في السعودية حتى السيارات تعتقل

[%أسيرة الأحزان%]

في السعودية حتى السيارات تعتقل


محمد جبريل - « شبكة الملتقى » - 8 / 5 / 2009م - 3:21 م

تعجبت ضاحكاً حينما التقيت بأحد أصحابي الذي يعيش في العوامية عندما اخبرني بالصدفة أن السيارات عندنا تعتقل، فسألته مستغربا: ما هذه المزحة التي تمازحني بها (لأن من طباعه المزح الكثير)؟ هل تقصد عندما يقوم احد ما بمخالفة مرورية وتسحب سيارته؟ فقال لي لا. عندنا اعتقال السيارات من نوع آخر. فقلت له كيف؟ قال إن من تداعيات محاولة اعتقال الشيخ النمر هي مطاردة ابنه الوحيد لزجه في السجن ليكون رهينة حتى يسلم أبوه نفسه، أو حتى يمكن أن يقبع هو مع أبيه في السجن، لا لجرم ارتكبه الاثنان. ولكن بعد أن باءت محاولة السلطة في اعتقال ابن الشيخ، لجأت إلى اعتقال المسكينة.

قلت من هي المسكينة؟ هل تقصد أمه أو أخته (فذهب عن فكري السيارة) فضحك في وجهي وقال: لا أقصد بالمسكينة التي لا تستطيع أن تعبر عن نفسها. قلت: هل تقصد السيارة، فضحك أكثر، وقال: نعم.

فتعجبت وضحكت وقلت ما شاء الله! إننا من الدول المتقدمة، فالسيارات عندنا تعتقل سياسياً أيضا.

هذا هو المشهد الذي يصيب الكثير حين يسمعوه، بالخصوص إذا كان الكثير هم من خارج السعودية وبالخصوص إذا كانوا من دعاة حقوق الإنسان أو حتى الحيوان (لأن الحيوان مهم في الخارج لذلك له حقوق) لأن التعدي هنا في السعودية تجاوز الإنسان نفسه حتى وصل إلى ممتلكاته التي لا تبصر ولا تتكلم ولا تعقل. شيء مضحك أن نسمع عن اعتقال سيارة أحد ما في أي مكان ولكن المضحك أكثر عندما نعرف أن من أسباب اعتقال هذه السيارة يعود لسبب (سياسي).

بعد كلامه لي طبعا حسبته ما زال يمزح معي (لكونه مزوحاً) وطبعا لم استبعد الأمر كوني أنا في السعودية ومن السهل أن تصدق كل شيء يتعلق بانتهاك الحقوق من قبل السلطة هنا في السعودية. قلت له برهن لي لكي أتأكد ولا أكون كاذباً حينما احدث أحداً بالموضوع. قال: أن ترى بعينك هو البرهان الذي لا تستطيع تكذيبه، قلت: هل تستطيع أن تريني السيارة وهي معتقلة؟ ظننت انه سيريني مقطع فيديو، لكنه أخذني إلى العوامية فوراً، وبالتحديد الى جانب مركز الشرطة هناك، وفعلا رأيت السيارة مركونة داخل المركز خلف البناية الأمامية، ولونها حمراء من نوع كيا. حاولت أن أتأكد من مواصفات سيارة ابن الشيخ، وفعلا كان لها نفس المواصفات، فضحكت أكثر.

هنا في السعودية السيارات تعتقل لأنها تابعة لهذا الإنسان الشيعي فقط، فتهمتها أن هذا الإنسان يملكها أو كان يقودها فقط لا لأجل سبب آخر، مسكينة تلك السيارات فلو كانت تعلم أنها ستعتقل في يوم ما بسبب هذا الإنسان لما قبلت أن يتملكها وفضلت أن يتملكها إنسان آخر في بلد غير هذا البلد أو حتى فضلت البقاء في المصنع معززة مكرمة لا يصيبها ذل الاعتقال.

وأنا انظر إلى السيارة خطرت في بالي فكرة، وهي لو أن السيارة كانت تملك محامياً يستطيع الدفاع عنها ليخرجها من سجنها لتتمتع بالحرية خارج هذا السجن لكان شيئاً جميلا. ولكن سريعا ما التفت إلى ما أقوله ولمت نفسي وقلت هل أنت مجنون؟ في البدء ليكن حلمك أن يحصل السجناء في السعودية على محام حقيقي يترافع عن قضاياهم ويرد التهم غير الموجودة عنهم، ومن ثم احلم أن يكون للسيارات محام.

فكرت في السجناء المظلومين وما هو حالهم وكيف أنهم خلف القضبان بدون تهم موجهة ضدهم، وكيف هو حالنا نحن في هذه الدولة فهي تتصرف فينا كيفما تشاء ولا رقيب أو حسيب يحاسبها على ما تفعل. حزنت حينما همس صاحبي وقال لي: نحن هنا من دون كرامة فكيف تتوقع أن يكون حال السجناء؟ فهل تتوقع أن تحقق لهم السلطة حياة كريمة داخل السجن ونحن في الخارج نعيش الذل. أخبرني هذا بعد أن شاطرته بعض ما مر في خيالي من تفكير فأطرقت رأسي حزيناً ولكنه قال لي: لا تحزن فإن الله معنا وسينصرنا لأننا قررنا أن لا نقبل أن نعيش بدون كرامتنا بعد اليوم، وسيأتي اليوم الذي نحرر فيه أسرانا جميعهم وجميع سياراتهم وممتلكاتهم (قال سياراتهم وممتلكاتهم وهو مبتسم).. وسنحقق العيش الكريم بإذن الله.

نزلت مني دمعة حينما قال هذا الكلام لأني تذكرت حينها السجناء المنسيين الذين مازالوا في السجن ولا تهم موجهة ضدهم هم والسجناء الذين سجنوا في قضية الكرامة وكل السجناء المظلومين، ولكن شعرت بأمل بما قاله لي وقلت أتمنى أن يأتي هذا اليوم سريعاً وإن شاء الله سيأتي وتذكرت قول الشاعر:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

وفعلا لابد أن يستجيب القدر لأي أمة تقرر أن تخرج من الذل والعبودية إلى العز والكرامة.