العودة   منتديات أبو الفضل العباس عليه السلام > ¤©§][§©¤][ المنبر الاسلامي ][¤©§][§©¤ > منتدى أهل البيت عليهم السلام
 
 

منتدى أهل البيت عليهم السلام شذرات من حياة وسيرة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-20-2011, 09:36 AM   رقم المشاركة : 1
حيدر الشيرازي
(أبو حسن المجتبى)

 
الصورة الرمزية حيدر الشيرازي
الملف الشخصي





الحالة
حيدر الشيرازي غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

Z3 المختار بن عبيدة الثقفي

ناصر آل محمد صلى الله عليه وآله
المختار بن عبيدة الثقفي


مقدمة

يصادف الرابع عشر من ربيع الثاني ذكرى قيام المختار بن عبيدة الثقفي رحمه الله ضد الحكم الاموي، طلباً لثأر الدماء الزاكيات التي سالت على أرض كربلاء المقدسة في يوم عاشوراء عام 61 هجرية.
ووفاءً منّا لهذا المؤمن المجاهد الذي أفرح العلويين وأدخل السرور على الفاطميات بقتله أزلام بني اُميه المجرمين الذين قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله والخيرة من أهل بيته وأصحابه سلام الله عليهم أجمعين، وتكريماً لذكرى قيامه والدور العظيم الذي قام به، نقدّم لكم باقات من حياة هذا الثائر العظيم مع مختصر عن قيامه سائلين الله عزوجل القبول والنفع للمؤمنين.

المختار الثقفي ناصر أهل البيت

لقد تركت واقعة كربلاء وما رافقها من الجرائم التي ارتكبها الامويون من تمثيل بالقتلى وسلب ونهب وسبي لبنات رسول الله صلى الله عليه وآله اثرا في نفس كل مسلم وعبأت الجماهير للنهوض ودفعت بهم في الطريق الدامي الطويل طريق النضال بعد ان كان الامويون بقيادة معاوية يحاولون ان ينتزعوا الروح النضالية التي بعثها و غرسها الاسلام في نفوس المسلمين فجاءت نهضة الحسين سلام الله عليه اغنى نهضة بالعزم والتصميم في المضي بالنضال الدامي الى نهايته وحتى النصر او الشهادة.
لقد رفض الثائرون في كربلاء جميع العروض والمغريات التي بذلت لهم من اجل تحرير الامة من الظلم والعسف والجور ولم يستهدفوا من ثورتهم ان يحكموا الناس ولا مغنما لانفسهم وانما استهدفوا تحرير مجتمع من اولئك الطغاة الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب، وبلا شك فان جميع الانتفاضات والثورات التي حدثت بعد مقتل الامام الحسين سلام الله عليه كان مبعثها تلك الروح الجديدة التي بثتها نهضته الدامية في نفوس الجماهير وقد استفاد منها حتى اعداء اهل البيت كابن الزبير وأمثاله وان لم تكن ثورته امتداد لنهضة الحسين ومن تلك الفصيلة، لانه كان يعد العدة ويعمل للسلطة قبل مصرع الحسين سلام الله عليه وكانت أطماعه الشخصية هي التي دفعته على التحرك، وكان يرى الحسين منافسا خطيرا على تحركاته، فلما بلغ مقتل الحسين اهالي مكة اتجه اليه اهلها وقالوا له: اظهر بيعتك فلم يبق احد ينافسك ويُخاف منه عليك، فقال لاصحابه: لا تعجلوا، وظل معتصما بالكعبة يتظاهر بالزهد والتقوى، ولم يكن منه هذا الموقف الا ليأخذ مقتل الحسين اثره الدامي في نفوس المسلمين وتستعر النقمة على الحكم الاموي من اجله، ولما وجد ان المسلمين بكل فئاتهم يتململون من تلك الجريمة ويرون فيها حدثا يهدد مصير الامة وكيانهم وأحس بأن الكثيرين من المسلمين اصبحوا يفتشون عن بديل للامويين أظهر دعوته ووجد ان الحديث عن الحسين والتباكي عليه من أشد الاسلحة فتكا راح يتباكى عليه ويندد بقاتليه ويبث دعاته في انحاء الحجاز والعراق وأوصاهم بالترحم على الحسين والتنديد بقاتليه فكان لنهضة الحسين وما نتج عنها اكبر الاثر في ايقاظ الجماهير المسلمة والقضاء على روح التواكل والخنوع والتسليم للحكامين وأصبح الشعب المسلم قوة معبأة للانفجار بين الحين والآخر وكانت ثورة المدينة وما رافقها من الجرائم والاستخفاف بمقدسات الاسلام، وجاءت بعدها ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي الانتحارية، وكان المختار في جميع هذه المراحل يعد العدة للثورة ويعمل بحكمة وروية لنجاحها، وقبل الحديث عنها لابد من الاشارة الموجزة عن نشأته والمراحل التي مر بها قبل ان يتولى قيادة قيامه على الحكم الاموي.
من حياة المختار

فقد جاء في الحلقة السادسة من أعلام العرب للدكتور علي الخرطبولي ان والده ابا عبيدة بن مسعود قد اعتنق الاسلام وأخلص له وكان شقيقة عروة بن مسعود من السابقين للاسلام خلال حصار الطائف وان ابا عبيدة قد اشترك في معارك المسلمين مع الفرس واختاره عمر بن الخطاب للقيادة فأبدى في ميادين القتال شجاعة واستبسالا قل نظيرهما في تاريخ المعارك ومات ابو عبيدة شهيدا على شاطىء الفرات في سبيل الاسلام بعد ان هجم عليه فيل ابيض من الفيلة التي كان الفرس يستخدمونها في معاركهم يومذاك وداسه الفيل بأقدامه وتولى القيادة بعده سبعة من ابناء ثقيف على التوالي كان اولهم ولده جبر وقتلوا من بعده، وأضاف الى ذلك ان أم جبر زوجة ابي عبيدة كانت قد رأت في منامها ان رجلا نزل من السماء ومعه اناء فيه شراب من الجنة فشرب منه ابو عبيدة وابنه جبر وجماعة من اهله. اما ابنه المختار فلم يتحدث المؤرخون عنه في مطلع حياته ولم يهتموا بتاريخه الا بعد ان ظهر على مسرح الاحداث في العراق خلال الحكم الاموي مما جعل مهمة الباحث عن حياته في طفولته وشبابه صعبة وعسيرة.
نشأته

وبلا شك ان ولادته كانت في مدينة الطائف حيث كانت موطن اهله وعشيرته، ويمكن ان نستنتج من المصادر التي تعرضت لتاريخ وفاته بأن ولادته كانت في السنة الاولى للهجرة، لان اكثر المصادر تدعي انه قتل سنة 67 وهو في السابعة والستين من عمره ولازم ذلك ان ولادته كانت في السنة الاولى من هجرة الرسول صلّى الله عليه وآله وأمه دومة امرأة عربية قد اشتركت مع زوجها في المعارك خلال معاركه للفرس وتلقت مصرعه ومصرع ولدها جبر بصبر وثبات واحتسبتهما عندالله، وكان المختار يومذاك في الثالثة عشرة من عمره، وقد بدت عليه علائم النجابة وهو في حداثة سنه، ويروي بعض المؤرخين بهذه المناسبة ان اباه جاء به الى امير المؤمنين سلام الله عليه وهو صبي فأجلسه في حجره ومسح رأسه وهو يقول: «يا كيس يا كيس».
وقد استنتج بعض الباحثين من هذه الكلمة ان عليا سلام الله عليه كان يعبر بها عن مخبآت المستقبل وبما يظهر له من بطولات وحنكة سياسية وآراء وتصرفات سديدة رشيدة كالاخذ بثارات اهل البيت ومناوأة المغتصبين لحقوقهم وتراثهم.
لقد كان المختار معاصرا للمغيرة بن شعبة الثقفي وكانا من ابرز من انجبتهم تلك القبلية واشتركا في الدهاء والذكاء ولكن المغيرة سخر دهاءه وذكاءه للمكر والخداع والنفاق كما وصفه اكثر المؤرخين، وقد جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي في وصفه: لو ان مدينة لها ثمانية ابواب لا يمكن الخروج من باب منها الا بمكر واحتيال لخرج المغيرة من ابوابها كلها، ومع انه كان يملك القدرة على المكر والمراوغة والاحتيال فقد عاش تابعا للحاكمين يستعمل طموحه ودهاءه ودينه ليكون مقربا منهم او متوليا لهم على بعض المقاطعات ورافق معاوية خلال الفترة التي حكم فيها الناس وجاراه في كل مواقفه من امير المؤمنين وكان من مستشاريه المفضلين، ولم يحدث التاريخ عنه انه وقف موقفا شريفا مع أخصامه وأخصام أسياده، ولم يكن يهتم الا برضاهم ليعهدوا اليه بحكم بعض العواصم الاسلامية يبرز من خلالها على رؤوس الجماهير.
ويعزو المستشرق (بركلمان) مواقف المغيرة الى انه كان رجلا انتهازيا لاذمة لا ولا ذمام، فقد رجح لمعاوية ان يعهد بالخلافة لولده يزيد ليوليه الكوفة وكان طامعا بها وهي العقبة الاولى التي يجب تذليلها لنجاح هذه الفكرة، وعندما اشار على معاوية بذلك كان معاوية يحب ان يسمع من أنصاره ومعاونيه رأيا من هذا النوع فرجحه له المغيرة وقال: لقد وضعت رجلي معاوية في غرز يتخبط فيه ومع ذلك فقد تعهد له بتذليل ما يعترضه من الصعوبات في الكوفة.
اما المختار الثقفي فقد اختار لبلوغ اهدافه طريق الكفاح والنهضة بدلا من النفاق والمراوغة واعتمد في كل ما كان يطمح اليه على ذكائه وسيفه وجهوده فكان طريقه طويلا وشاقا ومحفوفا بالمخاطر والاهوال وظل يحمل سيفه يجاهد به حتى اللحظات الاخيرة من حياته شأن الاباة والابطال في مختلف العصور.

دوره السياسي

لقد كان معارضا للحكم الاموي ولسياسة الامويين وتسلطهم منذ دخل معترك السياسة، هذا بالاضافة الى تشيعه وولائه لاهل البيت سلام الله عليه ووقف الى جانب مسلم بن عقيل في الكوفة ودعا الناس الى الالتحاق بالحسين سلام الله عليه ونصرته، وتعرض بسبب ذلك لسجون الامويين ومعتقلاتهم وتعذيبهم، ولقد حارب الامويين مع ابن الزبير حينما فر من ابن زياد من الكوفة والتحق به في مكة وفيها اشترك مع المكيين في صدهم عن الكعبة التي كانت هدفا لنيرانهم ووسائل الدمار التي استعملوها للاجهاز على حركة ابن الزبير قبل ان يستفحل امرها، وحارب قتلة الحسين والجيش الاموي الذي قاده ابن زياد لاسترجاع العراق الى الحكم الاموي، كما حارب الزبيريين ولقي مصرعه في ميدان القتال على أيديهم، وكان قد ناصرهم بالامس القريب على الامويين بالحجاز وغيره من المناطق.
المختار علوي الولاء

لقد كان المختار بن ابي عبيد يعمل بمهارة وتخطيط محكم في ميادين السياسة وكان سياسيا ناجحا وموهوبا وبطلا من أبطال التاريخ لم يحترف سياسة اللف والدوران والمراوغة والنفاق وغيرها من الصفات التي اشتهر بها معاوية بن هند وقريبه المغيرة بن شعبة وأمثالهما، واختار العراق لمخططاته السياسية حيث كان اكثر اهلها يوالون البيت العلوي الذي شب ونشأ على مولاته ومناهضة اعدائه، ولانه كان علويا ومطبوعا على اللولاء لهذا البيت فقد حيكت حوله مجموعة من الاساطير والاكاذيب اشترك في وضعها وصياغتها ونسبتها اليه اعداء العلويين من الامويين والزبيريين، كما وضعوا مئات الاحاديث في فضل الصحابة ووضعوا في مقابلها المئات من الاحاديث والتهم التي تسيء الى علي وبنيه، فكانت مصانع الحديث العاملة لمصلحة الحاكمين تنتج لهم ما يشاؤون ويشتهون، وكان عروة بن الزبير احد أبطال تلك المصانع وأحيانا كان يسند موضوعاته لخالته عائشة.
لقد حارب المختار دولة الامويين منذ مطلعها بقيادة معاوية وظل يحاربها حتى قضى على ابن زياد في معاركه معه في الموصل وعلى أعوانه ممن اشتركوا في معركة كربلاء وحارب ابن الزبير وقضى على نفوذه في الكوفة وغيرها وكانت نهايته على يد الزبيريين وقتلوا معه نحوا من سبعة آلاف من المسلمين، وحينما عاتبهم عبد الله بن عمر كان جواب قائد المجزرة مصعب بن الزبير انهم سحرة كفرة.
الإفتراء عليه

لقد نسبوا اليه السحر والكفر وانه كان يخاطب الملائكة ويدعي انهم كانوا يحاربون معه الى جانب جنوده وان جبرائيل كان ينزل عليه بشكل طائر، الى غير ذلك من المقالات التي ظهرت بعد عصره كما ألصقوا به الفرقة الكيسانية لان عليا سلام الله عليه مسح على رأسه وهو في مطلع صباه ووصفه بالكياسة.
ان الذين يضعون عشرات الاحاديث في فضل معاوية ويروون عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يقول: ان الله يدني معاوية منه يوم القيامة ويجلسه الى جانبه ويغلفه بيده ثم يجلوه الى الناس كالعروس لانه حارب علي بن ابي طالب ليس بغريب ولا ببعيد ان ينسبوا للمختار الكفر والسحر وادعاء النبوة والربوبية لانه حارب أنصار معاوية الذي يدنيه الله اليه ويجلوه الناس وأعداء علي وآل علي وقتل قتلة الحسين وحارب ابن الزبير الذي لم يختلف عن معاوية والامويين في شيء وبخاصة فيما يعود الى العلويين، وقد اضطهدهم خلال الفترة التي حكم بها العراق والحجاز وأعلن البراءة من علي وآل علي وترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الجمعة محتجا لذلك بأن اهله يشمخون بأنوفهم عند ذكره والصلاة عليه.
لقد كان المختار من أقطاب الشيعة في عصره ولم يكن عثمانيا كما نسب اليه ذلك بعض الباحثين لا لشيء الا لانه وقف موقفا سلبيا من الحسن بن علي سلام الله عليه حينما صالح معاوية وطلب من عمه سعد بن مسعود الثقفي ان يسلمه لمعاوية كما تزعم بعض الروايات، ولو افترضنا صحة الرواية فهي لا تثبت كونه عثمانيا مواليا للامويين لأن اكثر الشيعة يومذاك وقفوا من الإمام الحسن موقفا يتسم بالصلابة والقسوة بما فيهم حجر بن عدي وسليمان بن صرد الخزاعي وأمثالهما وكانوا يسمونه مذل المؤمنين وقال له بعضهم: ليتك مت ومتنا، الى غير ذلك من مقالاتهم التي لو صحت لا تتعارض مع تشيعهم وولائهم الاكيد لاهل البيت سلام الله عليها ولا تعدو ان تكون نزوة من نزوات الغضب على صلحه لمعاوية وتنازله عن الحكم للامويين اعداء الاسلام، فلو صح عنه ذلك يكون كغيره من زعماء الشيعة الذين استبد بهم الغضب وجرهم الى الاسراف في اللوم والعتاب المر الذي لا يصدر الا من المحب في الغالب.
ومما يؤكد صلابته في التشيع ان زياد بن ابيه حينما كتب الى معاوية بشأن حجر وأصحابه وانهم خلعوا الطاعة وكفروا كفرة صلعاء كما جاء في كتابه اليه وأشهد على ذلك جماعة من وجوه الكوفة مما يؤيد صلابته في تشيعه ان المختار رفض التوقيع على الكتاب بالرغم من تهديد زياد ووعيده.

دار المختار منطلق تحرك مسلم بن عقيل

لقد اشتهر المختار بالتشيع لاهل البيت منذ نعومة أظفاره ولكنه انصرف عن السياسة والمعارضة السلبية لمعاوية لانه كان قويا واستعمل سياسة البطش والقتل والتنكيل بالشيعة وحتى بمن يتهم بالتشيع بعد ان وجد ان المعارضة لاتجدي شيئا، وقد كان الامامان الحسن والحسين يوصيان الشيعة بالخلود الى السكينة بانتظار الوقت المناسب، وخرج من الكوفة الى ضيعة له خارجها، ولم يرجع الى الكوفة الا بعد ان دخلها مسلم بن عقيل موفدا من الحسين سلام الله عليه لشيعتها وحينما دخلها مسلم بن عقيل نزل عليه ضيفا فرحب بقدومه ومضى يدعو الناس الى البيعة للحسين ولزوم طاعته، وكان مسلم كلما اجتمع عليه جماعة في دار المختار قرأ عليهم كتاب الحسين وجاء فيه انه قد اجابهم الى ما يريدون ان التزموا بالعهود التي قطعوها على انفسهم وتذرعوا بالصبر الجميل على مكافحة اعدائهم، وفي اجتماع حاشد في دار المختار وقف عابس بن ابي شبيب الشاكري احد زعماء الشيعة وقال لمسلم بن عقيل: أما بعد فاني لا اخبرك عن الناس ولا أعلم ما ينطوون عليه ولا أغرك فيهم ولا أتحدث اليك الا عن نفسي، فوالله لاجيبنكم اذا دعوتموني ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى القى الله لا أريد بذلك الا ما عندالله وتتابع الخطباء يعلونون عن تأييدهم للحسين ويحثون مسلم بن عقيل على الكتابة اليه ليعجل القدوم عليهم، ومضت الوفود تتوالى بالقدوم الى دار المختار مرحبة برسول الحسين يبايعونه على الدعوة الى كتاب الله وسنة رسوله وجهاد الظالمين ومساعدة المستضعفين والمحرومين وقسمة الفيء بين المسلمين بالسوية ورد الظالم الى اهلها ونصرة اهل البيت على من نصب لهم العداوة والبغضاء، وبلغ عدد من بايعه خلال ايام معدودات في دار المختار خمسا وعشرين الفا أو اربعين الفا كما في رواية الشعبي.
لقد اختار مسلم بن عقيل مبعوث الحسين الى الكوفة دار المختار الثقفي ونزل عليه ضيفا وانطلق من داره يبث الدعوة للحسين ويتقبل البيعة له، مع العلم ان الكوفة كانت تخضع للحكم الاموي وتحت سيطرة الامويين، وفي الكوفة من الزعماء الذين كاتبوا الحسين يطلبون منه التعجيل في القدوم اليهم ويعاهدونه على نصرته وقتال اعدائه، وبين هؤلاء من هم أعز من المختار وأمنع جانبا منه لاتنسابهم الى العشائر القوية عددا وعتادا ولم يكن المختار ممن كاتبه بهذا الخصوص فلماذا والحال هذه قد اختار دار المختار على دور اولئك الزعماء وفضَّله عليهم ؟
هذا السؤال ربما يعترض الباحث وهو يستعرض اوضاع الكوفة الحرجة خلال حديثه عن ابن عقيل وموقف الكوفة منه يومذاك.
ويعزو بعض الباحثين في هذا الموضوع اختيار مسلم دار المختار الى ما كان بينهما من روابط المودة والصادقة القديمة منذ نعومة أظفارهما والى تشيع المختار وولائه الاكيد لاهل البيت سلام الله عليها واخلاصه لمبادىء التشيع بالاضافة الى مصاهرة المختار لوالي الكوفة النعمان بن بشير حيث كان زوجا لعمرة بنة النعمان مما يجعله في مأمن من الوالي ما دام مقيما في دار صهره.
والذي اراه ان الدافع الرئيسي لنزول مسلم بن عقيل ضيفا على المختار هو ولاؤه الاكيد للعلويين وعمله الدؤوب الصامت في سبيل انتقال السلطة اليهم بالاضافة الى ما اشتهر به من الكياسة وبعد النظر والمقدرة الفائقة على ادارة شؤون الثورة بحزم وروية، اما الصداقة والمودة البعيدة الامد بينهما منذ نعومة أظفارهما اي منذ الطفولة كما يدعي الخرطبولي فليس في المصادر التي تعرضت لتاريخهما مما يشير الى ذلك، هذا بالاضافة الى الفارق الكبير بينهما في السن، فلقد كان المختار في الستين من عمره يومذاك ومسلم ابن عقيل في حدود الاربعين، وكان ابن عقيل يعيش في الحجاز وابن عبيدة الثقفي في العراق.

المختار يرعب الامويين

ومهما كان الحال فلقد استمرت الوفود تتدفق على دار المختار مرحبة بقدوم رسول الحسين مما دعا انصار الامويين في الكوفة الى التخوف من حدوث بعض المفاجآت التي تسيء اليهم واتهموا النعمان بالضعف لعدم وقوفه في وجه المد الشيعي الذي كان يتدفق الى دار المختار، وحينما راجعوه بتدارك الموقف قبل ان يفلت الزمان من يده رد عليهم بقوله: لان اكون ضعيفا في طاعة الله أحب الي من ان اكون قويا في معصيته وما كنت لأهتك سترا ستره الله.
وبعد ان وجدوه مصرا على التغاضي عما يجري داخل الكوفة لمصلحة العلويين كتبوا الى يزيد بن ميسون (بن معاوية) يشكون اليه تخاذل النعمان وتغاضيه عن مسلم وأنصاره ودعاته وحددوا له نقاط الضعف في سياسة النعمان وتصرفاته، فقرر ابن معاوية عندما أحيط علما بواقع الحال استبدال النعمان بن بشير بغيره واقصائه عن الكوفة، ولم يكن ابن مرجانه داخلا في حسابه وكان يكرهه على حد تعبير بعض المؤرخين، واستشار انصاره فأشاروا عليه بعبيدالله وقالوا له: لو كان ابوك حيا لا يعدوه، وبعد حوار طويل بينه وبين مستشاريه نزل عند رغبتهم وتغاضى عما كان يجده عليه في نفسه وولاّه الكوفة مع البصرة وأمره بأن يضرب بيد من حديد على المناوئين لسياستهم وأنصار العلويين، وخرج ابن مرجانه من البصرة يجد السير في طريقه الى الكوفة فدخلها متنكرا فظنه الناس وهو في طريقه الى القصر الحسين بن علي سلام الله عليه فتعالت اصواتهم بالهتاف له والترحيب بقدومه وأينما اتجه ببصره لايجد سوى الاوجه المستبشرة والاصوات تتعالى من هنا وهناك: مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم على اهلك وأنصارك وشيعتك، فهاله هذا المشهد واغتاظ منه ولكنه استطاع ان يكبت غضبه وعندما اشرف على باب القصر ازاح اللثام عن وجهه وقال: شاهت الوجوه فانفرج عنه الناس وتفرقوا عنه، وبعد ان حط رحاله في القصر اجتمع اليه أنصار الامويين وجمع من الناس فأخذ يهدد ويتوعد وبث دعاته وأنصار الامويين في الكوفة يخوفون الناس من شره وحينما بلغت اخباره الى ابن عقيل رحمه الله غادر بيت المختار والتجأ الى دار هاني بن عروة المرادي وكان من ابرز أشراف الكوفة وزعمائها وله ولعشيرته وحليفاتها منزلة في الكوفة ليست لأحد سواهم، وكان مع ذلك من المعروفين بالتشيع والولاء لامير المؤمنين سلام الله عليه وقد شاركه في جميع مواقفه من معاوية وغيره كما يصفه المؤرخون وانتهت المأساة بما جرى لمسلم وهاني بن عروة وبالتالي بمصرع الحسين سلام الله عليه في كربلاء على يد اهل الكوفة من كاتبوه ومن لم يكاتبوه بقيادة ابن زياد وأنصاره.
لماذا لم يشترك المختار في واقعة الطف؟

ويقول اليعقوبي في المجلد الثاني من تاريخه ان المختار قد جمع جماعة من الشيعة واتجه بهم قاصدا نصرة الحسين سلام الله عليه فأخذته الشرطة التي كلفها ابن زياد بملاحقة الخارجين لنصرة الحسين سلام الله عليه فاعتقلته الشرطة وحينما أدخلوه على ابن مرجانه تناول قضيبا وانهال به يضربه على وجهه ورأسه فأصاب عينه وشترها ثم القاه في السجن مع من اعتقلهم من الشيعة.
ويروي ابن أبي الحديد في المجلد الاول من شرح النهج حديثا جرى بين المختار وميثم التمار وكان معتقلا في سجن ابن زياد يومذاك، ومن بين المعتقلين عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث، وكان المختار وابن الحارث يعتقدان ابن زياد سيقتلهما لا محالة فجعلا يستعدان للقاء الله، ولكن ميثم التمار بما انتهى اليه من امير المؤمنين سلام الله عليه من الغيبيات التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يختصه بها اخبرهما بما يجري لهما فقال لابن الحارث: انك ستخرج من سجن هذا الطاغية وتحكم البصرة، وقال للمختار: انك ستخرج و تتولى الثأر من قتلة الحسين وأنصاره وتطأ بقدميك على وجنتيه، وبهذا اخبرني امير المؤمنين علي بن ابي طالب سلام الله عليه كما اخبرهما بما يجري عليه من الحجاج بن يوسف فتبدد ما كان يساورهما من الخوف وارتاحا لخبره لاسيما بعد اسناد نبوءته الى امير المؤمنين.
وبقي المختار في سجن لفترة من الزمن، ولما علمت اخته زوجة عبدالله ابن عمر بخبره طلبت من زوجها عبدالله بن عمر ان يتدخل ويكلف يزيد باطلاق سراحه، فكتب عبدالله بن عمر الى يزيد بن معاوية يطلب منه الافراج عنه فاستجاب يزيد لطلبه وكتب الى ابن مرجانة يأمره باطلاق سراحه فأطلقه من سجنه وأمره بأن يغادر العراق خلال ثلاثة أيام، وان وجده بعدها ضرب عنقه.

المختار وعبدالله بن الزبير

لقد خرج المختار من سجن ابن زياد في الكوفة الى الحجاز وهو يقول: والله لأقطعن انامل ابن زياد ولاقتلن بالحسين بن علي عدد من قتل بدم يحيى بن زكريا، وكان ابن الزبير قد رفع رأسه وعادت اليه كل أمانيه وأحلامه بخروج الحسين الى العراق ومصرعه على ثرى الطف والحجاز هو البلد الاول الذي حمل لواء المعارضة للدولة الاموية بعد مقتل الحسين بن علي الذي أثار غضب الجماهير من اولاد المهاجرين والانصار والامام السجاد وعماته وأخواته يغذون روح النهضة بمواقفهم الملهبة لأحاسيس الجماهير وغضبهم فكانت ثورة المدينة من ابرز ما أنتجته تلك المواقف بالرغم من انها لم تأخذ الطابع الثأري، وتركزت معارضة الحجاز للحكم الاموي بشخص ابن الزبير الذي اصبح سيد الموقف يومذاك بعد مجزرة كربلاء التي اصبحت سلاحا ماضيا بيده يصول بها ويجول على الامويين كما كان معاوية يصول ويجول بقميص ابن عفان، وخلا له ميدان السياسة، ولم يكن المختار ممن يجهل نوايا ابن الزبير وأطماعه وحقده على البيت العلوي، ولكنه لم يجد سبيلا لمحاربة الامويين والانتقام من قتلة الحسين الا بالالتجاء الى اقوى المعارضين لدولتهم، اما العراق فمجال العمل فيه متعذر في تلك الفترة بعد تلك الصدمة العنيفة التي هزت كيانهم وقضت على أعز آمالهم وأغلى امانيهم لاسيما وان ابن زياد في تلك الفترة كان يقبض بيد من حديد على العراق بأجمعه، واتبع سياسة القتل والتعذيب والاعتقالات بدون رحمة مما أدى بأهل العراق الى ان يخلدوا الى الهدوء ولو لفترة يستردون فيها أنفاسهم اللاهبة ويجمعون فيها شتاتهم وفلولهم الضائعة.
لقد كان المختار عميقا في تفكيره بعيدا في نظراته الى مجاري الاحداث ونتائجها يعرف ابن الزبير اكثر من اي انسان اخر ولكن المخطط الذي وضعه في حسابه قد فرض عليه ان يلتجىء الى ابن الزبير سيد الموقف يومذاك، لإضعاف الامويين وخلق جو من الاضطرابات والفوضى في مختلف المناطق وبخاصة العراق معقل التشيع، وذلك لا يكون بدون التحرك ولو في الحجاز ونشر الدعاة في بقية الامصار وقبل مضي بعض الوقت الذي يتهيأ فيه للعراق وللكوفة بالذات التي يمثل الشيعة غالبية سكانها ان تستعيد أنفاسها وتجمع شملها وفلولها ليثب بمن فيها على الامويين والزبيريين في صفعه واحدة ليحقق ما عاهد الله عليه من الاخذ بثار الحسين وأهل بيته واعادة الحكم العلوي الى العراق اذا تيسر له ذلك.
لقد لازم المختار الثقفي ابن الزبير في الحجاز وحثه على الخروج واعلان نفسه حاكما وأن يقود الحجاز في طريق الثورة وتعهد بمساندته، فامتنع ابن الزبير من اجابته وطلب منه التريث وظل يراقب ويتظاهر بالتقوى والزهد في الخلافة ويتباكى على الحسين ويلعن قاتليه ليستدر عطف الجماهير ويعمق الصراع بينها وبين السلطات الحاكمة في الحجاز.
وظلت الامور تسير لصالحه وبخاصة بعد جريمة الامويين في المدينة وما تلاها من الهجوم على مكة واستخفافهم بالكعبة، وحينما رأى ان الجماهير المسلمة قد اصبحت معبأة لصالحه وافق على البيعة وطلب من المختار بالذات ان يبايعه وأظهر حرصه على بيعته لانه كان يعرف ميول المختار كما كان المختار يعرفه، وفي الوقت ذاته كان يرجو ان يسخره لاقناع صهره عبدالله بن عمر بالعدول عن بيعة يزيد والانضمام اليه، وبالفعل لقد طلب المختار من شقيقته صفية ان تقنع زوجها بابن الزبير ولكنها لم تنجح كما ذكرنا من قبل ووافق المختار على البيعة لابن الزبير بشروط رفضها ابن الزبير اولا، وأخيرا وافق عليها وكان من ابرزها ان لا يقضي ابن الزبير امرا دونه وأن يكون اول داخل عليه ويستعين به على افضل اعماله، وأصبح وزيرا لابن الزبير في جميع أموره.

في بداية تحركه

وحدث ابن الاثير في المجلد الرابع من الكامل: ان المختار لازم ابن الزبير وشهد معه معاركه مع الحصين بن نمير وأبلى معه احسن البلاء وقاتل أشد قتال كما وصفه ابن كثير في البداية والنهاية بذلك وأضاف: انه كان وفيا لابن الزبير، ولكن ابن الزبير لم يف بما وعده به فحقد عليه ولكنه لم يجهر بمشاعره نحوه وفي الوقت ذاته كان على صلة بأهل الكوفة، ولما تبيّن له أن الشيعة في الكوفة على استعداد للاخذ بثأر الحسين سلام الله عليه لو تيسر لهم الزعيم الذي يجمعهم تحت لوائه توجه الى الكوفة وكان سليمان بن صرد ومن معه من التوابين يستعدون لقتال الامويين قتلة الحسين فلم يشترك معهم وانتهت حركتهم على النحو الذي ذكر في التاريخ وعادت فلولهم تبحث عن زعيم جديد فوجدت أمنيتها في شخص المختار فانضموا اليه واستمر المختار في تحركه حتى استقطب اكثر الشيعة وكان يترحم على سليمان بن صرد في مجالسه ويقول: لقد قضى ما عليه وقد توفاه الله وجعل روحه مع ارواح الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
وقد جاهر المختار في الدعوة الى العلويين وأخذ البيعة لهم وجعل يتصل بهم بين الحين والآخر وبعد ان استفحل امر المختار في الكوفة عزل ابن الزبير عنها عامليه عبدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة وولاها لعبدالله بن مطيع، ولكن ابن مطيع لم يكن خيرا من سلفيه فسار في الكوفة مسيرة اغضبتهم فحقدوا عليه وعلى ابن الزبير والتفوا حول المختار وما لبث ان اتسع نفوذه فأخرج منها ابن مطيع، وجاء في المرويات انه دفع اليه مائة الف درهم فخرج من الكوفة واعتزل السياسة، وانضم الى المختار ابراهيم بن الاشتر وخضع العراق وسائر الامصار عدا الحجاز والجزيرة وبلاد الشام للمختار الثقفي كما جاء ذلك في ص 300 من الاخبار الطوال للدينوري.
سيطرته على الكوفة

ودخل المختار قصر الامارة لاول مرة وبسط يده يطلب البيعة من الناس على كتاب الله والطلب بثأر اهل البيت ومناصرة من يناصرهم، وفرَّق ما وجده من الاموال في بيت المال بالسوية من غير ان يفرق بين عربي وعجمي مما جعل الموالي يلتفون حوله ويتفانون في طاعته، هذا بالاضافة لسياسته التي تنطوي على التودد لبني هاشم والعلويين وقد اثارت سياسته الاقتصادية غضب الاشراف عليه واعتبروا مساواتهم بالموالي اغتصابا لحقوقهم، فانتهز الاشراف ومن التف حولهم خلو الكوفة من الجند والمقاتلين الذين سرحهم بقيادة ابراهيم بن الاشتر الى الموصل لقتال جيش الشام بقيادة ابن زياد فثاروا عليه وتكلم شبث بن ربعي مع المختار وعرض عليه مطالبهم فوعده المختار بتفضيلهم على الموالي اذا عاهدوه على قتال الامويين والزبيريين ومناصرة العلويين فرفضوا اقتراح المختار وانتهزوا فرصة وجود الجيش خارج الكوفة بقيادة ابن الاشتر فزحفوا على المختار وحاصروه في قصر الامارة واحتلوا المراكز الرئيسية في الكوفة وسيطروا على أكثر أحيائها، فبعث المختار برسول الى ابن الاشتر وكان لا يزال قريبا من الكوفة ليخبره بكل ما حدث ويأمره بالرجوع بمن معه من الجيش الى الكوفة بأقصى ما يمكن من السرعة، وفي مساء اليوم الثاني كان ابراهيم الاشتر وجيشه يجوب شوارع الكوفة وعسكر بجوار مسجدها ودارت المعركة بين الفريقين وكانت نتيجتها لصالح المختار خلال ساعات معدودات وقتل منهم خمسمائة وأسر نحوا من مائتين وفر الباقون لخارج الكوفة، وكان السبب في هذه المعركة تعصب العرب على الموالي التي استغلها الامويون وقتلة الحسين سلام الله عليه.
وجاء في الاخبار الطوال للدينوري صفحة 316 ان الامويين وقتلة الحسين كانوا السبب في هذه الفتنة وان شمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد ومحمد بن الاشعث وأخاه قيس بن الاشعث كانوا قد فروا من الكوفة عندما دخلها المختار ودعا الشيعة للانتقام من قتلة الحسين وعندما بلغهم خروج الناس على المختار في الكوفة رجعوا اليها وجعلوا يحرضون الناس وقادوا المعركة مع الامويين ضده وكان مصير معركتهم الفشل كما ذكرنا.
المختار وقتلة الحسين سلام الله عليه

لقد رأى المختار بعد ان تبين له ان الامويين وقتلة الحسين سلام الله عليه كانوا وراء تلك المعركة التي انتهت بانتصاره على عرب الكوفة رأى ان يعجل بالقضاء على من اشترك في مجزرة كربلاء فأعلن الحرب عليهم وسار هو ومعه فرقة من الجيش في جهة وابراهيم بن الاشتر ومعه بقية الجيش في جهة اخرى ونادى مناديه في الكوفة: من اغلق بابه فهو آمن الا من اشترك في قتل الحسين، وأطلق العنان لهم لينتقموا من قتلته وقال لاصحابه: اطلبوا لي قتلة آل بيت الرسول فانه لايسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الارض والمصر منهم، وتعالى الصياح من كل جانب: يا لثارات الحسين، وصاح أنصار الامويين: يا لثارات عثمان، وكان هذا النداء سببا في تفرق بعض أنصارهم وفي مقدمة من انسحب من المعركة رفاعة بن شداد وقال: ما لنا ولعثمان والله لا أقاتل مع قوم يطالبون بدم عثمان، واستطاع المختار ان يأسر في اليوم الاول من المعركة خمسمائة رجل ولما عرضوا على المختار وجد ان من اشترك منهم في معركة الطف مائتين وثمانية وأربعين رجلا فقتلهم عن آخرهم وأطلق سراح من بقي منهم، وذهب رجال المختار يمينا وشمالا يبحثون عن بقية القتلة، وكان كل واحد منهم قد هيأ لنفسه مخبأ واختفى فيه، ولكن الموالي كانوا يراقبون تحركاتهم وتنقلاتهم فاستخرجوهم من مخابئهم وقتلوهم وحتى ان بعض النسوة كن يخبرن عن أزواجهن، ومن هؤلاء زوجة خولي بن يزيد الاصبحي الذي اجتز رأس الحسين وفصله عن جسده الشريف، وحينما ادخلوا الرؤوس الى الكوفة ادخله عليها فنفرت منه وقالت: والله لا يجتمع رأسي ورأسك على وسادة واحدة، وقد اختبأ في داره في محل بعيد عن الأنظار، ولما هاجم أنصار المختار داره ولم يجدوه فيها سألوا عنه زوجته فقالت: لا ادري اين هو، وأشارت لهم بيدها الى مكانه فاستخرجوه من المكان الذي ارشدتهم اليه وأقبلوا به الى المختار فرده في بيته فقتله الى جانب اهله وهم ينظرون اليه ثم دعا بنار وأحرقه ولم يبرح المكان حتى صار رمادا، ثم قبض على عمر بن سعد وقتله واحتز رأسه ووضعه بين يديه وأحضر ابنه حفصا ووضع الرأس بين يديه وبكى، ثم قال: هذا برأس الحسين وهذا برأس على الاكبر، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا انملة من أنامله.
المختار يهدم بيوت الظالمين لآل محمد

وجاء في الاخبار الطوال للدينوري ان المختار أمر ابا عمرة بأن يجمع له ألف عامل من العمال ويتتبع دور من خرج لقتال الحسين سلام الله عليه ويهدمها، وكان ابو عمرة عارفا بهم فجعل يتتبعهم في أحياء الكوفة ويهدم ويقتل من وجده منهم، ومضى المختار يطاردهم حتى لم يبق منهم احد الا فرَّ او قتل، والتجأ الفارون الى ابن زبير والى الامويين، ثم استأجر المختار نوادب من نساء الكوفة يندبن الحسين سلام الله عليه ومن قتل معه على باب عمر ابن سعد ليحرك عواطف الشيعة ضد الامويين وأنصارهم ويعبئهم حوله لنيل اهدافه، وبعث المختار في طلب حكيم السنبسي وكان قد سلب العباس بن علي سلام الله عليه بعد مصرعه فقبض عليه انصار المختار وقتلوه قبل رجوعهم اليه مخافة ان يتشفع به احد ويسلم من القتل وطلب زيد بن ورقاء قاتل عبدالله بن مسلم فقتلوه وأحرقوه، كما قتلوا شمر بن ذي الجوشن وقد قبضوا عليه بعد ان انهزم من الكوفة قاصدا مصعب بن الزبير وحاول ان يقاومهم ولكنهم تغلبوا عليه وأردوه صريعا ثم احرقوه وقبضوا على ابن انس وكان قد انتزع برنس الحسين عنه فقال لهم المختار: اقطعوا يديه ورجليه، وتركوه يضطرب حتى مات.
المختار يقطع رأس الأفعى

وجاء في البداية والنهاية لابن كثير ان المختار كان يعاقب كل انسان حسب جريمته وبقي عليه رأس الافعى عبيدالله بن زياد، وكان قد اتجه لتحرير العراق من الزبيريين والشيعة عن طريق الموصل بقيادة جيش كبير من جند الشام قد أعده عبد الملك بن مروان لهذه الغاية، وحينما بلغت اخباره المختار جهز جيشا مؤلفا من سبعة آلاف مقاتل لمقابلته قبل ان يجتاز حدود العراق، واضطر الى ارجاعه لاخماد الفتنة التي افتعلها أشراف الكوفة بسبب مواقف المختار من الموالي وانصافه لهم كما ذكرنا، وبعد ان قضى على الفتنة كر راجعا لملاقاة ابن زياد وكان قد احتل الموصل وخرج المختار مع الجيش الى المدائن وبقي فيها يتلقى أخبار المعركة ونتائجها، وعندما التقى الجيشان على ضفاف نهر الخازر في ضواحي مدينة الموصل، تقدم عمر بن الحباب السلمي احد القادة الكبار في جيش ابن زياد من ابراهيم بن الاشتر وعرض الانضمام اليه بمن معه، وكان قيسيا حاقدا على الامويين لانهم يومذاك كانوا يقربون ويجارون الكلبيين اليمنيين ويتجاهلون أخصامهم القيسيين، وأخبر ابن الاشتر بأنه على ميسرة ابن زياد واتفق واياه على ان ينهزم بمن معه من المعركة عندما يلتقي الجيشان. ونفذ ابن الحباب خطته عندما احتدمت المعركة بين الطرفين وذلك في مطلع سنة 67 هجرية وجعل الاشتر يحرض جيشه على القتال ويذكرهم بما فعل ابن زياد بالحسين وأصحابه وأهل بيته من القتل والسبي والاسر وما الى ذلك من الجرائم.
وزحف الطرفان بضراوة بالغة واستمر القتال حتى امتلأت ساحة المعركة بالقتلى من الطرفين، وكان اكثرهم من جند الشام، واستطاع ابن الاشتر ان يهزم بجيشه جموع اهل الشام بالرغم من انهم كانوا يبلغون عشرة أضعاف جنود المختار على حد تعبير المؤرخين، وذلك بفضل مهارة القائد وحماس جنده الشيعي في غالبيه بعد أن كان خصمهم اللدود الذي تولى قتال الحسين وكانت المجزرة بتوجيهاته، في ساحة المعركة وسقط في ميدان القتال اكثر قادتهم ومنهم ابن مرجانة وفر الباقون بعد ما شاع نبأ مصرعه ومضى جيش العراق في اثرهم أينما حلوا واتجهوا و بلغ الحال بهم انهم كانوا يلقون انفسهم في نهر الخازر على أمل النجاة من العراقيين فيموتون غرقا، وانتهت المعركة بتلك الهزيمة المنكرة التي لم يحدث التاريخ بأسوأ منها، وطلب الاشتر جثة ابن زياد واجتز رأسه وأحرقها ووزع القادة من أنصاره على المدن المتاخمة للموصل لادارة شؤونها وملاحقة فلول الامويين ودخل المدينة فاستقبله اهلها استقبال الفاتحين وأرسل للمختار يبشره بانتصار جيشه ومصرع ابن مرجانه وأرسل الرأس معه وبقية رؤوس القادة.
المختار يدخل السرور على بني هاشم

وجاء في حياة الامام زين العابدين للساعدي عن المنهال بن عمر انه قال: حججت في السنة التي ظهر فيها المختار ودخلت على الامام زين العابدين، فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل ؟ فقلت: تركته حيا يزرق، فرفع الامام يديه وقال: اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار، ومضى المنهال يقول: فلما رجعت الى الكوفة ذهبت لزيارة المختار وكان لي صديقا فوجدته قد ركب دابته فركبت معه حتى اتى الكناسة فوقف ينتظر شيئا وكان قد وجَّه الشرطة في طلب حرملة بن كاهل فلما وقف بين يديه قال: الحمدلله الذي امكنني منك، ثم دعا بالجزار وأمره بأن يقطع يديه ورجليه وبحزمة قصب فقطع يديه ورجليه وأحرقه بعد ذلك، فقلت بعدما رأيت ذلك: يا سبحان الله، فالتفت الي المختار وقال: مم سبحت يا منهال؟ فقصصت عليه ما سمعته من الامام زين العابدين سلام الله عليه ودعائه على حرملة فقال لي: بالله عليك لقد سمعت ذلك، فقلت: اي والله، فنزل وصلي ركعتين وصام نهاره شكرا لله على استجابة دعاء الامام علي بن الحسين على يديه.
وجاء في تاريخ اليعقوبي وغيره ان المختار الثقفي أرسل رأس ابن زياد ورأس ابن سعد الى علي بن الحسين في المدينة وقال للرسول: اذا دخلت المدينة وبلغت دار علي بن الحسين ورأيت أبوابه قد فتحت ودخلها الناس فادخل عليه بالرأسين فانه في ذلك الوقت يوضع له الطعام ليأكل هو ومن يدخل عليه.
قأقبل الرسول نحو المدينة يجد السير فلما انتهى اليها مضى الى بيت الامام سلام الله عليه ولما فتحت الابواب ودخل الناس لتناول الطعام نادى بأعلى صوته: يا اهل البيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي انا رسول المختار بن ابي عبيدة ومعي رأس ابن مرجانة وعمر بن سعد، فضج من في الدار وتعالى الصراخ منه وانتشر الخبر بسرعة في دور بني هاشم ولم تبق امرأة في دورهم الا صرخت، ثم دخل ووضع الرأسين بين يدي الامام سلام الله عليه فلما رآهما قال: أبعدهما الله الى النار، وأضاف اليعقوبي الى ذلك ان علي بن الحسين لم ير يوماً قط ضاحكا منذ قتل ابوه الا في ذلك اليوم.

أهل البيت يترحمون على المختار

وكان له ابل تحمل الفاكهة من بلاد الشام الى الحجاز فأمر بتلك الفاكهة ووزعها على اهل المدينة ثم خر لله ساجدا يدعو للمختار ولكل من ناصرهم على قتال اعدائهم.
وعندما علم ابن عباس بذلك قال: جزاه الله عنا وعن رسول الله خير جزاء المحسنين لقد اخذ بثأرنا وأدرك وترنا، كما خر محمد بن الحنفية ساجدا شكرا لله وقال: جزاه الله خير الجزاء لقد ادرك لنا ثأرنا ووجب حقه على كل من اولده عبد المطلب بن هاشم، ومضى يقول: اللهم احفظ ابراهيم بن الاشتر وانصره على الاعداء ووفقه لما تحب وترضى واغفر له في الآخرة والاولى.
وجاء عن فاطمة بنت علي سلام الله عليه كما في كتاب محمد بن الحنفية للهاشمي انها قالت: ما تخضبت امرأة من العلويات ولا اجالت في عينيها مرودا ولا ترجلت حتى بعث المختار برأس عبيدالله بن زياد الى المدينة، وأكد مضمون هذه الرواية الامام الصادق سلام الله عليه كما جاء في رواية المرزباني عنه.
وبلا شك فان المختار قد أدخل السرور على اهل البيت وترحم عليه الامامان الباقر والصادق ونزَّهه الامام الصادق سلام الله عليه من كل ما نسب اليه، وجاء عن عبدالله بن شريك العامري انه قال: دخلنا على ابي جعفر الباقر سلام الله عليه يوم النحر وهو متكىء وقد ارسل الى الحلاق فقعدت بين يديه اذ دخل عليه شيخ من اهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه وقال له: من انت؟
قال: انا الحكم بن المختار وكان متباعدا من ابي جعفر سلام الله عليه فمد يده اليه حتى كاد يقعده في حجره فقال له الحكم: أصلحك الله ان الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول كثير يقولون انه كذاب ولا تأمرني بشيء الا قبلته، فقال الامام: يا سبحان الله لقد اخبرني ابي ان مهر امي كان مما بعث به المختار: أولم يَبن دورنا وقتل قاتلينا وطلب دماءنا رحمه الله.
ومضى يحدّث عن خصائصه وقال في ختام حديثه: رحم الله اباك رحم الله أباك ما ترك لنا حقا عند أحد الا طلبه.






التوقيع :
رحم الله الاخت حنين الروح ورحم الله من قراء هذا الدعاء واهداه الى روح الاخت (امل بنت كاظمية)
اَللّـهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتَهُ وَصِلْ وَحْدَتَهُ وَآنِسْ وَحْشَتَهُ وَآمِنْ رَوْعَتَهُ، وَاَسْكِنْ اِلَيْهِ مِنْ رَحْمَتِكَ رَحْمَةً يَسْتَغْنى بِها عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِواكَ، وَاَلْحِقْهُ بِمَنْ كانَ يَتَوَلاّهُ


رد مع اقتباس
قديم 08-20-2011, 01:00 PM   رقم المشاركة : 2
z زهـٌِـرّةِ آلــيــآسٍــٌمِـيـ،ـنـِْﮯ
:: عضوة مميزة ::

 
الصورة الرمزية z زهـٌِـرّةِ آلــيــآسٍــٌمِـيـ،ـنـِْﮯ
الملف الشخصي





الحالة
z زهـٌِـرّةِ آلــيــآسٍــٌمِـيـ،ـنـِْﮯ غير متواجد حالياً
الحالات الاضافية

 


 

افتراضي رد: المختار بن عبيدة الثقفي

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

يعطيك العافيه
على الطرح القيم
بوركت جهودك
وفي ميزان حسناتك
تحيااتي






التوقيع :
سبحان الله ..

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:49 AM.


منتديات أبو الفضل العباس
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات أبو الفضل العباس عليه السلام