العودة   منتديات أبو الفضل العباس عليه السلام > ¤©§][§©¤][ المنتديات الإداريه ][¤©§][§©¤ > أرشيف أبو الفضل العباس (ع)
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-17-2009, 08:50 PM   رقم المشاركة : 1
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي :::: الشبهات الواردة على مذهب أهل البيت عليهم السلام والردود عليها

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن تراث أهل البيت الذي اختزنته مدرستهم وحفظه من الضياع أتباعهم يعبّر عن مدرسة جامعة لشتى فروع المعرفة الإسلامية ...

وكثيراً ما يرد على مذهب أهل البيت شبهات ناتجة عن التقصير في البحث عن الحقيقة ..

لذلك نرى الكثير من التشكيك في صحة هذا المذهب الحق..

أحببت أن أنقل لكم هذا الموضوع لأجل عرض هذه الشبهات وكذلك عرض الردود عليها استناداً على الأدلة العقلية والنقلية - طبعاً يصعب وضع كل الروايات وكل الادلة ولكن أكتفي ببعضها وأضيف عليها إذا دعت الحاجة ..

وأود أن أُوضح بأن عرض الشبهات هنا ليس هدفه اشهار السيف على المذاهب الأخرى فمراجعنا الكرام لا زالو يدعوننا للوحدة في ظل كلمة لا إله إلا الله ..

بل الهدف الأساسي لهذا الموضوع هو تعريف الناس بهذا المذهب " مذهب أهل البيت -ع-"
ولماذا حدث الاختلاف بينه وبين المذاهب الأخرى ..

فنحن نعلم كم من الاشاعات الباطلة التي تُروّج حول المذهب الشيعي








رد مع اقتباس
قديم 04-17-2009, 08:51 PM   رقم المشاركة : 2
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

نبدأ إن شاء الله بالشبهة الأولى :

(( السجود على التربة الحسينية ))

يكون مجال بحثنا إن شاء الله في المحاور الأربعة كما يلي :
أولاً : النصوص الواردة حول ما يسجد عليه
ثانياً: أفضلية السجود على التراب
ثالثاً: فضيلة التربة الحسينية
رابعاً لماذا الاهتمام بالسجود على التربة الحسينية ؟


أولاً : النصوص الواردة حول ما يسجد عليه
ويقع في ثلاثة أقسام

القسم الأول : ما يدل على صحة السجود على الأرض

جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
وفي لفظ مسلم : جعلت لنا الأرض كلها مسجداً, وجعلت لنا طهوراً إذا لم نجد الماء .
وفي لفظ الترمذي : جُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً . عن علي , وعبدالله بن عمر, وأبي هريرة , وجابر , وابن عباس , وحذيفة وانس, وأبي أُمامة , وأبي ذر .
وفي لفظ البيهقي : جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً
وفي لفظ له أيضاً : جعلت لي الأرض طيبة ومسجداً , وأيّما أدركته الصلاة صلى حيث كان.
(صحيح البخاري 86:1, 113, صحيح مسلم 64:2, صحيح النسائي 32:2, صحيح أبي داوود 79:1, صحيح الترمذي 114:2, السنن الكبرى 433:2, 435)
عياض بن عبد الله القرشي : رأى رسول الله (ص) رجلاً يسجد على كور عمامته , فأومأ بيده ارفع عمامتك وأومأ إلى جبهته ( السنن الكبرى 105:2)

القسم الثاني : فيما ورد في السجود على غير الأرض من دون أي عذر :

1- أنس بن مالك : إن جدته مليكة دعت رسول الله (ص) لطعام صنعته له, فأكل منه ثم قال : قوموا فلأصلي بكم, قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبس, فنضحته بماء, فقام رسول الله (ص) وصففت, واليتيم وراءه, والعجوز من ورائنا .. الحديث . ( أخرجه البخاري في صحيحه 101:1, وفي صحيح النسائي 57:2)
2- أبو سعيد الخدري : إنه دخل على النبي (ص) فرآه يصلي على حصير يسجد عليه ( صحيح مسلم 62:2, 128, وأخرجه ابن ماجة في السنن 321:1, والترمذي في جامعه 127:2 وليس فيه يسجد عليه)
القسم الثالث : فيما ورد في السجود على غير الأرض لعذر:1- أنس بن مالك : كنا إذا صلينا مع النبي (ص) فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدة الحر, طرح ثوبه ثم سجد عليه .
وفي لفظ البخاري: كنا نصلي مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود.
وفي لفظ مسلم : كنا نصلي مع النبي (ص) في شدة الحر فإذا لم يستطع ( وفي لفظ ابن ماجه :لم يقدر) أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.
قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض, وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل , لتعليق بسط الثوب بعد الاستطاعة .
وفي لفظ : كنا إذا صلينا مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود. (البخاري 101:1, مسلم 109:2, ابن ماجة 321:1, أبو داوود 106:1, سنن الدرامي 308:1, مسند أحمد 100:1, السنن الكبرى 106:2, نيل الأوطار 268:2)

القول الفصل :

تدل هذه الروايات بنصها على أن الأصل في ذلك لدى القدرة والإمكان الأرض كلها , ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة والفحل والبساط والحصير ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر, أما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.
أما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير وأمثالها والثوب فلا دليل يسوّغها قط, ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها, وكذلك بقية أصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الأولى الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف, مسند أو مرسل.
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداول عند الناس بدعة محضة وأمر محدث غير مشروع يخالف سنة الله وسنة رسوله وقد أخرج الحافظ الكبير الثقة أبو بكر ابن أبي شيبة بإسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد ابن المسيب وعن محمد بن سيرين : إن الصلاة على الطنفسة محدث . وقد صح عن رسول الله (ص) قوله : شرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة( راجع سيرتنا وسنتنا للأميني (سيرة نبينا وسنته) : 146-157)
ثانياً : أفضلية السجود على تراب الأرض

لقد ورد الأمر بالتتريب في النصوص الشريفة والأمر دال على الأفضلية والمطلوبية إن لم يكن دالاً على الوجوب. وإليك جملة من الروايات تفيد أفضلية السجود على تراب الأرض بلا ريب:
1- عن خالد الجهني: قال : رأى النبي (ص) صهيباً يسجد كأنه يتقي التراب, فقال له "ترب وجهك يا صهيب" ( كنز العمال للمتقي الهندي 465:7 برقم 19810)
2- روت أم سلمة (رضي الله عنها ) :رأى النبي (ص) غلاماً لنا يُقال له (أفلح) ينفخ إذا سجد, فقال " يا أفلح ترّب". (المصدر السابق 459:7 برقم 19776)
3- روى أبو صالح قال : دخلت على أم سلمة فدخل عليها ابن أخ لها فصلى في بيتها ركعتين, فلما سجد نفخ التراب , فقالت أمّ سلمة : ابن أخي لا تنفخ, فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول لغلام له يقال له يسار –ونفخ- "ترب وجهك لله". (كنز العمال للمتقي الهندي 465:7برقم 19810 ومسند أحمد 301:6)

ثالثاً : فضيلة التربة الحسينية

كان الأوزاعي وهو أستاذ أبي حنيفة, إذا أراد السفر من المدينة حمل معه طينة منها ليسجد عليها فسُئل عن ذلك, فقال : إن أفضل بقعة في الأرض هي البقعة التي دفن عليها رسول الله (ص) وأحبّ أن يكون سجودي لله تعالى عليها ( انظر هذه الشيعة , باقر شريف القرشي 267-270)
وروت عائشة قالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله (ص) وهو يوحى إليه فنزا على رسول الله, وهو منكب فقال جبرائيل : أتحبه يا محمد؟ قال : ومالي لا أحب ابني؟ قال : فإن أمتك ستقتله من بعدك, فمد جبرائيل يده فأتاه بتربة بيضاء, فقال : في هذه الأرض يُقتل ابنك هذا, واسمها الطف, فلما ذهب جبرائيل من عند رسول الله والتربة في يده وهو يبكي فقال: "يا عائشة إن جبرائيل أخبرني أن ابني حسيناً مقتول في أرض الطف, وأن أمتي ستفتن بعدي" ثم خرج إلى الصحابة وفيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي فبادروا إليه قائلين: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال : " اخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يُقتل من بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه (مجمع الزوائد 187:9, وفي تهذيب الكمال 71, أن النبي أخذ التربة التي جاء بها جبرائيل فجعل يشمها ويقول : " ويح كرب وبلاء".
وروت السيدة أم سلمة, قالت : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي (ص) في بيتي فنزل جبرائيل, فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك- وأشار إلى الحسين – فبكى رسول الله (ص) وضمه إلى صدره, وإن بيده تربة فجعل يشمها وهو يقول : "ويح كرب وبلاء" وناولها أم سلمة فقال لها : "إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي ان ابني قد قُتل.." فجعلتها أم سلمة في قارورة, وجعلت تتعدها كل يوم وهي تقول: إن يوماً تتحولين دماً ليوم عظيم. (المعجم الكبير للطبراني 108:3, في باب ترجمة الإمام الحسين "ع" )
لماذا الاهتمام بالسجود على التربة الحسينية ؟
إن الغاية المتوخاة من السجدة على تربة كربلاء إنما تستند إلى أصلين قويمين وتتوقف على أمرين قيمين :
أولهما : استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة طيبة يتيقن بطهارتها من أي أرض أُخذت, ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت, وهي كلها في ذلك الشرع سواء, لا امتياز لإحداهن على الأخرى في جواز السجود عليها, وإن هو إلا كرعاية المصلي طهارة جسده وملابسه ومصلاه, يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله, وفي حضره وسفره ولا سيما في السفر, إذ الثقة بطهارة كل أرض يحل بها ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات, وحال المسافرين, ومحطات وسائل السير والسفر ومنازل الغرباء, أنى له ذلك؟ وقد يحل بها كل إنسان من الفئة المسلمة وغيرها, ومن أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لامر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.
فأي مانع من أن يحترز المسلم في دينه ويتخذ معه تربة يطمئن بطهارتها يسجد عليها لدى صلاته حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا تجوز السنة السجود عليها ولا يقبله العقل السليم.
وهذه النظرة كانت متخذة لدى رجال السلف في القرون الأولى, وأخذاً بهذه الحيطة كان التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع يأخذ في أسفاره لبنة يسجد عليها كما أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف" في المجلد الثاني في باب : من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه, فأخرج بإسنادين: ان مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.
هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة ولهم فيه سلف من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.
وأما الأصل الثاني: فإن قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي, وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه مطّرد بين الأمم إذا بالإضافات والنسب تقبل الأراضي والأماكن والبقاع خواصاً ومزايا, بها تجري عليها مقررات, وتنتزع منها أحكاما لا يجوز التغاضي عنها .
ألا ترى أن الساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات وبالأخص ما ينسب منها إلى البلاط الملكي, ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه, لها شأن خاص وحكم ينفرد بها يجب على الشعب رعايته, والجري على ما صدر فيها من قانون ؟
فكذلك الأمر بالنسبة إلى الأراضي والأبنية المضافة والمنسوبة لله تعالى فإن لها شؤوناً خاصة , كالبيت الحرام والكعبة المشرفة والمسجد النبوي وغيرها من مساجد..
وهذا الاعتبار وقانون الإضافة كما لا يختص بالشرع فحسب, بل هو أمر طبيعي أقرّ الإسلام الجري عليه, كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي , وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء والشهداء والصديقين وأفراد المؤمنين وأصنافهم, إلى كل ما يتصور له فضل على غيره في مقاييس الإسلام الثابتة . بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود, وبه قوام كل شيء وإليه تنتزع الرغبات في الأمور ومنه تتولد الصلات والمحبات والعلائق والروابط.

وعليه فنسأل:

ما الذي دعا النبي (ص) إلى أن يبكي على ولده الحسين السبط, ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلها؟
وما الذي جعل السيد أم سلمة أم المؤمنين تصرّ تربة كربلاء على ثيابها؟
وما الذي سوّغ للصديقة فاطمة أن تأخذ تربة قبر أبيها الطاهر وتشمّها؟
وما الذي جعل علياً أمير المؤمنين يأخذ قبضة من تربة كربلاء لما حل بها, فيشمها ويبكي حتى يبلّ الأرض بدموعه, وهو القائل: "يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب" كما أخرجه الطبراني وقد قال الهيثمي ( مجمع الزائد 191:9) :رجل ثقات.
وهكذا يتضح لدى الباحث النابه الحر سر فضيلة كربلاء المقدسة ومبلغ انتسابها إلى الله تعالى, ومدى حرمتها وحرمة صاحبها دنواً واقتراباً من الله سبحانه وتعالى, فما ظنك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله وقائد جنده الأكبر المتفاني دونه, هي مثوى حبيبه وابن حبيبه والداعي إليه, والدال عليه, والناهض له, والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه, والواضع دم مهجته في كفه إعلاءً لكلمته, ونشر توحيده وتحكيم معالمه وتوطيد طريقه وسبيله.
كيف لا يديم ذكره في أرضه وسمائه, وقد أخذت محبة الله بمجامع قلبه؟
أفليست السجدة على تربة هذا شأنها لدى التقرب إلى الله في أوقات الصلوات أطراف الليل والنهار أولى وأحرى من غيرها من كل أرض وصعيد وقاعة وقرارة طاهرة, أو من البسط والفرش والسجاد المنسوجة ولم يوجد في السنة أي مسوغ للسجود عليها ؟
أليس أجدر بالتقرب إلى الله وأنسب بالخضوع والخشوع والعبودية له تعالى أمام حضرته, وضع صفح الوجه والجباه على تربة في طيّها دروس الدفاع عن الله. ومظاهر قدسه ومجلى التحامي عن ناموسه ناموس الإسلام المقدس؟
أليس أليق بأسرار السجدة على الأرض السجود على تربة فيها سرّ المنعة والعظمة والكبرياء والجلال لله جلّ وعلا, ورموز العبودية والتصاغر دون الله بأجلى مظاهرها وسماتها؟
أليست أحق بالسجود عليها تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه؟ تدعو إلى رقة القلب ورحمة الضمير والشفقة والتعطف؟
أليس الأمثل والأفضل اتخاذ المسجد من تربة تفجرت في صفيحها عيون دماء اصطبغت بصبغة حب الله, وصبغت على سنة الله وولائه المحض الخالص؟
وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجدا لدى الشيعة من الفرض المحتم, ولا من واجب الشرع والدين, ولا مما ألزمه المذهب, ولا يفرّق أي أحد منهم منذ أول يومها بينها وبين غيرها من تراب الأرض في جواز السجود عليها, خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم , وإن هو عندهم إلا استحسان عقلي ليس إلا, واختيار لما هو الأولى بالسجود عليه لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت. وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم (سيرتنا وسنتنا للأميني 158-167)
مضافاً إلى ذلك كله ما ورد عن أئمة أهل البيت (ع) من الاهتمام بهذه التربة الطيبة الزاكية في النصوص الصحيحة الكثيرة في التبرك بها وتقبيلها وتفضيل السجود عليها.
لذا لم تقتصر التربة الحسينية من حيث المفضلات وحدها, بل اتخذت رمزاً آخر لقضية كبيرة في الإسلام ذات أبعاد عقائدية وتربوية تستمد قيمتها من نهضة الإمام الحسين (ع) وخلودها .






رد مع اقتباس
قديم 04-17-2009, 08:52 PM   رقم المشاركة : 3
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

الشبهة الثانية وهي حول :

(( القبض في الصلاة .. التكتف ))

من جملة ما وقع الخلاف فيه بين مذهب أهل البيت (ع) وبعض المذاهب الأخرى مسألة التكتّف في الصلاة, وقد تُذكر بعناوين أخرى كالتكفير والقبض, وكلها تشير إلى معنى واحد, وهو : وضع المصلي يده اليمنى على اليد اليسرى , فوق السرّة أو تحتها في حال الصلاة.


تحرير محل النزاع

ولقد أجمع المسلمون بشتى مذاهبهم على عدم وجوب التكتف في الصلاة ثم دار الخلاف فيه بين المذاهب – بعد نفي الوجوب – على عدة آراء هي:
1- الاستحباب مطلقاً, في الصلاة الواجبة والمستحبة, وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة, وذكر النووي أن أبا هريرة وآخرين من الصحابة وعدداً من التابعين مثل : سعيد بن جبير والنخعي وأبو مجلد, وعدداً من الفقهاء مثل : سفيان وإسحاق وأبو ثور وداود وجمهور العلماء على هذا القول ( المجموع 313:3, ط دار الفكر, بيروت) .
2- الجواز في الصلاة المستحبة , والكراهة في الصلاة الواجبة. روى هذا الرأي ابن رشد القرطبي عن إمامة مالك (بداية المجتهد 137:1, ط دار الكتب العلمية, بيروت الطبعة العاشرة, سنة 1408هـ) وذكر النووي: أن عبد الحكم روى عن مالك الوضع, فيما روى ابن القاسم عنه الإرسال وهو الأشهر (المجموع 312:3)ونقل السيد مرتضى عن مالك والليث بن سعد أنهما يريان القبض لأجل طول القيام في النافلة (الانتصار 140, ط جماعة المدرسين بقم, سنة 1415هـ )
3- التخيير بين الوضع والإرسال, رواه النووي عن الأوزاعي (المجموع 312:3) .
4- الحرمة والمبطلية للصلاة وهو رأي الإمامية المشهور في المسألة, وادعى السيد المرتضى الإجماع عليه ونقل النووي في المجموع أن عبد الله بم الزبير والحسن البصري والنخعي وابن سيرين كانوا يريدون الإرسال ويمنعون التكتف ( النووي, المجموع 311:3).
والآراء الثلاثة الأولى يمكننا أن نعتبرها وجوهاً للجواز بالمعنى الأعم من الكراهة والاستحباب . فتكون مسألتنا دائرة بين قولين أساسيين هما: الجواز والحرمة, فإذا انتفت الحرمة وثبت الجواز أمكننا الانتقال بعد ذلك إلى البحث في وجوه الجواز وما يتفرع عليها من القول بالكراهة والاستحباب والتخيير, وإذا انتفى الجواز وثبتت الحرمة لم يبق وجه للقول بالاستحباب والتخيير وانتفت الحاجة إلى البحث فيهما.
وحينئذٍ فالمفتاح الأساس للبحث في هذه المسألة هو السؤال التالي: ما هو الأساس في كون الشيء في العبادة جائزاً أو حراماً؟ وهل التكتف في الصلاة ينطوي على سبب للتحريم أم لا ؟


التكتف في الصلاة بدعة أم سنة؟

لقد اتفق الفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية على أن العبادات توقيفية لا يتم إثبات شيء منها إلا بدليل من الكتاب والسنة, فإذا تم الدليل القرآني أو النبوي على جزئية جزء في عبادة من العبادات فهو, وإلا كان إدخال ذلك الجزء في العبادة وإتيانه بقصد التقرب على انه جزء حراماً قطعياً عند جميع فقهاء المسلمين, لصدق البدعة عليه, وكونه حينئذٍ من الإفتاء بغير ما انزل الله سبحانه وتعالى. والبحث هنا يدور بين طرفين : أحدهما ينفي وجود دليل شرعي على التكتف, ويثبت بذلك كونه بدعة وتشريعاً محرماً, وآخر يحاول أن يثبت وجود دليل شرعي عليه, بمعنى أن القائل بالحرمة قائل بكون التكتف بدعة وتشريعاً محرماً, والقائل بجوازه أو استحبابه قائلاً بكونه سنة نبوية.
وحينئذٍ ففي مناقشتنا لهذه المسألة لابد وأن نستعرض أدلة القائلين بالجواز والاستحباب ثم ننظر هل أنها أدلة حقيقية تعود إلى الكتاب والسنة أم لا ؟!

أدلة القائلين بمشروعية التكتف في الصلاة

استدل القائلون بمشروعية التكتف واستحبابه في الصلاة بعدّة روايات, وببعض الوجوه الاستحسانية, كقول النووي: ((قال أصحابنا: ولأن وضع اليد على اليد أسلم له من العبث, وأحسن في التواضع والتضرّع)) (النووي, المجموع 313:3)
ولابد من إلقاء نظرة على ما استدلوا به من تلك الروايات وهذه الوجوه بالنحو التالي:
1- إن أهم ما استدلوا به من الروايات ثلاث روايات هي: حديث سهل بن سعد المروي في صحيح البخاري, وحديث وائل ابن حجر المروي في صحيح مسلم والذي أخرجه البيهقي في ثلاثة أسانيد, وحديث عبد الله بن مسعود المروي في سنن البيهقي.
وفيما يلي نصّ كل حديث منها مع ما أورد عليه من الملاحظات النقدية:
أ- حديث سهل بن سعد
روى البخاري عن ابن حازم, عن سهل بن سعد, قال: كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة, قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يَنمي ذلك النبي (ص) (ابن حجر, فتح الباري في شرح صحيح البخاري 224:2. باب وضع اليد اليمنى على اليسرى – ورواه البيهقي في السنن الكبرى 44:2, باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة, ح 2326, ط دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى , سنة 1414 هـ)
قال إسماعيل (المراد إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي. لاحظ فتح الباري 225:2) : ((يُنمى ذلك)) ولم يقل ((يَنمي))
والكلام في دلالة هذا الحديث على المطلوب, فالراوي يقول في أول الحديث: كان الناس يؤمرون, تُرى من هو الآمر؟ النبي (ص) أم الصحابة؟ يجيب ابن حجر على هذا السؤال بقوله: (( إن قول الصحابي كنا نُؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي (ص) لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع, ومثله قول عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم, فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي (ص) (فتح الباري 224:2) وهذا هو رأي جمهور علمائهم كما نصّ عله السيوطي في تدريب الراوي ( تدريب الراوي 119, ط دار الفكر, بيروت, سنة 1414 هـ)
وفي هذا التفسير مجازفة لا تخفى على اللبيب , خاصة عندما يجري تطبيقه على كل الحالات من كل الصحابة, فكيف يتأتى لنا إثبات أن قول الصحابي: (( كنا نؤمر بكذا)) يدل على أن النبي هو الآمر بذلك؟ فهذا قول مجمل, وليس هناك ما يدل على أن الصحابي قد جاء به لحكاية أوامر النبي (ص) فلعله يقصد به حكاية إفتاءات سائر الصحابة له في أمور لم يقف عليها هذا الصحابي فيراجع سائر الصحابة فيها فيقال له: افعل كذا كفتوى منهم في الأمر. وكون الصحابي في مقام بيان الشرع وتعريفه يستلزم نسبة هذه الأوامر إلى النبي (ص) مباشرة فإن الصحابي غرضه بيان الشرع ببيان الأوامر النبوية المباشرة وأوامر الصحابة الناشئة عن فهمهم لسنة النبي (ص) أو مروياتهم عنه, وقول الصحابي : (( كنا نُمر بكذا)) أظهر دلالة في حكاية أوامر الصحابة من حكاية أوامر النبي (ص) لان الصحابي يفتخر ويشعر بشرف النسبة إلى النبي (ص) حينما يصرح بأوامره (ص) التي وجهها إليه, فلو كان يريد حكاية أوامر النبي (ص) فمن الأفضل بالنسبة إليه أن يصرّح بذلك ولا يأتي بكلام مجمل, وردّ السيوطي في تدريب الراوي على من تساءل: لِمَ لم يقل الصحابي في هذه الموارد قال رسول الله (ص) ؟ بأنهم –أي الصحابة –((تركوا الجزم بذلك تورعاً واحتياطاً)) ( تدريب الراوي 120) .
وردّه هذا ينفع السيوطي نفسه, فإن الصحابي في هذه الموارد إنما تورع عن نقل النصّ ولم يتورع عن الجزم بالحكم, فإذا كان جازماً بأن هذا الحكم قد قاله رسول الله (ص) كان بإمكانه أن يقول: أمرنا النبي (ص) بكذا ولا يذكر نص قول النبي (ص) وكم من حديث في الكتب الستة جاء بهذه الصياغة, فإعراض الصحابي عن ذكر النبي (ص) في هذه الأوامر يدل على وجوه نكتة دفعته لذلك, وهو يشهد لصدورها عن غير النبي (ص) أكثر مما يشهد لصدورها عنه (ص) ولا أقل من الإجمال في ذلك, ومع ثبوت هذا الإجمال لا يجوز لنا نسبة هذه الأوامر إلى الرسول (ص), والنتيجة الفقهية المترتبة على ذلك أن أحاديث الأوامر لا يصح الاحتجاج بها كأدلة برأسها, وإنما يصح الاستشهاد والاستئناس بها في تأييد أدلة أخرى.
هذا من ناحية عامة, ومن ناحية أخرى خاصة بهذا الحديث نجد فيه شاهداً إضافياً يشهد لعدم صدور هذا الأمر عن النبي (ص) وهو قول أبي حازم في ذيل ذلك الحديث: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي.
فإن كلام أبي حازم هذا يفيد أن حديث سهل بن سعد في نفسه لا يثبت كون الأمر المذكور فيه صادراً عن النبي (ص), فقد يكون صادراً عنه (ص) وقد يكون صادراً عن غيره, ولكي يقطع هذا الترديد احتاج أبو حازم إلى هذا الذيل ليبين قناعته الشخصية بأن غرض سهل بن سعد من هذا الحديث نسبة الأمر المذكور فيه إلى النبي (ص) , ويغلق احتمال صدوره عن غيره.
وهذا يؤكد أن الأصل في أحاديث الأوامر أنها مجملة, وان نسبة هذه الأوامر إلى النبي تحتاج إلى دليل, وأبو حازم لم يبين دليله فيما ذهب إليه, فكلامه حجة على نفسه, ولا يصح أن يكون حجة لغيره في إثبات ذلك, فلا يصح الاحتجاج بحديث سهل بن سعد في هذه المسألة.
ب- حديث وائل بن حجر
وقدر روي هذا الحديث بصور متعددة:
روى مسلم عن وائل بن حجر: أنه رأى النبي رفع يديه, حين دخل في الصلاة كبّر, ثم التحف بثوبه, ثم وضع يده اليمنى على اليسرى, فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب, ثم رفعهما, ثم كبّر فركع (صحيح مسلم 382:1, الباب 15منكتاب الصلاة, باب وضع يده اليمنى على اليسرى, ط مؤسسة عز الدين, بيروت , سنة 1407 هـ) وفي سند الحديث ((همام)) ولو كان المقصود, هو همام بن يحيى فقد قال ابن عمار فيه: كان يحيى القطّان لا يعبأ بـ ((همام)) وقال عمر بن شيبة: حدثنا عفان قال: كان يحيى بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق , في حفظه (لاحظ هدى الساري 267:1) .
وورد الحديث نفسه عن وائل بن حجر في مصادر أخرى مثل سنن البيهقي (سنن البيهقي 43:2) بدون هذه الشواهد, أورد ثلاثة أحاديث ينتهي سندها بوائل بن حجر, الأول منها يقع همام في سنده وقد مضى الكلام عليه, الثاني منها في سنده عبد الله بن جعفر, فلو كان هو ابن نجيح قال ابن معين: ليس بشيء, وقال النسائي: متروك , وكان وكيع إذا أتى على حديثه جزّ عليه, متفق على ضعفه (لاحظ تهذيب التهذيب 174:5 حرف العين رقم 298). والثالث منها في سنده عبد الله بن رجاء, قال عمرو بن علي الفلاس: كان كثير الخلط والتصحيف, ليس بحجة (لاحظ هدى الساري 437:1) .
ج- حديث عبد الله بن مسعود
روى البيهقي مسنداً عن ابن مسعود رضي الله عنه انه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي (ص) فوضع يده اليمنى على اليسرى (سنن البيهقي 44:2, ح 2327 دار الكتب العلمية, بيروت الطبعة الأولى, سنة 1414 هـ)
يلاحظ عليه :- مضافاً إلى أنه من البعيد أن لا يعرف مثل عبد الله بن مسعود ذلك الصحابي الجليل ما هو المسنون في الصلاة مع انه من السابقين في الإسلام – أن في السند هشيم بن بشير وهو مشهور بالتدليس (هدى الساري449:1)
هذه أهم الروايات التي أوردوها في هذه المسألة وهناك روايات أخرى لا تخلو كذلك من مناقشة في سندها أو متنها.
2- أما ما استدلوا به من وجوه استحسانية كقولهم: وضع اليد على اليد أسلم له من العبث وأحسن في التواضع والتضرع, فإن الشريعة لو كانت تثبت بمثل هذه الأقوال لاضمحل الدين, فالإنسان إنما وظيفته التعبد بالشريعة, ولو جعل مذاقه هو المقياس للحلال والحرام أصبحت النتيجة عكسية وهي تبعية الشريعة للإنسان بدلاً عن تبعية الإنسان للشريعة, وقد يستحسن الإنسان وجهاً وتخفى عليه وجوه أخرى أهم وأكبر, فمن أين نثبت أن الشريعة قد أمضت هذا الوجه ولم تمض وجهاً استحسانياً آخر خفي علينا وربّما كان أهم وأكبر؟ كالقول الذي ذكره القرطبي في رد التكتف: بأنه من باب الاستعانة وأنه ليس مناسباً لأفعال الصلاة بسبب ذلك (بداية المجتهد 137:1)
نعم, الوجوه الاستحسانية تنفع في تقرير وتثبيت وتأييد ما أثبتته الشريعة بأدلة من الكتاب والسنة, فالاستحسان ليس دليلاً وإنما هو يأتي في مرحلة ما بعد الدليل.
3- إن مسألة التكتف في الصلاة من موارد الابتلاء اليومي المتكرر, وقد عاش المسلمون مع الرسول (ص) أكثر من عقدين من الزمن يصلي معهم وبحضورهم كل يوم ما لا يقل عن خمس مرات, ولو كان النبي (ص) يصلي بهذه الكيفية للزم من ذلك وضوح المسألة لدى الصحابة بما فيه الكفاية, والأمر ليس كذلك, فإن روايات التكتف محصورة بعدد من الصحابة. ويكتنفها الغموض ومبتلاة بأسانيد نوقش في أكثرها. وبإزائها روايات معارضة أنكرت ذلك. ومع حالة كهذه كيف يتاح لنا التصديق بأن النبي (ص) كان يقبض بيمينه على شماله في كل صلواته أو أكثرها كما يقتضي القول باستحباب ذلك في الصلاة؟
4- وردت في مقابل أحاديث القبض أخبار تنفيه حتى قال القرطبي في بداية المجتهد : (( أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى ... ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة لأنها أكثر ...)) (بداية المجتهد 137:1) وعلى هذا فقه مالك الذي يُعتبر فقيه المدينة لشدة تأكيده على عمل أهل المدينة باعتباره عملاً متلقى عن الصحابة, وهو في مظنة الإصابة.
ومن جملة الروايات المعارضة للقبض في الصلاة حديث أبي حميد الساعدي الذي رواه غير واحد من المحدّثين, ونحن نذكره بنصّ البيهقي, قال : أخبرنا أبو علي عبد الله الحافظ :
فقال أبو حميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله )) , قالوا: لِمَ , ما كنت أكثرنا له تبعاً ولا أقدمنا له صحبة؟! قال: بلى, قالوا: فأعرض علينا, فقال: كان رسول الله (ص) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بها منكبيه, ثم يكبر حتى يقرّ كل عضو منه في موضعه معتدلاً, ثم يقرأ ثم يكبّر ويرفع يديه حتى يحاذي منكبيه, ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه, ثم يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع, ثم يرفع رأسه فيقول : سمع الله لمن حمده ............................... فقالوا جميعاً : صدق, هكذا كان يصلي رسول الله (ص) . (سنن البيهقي 105:2, ح 2517, سنن أبي داوود, باب افتتاح الصلاة, الحديث 730, سنن الترمذي 105:2, ح304 باب صفة الصلاة, ط دار الفكر , بيروت 1408هـ).
والذي يبين لنا صحة الاحتجاج الأمور التالية:
أ‌- تصديق أكابر الصحابة ( وهم عشرة منهم أبو هريرة وسهل الساعدي وأبو أسيد الساعدي وأبو قتادة الحارث بن ربعي ومحمد بن مسلمة) وبهذا العدد لأبي حميد يدلّ على قوة الحديث وترجيحه على غيره من الأدلة.
ب‌- إنه وصف الفرائض والسنن والمندوبات, ولم يذكر القبض, ولم ينكروا عليه أو يذكروا خلافه وكانوا حريصين على ذلك لأنهم لم يسلّموا له أول الأمر أنه أعلمهم بصلاة رسول الله (ص) بل قالوا جميعاً : صدقت هكذا كان يصلي رسول الله (ص), ومن البعيد جداً نسيانهم وهم عشرة, وفي مجال المذاكرة.
ت‌- الأصل في وضع اليدين هو الإرسال, لأنه الطبيعي فدلّ الحديث عليه.
ث‌- لا يقال إن هذا الحديث عام وقد خصصته أحاديث القبض, لأنه وصف وعدد جميع الفرائض والسنن والمندوبات وكامل هيئة الصلاة, وهو في معرض التعليم والبيان , والحذف فيه خيانة وهذا بعيد عنه وعنهم.
ج‌- بعض من حضر من الصحابة هذه الحادثة قد روى أحاديث القبض ولم يعترض على أبي حميد الساعدي لعدم ذكره القبض.

التكتف من منظار أهل البيت (ع)

يتضح مما سبق أن القول بالتكتف لم يثبت عليه أثر دال من الكتاب ولا السنة, وحينئذٍ فتوقيفية العبادات وهي أمر يسلّم فقهاء المسلمين جميعاً به تقتضي حرمة التكتف لكونه تشريعاً محرّماً.
وإذا نظرنا في الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) في المقام وجدناها تؤكد على نفي التكتف عن الصلاة ونسبته إلى عمل المجوس بما يعمّق حرمته, ويجعلها تشريعاً محرّماً من جهة, وتشبّه بالكفار من جهة ثانية . فقد روى محمد بن مسلم عن الصادق أو الباقر (ع) قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصلاة, وحكى اليمنى على اليسرى؟ فقال: ذلك التكفير , لا يُفعل.
وروى زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال: وعليك بالإقبال على صلاتك ولا تكفّر, فإنما يصنع ذلك المجوس.
وروى الصدوق بإسناده عن علي (ع) أنه قال : لا يجمع المسلم يديه في صلاته, وهو قائم بين يدي الله عز وجل, يتشبّه بأهل الكفر , يعني المجوس (وسائل الشيعة 265-267 باب 15 من أبواب قواطع الصلاة ح 1و2و7, ط مؤسسة أهل البيت"ع")
هذا من الناحية السلبية, ومن الناحية الايجابية وردت روايات عن الأئمة (ع) تبين صفة الصلاة ولم يرد فيها ذكر التكتف: منها: رواية حماد بن عيسى عن الإمام الصادق (ع) قال, قال: (( ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها التامة)) قال حماد: فأصابني في نفسي الذل, فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة, فقال أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه, قد ضم أصابعه وقرّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات, واستقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يُحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة, فقال: الله أكبر, ثم قرأ الحمد بترتيل, وقل هو الله أحد, ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس وهو قائم ثم قال الله أكبر وهو قائم, ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات وردّ ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره, حتى لو صُبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره وتردّد ركبتيه إلى خلفه, ونصب عنقه, وغمض عينيه ثم سبّح ثلاثاً بترتيل وقال: سبحان ربي العظيم وبحمده, ثم استوى قائماً, فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده, ثم كبر وهو قائم, ورفع يديه حيال وجهه, وسجد, ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه فقال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات, ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه, وسجد على ثمانية أعظم : الجبهة والكفين وعيني الركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والأنف, فهذه السبعة فرض, ووضع الأنف على الأرض سنّة, وهو الإرغام, ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالساً قال: الله أكبر, ثم قعد على جانبه الأيسر ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى وقال: استغفر الله ربي وأتوب إليه, ثم كبّر وهو جالس وسجد الثانية وقال كما قال في الأولى ولم يستعن بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود, وكان مجنحاً, ولم يضع ذراعيه على الأرض, فصلى ركعتين على هذا.
ثم قال: ((يا حماد هكذا صلّ, ولا تلتفت ولا تعبث بيدك وأصابعك, ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك)) (وسائل الشيعة 459:5-460, باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح1, والباب يتضمن 19 حديثاً بياناً لكل الصلاة أو لجانب منها, ط مؤسسة آل البيت, قم)
ترى أن الروايتين بصدد بيان كيفية الصلاة المفروضة على الناس, وليست فيهما أيّة إشارة إلى القبض بأقسامه المختلفة, فلو كان سنّة لما تركه الإمام في بيانه, وهو بعمله يجسّد لنا صلاة الرسول (ص) , لأنه أخذها عن أبيه الإمام الباقر وهو عن أبيه عن آبائه, عن أمير المؤمنين عن الرسول (ص) فيكون القبض بدعة, لأنه إدخال شيء في الشريعة وهو ليس منها.
وتبعاً لهذه الأدلة أفتى فقهاء أهل البيت (ع) بحرمة التكتف في الصلاة.
قال السيد المرتضى : (( وحجتنا على صحة ما ذهبنا إليه : ما تقدم ذكره من إجماع الطائفة ودليل سقوط الصلاة عن الذمة بيقين, وأيضاً فهو عمل كثير في الصلاة خارج الأعمال المكتوبة فيها من الركوع والسجود والقيام, والظاهر أن كل عمل في الصلاة خارج عن أعمالها المفروضة أنه لا يجوز)) (الانتصار 142, ط جماعة المدرسين بقم المقدسة, سنة 1415 هـ)
وقال الشيخ الطوسي: (( لا يجوز أن يضع اليمين على الشمال ولا الشمال على اليمين في الصلاة لا فوق السرة ولا تحتها ... دليلنا اجماع الفرقة, فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يقطع الصلاة وأيضاً أفعال الصلاة يحتاج ثبوتها إلى الشرع وليس في الشرع ما يدل على كون ذلك مشروعاً, وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأنه لا خلاف أن من أرسل يده فإن صلاته ماضية. واختلفوا إذا وضع إحداهما على الأخرى , فقالت الإمامية: أن صلاته باطلة فوجب بذلك الأخذ بالجزم)) ( الخلاف 321:1-323, ط جماعة المدرسين بقم المقدسة, سنة 1413 هـ, الطبعة الثانية)


خلاصة البحث

إن أشهر الاحاديث التي اعتمدت عليها المذاهب الأربعة بقول الاستحباب القبض في الصلاة إما ضعيفة سنداً, أو غير تامة من حيث الدلالة, وعل فرض وجود أحاديث أخرى خالية عن إشكال سندي أو دلالي, فهي مما لا يسوغ العمل بها لوجود أحاديث صحيحة معارضة لها كحديث أبي حميد الساعدي الذي مرّ ذكره, وعند التعارض يتساقط المتعارضان ونرجع إلى الأصل وهو إسبال اليدين لان القبض تكلّف زائد على الطبيعة ولم يثبت عليه دليل باتّ.
ومما لا إشكال فيه أن إسبال اليدين هو الأحوط ,لأن القائل بالقبض لا يوجبه, وإنما يقول باستحبابه وقد وقع الخلاف فيه, ولم يقع خلاف في جواز إسبال اليدين فضلاً عن أن القول بعدم جواز القبض هو الثابت في فقه العترة الطاهرة التي أمر المسلمين باتباعها دون غيرها .
"هذه مسألة مازال يدور حولها الشكوك والخلاف فهناك من يقبض يديه وهناك من يسبل يديه"
أسألكم الدعاء






رد مع اقتباس
قديم 04-17-2009, 08:53 PM   رقم المشاركة : 4
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

الشبهة الثالثة وهي حول :


(( الجمع بين الصلاتين ))


واختلف المفسرون في الدلوك, فقال قوم: دلوك الشمس زوالها, وهو قول ابن عباس, وابن عمر, وجابر, وأبي العالية, والحسن, والشعبي , وعطاء ومجاهد, وقتادة. والصلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظهر, وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله "ع" وبهذا تكون الآية جامعة للصلوات الخمسة, فصلاتا دلوك الشمس الظهر والعصاتفقت المذاهب الإسلامية جميعاً على جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في وقت, وبين صلاتي المغرب والعشاء في وقت, ووقع الاختلاف في التفصيل من حيث الشروط والأسباب الداعية إلى الجمع, فمنهم من اقتصر على جوازه في عرفه ومزدلفة, ومنهم من أضاف السفر وهكذا.
وللأسف نجد أن البعض قد اتهم أتباع أهل البيت (ع) بأنهم خالفوا الشريعة, لأنهم حكموا بجواز الجمع بين الصلاتين من غير عذر, والحال أن الأدلة الشرعية عند الفريقين – كما سوف نرى- تؤكد جوازه.
من هنا سوف نتناول هذه المسألة عند غير الإمامية والأدلة الشرعية التي اعتمدوها لنرى مدى انسجامها مع أصل الشريعة, ثم نلاحظ الموقف التي تتبناه مدرسة أهل البيت (ع) إزاء هذه المسألة ضمن عدة أمور:


الأمر الأول: أوقات الصلاة


تناول الفقهاء المسلمون مسألة وقت الصلاة واختلفوا في أن الوقت هل هو شرط لصحة الصلاة؟ أم هو شرط للوجوب؟
يتجه المذهب الحنفي إلى أن دخول الوقت ليس شرطاً من شروط الوجوب ولا من شروط الصحة, وذلك لأنهم قالوا: إن دخول الوقت شرط لأداء الصلاة, بمعنى أن الصلاة لا يصح أداؤها إلا إذا دخل الوقت. وبهذا نجدهم متفقين مع غيرهم من المذاهب على أن الصلاة لا تجب إلا إذا دخل وقتها, فإذا دخل وقتها خاطبه الشارع بأدائها خطاباً موسعاً, بمعنى إذا فعلها في أول الوقت صحّت, وإذا لم يفعلها في أوّل الوقت لا يأثم, فإذا أدرك الصلاة كلّها في الوقت فقد أتى بها على الوجه الذي طلبه الشارع منه وبرئت ذمّته, كما لو أداها في أول الوقت أو وسطه, أما إذا صلاها كلها بعد خروج الوقت فإن صلاته تكون صحيحة, ولكنه يأثم بتأخير الصلاة عن وقتها ( الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت (ع) 180:1, كتاب الصلاة, باب مواقيت الصلاة المفروضة)
فإذا كانت الصلاة لا تصح إلا بدخول الوقت سواء قلنا إن الوقت شرط للأداء, أم شرط للصحة أو للوجوب, فما هي الأوقات التي شرعت للصلاة الخمسة عند المذاهب وكيف نعرفها؟
تعرف أوقات الصلاة بزوال الشمس والظل الذي يحدث بعد الزوال, وبه يعرف وقت الظهر ودخول وقت العصر, ثم مغيب الشمس ويعرف به وقت المغرب, ثم مغيب الشفق الأحمر أو الأبيض على رأي, ويعرف به دخول وقت العشاء, ثم البياض الذي يظهر في الأفق ويعرف به وقت الصبح (الفقه على المذاهب الأربعة 182:1, كتاب الصلاة, باب ما تعرف به أوقات الصلاة)
أما أوقات الصلاة الخمسة في مذهب أهل البيت (ع) فمستندها ما جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (( أتي جبرئيل رسول الله "ص" فأعلمه مواقيت الصلاة, فقال صلِّ الفجر حين ينشقّ الفجر, وصلِّ الأولى إذا زالت الشمس, وصل العصر بعيدها, وصلِّ المغرب إذا سقط القرص, وصلِّ العتمة إذا غاب الشفق. ثم أتاه من الغد, فقال: أسفر بالفجر فأسفر, ثم أخّر الظهر حين كان الوقت الذي صلّى فيه العصر, وصلّى العصر بعيدها, وصلّى المغرب قبل سقوط الشفق, وصلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل, ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت)) ( وسائل الشيعة 116:3, كتاب الصلاة, باب أوقات الصلاة, ح 4795-1 )
وبهذا تكون أوقات الصلاة الخمسة المفروضة ثلاثة, وقت لفريضتي الظهر والعصر مشتركاً بينهما, ووقت لفريضتي المغرب والعشاء على الاشتراك بينهما, وثالث لفريضة الصبح خاصة, قال تعالى: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرىن الفجر كان مشهودا} ( الإسراء: 78)
قال الفخر الرازي – بعد أن أنهى بيانه لمعنى الدلوك والغسق في الآية الكريمة:- (فإن فسرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب, وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال, ووقت أوّل المغرب ووقت الفجر, وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر, فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين, وأن يكون أول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء, فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين , فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء مطلقاً, إلا أنه دل الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز, فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره) ( التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي 27:21, تفسير الآية 78 من سورة الإسراء)
قال العلاّمة الحلي: إنّ لكل من الظهر والعصر وقتين: مختص ومشترك, فالمختص بالظهر من زوال الشمس إلى قدر أدائها, وبالعصر قد أدائها في آخر الوقت, والمشترك ما بينهما, وللمغرب والعشاء وقتين, فالمختص بالمغرب قدر أدائها بعد الغروب, وبالعشاء قدر أدائها عند الانتصاف, والمشترك ما بينهما, فلا يتحقق معنى الجمع عندنا, أما القائلون باختصاص كل من الظهر والعصر بوقت, وكذا المغرب والعشاء, فإنه يتحقق هذا المعنى عندهم. (تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي 365:2, كتاب الصلاة, أوقات الصلاة, البحث السادس في الجمع.)


الأمر الثاني : حكم الجمع وأسبابه عند المذاهب



فإذا عرفنا أوقات الصلاة الخمسة على وجه التفصيل, وعرفنا ما هو الوقت المختص منها والمشترك, لنسأل: ما هو الحكم الشرعي في الجمع بين الصلاتين, صلاة الظهر والعصر في وقت, وصلاة المغرب والعشاء في وقت؟
لقد اتفقت جميع المذاهب على جواز الجمع بين الظهر والعصر في عرفة, وفي المزدلفة بين المغرب والعشاء. ويتفق المذهب المالكي والشافعي والحنبلي من غير الحنفية في جواز الجمع بوجود عذر المطر والطين والمرض والخوف وغيرها من الأعذار, ويختلف الفقهاء الثلاثة بالجمع عند السفر على تفصيل فيما بينهم.
قالت الشافعية: إن أسباب الجمع هي السفر, والمرض والمطر والطين مع الظلمة في آخر الشهر, ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة. والمراد بالسفر مطلقه سواء كان مسافة قصر أو لا. ويشترط أن يكون غير محرّم ولا مكروه, فيجوز لمن سافر سفراً مباحاً أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بشرطين, أحدهما : أن تزول عليه الشمس حالة نزوله بالمكان الذي ينزل فيه المسافر للاستراحة, ثانيهما : أن ينوي الارتحال قبل دخول وقت العصر والنزول للاستراحة مرة أخرى بعد غروب الشمس, فإن نوى النزول قبل اصفرار الشمس صلى الظهر قبل أن يرتحل, وأخّر العصر وجوباً حتى ينزل في وقتها الاختياري فلا داعي لتقديمها ...
والشافعية قالوا: يجوز الجمع بين الصلاتين المذكورتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر بشرط السفر, ويجوز جمعها جمع تقديم بسبب نزول المطر ووضعوا لجمع التقديم شروطًا.
وقالت الحنابلة : الجمع المذكور بين الظهر والعصر, أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً مباح وتركه أفضل, وإنّما يسنّ الجمع بين الظهر والعصر تقديماً بعرفة, وبين المغرب والعشاء تأخيراً بالمزدلفة, ويشترط في إباحة الجمع أن يكون المصلّي مسافراً سفراً تقصّر فيه الصلاة, أو يكون مريضاً تلحقه مشقة بترك الجمع, أو تكون امرأة مرضعة أو مستحاضة, فإنه يجوز لها الجمع دفعاً لمشقة الطهارة عند كل صلاة, ومثل المستحاضة المعذور كمن به سلس بول, وكذا يباح الجمع المذكور للعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة , وللعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى أو الساكن تحت الأرض, وكذا يباح الجمع لمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه, ولمن يخاف ضرراً أن يلحقه بتركه في معيشته, وفي ذلك سعة العمال الذين يستحيل عليهم ترك أعمالهم.
وهذه الأمور كلها تبيح الجمع بين الظهر والعصر, أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً, ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة, بسبب الثلج والبرد والجليد والوحل والريح الشديدة الباردة والمطر الذي يبل الثوب, ويترتب عليه حصول مشقة, لا فرق في ذلك بين أن يصلي بداره أو بالمسجد ولو كان طريقه مسقوفاً, والأفضل أن يختار في الجمع ما هو أهون عليه من التقديم أو التأخير, فإن استوى الأمران عنده فجمع التأخير أفضل, ويشترط لصحة الجمع, تقديماً وتأخيراً أن يراعي الترتيب بين الصلوات (الفقه على المذاهب الأربعة, للجزيري 487:1,كتاب الصلاة, مباحث الجمع بين الصلاتين).
وقالت الحنفية : لا يجوز الجمع بين الصلاتين في وقت واحد, لا في السفر ولا في الحضر بأي عذر من الأعذار, إلا في حالتين:
الأولى: جمع تقديم وله شروط:
1- أن يكون ذلك يوم عرفة.
2- أن يكون محرماً بالحج.
3- أن يصلي خلف إمام المسلمين.
4- أن تكون صلاة الظهر صحيحة فإن ظهر فسادها وجبت إعادتها, ولا يجوز له في هذه الحالة أن يجمع معها العصر, بل يصلي العصر إذا دخل وقته.
الثانية: يجوز جمع المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بشرطين:
1- أن يكون ذلك بالمزدلفة.
2- أن يكون محرماً بالحج. (الفقه على المذاهب الأربعة 487:1, كتاب الصلاة, مباحث الجمع بين الصلاتين)
أما ابن تيمية فأجاب عندما سُئل عن هذه المسألة بقوله: < يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك, وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء, وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم, بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنّة, إذ السنة أن يصلي الصلوات الخمس في المساجد جماعة, وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين, والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة, باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع, كمالك والشافعي وأحمد, والله تعالى أعلم> ( الفتاوى لابن تيمية 314)
وفي هذه الفقرة من البحث نتابع الروايات التي نقلتها كتب الصحاح والتي تؤكد جواز الجمع في الحضر من غير علة.


الأمر الثالث: الصحاح تؤكد جواز الجمع مطلقاً


1- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: ((صلّى رسول الله "ص" الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.)) ( صحيح مسلم 151:2, كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)
2- عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: (( صلّيت مع النبي ثمانياً جميعاً)) ( مسند ابن حنبل 221:1, مسند عبد الله بن عباس, ح 1921)
3- عن جابر بن زيد عن ابن عباس: (( إن رسول الله "ص" صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء)) (صحيح مسلم 12:2, كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)
4- وعن عبدالله بن شقيق, قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم, وجعل الناي يقولون: الصلاة الصلاة, قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة, قال: فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟ ثم قال: ((رأيت رسول الله "ص" جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء)), قال عبدالله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته. (صحيح مسلم 152:2, كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين في الحضر, ومسند ابن حنبل 251:1, مسند عبدالله بن عباس, ح2269)
5- عن ابن عباس : ((صلّى رسول الله "ص" الظهر والعصر جميعاً بالمدينة من غير خوف ولا سفر)) . قال أبو الزبير فسألت سعيداً لِمَ فعل ذلك ؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: (( أراد أن لا يحرج أحداً من أمته)) (صحيح مسلم 152:2, كتاب الصلاة, الجمع بين الصلاتين في الحضر).
6- وعن ابن عباس أيضاً, قال: (( جمع رسول الله "ص" بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر)) ( المصدر السابق 152:2, كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين في الحضر) وفي حديث معاوية قيل لابن عباس: (( ما أراد إلى ذلك؟؟ قال: أراد أن لا يحرج أمّته)) (نفس المصدر السابق)
7- وعن معاذ بن جبل قال: (( جمع رسول الله "ص" في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء)) قال: فقلت ما حمله على ذلك ؟ فقال: ((أراد أن لا يحرج أمّته)) (صحيح مسلم 152:2, كتاب الصلاة, الجمع بين الصلاتين في الحضر).
واختار البخاري في صحيحه جملة من الروايات التي تصرّح بالجمع وذكرها تحت باب : ((تأخير الظهر والعصر)) من كتاب (( مواقيت الصلاة))
عن جابر بن زيد عن ابن عباس: إن النبي "ص" صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر, والمغرب والعشاء)) فقال أيوب : لعلّه في ليلة مطيرة , قال: عسى (صحيح البخاري 137:1, كتاب الصلاة, باب تأخير الظهر إلى العصر)
وعلّق السيد شرف الدين على التذييل الأخير على الرواية بقوله: { أن يتبعون إلا الظن}.
وعن عمرو بن دينار, قال: سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس, قال: (( صلى رسول الله "ص" سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً)). ( المصدر السابق 140:1, كتاب الصلاة باب وقت المغرب)
وأرسل في باب ذكر العشاء والعتمة عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس: ((إن النبي "ص" صلّى المغرب والعشاء- يعني جمعهما- في وقت إحداهما دون الأخرى)) ( صحيح البخاري 141:1, كتاب الصلاة, باب ذكر العشاء والعتمة) .
ويؤيده ما عن ابن مسعود, إذ قال: ((جمع النبي "ص" –يعني في المدينة- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, فقيل له في ذلك, فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمّتي)) (المعجم الكبير للطبراني 218:10, ح10525)


الأمر الرابع: شرّاح مسلم والبخاري يستظهرون من الروايات جواز الجمع في الحضر وقاية من الحرج


ناقش النووي في شرحه لصحيح مسلم تأويل الروايات سابقة الذكر التي حملت على أسس مذهبية, وإليك ما نقله عنهم في تعليقه على هذه الأحاديث:
قال: وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب, فمنهم من تأوّلها على انه جمع لعذر المطر. قال : وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين ( كالإمامين مالك والشافعي وجماعة من أهل المدينة, إرشاد الساري 222:2, كتاب مواقيت الصلاة, باب تأخير الصلاة, شرح الحديث 543) . قال: وهو ضعيف براوية ابن عباس: (( من غير خوف ولا مطر)) .
قال: ومنهم من تأوّلها على أنه كان في غيم فصلّى الظهر ثم انكشف الغيم وظهر أن وقت العصر دخل فصلاّها فيه.
قال: وهذا أيضاً باطل, لأنه إن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر, فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
قال: ومن تأوّلها على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاّها فيه, فلّما فرغ منها دخل وقت العصر فصلاّها فيه فصار جمعه للصلاتين صورياً.
قال: وهذا ضعيف أيضا, أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل.
قال: وفَعلُ ابن عباس حين خطب, فناداه الناس الصلاة الصلاة, وعدم مبالاته بهم واستدلاله بالحديث لتصويب فعله بتأخيره صلاة المغرب إلى وقت العشاء, وجمعها جميعاً في وقت الثانية وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره, صريح في رد هذا التأويل.(صحيح مسلم بشرح النووي 217:5,كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين في السفر)
وهناك ردود لهذا التأويل كردّ ابن عبد البرّ والخطابي وغيرهما على أن الجمع رخصة, فلو كان صورياً لكان أعظم ضيقاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها, لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة. قالوا:
وأيضاً فصريح الجمع رخصته, قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمّته, قالوا: وأيضاً فصريح أخبار الجمع بين الفريضتين إنما هو بأدائهما معاً في وقت إحداهما دون الأخُرى, إمّا بتقديم الثانية على وقتها وأدائها مع الأولى في وقتها, أو بتأخير الأولى عن وقتها إلى وقت الثانية وأدائها وقتئذٍ معاً, وهذا هو المتبادر إلى الفهم من إطلاق لفظ الجمع في السنن كلها, وهذا هو محل النزاع (إرشاد الساري 222:2, كتاب مواقيت الصلاة, باب تأخير الصلاة)
قال النووي: ومنهم من تأولها فحملها على الجمع لعذر المرض أو نحوه مما هو في معنا, قال: وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا, وهو المختار في تأويلها لظاهر الأحاديث. (صحيح مسلم بشرح النووي 218:5, كتاب الصلاة, باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر, شرح الحديث..) .
وردّ بعض الأعلام هذا التأويل إذا قال: (وقيل: إن الجمع كان للمرض, وقوّاه النووي , وفيه نظر؛ لأنه لو جمع للمرض لما صلّى معه إلا من به مرض, والظاهر أنه "ص" جمع بأصحابه, وبه صرّح ابن عباس في رواية ثابتة عنه. انتهى) ( شرح الزرقاني لموطأ مالك 263:1, باب الجمع بين الصلاتين) .
الأمر الخامس: المؤيدات على جواز الجمع مطلقاً
يوجد أكثر من مؤيد بدحض الرأي القائل بعدم جواز الجمع في الحضر منها:
1- إن أصحاب الصحاح من غير البخاري فتحوا باباً في صحاحهم ومسانيدهم, بعنوان: (الجمع بين الصلاتين) وذكروا فيه الروايات التي ترخّص الجمع مطلقاً, فيكون دليلاً على جواز الجمع مطلقاً في السفر والحضر مع العذر وبلا عذر ( ليالي بيشاور للسيد محمد الشيرازي:38)
ولو كان غير ذلك لفتحوا باباً مخصوصاً للجمع في الحضر وباباً مخصوصاً للجمع في السفر, وبما أنهم لم يفعلوا ذلك, وإنما سردوا الروايات في باب واحد كان ذلك دليلاً على جواز الجمع مطلقاً, ولا يعارض من أن البخاري لم يسلك هذا الطريق في صحيحه لأنه يكفي التزام الباقين من أصحاب الصحاح هذا المنهج كمسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل وشرّاح مسلم والبخاري, وانّ البخاري قد ذكر الأحاديث, إلا أنه ذكرها تحت عناوين أخرى.
2- كانت فتاوى العلماء بعدم جواز الجمع مطلقاً قائمة على أساس التأويلات لا على أساس ما يستظهر من الروايات.
3- تصريح الصحاح بان العلة هي مخافة أن لا يكون أحد من الأمة في حرج ومشقة, وهذا يعني أن تشريع الجمع إنما هو للتوسعة- بقول مطلق – وعدم الإحراج بسبب التفريق, ثم إن الأحاديث التي تتكلم عن الجمع في أثناء السفر لا تختص بمورد السفر, لأن العلة في هذه الأحاديث مطلقة لا دخل فيها للسفر من حيث كونه سفراً. ولا للمرض والمطر والطين والخوف من حيث هي هي , وإنما هي كالعام يرد في مورد خاص, فلا يخصص به بل يطرد في جميع مصاديقه (مسائل فقهية لشرف الدين:22,الجمع بين الصلاتين) كما سنبيّنه في الأمر السادس بمزيد من التفصيل.
4- العلماء يجوزون الجمع في الحضر.
قال النووي: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادةً, وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك, وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر.
قال ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: (( أراد أن لا يحرج أمّته)) إذ لم يعلله بمرض ولا غيره, والله أعلم!
وهذا الكلام قد صرّح به أكثر من واحد من العلماء؛ كالزرقاني في شرحه للموطأ والعسقلاني والقسطلاني وغيرهما, ممن علّق على حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين (شرح صحيح مسلم للنووي 218:5, كتاب صلاة المسافر, الجمع بين الصلاتين.


الأمر السادس: مخالفة المشهور من غير مذهب أهل البيت لتصاريح الصحاح


في هذه الفقرة من البحث نشير إلى الروايات الصريحة التي وردت في الصحاح وتعرضت إلى مسألة جواز الجمع بين الصلاتين وإن لم يكن ذا عذر هي تخالف الرأي المشهور عند أرباب المذاهب ضمن عدة نقاط:
1- تذكر الصحاح بان رسول الله "ص" قد جمع بين الصلاتين في الحضر ومن غير عذر, كما في صحيح البخاري (صحيح البخاري 140:1, باب وقت المغرب) وصحيح مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 215:5, كتاب صلاة المسافر, الجمع بين الصلاتين في السفر) وسنن أبي داوود (سنن أبي داوود 6:2,كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين,ح 214) وسنن الترمذي (سنن الترمذي 355:1, أبواب الصلاة, باب 24, ما جاء في الجمع بين الصلاتين, ح 187) وسنن النسائي (سنن النسائي 491:1, كتاب مواقيت الصلاة, الجمع بين الصلاتين في الحضر, ح1573) والموطأ (الموطأ 91,ح 332) وسنن الدار قطني ( سنن الدارقطني 395:1, باب صفة المسافر, ح5) والمعجم الكبير للطبراني ( المعجم الكبير للطبراني 218:10,ح10525) وكنز العمال( 246:8, الباب الرابع في صلاة المسافر, ح22764)
وتذكر أيضاً بان الرسول "ص" قد جمع بين الصلاتين بعذر( سنن الدارقطني 389:1, باب الجمع بين الصلاتين في السفر, الأحاديث 1و2و3, وصحيح مسلم بشرح النووي 128:5, كتاب صلاة المسافر, الجمع بين الصلاتين) , ونجد ابن عباس في الوقت الذي ينقل لنا كلا النوعين من الروايات – أي الجمع بعذر وبغير عذر – عن رسول الله "ص" كان يفهم من فعل الرسول جواز الجمع مطلقاً.
وأيّد هذا الفهم أبو هريرة أيضاً عندما سئل عن فعل ابن عباس وقوله. ويضاف أن ابن عباس قد وبّخ الشخص الذي اعترض عليه حينما أخّر ابن عباس صلاة المغرب عن أول وقتها وجمع بين الصلاتين في وقت لاحق من غير عذر, بقوله: (( لا أم لك, أتعلمنا الصلاة؟! كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله "ص" )) (صحيح مسلم 153:2, كتاب الصلاة, الجمع بين الصلاتين في السفر)
2- ثم إن الروايات بالإطلاق كقول: (( صلّى بنا رسول الله "ص" الظهر والعصر, والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر)) (صحيح مسلم بشرح النووي 215:5, كتاب صلاة المسافرين وقصرها, الجمع بين الصلاتين في السفر.)
وصلّى رسول الله "ص" الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر, قال أبو الزبير: سألت سعيداً, لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني, فقال: أراد أن لا يحرج أحد من أمته. (صحيح مسلم بشرح النووي 215:5, كتاب صلاة المسافرين وقصرها, الجمع بين الصلاتين في السفر)
وفي غزوة تبوك جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, قال: فقلت ما حمله على ذلك , قال: ((أراد أن لا يحرج أمّته)) (المصدر السابق) وجمع في غير مطر (سنن أبي داود 6:2, كتاب الصلاة, باب الجمع بين الصلاتين, ح1214) , وصلّى رسول الله "ص" الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر (الموطأ:91 ح332) , وصليت وراء رسول الله "ص" ثمانياً جميعاً, وسبعاً جميعاً (سنن النسائي 290:1) وهذه الصراحة تنفي التخصيص بحالات العذر.
نعم هناك رواية واحدة ينقلها الترمذي وهي ساقطة من حيث السند, فعن أبي سلمة يحيى ابن خلف البصري, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس, عن النبي "ص" , قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من الكبائر).
قال أبو عيسى وحنش: هذا هو (( أبو علي الرحبي وهو: حسين ابن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث, ضعّفه أحمد وغيره)) (سنن الترمذي 356:1, أبواب الصلاة, باب 24 ما جاء في الجمع بين الصلاتين ح188)
قال البخاري : أحاديثه منكرة ولا يكتب حديثه.
وقال العقيلي في حديثه: (( من جمع بين صلاتين فقد أتى باباً من الكبائر)) لا يتابع عليه, ولا يعرف إلا به, ولا أصل له وقد صحّ عن ابن عباس: أن النبي "ص" جمع بين الظهر والعصر (سنن الترمذي: على هامش الحديث 188) وعليه فإن الإطلاق في الروايات لا تخصيص له.
3- وخلاصة المشكلة التي تورّط بها الفقهاء من المذاهب الإسلامية في مسألة الجمع بين الصلاتين فأفتوا خلافاً لما تصرح به الروايات يرجع إلى فهم الأوقات الشرعية للصلاة وتقسيمها بين المختص والمشترك , وطبيعة الالتزام بهذا التقسيم يستدعي تغير السؤال وصياغته بهذه الصورة.
هل يجوز الجمع بين الصلاتين في وقت احدهما؟
وبناءاً على ذلك ينبغي رفع الخلاف في المسألة بسبب كون الموضوع قد اختلف, وذلك لان مدرسة أهل البيت "ع" ترى بان الوقت مشترك للصلاتين والاختصاص من حيث الفضيلة فقط, إذ لا وقت مختص بإحدى الصلاتين, لأنه يسع لكليهما, إلا أن هذه قبل هذه. ( وسائل الشيعة 116:3, كتاب الصلاة, ح4795-1 , والخلاف للشيخ الطوسي)
وفقهاء المذاهب الأخرى يمنعون من الجمع بين الصلاتين في وقت أحدهما, إذ لكل واحدة من الصلاتين وقت غير وقت لذا فالموضوع هنا مختلف. ( الفقه على المذاهب الأربعة, كتاب الصلاة, مباحث الجمع بين الصلاتين)
إذ أصبح كل من الفريقين يحكم بخلاف الآخر في غير موضوع الآخر, والخلاف غنما يصح مع اتحاد الموضوع لا مع اختلافه.


الأمر السابع: حكم الجمع في الصلاة في مدرسة أهل البيت "ع"


استدل الأصحاب في مدرسة أهل البيت "ع" على جواز الجمع بين الصلاتين بعدد من الأخبار, ولمّا كانت هذه المسألة ذات علاقة بأحكام أوقات الصلاة, نرى من اللازم التعرض إليها قبل معرفة حكم الجمع بين الصلاتين.
قال تعالى: { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} وقال: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً}
ر, وصلاتا غسق الليل هما: المغرب والعشاء الآخرة, والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر, فهذه خمسة صلوات (مجمع البيان 282:6, تفسير الآية 78من سورة الإسراء)
قال الطبرسي : إنه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك, بان يقال: إن الله سبحانه جعل من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتاً للصلوات الأربع, إلا أن الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب, والمغرب والعشاء الآخرة اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق, وأفرد صلاة الفجر بالذكر, في قوله: { وقرآن الفجر} ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمسة, وبيان أوقاتها, ويؤيد ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله "ع" في هذه الآية, قال: إن الله افترض أربع صلوات, أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها, إلا أن هذه قبل هذه, ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه. ( مجمع البيان, تفسير القرآن للطبرسي 283:6, تفسير الآية 78 من سورة الإسراء)
قال الشيخ الطوسي: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر, ويختص بها بمقدار ما يصلّي فيه أربع ركعات ثم بعد ذلك مشترك بينه وبين العصر, إلى أن يصير ظل كل شيء مثله, فإذا صار كذلك خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر, وأوّل وقت العصر إذا مضى من الزوال مقدار ما يصلّي الظهر أربع ركعات, وآخره إذا صار ظلّ كل شيء مثليه, وأوّل وقت المغرب إذا غابت الشمس, وآخره إذا غاب الشفق وهو الحمرة, وأول وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق الذي هو الحمرة, وفي أصحابنا من قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ولا خلاف بين الفقهاء إن أول وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق ( الخلاف, للشيخ الطوسي) .
وقال في مسألة حكم الجمع: يجوز الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة في السفر والحضر عند المطر وغير المطر, والجمع بينهما في أوّل وقت الظهر, فإن جمع بينهما في وقت العصر كان جائزاً, (المبسوط, للشيخ الطوسي 140:1, كتاب الصلاة, في صلاة المسافر)
ومن الأخبار التي دلت على جواز الجمع من غير علّة نذكر ما يلي :
عن عبدالله بن سنان عن الصادق "ع" : أن رسول الله "ص" جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين, وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين. (الوسائل 160:3, كتاب الصلاة, 33 باب الجمع بين الصلاتين ح1)
وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله "ع" قال: (( إن رسول الله "ص" صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علّة ولا سبب, فقال له عمر –وكان أجرأ القوم عليه - : أحدث في الصلاة شيء؟! قال: لا , ولكن أردت ان أوسّع على أمّتي)) (الوسائل 160:3, كتاب الصلاة, 33 باب الجمع بين الصلاتين ح2) .


الخلاصة:


وهكذا يتضح إن مسائل أوقات الصلاة كانت موضع اتفّاق عند المذاهب الإسلامية عدى اختلاف يسير.
فالأوقات للصلوات الخمسة ثلاثة: الظهر والعصر يشتركان في وقت, وصلاتي المغرب والعشاء لهما وقت مشترك أيضاً, اما صلاة الصبح فلها وقت خاص, ولكل من الصلوات الأربع أوقات مختصة بها على التفصيل الذي ذكرناه.
وحكم الجمع بناءاً على اشتراك الوقت بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء فهو الجواز عند كل المذاهب, والاختلاف قد وقع في الأسباب حيث قيدوه بالسفر مرة, والحضور بعرفة مرة أخرى, أو المرض والعجز والطين والمطر مرة ثالثة.
أما أتباع مذهب أهل البيت "ع" فقد قالوا بجواز الجمع من غير عذر أو بعذر مخافة الحرج , استناداً للأخبار الصحيحة عندهم (الوسائل 160:3, كتاب الصلاة, باب 33, الجمع بين الصلاتين, ح1و2) والتي جاء مثلها في كتب الصحاح والمسانيد عند أهل السنة أيضاً ( صحيح البخاري 140:1, صحيح مسلم بشرح النووي 215:5, سنن أبي داود 6:2, سنن الترمذي 355:1, سنن النسائي 491:1, الموطأ: 91, سنن الدارقطني 395:1, المعجم الكبير للطبراني 218:10, كنز العمال 246:8) إلا أنهم أوّلوها فكان التأويل قاعدة للحكم لا إلى ما تستظهره رواياتهم بجواز الجمع مطلقاً ...


والحمد لله رب العالمين






رد مع اقتباس
قديم 04-17-2009, 08:57 PM   رقم المشاركة : 5
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

الشبهة الرابعة وهي حول :

(( حكم الإتيان بقول "آمين" في الصلاة ))

يرى أتباع أهل البيت (ع) أن ذكر "آمين" في الصلاة غير مسنونة , بل أن ذكرها مبطل للصلاة لأنها زيادة لم تثبت حتى استحبابها, أما المذاهب الأخرى فاختلفت فيما بينها, حيث يرى ثلاثة من مذاهب الجمهور الأربعة على أنها من سنن الصلاة, بينما يرى المذهب الرابع أنها مندوبة .
قال الجزيري: من سنن الصلاة أن يقول المصلي عقب الفراغ من قراءة الفاتحة: آمين (ولا يقال آمين إلا بعد أم القرآن- سورة الفاتحة- فإن لم يقل لم يقضها. كتاب الأم, الشافعي 131:1, باب التأمين عند الفراغ من قراءة أم القرآن.) وهو سنة الإمام والمأموم والمنفرد.. وهذا القدر متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة, وقال المالكية: إنها مندوبة لا سنة ( الفقه على المذاهب الأربعة, عبد الرحمن الجزيري 250:1 حكم الإتيان بقول آمين) .
وهذا الاختلاف في الحكم الذي وقع فيما بين المذاهب, يرجع إلى الأدلة الشرعية المعتمدة في الفتوى, أو قل: إن كلاً من المدرستين قد التزم أدوات خاصة لفهم الحكم الشرعي.
فيما يلي من الفقرات نحاول تصوير المسألة وفق منظور المدرستين لندرك بالتالي أيهما أقرب إلى السنة المحمدية من أُختها ضمن عدة أمور:

الأمر الأول: توقيفية العبادات

الصلاة من العبادات, ومن الثابت أن العبادات توقيفية من الشارع, كمًّا وكيفاً, وأداءاً وقضاءاً, وجوباً وندباً, وكذا الشرائط والأجزاء التي تدخل فيها, وفقاً لما قررته الشريعة, فالخروج عمّا رسمه النبي (ص) في كيفيتها من غير دليل يدل عليه يُعد تشريعاً محض موجب لبطلان العبادة, وهذه المسألة موضع اتفاق عند جميع الطوائف الإسلامية بلا خلاف.
قال كاشف الغطاء: لا يجوز الإتيان بعبادة ولا معاملة ولا بغيرهما, مما يرجع إلى الشرع في تكليفه من غير مأخذ شرعي, فمن عمل بدون ذلك شيئاً من ذلك بقصد أن يكون له أتباع, أو للحكم بقاء في أصل أو فرع, عبادة أو معاملة, أو حكم غير مستند إلى الشرع فهو مخترع وإن أسند فهو مبتدع, وقد تختص البدعة بالعبادات في مقابلة السنة وقد تعم القسم الأول.
ومن عمل شيئاً في ذلك مدخلاً في الشريعة من غير قصد السراية كان مشرعاً في الدين (كشف الغطاء, للشيخ جعفر كاشف الغطاء 269:1) فعليه إن ماهية العبادات بالإضافة إلى أحكامها من وظيفة الشارع (انظر الفوائد الحائرية 478, الفائدة 38, وكشف اللثام 418:3)
وجاء في المغني لابن قدامة : إنّ العبادات المحضة توقيفية, لا يثبت شيء منها بالقياس والعلل ولا سيّما الصلاة, والشارع لم يلتزم في الخطبة ألفاظها, لأنها للوعظ الذي يختلف باختلاف الأحوال, وأما الصلاة فقد قال فيها (ص): ((صلوا كما رأيتموني أصلي (رواه البخاري 77:7, كتاب الأدب و133:8,باب ما جاء في إجازة الخبر الواحد في الأذان والصلاة, وسنن الدار قطني 273:1 كتاب الصلاة, باب ذكر الأمر بالأذان والإقامة .) )) (المغني لابن قدامة 506:1)
ويتضح الفرق بين المعاملات تتوقف على ألفاظ تفيد المراد منها, أو ما يقوم مقامها, أو أن ثبوتها جعلي لا أصلي بإلزام سماوي بخلاف الأحكام.
فإذا كانت العبادات توقيفية لا يجوز الاختراع فيها, والصلاة عبادة, فعليه يُعد الكلام الزائد فيها مبطلاً لها, وكذا الإضافة التي لم تُسن من قبل الشارع, فإذا انتهينا من هذه المقدمة وسلمنا بحقيقتها, نأتي إلى مسألة لفظة ((آمين)) الذي وقع النزاع فيها, فيما إذا كانت من الألفاظ التي يستحب الإتيان بها بعد قراءة سورة الحمد في الصلاة, أم كونها سنّة جاء بها الرسول (ص) , وتبطل الصلاة بدونها؟ أم إن الإتيان بها يبطل الصلاة, لأنها لفظ زائد لم يُسن؟

الأمر الثاني: كيفية الصلاة في كتب الصحاح

ويتجلى الموقف الشرعي إزاء هذه المسألة من خلال مراجعة الروايات التي تتحدث عن صفة صلاة النبي (ص) , تفصيلاً حسبما تنقلها كتب الصحاح التي لوحظ فيها عدم تلفظه (ص) بآمين بعد الحمد.
ومن جملتها حديث أبي حميد الساعدي الذي رواه غير واحد من المحدثين, ونحن نذكره هنا بنصّ البيهقي:
قال أخبرنا أبو علي عبد الحافظ:
فقال أبو حميد الساعدي: ( ) أنا أعلمكم بصلاة رسول الله )) , قالوا: لِمَ , ما كنت أكثرنا له تبعاً ولا أقدمنا له صحبة؟! قال: بلى, قالوا: فأعرض علينا, فقال: كان رسول الله (ص) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بها منكبيه, ثم يكبر حتى يقرّ كل عضو منه في موضعه معتدلاً, ثم يقرأ ثم يكبّر ويرفع يديه حتى يحاذي منكبيه, ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه, ثم يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع, ثم يرفع رأسه فيقول : سمع الله لمن حمده ............................... فقالوا جميعاً : صدق, هكذا كان يصلي رسول الله (ص) . (سنن البيهقي 105:2, ح 2517, سنن أبي داوود, باب افتتاح الصلاة, الحديث 730, سنن الترمذي 105:2, ح304 باب صفة الصلاة, ط دار الفكر , بيروت 1408هـ).
والذي يوضح صحة الاحتجاج الأمور التالية:
1- تصديق أكابر الصحابة ( منهم أبو هريرة, وسهل الساعدي, وأبو أُسيد الساعدي, وأبو قتادة الحارث بن ربعي, ومحمد بن مسلمة) وبهذا العدد لأبي حميد يدل على قوة الحديث, وترجيحه على غيره من الأدلة.
2- إنه وصف الفرائض والسنن والمندوبات, ولم يذكر التأمين, ولم ينكروا عليه أو يذكروا خلافه وكانوا حريصين على ذلك لأنهم لم يسلّموا له أول الأمر أنه أعلمهم بصلاة رسول الله (ص) بل قالوا جميعاً : صدقت هكذا كان يصلي رسول الله (ص), ومن البعيد جداً نسيانهم وهم عشرة, وفي مجال المذاكرة.
3- لا يقال إن هذا الحديث عام وقد خصصته أحاديث التأمين, لأنه وصف وعدد جميع الفرائض والسنن والمندوبات وكامل هيئة الصلاة, وهو في معرض التعليم والبيان, والحذف فيه خيانة وهذا بعيد عنه وعنهم .
4- روى بعض من حضر من الصحابة أحاديث التأمين, كأبي هريرة, فلم يعترض عليه, فاتضح من خلال ما قلنا إن التأمين ليس من سنن الصلاة ولا من مندوباتها.

الأمر الثالث: حكم التامين عند أهل البيت (ع)

بعد أن طالعنا حديث كيفية صلاة النبي (ص) في كتب الصحاح, وقد لا حظنا عدم ذكر آمين في الصلاة, باعتبار سنّة من سننه (ص) في الصلاة لنتابع في الفقرة التالية الروايات التي تنقلها كتب الحديث عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع) , والتي سيتضح من خلالها أن أئمة أهل البيت (ع) ( الذين جعلهم الرسول الأعظم " ص" أعدال القرآن الكريم وأوجب التمسك به وبهم فاتّباعهما واجب ولا يجوز إتباع غيرهما, فتحريم القول بآمين في الصلاة من قبل العترة الطاهرة يجب أن يتبع ولا يتلفظ به) أمروا أتباعهم بترك قول آمين في الصلاة, حفظاً لسنة جدهم (ص). وإليك عددا من النصوص التي رُويت عنهم :
1- محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم , عن أبيه, عن عبد الله ابن المغيرة, عن جميل , عن أبي عبد الله (ع) قال (( إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله رب العالمين , ولا تقل آمين)) محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله.
2- وعنه, عن محمد بن سنان, عن ابن مسكان, عن محمد الحلبي, قال: سألت أبا عبد الله (ع) أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: (( لا))
3- وفي حديث زرارة, عن أبي جعفر (ع), قال: (( ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك آمين, فإن شئت قلت: الحمد لله رب العالمين)) (وسائل الشيعة 752:4, كتاب الصلاة, باب عدم جواز التامين في آخر الحمد, ح 4)

الأمر الرابع: كيفية الصلاة عند أهل البيت (ع)

هذا من جهة الموقف من لفظة آمين في الصلاة. أما لو طالعنا الروايات المتحدثة عن كيفية الصلاة في كتب الحديث عند أتباع أهل البيت (ع) للاحظنا عدم ذكر لفظة آمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة. وفيما يلي نذكر جملة من الروايات بهذا الخصوص المعتمدة سنداً ودلالةً:
الحديث الأول : محمد بن الحسين بإسناده عن حماد بن عيسى, انه قال : قال لي أبو عبد الله (ع) يوماً: يا حمّاد لا تحسن أن تصلي, ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة؟! قال حماد:فأصابني في نفسي الذل فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة, فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه, قد ضم أصابعه وقرّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات, واستقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يُحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة, فقال: الله أكبر, ثم قرأ الحمد بترتيل, وقل هو الله أحد, ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس وهو قائم ثم قال الله أكبر وهو قائم, ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات وردّ ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره, حتى لو صُبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره وتردّد ركبتيه إلى خلفه, ونصب عنقه, وغمض عينيه ثم سبّح ثلاثاً بترتيل وقال: سبحان ربي العظيم وبحمده, ثم استوى قائماً, فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده, ثم كبر وهو قائم, ورفع يديه حيال وجهه, وسجد, ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه فقال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات, ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه, وسجد على ثمانية أعظم : الجبهة والكفين وعيني الركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والأنف, فهذه السبعة فرض, ووضع الأنف على الأرض سنّة, وهو الإرغام, ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالساً قال: الله أكبر, ثم قعد على جانبه الأيسر ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى وقال: استغفر الله ربي وأتوب إليه, ثم كبّر وهو جالس وسجد الثانية وقال كما قال في الأولى ولم يستعن بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود, وكان مجنحاً, ولم يضع ذراعيه على الأرض, فصلى ركعتين على هذا.
ثم قال: ((يا حماد هكذا صلّ, ولا تلتفت ولا تعبث بيدك وأصابعك, ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك)) (وسائل الشيعة 459:5-460, باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح1, والباب يتضمن 19 حديثاً بياناً لكل الصلاة أو لجانب منها, ط مؤسسة آل البيت, قم)
والروايات التالية تحدثت بنفس الكيفية التي ذكرتها الرواية الأولى باختلاف يسير, والاختلاف يقع من جهة الطريق, لذا نكتفي بذكر رجالها وبيان جهة الوثاقة لننتهي من أن جميع رواة تلك الأحاديث من الثقاة المعتمدين بينما لا نجد تلك الوثاقة في روايات عند من يقول بشرعية الإتيان بآمين في الصلاة.
الحديث الثاني: عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن جدّه عن حماد بن عيسى. (بحار الأنوار 185:84- 186, عن كتاب العلل, تهذيب الأحكام 81:2, حديث صحيح رجاله ثقاة)
الحديث الثالث: رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى (الوسائل 67:4 رقم الحديث 2, راجع رجال النجاشي ترجمة 687 والفهرست للطوسي 61 ترجمة 231)

الأمر الخامس: رأي علماء مدرسة أهل البيت (ع) في حكم (التأمين)

وتبعاً لموقف أئمة أهل البيت "ع" من قول آمين , الذي اتضح من خلال الروايات في الفقرة السابقة حذا أتباع مدرستهم إزاء هذه المسألة انطلاقاً من نفس الخط الذي أسس له أئمتهم, وفيما يلي نطالع رأيين من آراء أكابر علمائهم المنسجمة مع السنة النبوية الشريفة ( وطبعاً توجد آراء أخرى ولكن نقتصر على الرأيين):
الشيخ المفيد:
وبعد ذكره لسنن الصلاة, قال: ثم يقرأ الحمد وقل هو الله أحد, يفتتحها بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم , إلى أن قال :ولا يقل بعد قراءة الحمد, آمين ..)) (المقنعة للشيخ المفيد 104:14)
الشيخ الطوسي:
قال: ((قول آمين يقطع الصلاة, سواءاً كان سراً أو جهراً, في آخر الحمد أو قبلها, للإمام والمأموم على كل حال)) وقال : (( دليلنا إجماع الفرقة, فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يبطل الصلاة, وأيضاً فلا خلاف إذا لم يقل ذلك أن صلاته صحيحة ماضية)) (الخلاف, الشيخ الطوسي 332:1 و334)
وقال في المبسوط: ((تروك الصلاة على ضربين : مفروض ومسنون, فالمفروض أربعة عشر تركاً: لا يتكتف ولا يقول آمين لا في خلال الحمد ولا في آخرها)) (المبسوط للشيخ الطوسي 117:1)

الأمر السادس : رأي علماء أهل السنة في قول (آمين)

قال أبو حنيفة وسفيان: يقول الإمام ويخفيه المأموم (المجموع 373:3, والمغني لابن قدامة 490:1)
وعن مالك روايتان إحداهما مثل قول أبي حنيفة (المجموع 373:3, والمحلّى 264:3, والمغني لابن قدامة 490:1) والثانية لا يقول فيها أصلاً.(المجموع 373:3, والمغني 489:1)
وقال الشافعي: المأموم يسمع نفسه (المجموع 368:3) وفي كلام آخر له يجهر به (المجموع 368:3).
واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال: المسألة على قولين ومنهم من قال: إذا كانت الصفوف قليلة متقاربة يسمعون قول المأموم يستحب الإخفاء, وإذا كانت الصفوف كثيرة منهم قول الإمام يستحب لهم الجهر ليسمعوا من خلفهم ( المجموع:368:3)
وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وعطاء يستحب لهم الجهر (المجموع 373:3, والمحلّى 264:3)
قال النووي في روضة الطالبين: يستحب لكل من قرأ الفاتحة في الصلاة أو خارج الصلاة أن يقول عقب فراغه منها آمين (إلى أن قال) ويستوي في استحبابها الإمام والمأموم والمنفرد (روضة الطالبين 352:1, كتاب الصلاة باب في صفة الصلاة)
وقال الشوكاني : في مشروعية التامين قال الحافظ وهذا الأمر عند الجمهور للندب, وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم, عملاً بظاهر الأمر, وأوجبته الظاهرية على كل من يصلي, والظاهر من الحديث الوجوب على المأموم فقط لكن لا مطلقاً, بل مقدماً بأن يؤمن الإمام, والإمام والمنفرد فمندوب فقط (نيل الأوطار 232:2, باب التأمين والجهر به مع القراءة)

الأمر السابع: روايات الصحاح في قول (آمين) في الصلاة

الأحكام المختلفة التي مرت علينا بقول آمين عند فقهاء أهل السنة الآخذة بالترجيح من أنها مسنونة مرة ومندوبة مرة أخرى , ترجع بطبيعة الحال إلى الاختلاف في الرواية المعتمدة عندهم, وعليه لابد من ملاحظة أسانيد تلك الروايات ومناقشتها, لننتهي بالنتيجة أن فرض سقوط السند يؤدي إلى سقوط الدلالة, وبالتالي لا يبقى دليل تعتمده الفتوى القائلة باستحباب قول آمين في الصلاة, فضلاً عن وجود الروايات الصحيحة التي مرّ ذكرها حيث لم تشر إلى قول آمين في الصلاة.
ومن جملة ما تمسّك به القائلون بمشروعية آمين في الصلاة, عدد من الروايات, نقتصر فيما يلي على ما جاء في الصحاح الستّة. ويمكن تقسيم تلك النصوص من حيث اعتبار الرواة إلى طائفتين:
الطائفة الأولى : ما كان السند فيها ينتهي إلى أبي هريرة (صحيح البخاري 1 و369:2 و370 كتاب الأذان, باب فضل التامين, وباب جهر المأموم بالتامين, صحيح مسلم 17:2 و18 كتاب الصلاة, باب التسميع والتحميد والتأمين, سنن النسائي 481:2 و 482 كتاب الصلاة باب الصلاة, باب الجهر بآمين, وباب فضل الأمر بالتأمين خلف الإمام. وبعض الروايات الواردة في سنن ابن ماجة وسنن أبي داود وجامع الترمذي)
الطائفة الثانية: ما كان السند فيها ينتهي إلى غيره.
وأحاديث هاتين الطائفتين لم تأت بأسانيد صحيحة عندهم.
أما الطائفة الأولى:
فلعدم الوثوق براويها, إن قلت : كيف يمكن لنا أن نرفض روايات أبي هريرة ولا نعتني بها وإنه من أوثق أصحاب رسول الله (ص) , وهو أعظم راوٍ, لأنه روى أكثر من خمسة آلاف حديث عن رسول الله (ص) .
قلت: الصحبة لوحدها وكثرة الرواية لا يلزم منهما التوثيق؛ لأن أدلة العلماء الذين ردّوا روايات أبي هريرة ورفضوها كثيرة وغير قابلة للتأويل, نذكر في هذا المجال بعضاً منها:
1- ذكر المؤرخون: إن عمر بن الخطاب في سنة 21 أرسل أبا هريرة والياً على البحرين, وأُخبر الخليفة بعد ذلك بأن أبا هريرة جمع مالاً كثيراً, واشترى خيلاً كثيراً على حسابه الخاص, فعزله الخليفة سنة 23 واستدعاه, فلما حضر عنده قال له عمر: يا عدوّ الله وعدوّ كتابه, أسرقت مال الله؟!
فقال : لم أسرق, وإنما هي عطايا الناس لي (الكامل, لابن الأثير, حوادث عام 23, الطبقات الكبرى لابن سعد 335:4, وابن أبي الحديد في شرح النهج 104:3)
وذُكر أن الخليفة عمر بن الخطاب زجر أبا هريرة وضربه بالسوط, ومنعه من رواية الحديث ونقله عن رسول الله (ص) وقال له: لقد أكثرت نقل الحديث عن النبي (ص) وأحرى بك أن تكون كاذباً على رسول الله (ص) !! وإذا لم تنتهِ عن الرواية عن النبي (ص) لأنفينّك إلى قبيلتك دَوس أو أُبعدك إلى أرض القردة (شيخ المضيرة أبو هريرة, محمود أبو ريّة: 103, سير أعلام النبلاء للذهبي 433:2 و106:8)
2- ونقل ابن أبي الحديد عن أستاذه أبي جعفر الإسكافي, أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: ألا إنّ أكذب الناس, -أو قال: أكذب الأحياء –على رسول الله (ص) أبو هريرة الدوسي (شرح ابن أبي الحديد 68:4, شرح الخطبة 56)
3-وذكر ابن قتيبة والحاكم والذهبي ومسلم : أنّ عائشة كانت تقول مرات وكرّات : أبو هريرة كذّاب وقد وضع وجعل أحاديث كثيرة عن لسان النبي (ص) !! (شرح نهج البلاغة, لابن أبي الحديد 360:1)
أما الطائفة الثانية:
فهي كالآتي :
أ‌- ما جاء في سنن ابن ماجة (سنن ابن ماجة كتاب الصلاة 278:1, باب الجهر بآمين)
الراوية الأولى : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدّثنا حُمَيد بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ليلى, عن سلمة بن كهيل, عن حجيّة بن عديّ, عن عل, قال: سمعت رسول الله (ص) إذا قال : (( ولا الضالين)) قال: ((آمين)).
الرواية الثانية: حدّثنا محمد بن الصباح, وعمار بن خالد الواسطي, قلا: حدّثنا أبو بكر بن عياش, عن أبي اسحاق, عن عبد الجبار بن وائل, عن أبيه قال: صليت مع النبي (ص) فلما قال: ((ولا الضالين)) قال: ((آمين)) فسمعناها منه.
الرواية الثالثة: حدثنا اسحاق بن منصور, أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سهيل بن أبي صالح, عن أبيه عن عائشة عن النبي (ص) قال: (( ما حسدتكم اليهود على شيء, ما حسدتكم على السلام والتأمين)).
الرواية الرابعة: حدثنا العبّاس بن الوليد الخلاّل الدمشقي, حدثنا مروان بن محمّد, وأبو مسهر قالا: حدثنا خالد بن يزيد بن صبيح المرِّيّ, حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء عن ابن عباس, قال: قال رسول الله (ص) : (( ما حسدتكم اليهود على شيء, ما حسدتكم على آمين. فأكثروا من قول آمين))
أما الرواية الأولى : قال بشّار عوّاد: إسناده ضعيف, لضعف حميد بن عبد الرحمن بن أبي ليل فإنه كان سيء الحفظ جداً (شرح سنن ابن ماجة, بشار بن عواد معروف 136:2 ح854, تحفة الأشراف 359:7, ح10065, المسند الجامع 198:13,ح 10049.)
قال شعبة: ما رأيت أسوء حفظاً من ابن أبي ليلى. (علل الدار قطني 186:3)
وأما بالنسبة لحجية ابن عدي, قال أبو حاتم: شيخ لا يحتج بحديثه, شبيه بالمجهول(تهذيب التهذيب 190:2, تهذيب الكمال 485:5)
أما الرواية الثانية : قال بشّار عوّاد: إسناده ضعيف لانقطاعه, عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه (شرح سنن ابن ماجة, بشار بن عواد معروف 137:2, تهذيب الكمال 393:16, باب من اسمه عبد الجبار, ترجمة عبد الجبار بن وائل.)
قال البخاري: محمد بن حجر ولد بعد ]موت[ أبيه بستة أشهر( تاريخ الكبير للبخاري 106:6)
قال ابن حبّان: عبد الجبار بن وائل, فإنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر, مات وائل بن حجر وأم عبد الجبار حامل به, وهذا ضرب من المنقطع الذي لا تقوم به الحجّة. (كتاب المجروحين, ابن حبّان 273:2)
أما الرواية الثالثة: فقد جاء في سندها من لا يصح الاحتجاج به, وهو سهيل بن أبي صالح, (( قال الدوري عن ابن معين: سهيل بن أبي صالح والعلاء بن عبد الرحمن حديثهما قريب من السواء وليس حديثهما بحجة, وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به)) (تهذيب التهذيب 263:4 ترجمة ابن سهيل)
أما الرواية الرابعة: قال بشّار عوّاد :إسناده ضعيف جدّاً, قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لاتفّاقهم على ضعف طلحة بن عمرو. قلت: طلحة بن عمرو متروك فحديثه ضعيف جداً (شرح سنن ابن ماجة, بشّار عوّاد معروف 138:2, تضعيف ابن ماجة, الألباني : (183) , تحفة الأشراف 83:5, ح 5897, المسند الجامع 488:8, حديث 6112.)
قال ابن معين في تاريخه: سمعت يحيى يقول: طلحة ابن عمرو ضعيف (تاريخ ابن معين, الدوري 60:1)
قال ابن سعد : طلحة بن عمرو توفى بمكة سنة اثنتين ومائة, وكان كثير الحديث, ضعيفاً جداً (الطبقات الكبرى 494:5)
ب‌- ما جاء في سنن أبي داود ( سنن أبي داوود 246:1, كتاب الصلاة, باب التأمين وراء الإمام)
الرواية الأولى: حدثنا محمد بن كثير, اخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر أبي العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر, قال: كان رسول الله (ص) إذا قرأولا الضالين قال : ((آمين)) ورفع صوته.
الرواية الثانية: حدثنا مخلد بن خالد الشعيري: حدثنا ابن نمير, حدثنا علي بن صالح, عن سلمة ابن كهيل, عن حجر بن عنبس, عن وائل بن حجر: أنه صلى خلف رسول الله (ص) فجهر بآمين وسلّم عن يمينه وعن شماله حتى رأيت بياض خده.
الرواية الثالثة: حدثنا إسحاق بن ابراهيم بن راهويه: أخبرنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان, عن بلال أنّه قال: يا رسول الله لا تسبقني بآمين.
الرواية الرابعة: حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ومحمود بن خالد قالا: حدثنا الفرياني عن صبيح بن محرز الحمصي, حدثني أبو مصبح المقرائي, قال: كنّا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة, فيتحدث أحسن الحديث, فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين, فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة. قال أبو زهير: أخبركم عن ذلك, خرجنا مع رسول الله (ص) ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألحّ في المسألة, فوقف النبي (ص) يستمع منه. فقال النبي (ص) : ((أوجب إن ختم)) فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم , فقال: (( بآمين , فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب)) فانصرف الرجل الذي سأل النبي (ص) فأتي الرجل, فقال: اختم يا فلان بآمين وأبشر. وهذا لفظ محمود. قال أبو داود: والمقراء قبيل من حِميَر( سنن أبي داود 247:1, كتاب الصلاة, باب التأمين وراء الإمام, ح 938.)
أما الرواية الأولى: فقد اختلف في سندها, قال الحافظ في التلخيص: سنده صحيح, وصححه الدار قطني, وأعلّه ابن القطان بحجر بن عنبس وأنه لا يعرف (عون المعبود, شرح سنن أبي داود 145:2)
أما الرواية الثانية: فقد جاء في سندها علي بن صالح, والصواب هو العلاء بن صالح, كما قال صاحب تهذيب الكمال( تهذيب الكمال, يوسف المزي511:22 ترجمة رقم 4572), وهو الذي اختلف في وثاقته. قال ابن معين وأبو حاتم: لا بأس به, وقال ابن المديني: روى أحاديث مناكير.. وقال البخاري: لا يتابع (تهذيب التهذيب164:8, رقم 331)
وقال ابن حجر العسقلاني في ((التقريب)) : صدوق له أوهام ( تهذيب الكمال, يوسف المزي 512:22في الهامش.)
أما الرواية الثالثة: فقد جاء في سندها عاصم الأحول.
قال ابن حبان: كان يحيى بن سعيد قليل الميل إليه, وقال ابن ادريس: رأيته أتى السوق, فقال: اضربوا هذا فلا أروي عنه شيئاً, وتركه وهيب لأنه أنكر بعض سيرته( تهذيب التهذيب, ابن حجر العسقلاني39:6, رقم 73)
أما الرواية الرابعة: فقد جاء في سندها أبو مصبح المقرائي, وهو ممن لا يحتج بحديثه, قال أبو حاتم الرازي: إنه غير معروف بكنيته فكيف يعرف اسمه؟ وذكر له أبو عمر والنمري هذا الحديث, وقال ليس إسناده بالقائم( عون المعبود, شرح سنن أبي داود 3, 151:4)
ج- وأما ما جاء في سنن الترمذي ( سنن الترمذي 30:2, كتاب الصلاة, باب ما جاء في التأمين)
1- حدثنا بندار محمد بن بشار, حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي. قالا : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل, عن حجر بن عنبس, عن وائل بن حجر, قال : سمعت النبي (ص) قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) , وقال : ((آمين)) ومد بها صوته ( سنن الترمذي 27:2, ح 248, باب ما جاء في التامين)
2- قال أبو عيسى: حدثنا أبو بكر محمد بن أبان, حدثنا عبد الله بن نمير, حدثنا العلاء بن صالح الأسدي, عن سلمة بن كهيل, عن حجر بن عنبس, عن وائل بن حجر, عن النبي (ص) , نحو حديث سفيان, عن سلمة بن كهيل. (سنن الترمذي 29:2, ح 249, باب ما جاء في التامين)
أما الرواية الاولى: فقد جاء في سندها بندار وهو عند البعض ليس بحجة.
متهم كذّبه الفلاس, قال عبد الله الدروقي: كنّا عند يحيى بن معين, فجرى ذكر بندار, فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه, ورأيت القواريري لا يرضاه ( ميزان الاعتدال, للذهبي 490:3 رقم 7269)
وأما الرواية الثانية: فهي كاملة من حيث السند تامة, ولكنها معارضة.

خلاصة البحث:

ومحصّل البحث في حكم الإتيان بقول آمين في الصلاة يمكن تلخيصه بما يلي:
أولاً: إن الصلاة من العبادات, ومن الثابت عند جميع المذاهب أنها توقيفية, فماهيتها وأحكامها من وظيفة الشارع.
ثانياً: عن كتب الصحاح المعتبرة عند العامة قد نقلت لنا صفة صلاة النبي, وقد كانت خالية من قول آمين, وكان رجال سندها من الثقاة عندهم.
ثالثاً: إن أئمة أهل البيت (ع) قد أمروا أتباعهم ترك قول آمين في الصلاة حفظاً لسنة جدهم (ص) من الضياع, أو دخول مفردات غريبة فيها.
رابعاً: كيفية الصلاة عند أئمة أهل البيت (ع) حسبما تنقلها رواياتهم متطابقة مع صلاة النبي (ص) الخالية من قول آمين في القراءة, وهذه النقطة موضع اشتراك بيننا وبين بعض روايات الصحاح عند العامة.
كما نجد موقف علماء مدرسة أهل البيت (ع) إزاء حكم الإتيان بقول آمين في الصلاة, جاء متطابقاً مع الأدلة الروائية المعتمدة عندهم, حيث أفتوا بعدم جواز قول آمين في الصلاة.
خامساً: أما موقف علماء العامة في حكم الإتيان بقول آمين في الصلاة فقد جاء مخالفاً لمداركة الروائية, فقد طالعنا طائفة منها حيث لم تذكر قول آمين في الصلاة مع وثاقة رجال سندها, أما الطائفة التي تذكر قول آمين من كونه سنة من سنن الصلاة, فقد مر عليك ضعف أسانيدها.






رد مع اقتباس
قديم 04-17-2009, 09:18 PM   رقم المشاركة : 6
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

الشبهة الخامسة وهي حول :


(( الصلاة خير من النوم ))




مقدمة :

من المسائل التي ما زالت موضع خلاف بين المذاهب الإسلامية, مسألة الأذان والعبارات التي تذكر فيه, من حيث الإضافة والحذف, كقصة التثويب ((الصلاة خير من النوم)) ولا يمكن بحث هذه المسألة بمعزل عن كيفية تشريع الأذان, فالمراجعة للمصادر الحديثية عند العامة, تكشف لنا عن عدد من الروايات الضعيفة والمقطوعة في سندها ونهاية البعض منها إلى مجاهيل , تحكي لنا كيفية تشريع الأذان أنه كان برؤيا قد رآها عبدالله بن زيد الأنصاري وعمر بن الخطاب, بسبب أن رسول الله "ص" قد استشار في أمر الأذان, واختلفت الروايات مع بعضها في أن ((الصلاة خير من النوم)) كانت جزءاً ملحوقاً بالقصة في زمن النبي "ص" أو أنه "ص" أمر بلالاً بذكرها مثلاً, بدل ذكر (( حي على خير العمل)) المحذوفة عند العامة, أم أن بلالاً قالها وأقرّها رسول الله "ص" بذيل الرؤيا أو أن الأمر بالزيادة جاء بوقت لاحق من قبل الرسول "ص" .كما تطالعنا طائفة أخرى من الروايات تصرّح بأن ذكر الصلاة خير من النوم , كان من ضمن اجتهادات الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.


أما لو ذهبنا إلى المصادر الحديثية عند أتباع أئمة أهل البيت "ع" لوجدنا أن كيفية الأذان تختلف جملة وتفصيلاً عن كيفية الأذان عند العامة اعتماداً على روايات ينقلها أئمة أهل البيت "ع" عن جدهم "ص" كما أن لمدرستهم "ع" أحكاماً بخصوص الزيادة في الأذان بعد رسول الله "ص".


روايات الأذان في الصحاح والأسانيد



وقبل الخوض في تفاصيل هذه المسألة نرى من الأفضل أولاً عرض بعض الروايات وأهمها المتضمنة لذكر ((الصلاة خير من النوم)) بالإضافة إلى الروايات التي لم تتضمن هذا الذكر أيضاً, والتي تنقلها كتب العامة مع أسانيدها, لتشكل أساساً وحواراً للمناقشة والدرس.


1- ابن ماجة: حدثنا محمد بن خالد بن عبدالله الواسطي, قال: حدثنا أبي, عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم, عن أبيه, أن النبي "ص" استشار الناس لما يُهمُهم إلى الصلاة فذكروا البوق, فكرهه مناجل اليهود, ثم ذكروا الناقوس فكرهه من اجل النصارى, فأُري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار؛ يقال له عبدالله بن زيد, وعمر بن الخطاب, فطرق الأنصاري رسول الله "ص" ليلاً, فأمر رسول الله "ص" به فأذن.
قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الغداة الصلاة , الصلاة خير من النوم, فأقرّها رسول الله " ص" . ( سنن ابن ماجة 34:2, كتاب الأذان والسنة فيها, باب بدء الأذان ح707)


2- أبو داود: حدثنا مسدد, حدثنا الحرث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده, قال: قلت: يا رسول الله علّمني سنة الأذان, قال: فمسح مقدم رأسي وقال: (( تقول الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر , الله أكبر , ترفع بها صوتك ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمداً رسول الله , أشهد أن محمدً رسول الله, تخفض بها صوتك , ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدّا رسول الله, أشهد أن محمدًا رسول الله, حيّ على الصلاة, حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح, حيّ على الفلاح, فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم, الصلاة خير من النوم, الله أكبر, الله اكبر, لا إله إلا الله)) (سنن أبي داود 133:1: كتاب الصلاة, باب كيفية الأذان, ط الريان للتراث ح500)


3- وفي مسند أحمد: حدثنا عبدالله, حدثني أبي, حدثنا يعقوب, قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق, قال : وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبدالله بن زيد ين عبد ربّه, قال: لما اجمع رسول الله "ص" أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس, وهو له كاره لموافقته النصارى, طاف بي من الليل طائف, وأنا نائم, رجلُُ عليه ثوبان أخضران, وفي يده ناقوس يحمله, قال: فقلت له يا عبدالله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة, قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال: فقلت: بلى, قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر, أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله , حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح, حيّ على الفلاح, الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, قال ثم استأخرت غير بعيد, قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر, أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله , حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح, قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة, الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, فلما أصبحت أتيت رسول الله "ص" قال: فقال رسول الله "ص" : (( إن هذه لرؤيا حق إن شاء الله )) ثم أمر بالتأذين, فكان بلال –مولى أبي بكر- يؤذن بذلك, ويدعو رسول الله "ص" إلى الصلاة, فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر, فقيل له: إن رسول الله "ص" نائم, قال: فصرخ بلال بأعلى صوته ((الصلاة خير من النوم)) قال سعيد ابن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر (مسند الإمام احمد بن حنبل 632:4, حديث عبدالله بن زيد بن عاصم المازني, ح16042) .


4- في سنن الدرامي: أخبرنا عثمان بن عمر بن فارس, حدثنا يونس عن الزهري, عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن: إن سعداً كان يؤذن في مسجد رسول الله "ص", قال حفص حدثني أهلي أن بلالاً أتى رسول الله "ص" يؤذنه لصلاة الفجر, فقالوا: إنه نائم, فنادى بلال بأعلى صوته : ((الصلاة خير من النوم)) فأُقرّت في أذان الفجر (سنن الدرامي 289:1, برقم 1192 باب التثويب في أذان الفجر).


5- وفي مجمع الزوائد: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي, أخبرنا مسلم بن خالد, حدثني عبد الرحيم ابن عمر عن أبي شهاب عن سالم بن عبدالله بن عمر عن عبدالله بن عمر, إن رسول الله "ص" أراد أن يجعل شيئاً –يجمع به الناس- حتى أري رجل من الأنصار يقال له عبدالله بن زيد وأُريه عمر بن الخطاب في تلك الليلة .... إلى أن قال: فزاد بلال في الصبح (( الصلاة خير من النوم)) فأقرها رسول الله "ص" (طبقات بن سعد 247:1).


6- وفيه : وعن بلال انه كان يؤذن لصلاة الصبح فيقول: (( حي على خير العمل)) فأمر رسول الله "ص" أن يجعل مكانها (( الصلاة خير من النوم)) ويترك (( حيّ على خير العمل )) (مجمع الزوائد 330:1 باب كيف الأذان) .


7- وعن أبي هريرة, قال: جاء بلال إلى النبي "ص" يؤذنه بصلاة الصبح, فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس, فعاد إليه فرأى منه ثقلة, فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس, فذهب فأذن فزاد في أذانه (( الصلاة خير من النوم)) , قال له النبي "ص" : ما هذا الذي زدت في أذانك, قال: رأيت منك ثقلة فأحببت أن تنشط, فقال: اذهب فزده في أذان ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس. ( مجمع الزوائد 330:1 باب كيف الأذان)


8- وعن أبي هريرة أن بلالاً أتى النبي "ص" عند الأذان في الصبح فوجده نائماً فناداه: (( الصلاة خير من النوم)) فلم ينكره رسول الله "ص" وأدخله في الأذان, فلا يؤذن لصلاة قبل وقتها غير صلاة الفجر. ( مجمع الزوائد 331:1 باب كيف الأذان)


9- وعن عائشة قالت: جاء بلال إلى النبي "ص" يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائماً, فقال: (( الصلاة خير من النوم)) فأُقرت في أذان الصبح. ( مجمع الزوائد 331:1 باب كيف الأذان)


10- وفي سنن الترمذي : حديث أحمد بن منيع, حدثنا أبو أحمد الزبيري, حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال, قال : قال لي رسول الله "ص" : (( لا تثوّبنّ في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر)) ( سنن الترمذي 378:1 برقم 198) .


11- روى أبو داود, قال: حدثنا عباد بن موسى الختلي, وزياد ابن أيوب, - وحديث عباد أتم- قالا: حدثنا هشيم عن أبي بشر, قال زياد: أخبرنا أبو بشر, عن أبي عمير ابن أنس, عن عمومة له من الأنصار, قال : اهتم النبي "ص" للصلاة كيف يجمع الناس لها, فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة, فإن رأوها آذن بعضهم بعضاً, فلم يعجبه ذلك, قال: فذكر له القُبع – يعني الشبور – (قال زياد: شبور اليهود) فلم يعجبه ذلك, وقال : (( هو من أمر اليهود)) قال : فذكر له الناقوس, فقال: (( هو من أمر النصارى)).


فانصرف عبدالله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهمِّ رسولا الله "ص" فأخبره فقال (له) : يا رسول الله, إني لبين نائم ويقظان, إذ أتاني آت فأراني الأذان, قال : وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً, قال ثمّ اخبر النبي "ص" فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبدالله بن زيد فاستحييت, فقال رسول الله "ص" : (( يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبدالله بن زيد فافعله)) قال: فأذن بلال, قال أبو بشر : فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبدالله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً, لجعله رسول الله "ص" مؤذناً. ( سنن أبي داوود 134:1, كتاب الصلاة, باب بدء الأذان ح498,ط دار إحياء التراث العربي) .


12- وقال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي, حدثنا يعقوب, حدثنا أبي, عن محمد بن إسحاق, حدثني محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن محمد بن عبدالله بن زيد ابن عبد ربه, قال: حدثني أبي عبدالله بن زيد قال: لمّا أمر رسول الله "ص" بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي – وأنا نائم- رجل يحمل ناقوساً في يده, فقلت: يا عبدالله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى , قال: فقال تقول: الله أكبر, الله اكبر, الله أكبر, الله اكبر, أشهد أن لا إله إلا الله , أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمداً رسول الله , أشهد أن محمداً رسول الله, حيّ على الصلاة, حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح, حيّ على الفلاح, الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله , لا إله إلا الله.


قال: ثم استأخر عني غير بعيد, ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة : الله أكبر, الله اكبر, أشهد أن لا إله إلا الله , أشهد أن محمداً رسول الله , حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح, قد قامت الصلاة, قد قامت الصلاة, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله .


فلمّا أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت, فقال: (( إنها لرؤيا حق إن شاء الله , فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك)) فقمت مع بلال, فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به, قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته, فخرج يجر رداءه, ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله, لقد رأيت ما رأى, فقال رسول الله "ص" : فلله الحمد. (السنن لأبي داود 134:1-135, برقم 498-499).


13- قال ابن ماجة : حدثنا أبو عبيد محمد بن عبيد بن ميمون المدني, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, قال: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي, عن محمد بن عبدالله ابن زيد عن أبيه, قال: كان رسول الله "ص" قد همًّ بالبوق, وأمر بالناقوس فنحِت فأُري عبدالله بن زيد في المنام. ( سنن ابن ماجة 232:1)


14- وفي سنن الترمذي: حدثنا سعد بن يحيى بن سعيد الأموي, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن محمد بن عبدالله بن زيد, عن أبيه, قال: لما أصبحنا أتانا رسول الله فأخبرته بالرؤيا ...الخ .


وقال الترمذي : وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتمّ من هذا الحديث وأطول, ثم أضاف الترمذي: وعبدالله بن زيد, هو ابن عبد ربه ولا نعرف له عن النبي شيئاً يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان. ( السنن, الترمذي 361:1 باب ما جاء في بدء الأذان برقم 189).


ويتلخص مفاد من الروايات بما يلي:


جاءت الزيادة في الأذان من قبل بلال وأقرّها رسول الله "ص" ولم يرها –في المنام – عبدالله بن زيد ولا عمر بن الخطاب كما تنقلها الروايات في قصة رؤيا الأذان.
الأذان كان قد علّمه رسول الله "ص" إلى أبي محذورة وكان قد تضمّن (( الصلاة خير من النوم)) .
وفي رواية أن بلالاً صرخ بأعلى صوته والرسول نائم: ((الصلاة خير من النوم)) فأُدخلت في الأذان . وفي أخرى: أن بلالاً كان يؤذن لصلاة الصبح فيقول: حيّ على خير العمل, فأمر رسول الله "ص" أن يجعل مكانها (( الصلاة خير من النوم)) ويترك حيّ على خير العمل.


هذه الروايات التي تنقلها كتب السنن والمسانيد والتي تضمنت الذكر لمسألة (( الصلاة خير من النوم)) في الأذان, والأخرى التي لم تتضمن هذا الذكر, غير معتبرة من عدة وجوه:


الأول: من حيث السند فإننا نجد طرقها إما ضعيفة أو منقطعة أو فيها مجاهيل.


الثاني: الكيفية التي شرع فيها الأذان تثير الاستغراب, وذلك لمخالفتها الأصول المعروفة في تشريع الأحكام.


الثالث: وجود الاختلاف بين فقهاء المسلمين من المذاهب الأربعة في مسألة التثويب.


الوجه الأول: مناقشة روايات الأذان المتقدمة سنداً
نركز الكلام في هذه الفقرة بخصوص سند الروايات وسوف نتناولها بالنظر تباعاً من سند الحديث الأول حتى الأخير ليتسنى لنا البت في الحكم فيما إذا كان ذكر (( الصلاة خير من النوم)) موجوداً في زمن الرسول "ص" , أم انه استحسن فيما بعد فأُضيف في الأذان اجتهاداً, كما سيأتي إثبات ذلك في فقرة لاحقة من هذا البحث إن شاء الله تعالى.


وإليكم بيان أسانيدها:
1-(( محمد بن خالد الواسطي)) فيعرّفه جمال الدين المزّي, بقوله: قال ابن معين لا شيء, وأنكر روايته عن أبيه, وقال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين فقال: رجل سوء كذّاب, وأخرج أشياء منكرة, وقال أبو عثمان سعيد بن عمر والبردعي : وسألته – أبا زرعة – عن محمد عن محمد بن خالد, فقال: رجل سوء, وذكره ابن حبان في كتاب الثقاة وقال يخطئ ويخالف. ( تهذيب الكمال, جمال الدين المزّي 515:16 برقم 3755)
وقال الشوكاني بعد نقل الرواية: وفي إسناد ضعف جداً. ( تهذيب الكمال 139:25 برقم 5178)


2- قال الذهبي: محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه, في الأذان ليس بحجّة. ( ميزان الاعتدال للذهبي 631:3 برقم 7888)
وفي نيل الأوطار للشوكاني: محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة غير معروف الحال, والحرث بن عبيد وفيه مقال. ( نيل الأوطار للشوكاني 38:2)


3- (( محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار)) فإن أهل السنة لا يحتجون برواياته.
قال أحمد بن خيثمة : سئل يحيى بن معين عنه, فقال: ضعيف عندي سقيم ليس بقوي.
وقال أبو الحسن الميموني : سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف, وقال النسائي: ليس بالقوي. (تهذيب الكمال 423:24, ولاحظ تاريخ بغداد 221:1-224)


4- جاء في سنن الدرامي :
(( هذا الحديث إسناده ضعيف لوجود حفص بن عمر وأبيه, وذكر هذه القصة مالك في الموطأ بإسناد منقطع في كتاب الصلاة)). (سنن الدرامي 289:1)


5- (( مسلم بن خالد بن قرة – ويقال: ابن جرحة)) ضعّفه يحيى بن معين, وقال علي بن المديني: ليس بشيء, وقال البخاري: منكر الحديث, وقال النسائي: ليس بالقوي, وقال أبو حاتم ليس بذاك القوي منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به, أحاديثه تعرف وتنكر. ( تهذيب الكمال, جمال الدين المزّي 508:27 برقم 5925)


6-رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الرحمن بن عمار بن سعد ضعّفه ابن معين. (مجمع الزوائد 330:1)


7- وفيه عبد الرحمن بن قسيط ولم أجد من ذكره. ( مجمع الزوائد 330:1)


8- رواه الطبراني في الأوسط, وقال: (( تفرّد به مروان بن ثوبان قلت: ولم أجد من ذكره)). ( مجمع الزوائد 330:1)


9- رواه الطبراني في الأوسط, وفيه صالح بن الأخضر واختلف في الاحتجاج به ولم ينسبه أحد إلى الكذب. ( مجمع الزائد 330:1)


10-قال: وفي الباب عن أبي محذورة, قال أبو عيسى: حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي, وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة, قال: إنما رواه عن الحسن ابن عمارة عن الحكم بن عتيبة, وأبو إسرائيل اسمه ( إسماعيل بن أبي إسحاق) وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث. ( سنن الترمذي 379:1 برقم 198)


11- هذه الرواية ضعيفة , لأنها تنتهي إلى مجهول أو مجاهيل لقوله: عن عمومة له من الأنصار.
ويرو عن العمومية أبو عمير بن أنس, فيذكره ابن حجر ويقول فيه: روى عن عمومة له من الأنصار من أصحاب النبي في رؤية الهلال وفي الأذان.
وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.
وقال ابن عبد البر : مجهول لا يحتجّ به.
وقال جمال الدين: هذا ما حدّث به في الموضوعين: رؤية الهلال والأذان جميع ما له عندهم. ( تهذيب الكمال, جمال الدين المزّي 142:34 برقم 7545)


12- وفي هذه الرواية:


ألف: (( محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي, أبو عبدالله)) المتوفى حدود عام (120 هـ)
قال أبو جعفر العقيلي: عن عبدالله بن أحمد بن حنبل, سمعت أبي – وذكر محمد بن إبراهيم التيمي المدني – فقال : في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة. ( تهذيب الكمال, جمال الدين المزّي 304:24)


ب: (( محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار)) فإن أهل السنة لا يحتجون برواياته, وإن كان هو الأساس ل ((سيرة ابن هشام)) .
قال أحمد بن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عنه, فقال: ضعيف عندي سقيم ليس بالقوي.
وقال أبو الحسن الميموني: سمعت ابن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف, وقال النسائي: ليس بالقوي. (تهذيب الكمال 423:24, ولاحظ تاريخ بغداد 221:1-224)


ج: (( عبدالله بن زيد)) راوية الحديث وكفى في حقه أنه قليل الحديث, قال الترمذي: لا نعرف له شيئاً يصح عن النبي "ص" إلا حديث الأذان قال الحاكم: الصحيح أنه قُتل بأُحد, والروايات عنه كلها منقطعة, قال ابن عدي: لا نعرف له شيئاً عن النبي إلا حديث الأذان. (السنن, للترمذي 361:1, تهذيب التهذيب, ابن حجر 224:5).
وروى الترمذي عن البخاري: لا نعرف له إلا حديث الأذان. (تهذيب الكمال, جمال الدين المزّي 541:14)
وقال الحاكم: عبدالله بن زيد هو الذي أُرِيَ الأذان الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول, ولم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده. (مستدرك الحاكم 336:3)


13- قد اشتمل السند على محمد بن إسحاق بن يسار, ومحمد بت إبراهيم التيمي, وقد تعرفنا على حالهما كما تعرفنا على عبدالله بن زيد كان قليل الرواية, والروايات كلها منقطعة.


14-جاء في سند هذه الرواية محمد بن إسحاق بن يسار, ومحمد بن الحارث التيمي, وعبدالله بن زيد, وقد تعرفت على جرح الأولين وانقطاع السند في كل ما يرويان عن الثالث, وبذلك يتضح حال السند.


الوجه الثاني : الكيفية التي صاغتها الروايات في تشريع الأذان تخالف الأصول المعروفة في تشريع الأحكام


في هذه الفقرة من البحث سنتعرض إلى الإيرادات الشرعية التي تعترض الكيفية التي صاغتها الروايات في تشريع الأذان ومخالفتها للأصول التي يتم بها تشريع الأحكام ضمن عدة نقاط:


الأولى : إنها لا تتفق مع مقام النبوة


إنه سبحانه بعث رسوله لإقامة الصلاة مع المؤمنين في أوقات مختلفة, وطبع القضية يقتضي أن يعلّمه سبحانه كيفية تحقق هذه الامنية, فلا معنى لتحيّر النبي"ص" أياماً طويلة أو عشرين يوماً على ما في الرواية التي رواها أبو داود, وهو لا يدري كيف يحقق المسؤولية الملقاة على عاتقه, فتارة يتوسل بهذا, وأخرى بذاك حتى يرشد إلى الأسباب والوسائل التي تؤمن مقصوده, مع انه سبحانه يقول في حقّه: { وكان فضل الله عليك عظيما}( النساء:113) والمقصود من الفضل هو العلم بقرينة ما قبله: { وعلّمك ما لم تكن تعلم}.


إن الصلاة والصيام من الأمور العبادية , وليسا كالحرب والقتال الذي ربما كان النبي "ص" يتشاور فيه مع أصحابه, ولم يكن تشاوره في كيفية القتال عن جهله بالأصلح, وإنما كان لأجل جلب قلوبهم, كما يقول سبحانه: { ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاروهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} ( آل عمران: 159)


أليس من الوهن في أمر الدين أن تكون الرؤيا والأحلام والمنامات من أفراد عاديين مصدراً لأمر عبادي في غاية الأهمية كالأذان والإقامة؟!
إن هذا يدفعنا إلى القول بان كون الرؤيا مصدراً لتشريع الأذان أمر مكذوب على الرسول "ص". ومن القريب جداً أن عمومة عبدالله ابن زيد هم الذين أشاعوا تلك الرؤيا وروّجوها, لتكون فضيلة لبيوتاتهم وقبائلهم. كما هو مقتضى الرواية الثانية عشر أن بني عمومته هم رواة هذا الحديث, وأنّ من اعتمد عليهم إنما كان لحسن ظنه بهم
...
تابع التكملة






رد مع اقتباس
قديم 04-18-2009, 04:04 PM   رقم المشاركة : 7
كعبة الأحزان
(عضوة مميزة)

 
الصورة الرمزية كعبة الأحزان
الملف الشخصي





الحالة
كعبة الأحزان غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

اللهم صل على محمد وال بيت محمد وعجل فرجهم

بارك الله بك اخي العزيز
حيدر الكربلائي

على المجهود الرائع

وجعله الله في ميزان اعمالك ووفقك للاعمال الصالحه

جزيت خيرا

تحياتي






التوقيع :

[flash=http://dc08.arabsh.com/i/01568/haxl062s0mmm.swf]WIDTH=500 HEIGHT=300[/flash]



...

رد مع اقتباس
قديم 04-18-2009, 11:14 PM   رقم المشاركة : 8
صراط علي
::.. صراط حق نمسكهُ ..::

 
الصورة الرمزية صراط علي
الملف الشخصي




الحالة
صراط علي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

[align=center]اللهم صل على محمد وال بيت محمد وعجل فرجهم
مشكور على الموضوع المتكامل والشبهات الفقهية المهمة والرد عليها ..
دمتم بحفظ المولى
[/align]






رد مع اقتباس
قديم 04-21-2009, 02:31 PM   رقم المشاركة : 9
حيدر الكربلائي
الدم الأحمر تفجر
الطويرجاوےِ
 
الصورة الرمزية حيدر الكربلائي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الكربلائي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
شاكر لكم مروركم الكريم
حفظكم الباري






رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:19 AM.


منتديات أبو الفضل العباس
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات أبو الفضل العباس عليه السلام