العودة   منتديات أبو الفضل العباس عليه السلام > ¤©§][§©¤][ المنبر الاسلامي ][¤©§][§©¤ > منتدى أهل البيت عليهم السلام
 
 

منتدى أهل البيت عليهم السلام شذرات من حياة وسيرة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-05-2014, 01:21 AM   رقم المشاركة : 1
صلاتي حياتي
(مشرفة منتدى الإمام الحسين عليه السلام)

الملف الشخصي




الحالة
صلاتي حياتي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي يا أيّها الوجه الكريم من سنا ربِّك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم


قلَّة أولئك الرجال الذين هم على نسج عليٍّ بن أبي طالب (عليه السلام)، تنهد بهم الحياة، موزَّعين على مفارق الاجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين.
وهم، على قلَّتهم، كالاعمدة، تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك، لتومض من فوق مشارفها قبب المنائر.
وإنَّهم في كل ذلك كالرَّواسي، تتقبل هوجَ الاعاصير وزمجرة السُّحب لتعكسها من مصافيها على السّفوح خيرات رقيقة رفيقة عذبة المدافق.
هؤلاء هم في كل آن وزمان، في دنيا الانسان، أقطابه وروّاده.
إنَّهم في حقول البحث والتنقيب مرامي حدوده، وفي كل خط ضارب في مهمَّة الوجود أقاصي مجالاته. وإنَهم له على كلِّ المفارق إشارات ترد سبله عن جوامحها، وفي كلِّ تيه ضوابط تلملم عن الشطط شوارده. وهم له في دجية الليل قبلة من فجر، وفوق كلاحة الرَّمس لملمة من عزاء.

من بين هؤلاء القلَّة يبرز وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هالة من رسالة، وفي ظلٍّ من نبوَّة، فاضتا عليه انسجاماً واكتمالاً كما احتواهما لوناً وإطاراً.
أصحيح يا سيِّدي أنَّهم بدل أن يختلفوا إليك اختلفوا فيك؟!
فمنهم من فقدوك وما وجدوك.
ومنهم من وجدوك ثمَّ فقدوك.
إنَّه لعجب عجاب!!
أربعة عشر عموداً من أعمدة القرون، بساعاتها وأيّامها وسنيّها، ذابت كما تذوب حبَّة الملح على كفِّ المحيط، ولما يذب بعد حرف من حروف اسمك الكبير.
فكيف لهؤلاء أن يفقدوك ولا يجدوك، أو يجدوك ثم يفقدوك؟! ويا لسخرية القدر! حتى هؤلاء الذين وجدوك كيف تراهم حدَّدوك؟!
إنَّ الحرف الذي انزلق عن شفتيك لا يزال منذ أربعة عشر قرناً يأبى أن يتقلَّص في زمان أو مكان، لانَّه يحمل عنك نور قيم الفكر واعتلاجات حقيقة الحياة.. وهي أبعد من أن يحصرها إطار.
إنَّ الحرف، منطلقاً من بين شفتيك، أبى أن ينزل في نطاق، فكيف بك أنت إذ حدَّدوك بشورى تُنحِّيك عن إمارة، أو بيعة تصلك بخلافة؟! وكيف تمكنوا من أن يحشروك بين بداية ونهاية؟ فإذا قماطك قميص عثمان، وإذا لك على كفِّ ابن ملجم دثار الكفن.
وكيف وجدوا تلك المقاييس فأخذوا يتلهَّون بها عنك وراحوا يقيسونك بها؟ فإذا أنت ربع القامة، لست بالطويل ولا بالقصير، عريض المنكبين تميل إلى سمنة ولست بالغليظ، وعيناك على دعج، وعنقك كإبريق فضَّة لك ساعدان مفتولان ليس للسَّيف فقط، بل حتى لاقتلاع المزاليج.
ثم كيف أقحموك بين المشاكل والاحداث فإذا بها تتلقفك كما تتلقف الحلبة مناجزة المتصارعين؟
تبتدئ هكذا يوم الجمل بعرقبة عسكر وجندلة طلحة والزبير، وتنتهي بصفّين، حيث تتحوّل المسرحية إلى مهزلة تختتم بمأساة.
أهكذا نقشت على حدودك تخوم وحوِّط كيانك بسوار؟.. وأنت أنت الوسيم ، ليس لدعج في عينيك، بل للهب في بصيرتك. ولا لبهاء في طليعتك، بل لصفاء في سريرتك.. ولا لغيد في عنقك، بل لجبروت في شيمك.
وأنت أنت البطل، صلب السَّيف والترس في كفيك، ليس لفتلة في زنديك أو لعرض في منكبيك، بل لفيض رجح على أصغريك، ثم فاض على نهجيك.
وأنت أنت الناهج الاول، نسجت للدنيا قميصاً على غير النّول الذي حيك عليه قميص عثمان. وصغت للدين حساماً كان من غير معدن سيف عشيق قطام.
وأنت أنت الذي ابتدأت الرَّكيزة وشهقت بها، تطل على الدُّنيا فوق حدودها وفوق مداها، تحمل في يدك مصحف الرِّسالة، تلوح به على غير النمط الذي لوِّح به في صفين مشعلاً يتجاوز وهجه سنام الجمل ومجرى الفرات، ليعبر من مكة والمدينة، ليس إلى نفوذ الجزيرة وربعها الخالي وحسب، بل ليتجاوزها مع الشمس إلى حيث يبزغ الشروق، وإلى حيث يرتطم الغروب.
لو أدرك الذين فقدوك، وحتى الذين وجدوك، أنّك العملاق ولو بقامة قصيرة وأنَّ وجهك ولو من التراب هو من لون الشمس، لما وصفوك، ولما صدَّقوا حتى اليوم أنَّهم فقدوك.
وقوله:
إلى أين يستطيع أن يطوف بك الفكر وقد تخلَّيت عن كلِّ القيود التي كانت تشد بك عن تلك المطاوف التي كانت تهتز تحت مقارع قبضتيك؟
وكيف أصبحت تنظر إليك الدنيا بعد أن نبذت إليها كلَّ ما كان لك منها كما ينبذ الليل أمام الفجر آخر ذيل من ذيول عتماته؟
وكيف بدأت تنظر إليك ساحات الجهاد بعد أن تركت لها السيف الصقيل والرمح الاسيل؟
لعمري، إنَّ التاسع عشر من رمضان لم يكن اليوم الاوحد الذي فيه رزمت حقائبك وشددت رحلك للسَّفر الطويل.
فلقد تهيّأت لاعتلاء المطيَّة البهيَّة منذ اليوم الاول الذي به تكحَّلت عيناك بذلك الفيض الذي من غار حراء، دُفقت عليك غموره.
ومنذ ذلك اليوم والدنيا تطأطئ رأسها بين يديك، وتلقي بكلِّ جبروتها تحت نعليك.
ومنذ تلك اللحظة، أصبحت خطواتك تتجه نحو الاقاصي، لا تستوقفها الاعاصير، ولا تلهيها رغوات الزبد؟
والدنيا التي قابلتها بخشونة كفِّك، وصدفت عنها بشمم أنفك، ورميت إليها بطيِّ كشحك هي اليوم التي ترنو إليك، كأنَّها أدركت أنّك أنعم وشي لبرودها، وأنَّك أطرى سحابة مرَّت تلطف النشفة في أجوائها. وأنَّك كنت أعقل معدَّل في صماماتها، تارة يطبق عليها الشح فتسد به على اختناق، وطوراً يغور بها البطر فتحبل به على انفتاق.
وأنَّك كنت أجرأ من مدَّ إلى خدِّها المبرّج يداً فهتك عنه الازرار، ودخل خدرها المنمَّق فمزَّق عنه السَّتار، فإذا بالوجه السافر تفضح الشمس مساحيقه، وبالخدر المدلل المغطى بالسجف الوثيرة يتعرّى عن كلِّ مفاتنه الوبيئة.
وهكذا أخضعت الدُّمية الكبيرة، وسلختها من أغلفة الاوهام لتلبسها الثوب البسيط المعفف، وسحقت عن أجفانها سقم المراود، وعرَّضتها للنور تستجمع منه مفاتن الكحل.
وإنَّ الدنيا هذه إذ تخسر تحت عينيك بريقها الوابق، تكتسب بين راحتيك وهجها الدافق.. فإذا هي دروب آمنة الجوانب، يتمشّى عليها العابرون على اتزان.. يحدوهم الشوق العفيف، والامل اللطيف، والمسعى النظيف.. في سبيل الوصول إلى غفوة قريرة، لم تنغِّصها لا دلجة الطمع ولا لمز الجشع، ولم تهتكها تخاريب الفجور أو تجاويف الغرور، ولم تؤرِّقها دبابيس المظالم. وليس الفقر فيها بمنء عن الفضائل، وليس الغنى منها بمغن عن الشمائل.
وهكذا صنت حدود الدنيا إذ كشفت حدودها، وأسبغت عليها الكنوز من حيث بعثرت كنوزها.
لذلك، فإنَّها أصبحت ترجع إليك في كلِّ سانحة تشعر فيها بأنَّه قد غصّ بها الطريق، وفي دستورك كان لها ذلك المرجع الوثيق.
ودستورك كان ذلك الالمام الفسيح بكل أُمور الحياة، مشاكلها ولواعجها. فلم تعالج شأناً من شؤونها إلا سبرت منه الاغوار وسلَّطت عليه الانوار.
أخذت الرسالة، فإذا هي من نور ربِّك الكبير هداية ما فاتك منها قبس، جمعت إليها حجاك، فشعَّ بها منك الحجى، وضممتها إلى قواك فإذا صدرك منها كظهر المجن فرحت تغرف وتفرغ، دون أن يوهيك الغرف أو يوهنك التوزيع. كأنَّك اليم، ما ملّت من مدِّك الشطآن. ولم تأخذ كبيرة إلا عالجتها بكبر، ولم تتناول صغيرة إلا أعرتها كلَّ الفكر.. فكأنَّك كنت على البعد وعلى القرب كالنور، جوّاد البصيرة جوّاب النظر. وتهافتت حول حياضك الفضائل مترابطة كما تترابط ببعضها البعض خطوط القوافل فإذا بها مشدودة الرصف، منسَّقة القوالب، موزونة الايقاع، سلسة المدارج فكنت الجائد الجوّاد من حيث كنت الزاهد الزهّاد.
وعجنت الدنيا بماء الزهد وخبزتها، فإذا موائد الجود تتفتَّح على حقيقة السخاء.. حتى إذا تناولت الرغيف المقدَّد تأكله بحبَّة ملح، كانت لك فيه كل العوافي.. ورغيفك كان كفافك، لانَّه كان من الزهد عجينه.. ولن تحسد غيرك على رغيف، لانَّه من جود زهدك كان طحينة وزهدت بالدنيا، لانَّك لم تر لها ظلاًّ مقيماً ولا عزّاً مستديماً، ورأيت أنَّ دروبها ليست غير معابر، ورأيت أنَّ الانسان فيها حثيثاً حثيثاً إلى الموت سائر، وأنَّه إلى أحضان ربِّه صائر، ورأيت أنَّ الفضائل خير حلية تجمع الانسان في دنياه، يسلكها بتقواه ويتركها بنجواه راحة في الحياة وبلغة للممات. ورأيت أنَّ المثالب بنت المتاعب، تفسد المطالب، تحتضن الاحقاد، وتقضّ المضاجع.
ولن يكون للانسان فيها حقيقة مأرب، بل هي ملجأ العقل الواهي، ومسلك الطامع المغرور، والجائع النَّهم... هدف صغير، وشأو حقير، لن تبني إنساناً يعي حقيقة الوجود، بل تبقى له مصدر قلق في سباق أليم، ينهكه التَّزاحم، ويدهدهه التحايل والتراوغ. فمددت باعك الطولي تفرض العفَّة في المسلك، والصِّدق في المنطق، والصَّراحة في الرأي، والحق في الفصل، والعدل في التنفيذ.. فإذا بك تمد الخوان تغنيه الفضائل، وتزيِّنه الشَّمائل، وتطيِّبه التقوى، ويشهيه الايمان.
وعجينك هو العجين المطهر، لم تمتد إليه يد البغي بأصبع وكان المأكل منه نعم المأكل.. فيه الغذاء وفيه العزاء. فيه الرضوخ وفيه الرضا، فيه الحب وفيه السماح، وفيه السعي على إباء. وفيه الفكر على نبالة. وفيه يقظة الوجدان، وفيه روعة الانسان. هذا ما تركته للدنيا من حقيقة الدنيا.
فلا عجب أن تجوع الدنيا إلى صوانيك كلَّما غصَّت بموائدها، أو تتعطش إلى مساقيك كلَّما غرقت في مناهلها.
والدنيا إنَّما سغبها في تخمتها، وإنَّما صداها بفيض غمرها.
أما إنَّ أطباقك كيف لا تتخم، ومشاربك كيف لا تغرق، فلانَّك الذوّاق، إذ قدمت فنَّ المأكل وفنَّ المشرب.
وهكذا لا تزال الدنيا بأجيالها تغرف الطيب من أفاويهك، يا أيّها الوجه الكريم من سنا ربِّك.

*الأستاذ الكاتب المسيحي سليمان كتاني

صاحب كتاب الامام علي نبراس و متراس

اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء الراضين المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك
والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته






رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:02 AM.


منتديات أبو الفضل العباس
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات أبو الفضل العباس عليه السلام