كلمة السيد مرتضى الشيرازي في تأبين والده في البحرين 2005

[الشهيد الحي]

ألقى سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي دام ظله محاضرة خاصة في أولى زياراته للبحرين سنة 2005 فلسف فيها مظلومية والده سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي «قدس سره» بشيءٍ من الإجمال.

وافتتح سماحته كلمته المفصّلة بالآيتين الكريمتين {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (سورة النحل/آية 42و43) معنوناً محاضرته بسؤالين هما «هل كان الإمام الشيرازي الراحل مظلوما؟ ولماذا كان السيد الشيرازي مظلوما؟».

وأردف سماحته أنه للإجابة على هذين السؤالين الصريحين، اللذان قد يجولان في بال من كان يحب هذا الرجل العظيم ويعشقه أو من لم يكن ، فأن علينا أن نتحدث بشفافية كاملة وإن كنّا سنتجنب الزوايا الحادة كي لا نجرح عواطف أحدٍ أو جهة ، وأشار بعد هذه المقدمة إلى الآية القرآنية الكريمة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (سورة البقرة/آية 156) ، وأضاف أن هذه الآية تشير إلى سُنة من سُنن الله سبحانه وتعالى الاجتماعية حيث أن هنالك ابتلاءًا وامتحاناً وحوادث يتعرض لها الإنسان، قد تكون اقتصادية ، وقد تكون سياسية ، وقد تكون اجتماعية، وقد تكون عائلية ، ثم هنالك موقف فمواقف يتخذها العبد والرب محيطٌ به ومشرفٌ عليه ، وبعد ذلك هنالك أجرٌ وعطاءٌ وحسابٌ وجزاءٌ إلهي ، فقد يُمتحن الإنسان في ماله أيخون في الأمانة أم لا يخون؟ أيسرق أم لا يسرق؟ أيدفع الخمس والزكاة أم لا يدفع؟ أيصلي صلاة الصبح أم لا يصلي؟ هل يجترع الحرام أم لا؟ وهذه السُنة تتطبق علينا في كل لحظة.
وعاد سماحته إلى الآية التي صدّر بها مطلع كلمته {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} ليشير إلى أن الظلم هو أحد مصاديق الابتلاءات إذا حل بالإنسان كمرحلة أولى فكان موقفه كمرحلة ثانية هو أن يهاجر في الله وليس لأجل الهوى أو الرئاسة أو المال وبالتالي تأتي المرحلة الثالثة وهي العطاء الإلهي بأن ينزله الله ويكسبه منزلاً حسنا في الدنيا ولا يعلمون البشر بجزاءه الأخروي الذي هو أعظم وأكبر.

وأوجز سماحته الإجابة على الشطر الأول من عنوان المحاضرة (هل كان الإمام الشيرازي مظلوما؟) معلّقا على السؤال بأن إجابته بديهية جدا لمن يعرف الإمام الشيرازي ولكننا نجيب على هذا السؤال لأنه ربما كثيرين من الناس لا يعرفون السيّد الشيرازي فنجيبهم بإيجاز بهذه الإجابة حتى ننتقل إلى السؤال الثاني ونفصّل فيه وجوابنا لهم هو: نعم ، لقد كان سلطان المؤلفين المجدد آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي «رضوان الله عليه» مظلوما بحق والشواهد على ذلك كثيرة ولو أردت أنا شخصيا أن أكتبها لبلغت مجلدات ، ولكن أشير إشارة عابرة فقط لشاهدين واضحين بيّنين وهما:

• الشاهد الأول: سيل التهم والأكاذيب التي وجّهت له طوال أكثر من أربعين عاما ، وقد كان يتأسى بجده أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب «صلوات الله عليه» حيث أنه كان يُسب على المنابر لأكثر من ثمانين عاما على سبعين ألف منبر أو أكثر ، وكنموذجين من التهم:

1- أن كتبه سطحية: وقد خدعوا بهذه التهمة أحد كبار الخطباء وهو الخطيب الشيخ أحمد الوائلي ، إلا أنه عرف الحقيقة بعد ذلك فتغيّر موقفه تماما وقد دُهِش الكثيرون لتغير موقفه الذي كلّفه بعض الضرائب ، وقد ضللوا الشيخ الوائلي بأن أتوا إليه ببعض مؤلفات الإمام الشيرازي الراحل التي كتبها للأطفال من بين مجموع مؤلفاته التي بلغت قرابة 1300 كتاب بمستويات مختلفة حيث كتب «رحمه الله» للطفل الصغير كما كتب للشباب المتوسط والشباب الجامعي ولكبار العلماء والمجتهدين وهذا أحد أسرار عظمته فهذا علم يُدرّس بحد ذاته لأنه يصعب الكتابة لمستويات مختلفة نظرا لاختلاف مستوى المعرفة والمفردات المستخدمة، و كان الشيخ الوائلي ربما لا يجد فرصة للتحقيق ووثوقه بذلك الطرف الذي أتى إليه سبب في موقفه المؤقت إلى أن أهداه أحد الأعلام أحد كتب السيد الشيرازي المتوسطة المستوى وهو كتاب (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) فزارنا في ديوانية الإمام الشيرازي في الكويت وزرته وزارني في سوريا وفي لندن بعد سنوات من المقاطعة وأهديناه أنا وأخي جعفر الشيرازي كتب في الفقه والأصول فتغيّر موقفه تماما حتى أجاب في يوم من الأيام عن رأيه في السيد الشيرازي بنعم الوالد ونعم الولد وأقصد بالوالد السيد محمد الشيرازي وبالولد السيد محمد رضا الشيرازي ، وكان ذلك بعد أن وصله كتاب (الترتب) للأخ السيد محمد رضا الشيرازي وهو كتاب أصولي علمي عميق؛ وليس هذا مستغرب فقد قال المرجع الديني آية الله العظمى السيد شهاب الدين بن السيد شمس الدين المرعشي النجفي «قدس سره» عندما اطلع على موسوعة الفقه أن العالم سيعرف قيمة السيد الشيرازي بعد مائتين عاما.

2- أن كتبه قد كتبها والده الراحل آية الله العظمى السيد مهدي الشيرازي: وقد دوّت هذه التهمة في فترة من الزمن في العديد من الأوساط ، إلا أن والده قد توفي في سنة 1380 هجرية وكان عمر السيد محمد الشيرازي 33 عاما ، واستمر السيّد في العطاء 43 عاما آخر ، فهل يا ترى كان والده يكتب له كتب من عالم القيامة ويبعثها له؟ واللطيف أيضا أن أنا شخصيا أتهموني بنفس التهمة أي بأن كتبي قد ألفها والدي! وهذه التهمة لا يرى لها أثر الآن لأنها جدا سخيفة والزمن يكشف الحقائق.


• الشاهد الثاني: أن الكثير من كتبه لا تزال حتى الآن غير مطبوعة ، وكتبه في حياته تعرّض قسم منها للإحراق ، وتعرّض قسمٌ منها للسرقة حيث سرق البعض كتبه ونسبوها إلى أنفسهم ، وتعرّض قسمٌ كثير منها للمنع من الطباعة ، وقد كتبها منذ أن كان عمره 18 عاما عند إقامته في كربلاء المقدسة وقد بلغت قرابة 1300 كتاب وكتيّب بينما نجد أن الرقم القياسي في التأليف في العالم كله هو 730 كتاب وكتيّب لإمرأة بريطانية مسيحية توفيت سنة 2000 عن عمرٍ ناهز 98 عاما ولديها سكرتارية من عشرة اشخاص يعينونها في الكتابة وكتبها عادةً روايات وقصص وعندما توفيت كتبت عنها كل الصحف البريطانية والعالمية من الشرق إلى الغرب لأنها حطمت الرقم القياسي للتأليف في العالم!

ووصف سماحة السيد مرتضى رحيل الإمام الشيرازي بالخسارة للأمة الشيعية جمعاء بكافة انتماءاتها وتوجهاتها ومسالكها فهو قد رحل عن عمرٍ ناهز 76 عاما فقط ولم يكن له أعوان يساعدوه في التأليف ولم يكن التأليف عمله الوحيد بل كان يمارس ستة أدوار في وقتٍ واحد أحدها هو التأليف ، وقد حطّم وتجاوز الرقم القياسي بشكلٍ مذهل إلا أن اسمه غير موجود في موسوعة غينتس للأرقام القياسية لأننا أمة تجهل قيمة علمائها.

ثم انتقل سماحته للحديث عن الشطر الثاني من عنوان المحاضرة (لماذا كان السيد الشيرازي مظلوما؟) مؤكدًا أن الإجابة على هذا السؤال لوحدها تستدعي مجلدات ، واختزل سماحته الإجابة في ستة أسباب رئيسية:

1- المبدأية: كان السيد الشيرازي مبدأياً في حياته كلها ولم يتنازل عندما كان يرى آفاقًا ظاهرية مادية هائلة أمامه لو قدّم تنازلاً بسيطا ، كما كان الإمام علي بن أبي طالب – باب مدينة علم رسول الله – يُعبّر عنه بالشيخ المضطهد المظلوم لأن الإمام كان مبدأيا وما قام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين من منبره عندما تولى الخلافة الظاهرية إلا وقال: ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم».


2- التميّز: تميّز السيد الشيرازي في إطروحاته كإطروحة (شورى الفقهاء) وإطروحة (العلاقة بين مجلس الأمة أو البرلمان أو مجلس الشورى وبين شورى الفقهاء كيف ينبغي أن تكون؟) إلى جانب إطروحاته في الشئون العامة والحوادث الواقعة والموضوعات المستنبطة وغير ذلك من القضايا في شتى الحقول ، وكإشارة واحدة إلى مبتكراته في الحقوق كان «رضوان الله عليه» يرى أن مسؤولية الأب والأم تجاه الطفل هي مسؤولية ثلاثية الأبعاد حيث كان يرى أن الإنسان مسؤول عن ثلاثة أبعاد من أبعاد حياة أطفاله وهي (صحتهم الجسدية ، صحتهم العاطفية ، صحتهم العقلية) فالوالدين مكلّفين شرعا بأن لا ينشأ طفلهم جبانًا أو بخيلاً فهما مسؤولان عن استقامة صحته العاطفية كمسؤوليتهما عن صحته الجسدية فالطفل ينبغي أن يكون شجاعا وكريما وأن يتحلى بالفتوّة والحميّة والغيرة ، والمقصود بصحة الطفل العقلية أن يكون عنده اعتدال في طريقة التفكير فلا يكون شكّاكاً أو وسواسًا أو غير ذلك ، ولهذا التميّز جوبه السيد الشيرازي بالحسد.


3- العيش في أمة متخلفة.


4- الجهاد: كان السيد محمد الشيرازي مجاهدًا ، وكنتيجة لجهاده في زمان الملكيين في العراق وقوله كلمة الحق صدر حكم الاعتقال بحقه هو وأخيه الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي ووقّع الحكم مدير الأمن العام المدعو بهجت عطية ولكن قبل أن يتنفذ هذا الحكم جرى الانقلاب على الملكيين واعتقل مدير الأمن العام الظالم وحكم عليه بالإعدام وإلى جهنم وبئِس المصير.


5- سبق العصر: سبق المجدد الشيرازي الثاني عصره حينما وضع كتابه «ألف مسألة متجددة» قبل 35 عاما إلا أن الكتاب إذا طالعته اليوم تجده كأنه كتاب حيوي مكتوب اليوم وقد هاجمه أشباه علماء الدين وأشباه المثقين على هذا الكتاب واستهزأوا من المسائل واعتبروها مسائل خرافية وكان منها (لو تطور العلم واستطاع أن يصل رأس إنسانٍ بجسد إنسان آخر، فما هي الأحكام الشرعية التي تترتب على ذلك؟ كمثال لمن تكون الزوجة؟ هل هي زوجة صاحب الرأس أم زوجة صاحب الجسد؟) وقد توصل العلم الآن إلى إمكان ذلك وتحقيق ذلك أيضا ، ومثال آخر عندما كتب السيد الشيرازي كتيّبه «لكي يستوعب الحج عشرة ملايين» فهاجمه قسم من الناس دون أن يكلفون أنفسهم عناء قراءة الكتيّب ويشاهدون الاستدلال الموجود والآراء الفقهية والبراهين المطروحة فيه فاتهموه بالجهل والذي هم أحق أن يتهمون أنفسهم به ، ثم كتب السيّد كتابه «لكي يستوعب الحج 90 مليون».


6- إرادة الله لمن يريد الله له البقاء والخلود: فالله عندما يريد أن يعز أحدًا يكتب له المظلومية فهذه حكمة الله لأن المظلومية هي سر الخلود ، وكما قال غاندي: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر ؛ فالذين بقوا من علمائنا الأبرار هم الذين كانوا مظلومين كالشيخ مرتضى الأنصاري والله تكفل بأن يدافع عن المظلوم فلهذا يوماً بعد يوم يزداد ذكر السيد الشيرازي في الأرض علوًا وارتفاعًا وتزداد مؤسساته قوةً وانتشارًا وعطاءه كذلك فكتبه الآن تطبع بشكل كبير أكثر مما كان في حياته ، وتأسست مؤسسات كثيرة بعد رحيله بناءًا على توجيهاته كإذاعة صوت العراق الحر في بغداد وهي أول إذاعة شيعية تبث في بغداد 14 ساعة يوميا باللغة العربية والإنجليزية والتركمانية ، وكقناة الأنوار الفضائية التي كان يريد أن يحققها في حياته ولكنها تحققت على يد بعض تلامذته بعد رحيله ، وكذلك جامعة أهل البيت التي لم تتحقق في حياته ولكنها رأت النور على يد جمع من تلامذته على أرض كربلاء المقدسة ، إلى جانب مؤسسات كثيرة في الولايات المتحدة وإفريقيا أسست نتيجة لتشويقاته قبل رحيله.

[z زهـٌِـرّةِ آلــيــآسٍــٌمِـيـ،ـنـِْﮯ]

　

شكرا لرقي طرحك المميز

بارك الله فيك

ولا يحرمنا من مواضيعك المبدعه

تحيااتي