12-26-2008, 09:40 PM | رقم المشاركة : 1 |
إرادة الحياة لابي القاسم الشابي
إرادة الحياة إرادة الحياة هي قصيدة نظمها أبو القاسم الشابي في 26 جمادى الأولى 1352 هـ/ الموافق 16 أيلول/سبتمبر 1933م.وقد تم استخدام جزء منه في النشيد الوطني لتونس. وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي * وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ * تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ *مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ * وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ * وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ *رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ * وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ * يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ * وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ * وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ لَمَّا سَأَلْتُ : *" أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟" "أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ * وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ *وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ * وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ * وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم * لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ * مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!" وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ * مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ * وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ * لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟ فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ * وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ * مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ * شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ * وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ * وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا * وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ * وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ * تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ * ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر وَذِكْرَى فُصُول ٍ ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ *وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ * وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ * وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ * وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر "ويًَمشيْ الزَّمانُ، فتنموْ صُروفٌ * وتذْوي صُروفٌ، وتحْيا أُخَر وتُصبحُ أحلامُها يَقْظةً، * مُوَشَّحةً بغُموضِ السَّحر تُسائِلُ: أينَ ضَبابُ الصَّباحِ، * وَسِحْرُ المساءِ؟ وضوْئُ القَمر؟ وَأسْرابُ ذاكَ الفَراشِ الأنيقِ؟ * ونَحْلٌ يُغَنيْ، وغَيمٌ يَمُرّ وأينَ الأشِعَّةُ والكائِناتُ؟ * وأينَ الحياةُ الَّتي أنْتظِر ظمِئتُ إلى النُّور، فوقَ الغُصونِ! * ظمِئتُ إلى الظِلِّ تحْتَ الشَّجار! ظَمِئتُ إلى النَّبْعِ، بَيْنَ المُروجِ * يُغَنّين ويّرْقُصُ فَوْقَ الزّهَر! ظَمِئتُ إلى نَغَمَتِ الطُّيورِ، * وهَمسِ النَّسيم، ولَحْنِ المَطر! ظَمِئتُ إلى الكونِ! أيْنَ الوُجودُ * وأنَّي أرَى العالَمَ المنتظر هو الكَوْنُ، خَلْفَ سُباتِ الجُمود * وفي أثفُقِ اليَقَظاتِ الكُبَر" وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ * حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر فصدّعت الأرض من فوقـها * وأبصرت الكون عذب الصور وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه * وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه * تعيد الشباب الذي قد غبـر وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ * وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي * شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ * يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر إليك الفضاء ، إليك الضيـاء * إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر إليك الجمال الذي لا يبيـد * إليك الوجود الرحيب النضر فميدي كما شئتِ فوق الحقول *بِحلو الثمار وغـض الزهـر وناجي النسيم وناجي الغيـوم *وناجي النجوم وناجي القمـر وناجـي الحيـاة وأشواقـها * وفتنـة هذا الوجـود الأغـر وشف الدجى عن جمال عميقٍ * يشب الخيـال ويذكي الفكر ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ * يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء * وَضَاعَ البَخُورُ ، بَخُورُ الزَّهَر وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ * بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ * في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ * لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ * فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ |
|
|
العلامات المرجعية |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|