قصة الأمريكي الذي أسلم على يد الإمام الشيرازي

[الشهيد الحي]

كان بعض أصدقاء الإمام الشيرازي طلاب في جامعة بغداد ، وذات يوم ذهب إلى الإمام الشيرازي جماعة منهم، وقالوا: لنا أستاذ أمريكي الجنسية ، استخدمته الحكومة الإيطالية للتدريس ، وهو رجل منصف ، يتحرى الحقيقة، ويسأل كثيراً عن الإسلام ، وهو معجب بالحياة الإسلامية.

وطلبوا من الإمام الشيرازي موعداً لمقابلته (ولكنهم كانوا غير واثقين من اقتناعه بالإسلام) فعيـّن الإمام الشيرازي لهم موعداً قريباً وقال لهم: لعل الله يوفقه للإسلام، فضحكوا استغراباً.

قال لهم السيد الشيرازي: هل إن استغرابكم لأن الإسلام غير قابل للقبول؟
أو لأنكم لا تثقون بقدرتي في بيان الإسلام؟
أو أن أستاذكم معاند لا يقبل ، وإن ظهر له الحق؟

فسكتوا ... إذ لم يكن في وسعهم أن يقولوا : إن الإسلام غير قابل للقبول! أو يواجهون السيد الشيرازي بأنه لا يقدر على الإقناع، أو يقولوا : إن أستاذهم متعصـّب معاند بعد أن وصفوه بأنه منصف!

على كلٍ فقد كانوا متحيرين ، فكيف يتسنى لهم وهم (طلابه) أن يحملوه على السفر من بغداد إلى كربلاء المقدسة وهو لا يعتقد بالزيارة ، فقال السيد الشيرازي: اعتبروها سفرة سياحية.

ولما ذهب أستاذهم إلى السيد الشيرازي (وصادف يوم عيد، وكان في المجلس حشد من المهنئين) رحـّب به السيد الشيرازي، وبعد المجاملات سأله السيد الشيرازي عن الأوضاع في أمريكا ، وأنه كيف وجد بغداد والمسلمين؟

فانتهز السيد الشيرازي فرصة إطراء وثناء الأمريكي على بغداد والمسلمين ، فقال له: إنك لم تر شيئاً عن الإسلام والمسلمين ، وإلا لكنت أكثر إعجاباً.

الأمريكي: كيف؟

قال السيد الشيرازي: مثلاً ، إن الإسلام يدفع إلى العلم دفعاً ، حتى أنه يجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة؛

وذكر له السيـّد الشيرازي فضل العلم وثوابه في الإسلام ، وأن الإسلام لم يحث على العلم الديني فقط (كما يزعم البعض) بل حث على كل علم، حتى أن العلماء قالوا بوجوب تعلم الصناعات وجوباً كفائياً.

والحديث يؤيد ذلك ، حيث لم يذكر متعلق العلم ، وكما قال أهل البلاغة: حذف المتعلق يفيد العموم، فهو عليه السلام عبـّر بــ: طلب العلم ...، ولم يعبــّر بطلب العلم الديني ، أو علم القرآن ، أو الهندسة.

ويؤيد ذلك أيضاً قول القرآن الحكيم: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} سورة الزمر آية 9
فهل يستوي من يعلم القرآن ومن لا يعلم؟ أم هل يستوي من يعلم الطب .. الهندسة.. علم الفلك.. علم الذرّة .. التأريخ .. السياسة .. ومن لا يعلم؟

فأبدى الدكتور بما قاله له السيد الشيرازي أشد الإعجاب.

فقال السيد الشيرازي للأمريكي: وأكثر من هذا ، فقد طلب رسول الله صلى الله عليه وآله من الناس أن يجوبوا أقطار الأرض، وآفاق السماء وأعماق البحار لتحصيل العلم، فقال صلى الله عليه وآله: أطلبوا العلم ولو بالصين (وسائل الشيعة- الجزء 18 – الصفحة 14) . وتعلمون أن السفر من المدينة إلى الصين آنذاك ، كم كان شاقاً؟ وكم يتطلب من الزمان؟

من جانب آخر لم يكن الإسلام في الصين ، بل كانت فيها العلوم الدنيوية ، أليس هذا من أكبر الشواهد على أن الإسلام دين العلم ، وأنه دين الحق؟ وإلا فلو كان باطلاً لحـذر من العلم ، إذ أن كل باطل يحذر من النور ويركن إلى الظلام حتى لا ينكشف أمره ..

ثم قال السيد الشيرازي: إن أول سوْر القرآن الحكيم ( على ما يذهب إليه جماعة من العلماء) هي –العلق- المفتتحة بقوله تعالى: {أقرأ باسم ربك الذي خلق ....... الذي علـّم بالقلم} ..، ففي هذه السورة ذكر الله سبحانه (القراءة ... والكتابة) وهما أساس العلم..

وأكثر من ذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس (بحار الأنوار- ج1-الصفحة 195).

فلو فسرنا الفارس كل غير عربي، لكان في الحديث إشارة إلى ارتياد البشر الفضاء، ووصولهم إلى الثريا ، ويمكن القول: إن كلام الرسول صلى الله عليه وآله إنشاء في صيغة خبر، أي اذهبوا يا أهل العالم إلى الفضاء حتى تصلوا إلى الثريا، كما يقول علماء البلاغة: إذا قلت لولدي تذهب غداً إلى المدرسة ؟ كان معنى ذلك: اذهب غداً إلى المدرسة، ولذا نحن ننتظر أن يأتي يوم ، يصل إليه البشر إلى الثريا.

وأنتم تعلمون أن بعض الروحانيين من المسيحيين رفعوا عقيرتهم بالاعتراض على الروس حينما أرسلوا أول قمر لهم إلى الفضاء، واعتبروه تدخلاً في ملكوت الله تعالى، بينما رحـّب به علماء المسلمين، واعتبروه تحقيقاً لما أخبره الرسول صلى الله عليه وآله.

ثم أن علياً عليه السلام تلميذ الرسول صلى الله عليه وآله ووصيه قال على منبر الكوفة: سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض (بحار الأنوار –ج39- الصفحة 108) ، ألا يدل ذلك على أنه عليه السلام كان يعلم ذلك ، وأنه وصل إلى ما وصل إليه البشر بعد أربعة عشر قرناً ، والحال أن الفلاسفة ، منذ خمسة آلاف سنة ، يعتقدون باستحالة صعود الإنسان إلى الأفلاك ، لأن الخرق والالتئام محالان عندهم..

وقد كانت كل كلمة من كلام السيد الشيرازي تنزل على قلب الدكتور كالصاعقة، وقد أخذ الحديث بمجامع قلب الأمريكي، وظهرت آثار الدهشة على أسارير وجهه ومختلف حركاته..

ثم أضاف السيد الشيرازي قائلاً: في القرآن آية تفسـّر بارتياد الفضاء، والغوص في أعماق البحار، والدخول في أعماق الأرض وهي قوله سبحانه: { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطن} – سورة الرحمن ، الآية 33 – وقد فـُسـّر السلطان بسلطان العلم.

على كلٍ دامت الجلسة أكثر من ساعة ، وأخيراً قال السيد الشيرازي للأمريكي: ألا تقتنع بعد ذلك بأن الإسلام دين سماوي ، وأن محمد بن عبد الله صلى اله عليه وآله نبي من عند الله تعالى؟

فأطرق الأمريكي برأسه هنيئة، فاغتنم السيد الشيرازي عدم جوابه بالسلب ، وقال له: إني أرجو أن تسلم وتزيد على مفخرتك العلمية ، مفخرة الإيمان فقد قال سبحانه: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجت} – سورة المجادلة، الآية 11 – وأنت بحمد الله مرتفع برفعة العلم، وبقي عليك أن ترتفع برفعة الإسلام والإيمان..

وبقى السيد الشيرازي يؤكد له بأن لا ضيـْر عليه من الإسلام ، فلمح على الأمريكي القلق والاضطراب، وأخذ يفكـّر كثيراً.

ثم قال: وكيف أسلم؟

السيد الشيرازي: تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وتضيف على ذلك: أشهد أن علياً وأولاده الأحد عشر أولياء الله وخلفاء الرسول صلى الله عليه وآله.

فقالها الأمريكي بلكنة مشوبة بالقلق والاندفاع (معاً) ثم طلب السيد الشيرازي من أحد أصدقائه وكان يقوم له بدور المترجم ، أن يعيـّن له ساعة في الأسبوع لتعليمه شرائع الإسلام ومزايا الدين، وهنـّئ الجميع الأمريكي على إسلامه ، ووزّعوا الحلويات بهذه المناسبة الطيبة وانفض الجميع قائلين: الحمد لله رب العالمين.




...............................................

ذكر الإمام الشيرازي هذه القصة على لسانه في كتابه (كيف ولماذا أسلموا ، الصفحات من 13 إلى 19)