العودة   منتديات أبو الفضل العباس عليه السلام > ¤©§][§©¤][ المنتديات الإداريه ][¤©§][§©¤ > أرشيف أبو الفضل العباس (ع)
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2011, 09:20 PM   رقم المشاركة : 1
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

7 قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

نرجُو مِن مُدير مُنتدَيات أبُو الفَضْل العَباس (ع)
أنْ يَسمَح لَنَّا بنشِر قِصَة يوسُف فِي مُنتداه وََعلى
أنْ يَبْقَ التفسِير مَفتـُوح بكُلِّ أجزاءِهِ دُون التَفعِيل
غرضُنا مِنهُ لِنأخُذ رابط النَشر مِنْ مُنتَداه لِغرض
تَعمِيم التَفسِير في المُنتدياتِ الشِيعِيَة,,,, وَشُكْراً



((سِيناريُو قِصَـة يُوسُـف (ع) المَعرُوضَة فِي قَـَناةِ الكَوْثـَرِ الفَضائِيَـة))

هِيَّ مِـنْ تَفاسِيرِ العَلامَة المُحَقِق الشَيخُ الحَجاري الرُمَيثِي مِـنْ العِـراق

التِي بَيَّنَ تَفسِيرُها بالإشارَةٍ صُورَةً وَبالكَلامِ تَمْثِيلاً

فَلَـوْ قارَنتِمُوها بَيْنَ تَفاسِـيرِ العُلَماءِ الأحياء مِنهُم

وَالأمْوات لَـمْ تَجِـدُوا لَهُـم قَلَـماً لاَمِـعاً يُعَـبِرُ عَنْهـا

بإخلاصِ عَميقٍّ مِثلَّما فَسَّرَها لَكُم الشَيْخُ الحَجاري

بخَمْسَةِ عَشَر جزءًا لِكُلِّ جزْءٍ يَحتَوِّي عَلى ثَلاثَةِ حَلَقاتٍ

أرْجُو بَيانُ الإشادَة مِنكُم وَالرَدُ عَليْها بَعدَ المُقارنَةِ

وَمِنَ اللهِ التَوفِيق,,









(نَحْـنُ نَقـُصُّ عَلَـيْكَ أَحْسَـنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَـيْنَا
إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)

قِصَةُ يُوسُف نَزَلَت مَكِيَةً وَآياتُها (111)

اللـَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى: يُخاطِب نَبِيَهُ الكَريم مُحَمَدٍ صَلى اللـَّهُ عَليهِ وَآلِـهِ

وَمَعناهُ إنَمّا نَحنُ نُلْقِي عَليْكَ أحسَنَ القَصَصِ بإيحائِنا إليْكَ هـذا القـُرآنُ

وَقَد كُنتَ قبْلَ نِزُولِهِ عَليْكَ فإنَكَ لاّ تَسْمَع اقتِصاصَهُ مُقارَنَةً بهذِهِ القِصَةَ

التِي لَمْ تَخْطُر بِبالِكَ, وَلَـمْ تَقرَعْ مِنْ سَمْعِكَ بِمَا أُنزِلَت فِي كتـُبِ الأوَلِينَ

فَبَلِغ بِهِا أُمَـةً جَهَلَة لاّ يَعرفُونَ شَـيْئاً مِـنْ أمُـورِ الماضِينَ, وَلاّ قِـصَصَ

الأنبياءِ مِنْ مَعاجِزٍ, وَعِبَرٍ وَعِضاتٍ, وَمّا اشْتَمَلَ عَليْها مِنْ َحِكَمٍ وَآياتٍ

بَيناتٍ وَهُم عَنها غافِلُون,,


((بَـــــيانُ القِصَـــــةَ))

شَكَلَت هذِهِ الآيَةُ الكَريمَة الافتِتاحِيَة لِسُورَةِ يُوسُف (ع) وَتناوَلَّت تَأكِيد

القـُرآن على مُعجِزَةِ الصِدِيق بـنَ يَعقـُوبَ الصَفِي التِي هِـيَّ مَظْهْرٌ مِـنْ

مَظاهِرِ ألإعجازِ وَالتَكْريم ألإلهِي فِي صِنـْعِِ العَجائِبِ وَابتِكارِ المُعجِزاتِ

المُدهِشَةِ, فتَأمَل مَعِي أيُها القارئُ الكَريم: أنَ هـذِهِ القِصَةَ كامِـلَةً كُتِبَت

بإخلاصٍ وَتَعبيرٍ بَلِيغٍ لَـمْ يَفصَح عَنها أحَـدٌ مِـنْ قَبْلِي بَعـدَ ذِكْرِها قـُرآنا

فَإنَها الفرِيدَةُ مِنْ نَوعِها لَيْسَ بأحسَنِ مَا كُتِبَت عِندَ غَيْري؟؟

وَلِلبيانِ: فَلَـوْ وَضَعتُم كُلَّ سَطْـرٍ مِنها مَعَ جَمِيع مَّـنْ فَسَرَها مِنْ فَطاحِلِ

العُلَماءِ الأوَلِينَ وَالآخَرِين أسْوَةً بِقَلَمِنَّا لَـمْ تَجِـدُوا لَهُم قَلَـماً لامِعاً يُعَـبِرُ

عَنها بإخْلاصٍ عَمِيقٍ عَـنْ مَا يُطابـِق مَـعَ مَا يُطابـِق فِي كُلِّ حَلَقـَةٍ مِـنَ

المُسَلْسَلِ الإيرانِي المَعرُوضِ عَنها تَمْثِيلاً فِي قَـَناةِ الكَوْثـَرِ الفَضائِيَة,,

وَبالرَغمِ مِنْ ذلِكَ القَطْنِ الأكْبَر نَسَخَ الإيرانِيُونَ مِنْ تَفسِيرٍِنا 75 بالمِئَةِ

تَمْثِيلاً لِلقِصَةِ وَاعتَمَدُوا عَلى النِسْبَةِ المُتَبقِيَّ مِـنَ الرِّواياتِ الإسْرائِيلِيَةِ

لأهْـلِ الكِتاب اليَهُود بأنَ يُوسُـفَ تَزَوَجَ مِـنْ امْـرَأةِ العَزيـز زُلَيْـخَةَ بَعـدَ

مَوْتِ زَوْجِها فوَجَدَها بِكْراً وَكانَ زَوْجُها عِنِيْنا؟؟

وَهذا الأثَرُ لَمْ يَثبِِت عَنْ النَبِّي صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ فإنَهُ مَأخُوذ عَنْ أهْلِ

الكِتابِ الذِينَ جَعَلُوا لِلتَوراةِ مُعجِزَةً لِزُلَيْخَةََ بأنَ اللهَ أرْجَعَها بَعدَ صَبْرِها

مِـنْ عُشْقِـها لِيُوسُـفَ إلى صِـباهـا المُزْدَهِـر بِجَمالِـها الأوَل, غـَرَضَهُم

تَزيِّيفُ القـُرآن؟؟

فلَمْ نَقِـف عَلى دَلِيلٍ يَثبت مَا ذكَـرَهُ بَعض المُفَسِرينَ بِزَواجِ يُوسُف مِـنْ

زُلَيْخَةَ اتَخَذها اللهُ زَوْجاً لِنَبِيِّهِ بَعدَ أنْ عَذَبَتهُ فِي السِجْنِ سِنِناً حَتى قالَت

(لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِـينٍ) فهـذا المَشْهَدُ التابِـع لِلروايَةِ مُختَلَقٌ مِـنَ الكِـذبِ

عَلى الأنبِياءِ,,

وَأقُول وَاعلَمُوا جَيِّداً أنَ القُرآنَ الكَريم لاّ تُغادِرُهُ صَغِيرَةً وَلاّ كَبيرَةً: لَـوْ

ثَبَـتَ ذلِك مَـعَ بَـيانِ تِلْكَ الواقِعَـةِ بإشْادَةِ الحَقِيقـَةِ وَالعِلَـةِ التِي تَرَشَحَت

مِنها المُعجِزَة بِزَواجِ يُوسُف مِـنْ زُلَيْخَةَ بَعـدَ إنْ كانَت هَرِمَـةً يَتَدارَكها

المَوْت فَلَنْ يَترُكَ اللهُ تَعالى مِنْ دُعاءِ يُوسُفَ لَها لأنزَلَ بِحَقِها آيَةً تـُثِيرُ

الناسَ الكافِرينَ إعجاباً بِرَبِّ يُوسُف حِينَمَا قامَت مِنْ ساعَتِها ذاتُ بَصَرٍ

حَدِيدٍ, وَجِسْمٌ سَلِيمٍ, وَوَجْهٌ مُضِيءٍ وَهِيَّ فِي عِزِّ صِباها بِكْراً,,

وَأقـُول: وَإنْ صَحَت تِلكَ الرِوايَةِ بِنَقلِها, وَإنْ صَدَقَت أقلامُ العُلَماءِ إنَها

مُعجِزَةٌ صَدَقوها بعِقُولِهِم لإثباتِ نبُوَةِ يُوسُفَ أمامَ قَوْمٍ سَحَرَتهُم الكَهَنَةََ

بآلِهَتِهِم؟؟

يا لِِلعَجَبِ: فَلِمّا لاّ يُنْزِل اللـَّه آيَـةً بِحَقِ زُلَيْخَةَ وَبِدُعاءِ يُوسُف لَها تَكُونُ

عِيداً لِقَوْمٍ مَظلُومِينَ مُحتَقَرينَ مِنْ جَبابِرَةٍ لِيَفْصَحُوا عَنْ ألسِنَتِهِم بِها,,

فَكَيْفَ وَالحالُ إنَ اللـَّهَ بِقـُرآنِهِ لاّ يُـغادِرَ بأصْغَرِ آيَـةٍ مِنها بِحَقِّ الشابَيْنِ

اللَّذَيْنِ دَخَـلا مَعَ يُوسُفَ السِجْنَ وَأفصَحَ عَـنْ رُؤْيَتِهِمَا هـذا لِرَبِّـهِ المَلِك

يَعصِرُ خَمْرا, وَذاكَ يُصْلَبُ وَتَأكُلُ الطَيْرُ مِـنْ رَأسِـهِ لآمَنَ الكَثـِير بِقَوْلـِِهِ

المُشْرِكُونَ, وَأخرَجَهُم يُوسُف مَعَهُ مِنَ السِجْنِ وَاتَخَـذَ مِنهُم وَزراءً لَـهُ

عَلى بِلاطِ المَلِك,,

فَثَبَـتَ لَنـَّا أنْ مُعجِـزَةَ زُلَيْخَـةَ لاّ دَلِـيلَ لَها إذا مّا لَـمْ يَذكِرُها اللـَّه بَثَلاثـَةٍ

عَـذراءٌ بَعـدَ النِكاحِ, وَصِبْوَةٌ بَعـدَ الكِبـَرِ, وَبَصِيرَةٌ بَعـدَ ألعُمِي كَمّا ذَكَـرَ

بأقََـَلٍ مِنها بمُحتَلِمَيْنِ جَعَلَهُمَا برْهاناً لِلناسِ: وَقال (وَدَخَلَ مَعَـهُ السِّجْنَ

فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ

فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ)

فأنَّا لاّ أُريدُ التَفاخِر عَلى غَيْري مِنَ العُلَماءِ كَوْن القِصَةَ أُخِذَت بِحَلَقاتٍ

مِنْ قَلَمِي تِلْفازاً لِتَرفَع مِـنْ مُسْتَوى قََدري, فأنـَّا أكْبَـرُ مِـنْ ذلِك لاّ أُريـدُ

التَزكِيَةً بِـها: لأنَ تَـوْفِيقِي أقـْوى جَعَلَـهُ اللـَّه برهانـاً عَلى غَـيْري دُونَ

التَزكِيَةِ مِنْ أحَدٍ, بَلْ أنا أُريدُ أنْ أمْـدَحَ بِها قَلَمِي الذِي أظْهَرَ الحَقُّ مِمَا

اختَلَفَ الناسُ فِيهِ وَهُـوَ أفصَحُ لـُغَةٍ وَأظْهَرُ بَيانٍ فِي كُـلِّ زَمانٍ وَمَكانٍ

كَمَّا مَـدَحَ اللَّهُ هـذِهِ القِصَةَ التِي أنزَلَها عَلى عَبـْدِهِ مُحَمَدٍ بِلِسانٍ عَرَبيٍّ

فَصِيحٍ بَـيْنَ وَاضِحٍ وَمُتَبَصِرٍ, جَلِيِّ وَمُنِـيِرٍ يَفهَمُهُ كُلَّ عاقِـلٍ ذَكِيِّ زَكِـيِّ

وِمِنْ هذا لَمْ أترُك حَرفاً مِنَ القُرآنِ الكَريم إلاّ وَأعطَيْتُهُ حَقاً بتَفسِيرِهِ إنْ

أدركْتِمُوهُ عَنْ كَتَبٍ,, وَاللهُ بِمّا أكْتِبُ لِلناسِ رَقِيب,,



((تَعريفُ القِصَة))

إنَ قِصَـةََ يُوسُفُ وَإخوانـُهُ قِصَـةٌ شَجيَةٌ مُؤلِمَةٌ قَـَدْ تُـُعطِينا دَرساً بلِيـغاً

لأنَها لَيْسَتُ قِصَة فِي القـُرآنِِ الكَريم فِيمَا تَدِلُ مِنْ بَعـضِ القًَصَصِ, بَـلْ

إنَها تَشْمِلُ قوْلٍ وَأسْلُوبٍ حَكِيمٍ وَامتِحانٍ عَجيبٍ, فأشارَ اللهُ عَنْها لِيَدُلَنا

عَلى الخُلِِقِ العَظِيم بِدَعوَةِ يُوسُف الصِديق إلى الإيمانِ الصَحِيح لِيَسْلُكَ

الناسُ مِنْ طـُرقِِ التَعلِيمِ وَنبْراسَهُم فِيمَا يَصْطنِعُونَ مِنْ وَسائِلِِ ألإرشادِ

وَالآداب,,

فتَعريفُ قِصَة يُوسُف فِي القـُرآنِ أحسَنُ مَا فِي التَوراةِ وَالإنجيلِ, فِيها

العِبَرُ وَالحِكَـمُ وَالعَجائِبُ وَاللَطائِفُ والمَواعِظ وَالإرشاد,, قِصَةُ يُوسُف

وَإخوانُهُ نزَلَت آياتٌ لِلسائِلِينَ ذُكِرَ فِيها ألأنبياءُ وَالمُرسَلِينَ وَالصالِحِينَ

وَالصِديقِـينَ وَالمَلائِكَـةُ وَالشياطِـينَ وَالجِّـن وَالإنـْس,, وَكَمَا ذُكِـرَ فِيها

ألأنـْعامُ وَالطَــيْرُ وَالرَخـاءُ وَالجَـدْب وَالقـَتلُ وَالمَغفِـرَةُ وَسَــيْرُ المِلـُوكِ

وَالعَبِيــدُ وَالعُلَـماءُ وَالكَهَنَــةُ المُنَجِمُـونَ وَالأربـابُ وَالنـُبَلاءُ وَالعُـقلاءُ

وَالجُهَلاءُ وَالفـُقراءُ وَحـال الرِجالِ وَمَـكْرُ النِـساءِ,, وَذُكِـرَ فِيـها العِفـَةُ

وَالتَوحِيـدُ وَعالَـمُ السَّـيْرِ وَتَعبيـرُ الرُؤْيــا وَالمُعاشَرَةُ وَتَدبــِيرُ المَـعاشِ

وَالمُـساواةُ وَآدابُ السِياسَـةِ وَقانـُون الطَبيعَةِ السَـوداءِ عَـمَّا كـانَ مِـنْ

يُوسُفَ مِنْ تَدَرِعِ الصَبْرِ عَلى أذى النِساءِ وَأخوَتِهِ وَعَفوّهِ عَنهُم, وَذُكِرَ

فِيها الذِئبِ عَن كَلامِ يَعقُوب, وَبكاءُ الأخْوَة عَلى الكِذبِ, وَمَحَبَةُ الإبعادِ

وَكُرْه الأقارِب, وَإيحاءُ الوَحِي عَلى الطِفـُولَةِ, وَشِـراءُ العَزيز لِيُوسُفَ

بِمَا يَمْلِِك,,

وَمِنْ هـذا سُمِيَّت أحسَنُ القصَصِ, قِـصَةُ يُوسُف الصِديقُ بِكَسْرِ الصَادِ

لأنَ الصِديـقَ مُبالَغةٌ مِـنَ الصِّـدقِ,, وَالصِديقُ أبْلَـغُ مِـنَ الصادِقِ الذِي

يَصْدِقُ بِقَوْلِهِ وَأعلى دَرَجَـةً مِـنهُ كَمّا يُقال فاطِمَةُ الصِدِيقَة,, فالصِديقُ

مَنْ كانَ صادِقاً بِفِعلِهِ وَقولِهِ وَأفكارهِ لأنَ كُلَّ حَياتِهِ تـُبْنى بِصِدقٍ,, فإذا

كانَ ألإنسانُ صادِقاً بقوْلِهِ وَلمْ يَكُنْ صادِقاً بفِعلِهِ لاّ يُسَمى صِدِيقاً, لأنَهُ

بالفِعلِ كَذَب, فلابُـدَ لِلفِعلِ أنْ يُطابقَ العَقِيدَةُ, فالعَقِيدَةُ إذا كانَت صادِقةٌ

وَالعَملُ إنـَهُ عَمَلٌ شَيْطانِي هُنا وَقَعَ التَناقض وَصارَ كِـذبٌ عَمَلِي فَلابُـدَ

أنْ يكُونَ توافِـقٌ وَتَـواطأ بَيـْنَ القلبِ وَالعَمَـلِ وَهـذا ما يَحصَل بالعِبادَةِ

الكَثِيرةِ إذا كانََ العَبدُ فِي أشَـدِ وَطْئاً وَأقومُ قِيلا: يَعنِي أشَدُ تَوافقاً بَيْنَ

اللِّسانِ وَالقلبِ وَإلاّ لَمْ يَكُنْ مَعصُوماً,,

فيُوسُفُ الصِديقُ المَعصُوم بـنَ يَعقوبَ الصَفِي بنَ إسْحاقَ بـنَ إبْراهِيمَ

الخَلِيل, فهذِهِ هِيَّ عصْمَةُ الأنـْبياءِ وَالأوَلياءِ الأئِمَـةِ سَـلامُ اللـَّهِ عَليهِم

((تاريخُ القِصَة))

كانَ يُوسُـفُ الصِدِيقُ غـُلاماً صَغـِيراً يافِـعاً يَبلْغُ مِنَ العُمْـرِِ تسْعِ سِنينٍ

وَفِي ذاتِ يَومٍ كانَ نائِـمٌ في حِجْرِ أبيِهِ يَعقوب سَلامُ اللهِ عَليهِ فأسْتَيقظََ

مِنْ نوْمِهِ وَهُـوَ مَشرُوح الصَدر, مَصْقولُ الذِهْنِ, مُطْلَقُ النَفس بالأمَلِ

وَقَـَد أُفسِحَت أمامَهُ رُقعَـة البُشْرى حِيـنَ رَأى تَعزيـزاً مِـنْ رُؤيتِهِ التِي

أوْصَلَتهُ فِي نفسِهِ مِنْ مَخايِّلِ الرَجاءِ فِيمَا رَأى نَفسهُ إنَهُ السَيِّد المُطاع

ذا الشَرَف وَالسُلْطان بِعَظِيمِ القَدر: قالَ يا أبَتِ إنِي رَأيْتُ فِي المَنامِ كَأنَ

السَماءَ فَتَحَت أبْوابَها, وَأشْرَقت مِنها نُوراً فاسْتَنارَت النِجُوم وَأشْرَقََت

الرَوابِّي وَالجِبال, وَزَخَـرَت البِـِحار وَعَلَّـت أمْواجَها, وَسَبَحَت الحِيتانُ

بأنْواعِِ اللُغاتِ, وَانتَشَرَ الطَيْـرُ صافات بِأجنَحَتِهُنَ يَحجُبْنَ السَماء ظـُلَةً

لِي, وَمِنْ ثـُمَ ألبَسْتُ رِداءاً أشْرَقت ألأرض مِـنْ نـُورهِ, وَرَأيْتُ مَفاتِيح

خَزائِن ألأرض أُلقِِيَت بيَدِي وَرَأيتَكُم كَمَجْرى الكَواكِبِ وَالشَمْس وَالقَمَر

أَجْرَيْتـُم حَوْلِي فَرحِـينَ كَمَجْـرى العُقـَلاءِ فِي ضَمِـيرِ الوَصْـفِ كَوَصْـفِ

الخاضِعِينَ المُؤمِنِينَ الساجِدينَ,,

فقـَرَّت عَـيْن يَعقُوب حِـينَ سَمَـعَ حِلْـمُ يُوسُـف,, فَجاءَت الآيَـةُ ألكَريمَة

مُصَدقةٌّ برُؤْيَتِهِ عَلى لِسانِِ عَذِبٍ وَمِنْ قوْلِهِ تَعالى (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ

يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)

مُقدَمَةُ التَفسِير: أنَ رُُؤيَةَ يُوسُف كَالرُؤْيَةٍ فِي الحَظَرِ وَرَدَت عَلى ثلاثةِ

أسْماءٍ الشَمْسُ وَالقمَرُ وَالكَواكِبُ, فإمَا الشَمْسُ فهِيَّ أمُ يُوسُف أسْمُها

راحِـيل, وَأمَا القمَرُ هُوَ نبِّيُ اللـَّهَ يَعقوب الصَفِي, وَأمَا الكَواكِبُ إخْـوَةَ

يُوسُف ألأحَـدَ عَشَرَ بنيامِينَ مِـنْ أمِـهِ وَأبيهِ وَعشرَةٌ مِنْ أبيه: أكْبَرَهُم

يَهُوذا ثـُمَ لاوِّي وَشَمْعُون وَروبين وَزوبلُون, وَياساكِر وَدان, وَنَفتالِي

وَجاد, وَعُشَير,,

فإنَ الكَواكِبَ أحـْياءٌ نَواطِقٌ فَيَجُوز أنْ يُعَبِرَ اللـَّهُ عَنها بِكِنايَِةِ مَنْ يَعقَل

فَجَعَلَ اللهُ سِجُودَها كِنايَةً لِمَنْ يَعقَل مِنْ أوْلادِ يَعقُوب بالسِجُودِ لِيُوسُفَ

وَهُوَ لُغَةُ الخُضُوعِ وَالتَذَلُلِ لِلَّهِ بِحَضْرَةِ يُوسُف دُونَ الركُوعِ,,

فأمّا الشَمْسُ وَالقَمَـرُ سجُودهُمَا كِنايَتان لِلعاقِلَيْنِ راحِيل وَيَعقُوب وَهُمّا

سُلْطانَيْنِ عَلى مُـلْكِ العَـرْشِ مِـنْ يُوسُفَ كَمَّا أشارَ اللـَّهُ عَنهُمَا (وَرَفـَعَ

أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)

تَعقِـيب// رُؤْيَـةُ يُوسُف فِـي مَوْقعَيْنِ: ألأوَلُ فِـي بـلادِ الشامِ قـُرْبَ بَـيْتِ

المَقدِس,, وَالثانِي بمِصْرَ تَحَققَت بَعـدَ أثنَتَـي وَثلاثِينَ عامـاً مِـنْ غـَيْبَةِ

يُوسُف عَنْ أبيهِ,,

وَبَعدَ ألإطِلاعِ عَلى جُمْلَةٍ مِنَ التَفاسِيرِ الضَعِيفَةِ وَرَدَ فِيها أنَ أمَ يُوسُف

مَيِّتَة بَعدَمَا جَمَعَ يَعقـُوب بـََيْنَ الأِختَيْنِ
بالزَواجِهِمَّا؟؟ وَأقُول لَقـَد أخْـطأَ

المُفَسِرُونَ؟ وَدَلِيلُنا: كانَ لِيَعقُوب ثَلاثَةُ أزْواجٍ, فَلَمْ يَجمَعَ بَيْنَ الأختَيْن

بالزَواجِ,, فأنجَبْنَ الثَلاثَة الأوْلاد العَشْرَة السِتَةُ الأوَلُونَ كانُوا مِنْ (لِيا)

بِنْتُ خالَةِ يَعقوب, وَالأربَعَةُ الآخَرُونَ مِـنْ (زُلْـفَةَ, وَبُلْهَةَ) فلَّمَا تـُوفِيَت

(لِـيا) تَزَوَجَ أختَها (راحِيل) فَأنجَبَت لَـهُ يُوسُف وَبنيامِينَ, وَبَقِيْت عَلى

قَيْدِ الحَياةِ حَتى رَأت يُوسُفَ بِمِصْرَ كَمّا جـاءَ ذكْرُها مِنَ ألآيَـةِ (100)

مِنَ السُورَةِ نَفسَها تَعَقِباً لِلقِصَةِ التِي جَـرى عَليْها نَيْفٌ وَثَلاثونَ عامـاً

عَلى فِقـْدانِ يُوسُف وَجَدُوهُ أخوَتَهُ بمِصْرَ, فأرَسَلَ

يُوسُفُ عَلى أبوَيهِ أمْهِ وَأبيه كَمَا وَرَدَ ذلِكَ بِشَأنِهِما قُرآناً (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ

عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً)

وَنَقول: ليْسَ خالَتَهُ التِي بمَثابةِ أمِـهِ,, فَرَفعَ يُوسُف أبَوَيهِ مَنزلَةً عالِيَةً

في مَكانِ العَرشِ بِمِصْرَ: وَالعَرْشُ فِي مَكانِ الآيَةِ هُوَ سَّقفُ البَيُتِ الذِي

يُسْتَظَلُّ تَحتَهُ يُسَمى عَريشاً مُستَأنَفاً كَصِفَةِ عَرشِ اللهِ أرادَ بـهِ عُرُوشَ

مُلْكِهِ وَهَوَ واحِدٌ فأسْتَوى عَليهِ وَمَنَحَ مِنهُ لِيُوسُفَ بِمِصْرَ لِلنبُوَةِ,,

وَكانَ فِي قلْبِ يَعقوب بَصِيرَةً تُحَدِثُهٌ فِي نَفسِهِ حِينَ سَمَعَ رُؤيَةَ يُوسُف

فَفَرِحَ وَأيْقَنَ بأنَ يُوسُفَ سَيَتَوَلى اللـَّه أمْـرُهُ وَيَرفَع شَانُهُ وَيَسْنِدُهُ عَلى

كُرسِيِّ المُلْكِ وَعَرشِ عِـزَةِ النِبُوَةِ، ويُفَضِلـُهُ مِن بَـيْنَ آلِ كَنعانِ بَمَزيـدٍ

مِنْ الكَرامَةِ السَماوِّيَةِ فَبَيَّنَ يَعقُوب شَفَقَتَهُ مِنْ يُوسُفَ, وَأكَدَ النَهِي مِنْ

إظهارِ الحَسَدِ عَليهِ مِنْ مَكْـرِ أخوَتِهِ وَهُـم عُصْبَةٌ لَيْسَ فِيهُم الهَشِيم إنْ

سَمَعُوا الرُؤْيَةََ انقَلَبُـوا بِمّا يَحدِثُ مِنهُم عَليهِ: وَقالَ (يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ

رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِـكَ) بدَلِيـل بلـُوغِ حَسَدِهِم عَلَيْك, وَظِهُـورِ حِقدِهِـم لَـكَ

وَتَعبيرِ بُغضِهِم مِنكَ فَلاّ تُفشِيَّ لَهُم بِتَأوِّلِ رُؤْيَتِكَ فإنَها تُثِيرُ فِي نفوسِهِم

الحَسَد عَليْك, فيُـزَيْن لَهُـم الشَيْطانُ الحِيَّلَ ضِـدَكَ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ

عَـدُوٌّ مُبِينٌ) لَقـَد تَفرَّسَ فِيهُم قلْـبَ يَعقُوب فقالَ: لِيُوسُفَ يَحتالُونَ بـِكَ

لِكَيْـدِ الِشَيْطان, وَيَمْكِرُونَ لِحَسَدِهِم عَلَيْك بِـهِ, وَتعَريضَهُم لِهَلاكِكَ مِـنهُ

وَالتآمِـرُ فِـي قََـَتلِكَ بِفِعلِـهِ فَهُـم جَهَلَـةٌ (فَيَكِيدُوا لَـكَ كَـيْداً) لِصِلَـةِ قَـَوْلِكَ

بإفشاءِ النبُوَّةِ فإنَ كُلَّ ذِي نِعمَةٍ مَحسُودٍ, فاكْتـُم سِّـرَ النُبُوَةِ فِي صَدرِكَ

لِيَصْطَفِيكَ رَبّكَ نَـبِياً لِقـَوْمٍ مُشْركِينَ غَلَـبَ عَلى أمْرِهِم الكَهَنَة وَالأرباب

(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّـكَ) بِحُسْـنِ الخَلْـقِّ وَالخُلِـقِ, وَتَـرْكِ الاِنتِقامِ بالعَفـوِّ

(وَيُعَلِّمُكَ مِـنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) بتَفسِيرِ الرُؤْيـا وَهِيَّ جِـزْءٌ مِـنْ أربَعِينَ

جِزءاً مِنَ النبُوَّةِ بِتَأوِّيلِ أحادِيثِ الناس فِيمَا يَرُونَهُ فِي مَنامِهم مَعَ بَيانِ

تَأوِّيلِ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ, مِعَ السِياسَةِ بَيْنَ قََوْمٍ لاّ تَعرِفَهُم مِنْ لُغاتِهِم, وَمَا

تَـؤُول إليْـها مَـعَ عَواقِـبِ الأِمُـورِ السَماوِّيَـةِ الخَفِيَـةِ التِي لاّ تَعلَمُها إلاّ

بِوَحِيِّ النبُوَّةِ (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنِبُوَّةِ, وَتَصْدِيقِ الرُؤْيا التِي رَأيْتَها

فِي نِفسِكَ وَرُسُمَّت فِي عَينِكَ وَلِيُعَظِمَ قََـَدرِكَ, وَيَرفَع مِـنْ شَأنِكَ وَيَنْشِـر

مِنْ ذِكْرِكَ كَمّا أتَمَ نِعمَتَهُ عَلى آَلِ يَعْقُوبَ وَعَلى (أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ

وَإِسْحَاقَ) بِنِعمَتِهِ التِي أنزَلَها عَلى والِـدِ جَدِّكَ إبْراهِيمُ فأنْجَتهُ مِنَ النارِ

وَعَمُكَ إسْماعِيلَ أنْجَتهُ مِـنَ الذَبْحِ فَفـَداهُ بكَبْـشٍ عَظِـيمٍ (إِنَّ رَبَّـكَ عَلِيـمٌ

حَكِيمٌ) لاَيُخْطِأُ مّا يَخْتارُ مِنْ عِبادِهِ لِيُعَلِمُهُ إنَ رَبُّكَ أهْلٌ لِلإصْطفاءِ لاَ يَتِمُ

نِعمَتَهُ إلاّ لِمَنْ يَسِتِحِقـُها مِنْ عِـبادِهِ المُخْلَصِينَ,, فأنتَ أشْـرَفُ أخوَتِـكَ

وَأجَلَهُم شَأناً وَأعظَمَهُم قَـَدراً فاخْتارَكَ اللهُ مَا بَـيْنَ الأسْباطِ لِلنبُوَّةِ وَمِنْ

بَيْنِ آلِ يَعقـُوب لِلرِسالَةِ, فَكُلُّنا نَسْجُد وَنَخْضَع لَكَ بِمّا كَرَمَكَ اللهُ بمَّنِه,,

إنْزِل تَحت وَتابِع الجُزء الثانِي






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:28 PM   رقم المشاركة : 2
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

(الجِزءُ الثانِي فِي قِصَةِ يُوسُف)



((أولادُ يَعقُوبَ يَأخِذُونَ يُوسُف مِن أبيهِ إلى المَرعِى لِيَقتِلُوه))

لاَشَكَ أنَ يُوسُفَ كانَ عَزيزاً عِـندَ أبيـهِ يَعقُوب, وَهُوَ غُلامٌ يافِعٌ وَضئُ

الطلعَةِ مَلِيحُ الهيئَةِ, فلَّمَا جاءَت رُؤْيَتَهُ أزدادَ حُـبَّ أبيهِ إليـهِ مُضاعَفَةّ

فظَّنَ أخْوَتـهُ مِـنْ أبيـهِ بأنَ أباهُـم أحَّـبُ لِيُوسُفَ مِنْهُم, فحَسَدُوهُ فلَعَـبَ

بقلُوبِهِم الشَيْطان وَبالَ فِي أفواهِهِم وَقالُوا: وَمّا الذِي يُقصِر مِنْ شأنِنا

إتِجاهِ أبيْنا, أَلَسْنَّا أكْبَـرُوا مِـنْ يُوسُفَ وَأشَـدُ قـُوَةً وَعَزماً وَأكْثـَر حِنكَةً

وَتَجاربَ هَذِيَـةً, فإنَ مَحَبَتَهُ مِنْ يُوسُفَ قـَدْ نبَتَت فِي قلبْـهِ كَمّا نَبَتَ فِي

الراحَتَينِ ألأصابعِ,, فَبَيَتـُوا أمْرِهِم عَلى قـَتلِ أخِيهِم سِـراً حَتى ( قَالـُوا

لَيُوسُفُ وَأَخُـوهُ) بِنيامِينَ إنَكُـمّا (أَحَـبُّ إِلَى أَبـِينَا مِـنَّا) مَعَـزَةً, فَاخْتَلـُوا

بيُوسُفَ: وَقالُوا بَحَقِ جَدِّنا إبْراهِيمَ عَليْكَ إلاّ وَقصَصْتَ عَلَيْنا مَا رَأيْت؟

قالَ إنْ أخبَرْتكُم خالَفتُ والدِي, وَإنْ قِلْـتُ لَـمْ أرَ فِي المَنامِِ شَـيْئاً كَـذبْت

وَلاَ يُلِيقُ الكِذبَ بنَبِيِّ مَوعُودٍ فَكَشَفُوا مِنهُ البَينَةَ بأنَ حُبَّ أباهُم لَهُ لَيْسَ

عَلى قِياسِ الوَلَدِ فَحَسْب وَإنَمَا عَلى قِياسِ وَجْهِ النِبُوَةِ لَهُ,,

وَقالُوا أليْسَ (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) بالعَدَدِ وَأكْثـَرُ تَجْربَةً مِنْ يُوسُفَ وَأخِيهِ,,

وَقالَ قائِلٌ مِنهُم نَحنُ ما دُمْنا نَرى يُوسُف بَينَنا سَيظَّل بَيْنَ قَلْبِ يَعقوب

وَشَغافِهِ أكثَرُ حُباًً عَليْنا, وَقالَ آخَـرٌ إنَنا لاّ نَرى لِهذا الدَاءِ دَواءً لِيُطفئَ

وَقـَدَّ قلُوبِنا إلاّ بِقـَتلِ يُوسُف لِنَظْفرَ عِندَ أبِيْنا مَفازَةً مِـنْ بَعـدِهِ, وَنَضْمِرُ

التَوْبَةَ بَعدَ سِنِينٍ, ثُمَ قالُوا ألَيْسَ (أَبَانَـا) فِي حُبِّـهِ لِيُوسُف (لَفِي ضَلالٍ

مُبِينٍ)

عَجَبـاً// فَـَإنَ القلـُوبَ مَهْمّا تَكُـنْ صافِيَـةً لاّ يُؤمِـنُ عَلـى الدَّهْـرِِ كَـدَرُها

وَالنفُوسُ وَإنْ كانَت صافِيَةٌ نَقيَةٌ قِـلًّ أنْ يَبْقى عَلى ألأيامِ نَقاؤُها,, فَهُم

أوْلادُ أنبياءٍ فمَنْ ذا الذِي مِنهُم تَجِدَهُ يَتَغَـير مِنْ قلْبهِ وَيَجْعَل فِيهِ رَوْنَقٌ

مِنْ صَفوِّ مَوَدَّتِه فَدَفَعَهُم الحَسَد وَتَجَمَعَ لَفِيفَهُم عَلى قِداحِ الرَّأي الواحِد

وَقالـُوا (أقتلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) فلَّمَا تَمالَئُوا وَتَوافَقَ غَدرِهِم

عَلى قََتلِهِ قالَ كَبيرَهُم يَهُوذا وَكانَ أشَدَهُم رَأياً وَحَزْماً, وَأرجَحَهُم عَقلاً

وَحُلُماً, أليْسَ نَحنُ أبـْناءَ يَعقوب التَقِيُ الصَفِي الذِي اصْطفاهُ الله لِدِينِهِ

وَأوْحى إليهِ فِي بَيتِهِ أوْلَيسَ نَحنُ جَدُنا إبْراهِيمُ أبُو الأنبياءِ وَالمُرسَلِينَ

أمَّا لَنا عَقلٌ وَدِينٌ فَكَيْفَ عَزَمْتُم عَلى قَتلِ أخِيكُم وَاللهُ يَأبى القَتل, وَلَقـَد

زَعَمْتُم بَعدَ قَتلِهِ (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ)

عَـمَّا تـُرِيدُونَ الخِلَّةَ بِحُـبِّ أبيكُم الصَداقََةَ بالمَوَدَةِ المُختَصَةِ التِي لَيْـسَ

فِيها خَلَلٌ لِتَكُون فِي عَـفافِ الحُـبِّ وَدَعارتِهِ أنْ يَخْلـُوَ لَكُـم وَجْـهُ أبِيـكُم

بالمَحَبَةِ التِي تَخَلَّلَتْ القلْب ( لاَ ) فإنَكُم لَفِي ضَّلالِ مُبينٍ بِضَمِيرِ الخِلَّـةِ

المَقصُورَةِ بحُبِّ أبيكُم إلَيْكُم مِـنْ بَعـدِ قـَتلِ يُوسُف لَيْسَ فِيها لِحُبِّ اللـَّهِ

مُتَّسَعٌ فِي قلُوبِكُم, فَرَمُوا عَـنْ قَوْسِ كَلامِهِ فَلَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ أحدٌ فَخاطَرُهُ

وَجَرُوهُ لِيُوْقِعَ مَعَهُم الجُرْمَ بِقَتلِِ يُوسُف,,

فَلَوْ أنَهُم يَدرِكُونَ بِمَا قدَرُوه, وَلكِن الأقدارُ تَضْحَكُ عَليهِم بِحَياةِ يُوسُف

التِي لَمْ تَكُن لِلدُنيا حَياةَ حُبٍ وَاسْتِهتارٍ, وَلاّ عرُفَ عَنهُ إنَـهُ كانَ صَريعُ

الغَوانِي,, بَـلْ كانَت حَياتَهُ حَياةَ الشَرَفِ وَالكَرامَةِ وَالعِفَةِ وَالتَرفعِ عَـنْ

الدَّنايا قبْلَ نبُوِّتِـهِ وَبَعدَها, وَمّا عَرفَـَت الدُنيا أطْهَـرُ ذيْـلآً مِـنهُ فِي بَنـِّي

كَنعان, فمِنْ غَـيرِ المُعقولِ وَالحال كَذلكَ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللـَّهُ وَاللـَّهُ

خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فَمُكْرُ اللـَّه هُـوَ إِيقاعُ بَلائِهِ بأَعدائِهِ دُونَ أَوْليائِهِ,,

فَلَمَا شاهَـدُوا يُوسُـف جالِـسٌ قـُرْبَ جَـدوَلٍ, فَأخَذُوهُ بِمَكْرِهِم يَتَلاعَبُونَ

وَيَتَناضَلُونَ بَيْنَ يَدَيْـهِ, فلَمَا رَآهُـم اشْتاقَ أنْ يَتَناضَلَ مَعَهُم وَيَلْعَب كَمَا

يَلْعَبُون فأقبْلَ وَقالَ يا أخْوتاه راعَ فِي نَفسِي أنْ ألْعَبَ مَعَكُم قالُوا مَرحَباً

بـِكَ يا يُوسُف, وَقالَ لَـهُ لاَوي: إنَـكَ لَـوْ رَأيْتَـنَّا كَيْفَ نَلْعَـب فِي مَراعِيْنا

وَالطَـيْرُ الأغنامُ مِـن حَوْلِـنَّا لَتَمَنَيْتَ أنْ تَكُونَ مَعنَّا, فَشَوَقُوهُ عَلى اللَّعِبِ

مَعَهُم, وَقالَ لَهُم يُوسُف يا أخَوَتِي انْطَلِقُوا إلى أبى فاسْألُوهُ أنْ يُرْسِلَنِي

مَعَكُم أتَدرَبُ عَمَا كُنتُم تَعمَلُون,,

فاجْتَمَعُوا أخوَتهُ العَشْرَةَ وَتَشاوَرُوا عَلى قتلِهِ وَمّا بَيَتُوا إلاّ حِقداً وَكُرْهاً

عَلى هـذا العَـزْم وَجاءُوا إلى أبيهِـم كَيْـداً يََمْكِـرُونَ وَالهَـوى يَلْعَـبُ فِـي

قلـُوبِهِم, وَيُزيِّنَ لَهُم مَا يَصْطَنِعُونَ,فاصَفُّوا بَيْنَ جَوانِحِ يَعقُوبَ بِصَفَيْنِ

قالَ يا بَنِيَّ مَا حاجَتَكُم؟ فذَكَرُوا لَهُ ما حَكِيَّ يُوسُف عَنهُم بقَوْلِه,,

فَتَلامَزُوا بِينَهُم بإشارَةٍ: وَقالـُوا يا أبانَّا (أَرْسِلْهُ مَعَـنَا غَـداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ

وَإِنَّـا لَـهُ لَحَافِظـُونَ) فَهُناكَ مَا يَنْبـِتُ مِـنَ الكَـلأِ مَـا تَرْتَـعُ فِيـهِ مَواشِيَّـنا

وَالرَّتَعُ فِـي الخِصْبِ مُتَسِعٌ مِنَ الخَيِّراتِ لَعَلَـهُ يَتَعَلَم مِنها يُوسُـفُ مِثلَمَا

نَحنُ فِيهِ مِنْ عَمَلِنَّا,,

أرادُوا بِكَيدِهِم أخْـذ يُوسُـف مِـنْ أبيِـهِ يُريـدُونَ حُسْـنَ رِعايتِـهِ لِلرَّعيَّـةٍ

يَدَعُونَهُ حَتى يَشْبَع فِي المَرْتَعِ وَيَلْعَـب مَعَهُم,, وَلكِنَ أباهُم كانَ يَعـْرفُ

كَيْدَهُم بِمّا يُردُونَ إدْخالَ الهَّم وَالغَيْظِ بِيُوسُفَ, فهُم لاّعِبِينَ مَعَهُ أيامـاً

لِسَّرِقتِهِ مِنهُ فِي قَتلِهِ,,

فَقالَ لَهُم: وَيحَكُم إنْ أخَذتِمُوه مِنِي يُبْعَثُ هَمِي, وَيُثِيرُ أحزانِي أنْ أراهُ

بَعِيداً عَنِي فَلاّ يُؤْمِنَنِي أنْ أرسِلُهُ مَعَكُم,,

(قَالـُوا يَا أَبَانَـا) لاَ أَتـَأسَ بِـنّا بِظَنِكَ ألَيْـسَ نَحنُ أوْلادُكَ العَشْـرَةَ وَأوْلادُ

إسْحاقَ وَإبْراهِيمَ الخَلِيل, لاَ تُفَرِدهُ عَنّا إنَـهُ أخانَا الصَغِير فَلِّمَ (لا تَأْمَـنَّا

عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) فَعـَبَرُوا بألسِنِتِهِم الماكِرَة يا أبانا نَحنُ

أبناؤُكَ الناصِحُونَ المُطِعُونَ لَكَ يَِظُُلَّنا عَطفِكَ وَحَنانِكَ وَتَنتَظِمُنَّا رَعايَتُكَ

لِنَكُونَ لأخِينا يُوسُفَ لَناصِحُونَ وَاللهُ عَلى مّا نَقُول شَهِيد,,

بَـلْ: إنهُم خادِعُونَ أَنفُسَهُم مِمّا بَيَتـُوا لَهُ القَتلَ, فإنَّ الدِّينَ النَصِيحَةُ للهِ

تَعالى وَلِرسُولِهِ وَلِكِتابِـهِ وَلأئِمَـةِ المُسْلمِينَ وَعامَّتِهِم, والنَصِيحَةُ كَلِمَةٌ

طَيبَةٌ يُعَـبَِر بِها عَـن جُمْلةٍ هِيَّ إرادةُ الخَـيْر للمَنْصُوحِ لَهُ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ

أنْ يُعَبَّرَ هـذا المَعنى بكَلِمَةٍ واحِدِةٍ تَجْمَعُ مَعناهُ غَيرُها,, وَأصْلُ النُّصْح

الخلُوص بِصِحَّةِ الإعتِقادِ فِي وَحْدانِيَةِ اللـَّهِ تَعالى, وَإخلاص النِيَّـةِ فِي

عِبادتِـهِ,, والنَصِيحَةُ لِكِـتابِ اللَّـهِ هُـوَ التصْدِيـقُ بـهِ, وَالعَمَـلُ بِمّا فِيـهِ

ونَصِيحَةُ الرُسُول التَصْدِيق بنبُوَّتِهِ وَرسالَتِهِ وَالانْقيادُ لِمّا أُمِرَ بهِ وَنَهى

عَنهُ, وَنَصِيحَةُ الأئِمةِ وَالأوْصياءِ أن يُطِيْعَهُم الناس فِي الحَّقِّ وَلاّ يَرى

الخُرُوجَ عَليْهِم أحَدٌ, وَنَِصِيحَةُ عامَّةَ المُسْلِمِينَ إرشادُهُم إلى مَصالِحِهِم

قالَ أباهُم: أِذهَبُوا عَنِي سَوَفَ أختَصُ بِيُوسُف بأمْرِكُم هـذا إذا قَبِلَ غَداً

أرسِلُهُ مَعَكُم, فَانْصَرفُوا عَنهُ وَهُم فَرحِينَ يَتَعابَرُونَ عَـنْ خِطَـةِ قَتلِـهِ,,

فكانَ فِي قلْبِ يَعقُوب التَقِي بَصِيرَةٌ فِي نَفسِهِ, أمْ كَأنهُ مُسْتَسْلِمٌ لَهُم, أوْ

راكِبٌ مَتنَ ألأغتِرابِ لِغَدرِهِم, بَلْ: إنَـهُ لَمَسَ مِنهُم مَكانَ ألإحساس مِنْ

قلْبهِ فأخَذتهُ عَبْـرَةُ ألأسى, وَنالَّتهُ حِرقََـَةٌ مِـنَ النَـدَمِ عَلى يُوسُفَ كَيْـفَ

يُرسِلُهُ مَعَهُم,,

فَنامَ يَعقوب تِلْكَ اللّيْلةِ وَمِنْ شِدَةِ الهََّوْلِ وَالفَزع الذِي أصابَهُ, فَرأى فِي

مَنامِهِ كَأنَ يُوسُفَ اشْتَّدَ عَلَيْهِ عَشْرَةُ ذِئابٍ, وَإذا ذِئْبٌ مِنها يَحمِيه وَكَأنَ

الأرضَ انشَقَت فَسَقطَ فِيها يُوسُف فبْلَعَتهُ إلى حِينٍ مَعلـُوم,, فَفَزَعَ مِـنْ

نَومِهِ يَتَرَقََب مَجِيئَهُم,, فَلَمّا اندَلَعَ الصَباحُ جاؤُوا أباهُم لِيأخِذُوا يُوسُف

مِنْهُ وَيَذهبُوا بهِ إلى المَراعى لِيَلعَب مَعَهُم وَكانَ شَأنَهُم لِيَقتِلوه,,

قالَ أظنَكُم مِنْ قَبْلُ أيامٍ قََدْ سَوَلَت لَكُم أنفُسَكُم أمْراً وَدَبَرْتـُم عَلى يُوسُفَ

كَيْداً يُبْرِئَكُم مِنْ قَتلِهِ, وَإنَ أمَلِي عَليْكُم إلاّ الحَسَدُ عَليهِ, فإنَنِي أعلَمُ بِكُم

بـِرُؤيَتِي التِي أوْصَلَتنِـي بِمُخايِلَـةِ الحَسَـدِ الـذِي حَمَلْتِمُوهُ فِي أنفـُوسِكُم

وَنَبَتَ داءَهُ فِي صِدُوركُم مِمّا هاجَتْ الغِيرَة وَنارِ الحِقدِ الذِي شاءَكُم فِيهِ

فِيمّا تَصْطَنِعُونَ,,

كَذلِكَ (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِـهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَـهُ الذِّئْبُ) وَتـُخَلِفُونَ

لِي مِنْ بَعـدِهِ حُزْناً طَوِّيلاً بِعيُونٍ عَبْـرا وَبَلاءً شَدِيداً لاَ يَنفَكُ إذا صادَفَهُ

الذِئبُ وَيَأكُلَهُ, فَرَآهُم عَلى صُوَّرِ الذِئابِ بِقَتلِ يُوسُف: لكِنَهُ قال (وَأَنْتـُمْ

عَنْهُ غَافِلُونَ) قالـُوا يا أبانَـا أوَلَيْسَ (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) لَيْسَ فِيـنَّا الهَشِيمُ

الضَعِيفُ, لَئِنْ وَقَعَ بِيُوسُفَ مَا تَحذرَهُ وَتَخْشاهُ مِنَ الذِئبِ أنْ يأكُلَهُ (إِنَّا

إِذًا لَخَاسِرُونَ) بِظَنِكَ هـذا بَأنَنا عاجِزُونَ عَنِ حِمايَةِ يُوسُفَ مِنَ الذِئبِ

إنْ صادَفَهُ وَهُوَ صَغِير,,

فَلَمَا تَخالُوا بَيْنَهُم قالُوا (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) بِمَحَبَتِهِ لِيُوسُفَ أكْثرُ

مِـنّا وَهُـوَ لاَ يَشْعِرُ بأنَنا أوْلادَهُ القائِمِينَ بِتَربِيَةِ دَوابِـهِ, وَحـَرْثَ أرْضِـهِ

وَالدائِبينَ عَلى تَمْشِيَـةِ مَصالِحِهِ,, فَنَسَبُوا إلى أبِيهِـم سَـفَهاً لِسَفاهَتِهِم

الحَمقاءِ,,

فَخَشِيَّ يَعقـُوب الفِتنَةََ وَقالَ لَهُم: يا بَنِيَّ إنْ كانَ هـذا يُرضِيَّ يُوسُف أنْ

يَذهَبَ مَعَكُم فَهُوَ صَغِـيرٌ لاَ يَعـْرِفُ شَيْئاً مِمّا تُضْمِرُونَ لَـهُ, فَلَنْ أُرْسِـلَهُ

مَعَكُم حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَنِي بِـهِ دُونَ أنْ يَمَسَهُ شَيْئاً مِنكُم

إلاّ مَا قََدَرَ الله فلَّمَا أَباحَ لَهُ أبُوهُ بالذِهابِ مَعَهُم, لَبَسَ يُوسُف ثِيابَهُ وَشَدَ

عَلى بِطنِهِ حِزاماً لَهُ، وَأخَذَ قِضِيبَهُ وَالتَحَقَ بِهِم, وَعَمَدَ يَعقُوب إلى سَلَةٍ

فِيها زادٌ فَوَضَعَها بِيَدِ يُوسُف: وَهُـوَ يَقـُول يا بَنِّيَ أَوْصِيْكُم بِتَقوى اللـَّهِ

فَي يُوسُفُ فَهُوَ أمانَةُ اللـَّهِ فِي أعناقِكُم, إنْ جاعَ فَأطْعِمُوه، وَإِنْ عَطَشَ

فاسْقُوه، وَضَمَهُ إلى صَدرِهِ, وَقبَلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقال: اسْتَوْدِعِكُم يا بَنَيَّ

باسْمِهِ اللهِ تَعالى العَزيزُ الرَحِيم,,

وَكانَت زِينَة بِنْت يَعقُوب نائِمَة فرَأتْ فِي مَنامِها كَأنَ يُوسُف وَقَـَعَ بَـيْنَ

ذِئابٍ عَشرَةً تَنْهَشُهُ, وَسِرعانَ مَا استَيْقَظَت مَرعُوبَـةً مَضَّتْ إلى أبِيها

باكِيَة وَقالَت أيْنَ يُوسُف: قالَ سَلَمْتَهُ بِيَـدِ أخوَتِه, فَمَضَّتْ خَلْفَهُ راكِضَةً

حَتى أمْسَكَت بِـهِ فَحالُوا الأخَوَةَ بَيْنَهُ: وَقالَت لاَ أفارِقُهُ حَتى يَعُـودَ مَعِي

إلى أبِّي،, فَأخَـذَ يُوسُف يُقَلِـبُ يَدَّيْها وَيَقول دَعِينِّي بِحَقِّ يَعقـُوبَ عَليْكِ

لأذهَبَ مَعَهُم أرْتَعُ وَألْعَب,,

قالَـت: يا يُوسُفُ ذِئـابَ الإنـْسِ يَتَناهَشُوكَ وَيَقتِلـُوك؟؟ فاسْتَيأسَتْ مِـنهُ

فَتَرَكَتهُ وَرَجَعَت إلى أبِيها باكِيَّةً حِزيِنَةً، فقالَ لَها يَعقُوب لِمَ تَبكِينَ بُكاءَ

الثُكْلى؟ قالَت بَعدَ ساعَةٍ أخْرى تَبْكِي أنَتَ مَعِي قالَ وَمَا الخَبَر,فَقَََصَصَّت

عَليهِ رُؤْيَتَها,,

إنْزل تَحت وِأكْمِل التفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:35 PM   رقم المشاركة : 3
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الثالِث
(يُوسُفُ فِي البِئْرِ يَحُول بِعينِهِ يَمِيناً وَشِمالاً)




لَّمَا أبْعَدُوا الأخَوةَ العَشْرَةَ عَنْ قِرى يَعقُوبَ أمْيلاً طَرَحُوا يُوسُف أرْضاً

وَوَضَعُوا أقدامَهُم عَلى صَـدرِهِ, وَأظْهَرُوا لَـهُ مَا فِـي أنْفـُسِهِم عَداوَتِهِم

وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةً واحِدَةً, وَكُلَّمَا اسْتَغاثَ بِأحَدٍ مِنهُم زادُوا عَلَيهِ

الضَرْب فَصاحَ بأعلى صَوْتِـهِ يا أبَتاه لَـوْ رَأيْتَ مَا يَصْنَعُونَ بِيَّ لَحَزَنتَ

وَبَكَيْتَ بُكاءَ الثُكْلى لاَ يَنقَطِعُ أبَداً,,

فأخَذَ شَمْعُون بِذُؤابَتِهِ بِشِمالِهِ وَالسِكِينُ بِيَمِينِهِ وَهُم مِنْ حَوْلِـهِ يُنادِونَهُ

أُقَطْعَ رَأسَه: فَقالَ لَهُم يُوسُف, وَهُـوَ يَجِرُ بآخِـرِ أنفاسِهِ مِـنْ أثـَرِ آلَمِـهِ

يا أوْلادَ يَعقُوب لَمْ يَخْطِرُ عَلى بالِي أنْ أفَكِـرَ يَوْماً بأعدائِي هُمْ أخْوَتِي؟

وَعَطَشَ عَطَشاً شِدِيداً وَقالَ: اسْقـُونِّي دِرْعَةً مِنْ مـاءٍ قَبْـلَ أنْ تَقتِلُونِّي

قالـُوا يُسْقِيكَ يَعقُوب جُرْعَةً فَـلاَّ تَظْمَأَ بَعدَها أبَـداً, فَعَمَدُوا إلى مَا زَوَّدَهُ

أبُوهُ مِنْ طَعامٍ أطْعَمُوهُ لِلكِلابِ,,

فَعاتَبَ أخاهُ يَهُوذا وَقالَ: أتَقِّ اللهَ يا كَبِيرَهُم أَتَخْلِي بَيْنِّي وَبَيْنَ مَنْ يُرِيد

قَتلِى قَالَ لاَ يَجِبُ عَلَيَّ إنْ أحُولَ دُونَ قَتلِكَ فإنَهُم يَقتِلُونَنِي مَعَكَ: وَلكِنْ

أُدْخُلَ تَحتَ عَباءَتِي لأُحفَظُكَ مِنهُم فقَالَ شَمْعُونَ لأخِيهِ يَهُوذا مَّاذا تَفعَلَ

بِهذا الوَلَد كَأنَكَ رَجَعتَ عَنْ عَهْدِكَ: قالَ, الرِجُوعُ عَنْ العَهْدِ أهْـوَنُ مِنْ

وَقعِ القَتلِ الذِي لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللهِ فإنْ أَرِدْتُم قَتلَهُ فاقتِلُونِي مَعَهُ فإنَنِّي

أأبَّى قِتالَكُم وَلكِنْ أُريـدُ أنْ أعُـودَ إدراجَ يُوسُف إلى البَيْت بعدَمَا أخَـذتُ

عَهْداً عَلَيهِ أنْ لاّ يُفْشِيَّ خَبَراً إلى أبيهِ بِمَا جَرى مِنكُم عَليْهِ, قالُوا: إنَكَ

تَحْلُم, لاّ نَسْمَحُ لَكَ بإعادَتِهِ إلى يَعقـُوب حَتى لَـوْ اضْطِرُرِنَّا عَلى قََتلِكُمَا

فلَّمَا عَلِمُوا الأخْوَةَ مِنْ أبِيهِم إنَ أراضِيَّهُم مُذأبَـةٌ بالسِباعِ الضارَيةِ قالَ

شَمْعُون رَأسُ كِلْمَتِهِم (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) وَقُولُوا لأبِيكُم

أكَلَهُ الذِئْبُ, وَمِـنْ بَعـدِ أيامٍ (يَخْلُ لَكُـمْ وَجْـهُ أَبِيكُمْ) بَعـدَ أنْ يَنسى أثـار

الجَريمَة مِنْ أيامِ حُزْنِهِ عَلى يُوسُف (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)

بالتَوبَةِ وَالتَضَرُعِ إلى اللهِ تَعالى عَمّا جِئْتُم بهِ مِنَ الذِنبِ المَكْذُوبِ عَلى

أبِيكُم لِيُغفِرَ عَنْ مَا وَقَعَ مِنْكُم بإبعادِ يُوسُف عَنْهُ وَحُزنَهُ عَلَيهِ,,

أوَلَيْسَ إنَها تَوْبَةٌ فاسِدَةٌ مِمّا بيَتُوها فِي صِدُورِهِم إلى حِينٍ وَجَعَلُوا لَها

ضَماناً عَلـى اللـَّهِ لِيَنالَهُم بالمَغفِـرَةِ مِـنْ بَعـدِ وَقعِهِـم فِـي الذَنـْبِ بإبعـادِ

يُوسُف عَـنْ أبيـهِ, فَأنْساهُم الشَيْطانُ نَظائِرَ قََوْلَـه تَعالى بِقابِيلَ وَهابِيلَ

وَقال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا

وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)

الآيَـة دالَةٌ لاّ تَحتاجُ إلى تَبايِّنٍ وَالمَعنى يَجِرُها بأوْلادِ يَعقُوب العَشْرَةَ؟؟

حِينَ تَقرَّبا هابِيلَ وَقابِيلَ إلى اللهِ بشَيءٍ مِنْ زَواجِهِما, فتَقبَلَ اللهُ تَعالى

قُربانَ هابِيلَ لإيمانِهِ, وَلَـمْ يَتَقبَلَ قـُربانَ الآخَـر ذلِكَ لِعَدَمِ إيمانِهِ, فحَسَدَ

أخاهُ وَتوَعَدَهُ بالقَتلِ حِقداً عَلَيْهِ بِذلِك,, فرَدَ عَلَيْهِ هابِيلَ مُبَيِّناً لَهُ لاَ يَقبَلَ

اللهُ عَمَلاً إلاّ مِنَ المُخْلَصِينَ ثـُمَ قالَ مُؤكِداً لَهُ وَهُوَ مُطمَئِنٌ (لَئِنْ بَسَطْتَ

إِلـَيَّ يَـدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَـا بِبَاسِطٍ يَـدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُـلَكَ إِنِّـي أَخَـافُ اللَّهَ رَبَّ

الْعَالَمِينَ)(المائِدة:28)

وَعَلى هـذا النَـبَأُ العَظِيم الوارِد (قَالَ قَائِـلٌ مِنْهُـمْ) وَهُـوَ كَبيـرَهُم يَهُـوذا

(لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) يا أوْلادَ يَعقوب إنَ اللهَ تَعالى يَأبَّى القَتلُ وَنُحنُ أوْلاد

النَبِّيُّ التَقِيُّ الصَفِيُّ بـنَ إسْحاقَ بنَ إبْراهِيمَ خَلِيلُ اللـَّه, لَقد سَمِعنَّا أَبانَّا

يَقُول أنَ أراضِيَّنا مُذأبَةٌ بالسِباعِ الضاريةِ وَإنَ يُوسفَ أخٌ لَنَّا وَهُوَ غُلامٌ

صَغِيرٌ لَـمْ يَرتَكِبَ جُرْمـاً يَسْتَحِقُ القَتلَ عَليهِ (وَأَلْقـُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُـبِّ)

الذِي يَبعِـدُ عَـنْ قَريَتِنَّا أمْيالاً وَأنتـُم عَلى مَقرَبَـةٍ مِنْهُ عَسى أنْ (يَلْتَقِطْهُ

بَعْضُ السَّيَّارَةِ) المَّارَةِ الغـُرَباءِ إذا ألْقى وَارِدَهُم دَلْـوَّهُ فِي البئْـرِ فيَغتَنِمَ

مِـنْ يُوسُف وَيَأخْـذهُ مَعَهُ فَيَكُونَ بَعِيـداً عَـنْ عِيُونِكُم (إِنْ كُنْتـُمْ فَاعِلِينَ)

مُصِرينَ عَلى إبعادِهِ عَنْ مَحَبَةِ أبيهِ فعِنَدَها يَتَحَقَقُ غَرَضَكُم بالفِعلِ دُونَ

قَتلِهِ, وَمِنْ ثـُمَ اذهَبُوا إلى أَبيكُم وَقولـُوا أكلَّهُ الذِئْـبُ وَمّا لَـهُ حِجَّةٌ عَلَيَّ

وَعَليْكُم بِمّا صَرحَ عَنهُ حِينَ قالَ لَنَّـا: إنِّي أخافُ أنْ يَأكُلَهُ الذئِبُ وَلكِنَنا

قََـَد ضَمَّنا لَـهُ أَنْ لاّ يَأكُلَهُ الذِئِبُ وَنَحنُ عُصْْبَةٌ مِنْ حَوْلِهِ لِقوَتِنَّا, فَشاءَ

قَدَرَهُ بالمَوْتِ الذِي لاّ مُحالَ لِعَدِدِنا حَوْلَهُ بِنَجاتِهِ مِنَ الذِئْبِ,,

وَقالَ نَفَتالِي: إنِّي أعلَمُ بالبِئْرِ مالِحاً فَتَجْتَنِبُ مِنهُ القَوافِل, قالَ شَمعُون

وَلَوْ كانَ ذلِكَ أريدُ إبعادَهُ عَنْ أبيهِ وَكُلَمَّا كانَ مالِحاً تَتجَنَبَهُ القَوافِل هُوَ

أفضَلُ لَنَّا بمَوْتِهِ مِنْ أنْ يَغتِنِمُوه,,

وَاجْتَمَعُوا عَلى تَصدِيقِ رَأيِّ أخِيهِم يَهُوذا, ثُمَ أخَذُوا طَريقَهُم إلى الجُبِّ

وَمَا بَيَتـُوا لِيُوسُفَ حَتى تَكَشَّفَت نِيَات صِدُورَهُم, وَغَلـُظُّت أكْبادَهُم مِنهُ

بِحِقدٍ دَفِينٍ فجَّرَدُوهُ مِنْ قمِيصٍ لَهُ وَبَقِيَّ آخَرٌ ثُمَ طَرَحُوهُ أرْضاً وَرَبَطُوهُ

مِنْ يَداه وَشَتَمُوه بمُحتَقَرِهِم, وَهُوَ يَصِيحُ يا أَبَتاه فَلاَ تَأخُذَهُم رَأفـَةً, أوْ

شَفَقَةً عَلَيْهِ لِِصُغرِ سِنِهِ, فَشَنـُوا عَلَيهِ حَمْلَةً واحِدَةً لِيَقذِفُوهُ بالبِئْرِ وَكانَ

بَيْنَ أيْدِيهِم كَالطَيْـر الذِي يُرَفرِفُ بِجناحَيْهِ وَهُـوَ يَصِيحُ وَيَصْرَخُ وَيَقُول

لاَ تَقذفُونِي فإنِّي أخافُ ظُلْمَةَ البِئْـرِ, فَاسْتَنجَدَ بأخِيهِ يَهُـوذا, فَحالَ بَينَهُ

وَقالَ تَمَهَلُوا عَنِّي قَلِيلاً لأَسْمَعَ مِنهُ مَاذا يَقُول: فَقالَ يُوسُف أخِي يَهُوذا

إنِّي أحبُكَ وَأحِـبُ سَريرَتـُكَ, وَأحِـبُ أخَوَتِي جَمِيعاً بِرُغـْمِ جُرْمِهِم الـذِي

اقتَرَفوه بِحَقِي, وَأيُ جُـرْمٍ ارتَكَبْتَهُ لأسْتَحِقَ بِـهِ هـذا المَـوْت,, وَعلَمُوا

جَيِّداً أنَّا لاَ أُريدُ أنْ يُصِيبَكُم مَكْرُوهٍ بَسَبَبِي فإنْ أرِدتُم قَتلِي فَاحذَرُوا أنْ

يَطَلِعَ أبِّي عَلى الظُلْمِ الذِي نَزَلَ بِيَّ مِنْ أيدِكُم, وَلاَّ تَخْبِرُوا بِـهِ أحَـدٌ مِنَ

الناسِ مَخافةً أنْ يَعلَـمَ نَبِّيُ اللـَّهَ يَعقوب, فإنْ سَمَعَ مَا حَـلَّ بِـيَّ سَـوفَ

يَلْعَنَكُم وَيُفنِيكُم عَنْ آخِرَكُم, وَعلَمُوا جَيِّداً مَا جَرى وَيَجْري اليَومْ لَيْسَ

خافِياً أبَداً عَلى اللهِ مَازَلتُ أنَّا المُبَشَرُ المَوعُود مِنْ دُونِكُم لِرسالَةِ رَبِّي

حَتى أراكُم ساجِدِينَ, فَـلاَّ يَخْدَعَكُم الشَيطانُ بِمَّا خُيِّـلَ لَكُم بأنَنِّي أمُـوت

حَتى وَإنْ قَذفتِمُونِي بِسَبْعَةٍ آبارٍ مِثلُ هذا البِئْر لَنْ أمُوتَ سَوفَ أنادِيكُم

وَأنَّا فِي رَحمَةِ رَبِّي,,

فَتـُوبُوا إلى اللـَّهِ لِكَيْ يُقِيكُم عَـذاباً مُسْتَطِيراً جَزاءَ ظُلْمِكُم لَوَلَـدٍ عاجِـزٍ

ضَعِيفٍ لاَ حِيلَةَ لَـهُ بَيْـنَ عَشَرَةِ ذِئابٍ أشْقِياءٍ, فإنَ عَذلَكُم هـذا لاَ يُبَشِرُ

بِخَيْرٍ كَمَا تَعلَمُونَ أنَ وَالِدِي يَعقُوب قالَ: إنَ اللـَّهَ اصْطفاكَ رَسُولاً نَبِّياً

وَأنتـُم تَعلَمُونَ ذلِك وَتَظلِمُونَنِّي عَلى هـذا النَحُـو,, فإنَنِّي أخْشى عَلَيْكُم

يا بَنِّي إسْرائِيلَ أنْ يَكُونَ هـذا دَأبَكُم مَعَ اللاحِقِينَ مِنْ أنبِيائِكُم كَمَا كانَ

دَأبُ قابِيلَ عَمَّا فَعَلَ بِقَتلِ هابِيلَ وَجَـرى عَليهِ القَلْمُ,, إنَ الجَريِمَةَ التِي

اقتَرَفتِمُوها بِنَبِّيٍّ مَوعُودٍ تَأنِفُ مِنْها السِباعُ الضارِيَة أنْ تَقتَرِفها بِحَقِّ

طَريدَةٍ تَلْحَقُها, وَلَقـَد أحيَيْتـُم مِنْ جَدِيـدٍ سُـنَةَ العاري بِسَفكِ قابيلَ بـِدَمِّ

أخِيهِ هابِيلَ, فَاترِكُونِي إنِّي أوْعِدَكُم سَوْفَ أبعِـدُ عَنْ عِيُـونِ أبِّي دَهـْراً

فَلَمْ تَرُونَنِّي بَعدَ ساعَةٍ,,



فَقالَ شَمْعُون: أتَخْدَعَنَّا بِمُكْرِكَ يا بـْنَ راحِيل: فـَلاَ يُشْفيَّ لَـنَّا غَلِيلاً مِنْكَ

حَتى نَراكَ مَيِّتاً فَرَمُوه فِي غَيابَةِ الجُبِّ الذِي يُسَّمى جُبّاً لِبُعدِهِ عَنْ قِرى

يَعقوبَ أمْيالاً: فَلَّمَا بَلَغَ نِصْف البِئْـر قََََطَعُـوا الحَّبْلَ لِيَسْقـطَ فِيـهِ وَيَمُوت

وَهُـوَ يَصيحُ أغِثنِّي يا رَّب, فَسَّقَطَ فِي الماءِ وَغـُطِسَ ثَلاثُ مَراتٍ حَتى

شَهِقَ بآخِرِ زَفِيرِ لَهُ مِنْ أنفاسِهِ, فَيَأِسَ إنَهُ لاَ مُحالَ لِنَجاتِهِ؟؟

فَنادُوه ثَلاثـاً فَلَـمْ يََسْمَعُوا صَوْتاً لَـهُ, فَطْمَئِنَت قلُوبَهُم, وَأطفَئُوا وَقـْدَتَ

أكبادَهُم حِينَ قَرَعَتْ رَجَةُ المِياهِ أسْماعَهُم وَانقَطَعَتْ أنْفاسَه فانْصَرَفوا

عَنهُ وَبَقِيَّ يَهُوذاً يَبْكِي عَليهِ,,

فَأخْرَجَ اللـَّهُ صَخْرَةً مِنْ قََََعـْرِ البِئْـرِ فَسَقَطَ عَلَيْها يُوسُـف قَبْـلَ أنْ يَصِلَ

قََعرَهُ فَرَفَعَتهُ بِمَشِيئَِتِهِ تَعالى عَلى سَطْحِ الماءِ وَهُوَ مَغْمِيٌ عَلَيْهِ كالنائِمِ

فَرَأى فِي غُشَيانِهِ شَيْخاً عَلَيْهِ سِماءَ المُتَقِينَ فَقالَ مَنْ طَرَحَكَ فِي الجُّبِ

هذا؟ قالَ إخْوَتِي مِنْ أبِّى، قالَ وَلِّمَه فَعَلُوا بِكَ؟ قالَ: حَسَدُونِّي لِمَنزِلَتِي

مِنْ أبِّي، قالَ أتَحُبَّ أنْ تَخْرُجَ مِنَ الجُـبِّ؟ قالَ نَعَـم: فَانتَبَهَ يُوسُف مِـنْ

مَآقِهِ وَبَكِيَّ مُتَعَجِباً كَيْفَ نَجِّـا مِـنْ أمْرِهِم يُفَكِـرُ وَهُـوَ خائِفٌ مِـنْ ظُلْمَةِ

البَئْرِ وَوَحشَتِه, وَقالَ أيْـنَ أنـْتَ أيُها الرَجـلُ, فَناداهُ جُبْريـلَ مِـنْ وَراءِ

الحُجِبِ سَوفَ أعُودُ لَكَ عَنْ قَريبٍ,,



فَناداهُ يَهُـوذا لِيَتَحَقَقَ مِـنْ مَوْتِـهِ وَحَياتِـهِ: فظَّنَ يُوسُف أنَها رَحمَةٌ قََـَد

أَدرَكَتهُم فأجابَهُ وَقالَ: أخْبِرَهُم يا يَهُوذا إنِّي لَـمْ أمُوت, فإنْ أخْرَجُونِّي

مِنْ ظُلْمَةِ البِئْـرِ سَأكُونُ كَمَّا وَعَدتَهُم بَعِيداً عَنْ أبِّي لِيَتَحَقَقَ هَدَفَهُم بِمّا

يُريدُونَ ذلِك؟ فأسْرَعَ إلَيْهِم يَهُوذا راكِضاً يَصِحُ يُوسُف حَـياً أدرَكَهُ اللهَ

مِنْ مَوْتِكُم فهَمُوا لِيَرضِخُوه بِصَخْرَةٍ عاتِيَةٍ؟ فَمَنعَهُم يَهُوذا: وَقالَ (لاَّ)

أعطَيْتِمُونِّي مَوْثِقاً أنْ لاَ تَقتِلُوه حَتى لاَّيَنتَقِضَ عَهْدِي مَعَكُم بِمَّا لاَأُفشِيَّ

عَنكُم سِّراً لأِبِيكُم بِمَّا جَرى مِنكُم عَلَيْه,,



وَيُوسُفُ يَحُول بِعَينَِيهِ يَمِيناً وَشِمالاً فـَلاّ يَجِـدُ أمامَهُ إلاّ ماءاً راكِـداً قَـَدْ

يَرى فِيهِ خَيالَهُ الكاسِف, وَهُوَ يُفكِـرُ بِمِحنَتِهِ إذا جاعَ مَـنْ ذا الذِي يَسِدُ

حاجَتَهُ بالطَعامِ إنَهُ يَنتَظِرُ فرَجَ اللهِ وَلُطْفَه بِـهِ وَبدَعوَةِ يُوسُف اقتَربَتْ

مِنهُ رَحمَة اللهِ فألْطَفهُ بمَلائِكَةٍ يُؤْنِسُوهُ بِمِحنَتِهِ وَجُبْريلَ مَعَهُم فَأُضِيءَ

لَهُ البِئْرَ وَعَذِبَّ مَاؤَهُ وَكُلَمَّا شَرِّبَ مِنهُ أغْناهُ عَنْ الطَعامِ,,

فَرَأى يَعقُوب فِي مَنامِهِ لَيْلَةَ غِيابِ وَلـدِه يُوسُف يَتَناهَشُوه أخوَتَهُ وَهُم

عَلى صُوَّرِ الذِئابِ, فَعَبَرَ رُأياه لاَ بِحُسْبانَ الاهتِداءِ الذِي خَدَعُوهُ بأخْذِهِ

مِنهُ,, وَغَضَبَ اللـَّهُ عَليْهِم بِـمَّا فَعَلـُوا بِيُوسُـفَ: وَقالَ (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْـهِ)

رَسُولَنَا الأمِينُ جُبْريلُ أيَخْبرَ يُوسُف إخوَتَهُ قَبْـلَ انصِرافِهِم مِـنَ البِئْـرِ

وَقـالَ (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُـمْ لا يَشْعُرُونَ) بإيحاءِ اللـَّهِ إلَيكَ: فأنَّا

جُبْريلُ أْرْسِلْتُ لأِعَلِمُكَ الرِّسالَةَ وَالإلْهامَ وَالكَلامَ الخَفِيِّ السَماوِّي وَقالَ

أنَتَ مِنْ فَرَجٍ وَمَخْرَجٍ مِنْ هـذِهِ الشِدَةِ العَصِيَة, فَـلاّ تَخْشى مِنْ أخوَتِكَ

إنَهُم عَلى مَقرَبَـةٍ مِنَ البِئْـرِ مُلَطَخِينَ قََمِيصُكَ بِدَمِ شاةٍ مَكْذُوبٍ لِيَكُونَ

أمْشى لِعُذرِهِـم لاّ لِغَدرِهِم بأنَـكَ مَأكُـول الذِئْـب وَهُـم حائِـرُونَ بِكَيْدِهِم

المَكْشُوف لاّ يَسْتَطِيعُونَ الرِجُوعِ إلى أبيهِـم يَنتَظِرُونَ حَتـى يُداخِلـُهُم

اللَّّيْلُ البَهِيم,,

قالَ يُوسُفُ يا أمِينَ الله: هَلْ عَلى يُوسُفَ أنْ يَبْقى فِي قَعـْرِ هذِهِ البئْرَ

قالَ وَلِماذا تَسْألُ عَنْ ذلِكَ, فالأمْرُ لَكَ فِي نَفسِكَ يا يُوسُف أنْ تُسَيِّرُها

بِمَّا تَكُونَ فِي خارِجِ البِئْرِ أمْ فِي داخِلِها,, قالَ وَلكِن طابَ قَلْبِّي شَوْقـاً

لِلقاءِ أبِّي,,

قالَ جُبْرِيلُ: إذا قَـَد كُنتَ فارَقتَ أبُوكَ سُوَيعاتٌ مِنَ النَهارِ فإنَ الحَبِيبَ

الفَرْدَ هُنَّا مِنْ حَوْلِكَ يُحِيطُكَ بِرَحمَتِهِ يا يُوسُف,,

قالَ: وَمَا الذِي يَجْري عَلى أبِّي بَعدَ فَقدِي, قالَ يَجْري عَلَيْهِ مَا يَجْري

عَلى مَـنْ كانَ بَـلاءَ عَهْـدَهُ بِفقدانِ حَبيبَه,, قـالَ هَـلْ ألتَقِي بِأبِِّـي بَعـدَ

خرُوجِي مِنْ هُنَّا؟ قالَ جَبْرِيلُ: حَتى يَكتَمِلُ عُودَكَ وَلَقـَد قَـَدَرَ اللـَّهُ لَكَ

الأحَد شَيْئاً آخَراً لاَ يَنبَغِي لَكَ أنْ تَعُودَ إلى أحضانِ أبيكَ يَعقُوبَ النَبِّي

إلاَّ بَعدَ ثَلاثِينَ عاماً وَنَيْفاً,,

فَهذا الإيحاءُ إمَّا يَكُونَ قَسَـمٌ مِـنْ يُوسُفَ أنْ يُنْبِئَهُم بالفِعلِِ الذِي فَعلُوهُ

بِمِحنَتِهِ إيـاه لِشِدَةِ فَجْعِهِ وَفظاعَتِهِ وَهُـم لاّ يَشْعِـرُون, وَإمَّـا أنْ يَكُـونَ

إرْسالُ مَلائِكةٍ يُؤْنِسُوهُ بِمْحنَتِهِ فِي البِئْرِ إلى حِينٍ مَعلُومٍ,,

فَلَمَّا سَمَعُوهُ يُنادِيهُم بـِسْمِهِ تَعالى إنَكُم لَخاسِرُونَ, شَمَتُوا بهِ وَأطفئُوا

وَقدَّتَ أحقادَهُم بِمّا قَدَرُوا وَالأقدارُ تَضْحكُ لاّ يَعلَمُونَ عَنْ أمْرِِ اللهِ إنَهُ

غالِبٌ عَلى أمْرِهِم بِمّا يَفعَلُونَ وَيَصنَعُونَ,,

رَجاءً إنزِل تَحت وَتابع تَكْمِلَة التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:40 PM   رقم المشاركة : 4
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الرابع
(يُوسُفُ فِي البِئْرِ وَمَعَهُ جُبْرائِيلَ)









((أوْلادُ يَعقُوب يَحمِلُونَ قَمِيص يُوسُف مُلَطَخٌ بِدَّمٍ إلى أبيهِم))

(وَجَاءُوا أَبَاهُـمْ عِـشَاءً يَبْكُونَ) فِي ظَلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيم حَتى لاّ يُـكتَشَف

بكائَهُم مِنْ غَـيْرِ وقُوعِ الدَمْعِ عَلى الخَدَيْـن,, فَوَجَدُوا يَعقـُوبَ وَعيالَـهُ

قاعِدِينَ عَلى قارعَةِ الطَريق يَنتَظِرُونَ مَتى يَأتُونَ بِيُوسُف، فَلَّمَا دَنـُوا

مِنْهُ صُرخُوا بِوَجْهِهِ صَرْخَةً واحِدَةً وَرَفَعُوا أصْواتَهُم بالبُكاءِ، فَندَهَشَ

يَعقُوب مِنْ أمْرِهِم وَعَلِمَ قَد أُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ, فَلَّمَا رَآهُم اجْتَمَعُوا صَفاً

وَاحِداً وَشَقُوا جيُوبَهُم وَحَثُوا التُرابَ عَلى رِؤُوسِهِم:فَزَعَ يَعقُوب وَقالَ

مَا بالِكُم هَلْ أصابَكُم فِي غَنَمِيكُم شَيءٌ: قالُوا (لاّ) قالَ إذاً وَأيْنَ يُوسُف

(قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) فِي الجَري لِيَتَبَيَّنَ أيُّنا أسْرعَ رَكْضاً مِنْ

أخِيهِ سَبْـقاً (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْـدَ مَتَاعِنَا) لِيَحرِسُهُ مِـنَ الأغـْنامِ (فَأَكَلَـهُ

الذِّئْبُ) لِبُعْدِنَّا عَنهُ (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَـنَا) أيْ بِمُصَّدِقٍ لِخَبَرِنَّا عَمَّا أكَلَهُ

الذئِبُ (وَلَـوْ كُنَّا صَادِقِينَ) بِقَوْلِنَّا المَأخُوذ مِـنْ عَلائِـمِ حُزنِنِّا عَلَيْهِ الذِي

لاَ يُـكادُ أنْ يَخْرُجَ مِـنْ حَـرارَةِ صِدُورِنَّا, وَتِلْكَ العَبَراتِ التِي تَفِيضُ بـهِ

عُيُونَنَّا, وَبِمَّا إنَـنَّا قََـَد ضَمَنَّا لَكَ أنْ لاّ يَأكُلَهُ الذِئْبُ لِعَدَدِنَّا حَوْلَـهُ فََصِرنَّا

غَيْرُ مُصَدَقِينَ عِندَكَ بِخَبَرِهِ,,

فاصْطنَعُوا البُـكاءَ ظَـناً لِيَكُـونَ أبُـوهُم أصْـدَقُ لِعُذرِهِم لاّ لِغـَدرهِم بِقَتـْلِ

أخِيهِم لِيَنْهَضَ بِتَصْدِيقِ حِجَتِهِم المَغمُوسَةِ بِالكِذبِ,, فَلَّمَا سَمَعَ يَعقُوب

خَبَرَ وَلَدِهِ يُوسُف أكَلَهُ الذِئْبُ سَقطَ عَلى وَجهِْهِ إلى الأرضِ مَغشِياً عَلَيهِ

فَقالَ يَهُوذا: الوَيْـلُ لَكُم لَقـَد ابتَلَيْنَّا بأبِينَّا إنَـهُ يَمُوت عَلى وَلَـدِهِ يُوسُـف

وَأهْلُ القَريَةِ قَـَد فَزَعُوا عَلى صُراخِ النِساءِ فَمَّا تَصْنَعُونَ,,

قالُوا دَلِيلُنَّا قَمِيصُ يُوسُف,فَلَمَّا أفاقَ يَعقوب مِنْ مَآقِهِ طَلَبَ اسْتِدراجَهُم

إليْهِ فوَضَعُوا قَمِيصَ يُوسُف بَينَ يَدَيهِ مُلَطَخٌ بدَمِ كِذبٍ يَعتَبرُونَهُ بُرهاناًَ

عَلى صِدْقِ دَعواهِم: وَقالـُوا, يا أبانَا لَقـَدْ وَقَََعَ بأخِينَّا يُوسُفَ عَلى حَـدِ

قَوْلِكَ مَا كُنتَ تَتَوَقعَهُ وَتَحذَرهُ وَتَخْشاهُ عَليْـهِ بالأمْسِ أنَ أَراضِينَّا مُذأبَةٌ

بالسِباعِ الضارِيَةِ فأكَلَهُ الذِئْبُ فِي غَيْبَتِنا عَنهُ,,

(وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) لاَ يُطِيبَ لَـهُ الأكْـلُ وَالشَراب, حَزيناً عَلى

وَلَدِهِ يَنتَظِرُ اعتِرافَهُم لَهُ عَنْ وَقْعِ جُرْمِهِم, فاجْتَمَعُوا عَلى لَفِيفِ القِداحِ

الواحِدِ وَبَيَتـُوا مَكْرَهُم عِندَ كَبيرِهِم يَهُوذا وَقالَ: يا أَبَتِ مَالَنَّا مِنَ القَوْلِ

عَلَيْكَ إلاّ الذِي أَفصَحنَّا بِهِ لَكَ إنَهُ أكَلَهُ الذِئْبُ وَخَرَجُوا مِنهُ يَتَضاحَكُون

فكَشَفهُم يَعقُوب عَنْ كَيْدِهِم, فَلَحَقَهُم جَرياً تَتبَعَهُ النِساءَ وَرجالَ القَريَةِ

مَعَهُ وَقالَ لَهُم: وَلَـدِي يُوسُف لَـنْ يَنالَـهُ مَكْرُوهٍ وَدَلِيلِي عَلى ذلِكَ هـذا

القَمِيصُ المَكْذوبِ بالدَّمِ؟؟ لكِنَنِّي عَلى يَقِينٍ مِنْ عِنـدِ رَبِّي بِمَّا (سَوَّلَتْ

لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) الأمارَةُ بالسُوءِ لَقَد زُيِّـنَ لكُم الشَيْطانُ بارتِكابِ هذا الفِعلِ

وَصَوَرتِمُـوهُ فِـي أعيِّنِكُـم بِوَلَـدِي تَذبَحُـونَ جَديـاً عَلـى قمِيـصِ أخِــيكُم

وَتَدَعُونَ أكَلَهُ ذِئْـبٌ؟؟ وَمَا كـانَ أشَـدُ غَضَب ذلِكَ الذِئـْب وَإشْفاقَََـَهُ عَلى

قمِيصِ يُوسُف يَخْلَعَهُ بِلُطْفٍ مِنْ جِسْمِهِ حَيْثُ أكلَّهُ وَلَـمْ يُمَزِقَ قمِيصَه؟

أيَّا لِلعَجَبِ إنَ كَيْدَكُـم هـذا لَكَيْـد عَظِيـم, فَأطْرَقـُوا بِرِؤُوسِهِم حَـياءً مِـنْ

مَخدَعِهِم, فَكَشَفَهُم يَعقُوب وَقالَ: لاّ أريدُ أنْ أراكُم أبَداً لَقد أثِرتـُم كامِنَ

دائِي فَلابُدَ أنْ يَكتَشِفَ اللهُ أمْرَكُم وَيُبان كَيْدَكُم, ويُظْهِرَ سِرَّكُم وَيَفتَضِحَ

سِترَكُم وَاللهُ لاَ يَغفَلُ عَنْ كَيْدِ الْخَائِنِين,,

وَلَبَسَ يَعقوب مِئزَراً أسْوداً وَحَزَنَ عَلى إبْنهِ سِنِيناً وَقالَ (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)

عَلى فِعالِكُم المَغمُوسَةِ بالمُكْر حَتى يَكْتَشِفَ اللـَّهُ تَعالى أمْرَكُـم, وَيُظْهِرَ

عاقبَةَ كَيْدِكُم (وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تََصِفُونَ) بأعمالِكُم,,

أَصْلُ الصَّبْر الحَبْس، وَكُلُّ مَنْ حَبَسَ شَيْئاً جَعَـلَ صَبْرَهُ إلى اللـَّهِ دَلِيلاً

لِمَعنى الآيَة (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)(يونس109)

وَالمُرادُ بالكَذبِ التَّرغِيب وَالبَعـث إذا مَنَّتـْهُ الأمانِيَّ, وَخـُيَّلَت إليـهِ مِـنَ

الآمالِ مّالاَ يُـكاد يَكُونُ كِذبـاً, وَبِمّا أنَ الكَـذِبَ لاَ يَدُومُ لأنَ نِـظامَ الكَـوْنُ

مُرتَبِطُ ألأجْـزاءِ, وَليْـسَ فِي وِسْـعِ الكاذِبِ إذا سَـتَرَ شَـيْئاً مِـنَ الحَقائِقِ

الكَوْنِيِةِ فلابُـدَ لِلكَشْفِ عَـن حَقِيقـَةِ إظـهارِ الكِـذب, فَكَشَفَ اللـَّهُ كَيْدَهُـم

وَأنزَلَـهُ عَلى عَبـدِهِ مُحَمَدٍ صَلى اللـَّهُ عَلَيْهِ وَآلِـهِ: وَقـال (وَجَاءُوا عَلَى

قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) مُفتَعلٌ بمَكْرٍ حِينَ عَمَدُوا إلى سَخْلةٍ ذَبَحُوها فأخَذُوا

مِـنْ دَمِّها وَوَضَعُوهُ عَلى قمِيصِ يُوسُـفَ لِيُوْهِمُوا بِكَيْدِهِم يَعقـُوبَ قَََََـَد

فَتَكَ بِهِ الذِئبُ وَهُم عَنهُ غافِلُون,,

((خرُوجُ يُوسُف مِنَ البِئْرِ وَبَيْعَهُ عَبْداً لِلرَحالَةِ))





وَلَقـَد مَضى عَلـى يُوسُـفَ فِي البِئْـرِ ثَلاثـَةُ أيـامٍ سَـوِّيا: فـَقالَ جُبْرائِـيلَ

يا يُوسُف قلْ فِي دُعائِكَ فإنَ اللهَ يُحِّبُ مَنْ يُناجِيه, فَاخَتَفى عَنهُ جُبريلُ

وَقالَ يُوسُفُ (اللَّهُمَ يا مُؤنِسَ كُـلَّ غَريبٍ، وَيا صاحِبَ كُـلَّ وَحِـيدٍ، وَيـا

مَلْجَأَ كُلَّ خائِفٍ، وَيا كاشِفَ كُلَّ كُربَـةٍ، وَيا عالِمُ كُلَّ نَجْوى، وَيا مُنتَهى

كُلَّ شَكْوى, وَيا حاضِر كُـلَّ مَـلأٍ، وَيا قَريبٌ غـَير بعِـيدٍ, يا حَيُّ يا قيُّوم

أسْألُكَ أنْ تَقذِفَ رَجاءُكَ فِي قلْبِي حَتى لاَ يَكُونَ لِي هَمٌّّ وَلاَ شِغلٌ غَيْرُكَ

وَأنْ تَجْعَلَ لي مِنْ أمْري فرَجاً وَمَخْرَجاً إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قدِيرٌ)

وَسُبْحانَ مَّا خَتَـمَ يُوسُف بِدُعائِهِ وَقالَ: يا أرْحَمَ الراحِمِين لَقـَد غَرُونِّي

بِنِّي أبِّي وَظَلَمُونِّي لكِنَنِّي أعلَمُ إنَكَ عَلامَ الغِيُوب تَنْظِرُ إلَيَّ بِعَيْنِ العَطْفِ

أُنقذنِّي مِنْ جَوْفِ هذِهِ البِئْر يا رَبَّ إسْحاقَ وَيَعقُوبَ وَإبْراهِيم,,

فَسْتَجابَ اللـَّهُ دُعاءََهُ: فأرْسَلَ لِنَجاتِهِ زَوْبَعَـةٌ حَمْراءٌ عاتِيَـةٌ فَشَتَت تِلْكَ

القافِلَةِ وَأظَلَتهُم عَـنْ مَـسارِ طَرِيقِهِم الجـّاد, وَدَفـَعَ بأصْحابِها الإعصارُ

وَإذا هُمْ بِمَقرَبَةٍ مِنَ البِئْرِ يَتَلَفَتُونَ يَمِيناً وَشِمالاً, وَكانَت بِضاعَتَهُم مِنْ

الحِبُوبِ وَالفسْتِقِ قاصِدِينَ دِيارَ مِصْرَ مِنَ الشامِ,,

قالَ مالِكُ بنَ ذَعَر أيُها الرَكْبُ المُزْمِعُ عَطَشاً لاَ تَقلَقوا فإنِّي أعرِفُ جَيِّداً

تِلْكَ الشَجَرَةِ وَمَـا يُجاوِّرُها مِـنْ تِلالٍ إنَها تَبْعِـدُ عَـنْ قِـرى كَنْعان أمْـيالاً

وَثَمَّةَ بِئْرِ ماءٍ بِقُرْبِها لكِنَهُ مالِحاً لاَيَصْلَحُنَّا شَراباً حَتى لِلدَوابِ وَالبَهائِم

فَقالَ المُنْهِلُ لكِنَ أفرادَ القافِلَةِ سَيَهْلَكُونَ عَطَشاً فَمَاذا نَصْنَعُ يا مالِك,,

قالَ مالِك: يَتَخَيَّلُ لِي أنْ مِـنْ وَراءِ ذلِكَ البِئْـرِ المالِح بِئْـراً عَذِباً انطَلِقُوا

مَعِي فَلَمَّا شارَفوا البِئْرَ المالِح جَفَلَت الخَيْلُ وَالإبِْـلُ وَأخَذَت تَدُورُ حَوْلَهُ

فكانَ كُلَّمَا وَجَهُوها فِي السَّـيْرِ برَكَـت الإبِـلُ وَلـَمْ تَِبْـرَحَ, وَالخَـيْلُ كَذلِكَ

تَقذفوا مِنْ عَلى ظَهْرِها راكِبها,,

ثُمَ قالَ لاَ وَاللهِ: لاَ يَسَعَنِّي أبَداً أنْ أفهَمَ هذِهِ البَهائِمُ؟ وَأيُ سِّـرٍ هُوَ هـذا

فَقِفـُوا مَحَلَكُم الضَرْبُ لاَ يُجْدِي كُفـُوا عَنْ البَهائِمِ حَتى نَقِفَ عَلى سَبَبِ

هذِهِ المُعجِزَة؟؟

وَقالَ المُنْهِلُ حَقاً يا مالِك شَمَّتْ الدَوابُ رائِحَةَ الماءِ فإنَها لاّ تُمَيِّزُ بَـيْنَ

العَذِبِ وَالمالِح فَنَزَلَ القَوْمُ ليَسْتَرِيحُوا قَلِيْلاً وَإذا هُمْ قََد سَقَطَ مِنْ بَيْنِهِم

رَجِلٌ مِنَ شِـدَةِ العَطَشِ, قالَ المُنهِلُ يا مالِك هَلْ حَقاً أنَ ماءَ هـذِهِ البِئْـرُ

مالِحٌ هـذا الرَجِلُ يُـكادُ أنْ يَهْلُكَ مِنْ شِـدَةِ العَطَشِ, قالَ مالِك: إنَنِّي فِـي

سَفَري مَرَرْتُ مِراراً فَوَجْدتَهُ مالِحاً لكِنَنِّي أُريدُ أنْ أُمَزِقَ لَكُم قِناعَ الشَكِ

فاسْتَسْقوا مِنْهُ لَعَلَهُ يَنفَعَكُم أوْ تَشْرَبَ مِنهُ الدَوابِ,,

وَإذا بِيُوسُفَ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِ يَسْمعُ أصْواتٍ عَنْ وَقعِ أقدامٍٍ وَنِباحُ كِلابٍ

فأطْمَئَنَ قلْبَـهُ,, فأرْسَلـُوا وَارِدَهُم فألَقى دَلَـوَه فَلَمََّا رَأى يُوسُـف الدَّلْـوَ

اقتَرَبَ مِنـْهُ وَهُـوَ مُتَعَلِـقٌ عَلـى شَـفا صَخْرَةٍ مِـنَ البِئْـر فَأمْسَكَ بالحَـبْلِ

فَأدخَلَهُ الرَّيْبَ فِي جُرْمِ أخْوَتِه عَمّا فَعَلُوا بِـهِ, فَظَّنَ إنَهُم لِيَذبَحُوه, فألَتَ

الحَبْلُ مِنْ يِـَدِهِ وَسَحَبَهُ المُنْهِل بِدَلْوِّهِ وَصاحَ يا قَوْم أسْرِعُوا ماءَ البئْـر

عَذِباً,, فَندَهَشَ مالِكُ وَقالَ أمْـرٌ عَجيبٌ لاَ رَيْبَّ عِنـدِي بَعـدَ الشَكِ كانَت

مياهُ هذِهِ البِئْـر مالِحَةٌ فَكَيْفَ صَحَتْ لَكُم أنْ تَكُونَ عِذبَةٌ أمْلَئُوا أقرِبَتِكُم

مِنهُ حَتى نَرْحَلُ عَنْ قَريب,,

فَلَّمَا سَمَعَهُم يُوسُف إنَهُم قَـَوْمٌ غـُرباء وَألقـُوا الدَلَـوَّ ثانِيَـةَ فَنظَـرَ إليْـهِ

وَتَحَـيَرَ فِي أمْـرِهِ وَخَشَيَّ مِـنْ مَسْكَتِ الحَـبْلِ فنَزَلَ عَلَيْـهِ جُبْريـلُ وَقـالَ

يا يُوسُفُ أهؤلاءُ قَـَوْمٌ أمِرُوا بِاسْتِنقاذِكَ لِتَكُـونَ مَعَهُم بَعِيداً عَـنْ أبـيكَ

يَعقُوبَ النَبِّي, وَأَتلَّى عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى (إِنَّـهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ

لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

يا يُوسُفُ الحَبْلُ أمامَكَ وَالخَيْرَةُ لَكَ فإنْ لَـمْ تَمْسُكَ بِـهِ سَوْفَ تُهْلَك فِي

البِئْرِ فَمْسِكْ بِهِ يا يُوسُفُ وَاجْلـُسْ عَلى الدَلُوِّ فإنَ أخْوَتـُكَ عَلى مَقرَبَةٍ

مِنْ هؤلاءِ القَوْم يُريدُونَ بَيْعَكَ عَلَّيْهِم, فطاوِّع بِمَا يَفعَلُونَ بِكَ مِنْ بَيْعٍ

كَعَبدٍ بَعِيداً عَـنْ أبـيكَ يَعقـُوب النَبِّي, فأنَتَ فِي البَيْـعِ عَزيـزٌ عِنـْدَ قَـَوْمٍ

يُحسِنُونَ فِداكَ فَلاّ تَحزَن عَلى أبيكَ فإنَهُ قََـَد كَشَفَ عَلى أُخْوَتِكَ عَلائِـمَ

الإرتِيابِ لَـمْ يَـرِجَ خَدعَهُـم بالذِئـْبِ المَكْـذوبِ عَلى يَعقـُوبَ النَبِّـي بِـمَّا

حَدَثَتـهُ نَفسُهُ البَصِرَةَ إنَكَ فِي حُفـْظِّ اللـَّهِ وَتَربِيَتَهُ لَكَ, وَهُـم الخائِفـُونَ

وَلكِنْ أكْثرَ الناسِ لاَ يَعقِلُون,,

يا يُوسُف: إنَ اللـَّهَ يُريدُ أنْ يُوقِعَ بَلائَهُ بِأوْلِيائِهِ قَبْلَ عِبادِهِ, فأنتَ أحَـدُ

أوْلِيائِهِ إذا خُُيِّرْتَ بَيْنَ المَعصِيَةِ وَبَيْنَ الصَبْرِ عَلى الشِّدَةِ أنْ تَصْبرَ عَلى

البَلاءِ سِنِيناً وَتُؤْثِر أنْ تُطِيعَ اللهُ تَعالى بَعـدَ فِعلِهِم هـذا فَهُم الأخْسَرُونَ

إذا مَا لَمْ يَعتَرفوا بِخَطِيئَتِهِم لأبِيهِم وَيَسْتَغفِرُونَ الله,,

فَأمْسَكَ يُوسُفُ بالحَبْلِ وَجَلَسَ فِي الدَلْـوِّ مُطْمَئِناً, وَمّـا راعَ ذِلِكَ المُنْهِلُ

إلاّ وَفِي دَلْوِّهِ غُلامٌ يافعٌ مُتَعَلِقٌ كأنَهُ فلْقَةُ قمَرٍ فِي لَيْلَتِه,,

فلَّمَا نَظَرَ إليهِ الساقِي كَأنَهُ فلْقـَةُ قمَـرٍ: صاحَ يا بُشْرى هـذا غـُلامٌ يافِعٌ

لِتَعرِفـُوا حالَتَـهُ عَـسى أنْ تَرِدُوهُ إلى أهْلِـهِ, فاجْتَمَعَ القـَوْمُ المُسافِرينَ

وَأخَذتهُم الدَهْشَةَ بِحُسْنِ رَوْنَقِـهِ, فَاختَلفـُوا فِي رَأيِِْهِم عَلى أنْ يَتَخِـذُوهُ

عَبْداً لِحُسْنِ طِباعِهِ وَقالـُوا مَنْ أنتَ مَلاكٌ أمْ إنْسٌ وَمَاذا تَفعَلُ فِي داخِلِ

البَئْـرِ المُظْلِمَة وَلَـمْ يَتَرَقَبُكَ المَوْت فانـْدَهَشَ يُوسُفُ مِـنْ غَرابِتِهِم وَلَـمْ

يَفْصَحَ بالإجابَةِ عَلى حَـدِ سُؤالِهِم,,

وَقالَ لَـهُ مالِك: أيُها الغِلامُ فَلِـمَ أنتَ ساكِتٌ لاَ تَفهَمَ كَلامَنَّا مالَكَ صامِتٌ

مِنْ شِـدَةِ الخَوْفِ, فَمَّا بالـُكَ تَتَلَفَتُ يَمِيناً وَشِمالاً, هَـلْ تَبْحَثُ عَـنْ أحَـدٍ

ضَيَعتَهُ أمْ كُنتَ الضائِعُ أنْتَ مِنْ بَيْنِّ يَدَيه؟؟ فَقـُلْ لَنَّا يا بُنَيَّ, كَيْ نُعِيدُكَ

وَنذهَبُ بِكَ إلى حَيْثـُمَا تـُريد فَلاَ تَخَفْ لَـنْ يُؤذِيكَ أحَـدٌ مِنَّا فَمَا أسْمُكَ؟؟

قالَ أنَّـا عِبْْرانِيٌ وَاسْمِي يُوسُفُ: قـالَ مالِكُ: يا لِلغَرابَـةِ عِبرانِيٌ يَتَكَلَـم

فَصِيحاً, فقُلْ لِي مِنْ أيِّ البِلادِ أَنْت وَمِنْ أيِّ القَبائِل وَمَا اسمُ أبيكَ: قالَ

(لاَ) لَنْ أتَكَلمَ عَنْ ذلِك وَلاَ أُريدُ أنْ أرْجَعَ إليهِم أبَداً خذُونِّي مَعَكُم حَيْثُمَا

تَذهَبُونَ أنَّا لاَ أُحِبُّ العَوْدَةَ إليْهِم بَعدَ ما جَرى عَلَيَّ وَإذا إخوَتَهُ العَشْرَةَ

مِنْ أبيهِ كانًوا يَتَرقبُونَ القافِلَةِ التِي اسْتَأنفَت البِئِْر وَهُم فِي جَوْفِ كَهْفٍ

عَنهَا, فَلَّمَا شاهَدُوهُ بَـيْنَ أيدِيهِم,, قالَ شَمْعُون أسْرِعُوا مَعِي كَيْ نُغلِقَ

فَمَهُ إلى الأبَـدِ قَبْلَ أنْ يَفضَحَنَّا وَيَقُولَ كُلَّ شِيءٍ لَهُم مِنْ أمْـرِنَّا, وَيَفشَلُ

كُلَّ مَا صَنعناهُ بِـهِ,, وَصاحُوا بأعلى أصْواتِهِم يا قََـَوْم هـذا عَـبْدٌ لَنَّا قََـَد

أبـِقَ مِـنّا وَسَقطََ فِي البِئْـرِ وَنَحنُ عَنهُ غافِلُونَ؟؟ فوَرَدَ ذلِكَ بِشَأنِهم فِي

التَنزيلِ (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا

غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)

دَلِيلُ الآيَةَ هُنَّا يَقَعُ عَلى (وَأَسَرُّوهُ) لَيُوسُفَ (بِضَاعَةً) فـَوْقَ بِضاعَتِهِم

وَكانُوا فِيـهِ فَرحِينَ بشِرائِِـهِ مِـنْ إخْوَتِـهِ (بِثَمَـنٍ بَخْـسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)

فَشَراهُ مالِك بنَ ذَعَر بـنَ نُوَيْت, وَهُـوَ عَلى دِينِ الحَنَفِيَةِ دِيـنُ إبْراهِيمَ

خَلِيلُ الله,,

وَالسَّرُ فِي الآيَـةِ: هُـوَ الإخفاءُ الذِي اشَتَرَطُوهُ أخوُتَـهُ عَلى المُسافِرينَ

السَيارَةِ, وَمِنْ جُمْلَةِ هـذا الإخْفاءُ جَعَلـُوا يُوسُفَ بَعـدَ بَيعِهِ فِي رِحالِهِم

مُخَبَئاً عَنْ ناظِرَةِ العِيُونِ خِشْيَةً أنْ لاَ يُكْتَشَفَ سِرَّ مَكنُونَهُم بِغـُنْمِهِ, أوْ

يُفتَضَح أمْرَ إخوَتَهُ حَتى اسْتأنَفَت القافِلَةَ بالخِرُوجِ مِنْ أرْضِ كَنعانَ إلى

مِصْرَ قاصِدِينَ بَيْعَـهُ الزاهِـد, وََباعُـوهُ ببَيـْعِ السَماح وَبـِدَراهِمٍ مَعـدُودَةٍ

وَالعِدَّةُ لَدَيهِم إمّا أنْ تَكُونَ عشْرُونَ دُرهَماً أوْ أربَعُونَ وَكانَ عِندَهُم هذا

الثَمَنُ قِيمَة كَلْبِ الصَيدِ إذا قُتِلَ فَتَقاسَمُها العَشْرَةَ بَيْنَهُم وَيُوسُفُ الأسِيرُ

يَنْظِرُ لِنارِ الحِقدِ كادَت أنْ يُطفِئُوا بِها وَقدَتَ أكْبادَهُم فِي إبعادِهِ عَن أبيهِ

فَسَّـرَ فِي نَفسِـهِ حَدِيثَهُم وَتَهْدِيدَهُم إليـْهِ, وَوافَقَهُم بِحَـظِ نَصِيبِهِ لِيكُـونَ

عَـبْداً يُـباعُ وَيُشْتَرى خِشيَةً مِنـْهُ أنْ لاّ يَنتَقِضَ بَيْعَهُ وَيَقـَع القَتـْلُ مِنْهُـم

عَلِيْهِ ثانِيَةً, فاسْتَسْلمَ لِرَبِهِ وَرَكِبَ مَتنُ الاغتِراب لِبَلائِهِ وَقالَ: أنَّـا عَبْـدٌ

أبِقتُ مِنْهُم وَسَقَطْتُ فِي البِئْرِ وَهُم لاَ يَعلَمُونَ فَأسَّرُوهُ بِضاعَةً وَاشَتَرطَ

الأخْـوَة عَلَيْهِم أنْ يَذهَبُـوا بـهِ بَعِـيداً عَـنْ أرْضِ كَنعانَ وَهُـمْ لاَ يَعلَمُونَ

بِأخِيهِم بأيِ أرْضِ يَعِيشُ حَتى ألْقَت القافِلةُ عَصاها بِمِصْرَ (وَكَانُوا فِيهِ

مِنَ الزَّاهِدِينَ) الزُهْدُ الرَغبَةُ عَنْ الشَيءِ, وَالمُزْهِدُ القلِيلُ الشَيء وَكانَ

شِراءَهُم هُوَ شَيءٌ زَهِيدٌ قلِيلُ بِمّا كانُوا فِيهِ فَرحِينَ, وَلِهذا أَسَّرُوهُ عَنْ

ناظِرِةِ العِيُون وَواجَدُوهُ بِضاعَةً لهُم وَهُـم لاَ يَشْعِرُونَ بِهذا العَبْـدُ بِـمَا

يُغيِّرُ اللـَّهَ لِِّمَا لَـهُ فِي ذلِكَ مِـنْ الحِكْمَةِ العَظِيمَةِ, وَالقـَدرُ الحافِظ بأهْـلِ

مِصْرَ برَحمَتِهِ لَهُم, وَبمَّا يَجْري عَلى يَدِي هذا العَبْدُ الذِي يَدخِلُ بِلادَهُم

فِي صُورَةِ أسِيرٍ رَقِيقٍ ذَلِيلٍ, ثمَ بَعدُ هـذا يُمَلِكُهُ اللهَ تَعالى أَزِمَةََ الأمُور

بَعدَ سِنِينٍ, وَيَنفَعَهُم بـهِ فِي دِنياهُم وَأُخْراهم وَهُم لاَ يَعلَمُونَ بِعلْمِ اللـَّهِ

مّا يُحِيطَهُم بِنبُوَةِ يُوسُف وَهُم عَنهُ غافِلُونَ إلى حِينٍ بأنَهُ الحاكِمُ اليَقظْ

لِيُخْرِجَهُم مِنَ حَلَكِ الظلُوماتِ إلى النُور,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:45 PM   رقم المشاركة : 5
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الخامِس
(يُوسُفُ يُباع عَبداً فِي سُوقِ النَخاسِين)





فَلَمّا وَضَعُوا يُوسُف (ع) فِي سُوقِ النَخَّاسِينَ لِبَيعِهِ صاحَ المُنادِي مَـنْ

يَشْتَري هذا الغُلامُ مَعَهُ عَشْرَةُ أوْصافٍ يَمَتَلِكُها فِيْهِ المَلاحَةَُ وَالصَباحَةَ

وَالفَصاحَةَ والبَلاغَةَ وَالشُجاعَةَ وَالقُوَةَ وَالمرُوءَةَ, وَالصِيانَةَ, وَالأمانَةَ

وَأرَادَ أنْ يَقولَ وَالنبُوَةَ فأمْسَكَ اللـَّهُ عَلى لِسانِـهِ خِشْيَةً أنْ يَعلَـمَ الناسُ

قِصَتَهُ وَأمْرَهُ حِينَ رَآهُ مالِكُ بـنُ ذَعَـر فِي مَنامِهِ إنَـهُ المُبَشَرُ عِندَ أبيـهِ

لِيُؤَهِلُهُ اللهَ نَبياً بَعدَ رُشْدِه,,

فَتَجَمَعَ الناسُ عَلَيْهِ وَاندَهَشُوا مِـنْ حُسْـنِ رَوْنَقِ جَمالِهِ,, فَتَمَثلَ جُبْريلُ

لَيُوسُفَ بَشَراً سَوِّياً وَقالَ: لاَ تَحزَنَ يا يُوسُف, هؤلاء الكَفَرَة يَشْتَرُونَكَ

اليَوْم, وَلكِنْ سَتَحُولَ الأيامُ عَلْيْهِم فَتَشْتَريهُم أنتَ عَنْ آخْرِهِم,,

قالَ: يُوسُف يا أمِينَ اللـَّه: مَا الـذِي يُريدُونَ بِجَمعِهِم هـذا, قالَ جُبريـلُ

يُريدُونَ جَمالُكَ وَالجَمالُ مَكْنُونٌ فِي ذواتِ الناسِ الذِي يُبْصَر فِي العَيْنِ

فَهُم يُعايِنـُونَ الجَمالِ الـذِي أوْدَعَـهُ اللـه فِيكَ يا يُوسُـف, وَهـؤلاء لَهُـم

عِيُونٌ يَبصِرُونَكَ بِهَا لكِنَ بَصِيرَتَهُم الباطِنَة عُمِيَّتْ عَنْ جَمالِ الحَقِّ مِنْ

حَيْثُ لاَ يَعلَمُونَ, وَإنَمَا يَطُوفونَ حَوْلَكَ لِشِراءِ وَليُّ اللـَّهِ وَليْسَ يُوسُف

بنَ يَعقُوب الصَفِي,,

فَقالَ عَزيزُ مِصرَ بِكَم تَبيعَ هذا الغُلام؟ فقالَ مالِك: بوَزنِهِ ذَهَباً أمْ مِسْكاً

أمْ حَريراً, فَقالَ كاهِنٌ مِنْ مَعابـدِ آمُونَ لِصاحِبهِ لاَ تُفلِتَ هـذا الغِلامُ مِنْ

يَدِكَ فإنَهُ يَرْجَحُ عَلى الدُنيا وَمَا فِيها فَزادَ بِثَمَنِهِ,فَسَمَعَهُ العَزيز وَوَضَعَ

فِـي كَـفِّ المِيزانِ لِمُعادَلَتِهِ ثَلاثـَةُ آلافِ دِينارٍ مِـنَ قِطَـعِ الذَهَـبِ, فَرَجَحَ

يُوسُف عَلى وَزْنِ مَا وُضِعَ بوَزْنِهِ, فقالَ العَزيزُ هَـلْ لَكَ أيُها التارِجُ أنْ

تَهِبَ لِي هذا الغُلام فإنِي لاَ أُقمِمَ بثمَنِهِ شَيْئاً بَعدَ هذا فَقالَ مالِك لَقد بِعتُهُ

لَكَ بهذا المال؟؟

فتَعجَبَ مالِك كَيْـفَ وَزَنَ كُلَّ مالِـهِ فِي يُوسُـف, فأسِفَ وَقال: حَسَـناً لَـوْ

شَراهُ بِمَلأِ ألأرضِِ ذَهَـباً لَّمَا كانَ ذلِكَ عَـدلاً لِهـذِهِ النَفس الزَكِيَـة الأبيَـة

فلَّمَا باعَـهُ مالِك كَشَفَ اللـَّهُ الحِجابَ بَيْنَهُ وَبَـيْنَ يُوسُف, فَصاحَ صَيْحَةً

فَوَقعَ عَلى أثـَرِها مَغشِياً عَليِهِ؟؟ فَألْطَفَهُ يُوسُف فأفاقَ مِنْ مَآقِـهِ: وَقالَ

مَا بالُكَ يا مالِك, قالَ لَقـَد زُهِـدتُ فِي المالِ الكَثِيـر وَنَسَيْتُ رُؤْيَتِي التِي

رَأيتُكَ فِيها مِنْ مَنامِي بأنَكَ النَبَِيَّ المَوعُود فَلابُدَ لِي أنْ أسْتَرجِعُكَ, فَلَمْ

يَسْتَرجِعُهُ العَزيز لِمالِك,,

قالَ أيُها العَزيز: فَمّا بَقَيَّ لِي مَعَكَ مِنَ الجِدَلِ إلاّ لِتَأذنَ لِي أنْ أُكَلِـمَ هـذا

الغُلامُ بِكَلِمَتَيْنِ؟ قالَ حَسَناً, فَدَنى مِنهُ وَقالَ: ألَسْتُ إنَكَ وَعَدتَنِي بخَبَرِكَ

إذا بِعتُكَ؟؟ قالَ يُوسُفُ نعَم وَبشَرْطٍ أنْ لاَ تَخْبِرَ أحَدٌ بِأمْري, أوْ تَكْشُفَ

عَنْ مَكْنـُونِ سِـرِّ عَنِي فإنِي سَأدعُو اللـَّه لِمَغفِرَتِكَ إذا التَزَمَت، فَعاهَدَهُ

مالِك باللـَّهِ بِكتمانِ سِّرهِ قالَ يُوسُفُ أنـَّا مِنْ سُلالَـةِ الأنبياءِ بنُ يَعقوبَ

الصَفِي إسْرائِيلَ الله بنُ إسْحاقَ بنُ إبْراهِيمَ الخَلِيل،فَضرَبَ جِبينَهُ وَقالَ

يا سُوءَ تَجارتِي أبيعُ أوْلادَ الأنبِياءِ؟ وَاللهِ لاّ أأخذُ مِـنَ ثمَنِكَ شَيْئاً حَتى

أنالُ مِنْ تَوْبَتِي مَغفِرَةً مِنكَ, ثـُمَ قالَ أيْنَ المُلْتَقى يا نَبِيَّ اللـَّهِ, قالَ عِنـْدَ

أبْـوابِ مَلِكَ مِصـْرَ, فانتَظرَ مالِك عشْرُونَ سَنةً وَجاءَ اليَومِ الذِي التَقى

بِـهِ مَعَ يُوسُفَ وَاتَخَذهُ وَزيراً لَـهُ يُؤازرُهُ فِي عَرشِ نِبُوَتِـه

(يُوسُفُ فِي بَيْتِ عَزيزَ مِصْرَ)



فَنَزَلَ قَوْلهُ تَعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْترَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ)

هُـوَ أُطْفِيرُ بـنَ روحِيب عَزيـز مِصْـرَ وَوَزيرُها الناهِي, اشْتَرى يُوسُف

مِنَ مالِك بنَ ذَعَر لِزَوْجَتِهِ راعِيل بِنتَ رماييل هِيَّ زُلَيخَةَ: قالَ لَها هذا

غُلامٌ مُضِيءُ الطَلعَةِ اشتَرَيتَهُ إلَيكِ يَخِّلُ إليَّ مِنْ مَعارفِهِ, وَهِدُوءَ طبْعِهِ

إنِّي أراهُ نَبيلُ الفِطْر, سَريُ ألأخْلاقِ أُكْرمِي مَثـْواهُ وَمَأواهُ وَحَشاكِ أنْ

تُجِريـهِ خادِمـاًَ, أوْ تـُضْرَبيهِ ضَّـربَ العَبيـد, إنـَهُ كَريـمُ المَنبَـتِ طاهِـراً

(عَـسَى أَنْ يَنْفَعَنَا) كَنَفعِ العَبيدِ بأنْواعِ الخِدمَةِ (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) نَسْتَمْتِعُ

فِيهِ اسْتِمْتاعَنا كَأوْلادِنا لِخُلْقِهِ وَذَكاءِهِ وَأمانَتِه,,

فَلَّمَّا أبْصَرَتهُ زُلَيْخَةَ قالَت: يَتَخَيَّلُ لِي هذا الجَمالُ مِنْ قَبْلُ أَمَّا فِي المَنامِ

أمْ فِي يَقظَتِي فَمَا أُسْمُك قالَ يُوسُفُ؟ قالَتْ أنَّا لاَأَحِبُ أنْ أَطْلُقَ الأسْماءُ

فالْتَفَتْ إلى زَوْجِها عَزَيزَ مِصْرَ وَقالَتْ أوَدُ أنْ أُطْلِـقَ عَلَيْهِ اسْماً لِذكْرى

عَهْدِ أقوامِنَّا؟ قالَ لَها: هذا الفَتى هُـوَ هَديَةٌ لَكِ مِنِّي نادِيـه بالإسْمِ الذي

يَعجِبُكِ وَيَحلُ لَكِ,,

وَطلَقَتْ عَليهِ اسمُ يُوزارسِف: وَقالَت يا يُوسُف مِـنَ الآن سَأُنادِيكَ بِهذا

الإسْم, قـالَ: إذا كانَ يُرضِكُم فأنَّـا مُوافِـقٌ لِحُسْـنِ ظَـنِكُم وإكْرامِكُـم لِـي

وَلكِنَ يُوسُف: أَخْفى نَسَبَهُ وَحَسَبَهُ عَلـى العَزيـزِ حِينَ سَألَـهُ خِشْيَـةً أنْ

يَسْريَّ خَبَرَهُ لأبيهِ ذلِكَ لِحِكْمَةٍ أرادَها اللهُ أنْ يَدثرُها بِصَدرِ يُوسُفَ زَمَناً

وَيُفشِيَّ بِها لِقـَوْمِ لاَ يَعقِلـُونَ مَّا يَحْوِي لَهُـم مِـنْ أَحْكَامِ الدِّيـنِ وَالإِيمَانِ

بِاللهِ وَالتَخَلُصِ مِنْ عِبادَةِ الأوْثانِ وَالرِّق مِنَ العِبُودِيَةِ ثمَ يُبْرزُ مِصْداقَ

رُؤيَتهُ إلى أبيهِ التِي كانَت فِي عالَمِ الغَيْبِ بَعـدَ تَحقِيقِيها بِعالَمِ الشَهادَةِ

عَمَا يُسَخِّرَ اللـَّهُ لَهُ وجُوهَ الناسِ وَمِلـُوكِها مُذعنِينَ لِطاعَتِهِ, خاضِعِينَ

لِحَضْرَتِه عَلى وَجْهِ الاسْتِكانَةِ,,



فَتَوَعَدَهُ يُوسُف إنَهُ العَبْدُ المُباع المُطِيع لَهُ وَلِزَوْجَتِه كَمَا أرادَ اللهُ بِذلِكَ

مِنهُ فأنزَلَ جُبْرِيلُ عَليْهِ وَقالَ يا يُوسُفُ إنَ اللـَّهَ بَوَعدِهِ لَكَ يَقُول (مَكَّـنَّا

لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) يَعنِي بِهِ: مِنْ يُسْرِّنا أنْ يَشْتَريكَ عَزيز مِصْرَ عَبْداً

لَـهُ مِنَ السُوقِ النَخاسِين هِيَّ مَكْرَمَةٌ مِـنّا جُعِلَت لَكَ مُقَدَمَةً لِتَمْكِينُكَ فِي

الأرضِ بهذا الطَريقِ مِنْ بَيْتِ العَزيز وَهُـوَ لاّ يَشعِرُ مَاذا يَدُورُ بَعدَ ذلِكَ

مِنَ الإمُورِ الخَفِيَةِ وَهذا مِنْ لُطْفِنا بِكَ وَفَضْلُنَّا عَليْكَ وَتَكَرمُنَّا وَإحسانُنا

إليْكَ وَرَحمَتُنا مِنكَ بِمَا نـُريدُ أنْ نُؤْوِّيكَ فِي سِـرِّ حَتى تَبْلَغَ مِـنَ الرُشْـدِ

فِي هذا البَيْت, وَنُؤَهِلُكَ لِلنِبُوَةِ عِندَ القِوى وَنُعطِيكَ مِنْ خَـيْرِ الدُنيا قَبْلَ

عَطاءِ الآخِرَةِ,,

يا يُوسُفُ: ثـُمَ قالَ تَعالى بِحَقِكَ (وَلِنُعَلِّمَهُ مِـنْ تَأْوِيـلِ الْأَحَادِيثِ) بِتَعبـِِيرِ

الرُؤْيا وَالحِكْمَةِ بِالمَوْعِظَةِ, فَتَعرِفُ مَا سَوْفَ يَقَع, وَقبَلَ أنْ يَقعَ لِتَسْتَعِدَ

لِمَا يَحدِثُ مِنَ الناسِ بِمَضَارِهِم وَنَفعِهِم, وَاللهُ قَوِّيٌ قادرٌ عَلى تَنفِيذِ كُلِّ

أمْرٍ لاَ يَردُهُ أحَدٌ إذا أعطى, يُريدُهُ لَكَ إعجازاً مِـنهُ, مِنْ حَيْثُ لاَ يُعجِزُكَ

شَـيْئاً مِـنْ شَيءٍ تَفعَلَهُ بإذنِـهِ (وَاللـَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْـرِهِ) نافِـذ، لاَ يُبْطِلُهُ

مِبْطِلٌ،وَلاِ يغلِبُهُ مُغالِبٌ بِسِحرٍ مِنهُ عَليهِ (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

بِحكْمَتِهِ وَإرادَتِهِ فِي خَلْقِهِ مَا يَجْري عَليهِم, وَيَصْدِرُ وَمَا يُصْدَر, فإنَهُم

لاّ يَعلَمُونَ فِي أمُورِ أحكامِهِ القَدرِيَةِ,, فَقَرَت عَيْن يُوسُف حِينَ اتَخَذُوهُ

العَزيز بِمَثابَةِ الوَلَدِ لَـهُ مِـنْ أمِـه,, فانْصَرَفَ إلى العَمَلِ فِي بَيْتِ العَزيز

بجِـدٍ وَأمانَةٍ وَإخْلاصٍ, وَمّا يَلْقى فِي قلْبِـهِ إلاّ هَـمٌ أهْلاً بأهْـلٍ, وَأقرِباءً

بجيرانٍ, وَغربَةً بأحزانٍ, وَأذىًَ بِصَبْرٍ,,





فهَيَأتْ لَهُ زُلَيْخَةَ: مَلابـسَ المِلـُوكِ بَعـدَ أنْ خَلَعَت مِـنهُ قَمِيص الحَداثـَةِ

فأدَثرَهُ يُوسُف فِي مَكانٍ لـَهُ كَأنَهُ عَلِمَ أنَ قَمِيصُهُ هُوَ المُعجِزَةُ التِي يَرِّدُ

بِها بَصَرَ أبيهِ, وَلَبِسَ بُرْدَ الشَبابِ فَنَظَرَ إليهِ العَزيزُ وَأدخَلَهُ بَيْنَ نَفسِهِ

وَأهْلِهِ, وَبَوَأَهُ مََكانَ الأَشْراف الأحرار, وَأدخَلَهُ مِنْ قَلبِْهِ مَوْضِع الأبناءِ

ذلِكَ لِمَكْنُونِ حَزْمِهِ, وَشَجاعَةََ عَقلِهِ, وَمُسْتَودِعَ أمانَتِهِ وَمَظْهَرَ نَزاهَتِهِ

وَشَرَفَ عِفَتِهِ, وَبادِئَ خُلِقِهِ,,

نَحنُ لاّ نُصَدِق: أنَ يُوسُفَ الصِديق يَخلَّصُ مِنْ مِحنَةِ الجُبِّ, ومُخادَعَةِ

أخوانِهِ عَليهِ, وَتُخَّلد لهُ حَياةٌ هادِئَةٌ فِي بَيْتِ العَزيز,, وَلكِن بَدَأت ألأيامُ

وَالسَنَوات تُخِيط لَهُ مِحنَةٌ جَدِيدَةٌ وَهُوَ فِي عِزِّ شَبابِهِ هذا الغلامُ الصَغِير

لَعِبَت بهِ ألأقدار مِنْ عُمْرِهِ تِسْعَة سِنينٍ حَتى بَلَغَ رُشْدَهُ فِي بََيتِ العَزيز

ثمانَيَة عَشَر سَنَة,,

أجَلْ: إنَ هـذا البَلاءُ لّهُـوَ البَلاء العَظِيم, فَبَـدَأ الشَيْطان يُحِيكَ لَـهُ مِحنَةَ

جَدِيدَةً بَعـدَ أنْ تَقَدَمَت بِـهِ الأيامُ وَأظّلَهُ رَبيعِ العُمْر,, وَإذا امْرأةُ العَزيز

زُلَيْخةَ قَـَدْ أشَغََفَها حُـبّ يُوسُف,, هـذا الشابُ اليافِعُ الصِديقُ التَقِيُ بـنَ

يَعقوبَ الصَفِي ألأنجَبُ قَـَد أخَـذت زُلََيْخَةَ تَرْقَِبُهُ وَتُقرِبُهُ إلى حُبِِِّها يَومـاً

بَعدَ يَوْمٍ وَساعَةً بَعدَ ساعَةٍ وَهِيَّ تُلاحِظُ قِيامَهُ وَقِعُودَهُ ويَقظَتَهُ وَمَنامَهُ

فَشَعَرَت أنَ حُبَـهُ قَـَد نَبَتَ فِي قَلْبِها, وَيَسـْري مَـعَ أنفاسِها, وَتَمَنَتـْهُ فِي

خَلْوَتِها مِـنْ لَيالِيها وَسَهْراتِها, وَلكِن كُلَّمَا أرادَت المَيْل مِـنهُ جَـفّا قَلْبَـهُ

عَنها, وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ رَوْنَقِ مَحاسِنِها,,

أسألَكُم باللـَّهِ: مَا تـُريد هـذِهِ المَرأةُ الجَريئَةِ المَفتُونَةِ بغَرامِها مِنْ هـذا

الشاب ألأصِيل إنَ حُبّها إليهِ نَبتَ فِي قلْبِِها وَنَبَضَ فِي عرُوقِها وَيَجْري

مَعَ أنفاسِها لاّ تُطِيقَ عَن فِراقِهِ صَبْراً, فأخَذّت تَعِـدُ ألأمْرَ أنْ تُقربَهُ إلى

حُبِّها المَفتُون بالغَرامِ الفاحِش, وَلكِنَ يُوسُفَ مَشْغولٌ برَبِّهِ, بَعِيداًَ عَنْ

تَراوِّيحِها وَتَلْوِّيحِها,,

قالَت يا يُوسُف: ألاّ تَـرى امْـرأة قلْبُها مُحَطَّماًَ, وَنفسُها سَحَقَها الهَـوى

وَتَوَلَّت عَليْها ألأحزان وَالمِحَن أفَلاّ تَنظُرَ إلَيها إنَها عاشَت بِضِيقٍ لأجْلِ

شابٍ عَفِيفٍ سَريِ الإهابِ, لَـهُ رَيْعان الشَبابِ, وَغضاضَةُ الإهابَةِ,,

قالَ يُوسُفُ (مَعَاذَ اللـَّه) أنْ أخـُونَ سَيِّدِي العَزيز الذِي (أَحْسَنَ مَثوَايَ)

وَأكْرَمَ فِدايَّ بِلُطْفِهِ, وَحاشا اللـَّهُ أنْ أجِيبُكِ إلى مَا تُردِينَ, أوْ أذعَنُ إلى

مَا تـُرغَبينَ طََوْعـاً لِطَلَـبِ شَهْوَتكِ بِفـُحشٍ أرتَكْبُـهُ مِـنكِ ( إنَّـهُ لا يُفْلِـحُ

الظَّالِمُونَ) بالفَوْزِ عِندَ رَبِهِم, قالَتْ يا يُوسُفُ (الجُنيْنَةَ) قَـَدْ عَطَشَت قُمْ

فأسْقِيها, قالَ مِفتاحُها لَيْسَ بِيَدِي فَبَعلُكِ هُـوَ أحَقُ مَنْ يَسْقِيها,,

قالَتْ: وَمَا سَدُكَ مِـنْ زَوْجِي لأسْقِيَهُ كَأساًَ مِـنْ زَيْبَـقِِ الذهَـبِ, لِيَتَساقطَ

شَعرَهُ, وَيتَناثرَ عَظْمَهُ حَتى يَهْلُك, وَأجْعلُ لَكَ مِنْ بَعـدِهِ الخَـيْرَ مَا تَشاءُ

إنْ طاوَعتَنِي فِي نَفسِي,,

هـذِهِ المَرأةُ الجَريئَة المَفتُونَة بِغَرامِها جَعَلَّت مِنَ الخَيْرِِ الكَثِير أنْ تَغلُبَ

مَيْلَّها وَتَسْحُقَ هََواها عَـنْ حُـبِّ زَوْجِِها,, وَمَا كادَت أنْ تَصْرُفَ نَوازيَّ

الهَوى عََـنْ نَفسِها إلاّ يُجِيبَ لَها داعِيَّ الهَوى مِنْ يُوسُفَ العَفِيف حَتى

تُجاذِبَهُ ثـَوْبَ الغـَرامِ لاّ يَهمُها إنْ هَبَطَّـت مِـنْ مَكانِـةِ عَرشِها, أوْ عِـزَةِ

نفسِها وَسُلْطان قوَتِها,,

فأعرَضَ يُوسُفُ عَنْ تَلْوِّيحِها, وَكُلَّما يَحصَلُ مِنها الغـَرامُ يَغِـضُ بَصَرَهُ

عَنْ مَحاسِنِها وَعَن رَوْنَـقِ جَمالِها,, فَكانَ قَلْبَهُ مَشْغُولُ بِرَبِّـهِ لَيْسَ هُـوَ

الذِي تَسْتَمِلُهُ امرَأةٌ لِهَواها لِيَمِيلَ إلى مُحَرَمٍ أوْ تَجْنَحَ نَفسَهُ إلى مَعصِيَةٍ

فالعَجَبُ لِكُلِّ العَجَب, فَرُبَّ سائِلٌ يَسأل عَن السَبَبِ, لَـوْ أنَنا اختَبَرْنا ألْف

رَجُـلٍ بالغِينَ الأهَمِِيَةِ فِي مَجتَمَعاتِهِم وَوَضْعناهُم مَعَ كُلِّ امْرَأةٍ فِي بَيتِها

كَزُليخَةٍ فِي جَمالِها وَمُراودَتِها لِيُوسُفَ فهَل يَخْرج أحدَهُم عَفِيفٌ نَجيبٌ

طاهِـرُ الذَيْلِ مِنَ حَيْثُ لاَ تَجنَحَ نَفسهُ إلى مُُحَـرَمٍ؟؟ كَلاّ لَفَعلـُوا مَا فَعلـُوا

هـذِهِ هيَّ حَقِيقةُ ألأيمان أنْ يَعتَصِمَ يُوسُـف, وَيَمْتَنِعَ أنْ لاّ تَجْنـَحَ نَفسهُ

إلى مَعصِيَةٍ, أو فاحِشَةٍ, لأنَـهُ تَرَعرَعَ فِي كَنَفِ بَيتِ النبُوَةِ وَالرِسالَة,,

أوَليْسَ إنَهُ نبِّيٌ مِنْ سُلالَةِ الأنبياءِ فعَصَمَتهُ نَفَسَهُ عَنْ الفَحشاءِ وَحَمَتهُ

عَنْ مَكْرِ النِساءِ, ألَيْسَ هُوَ سَيدُ السادَةِ النُجَباءِ الشُرَفاءِ السَبْعُ الأتقِياءِ

المَذكُورينَ عِندَ خاتَمِ الأنبياءِ مُحَمَدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وآلِـهِ إذ قالَ: سَبْعَةٌ

يُظِلُهُم الله في ظُلِهِ يَوْمَ لا ظُّلَ إلاّ ظِّلهُ: إمامٌ عادِلٌ، وَرَجُلٌ ذكَرَ اللهُ خالِياً

ففاضَت عَيناهُ، وَرَجُلٌ مُعَلقٌ قلْبَهُ بالمَسْجدِ إذا خَرَجَ مِنهُ حَتى يَعُود إليهِ

وَرَجُلان تَحابّا فِي اللهِ اجْتَمَعا عَليه وَتَفرَقا عَليه، وَرَجُلٌ تَصَدقَ بصَدَقَةٍ

فأخْفاها حَتى لاّ تَعلَمُ شِمالَهُ ما تَنفِقُ يَمِينهُ، وَشابٌ نَشَأََ فِي عِـبادِةِ اللـَّهِ

وَرَجُلٌ دَعَتهُ امْرَأةً ذاتَ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ فقالَ إنِي أخافُ الله,,

يَقصِدُ بيِهِ النَبِيُ يُوسُف سَلامُ اللهِ عَليهِ,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:48 PM   رقم المشاركة : 6
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ السادس
(مُراوَدَة زُلَيْخَةَ لِيُوسُفَ فِي بَيتِها)





(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)

عَـنْ الإمـامِ عَليِّ بـنَ مُوسى الرِضا عَليـهِ السَلام: حِـينَ سَألَـهُ الخََلِيفَة

المَأمُون العبّاسِي قائِلاً ألاَ تَقولُونَ أنَّ الأنبياءَ مَعصُومُون, فَقال الإمام

(بَلى) فقالَ المَأمُون فمَا تَفسِيرُ هذِهِ الآيَة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِـهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا

أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّـهِ) قال: الإمام لكِنَهُ كانَ مَعصُوماً وَالمَعصُوم لاَ يَهمُّ

بذَنبٍ وَلاَ يَأتِيهِ: فقالَ المَأمُون للهِ درُّكَ يا أبا الحَسَن,,


وَفِي تَفسِير آيَة اللـَّه العَلامَة السَيد مَحمَد حسين الطَباطبائي فَسَرَ قوْلَه

تَعالى (وَِلَقـَد هَمَت بـهِ) اللامُ فِيهِ لِلقسَمِ، وَالمَعنى: وَأقسِـمُ لَقـَد قصَدَت

يُوسُف بِمَا تـُريدهُ مِنهُ وَلاَ يَكُون الهَّم إلاَ بِأن تَشفَعَ الإرادَةُ بشَيءٍ مِـنَ

العَمَلِ وَقولَـهُ (لَـوْلا أَنْ رَأى بُـرْهَانَ رَبِّـهِ) مَعطـُوفٌ عَلـى مَدخـُولٍ لام

القَسَم مِـنَ الجُمْلَةِ السابِقةِ وَالمَعنى أقسِمُ لَـوْلا رُؤْيَتَهُ برهانَ رَبّـه لَهَمَّ

بها وَكادَ أنْ يُجِيبُها لِمَا تُريدهُ مِنهُ ثمَ بَيَنَ الطَباطَبائِي وَقالَ وَالذِي رآهُ

يُوسُف (عليهِ السَلام) مِنَ برهانِ رَبِهِ وَإنْ لَمْ يُوضِحهُ كلامَهُ تعالى كُل

الإيضاحِ, لكِنـهُ عَلى أيِّ حالٍ: كـانَ سَـبباً مِـنْ أسبابِ اليَقِـين لاَ يُجامِعَ

الجَهْل وَالضَلال بتاتاً، ويَدِلُ عَلى أنَـهُ كانَ مِـنْ قبيلِ العِلْم قـَوْل يُوسُف

فِـيما يُناجِيَّ رَبَـهُ كَمَا سَيَأتِي (وَإِلَّا تَصْـرِفْ عَنِّي كَيْدَهُـنَّ أَصْـبُ إِلَيْهِـنَّ

وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)


وَفِي تَفسِيرِ السُنَةَ: ذكَـرَ النَسْفِي فِـي تَفسِرِهِ عَمَا نَقَلَهُ وَلَـمْ يَذكـر اسْماً

لِمُفَسِرٍ (وَهَمَ بِها) قالَ وَفيهِ أيْضاً إشعارٌ بالفَرقِ بَينَ الهَمَينِ وفسَرَ هَمَّ

يُوسُف بأنهُ حَـلَّ تَكَـة سَراويلَهُ وَقعَدَ بـينَ شعبِها الأرْبَع وَهِيَّ مُسْتَلْقِيَةٌ

عَلى قَِفاها، وَفَسَرَ البُرهان بأنـهَ سَمَعَ صَوْتاً إياكَ وَإياها مَرتَيِن فسَمَعَ

ثالِثاً أعرَضَ عَنها فلَمْ يَنْجَع فِيهِ حَتى مُثِلَ لَهُ يَعقوب عاضاً عَلى أنملتِهِ

وَهُوَ باطِلٌ ويَدِلُ عَلى بطلانِهِ قوْلهُ (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) وَلَـوْ

كانَ ذلِكَ مِنهُ أيْضاً لَمَا بَـرَأَ نفسهُ مِنْ ذلِك: وقوله (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ

السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) وَلَوْ كانَ كذلِكَ لَمْ يَكُن السُوءَ مَصْرُوفاً عَنهُ,,


وَفِي تَفسِير الجَلالَينِ (وَلَقَـدْ هَمَّتْ بِـهِ) قَصَدت مِـنهُ الجَماع (وَهَمَّ بِهَا)

قَصَدَ ذلِك (لَـوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّـِهِ) قالَ ابـنُ عَباس مَـثَلَ لَـهُ يَعقوب

فضَرَب صَدرَهُ فَخَرَجَت شَهْوَتهُ مِنْ أنامِلِهِ,,


وَفِي تَفسِير ابنُ عَبد السَلام لِلسُنةِ فَسَرَ قَوْلَهُ تَعالى (وَهَمَّ بِهَا) بِضَربِها

أوْ عَزَمَ عَلى وِقاعِها فَحَلَ الهَمَيانُ وَهُوَ السَراوِّيل وَجَلَـسَ مِنها مَجْلِس

الرَجُل مِنَ المَرَأةِ (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) نُودِيَّ أتَزنِي فتَكُون كَطائِرٍ

وَقعَ رَشَهُ فذَهَبَ يَطِيرُ فلَمْ يِسْتَطِع، أوْ رِأى صُورَة أبيه يَقول أَتَهِمَ بفِعلِ

السُفَهاءِ وَأنتَ مَكْتوبٌ فِي الأنبياءِ فخَرَجَت شَهْوَتهُ مِنْ أنامِلِهِ,,


(هَلْ أيْقنَ الناسُ بِكَلامِ المُفَسِرينَ: أمْ بِمَا فَسَّرَ الشَيْخ ألحَجاري: وَقال)

أوَلَيْسَ هـذا البَلاءُ مِحنَةٌ عَظِيمَةٌ أعـْظَمُ عَلى يُوسُفَ مِـنْ مِحنَةِ أخْوَتِـهِ

عَليْهِ وَصَبْرُهُ عَلى المُراوَدَةِ هُوَ أعظَمُ أجْـراً مِنْ كُـلِّ المِحَنِ, وَاختِيارَهُ

الصَـبْر عَلـى العَـذابِ مَـعَ وجُــودِ الداعِـي بِمُراوَدَتِــهِ, وإجــبارِهِ عَلـى

الفَواحِشِ, وَرَغَبَة السِجْن أهْوَنُ عَليْهِ مِنْ مُراوَدَتِها لَهُ, وَالمُراوَدَةُ هُوَ

النِزاعُ الذِي بَدَّأتْ بِـهِ زُليْخَةَ مِـنْ يُوسُفَ فِي طَلـََبِ مُواقَعَتِها وَبِرَغبَتِها

وَكانَ ألأمْـرُ شَدِيـدٌ علَيـهِ لِمُطاوَعَتِها حِـينَ أخَذَت تَذهَـبُ وَتَجِئُ أمامَـهُ

تَعرِضُ عَلَيْهِ مَحاسِنُها وَهُـوَ يَشْعِرُ بِسُلْطانِها كَيْفَ نزَلَت إليـهِ بمَفاتِنِها

لِتَصْرِفُهُ عَـنْ نَفسِـهِ إلى مُواقَعَتِها بَعـدَ أوْصَدَت عَليْـهِ الأبْـوابَ السَبعَةَ

(وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) هَيْتَ اسْمُ فِعـْلٍ: بَـلْ هَلـُمَ مَعِـي يا يُوسُفُ إلـى سَريـرِ

النَومِ لَقَد تَهَيْأتُ لَكَ فاسْتَدَلْتُ الحُجُبَ مِنْ مَنافِذِها وَأغلَقتُ الأبْوابَ مِنْ

مَداخِلُها وَفرَقتُ العَبيدَ وَالحَشَم فَاسْتَغرَبَ يُوسُفُ مِنْ وقُوعِ الفِعلِ مِنهُ

بِها, فَقـَدَمَ مَحَبَةُ اللـَّهِ عَليْها بِأوَلِ دَلِـيلِ أنذَرَها (قَالَ مَعَاذَ اللـَّهِ) وَحَركَ

شَفَتاه إخفاتاً: وَقالَ عُذتُ بِرَبِّي مِنها أعُـوذُ عَوْذاً وَعِيَاذاً وَمَعاذاً, فَلَجَأ

إلى مَلْجَئٍ وَلاذَ بِمَلاذٍ عائِـذ ٌباللـَّهِ مِـنْ كُـلِّ شَـرٍ, فَجَعَـلَ الفاعِـلُ مَوْضِعِ

المَفعُولِ وَهُـوَ العِيَاذُ باللـَّّهِ مِنها حَتى قالَ لَها بدَلِيلِهِ الثانِي (إِنَّـهُ رَبِّي)

الذِي هوَ بَعلُكِ الآنْ قَََََـََد (أَحْسَنَ مَثْوَايَ) بإقامَتِي وَتَربيَتِي, وَأكْرَمَ فِدايَّ

وَأحْسَنَ قَدْري, وَرَفَـعَ مَقامِي مِـنْ بَـيْنِ العَبيد وَالحَشَم بَعـدَ أنْ اتَخَذَنِي

وَلَـداً لَـهُ, وَحاشايَّ أنْ أخُونَـهُ فِي زَوْجِهِ وَهِيَّ بِمَثابَـةِ الأُم لِي,, فَقـَدَمَ

يُوسُف لَها الإحسانُ بالإخْلاصِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الإيمانِ وَالإسْلامِ

مَعاً, وَأطْلَـقَ بإحسانِـهِ الإشارَةَ إلى المُرَاقَبَـةِ وَحُسْـنِ الطاعَـةِ عِندَّهُـم

لِطاعَتِهِ لَهُم,, فامْتَنَعَ وَاعتَصَمَ عَليْها وَأفلَحَ لِرَّبِـهِ الكَريم وَقالَ: بِدَلِيلِـهِ

الثالِث لَها (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) بالفَوْزِ بارتِكابِهِم مِثلُ هذِهِ الفَواحِشُ

النَكِرَة, وَالآيَةُ تَدِلُ بِقَوْلِهِ بأنَ غَرائِزَهُ الجِنسِيَة مَا كانَت طَوْعَ نَفسِهِ لَمّا

شاهَدَ مُثِيرات زُلَيِْخَةَ فأفْلَحَ لِرَبِّـهِ فَاصَطَرَعَ العَقلُ غَرِيزَتَهُ بإيمانِهِ الذِي

جَعَلَ لَهُ سَهْماً بصَبْرهِ أمامَ كُلِّ المِحَنِ وَالشَدائِدِ التِي أبتَلى بِها,,

قالَت يا يُوسُفُ: هـذا لاّ يُنكَرُ: وَلكِن اسْتَمَلْتـُكَ لِنَفسِي, وَتَنَكَّبَتُ بالزِّينَةِ

وَتَشَقَقتُ بالتَجَمِيلِ لأجْـلِ أنْ أضْجَعُكَ عَليً: أفـَلاّ تَتَخَيَلَ مَا ألبَسْتُكَ تِلْكَ

الثيابِ الفضْفاضَةِ وَالعِطُورِ العَبَقَةِ الشَذِيَة لأَخْلِوَّ بِكَ مَا يَثِيـرُ غَريزَتِي

بِسِحرِ جمالِكَ المَكْنُون,,

قالَ: إنِي أخافُ رَبِّي أنْ يَرانِي عَلى مَعصِيَةٍ فَيَذهَب بِنَصِيبي مِنَ الجَنَةِ

قالَت: وَمَِا سَدُكَ مِنْ رَبِّ الآلِهَةِ آمُـونَ سَأضَعُ عَليهِ برْدَةً فأغَشِيَهُ مِـنْ

حَيْثُ لاَ يَرانا؟؟ قالَ, رَبِّي يَرى بَيْنَ حُجُبِ السَماواتِ السَبْعِ إلى أطْباقِ

السَبْعِ الثَرى, ويَسْمَعُ مَا جَهَرَ وَمّا خَفِيَّ, وَآمُـونَ إلهَكُم هـذا لاَ يَبصِرُ

إلى مَنْ كانَ حَوْلَهُ أصَّمٌ أبْكَمٌ لاَ يَعلَمُ إلاّ هُوَ حَجَرٌ لاَ يَنفَعُ وَلاَ يَضُرُ, وَلاَ

يُغنِيَّ عَنكُم شَيْئاً,,



فَأيْقَنَت زُلَيْخَةَ بِأنَ الصَنَمَ آمُون لاّيَغنِيَّ عَنها شَيْئاً فأخَذَت تُكَلِمُهُ وَقالَت

أيُها الصَنَمُ المُعَظَم بعِبادَتِي لَكَ, وَحُبِّي فِيكَ, هَـلْ وَجَدتَ مُؤنِساً يُسَلِيَكَ

مِثلُ هذا الفَتى الجَمِيلُ اسْتَمَلْتَهُ لِنَفسِي فَآبى وَأعتَصَمَ عَليَّ, فَهْدِيَهُ إلِيَّ

وَقَرِبَهُ مِنْ نَفسِي فإنِي لاَ أُطِيقُ عَلى فِراقِهِ صَبْراً, فَتَحَرَكَ الصَّنَمُ وَكانَ

نَمٌ ذهَبٌ أحمَرُ فوَقعَ عَلى وَجْهِهِ كَأنَهُ خَشِيَّ مِنْ عَمَلِها الفاحِش وَتَقَطَعَ

إرباً إرْبـا,, فقالَت مَا الذِي أصابُكَ أيُها الصَنَمُ هَـلْ صَدَقَ يُوسُفُ عَـمَا

سَفهَكَ بِقَولِهِ؟؟

فَقالَ لَها يُوسُف: رَبِّي فعَلَ بـهِ ذلِك لِسِجُودِكِ لَـهُ، قالَت مَنْ هُوَ رَبُّك؟؟

قالَ: رَبُّ إبراهِيمَ وَإسْحاقَ وَيعقوبَ، هُـوَ الرَبُّ الذِي خَلَقنِي وَخَلَقَكِ,,

قالَت: كَيْـفَ يَعلَـم بسِجُودِي لِصَنَمٍ؟؟ قالَ: أنذَرتـُكِ بِـهِ وَهُـوَ غائِبٌ عَـنْ

الأبْصارِ وَلاّتُغِيب عَنهُ الأبْصار وَهُوَ الذِي (لَاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ

الْأَبْصَارَ) رَبِِّي لاَ إلـهَ إلاّ اللـَّه (بِيَـدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْـهِ تـُرْجَعُونَ)

قالَت يا يُوسُفُ: إنَنِي أحبَبْتُ إلهِكَ بِحُبِّكَ لَهُ إياه فَلَوْلاَ أَنَ لِي إلهاً أعبِدَهُ

لَعَبَدتُ إلهِكَ، وَلكِنَ عِبادَةَ إلهَيْنِ قَبيحَةً,,


إنْزِل تَحت وَأكْمِل تَفسِير المُراوَدَة






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:52 PM   رقم المشاركة : 7
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ السابِع
(َلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)




(وَلَقَـَدْ هَمَّتْ بِـهِ وَهَمَّ بِهَا
لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ)

الهَّمُ فِي مَوْضَعَيْن: ألأولُ كانَ هَمُّها لِتَضْجَعَهُ عَليْها إجْباراً لِمُطاوَعَتِها

وَرَغبَةً فِي مُراوَدَتِها لَـهُ,,

أمَّا الثانِي: إذا لَـمْ يُطاوعُها يُوسُـف يُسْجَنَ وَيُعَـذَبَ بِعَـذابٍ ألِيـمٍ, لأنَها

اسْتَطارَت مِـنْ غَضَبِها عَلَيـهِ لِكَـوْن فِيـهِ حُسْـن الحال مِـمَّ رَضَـعَ لـُبان

الحِكْمَةِ وَتَرَعرَعَ فِي كَنفِ الرسالةِ وَأعَـدَّهُ الله لِشَرَفِ النبُوَةِ,, وَامْـرأةُ

العَزيز فِي سَطَوَتِها وَجَمالِها تَدَعُ فتىً مِنْ فِتيانِها فيَأبى وَيَعتَصِمَ عَليْها

وَهيَّ ألامْرأةُ الناهِيَةُ فِي قََصْرِها وَالسَيِّدَةُ المُطاعَة فِي خَدَمِها وَحَشَمِها

أيا لَها مِنْ حِـيرَةٍ فِي أمْـرِها, فاسْتَطارَت مِنهُ غَضْباً, وَهاجَ هائِجُها بـهِِ

بَطشاً, وَأرادَّت بـهِ سُؤَها امتِناعاً مِنهُ لِعَزتِها (وَِلَقد هَمَت بـهِ) لَّمَا أرادَ

أيَسْبِقَ الباب الأوَل فَوَجَدَهُ مُقفَلاً فَضَحِكَت وَقالَت: إلى أيْنَ المَفَـر, فَقالَ

يا إلهِّي اجْعَل لِي مَخْرَجاً ففُتِحَت لَـهُ الأبْوابَ السَبْعَةَ بِإذنِهِ تَعالى فَسَبَقَ

الباب الأوَل, فَجَعَلَ اللهُ القـُفلَ يَتَناثَر وَيَسْقـُط, فَهَرَبَ يُوسُف, فَأسْرَعَت

وَراءَهُ عَـدْواً لاَ يَطِيقُها الصَبْرُ وَأرادَت بـهِ بطْشاًَ لإنتِقاماها مِنهُ لِعِزَتِها

(وَهَمَ بِها) هَمَّهُ: أيَسْبقَ الأبْوابَ السِتَةَ المُتَبَقِيَة وَإذا هِيَّ تَتَناثَرُ أقفالُها

فأسرَعَ جَرْياً حَتى لاّ يَلْقى بِنَفسِهِ الشَرَ بالشَرِ, ويَصِدُ الضَرْبَ بالضَرْبِ

وَكـانَ الخَلاصُ وَالفِـرارُ مِنها خَـيْرٌ لَـهُ مِـنْ مُقاتلَتِـها, وَالمُسالَمَةُ خَـيْرٌ

لِنَفسِهِ مِنْ مُواثبَتِها: لأنَ الهَمَّ هُوَ العَزْمُ فَمَا مِنْ أحَـدٍ إلاّ وَهُوَ يَهُمُّ بأمْرٍ

خَيْراً كانَ أوْ شَراً, وَكانَ هَـمُّ يُوسُف غايَتَهُ الوصُولُ إلى آخِرِ بابٍ دُونَ

وقُوعِ الفاحِشَةِ مَا بَينَ كُلِّ بابٍ مِـنَ الأبْوابِ السَبْعَةِ لَّمَا أسْرَعَت وَراءَهُ

عَدواً لاَ يُطِيقُها الصَبْرُ إلاَ أنْ يُواقِعُها,,

أمَا الصِفةُ الثانِيَة الْهَمُّ فِي ثَلاثٍ: هَـمٌ ثابِتٌ مَعَهُ عَـزْمٌ وَرِضا نَفسِي كَمَا

أرادَت زُلَيْخَةَ مِنْ يُوسُف مُواقَعَتُها،وَهَمٌ مَذمُومٌ يُؤخَذ بهِ صاحَبهُ بالإثمِ

وَهَمٌّ بِمَعنى خاطِرَةُ قَلْبٍ أوْ حَدِيث نَفسٍ مِنْ غَيْرِ فِعلٍ فَلاَ يُؤْخَذ بِصاحِبِهِ

بِسُوءٍ,,

وَإنْ فَسَرْنا: هَـمُّ يُوسُف فَنَجِدهُ مُجَرَد خاطِرَةُ قلْبٍ مِنْ غَـيْرِ حَزْمٍٍ وَعَزْمٍ

كَصِفَةِ الصَائِمِ الذِي يَرى الماءَ البارد مِنْ يَوْمِـهِ الحار فتَمِيلُ نَفسَهُ إليهِ

وَلكِن يَمنَعَهُ دِينَهُ, كَذلِكَ مَازالَ يُوسُف مُمْسِكاً بِإشْرافِ النبُوَةِ فِي نَفسِهِ

فَيَمْنَعَهُ دِينَهُ عَنْ ارتِكابِ الفاحِشَةِ, فاسْتَجابَ لأمْرِ رَبِّهِ فَامْتَنَعَ وَاعتَصَمَ

عَليْها, وَباعتِصامِهِ أحَبَّهُ الله وَقالَ بِحَقِهِ لَنا (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ)

الماضِي وَلَيْسَ الحاضِر, لأنَ اللهَ لَمْ يُقُل لَوْلاَ أَنْ يَرى بُرْهَانَ رَبِّهِ,,

وَالمُؤَوَلُ هُوَ: لَوْلاَ أنْ رَأى نُورَ اللـَّهِ قَََـَد أبْرَقَ فِي عَيْنَيهِ فاسْتَضاءَ بـهِ

مِنْ ذالِكَ البُرهانُ الأوَل: فَكانَ يُوسُف بِـهِ حَلِيفُ الصَمْتِ وَالسِكُوت لَـمْ

يَفصَحَ عَنهُ لأخْوَتِهِ فَجَعَلَهُ فِي قَلْبِهِ بَصِيرَةٌ يَستَنِيرُ بِهِ وَفِي عَقلِهِ مَذكَرَةٌ

يَخْرجُ بِـهِ مِنْ عَواقِبِ الدَهْـرِ يُشاهِدُهُ فِي كُلِّ ساعَةٍ فَيَتَذكَرَهُ بِمَا أدَخَرَهُ

اللهَ لَهُ وَهُوَ البُرهانُ الذِي أنْطَلَقَ فِي ذاتِـهِ حِينَ رَأى تَعزيزاً مِنْ رُؤْيَتِهِ

التِي أوْصَلْتهُ إلى مَخايِّلِ الرَجاءِ حِينَ أسْتَيْقَظََ مِنْ نوْمِهِ وَهُـوَ مَشْرُوحُ

الصَدرِ, مَصْقولُ الذِهْـنِ, مُطْلـََقُ النَفـسِ بالأمَلِ المُحَقَقِ, وَقَـَد أُفسِحَت

أمامَهُ رُقَعَـةُ البُشْرى بِأنَـهُ السَيِّدُ المُطاعُ ذا الشَـرَفُ وَالسُلْطان بِعَظِيمِ

القتَدرِ حِينَ رَأى الشَمْـسَ وَالقَمَــرَ وَالكَواكِـبَ ساجِديـنَ لَـهُ عَلى دَلالَـةِ

بُرهانِـهِ المَغرُوس فِي قَلْبـِِهِ مِـنَ رُؤْيَتِـهِ المَصْحُوبَةِ بِطَهارَتِهِ,, فَسَبَـقَ

الإمْتِناعُ بالبُرهانِ قَبْـلَ وقُوعِهِ بالفاحِشَةِ: فَأيْقنَ يُوسُف بأنَها البُرهانُ

الأوَل المُلازم لِنبُوَّتِـهِ التِي أوْصَلَتـْهُ فِي بَلائِـهِ إلى البُرهانِ الثانِـي لَـمَّا

ألْقُوه أخْوَتَهُ فِي البِئْرِ لِيَمُوتَ فسَقَطَ فِي الماءِ فأنزَلَ اللهُ جُبرائِيلَ وَكانَ

نِزُلَهُ عَلَيهِ أسْرَعُ مِنَ البَرقِ فَرَفَعَهُ إلى صَخْرَةٍ مِنَ البئْرِ وَهُمْ لاَ يَعلَمُونَ

فَنادُوه: فأجابَهُم يُوسُف بِظـَّنِّ رَحمَتِهِم, فَأرادُوا رَضْخَهُ بصَخْرَةٍ عاتِيَةٍ

فمَنَعَهُم يَهُوذا: وَقالَ, جُبْرِيـلُ يا يُوسُف نادِيهُم بِمَا أُنْـزِلَ عَليْكَ بُرهانـاً

يَكُونُ لَكَ حِجَةً عَلَيْهِم (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـذَا) بِمَا يُؤوِّيِكَ رَبُّـكَ وَيُحمِيكَ

فِي الصُغَرِ حَتى يَسْتَويَّ شَبابكَ وَتَكْتَمِل قُوَتُكَ: ثمَ يُؤهِلُكَ لِلنبُوَةِ (وَهُـمْ

لَا يَشْعُرُونَ) بأيِّ أرْضِ تَعِيش, ثـُمَ يَجمَعَهُم الله وَتَراهُم,,

أمَّـا البُـرهانُ الثالِـث المُـلازم لِرُؤيَتِـهِ فِـي نِبُوَتِــهِ مَـعَ الدَلائِـل الثَلاثِــةِ

المَذكُورَةِ فِي عِصْمَتِهِ التِي فَتَحَ اللـَّهُ مِنْها باباً لَـهُ فلَنْ يُضِرْهُ مَا أُغْلِقَ

عَلَيهِ الأبْوابَ السَبعَةَ بَعدَ إكْرامٍ بِمَا فـُتِحَت لَـهُ, فألتَفَتَ إلى زُلَيْخَةََ وَإذا

هُوَ يَراها كَأُنثى القِرد كَشَرَت أمامَهُ, وَعَلى يَمِينِهِ صُورَةَ أبيهِ أبْصَرَها

اللهُ لَهُ مِنْ جِدارِ الغُرفَةِ وَصَوَتَهُ يَصُكَ مَسامِعَ يُوسُف وَيُذكِرُهُ فِي نِبُوَتِهِ

حِينَ قالَ يا بُنَيََّّ (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ

نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقـُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِـنْ قَبْـلُ إِبْرَاهِيـمَ

وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

فََعَبَرَ يُوسُف كَلِمَةُ أبيهِ فِي نَفسِهِ وَأيْقنَ وَأعتَصَمَ بأنَ الفاحِشَةََ تَمْحِصُ

نبُوَتَهُ فَلَوْلاّ البُرهانُ الأوَل قَد سَرى فِي نَفسِهِ فَجَعَلَ اللهُ مِنهُ لَـهُ ثَلاثـَةُ

بَراهِينٍ لَكانَ يُوسُفَ مِثلُ سائِرِ الناسِ فِي ارتِكابِ المَعاصِي وَالفواحِش

فجَعَلَ اللـَّهُ البُرهانَ الأوَل: دَلِيلٌ لَـهُ عَلى إبـاءِِ المَعصِيَةِ وَعَـدَمِِ ارتكابِ

الفَواحِشِ بإخْراجِ نَفسِهِ مِنَ السُوءِ, وَلِهذا بَيَّنَ اللهُ بِدَلِيلِهِ الرابِع: وَقالَ

(لِنَصْرِفَ عََنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) الآيَـة تَدِلُ بأنَ يُوسُفَ مُنْصَرفٌ عَـنْ

السُوءِ وَالفَحشاءِ بإحسانِهِ وَطهارَتِهِ قَبْلَ أنْ يَصْرِفُهُ اللـَّه عَنهُ, وَدَلِيلُنا

هُوَ جَوْهَرُ الآيَة فإنَها قَد نَزَلَت فِي مَحَلِ الدَفِعِ لاّ فِي مَحَلِ الرَفعِ لأنَ اللهَ

لَـمْ يَقـُل لِنَصْرِفـَهُ عَـنْ السُـوءِ وَالفحشاءِ, وَلَـمْ يَقـُل لِنَصْرفَ مِِـنهُ كَـي

تَتَنَاسِب مَعَ مَحَلِ الرَفعِ لِرَفعِ السُوءَ وَالفَحشاءِ عَنْ يُوسُف: بَـلْ جَعَلَها

اللهُ بِمَحَلِ (الدَفعِ) لِدَفعِ السُوءَ وََالفَحشاءِ عَنهُ, وَلِهذا قالَ اللهُ لِنَصْرفَ

(عَنـْهُ) وَلَـمْ يَقـُل (مِنهُ) حَتى لاَ يَكُونَ الإنتِفاءُ بَيْنَ الخَيْـرِ وَالشَـرِ: كَمَا

نَسَبَ القَدريُونَ وَالجَبْرِيُونَ بأوْهامِهِم الخَيْرَ وَالشَرَ مِنْ عِنـدِ اللهِ تَعالى

وَلكِنَ الشَـرَ لاَ دافِعَ وَلاَ رافِـعَ لَـهُ إذا أرادَهُ الإنسانُ فِي نَفسِهِ, وَبعَكْسِهِ

اللـَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّهُ هُـوَ الذِي يَدفَعُ الشَـرَ وَلاَ يَرفَعَهُ إذا أرادَ أنْ يَقَعَ عَلى مُؤمِنٍ يَحِبُهُ

فَيَدفَعَهُ قَبْلَ وقُوعِهِ عَليهِ, كَذلِكَ العَبْدُ المُؤمِنُ هُوَ الذِي يَرفَعَ عَنْ نَفسِهِ

السُوءَ وَالفَحشاءِ وَلِهذا قالَ اللهُ (قَـدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) بَـلْ فازَ مَنْ طَهَّرَ

نَفسَهُ بالطاعاتِ وَأصْلَحَ عَمَلُها بالصالِحاتِ (وَقََـَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) بَـلْ

خَسِرَ مَنْ أخْفى فَضائِلُها بِسُوءِ أعمالِها,,

فيُوسُفُ مِنْ هذِهِ العباراتِ وَالبَراهِينُ الثَلاثَة وَالدَلائِلُ الأربَعَةَ قَََد صَرَفَ

عَنْ نَفسِهِ السُوءَ وَالفَحشاءِ بِطَهارَتِهِ قَبْـلُ أنْ يَصْرِفُهُ اللـَّهَ تَعالى عَنـْهُ

وَبِمَا أنَ السُـوءَ مَصْـدرُ المَعصِيـةِ, وَالفَحشاءُ ارتِكاب الشَنِيعـةِ كَالزِنـَّا

وَغيرِهِ مِنَ ألأفعالِ: وَمِنْ هذا قََََـَد أنْزَلَ اللهُ بِحَقِّ يُوسُف وَقال (إِنَّـهُ مِـنْ

عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) الذِيـنَ أخلَصَّهُـم لِنفسِـهِ كَصُورَةِ الإخْـلاصِِ سُمِّيَـتْ

لأنَها خاصَةٌ فِي صِفَةِ اللهِ تَعالى: لأنَّ الَّلافظَ بِها قـَدْ أخْلَصَ التَّوحِيدُ للهِ

تَعالى فلَّمَا اسْتَبَقَ يُوسُفُ البابَ هَمَّت وَراءَهُ عَدْواًً فَجَذَبَتهُ مِنْ قمِيصِهِ

وَقدَتهُ مِنْ دُبُـرٍٍٍ وَمَا انتَهى مِنَ البابِ حَتى رآهُ العَزيز,,




هـذا المَوْقِفُ يُثِير الاهْتِمام وَكَيفَ تَكُون المُعالَجَة إلى سَّدِ الأمْرِ: فأبانَهُ

الله وَقالَ(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ

السَبْقُ إلى البابِ هُوَ السِرعَةُ بالخِرُوجِ مِنْ دارِ البِلاطِ,, فخَشِيَّ يُوسُف

أنْ تَجِرَهُ زُلَيْخَة وَتَجْبِرَهُ لاسْتِسْلامِها: وَهِيَّ الإمْرَأةُ الناهِيَة فِي قَصْرِها

وَالسَيدَةُ المُطاعَة فِي خَدَمِها وَحَشَمِها,,

فَهَرَبَ يُوسُف فَلَحُقَت بهِ عِندَ البابِ وَتَعَلَقَت بقَمِيصِهِ فَشَقَتهُ مِنَ الخَلْفِ

فَلَمَا رَأت زَوْجَها عِنـْدَ البابِ قَََـََد صادَفَهُ الحادِثَ: أَرادَت خَدعَـهُ فَتَباكَت

كَيْداً لِتُشْفِيَّ غِلَّ صَدرِها وَحُنقِها عَلى يُوسُفَ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ مُطاوَعَتِها

فَكادَت تَخَرَجَ عَنْ طَبْعِ أنُوثَتِها فِي التَمَنِعِ عَنْ نِكاحِها مِنهُ: وَقالَّت أيُها

العَزيزُ: إنَ هـذا الفَتى لَمْ يَرْعَ حُرمَتُكَ, وَلَـمْ يَحفظَ سِترُكَ فراودَنِي عَن

نَفسي, فلَّوْلاَ خادِمَتِي تُخَلِصَنِي مِنهُ لأَرادَ أنْ يَدنسَ ثوْبي وَيُلْحِقَ العار

بِكَ فمَكَرَّت مُكْراًَ عَظِيماً حَتى أرْضَت نَفس العَزيز وَلَمْ يُؤاخِذُها برَدٍ مِنْ

كِذبِها, وَأمَرَتـْهُ بسِجْنِ يُوسُفَ, أوَ تَعذِيبَهُ قائِلَةً لَـهُ (ما جَزَاءُ مَـنْ أَرَادَ

بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)




الجَزاءُ هُـوَ العِقابُ: فَأرادَت زُلَيْخَـةَ تَعذِيبَـهُ فِـي السِجْـنِ جَـزاءً لِعَزَتِها

لِتُجْزيَّ عَليهِ إسْقاطُ التـُهْمَةِ عَـنْ نفسِها,, فَشَهَدَتْ خادِمَةٌ لَها لَمّا رَأت

يُوسُف راكِضاً يَسْتَبِقَ البـاب,, فلَـمْ يَجِـد يُوسُف إلاّ الاعتِرافُ بالواقِـعِ

وَدَفعُ التُهمَةَِ عَنْ نفسِهِ أمام عَزيزَ مِصْرَ (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)




لاَ أنَّا: فَهِيَ التِي حاوَلتْ أنْ تَخْدَعَنِي وَتُوقِعَنِي فِي مُواقَعَتِها بالمَعصِيَةِ

قالَ: العزيزُ وَمَا البَينَةُ عَلى صِدْقِ قَوْلِكَ: قالَ يُوسُفُ هـذا الرَضِيعُ مِنْ

أنسابِكُم لاَ أظِنَهُ يَمِيلُ بِحُكْمٍ لِزُلَيْخَةَ يُرادُ بِـهِ حَقَّ باطِلِ, وَلاّ يُريدُ الباطِلَ

حَقاً يُفتَرى بِهِ إليَّ (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) الشاهِدُ هُنا هُوَ بَيانُ عَقلِي

وَسَمْعِي لاَ يُسَّمى بالطَبْعِ شاهِداً إلاَ البالغ السِن المُكَلَف وَلكِنْ نَصَرَ اللهُ

يُوسُفَ لِيُنْطِقَ أمـامَ العَزيـز بِشاهِـدٍ مِنهُم فِيهُم: فأشارَ إلى الرَضِيعِ أنْ

يَتَكَلمَ بالحَقِّ, فَجَعَلَ اللهُ الشاهِدَ جُبرائِيل الذِي تَمَثلَ بِشَهادَتِهِ عَلى حـالِ

لِسانِ طِفلٍ لَمْ تَكْتَمِل شَفَتاهُ نَطْقاً, فأنْطَقهُ لِيَّشْهَدَ فِي بَراءَةِ يُوسُف وَهُوَ

شاهِدٌ بِأمْرِ اللهِ تَعالى: فإذا أعْتـُبِرَ العِلْمُ مُطْلقاً فَجَبْريلُ هُـوَ المُعلِمُ بِعِلْمِ

اللهِ لِلأنبياءِ وَإذا أُضِيفَ إلى الأمُورِ الباطِنَةِ فهُوَ الشاهِدُ الحَّق دُونَ أنْ

يَـراهُ أحَـدٌ إلاّ يُوسُف,, وَإذا أُضِيفَ إلى الأمُـورِ الظاهِرَةِ فهُـوَ الشَّاهِـدُ

بِلِسانِ نَطْقِ الطِفْلِ, وَقـَدْ يُعْتَبرُ مَعَ هذا أنْ يَشْهَدَ الحَّقُ أمامَ العَزيز بِمَا

كادَّت زُلَيْخَةَ عَليهِ: وَالدَلِيلُ عَلى مِثلِهِ قُرآناً هُـوَ نَظِيـرُ قوْله عَـزَّ وَجَـل

(فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قََدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) المُتَكَلِمُ عِيسى

بـنَ مَريـمَ لَّمَا وَضََعَتهُ أُمُـهُ كَلَّمَها بلِسانِ جُبْرائِيل؟؟ كَذلِكَ تَحَكَِمَ جُبْريـلُ

الأمِين بَيـْنَ يُوسُفَ وَزُلَيْخَةَ أمـامَ العَزيـز وَبِلِسـانِ الرَضِيع الذِي شَهـِدَ

بالحَقِّ: وَقالَ (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قـُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُـوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)

القـَدُ: هُـوَ الشَّـقُ لِقَمِيصِِ يُوسُـف مِـنَ ألأَمامِ؟ فَقـَرارُ الحُكْمِ يَـدِلُ عَلـى

مُنازَعَتِها وَالتَخَلِص مِنهُ لِصِدقِ دَعوَتِها: فقضاءُ الحُكْم لَها عَليهِ,,

(وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قـُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فَقَرارُ الحُكْمِ

يَدِلُ على هِرُوبِ يُوسُف مِنْ زُلَيْخةَ, ثُمَ اسْتبَقَتهُ إلى الباب فأمْسَكَتهُ مِنْ

قَمِيصِهِ وَقَدَتهُ مِنْ خَلْفِهِ, فقَضاءُ الحُكمِ لَهُ عَليْها,,

ثـُمَ اسْتُأنَفا الحُكْمَيْنِ لأِبانَتِ الحَقِيقَـةِ: وَقالَ الشاهِـدُ (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَـهُ

قـُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) مِنْ هُنا أوْضَّحَ اللهُ لَنـَّا

التَمْيِّيز بَيْـنَ ألآيَتَيْنِ, وَظهَـرَ الحَّقُ بالثالِثَةِ لِيُوسُفَ, فَهِيَّ التِي راوَدَتـهُ

وَقَـَدَّت قَمِيصَهُ مِـنْ دُبـِرٍ,, فالتَفتَ العَزيـزُ مُخاطْباًَ زُلَيْخَةَ (قَالَ إِنَّـهُ مِـنْ

كَيْدِكُـنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيـمٌ) الكَيْـدُ: الاحْتِيالُ وَالاجْتِهَادُ مِنْ عُقـُولٍ كادَهـا

بارِئُها وَأرادَهَا بِسُوءٍ بِعُظَمِ كَيْدِها: ثـُمَ التَفتَ العَزيزُ إلى يُوسُفَ لِيُستِرَ

مَا واجَهَ وَقال (يُوسُف أعْرِِضْ عَنْ هَذا) أيْ: أربْط لِسانُكَ وَتَجَنَب عَنْ

خَـوْضِِ هـذِهِ المُراوَدَة, وَلاَ تُفشيَ خَبْـراً بِمَكْنـُونِ مَا جَـرى: ثـُمَ التَفَـتَ

العَزيز لِزَوْجِتهِ: وَقالَ أنَ يُوسُفَ عَفِيفٌ نَجِيبٌ, بَريءُ العِرْض, سَلِيـمُ

الناحيَةِ وَالشَرَفِ, فأمَا أنتِ (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 09:58 PM   رقم المشاركة : 8
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ الثامِن
(النسْوَةُ يُقَطعَنَ أيْدِيَهُنَ بالسَكاكِين)





(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ)

هـذِهِ صُورَةُ الطَبَقَة المُترَفَة التِي تُحاوِّلُ الحِفاظَ وَالسِّـرَ عَلى المَظاهِـرِِ

البَراقَةِ لِتُغَطيَ عَلى القذارةِ وَتَكْتُم الفضائِحِ وَالأدناسِ وَيَجْعَلُوا العَذابَ

وَالتُهَمِ الباطِلَةِ عَلى الأبْرياءِ الأحرارِ الأبرارِ,,



فهَلْ يَنتَهيَّ ألأمْـرُ إلى هُنـَّا: أمْ تَظْهَرُ لِيُوسُفَ مِحنَةٌ جَدِيدَةٌ؟؟ وَكُـلَّ تِـلْكَ

المِحَنِ ألتِي ابْتَلى بِها, وَالحَبائِلُ التِي نُصِبَت لَهُ, وَالأقاوِّيلُ التِي نُسِجَّت

حَوْلَهُ خَرَجَ مِنها عَفِيفُ النَفسِ طاهِرُ الذَيلِ فبَدَأت ألأيامُ تَحِيكُ لَهُ مِحنَةً

جَدِيدَةً, فأخَّذَت الإقالَة تَتَشَعَب, وَتأخُـذ لَها ألْوانـاًَ وَإشْكالاً, حَتى انتَهَت

وَسَقطّت امْرَأةَ العَزيز مِنْ مَقامِ عِزتِها وَافتَضَحَ أمْرها فِي المَدِينَةِ,,

ألَيْسَ مَا يَجِبُ عَليْها أنْ تَـرْعَ شَرَف بَيتِها,, وَلكِنَها امْرَأةَ القِـحِ تَعَلَقت

بَعَبـدٍ لَها وَراوَدَتهُ, فأمْتَنعَ؟ فألَحَّتْ عَلَيْهِ, فأعتَصَمَ؟ وَكُلَّ ذلِكَ مِنْ أقبْحِِ

الضَلال: حَتى انتَشَرَ خَبَرُها فِي مَحافِـلِ النـُسْوَةِ الحَسْناواتِ مِـنْ بِـلاطِ

المَلْكِ وَأزْواجِ الكَهَنَةِ وَالعَبيـدِ وَالحَشَمِ: كَمَا وَرَدَ ذُكْرهُنَ قـُرآناً (وَقَـالَ

نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تـُرَاوِدُ فَتَاهَا عَـنْ نَفْسِـهِ) لأنَها امْـرَأةُ

القِح تُراودُهُ عَنْ نَفسِهِ إجْباراً عَنهُ وَهُـوَ لا يُريدُ مُواقَعَتِها, وَلكِن ( قَـدْ

شَغَفَهَا حُبّاً) بأمْرِها المُسْتَقبَح مِمَا نَزَلَ حُبُّ فَتاها مِنْ شَغافِ قَلْبِها فَلَمَّا

اقتَـرَنَ حُبّها بالشَهْوَةِ وَسْتَحكَمَ اليَأس مِنـْهُ افتَضَحَ أمْرُها, فَطَلَبَت دَفعُ

العارِ عَنْ نَفسِها بالكِذبِ (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بِعَمَلِها المُسْتَقبَح



(فَلَمَّا سَمِعَتْ) زُلَيْـخَةَ (بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِـنَّ) رُسُـلاً تـُريـدُ أنْ تـُقِيـمَ

العُذرُ لَهُنَ وَصْفاً عَنْ نَفسِها لِتُأثِرَ رُؤيَتِهُنَ مِنْ يُوسُف, فَدَعَت أربَعِينَ

امْرَأةً عشْرُونَ مِنْ ذواتِ الأشْرافِ, وَعشْرُونَ بِكْـراً مِـنْ بَناتِ المِلُوكِ

حِـينَ سَمَّعَـت بِمَكْـرِ اللاتِي يَشْتَنَعنَ عَليْها, وَيَنتَقـُصْنَ لَـها مِـنْ عِفَتِها

وَالإشارَة إليْها بالعَيْبِ وَالمَذمَةِ بحُبِّها مِنْ فَتاها فَدَّعَتهُنَ إلى مِسْتَراحٍ

لَها فِي بَيتِها مِنْ أيامِها المُشْرِقَةِ إلى طَعامِها وَشَرابِها (وَأَعْتَدَتْ لَهُـنَّ

مُتَّكَأً) مِمَا هَيَأت لَهُنَ وَسائِدَ الراحَةِ وَمَا يُتَكأُ عَلَيهِ مِنَ الأرائِكِ الوَثِيرَةِ

المُريحَةِ مِـنَ الدِيـباجِ, وَقدَمَـت لَهُـنَ الفاكِهَـةَ وَالمُطَيِّبات, وَأحاطَتَهُـنَ

بالنَعِيمِ الوافِـرِ مَا طابَ وَلـَذ بَعـدَ أنْ خَلَعَـت عَليْهُنَ الحَفاوَةِ (وَآتَتْ كُـلَّ

وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) وَفاكِهَةً, وَكانَت قـَدْ هَيَأت يُوسُف وَألْبَسَتهُ أحسَنَ

الثِيابِ وَهُوَ فِي غايَةِ عُنفوانِ الشباب, ثـُمَ نادَتهُ بِاسْمِهِ المُكَنى عِندَهُم

يُزارْسِيف أُخْـرُج عَليْهُنَ وَمْشِي بَيْـنَ صِفُوفِهِنَ رُوَيْـداً؟ فَخَرَجَ يُوسُفُ

كَأنَـهُ غارَ فِي الأرضِ مِـنْ مَخدَعِـهِ, وَقـَدْ صَبَـغَ الحَـياءُ بِشارَةَ وَجْـهِهِ

وَمَلأهُ الخَجَلُ مِنْ أغمِصَةِ قَدَمِهِ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ صِفُوفِهِنَ مِراراً, فَلَمَّا

رَأيْنَهُ صارِماًَ, وَهُوَ حُلَو المَلامِحِ, سَمْحُ المَعارف, أبْلَجُ الوَجهُ وَضِيءُ

الغـُرَةِ, وَمِنْ وَراءِِ هِذهِ القسامَةِ نَفساًَ جَمِيلَةً, فَبِهُرْنَ وَأدهُشْنَ وَأذهُلْنَ

مِمَا تَهَيَمْنَ بـهِ فاختَلَطََّت عِقولهُنَ مِـنْ حُسْـنِ جَمالِـهِ,, وَجُعلْنَ يَحْزُزْنَ

أيْدِيَهُنَ بالسَكاكِينَ مِنْ فَرْطِ دَهْشَتِهُنَ وَذِهُولِهنَ يَحتَسُبَنَ يُقطُعَنَ الطَعام

فَلاَ يَشْعُرْنَ مِنْ أثَرِ الجِراح (وَقـُلْنَ) مُتَعَجِبات تَنزِيهاً لِخالِقِهِ (حَاشَ للهِ

مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) فَأعظَمَنَهُ وَأكْبَرَنَهُ لاَ كَبَشَـرٍ بَيْنَهُنَ

وَاعتَقدنَ إنَهُ مَلَكٌ مَوجُودٌ فِي الحَياةِ بالحُسْـنِ وَالجَمالِ الصُوَري, فلَّمَا

رَأيْنَهُ تَغَـيَّرْنَ وَتَحيَّرْنَ وَتَقـَرَرَ عِندَهُنَ جَمالَهُ, وَأعجَبَهُنَ غايَـةَ حُسْـنِهِ

فأخَـذنَ يَتَشاوَرْنَ عَلى طِـيبِ شَمائِلِهِ, وَسُخاتِ صِفاتِهِ, وَعَـنْ مَا رَأيْنَ

مِنْ حُرقََةِ زُلَيْخَة بِصَبْوَتِها عَليهِ وَتَمَنِيها فِي عَزمِها بِحُبِها إلَيْه,,

فَعِندَئِذٍ صَفَقت زُلَيْخَةَ وَارتاحَ بالُها وَقالَت لَهُنَ (فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ

وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) عَلَيَّ, هـذا هُـوَ يُوسُفُ الذِي خُضْتَنَ

حَدِيثِي مَعَهُ, وَلُمْتَنِي فِيهِ بَيْنَ أشْرافِكُنَ,, أيْنَ العِفـَةِ مِنكُنَ وَهـذا شأنَكُنَ

فِيهِ, رَأيْتَنـَهُ لَمْحَةً مِنـْذُ ساعَةٍ فَدُهِشَت عِقُولِكُنَ بِحُسْنِ جَمالِـهِ,, فَكَيْفَ

وَأنا لاَ أَطِيقُ عَلى إعراضِهِ صَـبْراَ, وَلَقـَد اسْتَوى بَيْـنَ سَمْعِي وَبَصْري

أشاهِدُهُ كُـلَّ يَـوْمٍ, وَأخْلـُوَّ بِـهِ فِي كُلِّ لَيْلَـةٍ وَنَهارٍ, وَفِي قِعـُودِهِ وَقِيامِـه

وَطَعامِهِ وَشَرابِه, فـَلا تَلُومََنِي بِـهِ: أنـَّا راوَدتَهُ عَنْ نفسِهِ, وَجَذبْتَهُ في

رُوحِي, وَمَلَكْتَهُ في أعنـَّةِ قَلْبي بَعـدُ أنْ اسْتَرَقَ حُبَّـهُ فِي فُؤادِي: فتَأبى

وَأسْتَعصَّمَ عَليَّ أنْ تَمِيلَ نَفسُهُ إلى مُحَرَمٍ, أوْ تَجْنَحَ إلى فاحِشَةٍ, وَكُلَّمَا

دَنوْتُ أَعرْضَ عَلى نَظَّرِهِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَحاسِنِي؟؟

هـذا هُـوَ يُوسُفُ الذِي يَتَجْلى فِيـهِ الرُوح المَلائِكِي بأظْهَرِ شَرَفٍ وَعِفَةٍ

وَكَمالٍ: فَلا تَلُومَنِي أُنظُرْنَ لأيْدِيَكُنَ قَـَدْ تَجَرُحنَ بالسَكاكِين مِمَا يَتَراءى

لَكُنَ جَمالَهُ فِي لَمْحَةٍ واحِدَةٍ, فَتَألَبْنَ مَعاً عَليْها, وَاجْتَمَعـْنَ عَلى يُوسُفَ

فَبَدَأنَ مُراوَدَتهُ فِي حُسْنِ جَمالِه؟؟

وَقالَت إحداهُنَّ: أيُها الفَتى اليافِعُ الجَمِيلُ: ألَمْ يَكُن لكَ مَأربٌ مِنْ زُليخَةَ

فِي جَمالِها, أوْ مَطْمَعٌ فِي مالِها وَحَلالِها, أوْلَيْـسَ الخَـيْرُ كُلـَّهُ بِيَـدِكَ إذا

طاوَعتََها فَلا تَتَأبى وَالتَمْتَنِع وَتَسْلُكَ الأزاوِيرُ التِي سَوْفَ تُؤدِي بِسْجنِكَ

إذا لَمْ تَنْزل لِرَغبَتِها: فأعرَضَ يُوسُفُ عَنْ قَوْلِها,,

وَقالَت الثانِيَة: يايُوسُف ألَيْسَ لَكَ قَلْـبٌ يَلِينُ لِمُعشِقَةٍ قَـَدْ أسْلَمَت نَفسَها

وَدَفَعَت إلـيْكَ بِقَلْبِها وَهِـيَّ تَسْتَمِيلُ العِصْـيُ بِمَحَبَتِها إلَـيْكَ وَأنـْتَ تَغـضُ

الطَـرْفَ بِحُسْنِها وَرَوْنـَقِ جَمالِها, فَخَففْ مِـنَ العـَنادِ لِتَفـُوزَ بالحَسَنَيْنِ

المالُ وَالجَمال, وَتُؤمِنَ مِنْ شَرَينِِ السِجنَ وَالعَذاب,, فأعرْضَ يُوسُفُ

عَنْ كَيْدِها وَتَوَّلى,,

وَقالت الثالِثة: أليْسَ لكَ عَينٌ تَنظـِرُ إلى مَـنْ تَعِـدُ طَرفَها مِـنْ مَحاسِنِها

وَرَوْنَقُ جَمالِها إليكَ, أوَليْسَ إنَكَ شابٌ قَضِيضُ الإهابَةِ فلَكَ مِن زُلَيْخَةَ

نصِيبٌ, وَمِنَ المِتعَةِ مِقـْدارٌ بِجَمالِها وَمالِها وَعِزِها وَسُلْطانِها,, فضَّـلَ

يُوسُفُ بَينَ الوَعدِ وَالوَعِيدِ يَخْلَصُ مِنْ مِحنَةِ الجُبِ وَمِحنَةِ كَيْدِ أخوانِهِ

وَيَقعُ فِي أخْرى,,

ثُمَ رَمَقَ طرْف عَينَيْه إلى السَماءِ وَقال: أللَّهُمَ أُصْرِفَ عَني كَيْدَ النساءِ

إنَكَ أنَتَ السَمِيعُ العليمُ,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 10:02 PM   رقم المشاركة : 9
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ التاسِع
((يُوسُفُ فِي سِّجْنِ زَوِّيرا))




وَقالَت لَهُنَ زُلَيْخَـةَ (وَلَئِنْ لَـمْ يَفْعَلْ) يُوسُف (مَا آمُـرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً

مِـنَ الصَّاغِرِينَ) بالـذِّلِ وَالتَوْبيـخِ حَتـى يَصْـبُو وَيَسْتَسْلِم إلَـيَّ, فأرادَت

تَعذِيبَهُ بَعدَمَا افتَضَّحَ أمْرُها بَيْنَ حَوافِلِ النسْوَةِ التَجَأت إلى حِيَلَةِ الحِنْقِ

المُدقِعِ وَقالَت لَئِنْ لَمْ يَفعَل مَا أمْرُهُ لأُدفِعَ بِـهِ إلى ظُلُماتِ السِجْنِ لِيُبْتَلى

فِيهِ عُنفوانُ شَبابَه, وَإلاَ يَسْتَسْلِمَ وَيَذعَنَ لِرَغبَتِي وَيَسْتَنزِلَ لِمُطاوَعَتِي

هـذا تَهْدِيدٌ يَـدِلُ عَلى عَزيمَةٍ صارِمَةٍ,, وَقـَدْ تَبَيَنَ بَيدِها زُمامُ السَيْطَرَةِ

وَالقوَةِ فِيمَا تَمْلِكُ قلْبَ زَوْجِها, وَإنْ شاءَت تَصْرِفَهُ بِنَوازيَّ هَواها بِمَا

تَفعَل وَتُريد عَلى حَدِي غرُورِها وَبنَشْوَةِ كِبرياءِها,,

( قَالَ ) يُوسُـفُ (رَبِّ السِّجْنُ أَحَـبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْـهِ) هـذا لَيْـسَ

بِدُعاءٍ مِنهُ عَلى نفسِهِ بالسِجْنِ وَإنَمِا هُوَ قرارُ حالِهِ برَبِّهِ الكَريم,فطَلَبَ

مِنهُ عَذابَ السِّجْنِ مِماً يَراهُ أهْوَنُ عَليهِ مِنْ مَكْرِهنَ وَقالَ (وَإِلَّا تَصْرِفْ

عَنِّي كَيْدَهُنَّ) عَمَا أُريـدُ أنْ تـُذهِبَ عَنِي حِـيَّلَ النِساءِ: أمْ (أَصْبُ إِلَيْهِـنَّ

وَأَكُنْ مِـنَ الْجَاهِلِينَ) أيْ: لاَ قـَوَةَ لِي إلاَ بِصِّدقِ الاسْتِغاثَةِ فَتَدارَكَهُ اللـَّه

بَوَشِيكِ نَصْرَتِـه وَصَرَفَ عَنـهُ كَيْـدَ النِساءِ قبْـلُ أنْ يَقـَعَ فِي ضِغـُوطِهنَ

فاعِلاً بِجَهْلِهِ مُطاوِعاً لِرَغبَتِهنَ, فلَوْلاَ هِدايَـةُ الله لَوَقعَ فِي كَيْدِهنَ فَلَّمَا

نَفـَذَ صَـبْرُ زُلَيْخَةَ وَانقَطَعَ مِـنْ يُوسُفَ رَجاؤُها فـَزُجَتْ بِـهِ في السِّجْـن

بَريْئاً مِنْ ذنبِهِ: كَمَا إنَ الذِئبَ بَريْئاً مِنْ دَمِهِ الذِي جََعَلـُوهُ أخوَتَهُ سَـبَباً

لِبَرأتِهِم دُونَ صِدقِهِم لأبيهِم وََانقَطَعَ حَدِيثُ المُراوَدَة ذلِكَ صَوْناًَ لِعزَتِها

وَلِمَقامِ العَزيز عَندَها بِصَرْفِ التُهْمَةِ وَعارِِ الفضِيْحَةِ عَنْ نَفسِها, هذِهِ

المَرأةُ تَناسَت: أمْ تَجاهَلَت عِندَمَا اسْتَوْهَبَت يُوسُفَ مِنْ زَوْجِها فَوَهَبَهُ

لَها وَقالَ: ما تَصْنَعِين بـهِ؟ قالَت: اتَخِذَهُ وَلـداً لِي، قالَ: هُوَ لَكِ, فرَبَّتـُهُ

وَراوَدَتهُ عَـنْ نَفسِـهِ (فَاسْتَعْصَـمَ) عَلَيْـها وَتَـأبى, فَزَجَتـْهُ فِـي السِـجْنِ

فَاسْتَقبَلَهُ يُوسُف وَكانَ أهْوَنُ عَليهِ مِنْ سِجْنِ بِلاطِ زُلَيْخَة فَدَخَلَهُ مِرتاحُ

الضَمِير, وَتَلَقاهُ بِقلْبِ الصابِرينَ, وَعَـزْمِ المُؤْمِنينَ يَرْجُو عَـدلَ السَماءِ

بِكَلِمَةِ قََضاءَ اللـَّهِ الأحَـد, وَهُـوَ يُواسِيَّ آلام المَساجِينَ, وَيُشاركَهُم فِي

أحزانِهم,,



وَلكِنْ وَمَا السِجْنُ وَظلامَهُ, وَالجَلْدُ وَأَغلالَهُ وَهُوَ بَينَ هـذِهِ الفِتيَةَ التِي

أُثِيرَت حَوْلَـهُ بِجَرائِمِها,, ألَيْسَ السِجنُ هُـوَ نَجاةٌ لَـهُ لِيُنْصِحَ الأشْقياءِ

وَيُواسِي الضُعَفاءِ: وَيَقومَ بَينَهُم مُعلِماً, وَناصِحاً أمِـيناً, وَمُرشِداً وَفِـياً

لِيُنْزِعَ نَوازيَّ الشَـرَ مِـنْ صِدُورِهِم حَتى يُدْخِلَ فِي قلـُوبِهِم رِسالَةَ رَبِّـهِ

التِي أوْصَلَتهُ بِهـذا الحال فَيَكُونَ بِخَـبَرهِ قـَدْ طَهْـرَ البَشَرِيَة مِـنْ بَعـضِ

أدْرانِها, وَنَصَحَ عَنْ ما تَنَوَءَ بِهِ مِنْ وَقعِ مَجْرَمِها لَعَلَهُم بِذلِكَ يَدركُونَ

رِضَا اللهِ وَيَنقادُوا لِطاعَتِهِ فَيُكافِئَهُم بِثَوابِهِ وَإحسانِه,,

(فَاسْتَجَابَ لَـهُ رَبُّـهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) مِمَا كَـرَهَ يُوسُف عَما يَدْخُلَّنَ

النُسْوَةَ مِنَ الكُفـْرِ وَتَخْلِيقُ الكَلام الذِي يُخالِط البُهْتان المُبَّيَن, فَصَرْفَ

اللـَّهُ عَنهُ حَدِيث المُراوَدَةِ مَا يتَكَلُفَنَ مِنْ الزيادَةِ فِيهِ عَلى قََـَدْرِ الحاجَةِ

كَيْداً عَلَيهِ,,

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) بَلْ: جَعَلناهُ نَبِّياً وَعالِماً رَبانِياً عِندَ

دِخُولِـهِ السِّجْنَ عَلى كَـمالِ القـُوَةِ المَعنَويـةِ وَالحِسِيَـة (وَكَذَلِكَ نَجْـزِي

الْمُحْسِنِينَ) جَزاءً لإحسانِهِم وَهُوَ مَعَهُم فِي مَقامِ الإحسانِ,,



(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ) مَعَ يُوسُفَ مِنْ حاشِيَةِ المَلِكِ ساقِيَهُ وَخازنُ

طَعامَهُ اللَّذانِ تَآمَرا بسُمِّ المَلِك طَلَباً لِدَعوَةِ الكاهِنُ الأعظْـم كَبيـرُ آلِهَـةِ

آمُـون وَرُؤِّيا رُؤْيَةً فِي مَنامِهِمَا تَناسِبهُمَا فِي لَيْلَةٍ واحِدةٍ (قَالَ أَحَدُهُمَا

إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً) بَـلْ: قالَ الساقِي: أيُها الصِدِيقُ المُعَـبِِر أفتِني

بِتَعبيرِ مَا رَأيْت فِي مَنامِي: قالَ, يُوسُفُ حَسَـناً أُفصَح بِمَا رَأيْـت: قـالَ

كَأنِي فِي بُسْتانٍ زاهٍ مُخْضَر الألْوانِ رَأيْتُ فِيهِ ثلاثـَةُ سِيقانٍ قـد أوْرَقتْ

وَأيْنَعَت فِـي حِينِها عناقِـيدُ العِنَب فأخْذتُها وَاعتَصْرتُها فِي كَـأسِ المَلِك

فَجَعَلْتُها خَمْراً وَسَقيْتَهُ إياه, فأكْرَمَنِي وَأحسَنَ فِـدايَّ (وََقَالَ الْآخَـرُ إِنِّي

أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُـبْزاً تَأْكُلُ الطَّـيْرُ مِنْهُ) أيْ: قالَ, خَـبازُ المَلِك

أيُها الصِدِيقُ المُعَبِر أفتِنِي بِتَعبيرِ مَا رَأيْت كَأنَ عَلى رَأسِي ثلاثَةَ سُلالٍ

مِنَ خُبْزٍ, وَكَأنَ سُراباً مِنَ الطَـيْرِ تَتَهاوى فَوْقَََ رَأسِي فتَأكُلُ مِنَ السَلَةِ

الأعلى ثـُمَ تَصْعدُ إلى السَماءِ وَتَـذهَبُ إلى مَكانٍ بَعـيدٍ ثـُمَ تَعُـود (نَـبِّئْنَا

بِتَأْوِيلِهِ إِنَّـا نَرَاكَ مِـنَ الْمُحْسِنِينَ) قالَ, يُوسُف: سَـوْفَ أخبْركُمَا بإذنِـهِ

تَعالى عَنْ مَا رَأيْتُمَا إنِي خَـبيرٌ بِأمْرِكُمَا: وَلكِن أقُـُول (لاَ يَأْتِيكُمَا طَـعَامٌ

تُرْزَقَانِهِ) اليَوْمَ غَداءٌ لَكُم (إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ) بِشَكْلٍ مِنْ ألْوانِهِ وَفواحَةَ

رائِحَتِهِ وَطَعـْمَ مَلَذَتِـهِ (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا) وَمَـنْ مَعَكُمَا فِي السِّـجْنِ (ذَلِكُمَا

مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) عِلْماً لاَ رَيْبَ فِيمَا أقُول وَهَوَ أَصْدَقُ قَوْلاً لَكُم إنْ كُنْتُم

تُؤْمِنُون,,

فَقِيلَ لَـهُ وَمَا هُوَ نَوْعُ طَعامُنا: قالَ, هُوَ طَعامٌ مِنَ البَحرِ وَمَا يَزِيدُ عَليْهِ

حِلْواً كانَ وَحامِضاً؟؟ قِيلَ لَـهُ وَمَا تَقصِدُ بِـهِ سَمْكاً وَخُـبزاً وَتَمْـراً, قالَ

كَذلِك هُوَ بِمَا تَصِفُونَ, فَسَخَرُوا مِـنهُ, وَاسْتَهْزَئُوا مِـنْ أمْرِهِ, فَهُم مِـنْ

حَوْلِهِ لاَ يُؤمِنُونَ,,

قالَ حَقاً بِمَا أوْعَدتَكُم لأُنَبِئَكُم بِنَبَئِي هذا بِمَا تَأكِلُونَ وَمَا تَدَخِرُونَ وَبِحُكْمٍ

فِيكُم أظْهِرُهُ وَشَيْءٌ مَا كُنتُم عَنهُ غافِلُونَ, إنِي مُتَبِعُ مِلَّـةَ آبائِي إبْراهِيمَ

وَإسْحاقَ وَيَعقـُوبَ النَبِّيُ مَا كانَ لَّـنَا أنْ نَشْرُكَ باللـَّهِ الأحَـدِ مِـنْ شَـيءٍ

ذلِكَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْنا وَنَحنُ لَـهُ عابِدُونَ: هـذا بأَنَ أمْري وَتَفْوِّيضِي أنْ

أدعُوَكُم إلى اللهِ وَهُوَ رَبُكُم الذِي خَلَقَكُم لأُرْشِدَكُم بِـهِ وَأُدِلَكُم عَليْهِ وَهُوَ

فِي فِطْرِكُم مَرْكُوزٌ وَفِي جِبْلَتِكُم مَغرُوزٌ وَلكِن أكْـثرَ الناسِ لاَ يَعلَمُونَ,,


(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ) بِشَتى المِلَلِ وَالأديانِ, فَلاَ يَصِحُ

لَكُم أنْ تَجْعَلُوا للهِ أيِّ شَرِيكٍ مِنْ مَلَكٍ أوْ جِنِيِّ أوْ إنسِيِّ فَضْلاً عَنْ تِلْكَ

الأصْنامِ التِي اتَخَذتِمُوها أرْباباً لَكُم, وَهِيَ التِي بَينَ أيْدِيكُم, لاَ تَنفَعُ وَلاَ

تُضِرُ وَلاَ تَسْمَعُ وَلاَ تُبْصِرُ وَلاَ تُغنِيَّ عَنكُم شَيْئاً, وَمَا تَعبِدُونَ إلاَّ حَصَبَ

جَهَنَّمَ بأسْماءِ آلِهَـةٍ أَطْلَقتِمُوها أَنتـُم وَآباؤُكُم عَلى جَهْلٍ, لاَ سُلْطانَ لَها

عَلَيْكُم وَأَنتـُم لَـها عاكِفُونَ, كَيْـفَ فَضَلْتِمُوها عَليْكُم وَهِـيَّ حَجَـرٌ وَأنتـُم

أفضَلُ مِنْها خَلْقاً أمْ تَعبِدُونَ الله مِنْ دُونِها الذِي هُـوَ رَِبُّكُم الحَيُّ القَيُّومُ

الواحِدُ القَهارُ الذِي لاَ يُغلَب وَلاَ يُقهَر؟؟

قَالوا أيُها الفَتى العِبْرانِيُ: كَيْفَ تَدعُوَنا إلى إلّـهٍ لَمْ نَراهُ وَإنَّنَا لَفِي شَكِّ

مِمَّا تَدْعُوَنَـا إِلَيْـهِ وَتَأمُرُنـَّا أنْ نَتـْرُكَ مَا يَعـْبِدُ آباؤُنـَّا آلِهَـةً وَكانـُوا لَـها

عاكِفُون,,

قالَ: يا قَوْم أَنـَّا أدعُوَّكُم إلى رَبٍ عَزيزٍ غَفارٍ لاَّ حَقاً فِيمَا تَدْعُونَنِي إليهِ

مِنْ آلِهَتِكُم لَيْسَ لَهُ دَعوَةٌ فِي الدُنيا وَلاَ الآخِرَةِ وإنَ مَرَدُنا إلى اللهِ الذِي

خَلَقَكُم أوَلَ مَرةٍ وَتَركْتِمُوهُ وَراءَ ظـُهُورِكُم لاّ تَعقِلُونَ عَنْ مَا هُوَ يُحْيَِّكُم

بَعدَ مَوْتِكُم وَمِنْ ثُمَ إليْهِ تُرجَعُونَ,,


قالُوا: أتَسّبَ آلِهَتَنا وَأنتَ إلاَّ عَبْـداً مَمْلُوكاً لاَ حَوْلَ وَلاَّ قوَةَ لَكَ, وَسَوْفَ

نُخْبِر عَنكَ الكاهِنُ الأعظَم بِجَزاءِ السَخَطِ عَليْكَ عِندَ آمُونَ الكَبير؟؟

قـالَ: إنَ المُسْرفِـينَ الكَهَنَـةَ هُـمْ إلاَّ أصْـحابَ جَهَنَـمَ التِـي قـُرِّنَت مَعَهُـم

أربابَهُم فِي العَذابِ بِمَا كانُوا بِرَّبِهِم يُشْرِكُون وَسَوفَ أذَكِرُكُم عَمَّا أقولُ

لَكُـم فِي آياتِ رََبِّي وَأُفـَوِّضُ أمْري إلَيْـهِ إنَّـهُ هُـوَ السَّمِيعُ الْبَصِـيرُ, فَـلاَ

سَبيلَ لِي عَلَيْكُم إلاَّ مََا دَعَوْتَكُم إليْـهِ فَنَصَحتَكُم بالقَولِ (مَا تَعْبُـدُونَ مِـنْ

دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتـُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللـَّهُ بِهَا مِـنْ سُلْطَانٍ

إِنِ الْحُكْمُ إِلَّـا لِلَّـهِ أَمَـرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّـا إِيَّـاهُ ذَلِكَ الدِّيـنُ الْقـَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْـثَرَ

النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

وَبَيْنَمَا هُوَ يَعِدُ نَفسَهُ بَيْنَهُم لإعلانِ كَلِمَةِ التَوْحِيدِ باللهِ قالَ ياقَوْم أنَ مِنْ

وَراءِ هذِهِ التَماثِيلُ المُصْطَنعَةُ بأيْدِيِّكُم مِنْ الحِجارَةِ تَعبدُونَها وَتُقـَربُونَ

لَها القَرابِينَ أنَ هُناكَ إلهاً قـدْ أوْحى إليَّ, فإنْ كانَ فِي قلُوبِكُم رَيْبٌ فِيهِ

سَوْفَ أدِلَكُم عَليْهِ بَعدَ تَصْدِيقَكُم قَوْلِي برُؤْيا الفَتَيانِ,,

فأخَذَ يُوسُفَ ( ع ) يُجادِلَهُم بِرَبِّـهِ وَيُعِظَّهُم بآبائِـهِ إنَهُم رُسُـلَ اللـَّهِ رَبّ

العالَمِينَ لََعَلَهُ يَأمَلَ مِنهُم الإنابَةَ إلى اللـَّهِ, وَالإقـلاع عَمَّا يَرتَكِبُونَ مِـنَ

الذنُوبِ وَالإشْراكِ بِرَبِهِم لَعَلَهُم يَتَذَكَرُون,, وَقالَ, بَـلْ أنـَّا نَبِّيٌ أُرِيـدُ أنْ

أزْهِدَكُم مِنْ أوْثانِهِم, وَأُنْئِيَّ بِكُـم عَـنْ عِبادَةِ أصْنامِكُم لأُبَـيِّنَ لَكُـم إنَكُـم

بالعِكُوفِ عَليْها وَالانقيادُ لَها تَعبُدُونَ الشَيْطان الذِي نَزَلَ عَلى ساحَتِكُم

فَعَصى الرَحمن وَتَوَعَدَكُم بالإغـواءِ أنْ تَعبُدُوه بمُثلَةِ حَجَـرٍ فَهُـوَ عَـدُوٌ

لَكُم لاَ يرشِـدَ إلى الخَـيْرٍ وَلاَّ يَبْغِـي لَكُـم سَـعياً إلاَّ الهَلاكَ وَالشَـرَ وَأنتـُم

لاَ تَشعِرُون: كَمَا أنَ آلِهَتَكُم افتِعالاً مِنْهُ مَصْنُوعَةٌ بالأيْـدِ حِجارَةٌ صَماءٌ

وَأنتـُم مِـنْ حَولِها لاَ تَفقهُون: ذلِكَ الرَبُّ الذِي أدِلَكُـم عَليْـهِ هُـوَ المالِكُ

المُدَبِّرُ القَيِّمُ وَالمُنْعِم فَلاَّ يُطْلَق غَيْرُ مُضافٍ إلاَّ عَلَى اللهِ سُبْحانَهُ وَأنتُم

بإيقانِكُم سَوْفَ تُرْحَمُون بِهِ وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم مِنَ الأصْنامِ رَبّكُم الذِي قَهْرَ

عِبادَهُ بالمَوْتِ وَالفَنَّى وَهُوَ الحَيُّ الذِي لاَ يَمُوت بِيَدِهِ الخَيْر وَهُوَ عَلى

كُلِّ شَيءٍ قدِير: وَقُولُوا مَعِي أللَّهُمَ رَبَنَّا اخْتَرْ لَنا أصلَحَ الأمْرَينِ وَاجْعَلْ

لَنا الخِيرَةَ بِكَ وَنَحنُ لكَ عَابِدُونَ مُبْرِئُونَ مِنَ آمُـونَ وَالكَهَنَةِ الكافِرُون

وَلَقَد كانَ يُوسُفُ عَليْهُم كَالطَبيبِ الذِي يُحاوِل أنْ يَتَحسَسَ الداءَ لِِيَصِفَ

لَهُم الدَواءَ الذِي بِـهِ يَتَشَفُون,, فأَذعَنَ لِقوْلِهِ الكَثِيـرُ وَاسْتَسْلَمُوا لِربِّهِم

وَتابُوا إنَهُ التَوابُ الرَحِيم,,


وَبَينَمَا هُـوَ كَذلِك يَعِـدُ نَفسَهُ إلى كَلِمَةِ التَوحِيد: فَقالاَ الفَتَيانُ أنبِئْنا أيُها

الصِديقُ بِمَا رَأيْنا (إِنَّـا نَرَاكَ مِـنَ الْمُحْسِنِينَ) قالَ يُوسُف لِساقيَّ المَلِك

أنتَ تَخـْرُج مِنَّ السِّجْنِ بَعـدَ ثَلاثَةِ أيامٍ مُقبلَةٍ وَسَتَعُد إلى سِيرَتِكَ الأوُلى

ساقِياً لِلمَلِك وَلكِنْ لاَ سَبيلَ لَكَ مِنَ الخَيْرِ بِعَمَلِكَ هذا حَتى تَجْتَنِبَ الخَمْرَ

وَتَدخُلَ الإسْلام,,


ثـُمَ قالَ لِخازنِ طعامِ المَلِك:أمَا أنتَ جَزاءُ مَا فَعَلْتَ بالمَلِكِ فَتُصْلَب عَلى

خَشَبَةٍ عاليَـةٍ مُعَلَـقٌ فِي الهَـواءِ دُونَ طَعـامِ وَشَرابٍ حَتى تَمُوتَ هَلَـكاً

فَتَأكُلُ الطَيْرُ مِنْ رَأسِكَ فِي أيامٍ ثُمَ يَنقَطِع عَنكَ الحَبْلُ وَعِظامُكَ فِيهِ وَاللهُ

لاَ يُضِيعُ أَجْـرَ مَنْ وَحَـدَهُ بِكَلِمَةٍ وَأنتَ تُنادِي بِصَوْتٍ حَزينٍ إلهِي وَكانَ

اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً,,

هذا مَا أشْرَفتْ وَأشْرَقتْ بهِ نَفسِي عَمَّا اتَقَيْتَهُ عَن رَبي بتَأوِّيلِ مَا أُعَبِرُ

لَكُم عَنْ الخُـبْزِ الذِي تَأكُلَهُ الطَـيْرُ بِلَحْمِ رَأسِ السَجِين وَشَحْمِهِ وَمَا فِيهِ

مَنَ المُخِ وَما يَبْقَ مِنهُ إلاَّ عِظاماً تَتَساقَط, وَأنَهُ لاَ يُقبَرُ وَسَوفَ تَعلَمُونَ

إنَهُ أمْرٌ لاَبُدَ مِنْ وقُوعِهِ, فأنزَلَ اللـَّهُ تَعالى آيَـةً لِقَوْمٍ عَـنْ قَـَوْلِ يُوسُفَ

وَصَدَّقَ رُأيَتَهُمَا وَقالَ (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً

وَأَمَّـا الْآخَـرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُـلُ الطَّـيْرُ مِـنْ رَأْسِـهِ قُضِـيَ الْأَمْـرُ الَّـذِي فِيـهِ

تَسْتَفْتِيَانِ)

فَحَمَدَ يُوسُفُ رَبَّـهُ الكَريم, وَشَكَرَهُ وَأثَنى عَليـهِ وَكَـبَرَهُ تَكْبيراً مِـمَّ أتـاهُ

وَأوْدَعَهُ مِنْ قبْـلُ أنْ يَكُونَ نَـبِّياً, وَكَلَفَهُ رَبَّـهُ أنْ يَتَبِـعَ بِمَا أضْطَلَعَ أبـاهُ

النَبِّيَ يَعقوب مِنْ قبْلِ الدَعوةِ إلى التَوحِيدِ وَالإيمانِ باللهِ الأحَدِ,,

هذِهِ أوْلُ مُعجِزَةِ يَسْتَشْرِفُ بِها يُوسُف بِتأوِّيلِ الأحادِيثِ فَجَعَلَها اللهُ لَـهُ

دَعوَةٌ مُؤَكَدَةُ النَجاحِ مَقرُونَةٌ بالفَلاحِ, فَصَدقوهُ قَوْماً قَـَد طَهَرَ نفُوسَهُم

الفِقر وَهُـم أقـْرَبُ الناس لِتَفَهُمِ رِسالَتِهِ, فأدخَرَهُم اللـَّه عَوْناً لَـهُ لِوَقتٍ

مَعلُومٍ فِي نصْرَتِه,,

ثُـُمَ ألتَفَتَ يُوسُفُ (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّـهُ نَاجٍ مِنْهُمَا) مِنَ السِّجْنِ وَهُـوَ الساقِي

قالَ لَـهُ (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) بصِفَتِي وَقُصَتِي وَمَا اسْتَشْرَفتُ بِـهِ لَكَ مِنْ

تَأوِّيـلِ الرُؤْيـا: هِيَّ كَلِمَـةٌ قالَـها يُوسُـف عَلى حَـدِّ قَـْولِهِم عَلـى سَـبيلِ

مَا يَعتَقِدُونَ برَّبِهِم المَلِك الذِي يُكَنى عِندَهُم بِنصْفِ إلهٍ يَدَعُونَ إنَهُ مِنْ

كَراماتِ آمُونَ رَبِّ الآلِهَةِ,,

(فَأَنْسَـاهُ الشَّـيْطَانُ ذِكْـرَ رَبِّـهِ فَلَبـِثَ فِـي السِّـجْنِ بِضْـعَ سِـنِينَ) فَشَغَلَهُ

الشَيْطانُ بعِصارَةِ الخَمْـرِ: فَنَسِيَّ الساقِيَّ أنْ يَتَذَكَـرَ يُوسُـف عِنـدَ رَبِّـهِ

المَلِك فَلَّبِثَ فِي السِّـجْنِِ ثَلاثـَةَ سِنينٍ أُخَـرٍ مَنْْسِياً لَمْ يَذكرُهُ أحَـدٌ, فَصَبَرَ

يُوسُف عَلى أعقابِ تِـلْكَ السِنِين السَبْعَةَ: وَأُسِـرَ الثَالِثَةَ مَعَ بَلائِـهِ ذلِكَ

لِيُدِلَ الناس إلى الدَرْبِّ الصَّوابِ,,

إنْزِل تَحت وَأكْمِل التَفسِير






التوقيع :

رد مع اقتباس
قديم 12-12-2011, 10:07 PM   رقم المشاركة : 10
شيخ كريم الحجاري الرميثي
( عضو نشيط )
 
الصورة الرمزية شيخ كريم الحجاري الرميثي
الملف الشخصي




الحالة
شيخ كريم الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي قصة يوسف المعرضَة في قناة الكوثر من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي 15 جزء بالصورة والحركة

الجِزْءُ العاشِر
((رُؤْيَة المَلِك فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ))





(تَفسِيرُ رُؤْيَة المَلِك: فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ)

قالَ: المَلِكُ لِلمَلأِ إنِّي أَرى فِي مَنامِي (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ

عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْـرٍ وَأُخَـرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَـلَأُ أَفْتُونِي فِـي

رُؤْيايَ إِنْ كُنْتـُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ) فأرْسَلَ المَلِكُ عَلى جَمِيعِِ كَهَنَةِ مَعـبَدِ

آمُـونَ وَمَنْ مَعَهُم مِنَ السَحَرَةِ وَالمُنَجِمِينَ وَقـَصَّ عَليْهُم رُأيـاه: وَقالَ

كَأنِي عَلى حافَةِ نَهْـرِ النِيل وَلَقـَدْ خَرَجَ مِنهُ سَبعُ بقراتٍ سِمانٍ فجعُلْنَ

يَرْتَعنَ مَعاً في رَوْضَةٍ هُناك وَإذا بِنَهْرِ النِيل قَـَدْ جَّـفَ مائَهُ فخَرَجَ مِنهُ

سَبْعَ أُخَـرٍ هُزالٍ ضِعافٍ فرَتَعنَ مَعَهُنَ, ثـُمَ مَلَّنَ عَلَيْهُنَ فابْتَلَعُنَ السَبْعُ

العِجافُ السِمان: فاسْتَيْقظتُ مِن نَومِي مَذعُوراً،,



ثمَ نِمْتُ ثانِيَةً فرَأيْتُ سَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ فِي قصَبةٍ واحِدَةٍ، وَإذا بِسَبْعٍ

أُخَـرٍ دِقاقٍ يابِساتٍ فأكَلَهُنَ, فاسْتَيْقظتُ مِـنْ نَومِـي مَذعُـوراً: أفتـُونِي

بأيِّ مَا يُفضِيَّ مِنْكُم إليَّ بِتَعبِيرِ رُأياي (قَالُوا) أيُها المَلِكُ فَمَا هُوَ تَأوِّيلُ

تِلْكَ الرُؤْيَةِ إلاَّ وَهُيَّ (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيـلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ)

مِـنْ هـذا النَـوْعِ المُتَكَلِـس فِي المَـنامِ فَإنَها حِـزَمُ أخْلاطٍ مِـنْ وَساوِّسِ

مُتَفَرقَةِ الصُـوَرِ تَهْجِسُ فِي النَفسِ فِي رُؤْيَـةٍ واحِـدَةٍ لاَ تـُبانَ حَقيقتُها

بِمَا اختَلَطَت أبْعاضُها وَصارَت أَضْغَاثُ أحـْلامٍ فَتـُعَسِّرُ عَلَيْنـَّا الوَقـُوف

باسْتِظْهارِ تَأوِّيلِها, وَمِنْ هُـنا فَلْيَعلَمَ الملِكُ إلِـهَ مِصْرَ أنَ الرُؤْيَةَ بأمْـرٍ

مِنْ آمُونَ رَبَّ مَعابِدِ الآلِهَة وَالحِلْمُ مِنَ الشَيْطانِ وَالفرقُ بَينَهُمَا عِبارةٌ

عَمَّا يَراهُ النائِم فِي مَنامِهِ مِـنَ الأشْياءِ إنْ غَلَبَت الرُؤْيـا عَلى مَا يُـراهُ

المُحتَلِمُ مِنَ الخَـيرِ وَالشَيءِ الحَسِن, وَغَلَبَ الحِلْمُ مَا يَراهُ المُحتَلِمُ مِنَ

الشَّرِ وَالقَبيحِ, فهذا هُوَ قَرارُنا مَا أشْرَفَت بِـهِ عقـُولَنا إلَيْك أيُها المَلِك

قالَ المَلِكُ: فلَمْ يَبْـقَ لِي فِي قَـَوْسِ الصَبرِ مَنْزَع, وَلاَ لِحُجَةِ المُبِين فِي

رَأيِِّكُم مَوْقِع, أَوَليْسَ هـذِهِ الرُؤْيَـةَ أمْـراً خارقـاً وَحَقيقَتُها تـُقَصِرُ عَـنْ

صُدْقِها عُقولِكُم فإنَ عَجَزْتُم عَـنْ تَعبيرِها هُـوَ عَجْزَكُم عَنْ آلِهَةِ آمُون

بأنَكُم لاَ تَفقهُـونَ إلاَّ مَا تَنْبَـحَ الكِـلابُ, تُظِلـُونَ النـاسَ وَتغِرُونَهُم فِـي

أوْهامِكُم بأنَكُـم فِـي مَحَـطِ السَـبْقِ عِلْـماً بإذنِ آمُـونَ المُتَعَـدِد بأرْبابِـهِ

الصَماءَ لِتـُسَدِدُوا مِـنْ خَطايـا الناسِ السُذَج ذلِكَ لِيَسْتَمِدُوا العَوْنَ بِكُم

وَيَتَقَرَبُونَ بالنِذُورِ إلَيْكُم وَأنْتُم لاَ تَعقِلُون, فَسَوْفَ أزِّجُ بِكُم فِي السِّجْنِ

إذا لَمْ تَأتُونِي بِتَعبِير رُؤيَتِي مِنْ بَعدِ يَوْمٍ لَكُم,,




(وقالَ الـذِي نَـجا مِنهُما) مِـنَ الفَتَـيَّينِ وَهُـوَ الساقيَّ الـذِي خَـرَجَ مِـنَ

السِّجْنِ لَّمَا سَمَعَ رُؤْيَةَ المَلِك وَرَأى عَجْزَ السَحَرَةِ عَـنْ تَعبيرِها فَتَذَكَرَ

أمْـرُ يُوسُف وَمَا كانَ قََـَد أوْصاهُ بِـهِ مِنَ التِذكارِ قَبْلَ ثَلاثـَةِ سِنِين: قالَ

أيُها المَلِكُ: إنِي أدُلَّكَ عَلى فتَـىً أسْمُهُ يُوسُـف الصِديق فَأرْسُلَنِي إلَيْـهِ

فَهُوَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ بِتأوِّيلِ الرُؤْيا آتِيكَ بِنَبَئِها, قالَ المَلِكُ اذهَب إليْه وَآتِنا

مَا يَنبَغِي مِنْهُ مَا أحاطَ بِيَّ فِي مَنامِي,,




فَمَضى إلى يُوسُفَ فِي السِّـجْنِ وَناداهُ مُعـْتَذِراً؟ لَقـَد أنسانِي الشَيْطان

وَصِيَتـُكَ فَتَذَكَرْتـُكَ فِـي هـذا اليَـوْم الـذِي عَرَفتـُكَ فِيـهِ أمام مَلِكَ مِصْرَ

مِـنَ الصَّلاحِ وَالصِّدْقِّ فِي تَأوَّيلِ الأحلام أفتِنَا أيُها الصِدِيقُ فِي (سَـبْعَ

بَقـَرَاتٍ سِـمَانٍ يَأْكُلُهُـنَّ سَــبْعٌ عِـجَافٌ وَسَـبْعَ سُنْـبُلاتٍ خُضْـرٍ وَأُخَــرَ

يَابِسَاتٍ) لَعَلِي أرْجَعُ إلى المَلِكِ وَحاشِيَتِهِ وَهُم بمَحضَّرِ يَتَرقَبُونَ فَتواكَ

لِيَعرِفُوكَ بِها,,

فأجابَ يُوسُفُ قائِلاً قُلْ إلى المَلِك إنَكُم تَسْتَبِقونَ سَبْعَ سَنواتٍ مُتتالِياتٍ

لَيِّنَةٍ رَخـاءٍ تَزْرَعُونَ الأرْضَ دائِـبينَ عَلى العَمَلِ فتَكُونـُوا فِي أخْصَـبِ

تُربَةٍ فَتَزدَهِرُ حقُولَكُم, وَتَنمُو غلاتَكُم فمَا تَحصِدُونَهُ أحفِظُوه وَاترِكُوه

فِي سُنْبُلِهِ إلاَ قَلِيلاً مِمَا تأَكْلُونَـهُ فِي هتذِهِ السِنِينِ السَـبْعِ, وَيَصْفُوَ لكُم

العَيْش, وَتـُطِيبُ لَكُـم الحَياة السَعِيدَة, وَمِـنْ ثـُمَ يُأتِيكُم فِي أعقابِ ذلكَ

سَبْعَ سَنواتٍ شِدادٍ يُظِلَّكُم فِيها ألأمَلُ وَيُـمَد فِيها القَحَطُ وَأيامَكُم عُسْـرٌ

حَتى تَـرُونَ وَجْـهُ ألأرضَ خاشِعَةً لاَ يَمِـدُها النِيـلُ بِرِفـْدِهِ, وَتـُصابُونَ

بالداهِيَةِ العُظمى فَتَأْكُلُونَ مَا قَدَّمْتُم بِحُفظِهِ فِي السَبْعِ السِنَواتِ ألأوْلى

مِنْ الحِبُوبِ المَخْزُونِةِ فِي سَنابُلِها وَبَعدَها تُصالِحُكُم ألأيامُ بَعدَ السِنِينِ

المَوصُوفَةِ تَقبلُ عَليْكُم تُغَرد وَهُوَ عامٌ تُغاثونَ فِيهِ مِنَ الخَيِّراتِ بِكَشْفِ

الكُرَبِ وَرَفعِ المَجاعَةِ فَتُصْلِحُوا فِيـهِ مَا أُفـْسِدَ فِي أمْرِكُـم مِـنَ الحِنطَةِ

وَالشَعِـيرِ وَالسِمْسِم مِمَا تَمْلَئُـونَ خَزائِـنُ ألأرْضِ, وَمَا تَعصِـرُونَ مِـنَ

الزَيتـُونِ يَنفَعَكُم نـُوراً, وَتَـدُر مَواشِيَكُم وَأنتـُم مِنها شاربُون, فيَأتِيكُـم

الناسُ مِنْ كُلِّ فـَجٍ بَعِيـدٍ يَشْتَرُونَ مِنكُم مَا أصابَهُم مِـنَ جَـوْعٍ وَقَحْطٍ,,

هذا هُوَ تأوِّيلُ الرُؤْيا أيُها الرَسُول المَبْعُوث إلَينا وَمَا أشْرَفتْ وَأشْرَقتْ

بهِ نَفسِي عَما اتَقيتَهُ عَنْ رَبِّي بتأوِّيلِهِ إنَهُ هُوَ العزيزُ الوَهابُ,,

فَرَجَعَ الرَسُولُ إلى المَلكِ وَأخبَرَهُ بِذلِكَ,, لَّمَا عَلِـمَ المَلِكُ وَأحـاطَ عِلْـماً

بِكَمالِ عِلْم يُوسُف وَتَمام عَقلَهُ وَرَأيَهُ السَدِيد وَفهْمَهُ اليانِع فدَهَشَ مِنْ

عَظَّمَةِ ألأمْر فَقالَ لِحاشِيَتِهِ: كَيْفَ لَنـَّا ادخـارُ حُبُوبِ سِنِيِّ الخِصْب فِي

السَبْعِ الأُولى فِي إهْرائِنا دُونَ فسادِه,,

قالـُوا أيُها المَلِكُ: فَلابُـدَ لِيُوسُفَ عِلْماً بِذلِك إنَـهُ قالَ: إنِّي رَسُـول رَبِّ

العالَمِينَ لاَ مانِعَ لَدَيَّ أنْ أأتِيَّ الناس بِمَا يَسْألُونَ وَمَا يَعمَلُون,,

قـالَ المَلِكُ مَا هِيَّ إلاّ ذِي أمُورٍ ظهَرَت لَدَيَّ وَقَـَد كانَت عَليَّ خافِيَةً مِنْ

قبْلُ وَاتَضَحَت لِي أشْياءٌ كانَت عَليَّ غامِضَةٌ عَنْ هـذا الشابِ السَجِـين

الكَنعانِي وَأنتُم تَخْفُونَها عَنِّي (ائْتُونِي بِهِ) أسْتَخلِصُهُ لِنَفسِي, وَأجْعَلَهُ

إلى حَضْرَتِي لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ خاصَتِي عَسى أنْ يَخْبِرَنا بِمَا نَدَّخِرُ فِي

سِـنِيِ الجَـدبِ,, لكِـنَ يُوسُف أُخْفـُيَّ فِي نَفسِـهِ عَـمَا يُخْـبِرَ لَهُـم وَاقِـعاً

لا مُحالةً فِيمَا يَحصِدُونَ فِي عـامِ الرَخـاءِ إلـى مَا يَعتَمِدُونَهُ فِي حالَتَي

خصْبِهِـم وَجَدبهِم وَمَا يَفعَلـُونَهُ مِـنْ ادخـارِ حُـبُوبِ سِـنِي الخِصْب فِي

السَبْعِ الأوَلى فِي سُنبُلِهِ مَا يَخزنُوهُ فِي إهرائِهم لِيَظَّل سَلِيماً نَقِياً دُونَ

فَسادِهِ فَلاَ يَقَعَ فِيهِ التَسْوِّيس حَتى وَإنْ بِقِيَّ مُـدَةٌ مِـنَ الزمان, وَيُأخَـذ

مِنهُ إلاَّ ما يُرْصَد بسَببِ الأكْـلِ, وَمِنْ ثـُمَ تقلِيلُ البـَذر في سِـنِيِ الجَدْبِ

فِي السَبْعِ الثانِيَة إلاَّ بإشْرافِِ يُوسُف عَليـْهِ السَلام, فَحَيَرَهُم بادخـارِهِ

عَسى أنْ يَجْعَلُونَهُ وَزيراً عادِلاً بَينَهُم عَلى خزائِنِ الإدخارِ,,

((خرُوجُ يُوسُف مِنَ السِجْنِ بأمْرٍ مِنَ المَلِك))



(فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ) أبْلَغـَهُ بإخْراجِهِ مِن السِّجْنِ بأمْرٍ مِنَ المَلِك: قالَ

يُوسُفُ لاَ أَحبُ أنْ أخْرُجَ مِنَ سِجْنِ مَمَنُوعاً عَليَّ بالعَفوِّ مُتَفضِلاً عَليَّ

المَلِكُ بِسَببِ رُأياه التِي صارَت سَبباًَ لِي حَتى يُظْهِرَ سَـبَب أمْري قَبْـلَ

أنْ أُغادِرَهُ, وَيَعـْرفَ قَضِيتِي قَبْـلَ أنْ يَفصِلَ بالعَفـْوِّ عَنـِّي حَتى يَطَلِـعَ

عَلى أمْرِِ النسْوَّةِ الأربَعِينَ: هـذا هُوَ جَوابِي مِمَا يُرْضِيَّ رَبِّي وَيُرْضِي

المَلِك بِتَحَكُمِهِ عَلى بَراءَتِي فِي بلاطِهِ (ارْجِعْ) أيُها الساقِي (إِلَى رَبِّكَ)

المَلِك وَاطْلُبْ مِنهُ أوَلاً أنْ يَقِـفَ عَلى تَحقِيقِ تـُهْمَتِي وَيَـسْأل (النِّسْوَةِ

اللَّاتِـي) جَمَعَتهُنَ زُلَيْخَـة كَيْـداً لِي فَغَلَبَهُـنَ الدَهْـشُ فِـي حُـسْنِ جَمالِي

يَعتَقِدنَ مُراوَدَتِي عَنْ نَفسِي فَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِسَبَبِ ذلِك,,

ثانِـياً: أُريـدُ وَقُوفِهُنَ وَبِمَحْضَرِ الناسِ الأشْـرافِ هَـلْ خَرَجْـنَ تائِـباتٍ

مَا فَعَلْنَ مُعتَقِداتٍ بِبَراءَتِي, أمْ مُراوَدَتَهُنَ جُعِلَت لَهُنَ تَغطِيَةُ لِسِترِهُنَ

بِقَذفِي عَشْرُ سِنِينٍ فِي السَّجْنِ,,

فَفَهِمَ المَلِكُ أمْرَ يُوسُف, وَشَغلَ بالَهُ ذِكْـر النسْوَّةِ, وَعَبَرَ فِي نَفسِهِ أنَ

هذا الفَتى الكَنعانِي لاَ يَأبى لَهُ أنْ يَدخـُلَ السِّجْنُ إلاَ كُرهاً وَظُلْماً فَطَلَبَ

اليَوْم الذِي لِيُظْهِرَ فِيـهِ مِنْ ظُلامَتِهِ ما مَضى عَليـهِ عَشْرَةُ سَنَواتٍ فِي

السِجْنِ,, فَأخْرَجَهُ المَلِكُ: وَقالَ مَا خَطْبُكَ أيُها الفَتى الصِديقُ؟؟

قالَ: أيُها المَلِكُ أنـَّا مَظلـُومٌ سَنواتٍ كامِلاتٍ لَـمْ تَنصُفَنِي كَلِمَةُ القَضاءِ

وَمَرَّت أيامِي فِي السِّجْنِ لََمْ أَرى الشَمْسُ الطالِعَةَ, وَلاَ القمَرُ المُتَلألئ

وَلاَ الشَجَرُ الناضِج وَالزَرْعُ الأخـْضَر, فَمَرَّت أيامِي وَأنـَّا لَـمْ أذوقَ إلاَ

خُبْزاًَ قِفارا, وَماءً كَدِراً أُجاجا,, تِلكَ ألآلامِ وَالمَصائِب التِي جَرَّت عَليَّ

فأذاقَتنِي لَيالٍ سَوداءٍ افتَرَشْتُ المَـدرَ مَناماً, وَتَوَسَدتُ الحَجَـرَ, وَنمْتُ

عَلى الآلامِ وَالمَصائِب فلَقَيْتُ بِها أحزانِي بَعِـيداً عَـنْ الأهْـلِ وَالأقرباءِ

وَالحَمْدُ للهِ الذِي حَقَقَ الإفراج بأمَلِي,,




قالَ المَلِكُ: أتـُوهُنَ وَأَوْقَِفُوهُنَ صَفاً واحِـداً, فَلَّمَا وَقَفـْنَ أربَعُونَ نِسوَةً

قالَ وَمَا خَطَبَكُنَ حِينَ راوَدتَنَ يُوسُفَ عَـنْ نفسِهِ وَمَا كانَ حالِكُن حِينَ

حاوَلْتَنَ خِداعَهُ فِي عصْمَتِهِ وَطهارَةِ نَفسِهِ هَلْ وَجَدتَنَ مِنهُ مَيلاً إلَيْكُنَ

أمْ أجابَكُنَ مَا تُريدَنَ مِنْهُ, فَمَا وَجَدْنَ حِيلَّة إلاَ الصَراحَةَ بالقوْل فَأُنْطِقنَ

وصَرَحْنَ وَقـُلْنَ حاشَ لِلَّـهِ إنـَهُ فتىً عَفِيـفاَ كَريماًَ أمِـيناً صادِقاً, وَلِكـن

مَا سَمْعنَّا وَشاهَدنَّا إلاَ التِي راوَدَتـْهُ عَـنْ نَفـْسِهِ فِي بَـيْتِها (إِنَّـا لَنَرَاهَا

فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

فَلَوْلاَ نَزْعَةُ الخَيْرِ اندَلَعَ فِي نَفـْسِ النسْوَةِ الأربَعِينَ لَّمَا اندَفَعَتْ زُلَيْخَةَ

مِنْ نَفسِها وَقَوِّيَتْ أنْ تَقولَ عَلَّناً: أيُها المَلِكُ المُفَدى أنَّا التِي خادَعتَهُ

وَجَذَبتَهُ لِلغَرامِ مِنْ عُضْدِهِ إلاَ إنَهُ شاباً عَفِيفاً نَجِيباً مَا رَأيْتُ نَفساً وَهُوَ

أزْكى مَنْ شَهَدْتُ فِي الناسِ قَلْباً طَهُوراً, يَخِّـلُ لِي مِنْ مَعارِفِهِ وَهِدُوءِ

طَبْعِهِ وَإحسانِهِ وَعِفَتِه: وَلكِن خشَيْتُ اليَوْم الذِي فِيهِ (الآنَ حَصْحَصَ

الْحَقُّ) وَعَلى فِي مَحضَرِكُم لِهـذا الفَتى المَلائِكِي,, فإنِي أقِـرُ بتَكْـذِيبِ

نَفسِي التِي أمَرَتنِي بالسُوءِ فِي اتهامِهِ, وَأبْرِأهُ إنَهُ لَمْ يَجْب لِمُراوَدَتِي

(أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) وَدَعَوْتَهُ لِقَلْبِي فَأبَّى وَأعتَصَمَ عَلَّيَّ فَقذفتُ بِـهِ

فِي السِّجْنِ لِيُبْتَلى فِيهِ رِداء شَبابَه (وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)

فَالتَفتَ المَلِكُ لِيُوسُفَ وَقال: هَـلْ كانَت نَفسُكَ تَهْواها عُشَـقاً مِـن قَبْـل

قالَ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِ (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) فَلْيَعلَم

مَلِكُ مِصْرَ أنَ لِقَولِي هـذا فِي مَحضَرِكُم هُـوَ مَنْ لاَ يَرى أحَـدٌ لِغَـيرِ اللهِ

تَعالى قـُوَةً وَلاَ حَوْلاً لِبَراءَتِي فهُوَ ظالِمٌ لِنَفسِهِ (إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) الذِي

أودَعَنِي رسالَتهُ قَبْـلَ أنْ أكُـونَ عَبْـداً أبـِقاً لِزُلَيْخة فِي بلاطِها فَرَحمَتَهُ

هِيَّ التِي تَكْفُ النَفسَ عَن السُوءِ وَالفَحشاءِ وَهُوَ اللهُ العالِمُ بِما يُحِيطَ

بِها مِـنْ مَكْرُوهٍ وَإحسانٍ (إِنَّ رَبِّي غَفـُورٌ رَحِـيمٌ) فَرَحمَتَهُ وَسِعَتْ كُـلَّ

شَيْءٍ, فَبِها يُغفِـر الذِنـُوبِ, وَبِها يُثِيبُ بالإحسانِ, وَبِها يُظْهِرُ الجَمِيل

الذِي أنتُم تُصَدِقونَهُ مَاظَهَرَ مِنهُ وَمَاخَفِيَّ عَليَّ بسِنِينِ السِّجْنِ المُظْلِمَة

وَاللهُ تَعالى يُريد الحَقَّ أنْ يَظهَرَ لِيَتَعاطاهُ الناس,,

فَتَنازَلَ يُوسُفُ: عَـنْ ظـُلْمِهِ أمـامَ المَلِك بِعَـدَمِ سِجْنِهُنَ: وَقالَت زُلَيْخَـة

(ذَلِكَ لِيَعْلَمَ) العَزيزُ (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) مِنْ وَرائِهِ بِفاحِشَةٍ, وَإنْ لَمْ

يَكُن قَـَدْ حَصْحَصَ الحَقّ بِقَلْبِّي, وَأُزْهِقَ باطِلِي عَـنْ مَغرَمِي لَّكنْتُ مِنَ

الهالِكِينَ (وَأَنَّ الله لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) فَلْيَعلَمَ المَلِكُ أنَ شَهادَتِي قََد

جاءَت مُبْرئَةً لِيُوسُفَ مِنَ الذِنوبِ بَعيدَةً عَنْ الشَكِ وَالارتِيابِ, مُنَزَهَةً

عَنْ الرَّيْبِ وَالعِيُوبِ, دافِعَةً عَنْ الفُحشِ: هذا البَيانُ الذِي صَرَحَت بِـهِ

امْرأةُ العَزيز أمام المَلِك أثارَت لَهُ رَغبَةٌ صادِقةٌ أنْ يُقَرِبَ يُوسُفَ إليهِ

لِيَكُونَ فِي مَملَكَتِهِ زَعِيماً وَفِي بطِانَتِهِ وَزِيراً وَثِيـقاً بأمُورِهِ مَعَ إصْدارِ

القراراتِ الحِكُومِيَةِ اللازِمَةِ فِي بِلاطِهِ,,

فأمَرَ المَلِكُ أنْ يَجعَلُوا لَهُ حَفلاً فِي بِلاطِهِ بِمَحضَرِ أشْرافِ مِصْرَ جَمِيعاً

ذلِكَ لِيَطَلِعَ عَلى تَأوِّيلِ المُناظِرينِ بَينَ يُوسُفَ وَكَهَنةِ مَعابِدِ آمُـونَ رَبّ

الآلِهَةِ,,



ثمَ التَفتَ المَلِكُ إلى جَمِيعِ كَهنَةِ مَعابِدِ أمُونَ وَالسَحَرَةِ المُنَجمُونَ وَقالَ

أوْْدُ أنْ أسْـمَعَ مَـا أوْعَدتِمُونِي بِتَعـبيرِ الرُؤْيـا,, قالـُوا لا تَعـبيرٌ لـَنَّا إلاَّ

مَا اطلَعنا عَليهِ في زَمَنٍ سابقٍ بأنَ البَقرَةَ هِيَّ السَنة لاَ غيْرُها: فَسَخَرَ

المَلِكُ مِنهُم وَأشْرافُ مِصْـرَ: وَقالَ, سَـوفَ تَسْمَعُونَ مِـنْ هـذا الشَابُ

الكَنْعانِي وَأنتـُم فِي المَذلَةِ بَينَنا وَتَكُونوا لَمِنَ الصاغِرينَ (يُوسُفُ أَيُّهَا

الصِّدِّيـقُ أَفـْتِنَا فِي سَـبْعِ بَقـَرَاتٍ سِـمَانٍ يَأْكُلُهُـنَّ سَـبْعٌ عِجَـافٌ وَسَـبْعِ

سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ)



وَقالَ سَلامُ اللهِ عَليهِ فِي وَسَطِ تِلْكَ المَفازَةِ المُتَرامِيَةِ أيُها المُجتَمِعُونَ

عَلى تَأوِّيلِ رُؤْيـا المَلِك؟؟ إنَكُـم تَسْتَبِقونَ سَـبْعَ سَنواتٍ مُتتالِياتٍ لَيِّـنَةٍ

رَخاءٍ تَزْرَعُونَ الأرْضَ دائِـبينَ عَلى العَمَلِ فتَكُونـُوا فِي أخْصَبِ تـُربَةٍ

فَتَزدَهِرُ حقُولَكُم, وَتَنمُو غلاتَكُم, فمَا تَحصِدُونَهُ أحفِظـُوه وَاترِكُوه فِي

سُنْبُلِهِ إلاَ قَلِيلاً مِمَا تأَكْلُونَهُ فِي هذِهِ السِنِينِ السَبْعِ وَيَصْفُوَ لكُم العَيْش

وَتُطِيبُ لَكُم الحَياة السَعِيدَة وَمِنْ ثمَ يُأتِيكُم فِي أعقابِ ذلِكَ سَبْعُ سَنواتٍ

شِدادٍ يُظِلَّكُم فِيها ألأمَلُ وَيُمَـد فِيها القَحَطُ والجَدب وَأيامَكُم عُسْـرٌ حَتى

تَرُونَ وَجْهُ ألأرضَ خاشِعَةً لاَ يَمِدُها النِيلُ بِرِفـْدِهِ, وَتُصابُونَ بالداهِيَةِ

العُظمى, فَتَأْكُلـُونَ مَا قَدَّمْتـُم بِحُفظِـهِ فِـي السَـبْعِ السِنِيـنَ الأوْلـى مِـنْ

الحِـبُوبِ المَخْزُونِةِ فِـي سَنابُلِها, وَبَعـدَ أعقابِها تـُصالِحُكُم ألأيـامُ بَعـدَ

السِنِيـنِ المَوصُوفَـةِ تَقبـِلُ عَليْكُـم تـُغَرد وَهُـوَ عـامٌ تـُغاثـُونَ فِيـهِ مِـنَ

الخَيِّراتِ بِكَشْفِ الكُـرَبِ وَرَفـْعِ المَجاعَـةِ فَتـُصْلِحُوا فِيـهِ مَا أُفـْسِدَ فِـي

أمْرِكُـم مِـنَ الحِنطَـةِ وَالشَعِـيرِ وَالسِمْسِم مِمَا تَمْلَئُـونَ خَزائِـنُ ألأرْضِ

وَمَا تَعصِرُونَ مِنَ الزَيتـُونِ يَنفَعَكُم نـُوراً, وَتـَدُر مَواشِيَكُم وَأنتـُم مِنها

شاربُون فيَأتِيكُم الناسُ مِنْ كُلِّ فَجٍ بَعِيدٍ يَشْتَرُونَ مِنكُم مَا أصابَهُم مِنَ

جَوْعٍ وَقَحْطٍ,,

هذا هُوَ تأوِّيلُ الرُؤْيا أيُها الناسُ وَمَا أشْرَفتْ وَأشْرَقتْ بـهِ نَفسِي عَمَّا

اتَقيتَهُ عَنْ رَبِّي بتأوِّيلِهِ إنَهُ هُوَ العَزيزُ الوَهابُ,,

فأولئِكَ الكَهَنَةَ وَالمُنَجِمُونَ وَالسَحَرَةَ لَّمَا سَمَعُـوا خَـبْرَ يُوسُـفَ يَمْـزِج

بِتَأوِّيـلِ رُأى المَـلِك وَيُسَـدِيَّ إليـهِ نِصْحَـهُ, فأوْحَشَهُـم ضِــيقُ المَـكان

وَطَأطئُوا بِرؤُوسِهِم لَّمَا لَمَحُوا مِن تَعبيرِهِ عِلْماً غَزيراً, واسْتَرَقُوا مِنْ

نُصْحِهِ رَأياً سَدِيـداً حَصِيفاً, فَأخْشاهُم الأمـْرُ مِنـْهُ فَظنـُوا بِـهِ أنَ المَلِكَ

سَيُوشُك مِنهُ بُرهاناً لِحكُومَتِهِ تَكُـونُ سَـبَباً لِتَحطِيمِ الآلِهَـةِ عَلى يَدِيـهِ

فَداخَلَهُم الرُعُـب, وَأخشاهُـم الخَـوْف وَالقَلَـق إذا مَا لَـمْ يَقـرُونَ يَـوماً

بِبْهتانِهِـم وَضَلالَتِهِـم بأنَهُـم سـادِرُونَ فـِي طِغيانِهِـم وَبَغيِِّهِـم فَسَـوفَ

يُقتَلونَ, وَإلاَّ أنْ يَستَجيبُوا لِرَبِّ يُوسُفَ طائِعِين مُذعِنِين؟؟

قالُوا أيُها المَلِكُ: هذا مَا سَمَعناهُ مِنْ هذا الفَتى العَبرانِي إنَهُ يُوَحِدُ إلهاً

خَفِياً لاَ يُرى, وَكَيْفَ صَدَقتِمُوه بِرَبِهِ الذِي سَوفَ يَحِلُ بِمِصْرَ العَظيمَة

مَا يَصِبُها سَـبْعُ سَنواتٍ مِـنَ القَحـْطِ وَالجَـدبِ بَعـدَ سَـبْعٍ لَيناتٍ رُخـاءٍ

بِسَبَبِ حِلْمٍ واهِنٍ,,

قالَ يُوسُفُ اسْمَعُونِي: فِي ذَلِكُمْ بَـلاءٌ مِنَ اللـَّهِ عَظِيمٌ لُيُبلِيَّ الناسُ فِيهِ
وَهُوَ رَحمَةٌ لِلعالَمِين, فَهُوَ اللـَّهُ المُذِلُّ الذِي يُلْحِق الذُّلَّ بمَن يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ وَيَنفِي عَنهُم أَنْـواعَ العِـزِّ, ويَرْفـَعُ العِِـزَةَ لآخَريـنَ أذلاءٌ فُقـَراءٌ

رُحَماءٌ رُفَقاءٌ عَلى المُؤْمِنِينَ أَعِـزَّةٌ على المُترَفِينَ, غِلاظٌ شِـدادٌ عَلى

الكافِرينَ,,

فَبَيَتَ الكَهَنَةَ المُجْرمُونَ فِي قلـُوبِهِم التِي لاَ تَتناهى عَنْ حِيلَةٍ ومَكْيَّدَةٍ

وَهُم يُدَبرُونَ الغـَدرُ بَقـَتلِ يُوسُف أوْ القـِيامُ بِعَزْلِـهِ مِـنْ سَلْطَنةِ المَـلِك

وَلكِن يَأْبى اللهُ مكْرُ كَيْدَ الكَافِرينَ بِمَا يُكِيدُونَ بِرُسُلِهِ القتِلِ (وَأَنَّ اللَّهَ لا

يََهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) قالَ المَلِكُ يا يُوسُف (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)

لِتَكُونَ عِندَنـَّا اليَـوْم صاحِبَ مَكانٍ وَمَنزْلَةٍ عَظِيمَةٍ (أمِينٌ) عَلى جَميعِِ

مَا تَتَولاهُ مِنْ ألأمْرِ في شؤُونِي: ذلكَ هُـوَ مَا ظَهَـرَ مِـنْ صِفاتِ كَمالِكَ

وَإحسانِكَ عَلَيْنا,, فَلَّمَا عَلِمَ يُوسُفُ مِنَ المَلِكِ يُريـدُ أنْ يَسْتَوْزِرُهُ عَلى

مُسْتَودَعاتِ غِـلاتِ الأرْضِ وَأمُـورِ الناسِ فِـيها: قال أيُـها المَلِكُ: إنْ

أرْدتَ أكُونَ مَسْئُولاً عَـنْ زُمامِ هـذِهِ الأمَـةَ اجْعَلَنِي فِي تَدبِـيرِ شِئُونِها

فإنِي خَـبِيرٌ فِي تَدبيرِها وَتصْريفِ أُمُـرِها, أمِيناً عَلى خَزائِنِها حَفِيـظاً

لأمْوالِها, مُعَلِماً فِي صَلاحِها وَعَلى جَمِيعِ أحوالِها كانَ عُسْراً أمْ يُسْراً

رَخاءً أمْ بلاءً, ذلِكَ لِيَعلَمَ الناسُ إنَ رَبِّي لَطِيـفٌ بالعِبادِ حَـقاً وَمَا يُريـدُ

ظُلْماً للعالَمِين كَما هُوَ في قوْلِهِ النازِلُ قُرآناً قالَ (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ

الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) فَسُبْحانَ مَنْ اقتَربَت مِنـْهُ رَحمَةُ رَبّـه بَعدَ أنْ

كانَ بالأمْسِ سَجيناً وَمِـنْ قَبْـلُ عَـبْداً مَمْلُوكاً يُـباعُ وَيُشْرى, وَيُضرَبُ

ويُهان, وَيُسْلـبُ وَيُعطى لاَ سُلْطانَ لَهُ فِي أمْرهِ وَلاَ حِيلَةَ لَـهُ فِي رَأيهِ

إنَ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يشاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْل العَظِيم,,

عَزيزي لَدَيْكَ بَعـَد خَمْسَة أجْزاء
إصْعَد إلى الأعلى وَافتَح الصَفحَة
الثانِيَة عَلى يَدُكَ اليُِسار: وَشُكراً






التوقيع :

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:21 PM.


منتديات أبو الفضل العباس
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات أبو الفضل العباس عليه السلام