الهالكون

الهـــــــــــــــــــالكون

ونعني بالهالكين الايسين من رحمة الله . وهذة الدرجة لاتكون الا للجاحدين والمعرضين والمتجردين للدنيا المكذبين بالله وبرسله وبكتبه , فان السعادة الاخروية تكمن في القرب من الله والنظر الى وجهه الكريم , وهذا لاينال الا بالمعرفة التي التي يعبر عنها بالايمان والتصديق , والجاحدون هم المنكرون , والمكذبون هم الايسون من رحمة الله ابد الاباد . وهم الذين يكذبون برب العالمين وبأنبيائه المرسلين وهم عن ربهم يمئذ محجوبون لا محالة, وكل محجوب فهو لا محالة محترق في نار جهنم التي هي عبارة عن نار الفراق .

ولذلك قال العارفون: ليس خوفنا من نار جهنم ولا رجاؤنا للحور العين وانما مطلبنا اللقاء ومهربنا من الحجاب فقط.
وقالوا . ان من يعبد الله بعوض فهو لئيم لأنه يعبده لطلب جنته او للخوف من ناره ,اما العارف فيعبده لذاته ولا يطلب الا ذاته فقط, اما الحور والفواكه فلا يشتهيها, واما النار فلا يتقيها. لان نار الفراق اذا استولت على قلب العارف غلبت النار المحرقه للاجسام, فان نار الفراق نار الله الموقدة التي تطلعوا على الافئدة ونار جهنم لا شغل لها الا مع الاجسام, والم الجسم يستحقر اذا ما قيس مع الم الفؤاد. ولذلك قيل :

ففي فؤاد المحب نار جوى احر نار الجحيم ابردها

ولاينبغي ان تنكر هذا في عالم الاخرة اذ له نظير في عالم الدنيا , فقد رئي من غلب عليه الوجد كيف عدا على النار وعلى اصول القصب الجارحة للقدم دون ان يحس به لفرط غلبة ما في قلبه من الوجد . ورئي كيف يستولي الغضب على الغضبان في القتال فتصيبه الجراحات وهو لا يشعر بها لان الغضب نار في القلب .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وعلى اله وسلم)
(الغضب قطة من النار)
واحتراق الفؤاد اشد من احتراق الاجساد, والاشد يبطل الاحساس بالاضعف .
اذن من استرقته صفات البهائم والسباع فهو محجوب, اما الصفات الملكوتيه فلا يناسبها ولا يلذها الا القرب من رب العالمين ولا يؤلمها الا البعد والحجاب . وكما ان الذوق لا يكون الا في اللسان والسمع في الاذن كذلك هذه الصفات الاخروية لا تكون الا في القلب .
فمن لا قلب له فهو فاقد لهذا الحس , وليس لكل انسان قلب ولو كان لما صح قوله تعالى :
( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )سورة ق/الاية 37

وليس المقصود من القلب هذا اللحم الذي تكتفه عظام الصدر , بل هو السر الذي هو من عالم الامر . وهذا اللحم الذي هو من عالم الخلق فهو عرشه والصدر كرسيه وسائر الاعضاء عالمه ومملكته ولله الخلق والامر جميعا . وذلك السر هو الذي قال الله تعالى فيه:
(قل الروح من امر ربي)سورة الاسراء /الاية 85

وهو الملك والامير لان بين عالم الامر وبين عالم الخلق ترتيبا , وعالم الامر امير عالم الخلق , وهي الطيفة التي اذا صلحت صلح لها سائر الجسد , والتي من عرفها فقد عرف نفسه ومنة عرف نفسه فقد عرف ربه .وعند ذلك يشم العبد مبادي روائح المعنى المطوي تحت قوله(صلى الله عليه وعلى اله وسلم :
(ان الله خلق ادم على صورته)

وينظر بعين الرحمة الى الجاحدين على ظاهر لفظه والى المتعسفين في طرق تأويله, وان كانت رحمته للجاحد على اللفظ اكثر وان اشتركوا في مصيبة المتعسفين اكثر وان اشتركوت في مصيبة الرحمان من حقيقة الامر. فالحقيقة فضل الله يؤتيها من يشاء والله ذو الفضل العظيم . وهي حكمته يخص بها من يريد ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا) سورة البقرة ,الاية /269

وعليه فقد ظهر ان رتبة الهلاك ليست الا للجهال المكذبين .