وَخَرُّوا لَـهُ سُجَّداً)



بَلْ: سَجَدُوا للهِ تَعالى حِينَ غَشَيْهُم ذلِكَ النـُور الإلِهي المُتَلألِئ فِي وَجْهِ

يُوسُف مِمَا أعطاهُ رَبَّهُ الأعلى مِنَ الكَراماتِ وَالفَضائِلِ وَمَنَّ عَلَيْهِ بِحُكْمِ

الرِياسَةِ وَالجاه, وَاللـَّهُ ذو فَضْلٍ عَظِيمٍ عَلى العِبادِ وَإنَـهُ لاَ يُضِيعُ أجْـرَ

المُؤمِنِينَ,,

عِندَئذٍ التَفتوا الأخوَةَ العَشْرَةَ إلى أبيهِم (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) وَهذا يَدلُ على اعترافِنا بالخَطيئَةِ,,

قالَ: أني لَسْتُ أمْـلِكُ مِن سَبيلِكُم شَـيئاً مِمَا اقتَرفتِمُوه مِنَ الذنـُوُبِ, وَلاَ

أستَطيعُ لَكُم مِنَ عَذابِ اللهِ دَفعاً عَن سَيئاتِكُم وَلكِن (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ

رَبِّـي) فأمْهَلهُم يَعقوب عَلَيْهِ السَلام إلى يَوْمٍ مَعلـُومٍ وَلـَمْ يُبادِرَهُم عَلى

العَفوِّ والاسْتِغفارِ: ذلِكَ كانَ قَصَدَهُ لَنْ يَسْتَغفِرَ لَهُم إذا لَـمْ تـُطِيب نَفـْس

يُوسُف مِنْ أخوَتِهِ وَيَنْسى أثار الجَريَمةِ التِي ارْتَكبُوها ضِدَهُ,,

إذاً فإنَ قلْـبَ يُوسُفُ هُـوَ أرَقٌ مِـنْ قلْـبِ أبيـهِ يَعقوب عَلى أخوَتِـهِ فِـي

مُبادرَتِهِ بالعَفوِّ وَالتَنازل عَنْ حَقِهِ (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ

قَبْلُ) وَهـذا يَـدلُ عَلى خشُوعِكُم ساجِدِينَ للـَّهِ بَسَـببِ تِلكَ الرُؤيَـةِ التِي

(قََدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَـقاً) وَجَعَلَنِّي فِي جُمْلَـةِ عِـبادِهِ الصالِحِـينَ, وَألْزَمَنِّي

الحِجَةَ بهذا المُلْكُ العَظيم,,



إن اللهَ لاَ يَترِكُ صَغِيرةً وَلاَّ كَبيرةً إلاَ أحصاها سُبْحانَهُ هُـوَ رَبِّي يُؤاخِذُ

الناسَ جَـمِيعاً بأعمالِهِم عامَتَهُم وَأنبياؤَهُم: أنَـهُ لا يَـدعُ مُؤاخَـذةُ نبـِيِّ

لِنبُوَتِهِ, وَلاَّ يَغفلُ عَنْ حَقِّ مَظلُومٍ أقعدَهُ ضِعفَهُ عَنْ بَسْطِ ظلُماتِهِ (وَقَـَدْ

أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) الذِي لـَمْ أرى فِيـْهِ الشَمْسَ الطالِعَة

وَلاَّ القمَرَ المُتلألئ,,

ذلِكَ البَلاء الذِي دَفعَهُ الله عَنِّي وَبَدَلهُ عِزاً ومَنزلِةً وَجاهاً كَبيراً (وَجَاءَ

بِكُـمْ مِـنَ الْبَـدْوِ مِنْ بَعْـدِ أَنْ نَـزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِـي وَبَـيْنَ إِخْوَتِي) الذِيـنَ

تآمَرُوا عَليَّ لِيَقتِلُونَي (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)

يا أبتِ إنَ تِلكَ البَلايا التِي أصابَتنِّي لاَ تَنحَّلُ حِبالُها إلاَ بلُطْفِهِ تََعالى إنَهُ

هُوَ المُحِيطُ بباطِنِها مَهْمَا وَقعَتْ وَشَنَت (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) بَما قدَّرَ

عَلَيَّ وهَدى إلى مَا جَرى, وَعَلَمَنِّي الحِكْمَةُ التِي هِيَّ عِبارَةٌ عَنْ مَعرفةِ

أفضَلِ الأشْياءِ بأفضَـلِ العِلـُومِ, وَعلَّمَنِّي كَلاماً مُحْكَماً نافِـعاً يَمْنـَعُ مِـنَ

الجَّهْلِ وَالسَّفـَهِ أريـدَ بِـهِ الموَاعِظَ وَالأمْثالَ التِي يَنْتَفِـعُ بِهَا الناسُ مِـنَ

الحِكَمِ وَالعِلْمِ وَالفِقهِ وَالقضاءِ بالعَدلِ، يا أبَتِ إنَ الجَنةَ لا يَنْزِلُها إلاَ نَبيٌّ

أوْ صِدِّيقٌ أوْ شَهِيدٌ أوْ مُحَكَّمٌ فِي نَفْسِهِ, وَدَلِيلُ العَبد إذا تَواضَعَ رَفعَ اللهُ

تَعالى حَكَمَتَهُ وَمَنعَهُ مِنَ الفَسادِ كَمَا عَلمَنِّي رَبِّي مِنْ العِلْمِ لَيْسَ مِنْ قبْلُ

أيَسْبقَ بِـهِ أحَـدٌ إنـَهُ رَبِّـي المُعِـزُّ الذِي يَهِـبُ العِـزَّ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ

الصالِحِينَ,,
يا أبتِ: يُعِزُّ عَليَّ أنْ أراكَ بحالٍ سَيِّئَةٍ, فَإنَ اللـَّهَ أكْرَمَنِّي بِكَ: وَأعطانِّي

هذا المُلْكُ العَظِيمُ فأنتَ اليَوم الحاكِمُ اليَقظُ على مِصْرَ وَأنَّا وَزيرُكَ عَلى
خَزائِنِ الأرْضِ, تِلكَ آياتٌ مِـنْ عِنـْدِي رَبٍّ كَريـمٍ (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ

أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) حِينَ انتَهى يُوسُفُ مِن مَصافحَةِ أبيهِ رَفعَ

يَدَيَـهُ إلى السَماءِ وَقالَ (رَبِّ قََـَدْ آتَيْتَنِي مِـنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيـلِ

الْأَحَادِيثِ) زيـادَةً في شكْرِكَ, وَأنَّـا تَحتَ ولايَتِكَ ( أَنْـتَ وَلِيِّي فِي الدُّنـْيَا

وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ,,

(انتَهى تَفسِيرُ العَلامَة الشيخُ الحَجاري الرُميْثي) وَاللـَّهُ العالِمُ






التوقيع :

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:20 AM.


منتديات أبو الفضل العباس
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات أبو الفضل العباس عليه السلام